عناصر الموضوع
الهم بالشيء
أولًا: المعنى اللغوي:
الهاء والميم: أصل صحيح يدل على ذوب وجريان ودبيب وما أشبه ذلك، ثم يقاس عليه، همني الشيء: أذابني، والهاموم: الشحم الكثير الإهالة، والهموم: البئر الكثيرة الماء، وأما الهم الذي هو الحزن فعندنا من هذا القياس؛ لأنه كأنه لشدته يهم، أي: يذيب، والهم: ما هممت به، وكذلك الهمة، ومهم الأمر: شديده، وأهمني: أقلقني، والهمام: الملك العظيم الهمة، والهميمة: المطرة الضعيفة، والهميمة: الريح اللينة، وهمم في رأسه، إذا جعل أصابعه في خلال شعره يجيء بها ويذهب لينام، والهميم: الدبيب1.
الهم: الحزن والجمع الهموم، وأهمني الأمر، إذا أقلقك وحزنك، ويقال: همك ما أهمك، والمهم: الأمر الشديد، والهمة: واحدة الهمم، يقال: فلانٌ بعيد الهمة أيضًا بالفتح، وهممت بالشئ أهم هما، إذا أردته، ويقال: لا مهمة لي بالفتح، ولا همام، أي أهم بذلك ولا أفعله2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الهم: «هو عقد القلب على فعل شيء قبل أن يفعل، من خير أو شر»3.
وقيل: «الهم دواعي الإنسان إلى الفعل من خير أو شر»4.
ويظهر أن الهم متعلق بالنية والإرادة قبل وقوع الفعل، فإن فعله كان حقيقة واقعة، وإن لم يفعله يبقى في دائرة النية والرغبة والإرادة.
فالمعنى الاصطلاحي راجع إلى أحد المعاني اللغوية وهو الإرادة.
الهم بالشيء في الاستعمال القرآني
ورد (الهم بالشيء) في القرآن الكريم(٨) مرات5.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٨ |
(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [يوسف:٢٤] |
وجاء الهم بالشيء في القرآن بمعناه في اللغة وهو: الإرادة، ومنه قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [التوبة: ٧٤]. أي: أرادوا قتل الرسول وإخراجه6.
القدرة:
القدرة لغة:
الطاقة والقوة على الشيء والتمكن منه، والغنى والثراء، يقال: رجل ذو قدرة ذو يسار وغنى 7.
القدرة اصطلاحًا:
الصفة التي تمكن الحي من الفعل وتركه بالإرادة8، والقدرة: صفة تؤثر على قوة الإرادة» 9.
الصلة بين الهم بالشيء والقدرة:
الهم: إجماع النفس على الأمر والإزماع عليه، وتحقيقه يكون بالقدرة وهي القوة على فعل الشيء، فقد يحصل الهم بالشيء ويتخلف حصوله لعدم القدرة على تحقيقه.
العزم:
العزم لغة:
«عزم على الشيء: عقد ضميره على فعله، وعزم عزيمة: اجتهد وجد في أمره»10.
العزم اصطلاحًا:
«العزم: عقد القلب على إمضاء الأمر»11.
الصلة بين الهم بالشيء والعزم:
الهم: إجماع النفس على الأمر والإزماع عليه، والعزم: عقد القلب على إمضاء الأمر12.
وقيل: الهم: أقل من التصميم على الفعل وإرادة وقوعه، والعزم: تصميمٌ وإرادةٌ قويةٌ للفعل.
بين القرآن الكريم مجالات للهم بالشيء، منها الهم في القتال، وفي الأخلاق، وفي مجابهة الدعوة، والهم بإيذاء الرسل والدعاة، وسوف نتناول ذلك بالتوضيح فيما يأتي:
أولًا: الهم في ميادين القتال:
إن ساحات القتال من أعظم المواطن التي يظهر فيها صدق الصادقين؛ حيث تذهل النفوس، وتتطاير الرءوس، ولايثبت إلا أناسٌ يحبون الموت كما يحبون الحياة، فيبذلون مهجهم في سبيل الله في هذا الموطن تصاب بعض النفوس بعوارض نفسيةٍ شديدةٍ؛ من الخوف، والقلق، والهم بالفرار، أما الكافر والمنافق فما ثم إلا الظنون السيئة، وأما المؤمن فعلى قدر استعانته بالله يثبته الله، وفي يوم أحدٍ كان لطائفةٍ من المؤمنين شأنٌ، فأحدٌ -كما قال صاحب الظلال- لم تكن معركةً في الميدان وحده، إنما كانت معركةً كذلك في الضمير13.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [آل عمران: ١٢٢].
والطائفتان: بنو سلمة وبنو حارثة، حيان من الأنصار، هموا بأمر فعصمهم الله من ذلك، وكان همهما الذي هما به من الفشل: الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؛ حين انصرف عنهم عبد الله بن أبي بن سلول بمن معه14. فأدى هذا الإنصراف إلى ضعف قلوب البعض، فراودت النفس بالفشل.
والفشل في البدن: الاعياء، وفي الحر: الجبن، والخور، وفي الرأي: العجز والفساد15.
وهذا الهم إنما هو حركة قلب عند من السر عنده علانية، وقد علم ذلك منهم. فهل كان همهم بالفشل عزمًا على الرجوع عن لقاء المشركين يوم أحدٍ، وترك النبي صلى الله عليه وسلم جبنًا منهم، ثم لم يفعلا. أو كان همهم بالفشل مجرد حديث نفس خطر على أذهانهم؟
ظاهر الآية يدل على أن همهم هنا كان عزمًا على الفشل والترك. ولعل الصواب: أن الهم هنا دون العزم، فهو خاطرٌ قلبي، وحديث تردد في النفس، ولم يترجح ليصبح عزمًا على الفعل؛ بدليل قوله بعدها: (ﭗ ﭘ) فولاية الله لهما دلالة على عدم وقوع العزم على ترك النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو معصية.
قال الرازي: «الهم قد يراد به العزم، وقد يراد به الفكر، وقد يراد به حديث النفس، وقد يراد به ما يظهر من القول الدال على قوة العدو وكثرة عدده؛ لأن أي شيء ظهر من هذا الجنس صح أن يوصف من ظهر ذلك منه بأنه هم بأن يفشل من حيث ظهر منه ما يوجب ضعف القلب»16.
ونحوه ذكر الشيخ الشنقيطي، بأن جعله كهم يوسف عليه السلام الذي هو خاطرٌ قلبيٌ صرفه عنه وازع التقوى؛ لأن قوله: (ﭗ ﭘ) يدل على أن ذلك الهم ليس معصيةً؛ لأن اتباع المعصية بولاية الله لذلك العاصي إغراءٌ على المعصية. والعرب تطلق الهم وتريد به المحبة والشهوة17.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «أضمروا أن يرجعوا، فعزم الله لهم على الرشد فثبتوا». وهذا الهم غير مؤاخذٍ به؛ إذ ليس بعزيمة، إنما هو ترجيح من غير عزم. ولا شك أن النفس عندما تلاقي الحروب ومن يجالدها يزيد عليها مثلين وأكثر، يلحقها بعض الضعف عن الملاقاة، ثم يوطنها صاحبها على القتال فتثبت وتستقر18.
(ﭗ ﭘ) أي: ناصرهما على ذلك الهم الشيطاني، الذي لو صار عزمًا لكان سبب شقائهما، فلعناية الله بهما برأهما الله من فعل ما همتا به19.
فهمهما في الآية على ما ذكر مجرد حديث نفس وخاطر قلبيٍ، بالتراجع عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ دعاهم إليه الضعف والوهن، ثم دفعه المولى سبحانه عنهما بفضله وعنايته. كما يدلل هذا على أن الهموم تتفاوت؛ فبعضها أعظم من بعض، وهم الجبن والانصراف عن المعركة ليس كالهم بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي موقفٍ عظيم مهيب للمسلمين في صلاتهم، هم المشركون بالإغارة عليهم؛ إذ أنهم في موقف حرب -والحرب خدعةٌ- فعن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: (لما أراد الله عز وجل ما أراد بي من الخير قذف في قلبي الإسلام وحضرني رشدي، وقلت: قد شهدت هذه المواطن كلها على محمدٍ، فليس موطنٌ أشهده إلا أنصرف وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء، وأن محمدًا سيظهر، فلما خرج رسول الله إلى الحديبية خرجت في خيل المشركين، فلقيت رسول الله في أصحابه بعسفان فقمت بإزائه وتعرضت له، فصلى بأصحابه الظهر أمامنا، فهممنا أن نغير عليه ثم لم يعزم لنا، وكانت فيه خيرةٌ، فأطلع على ما في أنفسنا من الهموم فصلى بأصحابه صلاة العصر صلاة الخوف فوقع ذلك منا موقعا وقلت: الرجل ممنوعٌ)20.
فانتهى همهم هنا في صدورهم؛ إذ لم يتحقق عزمهم على الأمر أول مرة، ثم حمى الله عباده، بما شرع في الصلاة التي تليها -فلله الحمد من قبل ومن بعد- ثم كان وقوع هذا الأمر على مرأى من خالد بن الوليد، داعيته إلى الإسلام والإقبال على الدين.
وهاتان الواقعتان تربيان في المسلم عظمة خالقه سبحانه المطلع على خلجات النفوس؛ فيرتجف قلبه رهبةً مما حاك في صدره مما لايرضي الله، فيسعى للخلاص منه.
ثانيًا: الهم في ميادين الأخلاق:
إن تربية المسلم نفسه على الفضائل من أوجب ما يجب عليه، وهو مطالبٌ بتهذيبها وتزكيتها، وأن يجنبها مداخل الشيطان التي يلج منها. والدنيا قد تتزين للعبد، ولكونه خلق ضعيفًا فقد ترديه نفسه الأمارة بالسوء والشيطان والهوى في شباك المعصية وفي ظل غياب الرقيب -في نفسه- فلم يغب الرقيب الأعلى سبحانه إنما غاب الإيمان في قلبه حين هم بمعصية الله، وفي قصر العزيز يقص الله علينا أحداث ذلك الهم وما آل إليه.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [يوسف: ٢٤].
همت امرأة العزيز بالمعصية همًا مؤكدًا محققًا، أما هم يوسف عليه السلام فاختلف فيه المفسرون. ولئن عد البعض هذه المسألة شائكة واختلفت فيها الأقوال فإنه يتوقف ولا يخوض غمارها؛ لذا فإنني أفتتحها بذكر أقوال المفسرين حول هم يوسف عليه السلام؛ لتتبين المسألة بجلاء لمن لا يعرفها. وهذه الأقوال هي:
وظاهر الآية الكريمة قد يفهم منه أن يوسف عليه السلام هم بأن يفعل مع تلك المرأة مثل ما همت هي به منه. والقرآن العظيم بين براءته -عليه الصلاة والسلام- من الوقوع فيما لا ينبغي. وتأويل هم يوسف بأنه قارب الهم ولم يهم بالفعل؛ كقول العرب: قتلته لو لم أخف الله. أي: قاربت أن أقتله. وتأويل الهم بأنه هم بضربها، أو هم بدفعها عن نفسه؛ فكل ذلك غير ظاهرٍ، بل بعيدٌ من الظاهر ولا دليل عليه28.
والقول الراجح في بيان همه عليه السلام على ما وجه أهل العلم؛ من وجهين:
الوجه الأول: إن المراد بهم يوسف بها خاطرٌ قلبي صرفه عنه وازع التقوى، وقال بعضهم: هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى، وهذا لامعصية فيه؛ لأنه أمرٌ جبلي لا يتعلق به التكليف؛ كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك)29 يعني: ميل القلب الطبيعي.
ومثال هذا: ميل الصائم بطبعه إلى الماء البارد، مع أن تقواه تمنعه من الشرب وهو صائم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة)30؛ لأنه ترك ما تميل إليه نفسه بالطبع خوفًا من الله، وامتثالًا لأمره؛ كما قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [النازعات: ٤٠-٤١]31.
قال شيخ الإسلام: «وأما قوله: (ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) فالهم: اسم جنس تحته نوعان، كما قال الإمام أحمد: الهم همان: هم خطراتٍ وهم إصرار. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا هم بسيئة لم تكتب عليه، وإذا تركها لله كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له سيئةٌ واحدةٌ، وإن تركها من غير أن يتركها لله لم تكتب له حسنة ولا تكتب عليه سيئة. ويوسف صلى الله عليه وسلم هم همًا تركه لله؛ ولذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء لإخلاصه، وذلك إنما يكون إذا قام المقتضي للذنب وهو الهم، وعارضه الإخلاص الموجب لانصراف القلب عن الذنب لله، فيوسف عليه السلام لم يصدر منه إلا حسنةٌ يثاب عليها، وقال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الأعراف: ٢٠١]»32.
الوجه الثاني: وهو اختيار أبي حيان: أن يوسف عليه السلام لم يقع منه همٌ أصلًا، بل هو منفيٌ عنه لوجود البرهان.
قال أبو حيان: «طول المفسرون في تفسير هذين الهمين، ونسب بعضهم ليوسف ما لا يجوز نسبته لآحاد الفساق. والذي أختاره: أن يوسف عليه السلام لم يقع منه همٌ بها ألبتة، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان، كما تقول: لقد قارفت لولا أن عصمك الله، ولا تقول: إن جواب (لولا) متقدم عليها، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك، بل صريح أدوات الشرط العاملة مختلفٌ في جواز تقديم أجوبتها عليها. وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون، ومن أعلام البصريين: أبو زيد الأنصاري، وأبو العباس المبرد. بل نقول: إن جواب (لولا) محذوفٌ لدلالة ما قبله عليه؛ كما يقول جمهور البصريين في قول العرب: أنت ظالمٌ إن فعلت. فيقدرونه: إن فعلت فأنت ظالم. ولا يدل قوله: أنت ظالم على ثبوت الظلم، بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل. وكذلك هنا التقدير: (لولا أن رأى برهان ربه لهم بها)، فوجود الهم معلقٌ على تقدير انتفاء رؤية البرهان، فلما وجد البرهان انتفى الهم -إلى أن قال ردًا على ابن عطية-: أما قوله: يرده لسان العرب. فليس كما ذكر. وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب، قال الله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [القصص: ١٠].
فقوله: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) إما أن يتخرج على أنه الجواب على ما ذهب إليه ذلك القائل، وإما أن يتخرج على ما ذهبنا إليه من أنه دليل الجواب، والتقدير: لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به. وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحدٍ منهم شيء من ذلك؛ لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضا، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين؛ فضلا عن المقطوع لهم بالعصمة»33.
وذكر أهل العلم القائلين بذلك دلائل عدة تبين نفي الهم عن يوسف عليه السلام، منها:
فإن الله ذكر عن أنبيائه عليهم السلام استغفارهم ورجوعهم فور الذنب أو فعل خلاف الأولى، فلما لم يذكر دل على عدم وقوع مالا يليق منه ولو يسيرًا، بل إن ما حصل منه حسنة تئول إلى الثواب، وتوجب المدح؛ إذ كف نفسه ابتغاء وجه الله فتركها من خشيته.
قال شيخ الإسلام: «وأما يوسف الصديق فلم يذكر الله عنه ذنبًا؛ فلهذا لم يذكر الله عنه ما يناسب الذنب من الاستغفار، بل قال: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) فأخبر أنه صرف عنه السوء والفحشاء، وهذا يدل على أنه لم يصدر منه سوءٌ ولا فحشاء»34.
فقال في ختام الآية: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) ذكر أنه من المخلصين، وهي إما بكسر اللام، أي: الذين أخلصوا طاعة الله. أو بفتح اللام، أي: الذين أخلصهم الله لرسالته، فكيف يكون موصوفا بهاتين الصفتين، وفيه همٌ أو ميلٌ للسوء؟!
قال الرازي: «فكيف يليق برب العالمين أن يشهد في عين هذه الواقعة بكونه بريئًا من السوء مع أنه كان قد أتى بأعظم أنواع السوء والفحشاء. وأيضًا فالآية تدل على قولنا من وجه آخر؛ وذلك لأنا نقول: هب أن هذه الآية لا تدل على نفي هذه المعصية عنه، إلا أنه لا شك أنها تفيد المدح العظيم والثناء البالغ، فلا يليق بحكمة الله تعالى أن يحكي عن إنسان إقدامه على معصية عظيمة ثم إنه يمدحه ويثني عليه بأعظم المدائح والأثنية عقيب أن حكى عنه ذلك الذنب العظيم»35.
فقد أكد الفعل بـ (قد، ولام القسم)؛ ليفيد أنها عزمت عزمًا محققًا، و كانت جادةً فيما راودته لا مختبرةً. والمقصود من ذكر همها به التمهيد إلى ذكر انتفاء همه بها؛ لبيان الفرق بين حاليهما في الدين؛ فإنه معصوم36. فتأكيد همها وتقديمه دلالة على الفارق الكبير بينهما، فقد عزمت، وهو لم يهم أصلًا.
ومن له تعلقٌ بهذه الواقعة: يوسف عليه السلام وتلك المرأة وزوجها، والنسوة، والشهود، ورب العالمين شهد ببراءته عن الذنب، وإبليس أقر ببراءته أيضًا عن المعصية37. ولا شهادة بعد شهادة القرآن ببراءته عليه الصلاة والسلام.
وبهذين الجوابين نعلم أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بريء من الوقوع فيما لا ينبغي، وأنه إما أن يكون لم يقع منه همٌ أصلًا بناءً على أن الهم معلق بأداة الامتناع التي هي (لولا) على انتفاء رؤية البرهان، وقد رأى البرهان فانتفى المعلق عليه، وبانتفائه ينتفي المعلق الذي هو همه بها. كما تقدم إِيضاحه في كلام أبي حيان.
وإما أن يكون همه خاطرًا قلبيًا صرفه عنه وازع التقوى، أو هو الشهوة والميل الغريزي المزموم بالتقوى. كما سبق38.
أما توجيه الروايات الواردة في ذلك، فقد نقل الألوسي في تفسيره عن الطيبي قوله -بعد أن اختار أن الهم هنا-: «همٌ عارض، وهو: الخطرة وحديث النفس من غير اختيارٍ ولا عزمٍ فقال: إن هذا التفسير هو الذي يجب أن نذهب إليه ونتخذه مذهبًا، وإن نقل المفسرون ما نقلوا؛ لأن متابعة النص القاطع، وبراءة المعصوم عن تلك الرذيلة، وإحالة التقصير على الرواة أولى بالمصير إليه، على أن أساطين النقل المتقنين لم يرووا في ذلك شيئًا مرفوعًا في كتبهم، وجل تلك الروايات -بل كلها- مأخوذٌ من مسألة أهل الكتاب».
نعم قد صحح الحاكم بعضًا من الروايات التي استند إليها من نسب تلك الشنيعة إليه عليه السلام، لكن تصحيح الحاكم محكومٌ عليه بعدم الاعتبار عند ذوي الاعتبار»39.
والذي أميل إليه وأؤيده أنه عليه السلام لم يهم بها ألبتة؛ فرؤيته برهان ربه صرف عنه الهم بالسوء، وكيف لا يحفظ الله عبدًا خصه لرسالته من الهموم والخواطر الرديئة! وهو الولي الحفيظ، اللطيف الخبير سبحانه.
نلحظ أن الباعث لامرأة العزيز على الهم بهذه المعصية هو المحبة؛ فالشهوات مزلقٌ خطيرٌ ينبغي أن يزم بزمام التقوى، وإلا عاش المرء حياته كالمخمور بسكرة الهوى، لايرى إلا شهوته. ومايلبث أن يفيق حتى يرجع.
والهم في ميدان الأخلاق يشمل كذلك: الآداب والفضائل التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمن ويكون عليها؛ ليرتقي بأخلاقه، فينمي في نفسه كل هم يدعوه إلى السمو للمعالي وإن لم يكن واجبًا، ويحاول التخلص من كل هم يسقط همته، ويزري بها، وإن لم يكن حرامًا. وذكر عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله: «والله لو علمت أن الماء البارد يثلم من مرؤتي، ما شربته إلا حارًا»40.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً، فلم يزل قائمًا حتى هممت بأمر سوء. قلنا: وما هممت؟ قال: هممت أن أقعد وأذر النبي صلى الله عليه وسلم)41.
فجعل رضي الله عنه همه للقعود وتحديث نفسه بذلك أمرًا سوءًا؛ لكونه مخالفًا للأدب معه صلى الله عليه وسلم.
مع كون ذلك جائز منه -كما اتفق العلماء- سواء في فريضة أو نافلة42.
فمن أدبه لنفسه رضي الله عنه وسعيه للكمال لم يدع النبي صلى الله عليه وسلم ويجلس، رغم المشقة التي لحقته، وهكذا يأخذ المؤمن نفسه بكل مكرمة ترقيه عند الله عز وجل.
ثالثًا: الهم في مجابهة الدعوة:
اتحذ أعداء الله لمجابهة الدعوة طرقًا وأساليب يصدون بها عن سبيل الله، فتارةً يوجهون طعنهم لحامل الرسالة، وتارةً يطعنون فيما جاء به، وتارةً يقترحون الآيات، ويتعنتون في السؤالات، ويؤلبون الأعداء، ويحاولون ترويج الباطل على النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه ما اسطاعوا إلى ذلك سبيل، والله متفضل على رسوله من الوقوع في حبائلهم.
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النساء: ١١٣].
فقد كشفت الآية لرسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر؛ ليقوم ميزان العدل. ويأبى الله إلا أن يحق الحق ويبطل الباطل، فهذه الآية نزلت في طعمة بن أبيرق43، واختلف في سبب نزولها فيه: فقال الحسن: إنه كان سرق درعًا وطعامًا فأنكره، واتهم غيره وألقاه في منزله، وأعانه قوم من الأنصار. وخاصم النبي صلى الله عليه وسلم عنه أو هم بذلك، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية إلى قوله: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [النساء: ١١٢].
يعني: الذي اتهمه السارق وألقى عليه السرقة44.
(ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [النساء: ١١٣]. أي: لولا أن الله تفضل عليك يا محمد، فعصمك بتوفيقه وتبيانه لك أمر هذا الخائن، فكففت لذلك عن الجدال عنه، ومدافعة أهل الحق عن حقهم قبله (ﯤ) فرقة منهم، أن يزلوك عن طريق الحق؛ وذلك لتلبيسهم أمر الخائن عليه صلى الله عليه وسلم، وشهادتهم للخائن عنده بأنه بريء مما ادعي عليه، ومسألتهم إياه أن يعذره، وما يضل هؤلاء إلا أنفسهم45.
وقيل: (ﯤ) معناه: لجعلته همها وشغلها حتى تنفذه، والمعنى: ولولا عصمة الله لك لكان في الناس من يشتغل بإضلالك ويجعله هم نفسه، كما فعل هؤلاء، لكن العصمة تبطل كيدهم46.
والظاهر أن الهم هنا بمعنى: العزم على إضلاله عن الحق في هذه الواقعة؛ لعلمهم أنه سارق، ثم هم يجادلون عنه، ويطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. فقد قيل: إن قوم طعمة كانوا قد عرفوا أنه سارق، ثم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يدفع ويجادل عنه، وينسب السرقة إلى اليهودي، فتعاونوا على الإثم والعدوان47.
وحتى على فرض أنهم لم يكونوا يعلمون، بل قالوا ذلك ظنًا منهم أنه لم يسرق48 فحينها سيكون عزمهم أشد، وطلبهم من النبي صلى الله عليه وسلم المدافعة عنه أقوى وأكثر؛ جهلًا منهم بحقيقته.
فتبين أن همهم هنا عزمٌ مؤكد منهم، سواء من علم، أو من لم يعلم منهم أنه سرق، فكان كما قال ابن عطية: «معصيةٌ من مؤمنيهم، وخلقٌ مقصود من منافقيهم، عصم الله رسوله منه»49.
رابعًا: الهم بإيذاء الرسل والدعاة:
من عناية الله بخلقه أن أرسل الرسل وأنزل الكتب؛ لئلا يكون للناس حجةٌ؛ فسعوا في الأرض ينشرون دينه، لا يرجون أجرًا ولا يتطلعون لدنيا. ومع ذلك نجد من طبع الله على قلبه سخر وقته للنيل منهم، فآذوهم، وطردوهم، ونقضوا عهودهم، وأغروا بهم سفهاءهم، ومن لم يستطع منهم ذلك فإنه لم يأل جهده في العزم عليه، والسعي له، والفرح به إن تحقق، ومن منة الله على عباده: حفظهم من كيد أعدائهم وهمهم السيء بهم.
قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [المائدة: ١١].
اختلف المفسرون فى سبب نزول الآية وأشهر ما ذكر: «أن رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجلين من بني سلم وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة، فجاء قومهما يطلبون الدية فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف -رضوان الله عليهم أجمعين-، فدخلوا على كعب بن الأشرف50 وبني النضير يستعينهم في عقلهما، فقالوا: يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجةً، اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا، فجلس هو وأصحابه، فجاء بعضهم ببعض وقالوا: إنكم لم تجدوا محمدًا أقرب منه الآن، فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرةً، فيريحنا منه؟ فقال عمر بن جحاش بن كعب51: أنا، فجاء إلى رحًى عظيمة ليطرحها عليه، فأمسك الله تعالى يده، وجاء جبريل عليه السلام وأخبره بذلك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله تعالى هذه الآية»52.
وورد أيضًا عن جابر رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلًا وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة، فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه فسله، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من يمنعك مني؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الله)، فشام53 الأعرابي السيف، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي، وهو جالسٌ إلى جنبه لم يعاقبه)54.
وقصة هذا الأعرابي -وهو غورث بن الحارث- ثابتة في الصحيح55.
وجعل الطبري القول الأول أولى الأقوال بالصحة56.
بينما رد ابن عاشور ذلك، وذكر أن المراد: «قومٌ يعرفهم المسلمون يومئذ؛ فيتعين أن تكون إشارة إلى واقعة مشهورة أو قريبة من تاريخ نزول هذه السورة»57.
وأيًا كان سبب نزول الآية ومن المراد بها، ففيها تذكير بنعمته تعالى لما قصد قوم وهموا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، أو قتل المسلمين، أو أن ينالوهم بشرٍ، فمنعهم الله، وحفظ عباده المؤمنين.
والهم هنا قيل إنه: حديث النفس بالفعل، ويقال: أهم بالشيء واهتم به، إذا عني به58.
والذي يظهر لي أنهم قد حدثوا أنفسهم بالتخلص من النبي صلى الله عليه وسلم أو المؤمنين، ولكن لم يقف همهم عند هذا الحد من إضمار الغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم في أنفسهم، بل إنهم عزموا على التخلص منه والفتك به عزمًا جازمًا، في محاولة بيتوا فيها الغدر والخيانة؛ إذ لم يقدروا على ذلك علانية. فأظهر الله مكرهم وأبطل كيدهم وحمى أهل طاعته.
والتعبير ببسط اليد يوحي بذلك، فبسط اليد مجاز في البطش.
قال تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [الممتحنة: ٢].
كما أن كف اليد مجاز عن الإعراض عن السوء خاصة.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الفتح: ٢٠]59.
فالهم هنا بمعنى العزم المؤكد على إيقاع السوء به صلى الله عليه وسلم. وظاهر الآية والسنة الصحيحة الصريحة يدلل على ذلك.
وهؤلاء قومٌ ديدنهم الخيانة والغدر والفتك بالداعين إلى الله، فأصبح لا يجدي معهم إلا أن تستأصل شأفتهم، ويقطع دابرهم. يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله ورسوله، حاضًا لهم على جهاد أعدائهم من المشركين: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [التوبة: ١٣].
ألا تقاتلون هؤلاء المشركين الذين نقضوا العهد الذي بينكم وبينهم، وطعنوا في دينكم، وظاهروا عليكم أعداءكم، وهموا بإخراج الرسول من بين أظهرهم فأخرجوه60.
ولقتالهم ثلاثة أسباب يوجبه كل واحد منها بانفراده فكيف بها مجموعة؟!
وهي:
والتحضيض معناه: الطلب بحثٍ وشدةٍ. والمعنى: إن الله هنا طلب منهم بحثٍ وشدة أن يقاتلوا هؤلاء الكفرة أئمة الكفر62.
فجعل همهم بإيذاء الرسل والداعين إلى الله، من آكد الأسباب التي تستوجب قتالهم وقطع دابرهم، سواء وقع ذلك منهم بالفعل، أو لم يقع، وظاهره أن همهم هنا بمعنى العزم، فقد دلت آيات أخر على حرصهم على ذلك كل الحرص، وسعيهم إليه بكل سبيل.
قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ) [الأنفال: ٣٠].
وقال أيضًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الإسراء: ٧٦].
ثم إنه بعد هذا الحث أمر بقتالهم صراحة: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [التوبة: ١٤].
وفي الآية السابقة تهديد للكفار والمنافقين وإنذارٌ لهم، وفي الآية التالية يدعوهم إلى التوبة؛ فقد تردى حالهم من الاستهزاء بالله ورسوله، وإضمار النفاق، والأيمان الكاذبة، والهم بالسوء.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [التوبة: ٧٤].
فقد كان المنافقون إذا خلا بعضهم إلى بعض سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فنقل ذلك له، فلما كلمهم حلفوا ما قالوا شيئًا من ذلك، فأنزل الله الآية إكذابًا لهم.
وقيل في سبب نزولها أيضًا: «اقتتل رجلان؛ رجل من جهينة ورجل من غفار، فظهر الغفاري، فنادى ابن أبي: يا بني الأوس انصروا أخاكم، فوالله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، فوالله (ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [المنافقون: ٨].
فسمع بها رجل من المسلمين، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل إليه، فحلف بالله ما قال، وأنزل الله الآية»63.
وقيل: «كان الجلاس بن سويد64 ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تبوك وقال: لئن كان هذا الرجل صادقًا لنحن شر من الحمير، فرفع عمير بن سعيد ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف ما قلت، فأنزل الله الآية»65.
والأقوال تدل على أن المنافقين حلفوا كذبًا على كلمة كفر تكلموا بها أنهم لم يقولوها أيًا كانت هذه الكلمة من إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم أو المؤمنين أو الطعن في دينهم وعن من صدرت من المنافقين.
ثم ترتب على ذلك أن هموا بأمر، وثم دسيسة سوء بيتوها، ففضحهم الله عز وجل. فقيل: هم المنافقون بقتل المسلم الذي سمع قولهم: لنحن شرٌ من الحمير؛ لكي لا يفشيه.
وقيل: قالوا إذا قدمنا المدينة عقدنا على رأس عبد الله بن أبي تاجًا، فلم يصلوا إليه66.
وربما كان همهم بأمر آخر لاعلاقة له بما وقع عليه الحلف، وفيه إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث إن هذه الروايات كما قال صاحب الظلال: «لا تنسجم مع قوله: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ)[التوبة: ٧٤]»67.
وورد في سبب نزولها: هموا أن يدفعوا ليلة العقبة، وكانوا قومًا قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم معه يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة، فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم، وذلك كان ليلًا قالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، وكان قائده في تلك الليلة عمار بن ياسر وسائقه حذيفة، فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين، فقال: إليكم يا أعداء الله فأمسكوا، ومضى النبي عليه الصلاة والسلام حتى نزل منزله الذي أراد، فأنزل الله تعالى قوله: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ)68. فهذه الواقعة تصور ما بيتوه مستخفين فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطلعه عليه من علم السرائر جل وعلا.
وهمهم لقتل النبي صلى الله عليه وسلم أو إخراجه من المدينة، أو قتل رجل من المسلمين، وإن لم ينالوه، فهو همٌ محقق بمعنى العزم دل عليه ظاهر الآية.
والدلالة نفسها تحملها آية غافر في بيان حال أعداء الله مع رسل الله، وما هموا به من أمور تستوجب قتالهم وأخذ الله لهم بجريرة مافعلوا.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [غافر: ٥].
فلم يكتفوا بالتكذيب والاستكبار والتجبر في الأرض بغير الحق، حتى وجهوا سهامهم ليبطشوا برسلهم (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [غافر: ٥].
أي: ليحبسوه ويعذبوه، وقيل: ليقتلوه. والأخذ يرد بمعنى الإهلاك، كقوله: (ﮭﮮﮯ ﮰﮱﯓ) [الحج: ٤٤]69.
واختير هذا الفعل (الأخذ) هنا ليشمل مختلف ما همت به كل أمةٍ برسولها من قتل أو غيره، كما قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ [الأنفال: ٣٠].
والمعنى: إن الأمم السابقة من الكفرة لم يقتصروا على تكذيب الرسول، بل تجاوزوا ذلك إلى غاية الأذى من الهم بالقتل كما حكى الله عن ثمود: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النمل: ٤٩].
وقد تآمر كفار قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة دار الندوة ليقتلوه، بأن يتجمع نفر من جميع عشائرهم فيضربوه بالسيوف ضربة رجل واحد؛ كي لا يستطيع أولياؤه من بني هاشم الأخذ بثأره70. وقد حرصوا على قتله بكل ممكن، ومن الأمم من قتل رسوله71.
فأخذ الله الأمم عقوبة لهم على همهم برسلهم فأهلكهم واستأصلهم. وتفريع قوله: (ﮟ) على قوله: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) إنذار المشركين أن همهم بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم هو منتهى أمد الإمهال لهم، فإذا صمموا العزم على ذلك أخذهم الله كما أخذ الأمم المكذبة قبلهم، حين همت كل أمة برسولهم ليأخذوه، فإن قريشًا لما هموا بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم أنجاه الله منهم بالهجرة ثم أمكنه من نواصيهم يوم بدر72.
فالهم الواقع من أعداء الله لأوليائه من الرسل والدعاة، لا ريب أنه عزمٌ منهم على الأخذ، تعذيبًا وقتلًا ونحوه.
خامسًا: الاشتغال والعناية بالنفس الداعية للهم:
المؤمن الحق يرخص روحه في سبيل نصرة دين الله وحماية رسوله، أما المنافق فهمه نفسه وحمايتها؛ سلم غيره أم لا فمن همه بنفسه اشتعل صدره خوفًا وقلقًا لتخليصها كيفما اتفق. وفي ميدان (أحد) حيث القتال والهزيمة والفرار، يمحص الله بابتلاءاته القلوب، فيطفو النفاق جليًا على بعض النفوس الظآنة ظن الجاهلية، ويحملها على لوم النفس -لما هي هاهنا- حتى حل الفزع منها محل النوم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [آل عمران: ١٥٤].
يقص الله عز وجل في الآية أحداث ماجرى، حيث أنزل على المؤمنين من بعد الغم الذي أصابهم أمنةً؛ وهي الأمان على أهل الإخلاص منهم واليقين، دون أهل النفاق والشك.
وهذه الأمنة التي أنزلها عليهم، هي النعاس وطائفة قد أهمتهم أنفسهم -وهم المنافقون- لا هم لهم غير أنفسهم، فهم من حذر القتل على أنفسهم، وخوف المنية عليها في شغل، قد طار عن أعينهم الكرى، يظنون بالله الظنون الكاذبة، ظن الجاهلية من أهل الشرك بالله، شكًا في أمر الله، وتكذيبًا لنبيه صلى الله عليه وسلم، ومحسبةً منهم أن الله خاذل نبيه73.
ومعنى (ﭞ ﭟ ﭠ) حملتهم على الهم، يقال: أهمني الشيء أي: كان من همي، وأهمني الأمر: أقلقني74. فكان همهم خلاص أنفسهم، فهم أصلًا لم يحضروا إلا لطلب الغنيمة75.
وقد حدثتهم أنفسهم بما أدخل عليهم الهم؛ وذلك لعدم رضاهم بقدر الله، وبشدة تلهفهم على ما أصابهم، وتحسرهم على ما فاتهم مما يظنونه منجيًا لهم لو عملوه: أي من الندم على ما فات، وإذ كانوا كذلك كانت نفوسهم في اضطراب وتحرق يمنعهم من الاطمئنان ومن المنام، وهذا كقوله الآتي: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [آل عمران: ١٥٦]76. والإنسان إذا اشتد اشتغاله بالشيء واستغراقه فيه، صار غافلًا عما سواه، فلما كان أحب الأشياء إلى الإنسان نفسه، فعند الخوف على النفس يصير ذاهلًا عن كل ما سواها، فهذا هو المراد من قوله: (ﭟ ﭠ)77.
وقيل معنى (ﭟ): أدخلت عليهم الهم بالكفر والارتداد78. فهو من هم بالشيء أراد فعله. والمعنى: أهمتهم أنفسهم المكاشفة ونبذ الدين، وهذا على قول من قال: قد قتل محمد فلنرجع إلى ديننا الأول79.
فالهم هنا إما أن يكون بمعنى اشتغال النفس بالشيء اشتغالًا يحملهم على الهم، وإما أن يكون أهمتهم بمعنى حملتهم ودعتهم للردة عن الدين. وكلا المعنيين وارد، ولا تعارض بينهما، فقد يكون وقع منهم هذا وذاك، وقد يكون همهم بالارتداد دعاهم إليه انشغالهم بأنفسهم وقلقهم على خلاصها، فتكون الردة سبيل خلاصهم على حسب ظنهم السيئ.
ولعل في معنى ما ورد بعده: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) ما يشير إلى القول الثاني، فإن كان معنى هذا القول -ما لنا من الأمر- استفهام إنكاري80 أي: مالنا من النصر والظهور شيء، فيكونوا أساءوا الظن بربهم وبدينه ونبيه، وأن الله لا يتم أمر رسوله، وهذه الهزيمة هي القاضية على دينه، فما من محيص سوى الردة عنه.
وقولهم هذا إنكار منهم، وتكذيبٌ بقدر الله، وتسفيهٌ منهم لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأي أصحابه، وتزكية منهم لأنفسهم؛ فرد الله عليهم بقوله: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) التي هي أبعد شيء عن مظان القتل (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) فالأسباب -وإن عظمت- إنما تنفع إذا لم يعارضها القدر والقضاء، فإذا عارضها القدر لم تنفع شيئًا، بل لابد أن يمضي الله ما كتب في اللوح المحفوظ من الموت والحياة81.
وإن كنت أميل كما أشرت آنفًا أن كلا المعنيين وارد، ولا تعارض بينهما.
وهذه العقيدة تعلم أصحابها -فيما تعلم- أن ليس لهم في أنفسهم شيء، فهم كلهم لله، وأنهم حين يخرجون للجهاد في سبيله يخرجون له، ويتحركون له، ويقاتلون له، بلا هدفٍ آخر لذواتهم في هذا الجهاد، وأنهم يسلمون أنفسهم لقدره، فيتلقون ما يأتيهم به هذا القدر في رضى وفي تسليم، كائنًا هذا القدر ما يكون. فأما الذين تهمهم أنفسهم، وتصبح محور تفكيرهم وتقديرهم، ومحور اهتمامهم وانشغالهم فهؤلاء لم تكتمل في نفوسهم حقيقة الإيمان82.
وهم الاشتغال بالنفس، الداعي إلى الغم والحزن، الغالب فيه هو خوف الموت وانتهاء الحياة، أو يكون داعيه الخوف من المستقبل وماسيحصل له، وقد عالجت الآيات ذلك، فالموت لا مفر منه قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ) [النساء: ٧٨].
وقد حدد الله الآجل والأعمار، من لم يمت بالسيف مات بغيره. فلابد من تفويض الأمر لله سبحانه الذي بيده كل شيء.
أما ما يحصل للمؤمن في هذه الحياة من الهم والغم الذي هو سنة ربانية لاينفك عنها عبد، فليس المطلوب منه محاربة ذلك، وإنما تجنب أسباب الوقوع فيه، فإذا وقع داواه بكثرة ذكر الله، فبذكر الله تطمئن القلوب المضطربة، وتسكن النفوس القلقة قال تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الرعد: ٢٨].
وأعظم ذكر تنشرح به الصدور قراءة كلامه عز وجل.
قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [يونس: ٥٧].
ولما ضاق صدر النبي صلى الله عليه وسلم بما يقوله المشركون أمره الله بذكره.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الحجر: ٩٧-٩٩].
كذلك الدعاء بأن يجنبه الله أسباب الهموم، ففي الحديث: عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال)83.
والتفطن لحال الدنيا، وأنها مهما عظمت لذتها فانية، وأن كدرها مهما طال فزائل، فليعلل نفسه من طال ليل همه، بأن الصبح قريب.
وفي ختام هذه السطور يتضح من خلال ما تقدم أن القرآن الكريم تفرد في استعمال الهم بالشيء في معرض الذم في المجالات جميعها؛ ولعل ذلك -والله أعلم- لأن الإنسان حريص كل الحرص على إخفاء النوايا والهموم والخواطر السيئة، أما نيته وهمه بالخير فلا يحرص على إخفائه -وإن كان يبطنه مرات- ولكن ليس بدافع الحرج منه، والخوف من إظهاره. فجاءت الآيات مبينةً لهذا الهم السيئ الخفي؛ فضحًا للكافرين، وليتداركه المؤمنون، مستشعرين فضل الله عليهم وولايته لهم في ذلك.
وورد الهم في الحديث على حدٍ سواء في معرض المدح والذم كما هو في اللغة.
كذلك غلب استعمال الهم بالشيء في القرآن بمعنى العزم. فالسياقات الواردة غالبها دلالة الهم بالشيء فيه تتوجه إلى العزم على الفعل، دون حديث النفس أومجرد الفكر وخطورته في القلب، ودون اشتغال النفس بالشيء اشتغالًا يحملها على الهم والقلق؛ ولعل القصد -والعلم عند الله- لأنها جميعًا جاءت في معرض الذم، ثم إن العزم هو الذي ينبغي الحذر منه، فليس بعد العزم إلا صدور الفعل ووقوعه.
تحدث القرآن الكريم عن توابع الهم بالشيء وآثاره، وسوف نتناولها بالتوضيح فيما يأتي:
أولًا: جزاء الكافرين على همهم السيء:
لأهل الهم السيئ من الكفار المكذبين لرسلهم، الساعين بكل سبيل للحط من شأنهم وماجاءوا به من الدين، جزاء وعقوبة استحقوها في الدنيا، سوى ماينتظرهم يوم القيامة من الخزي والنكال.
الهم في ميادين القتال، أو ضد ميادين الدعوة، وسواء كان همهم لإيذاء الرسل أو المؤمنين والدعاة، فإن لهمهم تبعةً وأثرًا في الدنيا، من عدم موالاتهم، ولا التسليم والأمن لهم، ووجوب قتالهم وأخذ الحيطة والحذر منهم.
توابعه وآثاره:
إذا ما ظهر من الكافرين همٌ بغدرٍ أو خيانة، فقد أوجبوا لأنفسهم من المؤمنين الانتصار، ونصبوا أنفسهم لغيرهم محل اعتبار، ووجب معاداة ومواجهة أصحاب الهمم الفاسدة في همهم بإخراج الرسل، أو إضلالهم، وإيذاء المؤمنين بما يستحقون.
ففي قوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ) [التوبة: ١٣].
الآية فيها تهييج وتحضيض وإغراء على قتال المشركين الناكثين لأيمانهم، الذين هموا بإخراج الرسول من مكة، كما قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأنفال: ٣٠]84.
فلما ظهر منهم الهم بإخراج الرسول استحقوا القتل في الدنيا. وانظر لجميل ما ختمت به الآية من بديع القول الداعي لمعاداة أولئك الناكثين، وقتالهم أشد القتال: (ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [التوبة: ١٣].
ففي هذا الكلام تقوية داعي القتال من وجوه:
الأول: أن تعديد الموجبات القوية وتفصيلها مما يقوي هذه الداعية.
الثاني: أنك إذا قلت للرجل: أتخشى خصمك؟! كان ذلك تحريكًا له فيستنكف أن ينسب إلى كونه خائفًا من خصمه.
الثالث: أن قوله: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) يفيد ذلك، كأنه قيل: إن كنت تخشى أحدًا فالله أحق أن تخشاه؛ لكونه في غاية القدرة والكبرياء والجلالة. والضرر المتوقع منهم غايته القتل، أما المتوقع من الله فالعقاب الشديد في القيامة، والذم اللازم في الدنيا.
الرابع: أن قوله: (ﯯ ﯰ ﯱ) معناه: إنكم إن كنتم مؤمنين بالإيمان وجب عليكم أن تقدموا على هذه المقاتلة، ومعناه إنكم إن لم تقدموا عليها وجب أن لا تكونوا مؤمنين، فثبت أن هذا كلام مشتمل على أنواع من الأمور التي تحملهم على مقاتلة أولئك الكفار الناقضين للعهد85.
وأما الكافرون فهم في وادٍ آخر من محاولة التنكيل بالمؤمنين والنيل منهم واستئصالهم، والله يتولى من آمن به، ويخزي الكافرين.
فأهل الهموم السيئة في الله ودينه ورسله، انطوت نفوسهم على دسائس عظيمة من الشبهات أوجبت جهادهم في الدنيا، وعقاب الله الشديد لهم يوم الخزي والندامة.
توابعه وآثاره:
استحقاق عذاب الله للمكذبين لرسلهم، ولأهل الهم السيئ بهم في الدنيا ويوم القيامة: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [غافر: ٥].
فالمقصود من تعداد جرائم الأمم السابقة من تكذيب الرسل، والهم بقتلهم، والجدال بالباطل: تنظير حال المشركين النازل فيهم قوله: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [غافر: ٤].
بحال الأمم السابقين سواء؛ لينطبق الوعيد على حالهم أكمل انطباق في قوله: (ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ)88.
ومن هنا يكون السبب المسبب عنه الأخذ المذكور في قوله: (ﮟ) قيل: مجموع التكذيب، والهم بالأخذ، والجدال بالباطل، واختار الزمخشري كونه الهم بالأخذ فقط؛ وذلك لأن قوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ) هو التكذيب بعينه، والأخذ يشاكل الأخذ، وإنما التكذيب موجب استحقاق العذاب الأخروي المشار إليه بعد، ولا ينكر أن كليهما يقتضي كليهما، لكن لما كان ملاءمة الأخذ للأخذ أتم، والتكذيب للعذاب الأخروي أظهر أنه متعلق بالأخذ؛ تنبيهًا على كمال الملاءمة89.
ولا ضير أن يكون مجموع ما صدر منهم من التكذيب، والهم بالرسل والجدال بالباطل سببًا للأخذ، أو أن يكون أخذ الرسل وحده سببًا؛ لعظمته، وقد استوجبوا الأخذ والخزي والعذاب الشديد جزاء ما فعلوا.
ثانيًا: هم المؤمنين بالسوء:
أما المؤمنين فهمهم بالسوء -كما ظهر من الآيات- قد يكون باعثه الشهوات التي تستحكم أحيانًا، وقد يكون سببه ما جبل عليه البشر من حب الحياة، وهؤلاء لم ينسلخوا من بشريتهم بتلك الهموم، وإنما هي مشاعر إنسانية رافقت أحداثًا، يحسن التفطن لها، والاستعانة بالله في تهذيبها.
فلجؤوهم إلى الله واعتصامهم به كان سببًا في ربط الله على قلوبهم، وتنجيتهم من الهم السيء، ومن ثم التجاوز عنهم.
توابعه وآثاره:
فيعرف عجزهم عن صرف ذلك عن أنفسهم، وفقرهم لعون مولاهم -جل وعلا- فإن توكلوا عليه تولاهم؛ فكفاهم شر أنفسهم وشر عدوهم. (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الطلاق: ٣].
ففي قوله تعالى المتقدم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ) [آل عمران: ١٢٢].
عبر بالطائفتين دون ذكرها إشارةً لطيفة إلى الكناية عن من يقع منه ما لا يناسب والستر عليه؛ إذ لم يعين بأنفسهما، ولا صرح بمن هما منه من القبائل سترًا عليهما90، وهو غاية في حفظه سبحانه لهم والعناية بهم؛ مما جعل همهم ذلك يئول إلى السرور.
فعن جابر رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية فينا (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) بني سلمة وبني الحارثة، وما أحب أنها لم تنزل، والله يقول: (ﭗ ﭘ)91. ومعنى ذلك: فرط الاستبشار بما حصل لهم من الشرف بثناء الله تعالى، وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية، وأن تلك الهمة ما أخرجتهم عن ولاية الله تعالى 92، فصرف عنهم الهم السيىء بتوليه لهما.
فيوسف عليه السلام حفظه الله من الوقوع في براثن الرذيلة أو حتى الهم بها، ودلائل الآي تبين ذلك؛ فالمراودة تقتضي تكرير المحاولة منها، قيل: المفاعلة تقديرية بأن اعتبر العمل من جانب والممانعة من الجانب الآخر، فهي تحاول الإيقاع به، وامتنع واعتصم بالله الذي أحسن مثواه.
وفي هذا الكلام عبرة عظيمة من العفاف، والتقوى، وعصمة الأنبياء قبل النبوة من الكبائر.
وفي قوله: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [يوسف: ٢٤].
الصرف: نقل الشيء من مكان إلى مكان، وهو هنا مجاز عن الحفظ من حلول الشيء بالمحل الذي من شأنه أن يحل فيه، عبر به عن العصمة من شيء، والتعبير عن العصمة بالصرف يشير إلى أن أسباب حصول السوء والفحشاء موجودة ولكن الله صرفهما عنه93. وهذا غاية الحفظ لعبده الذي لجأ إليه، فلم يضيعه.
وفي السيرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء إلا ليلتين كلتاهما عصمني الله تعالى فيهما. قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاية غنم أهلنا، فقلت لصاحبي: أبصر لي غنمي؛ حتى أدخل مكة فأسمر فيها كما يسمر الفتيان. فقال: بلى. قال: فدخلت، حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفًا بالغرابيل والمزامير، فقلت: ما هذا؟ فقيل: تزوج فلان فلانة. فجلست أنظر، وضرب الله تعالى على أذني، فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي. فقال: ما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئًا، ثم أخبرته بالذي رأيت. ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي؛ حتى أسمر بمكة. ففعل، فدخلت، فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة فسألت. فقيل: فلانٌ نكح فلانة، فجلست أنظر، وضرب الله على أذني، فوالله ما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت إلى صاحبي. فقال: ما فعلت؟ فقلت: لا شيء. ثم أخبرته الخبر، فوالله ما هممت ولا عدت بعدها لشيء من ذلك، حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته)94.
وهذا من فضل الله وكرمه سبحانه حتى في مجرد الهم والخاطر القلبي، وإن لم تظهر صورة العمل على أرض الواقع، وهو أيضًا من أثر الهم بالخير وبركته. وربما يكون العمل القلبي أعظم من عمل الجوارح، وكم من عملٍ صغيرٍ عظمته النية.
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يروي عن ربه عز وجل قال: قال: (إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبع مائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة)95.
فمن قصد وحدث نفسه بفعل الخير، كتبت له حسنة وإن لم يعمل لعائق حال بينه وبين فعلها. وإن ترك السيئة خوفًا من الله عز وجل، لا عجزًا عنها، استحقها حسنة كاملة لم تنقص بسبب الهم والقصد إلى فعلها؛ لأنه إنما تركها أيضًا لأمر عظيم قام في قلبه. وليس بعد هذا الفضل فضل.
الذي يقع في النفس من قصد المعصية على خمس مراتب: الأولى- الهاجس وهو ما يلقى فيها، ثم جريانه فيها وهو الخاطر، ثم حديث النفس وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل أو لا؟ ثم الهم وهو ترجيح قصد الفعل، ثم العزم وهو قوة ذلك القصد والجزم به96.
والمراتب الثلاث الأولى لا يؤاخذ عليها العبد وهي ترد عليه، وباستطاعته دفعها والانصراف عنها، قبل أن تصبح همًا يتردد، أو عزمًا على المعصية وقصدًا يؤاخذ به.
وفي خضم الحياة، يواجه المؤمن سيلًا من الفتن، التي إن لم يتحصن منها بحصن قوي زلت به القدم. وهاهنا وقفة لمعالجة ذلك:
فيوسف ذكر امرأة العزيز بالله رجاء أن تنتهي عن فعلها ومراودتها له، فقال: (ﭟ ﭠ) [يوسف: ٢٣].
أي: أعتصم بالله من الذي تدعوني إليه، واستجير به منه.
وبعض هذه الهموم والخواطر لا يمكن دفعها وقطعها، فهي كما يقول ابن القيم: «تهجم عليه هجوم النفس»97.
كيف وقد استحكمت في امرأة العزيز حتى دفعتها للمجاهرة بهذا الأمر من غير حياء ولا خجل. والسبيل لقبول أحسن هذه الخواطر والهموم ودفع سيئها، يكون بقوة الإيمان والعقل؛ فكلما قوي الإيمان دفع ماعداه، والعكس؛ فإنها تشوش الإيمان وتضعفه. لذا كان أول ماذكرها به يوسف عليه السلام الله عز وجل.
فذكرها يوسف عليه السلام بنعمة مولاه عليه، المستوجبة لحفظها ومراعاتها؛ سواء كان المراد بربه: الله عز وجل، أو ربه بمعنى سيده98.
و (ﭤ ﭥ) أي: أحسن منزلتي، وأكرمني وائتمنني؛ فلا أخونه99.
قال ابن عاشور: «وذكر وصف الرب على الاحتمالين؛ لما يؤذن به من وجوب طاعته وشكره على نعمة الإيجاد بالنسبة إلى الله، ونعمة التربية بالنسبة لمولاه العزيز»100.
وهكذا ينبغي أن يؤدب العبد نفسه ويردعها بتذكيرها بفضل الله عليه، (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الانفطار: ٦].
ما الذي جرأك عليه حتى عصيته؟!! ألأنه أكرمك ونعمك؟!!
وإيثار تعريف الله بوصف (ﭫ) دون ذكر اسم الجلالة لما في معنى الرب من الملك والإنشاء والرفق؛ ففيه تذكير للإنسان بموجبات استحقاق الرب طاعة مربوبه؛ فهو تعريض بالتوبيخ.
وكذلك إجراء وصف (ﭬ) دون غيره من صفات الله للتذكير بنعمته على الناس ولطفه بهم؛ فإن الكريم حقيق بالشكر والطاعة101. لا بالمعصية.
(ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الانفطار: ٧-٨].
لمسة عتاب مبطنة بالوعيد لهذا الإنسان الذي يتلقى من ربه فيوض النعمة في ذاته وخلقته، ولكنه لا يعرف للنعمة حقها، ولا يعرف لربه قدره، ولا يشكر على الفضل والنعمة والكرامة، فتذكيره بنعمة الله الأولى عليه من خلقه في هذه الصورة السوية، على حين يملك ربه أن يركبه في أي صورة تتجه إليها مشيئته، ولكنه اختار له هذه الصورة السوية المعتدلة الجميلة تكرمًا عليه من ربه، راعيه ومربيه سبحانه 102.
فقد قال يوسف في ذلك: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) فإجابتها لمراودته ظلم؛ لأن فيها ظلم كليهما نفسه بارتكاب معصية مما اتفقت الأديان على أنها كبيرة، وظلم سيده الذي آمنه على بيته وآمنها على نفسها إذ اتخذها زوجًا وأحصنها103.
فلابد من النظر للعاقبة، فكم أعقبت المعصية ألـمًا، وكم أورثت ندمًا، وكم منعت رزقًا، وحرمت توفيقًا، وكم أنست علمًا، وجلبت همًا وغمًا. ومن تعجل شيئًا قبل أوانه، عوقب بحرمانه104.
وليحذر من المعصية مهما صغرت، فليس بينك وبين الله نسب، وقد أخرج آدم عليه السلام من الجنة بلقمة، وإبليس بترك سجدة، ودخلت امرأة النار في هرة.
وما أحسن هذا التنصل من الوقوع في السوء. فيوسف عليه السلام استعاذ أولًا بالله الذي بيده العصمة وملكوت كل شيء، ثم نبه على أن إحسان الله أو إحسان العزيز الذي سبق منه، لا يناسب أن يجازى بالإساءة، ثم نفى الفلاح عن الظالمين وهو الظفر والفوز بالبغية، فلا يناسب أن أكون ظالمًا أضع الشيء غير موضعه، وأتعدى ما حده الله تعالى لي105.
وقد أبدع ابن القيم في علاجه؛ حيث يذكر طرقًا في حراسة الخواطر وحفظها، إذ هي مبدأ الفعل بعدها، فلابد من حفظها والحذر من إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كله من قبلها، فهي بذر الشيطان والنفس في أرض القلب، فإذا تمكن بذرها تعاهدها بسقيه حتى تصير إرادات، ثم يسقيها بسقيه حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر الأعمال، ولا ريب أن دفع الخواطر أيسر من دفع الإرادات والعزائم.
وطرق حفظ الخواطر -كما قال- عديدةٌ؛ أوجزها في الآتي:
ولما كانت تلك الخواطر خفيةً، احتيج في التخلص منها إلى عبادات قلبية خفية، من إجلال الله، والحياء والخوف منه، وخشيته وإيثار محبته، ولا يتحقق ذلك إلا بالإيمان والعلم؛ إذ يثمران له اليقين بوعد الله ورجاء ثوابه، فيحتقر كل لذة دونها.
وقبل الختام نقول لمن اعتلجت في صدره هموم سوء: النفس مثل الرحى تدور بما يرمى فيها، فإن كانت خواطرها وأفكارها وهمومها خيرًا أخرجت خيرًا والعكس107. فاحرص على تنقية فكرك مما يشوبه من الشبهات والشهوات تنج.
موضوعات ذات صلة: |
الإخلاص، الثبات، العزم، الغم |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٦/١٣، مجمل اللغة، ابن فارس، ١/٨٩٢.
2 انظر: الصحاح، الجوهري، ٥/٢٠٦١، مختار الصحاح، الرازي، ص٣٢٨.
3 التعريفات، الجرجاني، ص٢٥٧.
4 الكليات، الكفوي، ص٩٥٢.
5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٧٣٨.
6 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص ٤٦٠.
7 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٩/٤٠، مختار الصحاح، الرازي ص ٢٤٨، المصباح المنير، الفيومي ٢/٤٩٢.
8 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ١٧٣، الكليات، الكفوي ص ١٠٨.
9 التعريفات، الجرجاني ص١٧٣.
10 المصباح المنير، الفيومي ٢/٤٠٨.
11 المفردات، الراغب ص٥٦٥.
12 الكليات، الكفوي، ص١٥٣٩.
13 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٥٧.
14 انظر: العجاب في بيان الأسباب، ابن حجر ٢/٧٤٢، جامع البيان، الطبري ٧/١٦٥.
والمراد بهذه الوقعة يوم أحد عند الجمهور، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة، والسدي، وغير واحد. أما ما ورد أنه يوم الأحزاب. فغريب لا يعول عليه. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٠٩.
15 البحر المحيط، أبو حيان ٣/٣٢٤.
16 مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٣٤٧.
17 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢٠٧.
18 المصدر السابق ٣/٣٢٨.
19 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/٧٠.
20 أخرجه البيهقى في دلائل النبوة، باب ذكر إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه. ٢/٣٣.
وانظر: أسباب النزول، الواحدي ص ١٢٠، المحرر في أسباب نزول القرآن، خالد المزيني ١/٤٣٧.
21 النكت والعيون، الماوردي ٣/٢٤.
22 جامع البيان، الطبري ١٦/٣٩.
23 التمييل بين الشيئين: كالترجيح بينهما. وفي حديث أبي ذر: «دخل عليه رجل فقرب إليه طعامًا فيه قلة فميل فيه لقلته، فقال أبو ذر: إنما أخاف كثرته ولم أخف قلته». ميل أي: تردد هل يأكل أو يترك، تقول العرب: إني لأميل بين ذينك الأمرين، و أمايل بينهما أيهما آتي.
انظر: لسان العرب، ابن منظور ١١/٦٣٥.
24 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٣٩.
25 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٦٦.
26 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٣٩.
27 البحر المحيط ٦/٢٥٧.
28 أضواء البيان ٢/٢٠٥.
29 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب النكاح، باب ما جاء في التسوية بين الضرائر، رقم ١١٤٠، ٣/٤٤٦، وأبو داود في سننه، كتاب النكاح، باب فى القسم بين النساء، رقم ٢١٣٦، ٢/٢٠٨، والنسائي في سننه، كتاب عشرة النساء، باب ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، رقم ٣٩٤٣، ٧/٦٣، وابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، رقم ١٩٧١، ٣/١٤٤، وأحمد في مسنده رقم ٢٥١١١، ٤٢/٤٦. والحديث معلول بالإرسال.
30 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب من هم بحسنة أو بسيئة، رقم ٦١٢٦، ٥/٢٣٨٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إذا هم العبد بحسنة كتبت، رقم ١٨٧، ١/٣٢٣.
31 أضواء البيان ٢/٢٠٥.
32 مجموع فتاوى ابن تيمية ٥/٢٦٢.
33 انظر: البحر المحيط ٦/٢٥٧.
34 الفتاوى الكبرى، ابن تيمية ٥/٢٦٢.
35 مفاتيح الغيب ١٨/٤٤٠.
36 التحرير والتنوير ١٢/٢٥٢.
37 مفاتيح الغيب ١٨/٤٤٠.
38 انظر: أضواء البيان ٢/٢١٤.
39 روح المعاني، الألوسي ٦/٤٠٧.
وقال العلامة الشنقيطي «هذه الأقوال التي نسبت إلى العلماء منقسمة إلى قسمين:
١. قسمٌ لم يثبت نقله عمن نقله عنه بسند صحيح. وهذا لا إشكال في سقوطه.
٢. وقسم ثبت عن بعض من ذكر، ومن ثبت عنه منهم شيء من ذلك. فالظاهر الغالب على الظن المزاحم لليقين: أنه إنما تلقاه عن الإسرائيليات، لأنه لا مجال للرأي فيه، ولم يرفع منه قليل ولا كثير إليه صلى الله عليه وسلم.
وبهذا تعلم أنه لا ينبغي التجرؤ على القول في نبي الله يوسف بأنه جلس بين رجلي كافرة أجنبية، يريد أن يزني بها، اعتمادًا على مثل هذه الروايات، مع أن في الروايات المذكورة ما تلوح عليه لوائح الكذب، كقصة الكف التي خرجت له أربع مرات، وفي ثلاث منهن لا يبالي بها، لأن ذلك على فرض صحته فيه أكبر زاجر لعوام الفساق، فما ظنك بخيار الأنبياء؟! مع ما تقدم من دلالة القرآن على براءته من جهات متعددة».
انظر: أضواء البيان ٢/٢١٥.
40 طبقات الشافعية الكبرى، السبكي ٢/٧٢.
41 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب طول القيام في صلاة الليل، رقم ١٠٨٤، ١/٣٨١، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، رقم ١٨٥١، ٢/١٨٦.
42 شرح صحيح مسلم، النووي ٣/١٢٤.
43 طعمة بن أبيرق بن عمرو الأنصاري ذكره أبو إسحاق المستملي في الصحابة وقال: «شهد المشاهد كلها إلا بدرًا». وقد تكلم في إيمان طعمة.
انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر ٣/٥١٨.
44 مع اختلاف المفسرين في سبب النزول إلا أنهم متفقون على أنها في سارق بني أبيرق، وأخرج الترمذي القصة مطولة في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة النساء، رقم ٣٠٣٦، ٥/٢٤٤.
وقال الدكتور خالد المزيني في المحرر في أسباب نزول القرآن ١/٤٤٤: وكونها سببا لنزول الآيات، فالسبب المذكور في نزولها معلول بالإرسال، ولعله يتأيد بموافقته للسياق القرآني، واعتماد المفسرين عليه في نزول الآيات والله أعلم.
45 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/١٩٩.
46 البحر المحيط ٤/٦١.
47 انظر: مفاتيح الغيب ١١/٢١٦.
48 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٣/٢٦٦.
49 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٩٣.
50 كعب بن الأشرف الطائي، من بني نبهان: شاعر جاهلي. كانت أمه من بني النضير فدان باليهودية، وكان سيدًا في أخواله. أكثر من هجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتحريض القبائل عليهم وإيذائهم، والتشبيب بنسائهم. أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، فانطلق إليه خمسة من الأنصار فقتلوه في ظاهر حصنه، وحملوا رأسه إلى المدينة.
انظر: الأعلام، الزركلي ٥/٢٢٥.
51 عمرو بن جحاش بن كعب بن بسيل النضري، أخو بني النضير.
انظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد ٢/٥٧.
52 انظر: أسباب النزول، الواحدي ص١٢٩، جامع البيان، الطبري ١٠/١٠١.
53 الشين والياء والميم: أصلان متباينان، وكأنهما من باب الأضداد إذ أحدهما يدل على الإظهار، والآخر يدل على خلافه. تقول: شمت السيف، إذا سللته. وشمت السيف، إذا قربته.
انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٢٣٦.
54 انظر: أسباب النزول، الواحدي ص١٢٩، جامع البيان، الطبري ١٠/١٠٦.
55 غورث بن الحارث الذي قال: من يمنعك مني؟ قال: الله. فوضع السيف من يده. ذكر بعضهم أنه أسلم، والصحيح أنه لم يسلم كما قال ابن حجر في الإصابة.
انظر: الإصابة، ابن حجر ٥/٣٢٨.
وقصته أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع، رقم ٣٩٠٥، ٤/١٥١٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب توكله على الله تعالى وعصمة الله تعالى له من الناس، رقم ٨٤٣، ٤/١٧٨٤.
56 جامع البيان، الطبري ١٠/١٠٧.
57 انظر: التحرير والتنوير ٦/١٣٧.
58 تفسير السمعاني ٢/١٩.
59 انظر: التحرير والتنوير ٦/١٣٨.
60 جامع البيان، الطبري ١٤/١٥٨.
61 مفاتيح الغيب ١٥/٥٣٥.
62 العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير، ٥/٣٠٧.
63 أسباب النزول، الواحدي ص ١٦٩.
64 الجلاس بن سويد بن الصامت من بني حبيب ابن عمرو بن عوف، كان متهما بالنفاق، وهو ربيب عمير بن سعد زوج أمه، وهو ممن تخلف من المنافقين في غزوة تبوك، وكان يثبط الناس عن الخروج. نزل فيه قرآن، وقيل: «إنه تاب بعد ذلك وحسنت توبته».
انظر: الإكمال، ابن ماكولا ٣/١٧٠، الوافي بالوفيات، الصفدي ١١/١٣٧.
65 لباب النقول، السيوطي ص ١١٥.
66 معالم التنزيل، البغوي ٤/٧٥.
67 في ظلال القرآن ٣/١٦٧٧.
68 أسباب النزول، الواحدي ص ١٦٩.
69 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٢٩٣.
70 التحرير والتنوير ٢٤/٨٥.
71 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٢٩.
72 التحرير والتنوير ٢٤/٨٥.
73 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٣١٥.
74 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٤١.
75 انظر: مفاتيح الغيب ٩/٣٩٣.
76 التحرير والتنوير ٤/١٣٤.
77 مفاتيح الغيب ٩/٣٩٣.
78 التحرير والتنوير ٤/١٣٤.
79 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٢٨، البحر المحيط، أبو حيان ٣/٣٩٢.
80 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٥٣.
وقيل: استفهامٌ معناه الجحد تقديره: ما لنا من الأمر من شيء. قال الحسن: «قالوا لو كان الأمر إلينا ما خرجنا، و إنما أخرجنا كرهًا».
انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ١/٤٨١.
81 تيسير الكريم الرحمن ص ١٥٣.
82 في ظلال القرآن ١/٤٩٦.
83 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب الاستعاذة من الجبن والكسل، رقم ٦٠٠٨، ٥/٢٣٤٢.
84 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١١٧.
85 انظر: مفاتيح الغيب ١٥/٥٣٦.
86 انظر: روح المعاني ٣/٢٥٦.
87 تيسير الكريم الرحمن ص ٢٢٤.
88 التحرير والتنوير ٢٤/٨٥.
89 روح المعاني ١٢/٢٩٨.
90 البحر المحيط ٣/٣٢٨.
91 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا)، رقم ٣٨٢٥، ٤/١٤٨٨، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل الأنصار رضي الله عنهم، رقم ٩٥٦٩، ٧/١٧٣.
92 مفاتيح الغيب ٨/٣٤٧.
93 التحرير والتنوير ١٢/٢٥٠-٢٥٥.
94 أخرجه البيهقى في دلائل النبوة ٢/٣٣، والبزار مختصرًا في مسنده، رقم ٦٤٠، ٢/٢٤٠.
وضعفه الألباني في تعليقه على فقه السيرة ص٦٧.
95 تقدم تخريجه.
96 الأشباه والنظائر، السيوطي ص ٧٦.
97 انظر: فوائد الفوائد، ابن القيم ص٢٦٩.
98 جامع البيان، الطبري ١٦/٣٢.
99 المصدر السابق ١٦/٣٢.
100 التحرير والتنوير ١٢/٢٥٢.
101 المصدر السابق ٣٠/١٧٥.
102 في ظلال القرآن ٦/٣٨٤٥- ٣٨٤٧.
103 التحرير والتنوير ١٢/٢٥٢.
104 انظر: الجواب الكافي، ابن القيم ص٥٢.
105 البحر المحيط ٦/٢٥٧.
106 طريق الهجرتين وباب السعادتين، ابن القيم ص ٢٧٤.
107 انظر: فوائد الفوائد ص٢٦٩.