عناصر الموضوع

مفهوم الهوى

الهوى في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

النهي عن اتباع الهوى

مجالات اتباع الهوى

وسائل مقاومة الهوى

آثار اتباع الهوى

الهوى

مفهوم الهوى

أولًا: المعنى اللغوي:

(هوي) «الهاء والواو والياء: أصل صحيح يدل على خلو وسقوط. أصله الهواء بين الأرض والسماء، سمي لخلوه. قالوا: وكل خال هواء، ويقال: هوى الشيء يهوي: سقط. وهاوية: جهنم؛ لأن الكافر يهوي فيها» 1.

والهوى مقصورٌ، هوى النفس والضمير: أي: إرادتها، والجمع الأهواء، و الهوى: محبة الإنسان الشيء وغلبته على قلبه، تقول: هوي بالكسر يهوى هوًى أي: أحب. ورجلٌ هوٍ: ذو هوًى، وامرأة هويةٌ: لا تزال تهوى 2. «وهوى الشيء يهوي هويًا إذا سقط من علو إلى سفلٍ، وذلك لأن الإنسان إذا اتبع هواه؛ فقد هوى وسقط »3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

ذكر العلماء عدة تعريفات لللهوى، منها:

  1. عدم العدل.

    وهذه من العلل التي ذكرها القرآن في التحذير من اتباع الهوى، ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: ( ﭟﭠ ﭨﭩ ﭮﭯ ) [النساء: ١٣٥].

    فهذه الآية أتت «بعد أن أمر سبحانه وتعالى بالقسط في اليتامى والنساء في سياق الاستفتاء فيهن؛ لأن حقهن آكد، وضعفهن معهود؛ لتعمم الأمر بالقسط بين الناس؛ لأن قوام أمور الاجتماع لا يكون إلا بالعدل، وحفظ النظام لا يتم إلا به»25.

    والقيام بالقسط من أعظم الأمور التي تدل على حسن ديانة القائم به، فحري بطالب النجاة أن يهتم له غاية الاهتمام، وأن يبعد عن نفسه كل من شأنه تعويقها عن القيام بالقسط والعمل به.

    «وأعظم عائق لذلك اتباع الهوى؛ ولهذا نبه سبحانه وتعالى على إزالة هذا المانع بقوله: ( ) [النساء: ١٣٥]26.

    أي: «لإقامة العدل لا تتبعوا الهوى»27.

    فإنكم إن اتبعتموه وسرتم خلفه «عدلتم عن الصواب، ولم توفقوا للعدل، فإن الهوى إما أن يعمي بصيرة صاحبه حتى يرى الحق باطلًا، والباطل حقًا، وإما أن يعرف الحق ويتركه لأجل هواه، فمن سلم من هوى نفسه وفق للحق وهدي إلى الصراط المستقيم»28.

  2. الضلال عن سبيل الله.

    الإنسان ما جاء في هذه الحياة إلا ليعبد الله، ويحسن السير إليه، فإن ضل الإنسان غايته، وابتعد عن سبيل ربه فقد خسر دنياه وأخراه؛ ولذا ذكر القرآن الضلال عن سبيله كعلة للتحذير من اتباع الأهواء.

    قال سبحانه وتعالى: ( ﯿ ﰇﰈ ) [ص: ٢٦].

    وهكذا تتجلى الخاتمة المؤسفة، ويظهر المصير السيئ الذي يؤدي إليه اتباع الهوى ( ) [ص:٢٦].

    أي: «فيضلك اتباع الهوى عن دين الله القويم، وشرعه المستقيم»29.

    ومتابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل الله؛ لأن «الهوى يدعو إلى الاستغراق في اللذات الجسمانية، والاستغراق فيها يمنع من الاشتغال بطلب السعادات الروحانية التي هي الباقيات الصالحات؛ لأنهما حالتان متضادتان، فبقدر ما يزداد أحدهما ينقص الآخر »30.

    النوع الثاني: النهي غير المعلل.

    وذلك بأن ينهى عن اتباع الهوى دون بيان علة ذلك النهي أو سببه.

    ويظهر ذلك في أكثر من آية من الآيات التي حذرت من اتباع الهوى.

    ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: ( ﭿ ﮆﮇ ﮋﮌ ﮚﮛ ﮠﮡ )[الأنعام:١٤٨-١٥٠].

    ففي هذه الآيات «تثبيت للنبي الكريم على طريقه المستقيم الذي أقامه الله عليه، وألا يأخذ بشهادة من يشهدون على هذا الزور»31، وكذلك نهى عن موافقة «الذين حكموا أهواءهم فكذبوا بآيات الله فيما ذهبوا إليه من تحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرم الله»32.

    وها هنا نلحظ أن النهي عن اتباع الهوى جاء مجردًا من العلة الكامنة وراءه، وكذا نلحظ هذا أيضًا في قوله سبحانه وتعالى: ( ﭚﭛ ﭣﭤ ) [الكهف: ٢٨].

    ففي هذه الآية «يأمر سبحانه وتعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه السلام أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين»33 ( ) [الكهف: ٢٨].

    وكذا تحذره من الابتعاد عنهم، واتباع من غفل عن ذكر الله فأغفله الله عن ذكره، ومن اتبع هواه «أي: صار تبعًا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه؛ فهو قد اتخذ إلهه هواه»34. وها هنا نلحظ التحذير والنهي عن اتباع الهوى خاليًا من ذكر العلة.

    ثانيًا: وصف متبعي الهوى بأقبح الصفات:

    المتأمل لآيات القرآن الكريم يجد أن الله سبحانه وتعالى ذم اتباع الهوى، وبين خطورته بأكثر من سبيل، ومن هذا وصف متبع الهوى بصفات عديدة، تدل على عظم جرمه، وشنيع فعله، وفيما يلي عرض لهذه الأوصاف:

  1. الضلال.

    أخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه أن من صفات متبع الهوى: الضلال وعدم الهداية، فقال سبحانه وتعالى: ( ﯮﯯ ﯸﯹ ﯿ) [القصص: ٥٠].

    يقول الطبري: «( ) عن طريق الرشاد وسبيل السداد ( ) هوى نفسه () بيان من عند الله؛ فإن الله لا يوفق لإصابة الحق وسبيل الرشد القوم الذين خالفوا أمر الله، واتبعوا أهواء أنفسهم»35.

    ففي هذه الآية إشارة إلى أن المتبع لهواه من أضل الناس؛ لأنه «عرض عليه الهدى، والصراط المستقيم الموصل إلى الله، وإلى دار كرامته فلم يلتفت إليه، ولم يقبل عليه، ودعاه هواه إلى سلوك الطرق الموصلة إلى الهلاك والشقاء فاتبعه وترك الهدى، فهل أحد أضل ممن هذا وصفه؟!»36.

    والسر في ضلال متبع الهوى وكونه لا أضل منه «أن الضلال في الأصل خطأ الطريق، وأنه يقع في أحوال متفاوتة في عواقب المشقة، أو الخطر، أو الهلاك بالكلية على حسب تفاوت شدة الضلال، واتباع الهوى مع إلغاء إعمال النظر، ومراجعته في النجاة يلقي بصاحبه إلى كثير من أحوال الضر بدون تحديد ولا انحصار فلا جرم يكون هذا الاتباع المفارق لجنس الهدى أشد الضلال، فصاحبه أشد الضالين ضلالًا»37.

    ومما يدل على شدة ضلال متبع الهوى: «تقييد اتباع الهوى بعدم الهدى من الله»38.

    فالإنسان -من حيث هو إنسان- لا يخلو حتمًا من الهوى «فإذا كان مع الهوى هدى من الله غلب الإنسان هواه وقهره، وإذا لم يكن معه من هدى الله شيء يمسك زمام هواه كان على طريق الهوى أبدًا، لا يعدل عنه إلى طريق الحق والهدى أبدًا؛ ولهذا جاء الوصف لأصحاب الهوى الذين لا يلقاهم هدى الله مقررًا أنهم أضل الضالين كما قال سبحانه وتعالى: ( ﯸﯹ ﯿ) [القصص: ٥٠].

    فقد يضل الإنسان وينحرف متبعًا هواه، ولكن حين يلقاه هدى الله على طريق غوايته يستقيم ويهتدي، أما إذا لم يلقه هدى الله فلن يهتدي أبدًا»39.

    ومن الآيات التي وصفت متبع الهوى بالضلال قوله سبحانه وتعالى: ( ) [المائدة: ٧٧].

    فمن تأمل في الآية وجد أن الله تعالى وصف المتبع لهواه بثلاث صفات: ( ) [المائدة: ٧٧].

    والسبب في كل هذا الضلال هو اتباع الهوى ومخالفة الشرع، فمتبع الهوى ضال بنفسه مضل لغيره.

    قال سبحانه وتعالى: ( ﭪﭫ ) [الأنعام: ١١٩].

    قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: (ليضلون) بفتح الياء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي ونافع بضم الياء، فمن قرأ بالفتح أشار إلى كونه ضالًا، ومن قرأ بالضم أشار إلى كونه مضلًا40.

    وفائدة القراءتين بيان وقوع الأمرين بالإيجاز العجيب، والمعنى أن من الثابت أن كثيرًا من الناس يضلون غيرهم كما ضلوا، كما أن كثيرًا منهم يضل في ذلك من تلقاء نفسه، وكلٌّ من ذلك الضلال والإضلال واقعٌ بأهواء أهله لا بعلمٍ مقتبسٍ من الوحي41.

    وأيضًا من الآيات الواصفة لمتبعي الهوى بالضلال قوله سبحانه وتعالى: ( ) [الأعراف: ١٧٥].

    يعني: فصار من الضالين الكافرين42.

  2. التشبيه بالكلب.

    من الأوصاف البغيضة التي وصف الله سبحانه وتعالى بها المتبع لهواه والمخالف للشرع التشبيه بالكلب.

    قال جل جلاله: ( ﯓﯔ ) [الأعراف: ١٧٦].

    هذا مثل ضربه الله تعالى تشبيهًا لمتبع الهوى، الذي يقدم هواه على الشرع والحق، وهو تشبيه دقيق، وصورة حية لهذا الإنسان المهين الذي قدم هواه على الدين القويم، وهكذا المتبع هواه في كل حالٍ، فـ«من خرج عن حيز الهدى والعلم، وأقبل على هواه صار شبيهًا بالكلب، وبئس المثل مثله»43.

    فالكلب «من أخبث الحيوانات، وأوضعها قدرًا، وأخسها نفسًا، وهمته لا تتعدى بطنه، وأشدها شرهًا وحرصًا، ومن حرصه أنه لا يمشي إلا وخطمه في الأرض يتشمم ويستروح؛ حرصًا وشرهًا، ولا يزال يشم دبره دون سائر أجزائه، وإذا رميت إليه بحجر رجع إليه؛ ليعضه من فرط نهمته، وهو من أمهن الحيوانات، وأحملها للهوان، وأرضاها بالدنايا، والجيف القذرة المروحة أحب إليه من اللحم الطري، والعذرة أحب إليه من الحلوى، وإذا ظفر بميتة تكفي مائة كلب لم يدع كلبًا واحدًا يتناول منها شيئًا إلا هر عليه وقهره؛ لحرصه وبخله وشرهه، ومن عجيب أمره وحرصه أنه إذا رأى ذا هيئة رثة، وثياب دنية، وحال زرية نبحه، وحمل عليه كأنه يتصور مشاركته له ومنازعته في قولته، وإذا رأى ذا هيئة حسنة، وثياب جميلة، ورياسة وضع له خطمه بالأرض، وخضع له، ولم يرفع إليه رأسه»44.

  3. الظلم.

    من الأوصاف التي وصف الله بها متبع الهوى أنه ظالم.

    قال سبحانه وتعالى: ( ﯿ ﰃﰄ ) [البقرة: ١٤٥].

    ففي هذه الآية تحذير شديد اللهجة من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه السلام بعدم اتباع الهوى وإلا صار في عداد الظالمين؛ لأن «اتباع الهوى بعد التحقيق بالعلم يدخل متحريه في جملة الظلمة»45.

    وأي ظلم أشد وأعظم «من ظلم من علم الحق والباطل فآثر الباطل على الحق»46؟!.

    والناظر يجد أن الذي أوجب لهم الظلم وأوقعهم فيه وسجله عليهم هو اتباعهم الهوى.

    قال الله جل جلاله: ( ) [الروم: ٢٩].

    ووصف اتباع الهوى بالظلم؛ لأن «الأمر ليس قصورًا في الأدلة، ولا عدم وضوح في الحجج، وإنما الظالمون اتبعوا أهواءهم، أي: ما يهوونه ويشتهونه بغير علمٍ من نفعه وجدواه لهم فضلوا لذلك»47.

    وكذا لأنهم تركوا شرع الله الواضح وهديه القيم، و«أخذوا أهواءً شتى تعارضت وتضاربت فلم يصلوا منها إلى نتيجة، وكذلك لأنهم أعطوا أنفسهم شهوة عاجلة، ولذة فانية، وغفلوا عن عاقبة ذلك، فهم إما كارهون لأنفسهم، أو يحبونها حبًا أحمق، وهذه آفة الهوى حينما يسبق العقل ويتحكم فيه»48.

  4. الاستكبار.

    وهذه من الأوصاف التي وصف الله بها متبع الهوى، قال عز وجل: ( ) [البقرة: ٨٧].

    فهذه الآية تصف اليهود -الذين اتبعوا أهواءهم، فقتلوا فريقًا من الأنبياء، وكذبوا فريقًا- بالاستكبار، والاستكبار هو الاتصاف بالكبر، والمراد به هنا: «الترفع عن اتباع الرسل وإعجاب المتكبرين بأنفسهم، واعتقاد أنهم أعلى من أن يطيعوا الرسل، ويكونوا أتباعًا لهم»49.

    وكان من الممكن أن يكونوا هداة، وأن يحسنوا السير وراء أنبيائهم، ولكنهم «أصغوا إلى دعاء الداعين بسمع الهوى، فما استلذته النفوس؛ قبلوه، وما استثقلته أهواؤهم جحدوه»50.

    فأعرضوا عن الحق مع ظهوره، والمتأمل يدرك أن سبب استكبارهم هذا إنما جلبه عليهم سيرهم وراء الهوى، فأن يكون دأبهم الإعراض والإيذاء مع رسل الله جميعًا فـ«تلك أمارة على أنهم إنما يعرضون عن الحق؛ لأجل مخالفة الحق أهواءهم، وإلا فكيف لم يجدوا في خلال هذه العصور، ومن بين تلك المشارب ما يوافق الحق ويتمحض للنصح»؟!51.

    فدلائل الحق كانت واضحة ولكنهم ساروا وراء الهوى فاستكبروا، نعوذ بالله عز وجل من هذا الوصف المشين.

  5. التكذيب بالحق.

    من الصفات التي وصف الله بها متبع الهوى التكذيب بالحق، قال عز وجل: ( ﯜﯝ ) [القمر: ٣].

    فهؤلاء المشركون بعد ما أتتهم آيات الله، وعاينوا الدلالة على صحتها آثروا اتباع ما دعتهم إليه أهواء أنفسهم من تكذيب ذلك على التصديق52.

    فالآية تثبت بوضوح أن التكذيب صفة من صفات متبعي الهوى، وأنه «لا دافع لهم إليه إلا اتباع ما تهواه أنفسهم من بقاء حالهم على ما ألفوه وعهدوه واشتهر دوامه»53.

    فبين التكذيب والهوى إذًا صلة كبيرة «فإذا حصل اتباع الهوى فمن شؤمه يحصل التكذيب؛ لأن الله يلبس على قلب صاحبه؛ حتى لا يستبصر الرشد»54.

    ومن الآيات التي أكدت على أن متبع الهوى مكذب بالحق قوله: ( ) [الأنعام: ١٥٠].

    فتأمل كيف وضع سبحانه وتعالى الظاهر موضع الضمير؛ إذ لم يقل: ولا تتبع أهواءهم «للدلالة على أن من كذب بآيات الله وعدل به غيره أي: سوى به الأصنام فهو متبع للهوى لا غير؛ لأنه لو اتبع الدليل لم يكن إلا مصدقًا بالآيات، موحدًا لله عز وجل »55 بل قال سبحانه وتعالى: ( )

    ومن التكذيب بالحق التكذيب باليوم الآخر، قال سبحانه وتعالى: ( )

    فمن الأوصاف التي ذكرتها الآية لأهل الأهواء أنهم «على جهلهم واتباع أهوائهم لا يؤمنون بالآخرة، فيحملهم الإيمان على سماع الحجة إذا ذكروا بها»56.

    وما ذلك إلا لأن الهوى يعلق صاحبه بالدنيا وزخرفها ومتاعها الزائل «ويطمس بصيرته فيدفعه للكفر بساعة القيامة والبعث ليوم الجزاء»57.

    فهناك إذًا تلازم ظاهر وارتباط واضح بين الكفر بالآخرة واتباع الهوى.

    قال جل جلاله: ( ﯿ ﰇﰈ ) [ص: ٢٦].

    ففي هذه الآية يظهر أثر الهوى، وكيف أنه يمنع الإيمان باليوم الآخر.

    يقول صاحب معارج التفكر: «يلاحظ في هذه الآية ترتيب حلقات سلسلة الأسباب بعضها على بعض، فاتباع الهوى ينسي العمل للنجاة والظفر يوم الدين الذي يكون فيه الحساب وفصل القضاء وتحقيق الجزاء، وهذا يؤدي للضلال عن سبيل الله، والسقوط في المعاصي وكبائر الذنوب تنازلًا حتى دركة الكفر بالله، وجحود يوم الدين، وهذا يؤدي إلى استحقاق العقاب والعذاب الشديد بقدر تنازل الدركات، ويكون لكل مذنب استحقاق من العذاب بما يناسب الدركات»58.

    وهكذا يتضح أن التكذيب باليوم الآخر من خصائص من اتبع هواه.

    ومن الآيات التي أكدت على هذا قوله سبحانه وتعالى: ( ) [طه: ١٥ - ١٦].

    فتأمل كيف أنه قرن اتباع الهوى بعدم الإيمان باليوم الآخر؛ ليدل على أنه لا داعي لهم للصد عن الإيمان بالساعة إلا اتباع الهوى، دون دليل ولا شبهة، بل الدليل يقتضي الإيمان بالساعة، كما أشار إليه قوله عز وجل: ( ) [طه: ١٥].

    وبهذا يظهر أن التكذيب بالآخرة من خصائص متبع الهوى، وليس ذلك لغموض في دلائلها، ولكن الهوى يعمي صاحبه فلا يرى الحق مع فرط ظهوره.

  6. الجهل وعدم العلم.

    شرع الله ظاهر وواضح لا لبس فيه، ولا غموض، ومن ابتعد وانحرف عنه، فهو لا شك ينطوي على جهل كبير؛ ولذا كانت من الصفات التي وصف الله بها متبع الهوى في القرآن أنه جاهل عديم العلم.

    قال سبحانه وتعالى: ( ) [الجاثية: ١٨].

    فها هنا ينهى الله نبيه صلى الله عليه السلام عن اتباع من «استولى عليهم الجهل، واستبد بهم العمى، فانقادوا لأهوائهم، ولم يلتفتوا إلى هذا الهدى الذي يدعون إليه»59.

    وهدى الله سبحانه وتعالى هو «النقطة الثابتة التي يقف عليها من يؤمن به فلا تتزعزع قدماه، ولا تضطرب خطاه؛ لأن الأرض ثابتة تحت قدميه لا تتزلزل ولا تخسف ولا تغوص، وكل ما حوله -عدا الحق الثابت- مضطرب مائج مزعزع مريج، لا ثبات له ولا استقرار، ولا صلابة له ولا احتمال.

    فمن تجاوزه فقد الثبات والاستقرار والطمأنينة والقرار، فهو أبدًا في أمر مريج لا يستقر على حال، ومن يفارق الحق تتقاذفه الأهواء، وتتناوحه الهواجس، وتتخاطفه الهواتف، وتمزقه الحيرة، وتقلقه الشكوك، ويضطرب سعيه هنا وهناك، وتتأرجح مواقفه إلى اليمين وإلى الشمال، وهو لا يلوذ من حيرته بركن ركين، ولا بملجأ أمين»60.

    فأي علم عند متبع الهوى جعله يبتعد عن الحق الثابت، ويعرض عن الهدى الواضح الأصيل والمنهاج السليم المبرأ من الخلل؛ لتتناوحه الشكوك وتتقاذفه الأهواء إنه لا شك جاهل، بل هو أجهل الجهلاء.

    وهكذا يظهر من خلال تتبع أوصاف متبع الهوى في القرآن شدة تنفيره منه، وبغضه له، وصد الناس عنه، فنسأل الله أن يعيننا على مجانبة الأهواء، والتزام الصراط المستقيم.

    ثالثًا: الوعد بالجنة لمن نهى النفس عن الهوى:

    استحضار الأجر والثواب من أكثر ما يعين الإنسان على الفعل، ويدفعه للصبر على لأوائه ومتاعبه، وتحمل مشاقه ومصاعبه؛ ولذا فمن الأساليب التي اتبعها القرآن في النهي عن الهوى الوعد بالجنة لمن نهى النفس عن الهوى.

    قال جل جلاله: ( ) [النازعات: ٤٠ - ٤١].

    ففي قوله سبحانه وتعالى: ( ) [النازعات: ٤٠].

    إشارة إلى أن الإنسان «إذا لم يقم على نفسه ناهيًا ينهاها، وزاجرًا يزجرها عن اتباع هواها كلما دعتها دواعيه انقاد لهذا الهوى الذي يغلبه على أمره، ويطرحه في مطارح الضلال والهلاك»61.

    وما ذلك إلا لأن «الهوى هو الدافع القوي لكل طغيان وكل تجاوز، وكل معصية، وهو أساس البلوى، وينبوع الشر، وقل أن يؤتى الإنسان إلا من قبل الهوى»62.

    فالهوى إذا بلاء عظيم، وجهاده يحتاج لصبر وتحمل، فمقاومة النفس وصرفها عن هواها جهاد و«الله يعلم ضخامة هذا الجهاد وقيمته كذلك في تهذيب النفس البشرية وتقويمها، ورفعها إلى المقام الأسنى»63.

    ونهي النفس عن الهوى مكابدة وحرمان من لذائذ وشهوات الدنيا؛ لذا كان المقابل أن تجازى بالجنة التي حكى القرآن عنها كثيرًا، وفصل في نعيمها طويلًا، وأتى بكل ما تحبه النفس، بل ما لم يمكن تصوره من حور عين لا يحيط الخيال بحسن جمالهن، وخمر لذة للشاربين، وفواكه لا نعرف عنها إلا اسمها، لكن حقيقتها لا يتصوره عقل، ولحم طير مما تشتهيه النفس، وقصور لم ولن ترى الدنيا مثلها، وغير ذلك مما وصف الله في كتابه وبين نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته؛ ليشجع المجاهدين على الصبر في مقاومة إغراءات الهوى، ويحث الممتنعين عن الانغماس في الشهوات المحرمة على ثباتهم في مقاومة الهوى.

    فمن «نهى نفسه عن هواها الذي يقيدها عن طاعة الله، وجاهد الهوى والشهوة الصادين عن الخير ( ) [النازعات: ٤١]»64.

    وأنعم به من مأوى حيث «العيون الجارية، والسرر المرفوعة، والأكواب الموضوعة، والنمارق المصفوفة65 والزرابي المبثوثة66 والكواعب67 العرب الأتراب، ولقاء الأحباب»68.

    فلا شك أن استحضار هذا الجزاء العظيم، والخير العميم من أشد ما يعين العبد على مجانبة الهوى، ونهي النفس عنه كما أنه يقطع حجته في الميل للهوى بحجة أنه مركب في طبيعته «فالذي أودع نفسه الاستعداد لجيشان الهوى هو الذي أودعها الاستعداد للإمساك بزمامه، ونهي النفس عنه، ورفعها عن جاذبيته، وجعل له الجنة جزاءً ومأوى حين ينتصر ويرتفع ويرقى»69.

    رابعًا: النهي عن طاعة أصحاب الهوى ومجالستهم:

    ذكرنا فيما سبق أن القرآن الكريم تنوعت أساليبه في النهي عن اتباع الهوى، وكل ذلك لبيان خطره، والتنفير منه بشتى الصور التي تعين المرء على إدراك مدى بشاعته.

    ومن هذه الأساليب الربانية الحكيمة: النهي عن طاعة أصحاب الهوى.

    قال تعالى: ( ﭣﭤ ) [الكهف: ٢٨].

    وقال سبحانه وتعالى: ( ) [البقرة: ١٦٦].

    تتحدث الآية عن تبرؤ المحبين بعضهم لبعض، وتبرؤ التابع من المتبوع بعد تقطع أسباب المودة والحب، فقد جاءت بعد بيان الله لفئة تتخذ أندادًا ونظراءً؛ حبًا ومودة من دون الله، وهذا الحب غالبًا ما يكون منشأه الهوى، وميل النفس، ويعقبه تعظيم وطاعة، وهي مضمون العبادة التي وقع فيها هؤلاء فلو أنهم تبرءوا منهم وممن يعبدونهم ما تأثروا كما تأثر أترابهم وأصدقائهم.

    وكذا النهي عن مجالستهم، حيث إنها طريقة من طرق محاربة هذا الصفة الذميمة، فالأفكار تنتشر عن طريق التواصل مع الآخرين، لاسيما المصاحبة والملازمة، فالصاحب -كما هو معلوم- ساحب، وقد قال صلى الله عليه السلام: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)70.

    والمقصود أن الإنسان يحاكي صاحبه في خلقه وسلوكه، فإن كان الصاحب متبعًا للهوى حتمًا سيؤثر في نفسه وسلوكه، وقد ذكر الله مآل أصدقاء السوء للحذر والتنفير من هذه الصداقة والمشابهة في السلوك، وبين أن مآلهم إلى الجحيم، قال سبحانه وتعالى: ( ﯿ ) [الصافات: ٢٢-٢٣].

    والمعنى: احشروا الذين ظلموا ومن هم على شاكلتهم من المذنبين، فهم أزواج متشاكلون 71.

    وعن النعمان قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: أشباههم قال: يجيء صاحب الربا مع أصحاب الربا، وصاحب الزنا مع أصحاب الزنا، وصاحب الخمر مع أصحاب الخمر72.

    وأخبر جل جلاله: ( ﮋﮌ ) [الصافات: ٣٣-٣٤].

    وقوله: ( ) [الصافات: ٣٨].

    وفي قوله سبحانه وتعالى: ( ﭚﭛ ﭣﭤ ) [الكهف: ٢٨].

    جاءت هذه الآية بعد ذكر قصة أهل الكهف، وما كان من شأن صحبتهم الطيبة، وتعانق قلوبهم، واجتماع كلمتهم على حب الله؛ لتوجه النبي صلى الله عليه السلام إلى أهمية مصاحبة أهل التقى، وتحذره من مصاحبة أهل الأهواء الذين اقترحوا عليه طرد الفقراء والضعفاء ليجالسوه.

    يقول ابن عاشور: هذه الآية جاءت ردًا على سادة المشركين، حيث إنهم زعموا أنه لولا أن من المؤمنين ناسًا أهل خصاصة في الدنيا، وأرقاء لا يدانوهم، ولا يستأهلون الجلوس معهم؛ لأتوا إلى مجالسة النبي صلى الله عليه السلام واستمعوا القرآن، فاقترحوا عليه أن يطردهم من حوله إذا غشيه سادة قريش، فرد الله عليهم بهذه الآية73.

    وفي هذه الآية أمره «بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم ومخالطتهم -وإن كانوا فقراء- فإن في صحبتهم من الفوائد ما لا يحصى»74.

    وتأمل كيف أن الله عبر عنهم بالموصول، فقال: ( ) [الكهف: ٢٨].

    وذلك «للإيماء إلى تعليل الأمر بملازمتهم، أي: لأنهم أحرياء بذلك؛ لأجل إقبالهم على الله، فهم الأجدر بالمقارنة والمصاحبة»75.

    ثم قال بعدها: ( ﭣﭤ) [الكهف: ٢٨].

    وفي ذلك تأكيد «الأمر بمواصلتهم بالنهي عن أقل إعراض عنهم»76.

    ثم راحت الآية بعد ذلك تحذر من مخالطة صاحب الهوى ومصاحبته وطاعته ( ) [الكهف: ٢٨].

    وما ذلك إلا لأن «طاعته تدعو إلى الاقتداء به؛ ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به»77.

    وفي التعبير عن المنهي عن الصبر معهم ومصاحبتهم بالموصول «للإيذان بعلية ما في حيز الصلة للنهي عن الإطاعة»78.

    فمن غفل قلبه عن الذكر، وامتلأ بالهوى، وصار أمره في جميع أعماله وأحواله ضياعًا وهلاكًا، فماذا ينتظر من صحبته إلا الفساد؟!

    ومما يدل على شدة التنفير من مصاحبة صاحب الهوى زيادة فعل الكون في ذيل الآية التي تدل على «تمكن الخبر من الاسم»79.

    أي: شدة تمكن الضياع والهلاك، فهل يرجى خير من مصاحبته بعد هذا؟!

    وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه السلام قال: (إنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء، كما يتجارى الكلب80 بصاحبه، فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله)81.

    ولهذا الحديث وجه في الاستدلال على وجوب الحذر من مجالسة ومخالطة أهل البدع، وبيان ذلك أن داء الكلب فيه ما يشبه العدوى، فإن أصل الكلب واقع بالكلب، ثم إذا عض ذلك الكلب أحدًا صار مثله، ولم يقدر على الانفصال منه في الغالب إلا بالهلكة، فكذلك المبتدع إذا أورد على أحد رأيه وإشكاله فقلما يسلم من غائلته، بل غالبًا ما يقع معه في مذهبه، ويصير من شيعته، أو يثبت في قلبه شكًا يطمع في الانفصال عنه فلا يقدر.

    وقد فهم هذا المعنى الدقيق ابن طاووس حين دخل عليه وعلى ابنه أحد المبتدعة فجعل يتكلم في القدر، فأدخل ابن طاووس أصبعه في أذنيه وقال لابنه: «أدخل أصابعك في أذنيك واشدد، فلا تسمع من قوله شيئًا؛ فإن القلب ضعيف»82.

    وهكذا الأهواء إذا أشربها قلب صاحبها صارت كالداء المهلك الذي لا ينجو منه إلا القليل، ومن كانت هذه حاله فقل أن ينزع أو يتوب؛ ولهذا قال سفيان الثوري: «إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن البدعة لا يتاب منها، والمعصية يتاب منها»83.

    قال المباركفوري: (تتجارى) بالتاءين، أي: تدخل وتجري وتسري (بهم) أي: في مفاصلهم وعروقهم تلك (الأهواء) جمع هوى، وهي البدع التي كانت السبب في الافتراق، وضعت موضعها وضعًا للسبب موضع المسبب؛ لأن هوى الرجل هو الذي يحمله على الابتداع في العقيدة والقول والعمل، (كما يتجارى الكلب) بفتحتين داء يعرض للإنسان من عض الكلب (الكلب) أي: المكلوب، وهو داء يصيب الكلب فيصيبه شبه الجنون فلا يعض أحدًا إلا كلب، ويعرض له أعراض رديئة ويمتنع من شرب الماء حتى يموت عطشًا، كذا في النهاية84.

    (بصاحبه) أي: مع صاحبه إلى جميع أعضائه، أي: مثل جري الكلب في العروق، شبه حال الزاغين من أهل البدع في استيلاء تلك الأهواء عليهم، وفي سراية تلك الضلالة منهم إلى الغير بدعوتهم إليها، ثم تنفرهم من العلم وامتناعهم من قبوله؛ حتى يهلكوا جهلًا، بحال صاحب الكلب، وسريان تلك العلة في عروقه ومفاصله شبه الجنون، ثم تعديته إلى الغير، فلا يعض المجنون أحدًا إلا كلب أي: جن، ويعرض له أعراض رديئة -تشبه الماليخوليا مهلكة غالبًا- ويمتنع من شرب الماء حتى يموت عطشًا.

    وفي هذا التشبيه فوائد: منها التحذير من مقاربة تلك الأهواء ومقاربة أصحابها، هذا بخلاف سائر المعاصي فإن صاحبها لا يضاره، ولا يدخله فيها غالبًا إلا مع طول الصحبة والأنس به، والاعتياد لحضور معصيته، وقد أتى في الآثار ما يدل على هذا المعنى، فإن السلف الصالح نهوا عن مجالستهم ومكالمتهم، وأغلظوا في ذلك85.

    خامسًا: من خلال الاعتبار بقصص السابقين:

    كثيرًا ما يستعمل القرآن في التعبير عن مراداته وأغراضه عنصر القصة؛ وذلك« لما في التنظير بالقصة المخصوصة من تذكر مشاهدة الحالة بالحواس، بخلاف التذكير المجرد عن التنظير بالشيء المحسوس»86.

    ولأن القصة أيضًا من أقرب الوسائل التربوية إلى فطرة الإنسان، ومن أكثر العوامل النفسية تأثيرًا فيه، فالمرء يرتاح كثيرًا لسماعها، ويصغى بشوق ولهفة لتفاصيلها، ولا يمل من الصبر حتى يعرف خواتيمها، وتظهر أهمية القصة في القرآن من المساحة الواسعة التي أخذتها من القرآن الكريم.

    ولقد كانت القصة أحد أهم الأساليب التي استعملها القرآن الكريم للتنفير عن اتباع الهوى، ومن ذلك:

  1. قصة من أوتي العلم فانسلخ منه.

    إن القرآن يحكي لنا قصة هذا الذي آتاه الله علمًا87، لكنه لم ينتفع، وآتاه بينات فما اتبع، بل انسلخ وجحد، وهذه قصة متكررة بين البشر تبين أثر اتباع الهوى في الانحراف عن الحق، كما تبين قبح ما يصير إليه أمثال هؤلاء من شره لا يشبع، وعطش لا يروي، ولهفة لا تنقطع فحالهم كحال الكلب دائم اللهث في العطش والري، والراحة والتعب، فما أقبحه من مآل ومصير!

    قال سبحانه وتعالى: ( ﯓﯔ ﯞﯟ ﯥﯦ ) [الأعراف: ١٧٥-١٧٦].

    إنه إذًا أنموذج لمن أوتي الهدى والآيات ولكنه لم ينتفع بها، بل انسلخ منها «والانسلاخ حقيقته: خروج جسد الحيوان من جلده حينما يسلخ عنه جلده، والسلخ: إزالة جلد الحيوان الميت عن جسده، واستعير في الآية للانفصال المعنوي، وهو ترك التلبس بالشيء أو عدم العمل به»88.

    والتعبير بالانسلاخ الذي يستعمل عند العرب في خروج الحيات من جلودها «يدل على أنه كان متمكنًا منها، ظاهرًا لا باطنًا»89.

    وبذلك يظهر أن الآيات لم تصل لشغاف قلبه، وإنما كانت أثرًا لا صلة له بفؤاده، ولا علاقة له بقلبه؛ ولذلك انسلخ منها انسلاخ الثعابين من جلودها، وكان هذا بسبب اتباعه الهوى.

    وتأمل كيف أنه قال: ( ) [الأعراف: ١٧٥] ولم يقل: فسلخناه منها؟ لأنه هو الذي تسبب إلى انسلاخه منها باتباعه هواه»90.

    «ومن المعلوم أن الثعابين لا تنسلخ عن جلدها القديم إلا إذا نضج الجلد الجديد، وصلح لتحمل الطقس والجو»91.

    فاستخدام هذا التعبير في تصوير فراقه للآيات، يدل على أن الهوى قد عظم وتمدد حتى امتلأ به صدره، فصار هو الثوب والجلد اللائق به، فكان من أمره ما كان.

    فهذا الرجل بعدما انسلخ من الآيات تسلط عليه الشيطان، وتمكن من الوسوسة له، والتلاعب به كما يريد «لأنه ترك رحمة الرحمن بترك آياته، ومن ترك رحمة الله أدخله الله تعالى حظيرة الشيطان، وصار من أتباعه»92.

    وتظهر خطورة اتباع الهوى وتتجلى أشد ما يكون في خاتمة قصة هذا الرجل، وما آل إليه حيث شبهه الله بالكلب ( ﯓﯔ ﯞﯟ) [الأعراف: ١٧٦].

    «قال ابن قتيبة: كل شيء يلهث فإنما يلهث من إعياء أو عطش، إلا الكلب فإنه يلهث في حال الكلال، وحال الراحة، وحال الري، وحال العطش، فضربه الله مثلًا لهذا الكافر، فقال: إن وعظته فهو ضال، وإن تركته فهو ضال، كالكلب إن طردته لهث، وإن تركته على حاله لهث»93.

    وهكذا يتضح من هذا المثل المضروب خطورة السير وراء الهوى، والإخلاد إلى الأرض، والبعد عن الآيات والهدى، وفي هذا « عبرة وموعظة للمؤمنين، وتحذير لهم من اتباع أهوائهم، حتى لا ينزلقوا في مثل تلك الهوة التي انزلق إليها صاحب المثل بحبه للدنيا، وركونه إلى شهواتها ولذاتها»94.

    «وهل أسوأ من هذا المثل مثلٌ؟! وهل أسوأ من الانسلاخ والتعري من الهدى؟! وهل أسوأ من اللصوق بالأرض واتباع الهوى؟! وهل يظلم إنسان نفسه كما يظلمها من يصنع بها هكذا؟! من يعريها من الغطاء الواقي، والدرع الحامي، ويدعها غرضًا للشيطان يلزمها ويركبها، ويهبط بها إلى عالم الحيوان اللاصق بالأرض، الحائر القلق، اللاهث لهاث الكلب أبدًا 95.

    وصدق صاحب الإشارات فـ«موافقة الهوى تنزل صاحبها من سماء العز إلى تراب الذل، وتلقيه في وهدة الهوان، ومن لم يصدق علمًا فعن قريب يقاسيه وجودًا»96.

    فما أعظمه من مثل! وما أكثر ما فيه من عبر لمن تأمله ووعاه!

  2. قصص بني إسرائيل.

    ومن القصص التي ذكرها القرآن للتنفير من أهل الأهواء قصص بني إسرائيل، وما كان منهم من تقتيل، وتكذيب لرسل الله وأنبيائه.

    قال سبحانه وتعالى: ( ﯴﯵ ﯿ ) [المائدة: ٧٠].

    وهذا أنموذج يقصه القرآن علينا لبني إسرائيل، ويذكر كيف «أنه أخذ العهود والمواثيق على بني إسرائيل على السمع والطاعة لله ولرسوله، فنقضوا تلك العهود والمواثيق، واتبعوا آراءهم وأهواءهم وقدموها على الشرائع، فما وافقهم منها قبلوه، وما خالفهم ردوه»97.

    وهذا من أكثر الأمور التي تعطل فوائد التشريع، وتضيع ثمرته؛ إذ الغرض من الرسالات والشرائع هو كبح النفس عن هواها الذي يوجب لها الخسران في الدنيا والآخرة، فإذا صار الهوى قائدًا، وكذب حملة الخير والهدى واضطهدوا، تعطلت آنئذٍ فائدة التشريع، وفاتت فائدة طاعة الأمة لهداتها، ونتج عن ذلك فساد عريض.

    وما صنع بنو إسرائيل تلك الشنائع التي ذكرتها الآية إلا لغلبة الهوى عليهم، وتمكنه من أنفسهم، فصور لهم أنهم الشعب المختار، وأنهم بمأمن من عقوبة الله وفتنته، فهم كما يقول صاحب الإشارات: «داروا مع الهوى؛ فوقعوا في البلاء، ومن أمارات الشقاء الإصرار على متابعة الهوى»98.

    قال تعالى: ( ) [المائدة: ٧١].

    «أي: وحسبوا ألا يترتب لهم شر على ما صنعوا فترتب، وهو أنهم عموا عن الحق وصموا، فلا يسمعون حقًا، ولا يهتدون إليه99.

    وتأمل كيف أن قوله: ( ) [المائدة: ٧١] معطوف على () [المائدة: ٧١].

    بفاء السببية التي تدل على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي: إن عماهم عن الطريق القويم، وصممهم عن سماع الحق كان سببه ظنهم الفاسد الذي سوله لهم الهوى، واعتقادهم الباطل أن ما ارتكبوه من قبائح لن يعاقبوا عليه في الدنيا100.

    وهكذا أومأ القرآن إلى عدم اكتراثهم بالآخرة، وما يكون لهم فيها من شأن «ببيان أن ظنهم: لن تنزل بهم مصائب في الدنيا بسبب مفاسدهم، هذا الظن هو الذي جعلهم يرتكبون ما يرتكبون من قبائح، وهذا شأن الأمم إذا ما استحوذ عليها الشيطان، وتغلب عليها حب الشهوات، وضعف الوازع الديني في نفوس أفرادها، إنهم في هذه الحالة يصير همهم مقصورًا على تدبير شؤون دنياهم، فإذا ما وجدوا فيها مأكلهم وشربهم وملذاتهم أغمضوا أعينهم عن آخرتهم، بل وربما استهانوا وتهكموا بمن يذكرهم بها، فتكون نتيجة إيثارهم الدنيا على الآخرة الشقاء والتعاسة»101.

    وهكذا يظهر لنا من قصص السابقين مدى خطورة اتباع الهوى، وكيف أنه يورث الإنسان الشقاء، ويهبط بالأمم إلى القاع، ويحرمها من الانتفاع بهدايات السماء، وكفى بذلك معتبرًا وزاجرًا ( ) [ق: ٣٧].

    مجالات اتباع الهوى

    لاتباع الهوى مجالات متعددة نوضحها فيما يأتي:

    أولًا: العقائد:

    للهوى آثار جسيمة، ومخاطر كبيرة؛ لأنه يدخل في مجالات كثيرة، وأبواب عديدة، ولكن أثر الهوى على العقائد من أعظمها وأخطرها؛ لأنها هي التي يترتب عليها دخول المرء في حظيرة الإيمان أو خروجه منها، ولقد تحدث القرآن عن ذلك في أمرين: توحيد الله، الإيمان باليوم الآخر، وفيما يلي عرض لذلك:

  1. توحيد الله.

    لقد عبر القرآن الكريم عن متبع الهوى في العقائد أن الهوى إله يعبد من دون الله تعالى.

    قال تعالى: ( ) [الفرقان: ٤٣].

    قال ابن عباس رضي الله عنهما: « الهوى إله يعبد من دون الله»102.

    وقال ابن كثير رحمه الله «أي: مهما استحسن من شيء ورآه حسنا في هوى نفسه كان دينه ومذهبه»103.

    وقد تحدث القرآن عن أثر اتباع الهوى في العقائد في غير ما موضع، فقال سبحانه وتعالى: ( ﯬﯭ ﯴﯵ ) [النجم: ١٩-٢٣].

    فهذه الآيات جاءت في معرض التنديد بالمشركين، وبيان أن أوثانهم التي يعظمونها ليس لها حظ من الشرف، وإنما هي محض أسماء ليس لها من الألوهية التي أثبتوها لها سوى اسمها، وأما معناها وحقيقتها فهي أبعد ما تكون عما وصفوها به، وما ذلك إلا «لأنهم لم يأخذوا ذلك عن وحي جاءهم من الله، ولا عن رسول الله أخبرهم به»104. فلعبت بهم الظنون، وحركتهم الأهواء.

    يقول ابن تيمية رحمه الله: «وأصل الضلال اتباع الظن والهوى، كما قال الله سبحانه وتعالى في حق من ذمهم: ( ﯴﯵ ) [النجم:٢٣]»105.

    ومما يوحي بشدة خطر الهوى وكيف أنه كان السبب وراء هذه الظنون التي ظنوها، والاعتقادات الفاسدة التي اعتقدوها هو «عطف ( ﯴﯵ) على () عطف العلة على المعلول، أي: الظن الذي يبعثهم على اتباعه أنه موافق لهواهم وإلفهم»106.

    ومع كل هذا فقد جاءهم من ربهم الهدى والخير، وتأمل التعريف في كلمة () فإنه يدل «على معنى الكمال، أي: الهدى الواضح»107.

    فالهدى الذي أتاهم كان ظاهرًا شديد الظهور، ومع ذلك لم ينتفعوا به، وما ذلك إلا لشدة الهوى الذي كان في نفوسهم، ومتى «انتهى الأمر إلى شهوة النفس وهواها فلن يستقيم أمر، ولن يجدي هدى؛ لأن العلة هنا ليست خفاء الحق، ولا ضعف الدليل، إنما هي الهوى الجامح الذي يريد، ثم يبحث بعد ذلك عن مبرر لما يريد! وهي شر حالة تصاب بها النفس، فلا ينفعها الهدى، ولا يقنعها الدليل»108.

    ومما يزيد أمر اتباع الهوى وضوحًا في توحيد الله قوله سبحانه وتعالى: ( ﮆﮇ ﮋﮌ ﮘﮙ ﮦﮧ ﮬﮭ ) [الروم: ٢٨-٢٩].

    فهذا مثل ضربه الله للمشركين ( ﮋﮌ ) [الروم: ٢٨].

    «أي: لا يرتضي أحد منكم أن يكون عبده شريكًا له في ماله، فهو وهو فيه على السواء»109.

    والمراد أن الإنسان العادي يأنف من هذا، فكيف يرضونه إذًا لرب العالمين؟!

    وهذا مثل واضح وظاهر وحاسم لا مجال للجدل فيه، فكان المتوقع أن تكون الإجابة إجابتهم عقلية مساوية للحجة العقلية التي أوردتها الآية، وذلك بالإقلاع عن الشرك، وقبول الإيمان، ولكن هذا لم يصدر منهم؛ ولذلك جاء الإضراب الإبطالي؛ ليكشف عن حقيقة القوم، وعن العلة الأصيلة في هذا التناقض المريب ( ﮦﮧ) [الروم: ٢٩].

    «إنه الهوى الذي لا يستند على عقل أو تفكير، والهوى لا ضابط له ولا مقياس، إنما هو شهوة النفس المتقلبة، ونزوتها المضطربة، ورغباتها ومخاوفها، وآمالها ومطامعها التي لا تستند إلى حق، ولا تقف عند حد، ولا تزن بميزان، وهو الضلال الذي لا يرجى معه هدى، والشرود الذي لا ترجى معه أوبة»110.

    ولذلك ختم الله الآية بقوله: ( ﮬﮭ ) [الروم: ٢٩].

    فمن ذا الذي يمكن أن يرد بمن أضله الله موارد الهدى؟! ومن ذا الذي يفض هذا الختم الذي ختم الله به عليه؟! ومن ذا الذي يمكنه نصرته إذ الله أراد به الهلاك؟!

  2. اليوم الآخر.

    اليوم الآخر من المحاور الكبرى للعقيدة الإسلامية، وهو من المجالات التي ظهر فيها اتباع الأهواء بشكل كبير، ومما حدثنا القرآن فيه عن ذلك قوله سبحانه وتعالى: ( ) [طه: ١٥-١٦].

    وهذا كلام أتى في مقام تكليف موسى بالرسالة، يؤكد فيه الرب سبحانه وتعالى على أمر الساعة، وأنها آتية لا محالة، وواقعة لا ريب فيها.

    والإيمان بقدوم الآخرة منطقي ظاهر، وشواهده غاية في الوضوح، فالمجهول «عنصر أساسي في حياة البشر، وفي تكوينهم النفسي، فلا بد من مجهول في حياتهم يتطلعون إليه، ولو كان كل شيء مكشوفًا لهم وهم بهذه الفطرة لوقف نشاطهم وأسنت111 حياتهم، وتعليق قلوبهم ومشاعرهم بالساعة المجهولة الموعد، يحفظهم من الشرود، فهم لا يدرون متى تأتي الساعة، فهم من موعدها على حذر دائم، وعلى استعداد دائم»112.

    ولكن ذلك كله لمن صحت فطرته واستقام على الجادة، أما من فسدت فطرته، واتبع هواه، فيقع في الإنكار والتكذيب، ويبقى في جهله وغيه حتى يكون من الهالكين ( ) [طه: ١٦].

    وتأمل كيف أنه زاد ( ) «للإيماء بالصلة إلى تعليل الصد، أي: لا داعي لهم للصد عن الإيمان بالساعة إلا اتباع الهوى دون دليل ولا شبهة 113.

    ومن الآيات التي كشفت عن مجال الهوى في الآخرة أيضًا قوله سبحانه وتعالى: ( ﭦﭧ ﭶﭷ ﮋﭾ ﭿ ﮋﮌ ) [الجاثية: ٢٣-٢٥].

    وهذه الآيات تكشف بوضوح وجلاء عن شأن الهوى في التصديق باليوم الآخر، وكيف أنه يصرف الإنسان عنه، ويعلقه فقط باليوم الحاضر والشهوة العاجلة، فيكذب ويعاند ويوغل في اللجج والخصومة، مع أن الأمر أظهر ما يكون، ولكن هكذا شأن الهوى في النفوس.

    يقول صاحب الظلال: «اتباع الهوى هو الذي ينشىء التكذيب بالساعة، فالفطرة السليمة تؤمن من نفسها بأن الحياة الدنيا لا تبلغ فيها الإنسانية كمالها، ولا يتم فيها العدل تمامه، وأنه لا بد من حياة أخرى يتحقق فيها الكمال المقدر للإنسان، والعدل المطلق في الجزاء على الأعمال»114.

    ثانيًا: الاتباع:

    العبد في هذه الحياة مأمور بالطاعة والاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

    قال سبحانه وتعالى: ( ﯤﯥ ) [الأنفال: ٢٤].

    ففي هذه الآية دعوة «قائمة على الناس جميعًا بأن يطيعوا الله ورسوله، وأن يستجيبوا لما يدعون إليه من الإيمان بالله ورسوله، ومن العمل الصالح الذي يدعو إليه الله ورسوله»115.

    ولكن هذه الطاعة لله والرسول والاستجابة لأمرهما التي يجب على العبد النهوض بها من المجالات التي تتدخل فيها الأهواء بشكل كبير.

    قال سبحانه وتعالى: ( ﮤﮥ ) [القصص: ٣٩-٤٠].

    فهذه الآيات جاءت بعدما بين سبحانه وتعالى أنه إنما أرسل رسوله قطعًا لمعذرة الكفار حتى لا يقولوا حين نزول البأس بهم: هلا أرسلت إلينا رسولا فنتبعه؟! وكيف أنهم لما جاءهم النذير جحدوا وأنكروا وراوغوا وطلبوا المعجزات الحسية، فجاءت هذه الآيات؛ لتفضح سر عدم استجابتهم ( ﯮﯯ ﯸﯹ ﯿ) [القصص: ٤٩-٥٠].

    جاءت هذه الآية لتبين« أن الحق في هذا القرآن بين، وأن حجة هذا الدين واضحة، فما يتخلف عنه أحد يعلمه إلا أن يكون الهوى هو الذي يصده»116.

    يقول ابن جرير: «فإن لم يجبك هؤلاء فاعلم أنما يتبعون أهواءهم»117.

    فهما طريقان إذًا ولا ثالث لهما: «إما إخلاص للحق، وخلوص من الهوى، وعندئذٍ لا بد من الإيمان والتسليم، وإما مماراة في الحق، واتباع للهوى، فهو التكذيب والشقاق، ولا حجة من غموض في العقيدة، أو ضعف في الحجة، أو نقص في الدليل كما يدعي أصحاب الهوى المغرضون»118.

    ففي هذه الآية دليل إذًا على أن « كل من لم يستجب للرسول، وذهب إلى قول مخالف لقول الرسول؛ فإنه لم يذهب إلى هدى، وإنما ذهب إلى هوى» 119.

    ولقد ذكر القرآن نماذج عدة لأثر الهوى في الاستجابة لله ورسوله، ومن أبرزها ما كان من أمر كفار قريش مع آية انشقاق القمر.

    وروى الإمام البخاري عن قتادة عن أنسٍ رضي الله عنه قال: (سأل أهل مكة أن يريهم آيةً فأراهم انشقاق القمر)120.

    وتلك آية عظيمة كان المفترض أن يتحولوا عن كفرهم بعدها، ويحسنوا الاستجابة والسير في طريق الهدى، ولكنهم كما قال القرآن: ( ) [القمر: ٢].

    وما ذلك إلا لأن قصدهم ليس اتباع الحق والهدى، وإنما قصدهم اتباع الهوى»121 ولهذا قال بعدها: ( ﯜﯝ ) [القمر: ٣].

    إذ لو «كان قصدهم اتباع الهدى؛ لآمنوا قطعًا، واتبعوا محمدًا صلى الله عليه السلام؛ لأنه أراهم الله على يديه من البينات والبراهين والحجج القواطع ما دل على جميع المطالب الإلهية، والمقاصد الشرعية» 122، ولكن هكذا الهوى يطمس القلوب؛ فلا تنتفع برؤية آيات، ولا تستجيب للنذر، مهما كانت واضحة شديدة الظهور ( ﯫﯬ ) [القمر: ٤-٥].

    وإذا كان الله عاب على كفار قريش تركهم الاستجابة واتباع الهوى؛ فإننا نجد أننا بحاجة ماسة إلى فهم مثل هذا الأمر، وخصوصًا في هذا الزمان «الذي كثرت فيه الأهواء، وتنوعت فيه المشارب في التعامل مع النصوص الشرعية، بدعاوى كثيرة، فهذا ينصر بدعته، وهذا يروج لمنهجه في تناول النصوص، وثالث يتتبع الرخص التي توافق مراد نفسه، لا مراد الله ورسوله»123.

    وهذا ما أشار إليه الإمام ابن تيمية بقوله: «فكل من اتبع ذوقًا أو وجدًا، ومن اتبع ما يهواه حبًا وبغضًا بغير الشريعة فقد اتبع هواه بغير هدى من الله» 124.

    فالواجب على العبد أن يتعلم التسليم والطاعة والاستجابة، وأن لا يُقَدِّم على كلام الله ولا كلام رسوله أي كلام؛ فإن عدم الاستجابة إنما هي اتباع للهوى، فكل من علم من هدي النبي صلى الله عليه السلام وسنته أمرًا ثم تركه بعد معرفته به فهو متبع للهوى، كما يقول الإمام ابن القيم: «من ترك الاستجابة إذا ظهرت له سنة، وعدل عنها إلى خلافها فقد اتبع هواه»125.

    ولا شك أن المؤمن كامل الإيمان لا يكون هواه إلا تبعًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه السلام، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه السلام قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)126.

    ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم أفضل الخلق؛ لما خصوا بالمزايا والصفات الكاملة، أعلاها: الميل إلى ما جاءت به الشريعة السمحة التي ليلها كنهارها في الإضاءة والوضوح، كان أحدهم يقاتل أباه وابنه، وهو في صف المؤمنين، وهما في حيز الكافرين المشركين، بذلوا رضي الله عنهم في طريقه مهجهم، وأنفقوا أموالهم، فطوبى لهم! فمن كان الهوى -وهو الباطل- المطاع المحبوب الاتباع تابعًا لطرق الهدى من الملة البيضاء والسنة الزهراء؛ حتى تصير همومه المختلفة، وخواطره المتفرقة التي تنبعث من هوى النفس، وميل الطبع همًّا واحدًا، يتعلق بأمر ربه، واتباع شرعه؛ تعظيمًا لحقه، وشفقة على خلقه127.

    قال المباركفوري: قوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه» أي: ميل نفسه «تبعًا لما جئت به» هذا محمول على نفي أصل الإيمان، أي: حتى يكون تابعًا مقتديًا لما جئت به من الدين والشرع عن الاعتقاد، لا عن الإكراه وخوف السيف كالمنافقين.

    وقيل: المراد نفي الكمال، أي: لا يكمل إيمان أحدكم حتى يكون في متابعة الشرع، وموافقته له كموافقته لمألوفاته، فيستمر على الطاعة من غير كلفة وكراهية، وذلك عند ذهاب كدر النفس وبقاء صفوتها، وهذه حالة نادرة إلا في المحفوظين من أوليائه، وقيل في معناه: حتى يحب ما أمر به، ويكره ما نهى عنه، أي: يقدم الشرع على هواه128.

    فلا يميل إلا بأمر الشرع، ولا يهوى إلا حكم الشرع، فمن كان هذا حاله؛ فهو المؤمن الكامل التوحيد، ومن أعرض عنه متبعًا لهواه، مبتغيًا لرضاه؛ فهو الخاسر في دنياه وعقباه.

    قال الحافظ ابن رجب: «فجميع المعاصي إنما تنشأ من تقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله، وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه، فقال تعالى: ( ﯮﯯ ﯸﯹ ﯿ) [القصص: ٥٠].

    وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع؛ ولهذا يسمى أهلها أهل الأهواء، وكذلك المعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ورسوله، ومحبة ما يحبه، كذلك حب الأشخاص الواجب فيه أن يكون تبعًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه السلام، فيجب على المؤمن محبة الله، ومحبة من يحبه الله من الملائكة والرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عمومًا؛ ولهذا كان من علامات وجود حلاوة الإيمان أن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وتحريم موالاة أعداء الله، وما يكره الله عمومًا129.

    ثالثًا: الحكم والقضاء:

    القضاء والحكم بين الناس من المجالات التي يظهر فيها اتباع الهوى بشكل كبير، ويترتب عليها آثار خطيرة في الدماء أو الأموال أو الأعراض؛ ولذا أكد القرآن على خطر هذا الأمر في غير ما موضع.

    قال سبحانه وتعالى: (ﭿ ﮊﮋﮌ ﮐﮑ ﮘﮙ ﮞﮟ ﮪﮫ ﮭﮮ ﯫﯬ ﯶﯷ ﯿ ﰀﰁ ) [المائدة: ٤٨-٥٠].

    أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال كعب بن أسد وابن صوريا وشأس بن قيس بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد؛ لعلنا نفتنه عن دينه! فأتوه فقالوا: يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم، وأنا إن اتبعناك اتبعنا يهودٌ، ولم يخالفونا، وأن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك! فأبى رسول الله صلى الله عليه السلام، فأنزل الله فيهم: ( ﯫﯬ) إلى قوله: ( ) [المائدة: ٩٤-٥٠]130.

    ويظهر خطر الأهواء في مجال القضاء من خلال توجيه الخطاب للنبي صلى الله عليه السلام، ففي هذه الآية تحذير للنبي صلى الله عليه السلام من اتباع أهوائهم «بالاستماع لهم وقبول كلامهم ولو لمصلحة في ذلك كتأليف قلوبهم، وجذبهم إلى الإسلام، فالحق لا يوصل إليه بطريق الباطل»131.

    فأن يكون الخطاب موجهًا للنبي صلى الله عليه السلام -وهو من هو- فهذا لا شك يوحي بخطورة الهوى في هذا المجال وبشدته فيه.

    والذي يتأمل الآيات يلحظ أن الله سبحانه وتعالى كرر النهي عن اتباع أهوائهم ( ) [المائدة: ٤٩]وما ذلك إلا« لشدة التحذير منها؛ ولأن ذلك في مقام الحكم والفتوى وهو أوسع، وهذا في مقام الحكم وحده، وكلاهما يلزم فيه أن لا يتبع أهواءهم المخالفة للحق»132.

    وتكرار التحذير من اتباع الهوى في هذا المجال أيضًا؛ لأنه شديد التسرب فيه دون أن يلحظه الإنسان، وهكذا يظهر خطر اتباع الهوى في مجال القضاء والحكم بين الناس.

    ومن الآيات التي أشارت لخطر الهوى في هذا المجال أيضًا قوله سبحانه وتعالى: ( ﯿ ﰇﰈ ) [ص: ٢٦].

    فهذا أمر رباني من الله لنبيه داود عليه السلام بأن يحكم بين الناس بالحق ( ﯿ ) [ص: ٢٦].

    وبعد هذا الأمر ذكر له الآفة التي من شأنها أن تقطعه عن العدل، ولا تمكنه من التزام الحق عند الحكم فقال: ( ﰇﰈ) [ص: ٢٦].

    فـ«اتباع الهوى يبعد الحاكم عن الحكم بالحق، فالهوى في النفس له ميولات وانحرافات لا تحصر، واتباع الهوى يوصل إلى اعتناق الباطل، والاستمساك بالأفكار والمفهومات الفاسدات، ويوصل إلى الظلم والعدوان والبغي والفساد العريض في الأرض»133.

    وهكذا يظهر مدى خطورة أمر اتباع الهوى في مجال الحكم والقضاء، وكيف أنه ينحرف بالإنسان؛ ليبعده عن العدل، ويوقعه في الجور، نسأل الله سبحانه وتعالى الثبات على الحكم بما أنزل، والقضاء بما شرع.

    رابعًا: العلم:

    العلم من النعم الكبرى التي يعطيها الله للعبد ويمنحها إياه، كيف لا! وهو الذي ينير للمرء الدروب الحالكة، ويعصمه من ظلمات الشهوات والشبهات، ويمنحه القدرة على حسن الإبصار ( ﭜﭝ ) [الرعد: ١٩].

    ولذا طلب الله سبحانه وتعالى منا الاستزادة من العلم ( ) [طه: ١١٤].

    قال القرطبي: «فلو كان شيء أشرف من العلم لأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه السلام أن يسأله المزيد منه، كما أمر أن يستزيده من العلم»134.

    ولكن من أخطر الآفات التي تصد المرء عن حسن الانتفاع بالعلم وحقائقه: الهوى؛وذلك حينما يتسلط على القلب فيفسده ويصرفه عن حقيقته وحقائقه، وهذا ما يظهره ويجليه قوله سبحانه وتعالى: ( ) [الأعراف: ١٧٥].

    وسنقف مع هذا المثل وقفات تجلي أثر اتباع الهوى في عدم التمسك بحقائق العلم:

    الوقفة الأولى: هذه القصة أتت بعد حديث القرآن عن عهد الميثاق ( ﭿ ﮋﮌ ﮎﮏ ) [الأعراف: ١٧٢-١٧٣].

    أي: إن الله أودع فطر الخلق ما يدلهم عليه، ويقودهم إلى بابه، ويبصرهم بالحق الذي أتت به الرسل، ولكن الإنسان قد يميل به الهوى والتقليد؛ فيعرض عن حقيقة العلم الكامن في الفطرة «وما ذاك إلا لإعراضه عن حجج الله وبيناته وآياته الأفقية والنفسية، فإعراضه عن ذلك ربما صيره بحالة يفضل بها الباطل على الحق»135.

    وهذا الأنموذج هو الذي حدثتنا عنه الآيات في قوله سبحانه وتعالى: ( ﯓﯔ ﯞﯟ ﯥﯦ ) [الأعراف: ١٧٥-١٧٦].

    فمجيء قصة هذا الرجل بعد آية الميثاق السابقة فيه «إشارة للعبرة من حال أحد الذين أخذ الله عليهم العهد بالتوحيد والامتثال لأمر الله، وأمده الله بعلم يعينه على الوفاء بما عاهد الله عليه في الفطرة، ثم لم ينفعه ذلك كله»136.

    وما ذلك إلا لأنه اختار الأسفل على الأشرف، ورغب عن الهدى واتبع الهوى ( ﯓﯔ) [الأعراف: ١٧٦].

    «أي: ركن إلى الدنيا وسكن»137.

    والتعبير بالإخلاد يوحي بأن «اختياره للأدنى لم يكن عن خاطر وحديث نفس، ولكنه كان عن إخلاد إلى الأرض، وميل بكليته إلى ما هناك، وأصل الإخلاد اللزوم على الدوام، كأنه قيل: لزم الميل إلى الأرض»138.

    ثم ذكرت الآية آفة الآفات التي كانت سببًا في فساده هذا، فقالت: ( ﯓﯔ) [الأعراف: ١٧٦].

    «معناه: أنه أعرض عن التمسك بما آتاه الله من الآيات واتبع الهوى، فلا جرم وقع في هاوية الردى»139.

    وهكذا حرم من الانتفاع بحقائق العلم الذي كان معه وبين يديه، وانطمست بصيرته، فلم يبصر من أنواره شيئًا.

    الوقفة الثانية: مما يظهر أيضًا شدة تأثير الهوى على التمسك بحقائق العلم في الآيات قوله سبحانه وتعالى: ( ) [الأعراف: ١٧٥].

    فاستخدام ضمير العظمة هنا يوحي بعظمة ما آتاه الله، وأنه قد آتاه شيئًا عظيمًا كان من شأنه أن يرفعه، وأن يجعله من الخواص، ولكنه لما أصابته آفة الهوى حرم بركة الآيات ونفعها على اشتداد عظمتها، وهذا يدل على شدة خطر الهوى في صرف الإنسان عن التمسك بحقائق العلم مهما كان عظيمًا.

    الوقفة الثالثة: ومما يكشف لك أيضًا عن خطر الهوى في حرمان الإنسان من هدى العلم وحقائقه أن هذا المثل أتى بعد حديث القرآن عن اليهود، ومن المعلوم أن اليهود كان فيهم عدد كبير من الأنبياء، ولكن كانت آفتهم الكبرى هي اتباعهم الهوى.

    يقول سبحانه وتعالى: ( ﮭﮮ ﯗﯘ ) [البقرة: ٨٧].

    فكأنما أتت هذه القصة بعد سرد قصصهم؛ لتؤكد على مدى تأثير الهوى في التمسك بحقائق العلم.

    وهكذا يظهر أثر الهوى في صده المرء عن التمسك بحقائق العلم الظاهرة، وبيناته القاطعة، وحججه الواضحة، نعوذ بالله من هذه الآفة وسبيلها.

    وسائل مقاومة الهوى

    تعددت وسائل مقاومة الهوى التي ذكرها القرآن الكريم، وسوف نتناولها بالبيان فيما يأتي:

    أولًا: تذكر العاقبة السيئة لاتباع الهوى:

    من أعظم الأمور وأكثرها تأثيرًا في انصراف الإنسان عن أي خطأ معرفة الإنسان بعاقبة الخطأ الذي يفعله، وقد ذكر القرآن أمورًا كثيرة توضح شناعة عاقبة اتباع الهوى، ولا شك أن استحضارها وتأملها من أكثر ما يعين العبد على مقاومة الهوى ومدافعته، ومن عواقب اتباع الهوى ما يلي:

  1. الحرمان من ولاية الله ونصره.

    من أعظم الأمور في حياة العبد هي ولاية الله له، فمن تولاه الله أسعده ونصره، ومن عاداه خذله وأخزاه، كيف لا والله سبحانه وتعالى يقول: (من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب)140.

    ولذا كان حرمان العبد من ولاية ربه من أبشع العواقب لاتباع الهوى، وكفى بها، فحرمان العبد من ولاية الله يعني أنه هالك حتمًا، ومخذول لا محالة، وإلا فمن يملك إفلاته من قبضة الله، وإنجائه من بأس الله؟!

    ومن الآيات التي تحدثت عن هذه العاقبة السيئة لاتباع الهوى قوله سبحانه وتعالى: ( ﭙﭚ ﭠﭡ ﭩﭪ ) [البقرة: ١٢٠].

    كذا قوله سبحانه وتعالى: ( ﮊﮋﮌ ) [الرعد: ٣٧].

    ففي هاتين الآيتين يظهر حرمان العبد من ولاية ربه إذا أعرض عن هديه واتبع هواه، وتأمل كيف أن الخطاب موجه للنبي صلى الله عليه السلام، فهذا «أبلغ في تقرير هذه الحقيقة التي لا تسامح في الانحراف عنها، حتى ولو كان من الرسول صلى الله عليه وسلم وحاشاه»141.

    ويا لها من عاقبة شنيعة لمن تأملها «فأي فلاح، وأي رجاء، وأي عيش لمن انقطعت عنه أسباب الخير، وقطع ما بينه وبين وليه ومولاه الذي لا غنى عنه طرفة عين، ولا بدل له منه، ولا عوض له عنه، واتصلت به أسباب الشر، ووصل ما بينه وبين أعدى عدو له، فتولاه عدوه وتخلى عنه وليه! فلا تعلم نفس ما في هذا الانقطاع والاتصال من أنواع الآلام، وأنواع العذاب142.

    فحري بالعاقل أن يتأمل في هذه العاقبة السيئة لاتباع الهوى، ولا شك أن ذلك من أعظم ما يعينه على مقاومة الهوى.

  2. الوقوع في الظلم.

    من العواقب السيئة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى لاتباع الهوى الوقوع في الظلم، فإن المنصرف عن الحق، المتبع لهواه يكون بهذا من الظالمين، كما قال الله سبحانه وتعالى: ( ﯮﯯ ﯳﯴ ﯹﯺ ﯿ ﰃﰄ ) [البقرة: ١٤٥].

    وكذا قوله: ( ﮦﮧ ﮬﮭ ) [الروم: ٢٩].

    وجعل الظلم عاقبة لاتباع الهوى؛ لأنه أعظم الظلم فـ«أي ظلم أعظم من ظلم من علم الحق والباطل، فآثر الباطل على الحق؟! »143، ورأى النور وأبصره ثم حاد عنه وتركه، إنه -لا شك- ظلم عظيم.

    وأن يؤول اتباع الهوى بصاحبه إلى الظلم فهي عاقبة موحشة ( ) [آل عمران: ٥٧].

    وهو ( ) [المائدة: ٥١].

    بل إن ( ) [الأعراف: ٤٤].

    وأي خير يرتجى لمن أبغضه رب العالمين، وصرفه عن موارد الهدى، وحلت عليه لعنته، إنه لا شك خاسر في دنياه وأخراه كيف لا؟! والله يقول: ( ) [يوسف: ٢٣].

  3. الوقوع في الضلال.

    من العواقب التي ذكرها الله سبحانه وتعالى لاتباع الهوى الوقوع في الضلال والغواية، كما قال الله سبحانه وتعالى مخاطبًا نبيه داود عليه السلام: ( ﯿ ﰇﰈ ) [ص: ٢٦].

    ففي هذه الآية بيان واضح أن «متابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل الله»144.

    وهذه عاقبة غاية في السوء؛ فالإنسان ما يضل عن هدى الله «إلا ويتخبط في القلق والحيرة والتكفؤ والاندفاع من طرف إلى طرف، لا يستقر ولا يتوازن في خطاه، والشقاء قرين التخبط، ولو كان في المرتع الممرع! ثم الشقوة الكبرى في دار البقاء 145. وهذا يعني أنه سيحيا حياة نكدة «حياة تعسة ضالة، يضرب فيها في ظلام، لا يرى فيه بصيصًا من الأمل والرجاء»146. نعوذ بالله من هذا المصير.

  4. عداوة الله لمن اتبع هواه.

    من العواقب السيئة لاتباع الهوى أن المتبع لهواه يصير بذلك عدوًا لله، ومن عاداه الله أكبه وأخزاه مهما اتسع سلطانه، وعظم جاهه وماله «ومن لم يكن الله مولاه فلا مولى له، ولو اتخذ الإنس والجن كلهم أولياء؛ فهو في النهاية مضيع عاجز، ولو تجمعت له كل أسباب الحماية، وكل أسباب القوة التي يعرفها الناس»147.

    فمعاداة الله للإنسان إذًا تعني خسرانه الدنيا والآخرة، وكيف يرجى فلاح لمن ناصبه العداء مدبر الأفلاك، وفاطر الأرض والسماء؟

    قال سبحانه وتعالى: ( ﭿ ﮕﮖ ﮫﮬ ﮱﯓ ) [الجاثية: ١٦-١٩].

    فها هنا يخبر المولى سبحانه وتعالى كيف أنه أنعم على بني إسرائيل بنعم كثيرة فآتاهم الحكم والنبوة، ورزقهم خيرًا وفيرًا، وآتاهم ( ﭿ ) [الجاثية: ١٧].

    أي: «دلالات تبين الحق من الباطل»148. ولكنهم ما ارتفعوا وارتقوا بهذا، بل اختلفوا ( ) [الجاثية: ١٧].

    أي: «سيفصل بينهم بحكمه العدل، وهذا فيه تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم، وأن تقصد منهجهم»149 ولهذا قالت الآيات بعدها: ( ﮫﮬ ﮱﯓ ) [الجاثية: ١٨-١٩].

    والآية الثانية كأنها التعليل للنهي عن اتباع الهوى في التي قبلها أي: « إنك أيها الرسول الكريم إن اتبعت أهواء هؤلاء الضالين؛ صرت مستحقًا لمؤاخذتنا، ولن يستطيع هؤلاء أو غيرهم أن يدفع عنك شيئًا مما أراده الله سبحانه وتعالى بك»150.

    وتظهر شدة عداوة الله لمتبع الهوى في الآيات من خلال أن يكون المخاطب بهذا التهديد وذاك الوعيد هو النبي صلى الله عليه السلام، والخطاب لا شك لأمته أيضًا، ولكن توجيه الخطاب إليه يوحي بشدة عداوة الله لمتبع الهوى -مهما كان- حتى أن النبي صلى الله عليه السلام نفسه مع أنه يأتيه الوحي، ويحوطه ربه بالرعاية إلا أنه «إن اتبع أهواء هؤلاء القوم؛ تعرض لنقمة الله، ولم يكن له من ولي يدفع عنه بلاء الله، أو يقيه بأسه إن جاءه! فكيف بغير النبي صلى الله عليه السلام من عباد الله؟! إن الخطر شديد، وإن البلاء داهم، وإنه لا عاصم من أمر الله لمن ألقى نفسه في لجج هذا الطوفان151.

    وقول الله سبحانه وتعالى: ( ﮱﯓ ) [الجاثية: ١٩].

    هذا تعليل آخر لترك اتباع أهواء السابقين، وفيه بيان بأن الذين يحيدون عن شرائع الله، ويتبعون الأهواء هم الظلمة «فلا يواليهم ولا يتبع أهواءهم إلا من كان ظالمًا مثلهم»152. وقد جعلهم الله أولياء لبعضهم البعض بينما خصص ولايته للمتقين، وفي هذا تأكيد لعداوته لهؤلاء الظلمة متبعي الأهواء، وتحقير لشأنهم ووجهه «أنه قال: هؤلاء يتولى بعضهم بعضًا، والمتقون يتولاهم الله، فخرجوا عن ولاية الله وتبرأت منهم، ووكلهم الله بعضهم إلى بعض»153.

    ومن وكله الله إلى غيره يعني أنه سخط عليه وعاداه، وأنه لا شك خسر دنياه وأخراه.

    وبذلك يظهر مدى عداوة الله لمن اتبع هواه فعلى المرء أن يحذر وأن يتدبر، وأن يسأل نفسه: أي الولايتين يريد؟

    فهذه بعض عواقب متابعة الهوى وهي عواقب مؤلمة، وما في الآخرة أشد وأنكى، ولا شك أن كثرة تأملها يعين العبد بقوة على مدافعة هواه، واتباع هدى مولاه.

    ثانيًا: الاستعانة بالله:

    الاستعانة بالله من أعظم الأسباب التي تعين العبد على تجنب الهوى والامتناع عن اتباعه كيف لا؟! وهي لجوء إلى خالق الأكوان ومدبرها سبحانه وتعالى؛ ولهذا لما توعد فرعون بني إسرائيل بالتقتيل والتعذيب ( ﮝﮞ ) [الأعراف: ١٢٧].

    وجههم موسى عليه السلام إلى الاستعانة بخالقهم، واللجوء لربهم ( ﮭﮮ ﯗﯘ ) [الأعراف: ١٢٨].

    «إنها رؤية النبي لحقيقة الألوهية وإشراقها في قلبه، ولحقيقة الواقع الكوني والقوي التي تعمل فيه، ولحقيقة السنة الإلهية وما يرجوه منها الصابرون، إنه ليس لأصحاب الدعوة إلا رب العالمين، إلا ملاذ واحد، وهو الملاذ الحصين الأمين، وإلا ولي واحد وهو الولي القوي المتين»154.

    ولما جاء إخوة يوسف عليه السلام لأبيهم؛ ليخبروه بأكل الذئب لولده وحبيبه وقرة عينه يوسف عليه السلام لم يزد أن قال: ( ﮋﮌ ) [يوسف: ١٨].

    ولا غرو، فنحن نقف بين يدي الله في اليوم الواحد مرات ومرات لنقول: ( ) [الفاتحة: ٥].

    وتأمل كيف أنه ذكر الاستعانة بعد العبادة مع أنها داخلة فيها «لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله سبحانه وتعالى؛ فإنه إن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر، واجتناب النواهي»155.

    يقول ابن رجب: «وأما الاستعانة بالله عز وجل دون غيره من الخلق؛ فلأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله سبحانه وتعالى، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول»156.

    والاستعانة بالله من أقوى الأمور التي تحفظ العبد لاسيما في أمر الهوى الذي يعسر على النفس مخالفته، ويشق عليها تركه، وتقوى عليها مدافعته، ولا عاصم منه إلا القوي المتين سبحانه وتعالى.

    يقول ابن تيمية: «يجب على المؤمن أن يستعين بالله، ويتوكل عليه في أن يقيم قلبه ولا يزيغه، ويثبته على الهدى والتقوى، ولا يتبع الهوى، كما قال سبحانه وتعالى: ( ﯧﯨ ﯫﯬ ﯯﯰ ﯷﯸ ﯻﯼ ﯿﰀ ﰄﰅ ﰉﰊ ﰍﰎ ) [الشورى: ١٥ 157.

    فالمرء إن أراد أن يحفظ من الهوى وأخطاره عليه أن يكثر من اللجوء لله، وتأمل خاتمة قوله سبحانه وتعالى: ( ﭦﭧ ) [الجاثية: ٢٣].

    إنها كما يقول صاحب التفسير القرآني: «دعوة إلى الوقوف عند هذا المشهد الذي يرى فيه هذا الإنسان الذي اتخذ إلهه هواه، وأضله الله بعد أن جاء العلم، وختم الله على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة؛ فليأخذ كل إنسان لنفسه عظة من هذا المشهد، ولينظر إلى نفسه، فإن كان بالمكان الذي فيه هذا الضال، فليحاول أن ينخلع عن هذا المكان، وليمد يده إلى الله طالبًا العون منه، فإنه لا يطلب العون إلا منه، ولا يرجى الخلاص إلا على يده سبحانه وتعالى »158.

    وقد كان النبي صلى الله عليه السلام من أكثر الناس لجوءًا لربه، واستعانة بمولاه في هذا الأمر، فعن عبد الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه قال: (سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بأي شيءٍ كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ)159.

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه السلام يقول: (اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علمًا، والحمد لله على كل حالٍ)160.

    وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ما خرج النبي صلى الله عليه السلام من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: (اللهم أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي)161.

    والذي يتأمل في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم: (اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك) (انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني) (أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل) يدرك مدى حاجة العبد للجوء لربه، والانكسار والذلة لمولاه؛ حتى يصفو له حسن الاتباع، وينجو من شر الهوى، وما ذلك إلا لأن الهداية والتوفيق بيده سبحانه وتعالى.

    ثالثًا: الخوف من الله:

    لكي يستيقظ القلب الراقد من غفلته، ويصحو من سكرة هواه، لا بد له من مؤثر ضخم يهزه وينبهه، ولا شيء أفضل في هذا من الخوف من الله، فهو من أعظم الأمور التي تهز الأفئدة، وتحرك القلوب.

    قال سبحانه وتعالى: ( ) [النازعات: ٤٠-٤١].

    فـ«الخوف من الله هو الحاجز الصلب أمام دفعات الهوى العنيفة، وقل أن يثبت غير هذا الحاجز أمام دفعات الهوى»162.

    وتأمل كيف أن الله سبحانه وتعالى قدم الخوف على نهي النفس عن الهوى، وما ذلك إلا لأن «الخوف من الله هو السبب المعين لدفع الهوى» 163. فهذا يظهر قيمة الخوف من الله في مدافعة الهوى.

    يقول إبراهيم بن شيبان: «الخوف إذا سكن القلب أحرق موضع الشهوات منه، وطرد رغبة الدنيا عنه، وأسكت اللسان عن ذكر الدنيا»164 وقال ذو النون: «الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف فإذا زال عنهم الخوف؛ ضلوا الطريق»165.

    حين نتأمل كتاب الله نجد هذه الحقائق المهمة من كتاب الله جل جلاله:

    أولًا: الملائكة المعصومة تخاف ربها ( ) [النحل: ٥٠].

    ثانيًا: أن أولياء الله يتعبدون الله بالخوف منه ( ﯱﯲ ) [الإسراء: ٥٧].

    ( ﭝﭞ ) [النور: ٣٧].

    ثالثًا: أن الله أمر البشرية بالخوف منه ( ﯣﯤ ﯨﯩ ) [النحل: ٥١].

    رابعًا: من أسباب الكفر والعصيان عدم الخوف، قال جل جلاله: (ﭮﭯ ) [المدثر: ٥٣].

    خامسًا: الخوف من الله عز وجل سبب من أسباب التمكين، قال عز وجل: ( ) [إبراهيم: ١٤].

    وبين الله -في جلاء تام- العلاقة بين الخوف ومقاومة الهوى بقوله: ( ) [النازعات: ٤٠].

    وبين ربنا أيضًا أن الخائفين منه هم الذين ينتفعون بالقرآن والآيات، فقال: ( ﯦﯧ ) [الأنعام: ٥١].

    ( ﭿ) [الذاريات: ٣٧].

    ( ﮢﮣ ) [هود: ١٠٣].

    سادسًا: أن جميع الأنبياء والمرسلين بدءوا دعوتهم بتحذير أقوامهم من المآل الذي ينتظرهم؛ ليحذروا غضب الله، ويخافوا عذابه؛ فيسهل عليهم مجانبة الهوى.

    نماذج من تحذير الأنبياء لأقوامهم في بداية دعوتهم:

    فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه: ( ) [نوح: ٢].

    وهذا إبراهيم عليه السلام يقول: ( ﭿ ) [الصافات: ٨٥-٨٧].

    وتأمل ما قاله هود عليه السلام: ( ) [الأحقاف: ٢١].

    وكذلك روى الإمام البخاري عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لما نزلت: (ﭿ ) [الشعراء: ٢١٤].

    صعد النبي صلى الله عليه السلام على الصفا فجعل ينادي: (يا بني فهرٍ، يا بني عديٍ) لبطون قريشٍ، حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو؟ فجاء أبو لهبٍ وقريشٌ، فقال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟) قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال: (فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ)166.

    فأن يكون الخوف هو مبدأ دعوات الرسل فهذا لا شك يدل على أهميته في دفع القلب نحو مراضي الله، وأنه الدواء الناجع لمن أسره شيطانه، وغلبه هواه.

    رابعًا: استحضار حساب الآخرة:

    لا شك أن من أعظم أسباب مقاومة الهوى استحضار العبد لليوم الآخر، فاستحضار الآخرة في النفس يعطي الإنسان القوة في مواجهة اتباع الهوى، وبالضد فإن نسيان الآخرة عامل كبير في اتباع الإنسان لهواه، يقول الله سبحانه وتعالى: ( ﰇﰈ ) [ص: ٢٦].

    وفي هذا إشارة واضحة إلى أن «السبب الأول لحصول ذلك الضلال -الناتج عن اتباع الهوى- هو نسيان يوم الحساب؛ لأنه لو كان متذكرًا ليوم الحساب؛ لما أعرض عن إعداد الزاد ليوم المعاد، ولما صار مستغرقًا في هذه اللذات الفاسدة»167.

    فاتباع الإنسان لهواه إنما هو نتاج لنسيان الآخرة، ولو ذكر الآخرة في حياته؛ لما خالف الشرع واتبع الهوى، فإن تذكر اليوم الآخر «يقتضي ملازمة الحق، ومخالفة الهوى»168.

    ومن الآيات التي أكدت على هذا قوله عز وجل: ( ﮚﮛ ﮠﮡ ) [الأنعام: ١٥٠].

    فهذا تأكيد على أن عدم الإيمان بالآخرة هو الذي قادهم إلى اتباع أهوائهم؛ لأنهم «لو كانوا يؤمنون بالآخرة؛ لعلموا أنهم مجازون على هذا جزاء يناسب جرائمهم، ولو أنهم قدروا هذه المسألة؛ لامتنعوا عن اتباع أهوائهم»169.

    وهكذا يظهر لنا أن استحضار اليوم الآخر عاصم كبير من اتباع الهوى -ولا غرو- فقد لفتنا الله إليه في سورة الفاتحة التي نرددها كثيرًا في قوله جل جلاله: ( ) [الفاتحة: ٤].

    آثار اتباع الهوى

    لاتباع الهوى آثار وخيمة نتناولها بالتوضيح فيما يأتي:

    أولًا: الضلال:

    وهذا من الآثار الوخيمة لاتباع الهوى، قال الله عز وجل: ( ﮋﮌ ﮐﮑ ﮕﮖ ) [الأنعام: ٥٦].

    ففي هذه الآية يأمر الرب الجليل نبيه صلى الله عليه السلام أن يواجه المشركين، ويخبرهم أنه منهي عن اتباع أهوائهم «لأن من يتبع أصحاب الهوى يضل، ولا يهتدي أبدًا»170.

    ومما يؤكد على هذا عطف ( ) على ( ) ففيه دلالة «على أنه جزاء آخر للشرط المقدر، فيدل على أنه إن فعل ذلك؛ يخرج عن حاله التي هو عليها الآن، من كونه في عداد المهتدين إلى الكون في حالة الضلال، وأفاد مع ذلك تأكيد مضمون جملة ( ) لأنه نفى عن نفسه ضد الضلال؛ فتقررت حقيقة الضلال على الفرض والتقدير »171.

    والذي يتأمل يجد أن الله عز وجل عبر بقوله: : ( ﮕﮖ) دون التعبير بـ (لا أتبعكم) «للإشارة إلى أنهم في عبادتهم لغير الله تابعون للأهواء الباطلة، نابذون للأدلة العقلية، وفي هذا أكبر برهان على انطماس بصيرتهم، وبنائهم لدينهم على الأوهام والأباطيل»172.

    فكان ضلال هؤلاء الكفار أثرًا من آثار اتباعهم للهوى؛ لأن سبيل الهداية إنما يستنير بالعلم، والضلال إنما يكون باتباع الإنسان لهواه، كما قال عز وجل: ( ﭪﭫ ) [الأنعام: ١١٩].

    وتأمل كيف أن الله عبر بالباء في قوله: () وفي قوله: ( ﭪﭫ) لأن «الباء في () للسببية، والباء في ( ﭪﭫ) للملابسة، أي: يضلون منقادين للهوى، ملابسين لعدم العلم» 173.

    وهذا كله لأن متبع الهوى بعبوديته لشهواته وميوله قد أعرض عن مصدر الهداية والتوفيق؛ فكان هذا الهوى سببًا في ضلاله، وابتعاده عن الهداية والتوفيق.

    ومن هنا كان تحذير السلف من اتباع الهوى، أو مجالسة متبع الهوى كما قال أبو قلابة: «لا تجالسوا أهل الأهواء، ولا تجادلوهم؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون»174.

    وإذا كان الضلال أثرًا من آثار اتباع الهوى؛ فإن الهوى قد يقود العبد إلى ما هو أعظم من ذلك، كأن يقوده إلى القتل، أو الكفر.

    ثانيًا: الكفر:

    المتأمل لنصوص القرآن الكريم يجد أن اتباع الهوى هو الباعث على كُفْرِ مَنْ كَفَرَ، وعدم إيمانهم برسلهم؛ فالله عز وجل يقول عن بني إسرائيل: ( ﯴﯵ ﯿ ) [المائدة: ٧٠].

    فهذه الآية تذكر لنا كيف أن الله أخذ العهد على بني إسرائيل في التوراة «بتوحيده واتباع الأحكام التي شرعها لهدى خلقه، وتحليهم بحلي الفضائل ومكارم الأخلاق»175.

    ولكنهم غلبتهم أهواؤهم فتمردوا وكفروا، وكلما «أتاهم الرسول بخلاف ما يهوون كذبوه»176.

    وما ذلك إلا بسبب اتباعهم لأهوائهم، وأنه أتاهم بما يخالف هواهم.

    وإذا كان اليهود من بني إسرائيل ساروا على هذا الدرب -باتباع الهوى- في الكفر برسلهم، فإن غيرهم من الأمم والأقوام السابقة ساروا على نفس النهج، فكفروا برسلهم وكذبوهم لا لشيء إلا لأجل اتباع الهوى.

    كما قال الله جل جلاله: ( ﭯﭰ ) [الزخرف: ٢٣-٢٤].

    فالباعث لكل هؤلاء الأقوام على الكفر هو اتباع الهوى، والتقليد للآباء والأجداد، حتى وإن كان الذي جاء به الرسول أفضل وأهدى مما هم عليه.

    ثالثًا: القتل:

    من الآثار المهلكة التي ينتجها اتباع الهوى القتل، فإن متبع الهوى قد يصل بهواه إلى حد الوقوع في القتل، كما حكى الله عز وجل عن بني إسرائيل بقوله: ( ) [البقرة: ٨٧].

    فالله عز وجل يخبر عن حال بني إسرائيل في مقابلتهم لدعوة الرسل والأنبياء الذين أرسلوا إليهم، فيقول لهم: «أنتم كلما جاءكم رسول من رسلي بغير الذي تهواه نفوسكم استكبرتم عليهم فكذبتم بعضًا منهم، وقتلتم بعضًا، فهذا فعلكم أبدًا برسلي»177.

    والله تعالى يشنع عليهم هذه الفعلة القبيحة العظيمة أن يصل بهم الهوى إلى قتل دعاة الهدى، وتأمل كيف عبر عن القتل بصيغة المضارع، مع كونه كالتكذيب وقع في الماضي! وهذا لـ« تصوير جرم القتل الشنيع، واستحضار هيئته المنكرة، كأنه واقع في الحال للمبالغة في النعي عليهم، والتوبيخ لهم»178.

    وأن يصل بهم اتباع الهوى إلى هذا الحد فهذا -لا شك- يدل على أنهم «بلغوا من الفساد، واتباع أهوائهم أخشن مركب، وأشده تقحمًا بهم في الضلال حتى لم يعد يؤثر في قلوبهم وعظ الرسل وهديهم، بل صار يغريهم بزيادة الكفر والتكذيب، وقتل أولئك الهداة الأخيار»179.

    وتلحظ هنا أن الله عز وجل يخاطب اليهود على عهد النبي صلى الله عليه السلام مع أنهم لم يقتلوا من الأنبياء أحدًا، ومع ذلك يقول لهم: ( ) [البقرة: ٨٧].

    والسر في هذا «أنهم راضون بفعلهم، والراضي كالفاعل، وقد كذبوا رسول الله صلى الله عليه السلام فيما جاء به، وسقوه السم؛ ليقتلوه180، وسحروه»181 182. فلما رضوا بفعل أسلافهم؛ كانوا كالمشاركين لهم في نفس الفعل.

    رابعًا: الطبع على القلب وانتكاس الفطرة:

    وهذا من الآثار الخبيثة التي تصيب متبع الهوى، قال عز وجل: ( ﯦﯧ ) [محمد: ١٦].

    فهذه الآية تتحدث عن المنافقين، الذين كانوا يحضرون مجلس النبي صلى الله عليه السلام؛ ليستمعوا دون فهمٍ ولا استحضارٍ؛ استخفافًا حتى إذا خرجوا قالوا لأهل العلم: ( ﯦﯧ) وليس مقصدهم بذلك «إلا السخرية والاستهزاء بما يقول، وأنه مما لا ينبغي أن يؤبه به، أو يلقى لمثله سمع»183. فـ«طبع الله على قلوبهم وختم عليها، فلا تقبل خيرًا، ولا تأذن بخير يدخل إليها، ومن أجل هذا فقد أخلوا مع أهوائهم، تقودهم إلى حيث مواقع الضلال والهلاك، دون أن تمتد إليهم يد منقذة، إنهم قطعوا كل سبب يصل بينهم وبين أية وسيلة من وسائل الإنقاذ»184.

    ومما يظهر لك أن هذا الطبع أثر من اتباع الهوى حديث القرآن بعد ذلك عن فريق آخر رغب في الهدى، وأقبل عليه: ( ) [محمد: ١٧].

    فـ«ترتيب الوقائع في الآية يستوقف النظر، فالذين اهتدوا بدءوا هم بالاهتداء فكافأهم الله بزيادة الهدى، وكافأهم بما هو أعمق وأكمل ( ) »185.

    أما متبعو الهوى فكان الهوى مانعًا لهم من اتباع الحق، وسببًا في الطبع على قلوبهم، وانتكاس فطرتهم، كيف لا ومتبع الهوى غارق في المعاصي والسيئات، وهذه لها آثار خطيرة على القلب؛ إذ إنها تنتهي به إلى المرض، ثم القسوة أو الموت، كما أخبر النبي صلى الله عليه السلام في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه السلام قال: (إن العبد إذا أخطأ خطيئةً؛ نكتت في قلبه نكتةٌ سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب؛ سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله)، (ﭹﭺ ﭻﭼ ﭿ ) [المطففين: ١٤]186.

    ومن الآيات التي أكدت على هذا قوله جل جلاله: ( ﭦﭧ ) [الجاثية: ٢٣].

    فالله جل جلاله يخبر في الآية أن من لم يسر على طريق الاتباع، ويترك طريق الهوى يكون الجزاء على اتباعه لهواه الطبع والختم على قلبه «فتنطمس فيه تلك المنافذ التي يدخل منها النور، وتلك المدارك التي يتسرب منها الهدى، وتتعطل فيه أدوات الإدراك، وما ذلك إلا بطاعته للهوى طاعة العبادة والتسليم»187.

    وهكذا يظهر أن «من سننه سبحانه وتعالى في البشر أن من يتبع هواه في أعماله، ويستمر على ذلك ويدمنه الزمن الطويل، تضعف إرادته في هواه حتى تذوب وتفنى فيه، فلا تعود تؤثر فيه المواعظ القولية، ولا العبر المبصرة، ولا المعقولة، وهذه الحالة يعبر عنها بالختم والرين، والطبع على القلب، والصمم والعمى والبكم» 188. نعوذ بالله من هذا الحال.

    خامسًا: اتباع الشهوات:

    من الآثار التي تصيب متبع الهوى الانحطاط الخلقي واتباع الشهوات؛ فصاحب الهوى عبد لشهواته وميوله، لا يتحرك إلا بأمر منها فيصيبه هذا بالانحطاط الخلقي، كما ضرب الله لنا مثلًا على هذا بحال الرجل الذي قال عنه: ( ) [الأعراف: ١٧٥].

    فهذا مثل يجلي بكل وضوح مدى أثر الهوى في الانحطاط الخلقي واللهث وراء الشهوات.

    وتأمل كيف أنه عز وجل قال عن هذا المذكور في المثل: ( ) [الأعراف: ١٧٦].

    فهذا «تمثيل لحال المتلبس بالنقائص والكفر بعد الإيمان، والتقوى بحال من كان مرتفعًا عن الأرض فنزل من اعتلاء إلى أسفل» وذكر الأرض يشير إلى أن «الإخلاد هنا ركون إلى السفل، أي: تلبس بالنقائص والمفاسد»189.

    وهذا لا شك يدل على شدة الانحطاط الخلقي والركض الدائم خلف النزوات، -ولا غرو- فالإنسان حين يرضى لنفسه الإعراض عن اتباع الشرع «والتمسك بما آتاه الله من الآيات، ويأبى إلا متابعة الهوى، فلا جرم أنه واقع في هاوية الردى»190.

    قال ابن رجب رحمه الله: «إن جميع المعاصي إنما تقع من تقديم الهوى على محبة الله ومحبة رسوله»191.

    ومن الآيات التي أكدت على هذا المعنى قوله سبحانه وتعالى: ( ﭗﭘ ﭜﭝ ) [الفرقان: ٤٣-٤٤].

    «فشبه أكثر الناس بالأنعام، والجامع بين النوعين التساوي في عدم قبول الهدى والانقياد له، وجعل الأكثرين أضل سبيلًا من الأنعام؛ لأن البهيمة يهديها سائقها؛ فتهتدي وتتبع الطريق، فلا تحيد عنها يمينًا ولا شمالًا، والأكثرون يدعوهم الرسل ويهدونهم السبيل؛ فلا يستجيبون، ولا يهتدون، ولا يفرقون بين ما يضرهم وبين ما ينفعهم»192.

    ولا شك أن الذي أوصل هؤلاء إلى هذه المرحلة المتدنية من الانحطاط حتى وصلوا درجة البهيمية، هو اتباع الهوى؛ فكان هذا التدني أثرًا من آثار متابعته.

    وهكذا نرى كيف يهبط الهوى بالمرء إلى أسفل الدرجات، ويورثه انحطاطًا ينحط به عن درجته الآدمية، ورتبته الإنسانية؛ ليصبح دون البهائم؟! نسأل الله السلامة من متابعة الأهواء.

    سادسًا: الظلم:

    من آثار اتباع الهوى أيضًا الجور في الحكم بين الناس، وما يترتب على ذلك من ظلمهم، وعدم إيصال الحقوق إليهم، ولا شك في أن ذلك من أسباب انتشار الفساد في الأرض، فإن المظلوم قد لا يصبر على ظلمه، وأخذ غيره حقه منه بغير حق؛ فيطلب الوصول إليه من طريق لا يحبه الله ورسوله، إن افتقده في موضعه الذي وجهه الله إليه، ومن ثم وجب على الحكام وغيرهم ممن مكنهم الله من القضاء والحكم بين الناس أن يحكموا بينهم بالعدل الذي جاء به الإسلام، وألا يتبعوا أهواءهم فيجوروا.

    فعن الحسن رحمه الله قال: «إن الله أخذ على الحكام ثلاثًا: ألا يتبعوا الهوى، وأن يخشوه ولا يخشوا الناس، وألا يشتروا بآياته ثمنًا قليلًا، ثم قرأ: ( ﯿ ﰇﰈ )[ص: ٢٦].

    وقرأ: ( ﮆﮇ ﮋﮌ ﮘﮙ ﮢﮣ ) [المائدة: ٤٤]193.

    وقد سبق بيان تحذير الله جل جلاله لعبده ونبيه داود عليه السلام بقوله: ( ﯿ ﰇﰈ )[ص: ٢٦].

    سابعًا: فساد السموات والأرض:

    من الآثار المترتبة على مخالفة هذا الطريق واتباع الهوى فساد السموات والأرض ومن فيهن، كما قال جل جلاله: ( ﯫﯬ ) [المؤمنون: ٧١].

    فهذه الآية توضح أن الله عز وجل «لو أجرى حكمه على وفق مراد الناس وأهوائهم؛ لاختل أمر السماوات والأرض، ولخرج عن حد الإحكام والإتقان»194، وما ذلك إلا لأن خلق السموات والأرض ومن فيهن «قام بالحق»195، والحق واحد ثابت لا يتبدل ولا يتغير، أما الأهواء فهي كثيرة ومتقلبة، تختلف باختلاف أصحابها؛ فلذلك «لو خضع الكون للأهواء العارضة، والرغبات الطارئة؛ لفسد كله، ولفسد الناس معه، ولفسدت القيم والأوضاع، واختلت الموازين والمقاييس، وتأرجحت كلها بين الغضب والرضا، والكره والبغض، والرغبة والرهبة، والنشاط والخمول، وسائر ما يعرض من الأهواء والمواجد والانفعالات والتأثرات»196.

    فلو أن الله عز وجل «أباح الظلم وترك العدل؛ لوقع الناس في هرج ومرج، ولوقع أمر الجماعات في اضطراب وفساد، ولو أباح العدوان، واغتصاب الأموال، وأن يكون الضعيف فريسة للقوى؛ لما استتب أمن، ولا ساد نظام، وحال العرب قبل الإسلام شاهد صدقٍ على ذلك، ولو أباح الزنا؛ لفسدت الأنساب، وما عرف والدٌ ولده، فلا تتكون الأسر، ولا يكون من يعول الأبناء، ولا يبحث لهم عن رزق، فيكونوا شردًا في الطرقات لا مأوى لهم، ولا عائل يقوم بشئونهم»197.

    وفي النهاية نستطيع أن نقول: من الآثار المترتبة على اتباع الهوى فساد الكون واختلال نظامه «لأن هوى إنسان ما قد يناقض هوى إنسان آخر، والباقون من الناس قد يكون لهم هوى يناقض بقية الأهواء»198. وبذلك يقع اضطراب عظيم.

    ثامنًا: حرمان الولي والنصير:

    أخبر تعالى في كتابه أن الرسول عليه السلام إذا اتبع أهواء اليهود والنصارى حرم من ولاية الله ونصرته.

    قال سبحانه وتعالى: ( ﭙﭚ ﭠﭡ ﭩﭪ ) [البقرة: ١٢٠].

    قال الطبري: يقول جل ثناؤه: لئن اتبعت يا محمد هوى هؤلاء اليهود والنصارى، فيما يرضيهم عنك من تهود وتنصر، فصرت من ذلك إلى إرضائهم، ووافقت فيه محبتهم من بعد الذي جاءك من العلم بضلالتهم، وكفرهم بربهم، ومن بعد الذي اقتصصت عليك من نبئهم في هذه السورة، ليس لك من ولي يلي أمرك، وقيم يقوم به، ولا نصير ينصرك من الله؛ فيدفع عنك ما ينزل بك من عقوبته، ويمنعك من ذلك أن أحل بك ذلك ربك199. فهذا شرط خوطب به النبي صلى الله عليه السلام وأمته معه داخلة فيه200.

    وقوله: ( ) [البقرة: ١٢٠].

    قطع لأطماعهم أن تتبع أهواؤهم؛ لأن من علم أنه لا ولي له ولا نصير ينفعه إذا ارتكب شيئ!ا كان أبعد في أن لا يرتكبه، وذلك إياس لهم في أن يتبع أهواءهم أحد201.

    وفي الآية تحذير لكل من تلقى الإسلام أن لا يتبع بعد الإسلام أهواء الأمم الأخرى.

    وقد نزه الله عز وجل رسوله عن اتباع الهوى، وأثنى عليه بالاستقامة والاعتدال والسداد قال سبحانه وتعالى: ( ) [النجم: ٣].

    أي: ليس نطقه صادرًا عن هوى نفسه، بل لا يتبع إلا ما أوحى الله إليه من الهدى والتقوى في نفسه وفي غيره202.

    تاسعًا: النار وبئس المصير في الآخرة:

    ذكر الله في كتابه الكريم أن من الآثار المترتبة على اتباع العبد للهوى النار في الآخرة، كما قال عز وجل: ( ﯿ ﰇﰈ )[ص: ٢٦].

    وهنا يرشدنا الله عز وجل إلى أن «الذين يميلون عن سبيل الله، وذلك الحق الذي شرعه لعباده، وأمرهم بالعمل به، فيجورون عنه في الدنيا لهم في الآخرة يوم الحساب عذاب شديد، على ضلالهم عن سبيل الله بما نسوا أمر الله»203.

    قال الشعبي: «إنما سمي الهوى هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه في النار»204.

    فاتباع الهوى يقود صاحبه إلى النار، والعياذ بالله سبحانه وتعالى، وفي مخالفة الهوى نجاة من النار، والفوز بالجنة، فقد ذكر نبينا صلى الله عليه السلام أن الجنة حفت بالمكاره، فلا بد من مجاهدة النفس، ومخالفة الهوى التي تميل إليه النفس؛ حتى نكون من أهل الجنة، وذكر أن النار حفت بالشهوات التي لا بد للإنسان من مجاهدة نفسه، والبعد عن اتباع الهوى والشهوة؛ حتى لا يتردى الإنسان في نار جهنم.

    عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه السلام: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)205.

    فكل الشهوات التي تشتهيها النفس الأمارة بالسوء، ويدفعها إليها هوى النفس هي قائدة إلى النار -والعياذ بالله- واتباع الهوى من المهلكات التي حذر منها الشرع، كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: (ثلاثٌ منجياتٌ، وثلاثٌ مهلكاتٌ، فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات: فهوًى متبعٌ، وشحٌ مطاعٌ، وإعجاب المرء بنفسه، وهي أشدهن)206.

    وهكذا يتجلى لنا كيف أن متابعة الهوى توجب لصاحبها النار وبئس القرار.


1 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٦/١٥.

وانظر: مختار الصحاح، الرازي، ص٣٢٩.

2 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٥/٣٧٢، تاج العروس، الزبيدي ٤٠/٣٢٦.

3 مشارق الأنوار، القاضي عياض ٢/٢٧٣.

وانظر: جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/٩٩٨.

4 انظر: التعريفات، الجرجاني، ص٢٥٧، الكليات، الكفوي ص٩٦٢، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص٣٤٤.

5 معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، ٣/٢٣٧٩.

6 انظر: الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، زكريا الأنصاري، ١/٦٨، المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٨٤٩.

7 انظر: الهوى وأثره في الخلاف، عبد الله الغنيمان، ص١٢.

8 العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير ١/٣٦٣.

9 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله إبراهيم جلغوم، ص ١٣٩٥.

10 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٤٥٤.

11 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٣/٢٢٠.

12 انظر: المصباح المنير، الفيومي، ١/٣٢٦.

13 تاج العروس، محمد الزبيدي، ٣٨/٤٠٢.

14 الفروق اللغوية، العسكري، ص٥٦٢.

15 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٣٦.

16 الكليات، الكفوي، ص٣٩٨.

17 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٤١٦.

18 طريق الهجرتين، ابن القيم ص ٢٦١.

19 تاج العروس، محمد الزبيدي، ٢/٢١٤.

20 نهاية الأرب، النويري ٢/١٢٨.

21 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٢٤٣.

22 الصحاح، الجوهري ٦/٢٢٣٦.

23 القاموس الفقهي، سعدي أبو حبيب، ١/١٨٩.

24 انظر: تكملة المعاجم العربية، رينهارت بيتر آن دوزي، نقله إلى العربية وعلق عليه: محمد النعيمي، جمال الخياط، ٦/٢٤٤.

25 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٥/٣٧١.

26 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٠٨.

27 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٣/٩٢٩.

28 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٠٨.

29 صفوة التفاسير، الصابوني ٣/٥٠.

30 مفاتيح الغيب ٢٦/٣٨٦

31 التفسير القرآني للقرآن ٤/٣٣٨.

32 التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص١٤٨.

33 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٧٥ بتصرف.

34 المصدر السابق.

35 جامع البيان، الطبري ١٩/٥٩٢.

36 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦١٧ بتصرف.

37 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/١٤١.

38 روح البيان، إسماعيل حقي ٦/٤١٢.

39 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٠/٣٦٠.

40 انظر: السبعة في القراءات، ابن مجاهد ص٢٦٧، النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ٢/٢٦٢.

41 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٨/١٧.

42 مدارك التنزيل، النسفي ١/٦١٨، الكشاف، الزمخشري ٢/١٧٨.

43 محاسن التأويل، القاسمي ٥/٢٢٣.

44 بدائع التفسير، ابن القيم ١/٤٢٦.

45 محاسن التأويل، القاسمي ١/٤٢٨.

46 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٢.

47 أيسر التفاسير، الجزائري ٤/١٧٥.

48 تفسير الشعراوي ١٨/١١٤١٠ بتصرف.

49 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٥٩٨.

50 لطائف الإشارات، القشيري ١/١٠٤.

51 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٥٩٢.

52 جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٧١.

53 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/١٧٢.

54 لطائف الإشارات، القشيري ٣/٤٩٤.

55 محاسن التأويل، القاسمي ٤/٥٣٥.

56 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٨/١٦٠.

57 انظر: معارج التفكر، حبنكة الميداني ٨/ ٥٧.

58 المصدر السابق ٣/٥٤٥.

59 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٣/٢٤٠.

60 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٣٥٩ بتصرف.

61 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٦/١٤٤٤.

62 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٨١٩.

63 المصدر السابق.

64 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩١٠ بتصرف.

65 وسائد من الحرير والإستبرق وغيرهما مما لا يعلمه إلا الله، قد صفت للجلوس والاتكاء عليها. تيسير الكريم الرحمن ص٩٢٢.

66 الزرابي أي: البسط الحسان، مبثوثة أي: مملوءة بها مجالسهم من كل جانب. تيسير الكريم الرحمن ص٩٢٢.

67 الكواعب وهي: النواهد اللاتي لم تتكسر ثديهن من شبابهن، وقوتهن ونضارتهن. تيسير الكريم الرحمن ص٩٠٧.

68 أيسر التفاسير، الجزائري ٥/٥١٥.

69 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٨١٩.

70 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، ٤/٢٥٩، رقم ٤٨٣٣، والترمذي في سننه، أبواب الزهد، ٤/٥٨٩، رقم ٢٣٧٨.

وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة ٢/٥٩٧، رقم ٩٢٧.

71 في ظلال القرآن ٥/٢٩٨٦.

72 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٩.

73 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٣٠٤.

74 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٧٥.

75 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٣٠٥.

76 المصدر السابق.

77 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٧٥.

78 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/٢١٩.

79 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٣٠٦.

80 الكلب: بفتح اللام، قال الخطابي: هو داء يعرض للإنسان من عضة.

81 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب شرح السنة، ٤/١٩٧، رقم ٤٥٩٦، وأحمد في مسنده، ٢٨/١٣٤، رقم ١٦٩٣٧.

وصححه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح ١/٦١، رقم ١٧٢.

82 أخرجه عبد الرزاق عن معمر في المصنف ١١/١٢٥، رقم ٢٠٠٩٩.

83 مجموع فتاوى ابن تيمية ١٠/٩.

84 النهاية في غريب الحديث والأثر ٤/١٩٥.

85 مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ١/٢٧٨.

86 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/١٧٩.

87 قيل هو: بلعم بن باعر، وقيل: بلعم بن أبر، وقيل: بلعام، وقيل: أمية بن أبي الصلت، أما مكان القصة، فقيل: حدثت في بيت المقدس، وقيل: في اليمن، وقيل: في الطائف، وقيل غير هذا.

انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٥٠٧.

88 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/١٧٦.

89 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٩/٣٤٠.

90 بدائع التفسير، ابن القيم ١/٤٢٧-٤٢٨.

91 تفسير الشعراوي ٧/٤٤٥٥.

92 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٦/٣٠٠٧.

93 الفوائد، ابن القيم ١/١٠٢.

94 نظم الدرر، البقاعي ٩/١٠٧.

95 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣٩٧.

96 لطائف الإشارات، القشيري ١/٥٨٧.

97 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٥٦.

98 لطائف الإشارات، القشيري ١/٤٣٩.

99 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٥٦.

100 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٤/٢٣٤.

101 المصدر السابق ٤/٢٣٤ بتصرف.

102 المحرر الوجيز ٤/٢١٢.

103 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٠٣.

104 جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٢٨.

105 مجموع فتاوى ابن تيمية ٣/٣٨٤.

106 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/١١٠.

107 المصدر السابق.

108 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٤٠٨.

109 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣١٢.

110 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٧٦٧.

111 أي: فسدت، وتغيرت. انظر: تاج العروس ٣٤/١٧٨.

112 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٣١.

113 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/٢٠٣.

114 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٣٢.

115 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٤/٩٨٦.

116 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٦٩٩.

117 جامع البيان، الطبري ١٩/٥٩٢ باختصار.

118 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٦٩٩.

119 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦١٨.

120 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا)، ٦/١٤٢، ٤٨٦٧، ومسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب انشقاق القمر، ٤/٢١٥٩، رقم ٢٨٠٢.

121 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٢٤.

122 المصدر السابق.

123 قواعد قرآنية، القاعدة الرابعة عشر، عمر المقبل ص ٩١.

124 الاستقامة، ابن تيمية ١/٢٥٣.

125 الصواعق المرسلة ، ابن القيم ٤/١٥٢٦.

126 أخرجه ابن أبي عاصم في كتابه السنة ١/١٢، ١٥، وابن بطة في الإبانة الكبرى ١/٣٨٧، ٢٧٩.

وضعفه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح ١/٥٩، رقم ١٦٧.

127 الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية، المناوي ص٦٧.

128 مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ١/٢٦٦.

129 جامع العلوم والحكم ٢/٣٩٨.

130 جامع البيان، الطبري ١٠/٣٩٣.

131 نظم الدرر ٦/١٣٢.

132 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٣٤.

133 معارج التفكر، حبنكة الميداني ٣/٥٤٣ باختصار.

134 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٤١.

135 تيسير الكريم الرحمن ص٣٠٨ بتصرف.

136 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/١٧٣.

137 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/١٧٠.

138 بدائع التفسير، ابن القيم ١/٤٣٠.

139 مفاتيح الغيب، الرازي ١٥/٤٠٥.

140 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب التواضع، ٨/١٠٥، رقم ٦٥٠٢.

141 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٠٦٤.

142 الداء والدواء، ابن القيم ص٨٢- ٨٣.

143 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٢.

144 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٨٦.

145 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٥٥.

146 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٨/٨٣٦.

147 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٢٩٠.

148 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٧٦.

149 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٦٧.

150 التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ١٣/١٥٧.

151 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٧/١٤٠.

152 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٧١ بتصرف يسير.

153 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٨٤.

154 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣٥٥.

155 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٩.

156 جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي ١/٤٨١-٤٨٢.

157 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ابن تيمية ١/٣٢.

158 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٣/٢٤٧-٢٤٨.

159 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافر وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل، ١/٥٣٤، رقم ٧٧٠.

160 أخرجه ابن ماجه في صحيحه، كتاب الدعاء، باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ١/٩٢، رقم ٣٨٣٣.

161 أخرجه أبو داود في سننه، أبواب في النوم، باب ما يقول إذا خرج من بيته، ٤/٣٢٥، رقم ٥٠٦١.

162 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٨١٩.

163 مفاتيح الغيب، الرازي ٣١/٥٠.

164 شعب الإيمان، البيهقي ٢/٢٦٨.

165 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٥٠٩.

166 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (وأنذر عشيرتك الأقربين)، ٦/١١١، رقم ٤٧٧٠.

167 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٨٧ بتصرف.

168 محاسن التأويل، القاسمي ٨/٢٥٣.

169 تفسير الشعراوي ٧/٣٩٨٢.

170 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٤/١٩٨.

171 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٢٦٣.

172 التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٥/٨٣- ٨٤.

173 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٣٦.

174 الطبقات الكبرى، ابن سعد ٧/١٣٧.

175 نظم الدرر ٦/١٦٣.

176 مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٥٩٦.

177 جامع البيان، الطبري ٢/٣٢٤.

178 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٦/٣٩٨.

179 المصدر السابق.

180 اليهودية التي سمت الشاة لرسول الله كما في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة وفضلها، باب قبول الهدية من المشركين، ٣/١٦٣، رقم ٢٦١٧.

181 سحر اليهود رسول الله كما في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب السحر ٧/١٦٣، رقم ٥٧٦٣.

182 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ١/٤٨٢.

183 نظم الدرر ٢٦/٦١.

184 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٣/٣٣٦.

185 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٢٩٤.

186 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة ويل للمطففين، ٥/٤٣٤، رقم ٣٣٣٤.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي ٧/٣٣٤.

187 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣٢٣٠ بتصرف.

188 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٩/٥٢٩.

189 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/١٧٧.

190 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٥/٤٠٥.

191 جامع العلوم والحكم، ابن رجب ٢/٣٩٨.

192 التفسير القيم، ابن القيم ص٤٠٩.

193 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/١١٠.

194 لطائف الإشارات، القشيري ٢/٥٨٢ بتصرف.

195 جامع البيان، الطبري ١٩/٥٧.

196 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٤٧٥.

197 نظم الدرر ١٨/٤١.

198 تفسير الشعراوي ٢/١٢٨٢.

199 جامع البيان، الطبري ٢/٤٨٥.

200 المحرر الوجيز ١/٢٠٤.

201 البحر المحيط ١/٥٩١.

202 تيسير الكريم الرحمن ص٨١٨.

203 جامع البيان، الطبري ٢١/١٨٩.

204 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/١٦٧.

205 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، ٤/٢١٧٤، رقم ٢٨٢٢.

206 أخرجه البيهقي في شعب الإيمان، فصل في الطبع على القلب أو الرين، ٩/٣٩٧، ٦٨٦٥.

وحسنه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح.