عناصر الموضوع

مفهوم الهزيمة

الهزيمة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

عوامل الهزيمة

أنواع الهزائم

آثار الهزيمة

الهزيمة

مفهوم الهزيمة

أولًا: المعنى اللغوي:

مادة (هـ ز م) لها معانٍ كثيرة ومتنوعة، منها:

أولًا: (هزم) وهو الأشهر، بمعنى: كسر وشقق وحطم، وأصل (الهزم) كسر الشيء، وفي هزم العدو كسر له1.

ثانيًا: الهزم بمعنى: الذبح، واهتزمه بمعنى: ذبحه، «والاهتزام: الذبح»2.

ثالثًا: الهزم بمعنى النقر والحفر، هزم الشيء إذا غمزه بيده فصارت فيه حفرةٌ3.

رابعًا: الهزم بمعنى الصوت، وهو خروج صوت للرعد أو الريح «وهزم القدر إذ يسمع لها صوت عند شدة الغليان4.

خامسًا: الهزم بمعنى المنخفض من الأرض، وكل موضع منخسفٍ فهو هزمة5.

وإذا تتبعنا هذه المعاني مجتمعة، ونظرنا فيها وجدناها كلها يصح إطلاقها على معنى الهزيمة الذي نحن بصدد دراسته.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي

المعنى الاصطلاحي يدور حول المعنى اللغوي ولا يختلف عنه، فهي انكسار يعتري الخصم، سببه قتل أو أسر أو ضرر نفسي وقع من الطرف الآخر.

الهزيمة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (هزم) في القرآن الكريم (٣) مرات 6.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١

( ) [البقرة:٢٥١]

الفعل المضارع

١

( ) [القمر:٤٥]

اسم المفعول

١

( ) [ص:١١]

وجاءت الهزيمة في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، وهو: الحطم والكسر، وصارت الهزيمة متعارفًا عليها في فرار الجيش من الغلبة7.

الألفاظ ذات الصلة

التولي:

التولي لغة

تولى عن الشيء، أي: أدبر عنه، و ولى عنه أي: أعرض عنه أو نأى8.

فَتَوَلَّى إذا عُدِّي بنفسه اقتضى معنى الولاية، وحصوله في أقرب المواضع منه، يقال: وَلَّيْتُ سمعي كذا: أقبلت به عليه، وإذا عدي ب (عن) لفظا أو تقديرًا اقتضى معنى الإعراض9.

التولي اصطلاحًا

قال المناوي: التولي هو الإعراض المتكلف بما يفهمه التفعل10.

صيغة تفعل هنا تفيد التكلف كما في قولهم: تحلم، أي: تكلف الحلم11.

الصلة بين التولي والهزيمة

بالنظر لمعاني التولي اللغوية والمعنى الاصطلاحي تتضح لنا العلاقة الكبيرة بين الهزيمة وبين التولي الذي هو من مظاهر الهزيمة وعلاماتها؛ لأن المنهزم يحول ظهره ودبره إلى جهة الذي هزمه هربًا إلى ملجأٍ يلجأ إليه؛ ليدفع عن نفسه القتل أو الأسر12.

الغلب

الغلب لغة

ل ب) غلبه يغلبه غلبًا وغلبة بمعنى: قهره، والغلب بفتح فسكون: القهر، وتغلب على بلد كذا: استولى عليه قهرًا، وإذا قالت العرب: غلب فلان، فهو غالب13.

الغلب اصطلاحًا

هو القهر والاستيلاء على نفسٍ أو مال أو بلدٍ ما بشيءٍ.

الصلة بين الغلب والهزيمة

في معظم التفاسير نجد بكل صراحة تأويل الغلب في القرآن الكريم بالهزيمة، كما في تفسير قوله تعالى: ( ﭺﭻ ) [آل عمران:١٢].

وقوله تعالى: ( ) [الروم:١-٣].

الفرار

الفرار لغة

ورد في صحاح العربية14: (فرر) يفر فرارًا: هرب، وتفاروا: أي تهاربوا، وفرس مفر بكسر الميم: يصلح للفرار عليه، والمفر: الفرار، ومنه قوله تعالى: ( ) [القيامة:١٠].

وعند صاحب اللسان15: الفرار: الروغان والهرب، فر يفر فرارًا: هرب، وفرار وصف بالمصدر فالواحد والجمع فيه سواء، يقال أفررت الرجل أفره إفرارًا: إذا عملت به عملًا يفر منه ويهرب، ويحمله على الفرار، والفرار يكون للجماعة والواحد.

وقد ربط ابن سيده الفرار بالهزيمة فقال: «الهزيمة الفرار عن القتال»16، وفي موضع آخر يقول: «الفرار: الهرب، وفر: جد في الذهاب»17.

الفرار اصطلاحًا

لا يخرج عن معناه اللغوي، وهو الهروب والروغان.

الصلة بين الفرار والهزيمة

وقد عبر القرآن الكريم عن الفرار - في بعض الآيات - بالإدبار والهرب، وعبر بالفرار للدلالة على قوة الإعراض18.

قال تعالى: ( ) [نوح:٦].

عوامل الهزيمة

إن لِكُلِّ أمرٍ عوامل وأسباب، وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض عوامل الهزيمة، ومنها:

أولًا: الذنوب والمعاصي

المعاصي من عوامل الخذلان للمؤمنين والكفار على السواء وهزيمتهم في خارج المعركة أو داخلها، والطاعة والثبات والاستقامة من أسباب النصر والغلبة.

قال تعالى: ( ) [الأنعام:٦].

في هذه الآية وعيد لأهل مكة، وتهديد لهم بإهلاكهم كما أهلك من قبلهم من القرون بسبب ذنوبهم التي كانوا يجترحونها، فلم تغن عنهم قوتهم وتمكينهم شيئًا، وفي هذه الآية ما يوجب الاعتبار والموعظة بحال من مضى من الأمم السالفة والقرون الخالية: فإنهم مع ما كانوا فيه من القوة وسعة الرزق وكثرة الأتباع؛ أهلكهم الله لما كفروا وطغوا وظلموا، فكيف حال من هو أضعف منهم وأقل عددًا، فالذنوب سبب الانتقام وزوال النعم19.

والمصائب في الدنيا التي تنزل بالناس كالمرض والفقر والضيق وسائر النكبات، بسبب معاصيهم أيضًا، وهي عقوبة من الله لهم بما ارتكبوا من موبقات، واجترحوا من سيئات، وارتكبوا من الآثام فيما بينهم وبين ربهم20.

قال تعالى: ( ﯿ ) [الشورى:٣٠].

وإن التاريخ يشهد أن الأمم دأبها الكفر والتكذيب والظلم في الأرض، وعقاب الله إياها هو جار على سنته تعالى المطردة في الأمم، وذلك لكفرهم وفسادهم وظلمهم لأنفسهم.

قال تعالى: ( ﭢﭣ ﭴﭵ ) [العنكبوت:٤٠].

فكل من سبق من المذكورين من الأمم الذين كذبوا رسلهم، عاقبهم الله بما اقترفوا من ظلم وفساد؛ وأخذ كل هؤلاء بذنبهم، لا بذنب غيرهم21.

وإن اتباع الشيطان هو سبب الذنوب والمعاصي الذي به تنزل الهزائم ويستحق الخذلان، فإذا اتبعه الناس ورضوا وسوسته؛ أسلمهم لعدوهم، وتركهم يلاقون الموت والهزيمة.

قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ﮕﮖ ) [الأنفال:٤٨].

ورد في السيرة النبوية لابن هشام أن «إبليس استدرج الكفار، وتشبه لهم بسراقة ابن مالك بن جعشم، حين ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب، فقال لهم: لا غالب لكم اليوم من المؤمنين، وحلف لهم بأنه مجير ومعين لهم، فلما تراءت الفئتان، نظر عدو الله إلى جنود الله من الملائكة الذين أيد الله بهم رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على عدوهم، فرأى ما لم يروا، وقال: إني أخاف الله، وكانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة لا ينكرونه، حتى التقى الجمعان فنكص على عقبيه ورجع، فأوردهم ثم أسلمهم»22.

ويتحدث القرآن عن أهم أسباب الهزيمة التي جرت يوم أحد، ألا وهو ما قد يكتسبه بعض المؤمنين من ذنوب قبل دخولهم في المعركة أو خلالها، وذاك قوله تعالى: ( ﮱﯓ ) [آل عمران:١٥٥].

فجعل الله عقوبتهم بالهزيمة درسًا وتربية وتمحيصًا، والمعنى: إن المؤمنين الذين انهزموا وتركوا أماكنهم يوم التقاء الجمعين من المسلمين والمشركين في أحد؛ إنما أوقعهم الشيطان فريسة له في الزلل والخطأ، فبسبب ما كسبوا من ذنوبهم، انهزموا يوم أحد، وكان السبب في توليهم الأدبار أنهم أطاعوا الشيطان، حيث زين لهم أعمالهم بتركهم المراكز، واستجابوا لما وسوس إليهم من الهزيمة، فاقترفوا ذنوبًا أدت بهم إلى منع التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا، فالمصائب والعقوبات والهزائم آثار للأعمال السيئة23.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: ما شعرت أن أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا حتى كان يوم أحد؛ فقد أرادوا النهب رغبةً في الدنيا، فوقعوا في الغنائم وعصوا، ونسوا عهده الذي عهده إليهم، وخالفوا إلى غير ما أمرهم به، وتركوا ما أمروا به من الطاعة التي عليها ثواب الآخرة24، وذلك قوله تعالى: ( ) [آل عمران:١٥٢].

وإن تمام النصر هو في الثبات لا في الانهزام.

قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ﮐﮑ ﮙﮚ ﮞﮟ ﮢﮣ ) [آل عمران:١٥٢].

بعد أن أراهم الله الغلبة يوم أحد أول الأمر؛ ثم تركوا منازلهم التي عهد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يتركوها، وتنازعوا وفشلوا، وعصوا الرسول؛ أوجفت الخيل فيهم قتلًا، ثم بين سبب التنازع، وهو الطمع في الغنيمة، فحين خالفوا أمر الرسول في الثبوت وعصوه انهزموا25.

فالمعاصي تجلب الهزائم.

قال تعالى: ( ﯿ ﰅﰆ ﰋﰌ ) [آل عمران:١٦٥].

فلا تعجبوا أيها المؤمنون مما حل بكم في أحد، فإن خذلانكم فيها لم يبلغ مبلغ ظفركم في بدر، فقد كان ظفركم في بدر ضعفي نصرهم في أحد، فقد قتل منكم سبعون رجلًا في أحد، وقتلتم من المشركين سبعين رجلًا في بدر وأسرتم سبعين رجلًا، وأنتم الآن تتساءلون: كيف حدث هذا؟ وأنتم تدافعون عن الإسلام، وهم يدافعون عن الشرك؟، جاء الجواب عن تساؤلهم، فأجابهم موبخًا ومقرعًا، ورادًّا عليهم بما من شأنه أن يعيد إليهم صوابهم، وبما يعرفهم السبب الحقيقي في هزيمتهم، وهو أن ما حدث كان من عند أنفسكم وبشؤم معصيتكم، إذ كان سببه فشلكم وتنازعكم في الأمر ومخالفتكم أمر رسولكم وعصيانكم26.

ولقد كانت أوجه العصيان كثيرة منها:

  1. رجوع ثلث الجيش الإسلامي مع عبد الله بن أبي ابن سلول.

    أمر الرسول الرماة بلزوم أماكنهم، وبعدم تركها مهما كانت نتيجة المعركة؛ فتركوها حينما لاحت بشائر النصر للمسلمين، وتطلعت أنفسهم إلى الغنائم فاشتغلوا بها وتركوا النصيحة.

  2. تفرقوا عن رسول الله في ساعة الشدة والعسرة.

    لهذه المخالفات التي نبعت من أنفسهم أصابهم ما أصابهم في أحد؛ فكان هجوم فرسان المشركين من الخلف؛ فتبدل نصر المسلمين إلى هزيمة، فكان سبب انهزام المؤمنين يوم أحد تأثير الشيطان وإغواءه ووسوسته، وما اقترفوه من ذنوب ومعاصٍ27.

    فما أحوج الناس في كل زمان ومكان إلى الأخذ بهذا الدرس، فإن كثيرًا منهم يُقَصِّرون فى حق الله وفى حق أنفسهم، ولا يباشرون الأسباب التي شرعها الله للوصول إلى النصر، فإذا ما أصابتهم الهزيمة مسحوا عيوبهم في القضاء والقدر، ثم قالوا: أنى هذا؟ وما دروا لجهلهم أن الله قد جعل لكل شيء سببًا، فمن باشر أسباب النجاح وصل إليها بإذن الله، ومن أعرض عنها حرمه الله من عونه ورعايته28.

    ونختم بقوله تعالى عن المجاهدين الربيين: ( ) [آل عمران:١٤٧].

    في قولهم ( ) هذا إيماء إلى أن الذنوب والإسراف في الأمور من عوامل الخذلان29.

    ثانيًا: الاغترار بالكثرة

    الكثرة في القرآن الكريم ترد أحيانًا في موضع المدح، وفي الأعم الأغلب فإنها ترد في موضع الذم.

    قال تعالى: ( ) [يوسف:١٠٣].

    يقرر القرآن الكريم أن هذه الظاهرة هي طبيعة معظم الناس لا أهل مكة وحدهم30، وقد أخبر تعالى عن حال أكثر أهل الأرض من بني آدم أنه الضلال31.

    قال تعالى: ( ﯢﯣ ) [الأنعام:١١٦].

    وانتقد القرآن طبيعة بني إسرائيل، حيث إن أكثرهم يتولون المشركين من عبدة الأوثان32.

    قال تعالى: ( ﮍﮎ ) [المائدة:٨٠].

    وعندما يتحدث القرآن الكريم عن المؤمنين يصفهم دومًا بالقلة.

    قال تعالى: ( ) [هود:٤٠].

    وفي كل مرة، يهلك الله الضالين، وينجى النفر القليل من المؤمنين33، وكثير هم الضالون من حيث العدد مقارنة بالمؤمنين34، حيث قال تعالى: ( ) [ص:٢٤].

    ولقد وبخ القرآن الكريم قارون على اغتراره بقوته وكثرة ماله وجمعه وأتباعه، فأهلكه ومن سبقه جميعًا ممن هم أكثر منه جمعًا وعددًا35.

    قال تعالى: ( ﭨﭩ ) [القصص:٧٨].

    وفي قصة طالوت وجنوده ما يؤكد أن الكثرة دومًا مغلوبة إذا اعتقدت أنها تنصر بالعدد دون المدد الإلهي والتوكل على الله.

    قال تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ﮌﮍ ) [البقرة:٢٤٩].

    فلما رأوا كثرة العدو أيقنوا بهلاك أنفسهم، واستقلوا أنفسهم عن لقاء عدوهم لكثرتهم، فكان رد العالمين منهم: كم من فئةٍ قليلةٍ وجند قليل يغلبون فئةً كثيرةً عدتهم بإذن الله ونصره وأمره36.

    وشواهد التاريخ تثبت أن القلة غلبت الكثرة، مثل غزوة بدر والخندق ومؤتة، فعن البراء بن عازبٍ قال: (كنا نتحدث أن أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يوم بدرٍ ثلاثمائةٍ وبضعة عشر على عدة أصحاب طالوت الذين جازوا معه النهر، وما جاوزه معه إلا مؤمنٌ)37.

    وﻟﻮ ﺑﺤﺜنا ﻋﻦ ﻛﻠﻤﺔ (ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻨﺎﺱ) ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻟﻮﺟﺪنا ﺑﻌﺪﻫﺎ: (ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ-ﻻ ﻳﺸﻜﺮﻭﻥ-ﻻ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ).

    قال تعالى: ( ) [الأعراف:١٨٧].

    وقال تعالى: ( ) [يونس: ٦٠].

    وقال تعالى: ( ) [هود:١٧].

    ﻭﻟﻮ ﺑﺤﺜنا ﻋﻦ ﻛﻠﻤﺔ (ﺃﻛﺜﺮﻫﻢ) ﻟﻮﺟﺪنا ﺑﻌﺪﻫﺎ (ﻓﺎﺳﻘﻮﻥ- ﻳﺠﻬﻠﻮﻥ- ﻣﻌﺮﺿﻮﻥ- ﻻ ﻳﻌﻘﻠﻮﻥ- ﻻ ﻳﺴﻤﻌﻮﻥ- مشركون- لا يؤمنون- لا يعلمون- لا يشكرون).

    قال تعالى: ( ) [الأعراف:١٠٢].

    وقال تعالى: ( ) [الأنعام:١١١].

    وقال تعالى: ( ) [الأنبياء:٢٤].

    وقال تعالى: ( ) [الحجرات:٤].

    وقال تعالى: ( ) [فصلت:٤].

    وقال تعالى: ( ) [يوسف:١٠٦].

    وقال تعالى: ( ) [البقرة:١٠٠].

    وقال تعالى: ( ) [الأنعام:٣٧].

    وقال تعالى: ( ) [يونس:٦٠].

    بعد هذا العرض الموجز لإطلاقات الكثرة في القرآن الكريم، وكلها كما لاحظنا وردت في موضع الذم، نأتي الآن لمناقشة الآيات التي تحدثت عن علاقة الاغترار بالكثرة والخذلان، وكيف تكون سببًا من أسباب الهزيمة.

    فحلول الخذلان يكون بسبب العجب والاغترار بالكثرة.

    قال تعالى: ( ﮦﮧ ) [التوبة:٢٥].

    والمعنى: لما توكلتم على أحوالكم وقوتكم وكثرتكم، وعاينتم القوة من أنفسكم دون الله؛ رماكم الله بالهزيمة وضيق الأرض عليكم38.

    وكان هذا في يوم حنين إذ كان المسلمون في عدد عديد، حتى لقد قال قائلهم: إننا لن نغلب اليوم من قلة، فقد كانوا في اثني عشر ألفًا، ومع هذا فإنه ما كاد المسلمون يلتقون بهوازن في وادي حنين قرب مكة، حتى ولوا مدبرين، وانكشف رسول الله للعدو، ولم يثبت معه إلا قليل، فوقعت الدائرة على المسلمين، وتبدد جيشهم، وتناثرت جموعهم، وذهبت ريحهم، وما كان لقوة في الأرض أن تجمع هذا الكيان الممزق، وأن تبعث فيه الحياة والقوة من جديد، ولكن أمداد السماء، ونفحات الحق، جاءت في وقتها، فأحالت الهزيمة نصرًا حاسمًا، وفى هذا درس للمسلمين حتى يروا أن القوة لله، وأن النصر والعزة لا مبغى لهما إلا بالتوكل على الله، وطلب العون والمدد منه تعالى، فمن رغب عن ذلك، ونظر للعدد والقوة المادية، وآثر كثرته واغتر بها، فلن يلقى إلا الذلة والهوان39.

    وفي قوله تعالى: ( ) [آل عمران:١٤٧].

    في هذا إيماء لطلبهم النصر من الله مع كثرة عددهم التي دل عليها قوله: ( )، فهم لا يعولون على كثرة العدد؛ بل يطلبون العون والمدد الروحاني من الله بثبات الأقدام40.

    وختامًا: فإن التجاء الإنسان إلى الله عند الشدائد سبب لنجاته، وإجابة دعوته لقوله تعالى: ( ) [البقرة: ٢٥١].

    فالقلة المؤمنة هي التي غلبت، وأما اعتماد الإنسان على نفسه، واعتداده بها فسبب لخذلانه كما في حنين، فلقد نصرهم الله بعدما هزمهم العدو بإعجابهم بالكثرة، فالنصر والظفر بالله لا بكثرتهم وقوتهم، فالمؤمن يقبل على الأسباب ولا ينسى المسبب، فحينما نظر المسلمون إلى الأسباب فقط؛ ذاقوا طعم الهزيمة، وبعد أن أعطاهم الدرس التأديبي نصرهم41.

    ثالثًا: البطر والرياء:

    البطر: هو الفخر والأشر والطغيان عند النعمة، وإن من سنة الله عز وجل إهلاك الأمم إذا بطرت وطغت.

    قال تعالى: ( ﯟﯠ ﯨﯩ ) [القصص:٥٨].

    فقد كفروا نعمة الله عليهم وعاشوا في البطر، حيث أكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام42.

    ونعود لقصة قارون الذي تبطر واختال على الناس في زينته وافتخر على قومه بالعزة والمال والملك، فاستحق الهزيمة وعوقب بالخسف والهلاك، وذلك تحقيقًا لسنة الله على المتجبرين وأهل البطر.

    قال تعالى: ( ) [القصص:٧٦]، فالله لا يحب الفرحين الأشرين البطرين المتكبرين؛ الذين لا يشكرون الله سبحانه على ما أعطاهم، فلم يستجب للنصح، ( ) [القصص:٧٩]، فانتقم الله منه وجعله عبرة لغيره.

    قال تعالى: ( ) [القصص:٨١].

    فكان جزاؤه الهلاك والخسف والهزيمة، وذلك جزاء المتكبرين الذين يريدون البطر والرئاء43.

    والنعم إذا كثرت من الله تعالى على العبد فصرفها في المفاخرة على الأقران، وكاثر بها أبناء الزمان، وأنفقها في غير طاعة الرحمن، فذلك هو البطر، والرياء: هو إظهار الجميل ليراه الناس، فكفار قريش حين خرجوا إلى بدر، كان لهم فخر وبغي44.

    قال تعالى: ( ) [الأنفال: ٤٧].

    وذلك أن أبا سفيان لما أحرز عيره بعث إلى قريش وقال: إن الله قد سلم عيركم فارجعوا، فأتى رأي الجماعة على ذلك، وخالف أبو جهل، وقال: والله لا نفعل حتى نأتي بدرًا؛ فننحر عليها الإبل، ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، ويهابنا الناس، وذلك ليثنوا عليهم بالشجاعة والسماحة، فلما وصلوا بدرًا ما انتصروا وما نالوا مرادهم، بل سقوا كأس المنايا بدل الخمور، وناحت عليهم النوائح بدل القينات، وكانت أموالهم غنائم بدلًا من بذلها في الإسراف واللهو، فنهى الله عباده المؤمنين أن يكونوا مثلهم في طلب الرياء والسمعة؛ ولكن أخلصوا لله النية، وقاتلوا احتسابًا في نصر دينكم، ولا تطلبوا غيره، وكونوا أهل تقوى وإخلاص45.

    فسنة الله في الناس أن يقصم ظهور المتكبرين، ويذل المتجبرين المرائين المختالين المتكبرين على الناس بصلفهم وغرورهم، ويجعل الله نهايتهم الخذلان والموت والهزيمة عقابًا لهم على بطرهم وفخرهم ورئائهم.

    رابعًا: النفاق و المنافقون:

    لقد بين كتاب الله ما عليه المنافقون من صلف وكبر، وما يقومون به من تثبيط العزائم، وبث روح الهزيمة في نفوس المؤمنين، وإن كلمة النفاق لم تعرفها العرب من قبل، وأخذت الكلمة من نافقاء اليربوع؛ لأن جحره له بابان إذا طلب من أحدهما هرب من الآخر؛ فاستخدم في الإسلام علامة على تلك الطائفة التي تبطن الكفر وتظهر الإسلام، وتكمن الغيظ والبغض وتعلن الرضاء والمودة، وهي تضمر الحقد والحسد وتجهر بخلافهما46.

    وصفات المنافقين التي ذكرها القرآن الكريم كثيرة جدًا، وهي تفضحهم وتظهر عوارهم، وتحذر من وجودهم في الصف المسلم، وتدعو المسلمين إلى تنقية وتنظيف صفوفهم من هؤلاء الذين يؤخرون النصر ويستجلبون الهزيمة، ويفرحون بها.

    فمن صفات المنافقين أنهم يكرهون القتال.

    قال تعالى: ( ﭝﭞ ﭧﭨ ﭭﭮ ﭴﭵ ﭻﭼ ﭿ ﮉﮊ ) [آل عمران:١٦٧-١٦٨].

    تهتم هذه الآيات الكريمة اهتماما خاصا بفريق من المنافقين الذين أدخلوا الفشل على المؤمنين من أول لحظة في يوم أحد، وهذا الفريق كان يتزعمه المنافق المدعو عبد الله بن أبي ابن سلول الذي فارق ركب رسول الله الذي كان يتألف من ألف رجل، وهو لا يزال في أثناء الطريق بين المدينة وأحد، وتابعه ورجع معه ثلث الركب ممن ينطوون على النفاق، وكانوا حوالي ثلاثمائة رجل ونيف، وكان فريق من المؤمنين لا يزالون يظنون خيرًا بزعيم المنافقين ومن معه من المتخلفين، إذ لم يكن قد انكشف نفاقهم بعد.

    فتبعوهم من ورائهم يحرضونهم على العودة للقتال إعلاء لكلمة الله بجانبهم، أو على الأقل مساعدتهم فيما قد يحتاجون إليه، وتكثير سوادهم أمام العدو إن لم يقاتلوا، أو ليدفعوا الأعداء عن المجاهدين، أو ليدفعوا العدو عن أنفسهم وعن أموالهم وذراريهم، فما كان من المنافقين وزعيمهم إلا أن تعللوا بأنهم لا يتوقعون من المشركين في هذا اليوم أي قتال، إذن فلا موجب لمواصلة السير في ركاب رسول الله.

    وتحدث زعيم النفاق ابن أبي ابن سلول حديثًا كشف به عن ذات نفسه فقال: والله ما ندري علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس، فجاءت هذه الآيات لتظهر نفاقهم للناس وتفضحهم؛ ليعلموهم علم عيان ورؤية وظهور، إذ أن نصر المسلمين فى بدر فتح الطريق أمام المنافقين للتظاهر باعتناق الإسلام، وعدم انتصارهم فى أحد كشف عن هؤلاء المنافقين وأظهرهم على حقيقتهم، فإن من شأن الشدائد أنها تكشف عن معادن النفوس، وحنايا القلوب47.

    موقف المنافقين في الماضي والحاضر هو اتهام المجاهدين بإهلاك أنفسهم، وهو ما تدل عليه هذه الآيات، حيث قال المنافقون للمسلمين: إنكم ما وصلتم لهذا إلا لخطأ رأيكم وزللكم عن الصواب، ولا يقال لمثله قتال، إنما هو إلقاء بالنفس إلى التهلكة، هذا هو موقف المنافقين فى غزوة أحد، وهو موقف يدل على فساد قلوبهم، وخبث نفوسهم، وجبنهم عن لقاء الأعداء.

    وحالهم بعد انتهاء المعركة أشد شرًا، هؤلاء المنافقون لم يكتفوا بما ارتكبوه من جنايات قبيل غزوة أحد وخلالها، بل إنهم بعد انتهاء المعركة قالوا متحدثين عمن استشهدوا: لو أن هؤلاء الذين استشهدوا فى أحد أطاعونا وقعدوا معنا في المدينة لما أصابهم القتل، ولكنهم خالفونا فكان مصيرهم إلى القتل، فرد القرآن عليهم بما يبطل أقوالهم عن طريق الحس والمشاهدة، وذلك ببيان أن القعود عن الجهاد لا يطيل الحياة، كما أن الخروج إلى ساحات القتال لا ينقص شيئا من الآجال، فكم من مجاهد عاد من جهاده سالمًا، وكم من قاعد أتاه الموت وهو في عقر داره48.

    والمنافقون يسعون لنشر البلبلة في صفوف المسلمين ويشككون بنصر الله لأوليائه، فقد اتخذوا موقفهم بالانسحاب بثلث الجيش بعدما بيتوه فيما بينهم لبث البلبلة في صفوف المسلمين وإرباكهم، وإضعاف روحهم المعنوية أمام المشركين، وشككوا بنصر الله لأوليائه فقالوا: لو كان الأمر كما قال محمد إن أولياء الله هم الغالبون لما غلبنا قط، ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة، ويربطون بين النبوة والنصر، وأنه لو كان محمد نبيا ما هزم، وفاتهم أن النصر من عند الله وبتوفيقه، وأن الهزيمة بسبب مخالفات المسلمين.

    فرد الله عليهم بأن الآجال والأعمار بيد الله، وأن النصر من عند الله، وأن من كتب عليه القتل فلا بد أنه مقتول، فلو كان في بيته وانتهى أجله، لخرج إلى مكان مصرعه، والحذر لا يمنع القدر، والأمر كله بيد الله، وقد فعل الله ما فعل من إلحاق الهزيمة بالمسلمين في نهاية غزوة أحد، ليمتحن ما في صدور المؤمنين من الإخلاص والثبات، وليميز ما في القلوب من أمراض ووساوس الشيطان49.

    فهؤلاء المنافقون إذا دعوا إلى القتال في سبيل الله، أو إلى الدفاع عن النفس والأهل والوطن، أجابوا: لو نعلم أنكم تلقون قتالًا في غزوتكم لاتبعناكم وسرنا معكم، ولكننا نعلم أنكم لا تقاتلون، وهذا يدل على تأصل النفاق في قلوبهم، وأن غايتهم التلبيس والتدليس والاستهزاء وتعمية الحقائق، مع أن جمع المشركين في أحد، وخروج المسلمين لمقابلتهم قرينة قاطعة على إرادة القتال50.

    ومن صفاتهم أيضًا: عدم التهيؤ والاستعداد للقتال، وذلك في قوله تعالى: ( ) [التوبة:٤٦].

    فلو أنهم أرادوا الجهاد لتأهبوا للسفر، فتركهم الاستعداد دليل على إرادتهم التخلف، فحبسهم الله عنك وخذلهم؛ وقد أوقع الله في قلوبهم القعود، وهو عبارة عن الخذلان، وقد بين القرآن الكريم المفاسد التي تترتب على خروجهم، فهؤلاء خروجهم لن يزيدكم إلا فسادًا وشرًا؛ لأنهم قالوا: إن لم يؤذن لنا في الجلوس والقعود عن الغزو أفسدنا الناس وحرضنا على المؤمنين، وفي ذلك تسلية للمؤمنين في تخلف المنافقين عنهم، ولأوضعوا فيكم الهزيمة والتخذيل والإفساد والتحريض والنميمة، وبغيتهم أن يفتنوكم بإيقاع الخلاف والأراجيف فيما بينكم أو الرعب في قلوبكم؛ ويثبطون المؤمنين بقولهم: لقد جمعوا لكم كذا وكذا، ولا طاقة لكم بهم، وإنكم ستهزمون منهم وسيظهرون عليكم، ونحو ذلك من الأحاديث الكاذبة التي تورث الجبن والفشل.

    قال تعالى: ( ﯧﯨ ) [التوبة:٤٧].

    وفي قوله: () تحذير من العيون والعملاء الذين ينقلون إليهم الأخبار منكم، ويحدثونهم بأحاديثكم وهم عيون لهم51.

    والمنافقون يمتازون بالدهاء، ويتحججون بالعجز والأعذار، وهم صنف مبالغ في النفاق، استأذنوا دون اعتذار، وذلك أن بعضهم قال نستأذنه، فإن أذن في القعود قعدنا وإلا قعدنا دون إذن، فهم عزموا على العصيان أذنت لهم أو لم تأذن، فقد قال تعالى:( ﭿ ) [التوبة:٤٣].

    ومن جملة حججهم وأعذارهم قوله تعالى عنهم: ( ) [التوبة: ٤٩].

    نزلت في: (الجد بن قيس، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجهز لغزوة تبوك قال له: يا أبا وهب، هل لك في جلاد بني الأصفر تتخذ منهم سراري ووصفاء؟ فقال: يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بالنساء، وإني أخشى إن رأيت بنات بني الأصفر أن لا أصبر عنهن؛ فلا تفتني بهن، وائذن لي في القعود عنك فأعينك بمالي، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: قد أذنت لك، فأنزل الله تعالى هذه الآية)52.

    وأشد صفة تكشف حقدهم: أنهم يستاؤون من نصر المسلمين ويفرحون لهزيمتهم.

    قال تعالى: ( ﭿ ) [التوبة: ٥٠].

    فالحسنة هنا هي: الغنيمة والظفر، والمصيبة هي: الهزيمة والخيبة كهزيمة أحد، وذلك أنه إن تصبكم نعمة من الله بنصر وغنيمة تسؤهم وتحزنهم؛ لفرط حسدهم وكراهتهم لكم، وإن تصبكم مصيبة تؤلمكم كالذي أصابكم يوم أحد من الجراح والهزيمة، يقولوا مغتبطين لتخلفهم، وحامدين لرأيهم وسياستهم؛ قد احتطنا وأخذنا أمرنا من قبل المصيبة بتلافيها، حيث اعتزلنا المقاتلين، وقعدنا عن الحرب، ودارينا الكفرة وواليناهم، وسلمنا مما أصابهم من قتل وجرح، وينصرفوا وهم كثيرو الفرح بهزيمة المسلمين، ونجاة أنفسهم بأخذهم حذرهم واحتياطهم بالتخلف عنكم53.

    وهم يوالون الكفار ويدارونهم ويناصرونهم عليكم، قال الله فيهم: ( ) [المائدة:٥٢].

    فالدائرة هي: الهزيمة، والمنافقون يسارعون بالاعتماد على الكفار دون الله، ويعللون اعتذارهم عن موالاتهم بأنهم يخافون خوفًا بالغًا أن تحل بهم المصائب والدوائر54.

    ويثبطون الناس ويوهنون من عزائمهم.

    قال تعالى:( ﭿ ) [الأحزاب: ١٨].

    وكان من جملة قولهم: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحمًا لالتهمهم أبو سفيان وحزبه، فخلوهم وتعالوا إلينا55.

    ويظنون بالله الظنون الباطلة ويستبطئون النصر ويكرهون الشهادة في سبيل الله ويعتبرونها قتلًا للنفس، فهم يظنون أن لا ينصر الله محمدًا، كما ظن الجاهلية حيث اعتقدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل في المعركة أو أنه لا ينصره الله56، وذلك يوم الخندق حين قالوا: ( ) [الأحزاب:١٢].

    وذلك هو ظن الجاهلية الغبية، التي لا تفهم معنى النبوة، ومعنى التأييد الإلهي، قال تعالى عنهم: ( ) [آل عمران:١٥٤].

    وقد قال بعضهم لبعض لو كان لنا عقول لم نخرج مع محمد إلى قتال أهل مكة ولم تقتل رؤساؤنا، أي: «لو كان الاختيار لنا لم نخرج، ولما قتل من قتل منا في هذه المعركة، وهذا كان رأي ابن أبي وغيره»57.

    قال تعالى: ( ﭿ ) [آل عمران:١٥٤].

    ومن صفاتهم أنهم مشككون ومترددون ومذبذبون، ففي غزوة الخندق شكت قلوبهم، وكان ديدنهم أنهم يتحيرون، إذ كانوا تخطر لهم صحة أمر النبي أحيانًا، وأنه غير صحيح أحيانًا فهم مذبذبون58، وقد قال الله فيهم: ( ) [التوبة:٤٥].

    ويعرفون بوجوههم عند ذكر الموت والقتال، فهم لا يطيقون سماع ذكر القتال، وتتغير معالم وجوههم رعبًا وخوفًا، قال الله فيهم: ( ) [محمد:٢٠]، يقول تعالى مخبرا عن المؤمنين أنهم تمنوا شرعية الجهاد، فلما فرضه الله، وأمر به نكل عنه كثير من الناس، وهم المنافقون الذين في قلوبهم مرض، وحالهم عند نزول سورة مشتملة على حكم القتال ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت؛ لشدة فزعهم ورعبهم وجبنهم من لقاء الأعداء59.

    وقال أيضًا: فحالهم عند حد الجد، وبدء المعركة والقتال، تراهم تدور أعينهم رعبًا وخوفًا لا يدرون ما يصنعون، فيصيرون كالذي يعاني سكرات الموت ويبحث عمن ينقذه، ولو أنهم استمسكوا بدينهم وكانوا مع أهله يدًا على من سواهم، لم يقدر عليهم عدو، ولم ينهزم جيش المسلمين لوجود منافقين في صفهم من أمثال هؤلاء60.

    وتتنوع أوصاف المنافقين في طبائعهم، فتارة تعرفنهم في لحن القول، وتارة في الأفعال كترك الطاعات، وتارة في فعل القبيح، وأكثر فسادهم في أحوال الجهاد كما تبين معنا، وكثيرة الآيات التي تتحدث عما يظهر منهم من آثار الكفر في الأقوال والأفعال مما جاء به القرآن، ولا مجال لحصرها في هذه الدراسة، لذلك سنكتفي بالقدر الذي أوردناه.

    خامسًا: التنازع والفرقة:

    قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ) [آل عمران:١٥٢].

    فالآية الكريمة ذكرت المؤمنين بأن الله قد حقق وعده معهم في أول المعركة بأن سلطهم على المشركين، يقتلونهم بتأييده ورعايته قتلًا ذريعًا، وأراهم من النصر والظفر بالمشركين ما وعدهم، حتى إذا تنازعوا واختلفوا في أمر الله، قذف عليهم عدوهم، وخرجت خيل المشركين عليهم من ورائهم، ولقد بين سبب التنازع وهو طلب الدنيا والغنيمة، فحصل بذلك الانهزام، وهو النتيجة الحتيمة للتنازع والتخاصم والتخالف، والتقدير: حتى إذا فشلتم وصرتم فريقين انهزمتم، والمعنى: حتى إذا عجزتم عن مقاومة أهوائكم وتنازعتم فيما بينكم، منع الله عنكم نصره، وتحول نصركم إلى هزيمة، وفقدتم أنفسكم وما جمعتموه من غنائم61.

    وفيها تصوير بديع للمعركة، وعرض كامل لمشهدها، ولتداول النصر والهزيمة فيها، فبعد أن ولى المشركون الدبر، وامتلأ الوادي بما خلفوه من الغنائم، وحين رآها الرماة، ورأوا إخوانهم المسلمين ينتهبونها دونهم؛ عصفت بهم ريح الطمع، واختلفوا فيما بينهم، وخلا ظهر المسلمين، رجع المشركون إلى الميدان، وأحاطوا بهم من الخلف والأمام، وأكثروا فيهم القتل والجراح، ودارت الدائرة عليهم بعد أن كانت لهم62.

    ثم أمرهم بالطاعة، ونهاهم عن التنازع الذي هو أكبر أسباب الفشل والهزيمة.

    قال تعالى: ( ) [الأنفال:٤٦].

    والتنازع غالبا يكون بسبب الأغراض الشخصية، وتقديم الأغراض والمصالح الدنيوية على المصالح العامة، وتلك أكبر أسباب النزاع، وهذه أكبر البلايا التي يأتي من قبلها الشر للمسلمين؛ لأنه قد يخالف بعض المسلمين فتكون العقوبة عامة للجميع، والفرقة من أكبر أسباب الضعف والخور وعدم انتظام الكلمة، وهذا النزاع والتفرق والاختلاف هو مشكلة عظمى في أقطار الأرض؛ لأن من يتسمون باسم المسلمين ينازع بعضهم بعضًا، ويعادي بعضهم بعضًا، فأنى ينصرهم الله؛ فمن تنازعوا فشلوا وذهبت قوتهم ودولتهم، ويصير الأمر إلى غيرهم؛ وهذه وصايا سماوية، وتعاليم من رب العالمين عظيمة، من أخذ بها ظفر، ومن تركها فشل وذهبت ريحه لا شك63.

    ونحن نرى اليوم في عالمنا الإسلامي ما يمكر به الأعداء لأمتنا الإسلامية من السير على قاعدة (فرق تسد)، وما يبثونه من نعرات تؤدي إلى النزاع والاختلاف والفرقة وشق الصف، وما وضعوه من حدود وهمية بين البلاد الإسلامية، واختلقوا حواليها المشكلات الدائمة، وشغلوهم بها في قضايا دولية، ومحاكم وهمية لا تقدم ولا تؤخر في قراراتها؛ حتى لا تجتمع كلمتهم على مقاتلة الأعداء والتجهز للتغيير.

    سادسًا: مخالفة أوامر القيادة:

    إن طاعة القائد شرط أساسي للنصر، وفي قصة طالوت عندما خرج بالجنود من بيت المقدس، قال لهم: إن الله مختبركم وممتحن مقدار صدقكم في لقاء عدوكم، واستجابتكم لأوامر قائدكم بنهرٍ يعترض طريقكم، فإياكم والشرب منه، فمن غلبته شهوته وشرب من مائه، فليس من أتباعي؛ لأنه إذا عصاني اليوم، فهو أحرى أن يعصي أمري وقت اشتداد الحرب فتحدث الهزيمة، ومن لم يذق ماءه استجابة لهذا الأمر وصبر، فإنه مني، وهو ضالع معي في لقاء العدو64.

    قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٤٩].

    هذه الآية تشير إلى أن السر كامن في طاعة القيادة العليا، وامتثال أوامرها الرشيدة دون تردد ولا اعتراض، فهذا هو مفتاح النجاح والنصر في مختلف المعارك وفي مختلف العصور، فالمحارب الذي انكب على النهر يشرب من مائه حتى يمتلئ وهو في طريقه مباشرة إلى الميدان، محكوم عليه مسبقا بالهزيمة والخسران، إذ هو محارب فاقد للصبر، غير قادر على الاحتمال، قد أثقله العرق وأبطأ به اللهث، وقد أعطى الدليل قبل دخول المعركة وهو في طريقه إليها على أنه لا يعير لأوامر قائده الأعلى أدنى اهتمام، بل إنه يعصي هذه الأوامر دون تردد ولا إحجام، فهل يعتمد على مثل هذا في الحصول على النصر، أم أنه عامل أساسي من عوامل الهزيمة؟، وإن المحاربين المتحلين بروح الامتثال والطاعة لقيادتهم، هم الذين تحملوا عبء المعركة، وهو من الأسباب المباشرة في كل هزيمة لحقت المسلمين، مثل أحد والغزوات والمعارك التي بعدها65.

    قال تعالى: ( ﯿ ﰅﰆ ﰋﰌ ) [آل عمران:١٦٥].

    فعندما تقولون: من أين جاءنا هذا الخذلان والرسول معنا؟!؛ فالجواب قل لهم إن هذا الانكسار والهزيمة بسبب مخالفتكم، فأنتم الذين خالفتم أمر قائدكم حين أبيتم إلا الخروج من المدينة مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار عليكم بالبقاء فيها، وأنتم الذين خالفتم وصيته أيها الرماة بترككم أماكنكم التي حددها لكم وأمركم بالثبات فيها، وأنتم الذين تطلعت أنفسكم إلى الغنائم فاشتغلتم بها وتركتم النصيحة، وأنتم الذين تفرقتم عن رسول الله في ساعة الشدة والعسرة، فلهذه المخالفات التي نبعت من أنفسكم أصابكم ما أصابكم في أحد ولذلك خذلتم، وأصابتكم هذه المصيبة عقوبة لمعصيتكم لنبيكم66.

    إن الذين يظنون أن النصر دائمًا في جانب المسلمين مهما عصوا وخالفوا أوامر الله، يجيبهم الله عن تساؤلهم موبخًا ومقرعًا لهم بأن ما وقع حدث بشؤم معصيتكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمركم ألا تبرحوا مكانكم؛ فانهزمتم وأذاقكم الله الغم بفعلكم.

    قال تعالى: ( ﯠﯡ ) [آل عمران:١٥٣].

    فقد غممتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخالفة أمره، فجزاكم الله بذلك الغم القتل والهزيمة عقوبة لكم على مخالفته، ففاتتكم بذلك الغنيمة، فقد جعل الله المسببات نتائج للأسباب، فكل عسكر يعصي قائده ويكشف ظهره لعدوه يصاب بمثل ما أصبتم به67.

    أنواع الهزائم

    الهزائم على نوعين:

    أولًا: الهزيمة العسكرية:

    وإن من سنن الله في خلقه أنه جعل الحياة صراعًا دائمًا بين الحق والباطل، ونزاعًا موصولًا بين الأخيار والأشرار، فالحرب سنة طبيعية في الخلق من يوم أن اقتتل ابنا آدم، وهي على ما فيها من ضرر وخطر لا تخلو من نفع وخير؛ إذ لولا أن الله يدفع الناس بعضهم ببعض، ويسلط جماعة على جماعة لفسدت الأرض وعمت الفوضى بغلبة الكفر، وتمكن الطغيان وأهل المعاصي، ولانتشر الظلم وهدمت أماكن العبادة التي يذكر فيها اسم الله، فلو ترك الفاسقون من غير أن يدافعوا ويقاوموا لنشروا فسوقهم وفجورهم وطغيانهم في الأرض، ولكن الله ذو فضل على الناس جميعا حيث يسلط على الظالم من يبيده ويهلكه، فإذا نبت ظالم آخر أرسل له من يفتك به، وهكذا ينصر الله رسله بالغيب، وفي قصة المؤمنين من بني إسرائيل مع طالوت ما يدل على تجلي عظمة الله وقدرته بأجلى مظهر، فقد هزمت الفئة القليلة الفئة الكثيرة بإذن الله وإرادته هزيمة عسكرية بالقتال.

    قال تعالى: ( ﮮﮯ ) [البقرة:٢٥١].

    فانكسر عدوهم رغم كثرته، وقتل رأس الطغيان وقائد الجبابرة واندحر جيشه، فلم يبق منهم أثر ولا عين، وفي ذلك ترغيب للمؤمنين في الجهاد، وتحذير من الضعف والفرار حذر الموت68.

    والهزيمة هنا تدل على فرار الجند والعسكر خوفًا من القتل، فقد كسروهم كسرةً انتهت بدفعهم من المعركة، وهروبهم منها مقهورين مغلوبين، وقد تكون الهزيمة بدون إبادة كل الجنود، بل بقتل أئمة الكفر فيهم، بدليل قوله تعالى: ( ) وهو زعيم جيش الكفار الذي هرب، فطارده داود وقتله69.

    وقال تعالى: ( ) [ص:١١].

    أي: هؤلاء الجند المكذبون الذين هم في عزة وشقاق سيهزمون ويغلبون ويكبتون كما كبت الذين من قبلهم من الأحزاب المكذبين، أخبر الله نبيه وهو بمكة أنه سيهزم جند المشركين، واسم الإشارة يدل على مصارعهم في بدر فكفار مكة وأحزابهم سيهزمون، وقد تحقق وعد الله فقهروا وأهلكوا70.

    وقال تعالى: ( ) [القمر:٤٥].

    وكان ذلك يوم بدر والمعنى: هؤلاء الجمع المكذبون سيهزمون ويغلبون، ويكبتون كما كبت الذين من قبلهم من الأحزاب الذين تحزبوا على الرسل، فذاقوا الهزيمة وقهروا وغلبوا، وإنَّ أهل مكة الذين قالوا واثقين بشوكتهم: نحن جماعة أمرنا مجتمع، ونحن جماعة منصورون، سيهزمون ويتفرق شملهم، ويغلبون حين يلتقي جيشهم وجيش المؤمنين، وهذا من أخبار الغيب ودلائل النبوة، حيث هزمت جموعهم، وولوا الأدبار، وفروا من أمام جيش المسلمين، فالله توعدهم بقتل صناديدهم وبانصرافهم من الحرب منهزمين.

    وفي الإفراد في قوله ()إشارة إلى أنهم في التولية والهزيمة كنفس واحدة، فلا يتخلف أحد عن الهزيمة، ولا يثبت أحد للزحف، فهم في ذلك كرجل واحد، أو إنَّ كل واحد من الجيش منهم يولي دبره ويفر هاربًا71.

    والتعبير بالسين لتأكيد أمر هزيمتهم في المستقبل القريب، وذلك مثل قوله تعالى: ( ﭺﭻ ) [آل عمران:١٢].

    لقد قالها الرسول مبلغًا عن الله، والمسلمون في حالة من الضعف واضحة، فتساءل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أي جمع هذا الذي سيهزم؟، والمسلمون ضعاف لا يقدرون على ذلك، ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، وأسباب الانتصار غير موجودة، لكن الواقع جاء ليثبت صدق الحق في قوله تعالى: ()، فقد تم انتصار المسلمين بالفعل، فهزموا الكافرين وغلبوهم، وجعلوهم يولون الدبر72.

    وقال تعالى: ( ) [التوبة:١٤-١٥].

    أي: قاتلوا هؤلاء الكفار، فإنهم إذا جاء الوغى يفرون ويولونكم الأدبار، بل وتنزلون فيهم الذل والخزي وتشفون صدوركم منهم قتلًا وأسرًا، والدليل هزيمتهم يوم بدر وتوليهم الأدبار يومئذ، حيث قتل رؤساء الشرك وأساطين الكفر، كذلك توليهم الأدبار في جمع آخر وهو جمع الأحزاب في غزوة الخندق؛ حيث فروا بالليل منهزمين مقهورين73.

    ومع قصة الخندق وغزوة الأحزاب لنا حديث في تحديد نوع الهزيمة، فلقد جمع الكفار جموعهم على إبادة المسلمين واستئصال شأفتهم، لكن الله هزمهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرًا، وكفى الله المؤمنين القتال، فالشاهد هنا هو أن الكفار هزموا واندحروا وولوا الأدبار من دون قتال، فالهزيمة العسكرية لها وجه آخر، وهو(عدم تحقيق الأهداف)، فإذا عجز الخصم عن تحقيق أهدافه ورجع من حيث أتى فقد هزم عسكريًّا، وكما يقولون: (إذا لم يستطع القوي أن ينتزع استسلامًا من الضعيف فقد هزم هزيمة نكراء).

    بقي أن ننوه لموضوع مهم في هذا المطلب وهو: الإعداد الجيد لهزيمة الأعداء عسكريًّا، أمر الله المسلمين بإعداد القوة لكبح جماح أعداء الإسلام، بشكل عام، وخصَّ كتاب الله بالذكر من بين أنواع القوة الخيل، وقد كانت الخيل في الحروب الماضية تحتل مكانًا بالغ الأهمية، وذكر (الخيل) هو إنما ورد على وجه التنبيه، نظرًا؛ لأن الخيل كانت في العهد الإسلامي الأول أهم شيء في الحرب74، وذلك حتى يقيس المسلمون عليها غيرها، ويهتموا في مستقبل الأيام بكل ما يستحدث ويجد من أدوات القوة ووسائلها الفعالة، فالعبرة أولًا وأخيرًا إنما هي بإعداد القوة التي لا تضام، والاستعداد التام للعدو على الدوام.

    قال تعالى: ( ﯬﯭ ) [الأنفال:٦٠].

    ثانيًا: الهزيمة النفسية:

    كتاب الله عندما يتحدث عن القوة ويدعو المسلمين إلى إعدادها بكل الوسائل لا يقصد بلفظ القوة معناها المادي المجرد وحده، المتمثل في الآلات والأدوات الحربية، وإنما يقصد معناها المادي الروحي في آنٍ واحدٍ، بل إنَّ القوة الروحية عنده بالنسبة إلى القوة المادية تعتبر كالجوهر بالنسبة للعرض، والروح بالنسبة للجسد، فالقوة الروحية في نظر الدين والأخلاق، والروح المعنوية العالية، في نظر المختصين من رجال الدراسات النفسية والأبحاث العسكرية هي منبع كل قوة، وأساس كل نصر، وبدونها تضطرب القلوب وتنهار الأعصاب، وتصبح الهزيمة من كل جيشٍ قاب قوسين أو أدنى، لكن إذا كانت قوة الإيمان بالله وتقوى الله تقود جنود الإسلام، في خطواتهم إلى الأمام فبشرهم من عند الله بالفتح المبين والنصر والتمكين، ووقتئذ يتم وعد الله بالغلبة على الكافرين75.

    وإن الإيمان بالله واليوم الآخر يزيد الثقة بالنفس فلا تضعف ولا تخور أمام المنعطفات، بل تواجه المواقف بصلابة ورباطة جأش، تجعلهم يقبلون على القتال والموت دونما وَجَلٍ أو خوفٍ، ومثال ذلك ما ذكره القرآن الكريم في قصة طالوت، حيث عقد مقارنة بين الهزيمة النفسية والمعنوية العالية بين ضعاف الإيمان والمؤمنين الصابرين.

    قال تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ) [البقرة:٢٤٩].

    لما اجتاز طالوت النهر مع الذين صبروا على العطش والتعب، ولما أصبحوا على مقربة من جيش العدو، و كانوا «قرابة مائة ألف»76.

    فلما رأوا عدوهم يقودهم قائدهم الجبار (جالوت)، ورأوا كثرة عددهم وتفوقهم، فزعوا واضطربوا واعتراهم الخوف، وقال الكافرون والمنافقون، والشك والنفاق منهم، من الذين شربوا وعصوا أمر قائدهم: لا قدرة لنا اليوم ولا طاقة لنا بمحاربة الأعداء ومناضلتهم فضلًا عن التغلب عليهم، فنحن قلة وهم كثرة كاثرة، فأعلنوا انهزامهم، وانصرفوا فارين عن طالوت، ولم يشهدوا القتال77.

    لكن في المقابل، فإن المؤمنين الذين يظنون أنهم ملاقو الله فمجازيهم على أعمالهم، وهم الصفوة الأخيار والعلماء الأبرار من أتباع طالوت قالوا: لا تغرنكم أيها القوم كثرتهم، فكثيرا ما غلبت فئة قليلة العدد فئةً كثيرة العدد بقوة إيمانها وإرادة ربها78.

    وهكذ نلحظ أن التعبئة الروحية الإيمانية تتمثل في تعميق الثقة بما أعده الله فى الآخرة لعباده المؤمنين، فيؤثرون الآخرة على الدنيا، ويزهدون فيها طمعًا بما عند الله، فلا يلتفتون إلى ما وراءهم من أهل وولد ومال، ولم يخفهم الموت الراصد لهم فى يد أعدائهم، ولم يهابوا العدو وكثرته وقوته، فرأوا أنهم فى قلتهم المؤمنة الصابرة أقوى من عدوهم الذي لا يؤمن بالله ولا يصبر على المكروه، ولا يقاتل إلا طمعًا فى مغانم الدنيا ومتاعها، وهذه المعنوية العالية تقابل الهزيمة النفسية والروحية التي تخوف أصحابها، فلا يقدرون على المواجهة، ويتجرؤون العيش في جو الهزائم79.

    التوجيهات القرآنية لهزيمة الأعداء نفسيًّا:

    أولًا: لقد دعا القرآن إلى تطبيق أقصى درجات التخويف والتنكيل على المنافقين والكافرين وغيرهم، وذلك هدمًا لنفسيتهم وكسرًا لأنفتهم، وتأثيرًا على معنويات غيرهم، فلا يتجرءون على مقاتلة المسلمين خوفًا منهم، وذلك قوله تعالى: ( ) [الأنفال:٥٧].

    أي: نَكِّلْ بهم، واجعلهم أداة لتشريد من خلفهم، وأوقع بهم من العقوبة ما يصيرون به عبرة لمن بعدهم، وعليك أن تؤدبهم أدبًا يجعل الذين وراءهم يخافون منكم، ويبتعدون عنكم، وكلما رأوكم أصابهم الخوف والهلع، لعل الذين من خلفهم يحذرون أن يصيبهم ما أصابهم، وهذه من فوائد العقوبات والحدود المرتبة على المعاصي، أنها سبب لازدجار من لم يعمل المعاصي، بل وزجر لمن عملها أن لا يعاودها80.

    فالمطلوب أن نجاهدهم بقوة وبدون شفقة حتى لا يفكر في مساندتهم من جاؤوا خلفهم ممن هو على مثل رأيهم في المنافرة للإسلام أن ينصروهم أو يؤازروهم بالدخول معهم في القتال، ولا تحدثهم أنفسهم في أن يستمروا في المعركة، وذلك كي تكون هذه التجربة درسًا لهم؛ فلا يفكروا مرةً أخرى في حربٍ معك؛ لأنهم سوف يتذكرون ما حدث لهم ولغيرهم فيبتعدوا عن مواجهتك، ولا يجسر عليك بعدهم أحد، اعتبارًا بهم واتعاظًا بحالهم81، وهذا الإرشاد الحربي في استعمال القسوة مع المحاربين، والناقضين لعهود السلم، متفق عليه بين قواد الحرب في هذا العصر.

    أي: فرق بهذا الذي تأخذهم به من بلاء ونكال كل مجتمع للضلال، وكل من يبيت السوء للمسلمين، فكل من تحدثه نفسه بخيانة عهد المسلمين من بعد تلك الضربة التي نزلت بهؤلاء الخائنين، سيجد أمام ناظريه مثلًا حيَّا لما ينتظره من بلاء ونكال، وإن هذه الآية الكريمة لمن أحكم الآيات التي ترشد المؤمنين إلى وجوب أخذ المستمرين على كفرهم وعنادهم ونقضهم العهود أخذًا شديدًا رادعًا، حتى يبقى للمجتمع الإسلامي أمانه واستقراره وهيبته أمام أعدائه، فالآية الكريمة ترسم صورة بديعة للأخذ المفزع، والهول المرعب الذي يكفي السماع به للهرب والشرود، فما بال من يحل به هذا الأخذ الشديد؟، وبذلك تبقى لدين الله هيبته وسطوته82.

    ثانيًا: أمر بإثخان المشركين قتلًا في ساحات المعركة من دون رأفة، وذلك ليكون صيت جيش المسلمين يسبق تحركه لأي بلد وأي حرب، والغرض هو التأثير على نفسيات الأعداء وروحهم المعنوية، وذلك يظهر من قوله تعالى: ( ) [الأنفال:٦٧].

    فالإثخان شدة التقتيل، وذلك حتى تتحطم قوة العدو وتتهاوى، فلا تعود به قدرة على هجوم أو دفاع، فتكون لهم الغلبة التامة، والسيطرة الكاملة، فتصير قوتهم في موضع التفوق المطلق على الأعداء، فلا يستطيع هؤلاء الأعداء الثأر والعودة إلى القتال إذا سنحت لهم الفرصة، لأن الملك والدولة إنما تقوى وتشتد بالقتال والقتل، فكثرة القتل توجد الرعب وشدة المهابة، وذلك يمنع الأعداء من الجرأة والإقدام على حرب المسلمين، فالإثخان في الأرض يرهب الأعداء83.

    ثالثًا: وجه القرآن المؤمنين للسعي في إدخال الرعب لقلوب الأعداء؛ لأن ذلك سيهزمهم نفسيًّا وروحيًّا قبل الهزيمة العسكرية، فلا يصمدوا ولا تحدثهم نفسهم بالمواجهة.

    قال تعالى: ( ﭳﭴ ﭶﭷ ) [آل عمران:١٥١].

    قال البيضاوي في تفسير هذه الآية: ذكر القرآن ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب، فلما رجعوا وكانوا ببعض الطريق ندموا وعزموا أن يعودوا عليهم ليستأصلوهم؛ فألقى الله الرعب في قلوبهم؛ لأنه لا أحد يخالف دين الإسلام إلا وفي قلبه خوف ورعب84.

    رابعًا: بَيَّنَ القرآن الكريم أن الهزيمة النفسية تورث أصحابها الذل والخنوع والقعود عن مواجهة الأعداء ومقاتلتهم، كما قال تعالى على لسان أصحاب موسى الذين أحجموا عن قتال الجبارين: ( ﭙﭚ ) [المائدة:٢٤].

    فلا غرابة في إحجامهم عن قتالهم؛ لأن كُلَّ قوم تربوا في أحضان الذلِّ والاستعمار يألفون القعود ولا يألفون الحرية والكرامة85.

    وبهذا يظهر التفاوت بين سائر الأمم، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم التي تربت على النفسية الإسلامية، وارتوت من نبع القرآن الصافي، حيث قال الصحابة له حين شاورهم في القتال يوم بدر: يا رسول الله، لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك وما تخلف عنك أحد، ولا نقول كما قال قوم موسى لموسى: ( ) [المائدة:٢٤].

    ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون86.

    خامسًا: لقد تناول القرآن الكريم موضوع الإشاعة وحاربها.

    قال تعالى: ( ) [الأحزاب:٦٠].

    والإرجاف هو من الرجفة بمعنى الزلزلة، وسميت بذلك لإحداثها الاضطراب والزلزلة في المجتمع وفي قلوب الناس، والمرجفون: هم الذين يثيرون الشائعات الكاذبة، ويطلقون الأراجيف المصطنعة، ليشغلوا الناس بها، ويفسدوا عليهم حياتهم، وذلك أن ناسًا منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله يوقعون في الناس أنهم قتلوا وهزموا، ومن الكذب الذي كان يذيعه أهل النفاق أيضًا: قد أتاكم العدو بعدد وعدة، فيخوفون ويرهبون من الأعداء، ويحدثون بكثرتهم وقوتهم، وضعف المسلمين؛ فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين؛ لتضعف قلوبهم ويحزنوا، ويحبون أن يفشوا الأخبار87.

    وتمثل الإشاعة طريقًا مضمونًا لتحقيق الهزيمة النفسية؛ لأنها سريعة الانتشار، وتصادف أناسًا جهالًا، ونفوسًا مريضة يرددونها دون تفكير؛ فيذيعون كل ضار ومفسد، لذلك يستعملها الأعداء دومًا في توهين جانب المسلمين، وإظهار تفوق المشركين وغلبتهم عليهم، والإشاعة تنشر القلق والخوف والاضطراب، وتضعف من معنويات الجماعة مما يسهل هزيمتهم، وانتصار الأعداء عليهم، وتقتل فيهم روح الإقدام88.

    فكان جزاؤهم أينما ثقفوا ووجدوا أخذوا بالضرب والتنكيل والاحتقار، ولا غرابة في ذلك، فالأمم الحديثة الآن لا تعرف الرحمة مع الجواسيس والخارجين على الدولة الذين يطعنون من الخلف، ويتعاونون مع العدو مع تظاهرهم بالإخلاص، وتلك سنة الله مع المنافقين وأصحاب الإشاعات في كل زمن. 89

    سادسًا: ضرب القرآن المثل بأن نفاذ الصبر والشك واستبطاء وعد الله دليل على الهزيمة النفسية، وقد تحدث القرآن عن ذلك في قصة موسى وبني إسرائيل، حيث وصل قلقهم وخوفهم إلى حد لم يصبروا معه؛ فاشتكوا واستبطؤوا النصر، وكانت نفسيتهم منهزمة متأثرة بالريبة والشك.

    قال تعالى: ( ) [الأعراف:١٢٩].

    فكان استبطاؤهم للنصر بقولهم: متى يكون ما وعدتنا به يا موسى من زوال ما نحن فيه؛ فجزعوا ولم يصبروا على هذا البلاء الذي أخذهم فرعون به، وألقوا اللوم والسخط على موسى90.

    وتلك هي طبيعة الانهزاميين: فلقد كان ردهم يدلُّ على سفاهتهم، فقد قالوا له: نحن لم نستفد من رسالتك شيئا، فإلى متى نسمع منك تلك النصائح التي لا جدوى من ورائها؟91.

    سابعًا: أعطى القرآن حلًّا واقعيًّا يعالج مشكلة الهزيمة النفسية، وهو الحث على التحلي بروح الثقة بالله والاستعانة به على ما يعتري الإنسان من خواطر نفسية، فدعا إلى التأسي بالعباد المؤمنين الذين ينظرون إلى ما عند الله، وإلى الدار الآخرة فلا تنكسر نفسياتهم، ولا تنال منهم الهزيمة.

    قال تعالى: ( ﯠﯡ ) [طه:٧٢].

    قالوا لفرعون: إن ما توعدنا به غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا الفانية، وكلَّ ما تصنعه أو تحكم به ينقضي ويزول ولا يضرنا، ولا رغبة لنا في البقاء فيها، بخلاف عذاب الله لمن استمر على كفره فإنه دائم عظيم، وإنَّ أمرك وسلطانك في هذه الحياة الدنيا سيزول عن قريب، ونحن نرغب في سكنى الدار الدائمة، بسبب موتنا على الإيمان، وذلك من ثباتهم على الإيمان، وعدم مبالاتهم بتهديد فرعون ووعيده رغبة فيما عند الله92.

    استخدام الدعاية والإشاعة في الحرب النفسية، كالتي يشنها الأعداء على الأمة اليوم، فهي لها أثر كبير في تحقيق الهزيمة بها، وبأقل الخسائر في الأرواح والمعدات، وهي تجرد الأمة من أثمن ما لديها وهي الإرادة القتالية، فهي تستهدف العقل والتفكير والقلب والعواطف؛ لكي تحطم الروح المعنوية لدى أبنائها، وقد بلغ من تأثير الحرب النفسية أنَّ كثيرًا من الأمم استسلمت لأعدائها قبل أن تطلق جيوشها طلقة واحدة، ومن أعظم الدروس التي تستخلص من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صراعه مع الأعداء، هو استخدام العامل النفسي في الصراع لتحقيق الأهداف الإستراتيجية، فمن بين ثمانٍ وعشرين غزوة قادها بنفسه، نجد تسع عشرة غزوة حققت أهدافها بلا قتال، إذ فَرَّ الأعداء تحسبًا لنتائج مواجهة قوة المسلمين.

    آثار الهزيمة

    الهزيمة إذا وقعت في قوم وحلت بهم، فإنَّ لها ما بعدها من الآثار المدمرة على حياتهم ومعيشتهم ومعنوياتهم ونفسياتهم، فالهزيمة العسكرية لا بد أن تكون درسًا تعليميًّا يتخذ منه العبر؛ لتلافي الأخطاء التي حصلت في المستقبل؛ فتصير هذه الهزيمة عبارة عن كرة من الكرات تؤدي مستقبلًا إلى النصر والظفر، أما إذا كانت هزيمة مكنت العدو من الأرض ومن نفسية الإنسان وعقله، فإن آثارها أكبر وأعظم، وتؤدي إلى النهاية والاستئصال، وتورث في عقليات أصحابها الذلة والخنوع والهوان، وعدم السعي للتغيير.

    لكنَّ القرآن الكريم عندما نزلت الهزيمة بالمسلمين، أراد لهم التعلم والاستفادة من أخطائهم التي وقعوا فيها، وحذَّرهم من مغبة الركون إلى اليأس والقنوط من تحقيق وعد الله لهم، وهذا ما سيظهر لنا من خلال دراستنا لهذا المبحث الذي يبين آثار الهزيمة في القرآن، وما هي معالجات القرآن لها بشكل موجز، يتضمن العديد من الفوائد.

    ومن تلك الآثار:

  1. الشعور بالغمِّ خلال المعركة وبعدها.

    قال تعالى: ( ﯠﯡ ) [آل عمران:١٥٣].

    الغمُّ الأول هو أنهم غموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخالفة أمره، فجزاهم الله بذلك الغمَّ الثاني وهو القتل والهزيمة عقوبةً لهم على مخالفتهم، فصاروا مغمومين بعد ذلك لِمَا أصابهم من القتل والهزيمة، ولفوت الغنيمة عنهم93.

  2. الندم على التقصير في الإعداد لمتطلبات النصر قبل المعركة أو داخلها.

    فالناس في كل زمان يعيشون في الأحلام والخيالات، فهم ينتظرون النصر منحة إلهية خالصة للمؤمنين، دون أن يقوموا بواجباتهم ويعملوا بما تقتضيه متطلبات الحروب مع العدو، فهم المكلفون من الخلق بالجهاد وحمل الأمانة، فإذا جاهدوا وصبروا وثبتوا أيدتهم العناية الإلهية، وتحقق لهم النصر والفوز، والله صادق الوعد بنصر المؤمنين ما داموا على الحق ثابتين، وفي ميدان المعارك مجاهدين صابرين مطيعين، متوحدين غير متفرقين، وأما الجبن والضعف والتفرق، والنزاع والأطماع الدنيوية فهي أسباب الخذلان والهزيمة المنكرة، وتورث بعد ذلك الندم على ما فات، ولقد صور القرآن الكريم ذلك في معركة أحد، ففي بداية المعركة صدق الله وعده للمؤمنين، وأراهم الفتح حين صرع صاحب لواء المشركين وقتل معه سبعة نفر، وولى المشركون الأدبار، وتركوا أموالهم وهربوا، فلما عصى المسلمون وخالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالثبات على الجبل، واشتغلوا بالغنيمة أعقبهم البلاء، وأدى بهم إلى الجراح والقتل والهزيمة والفرار، فتحصلوا على الندم بعد المعركة على تقصيرهم، ولكن هيهات أن يرجع الماضي 94.

  3. الخزي.

    قال تعالى: ( ) [التوبة:١٤].

    و«الإخزاء: الإذلال، ويكون بالقهر والأسر والفقر لمن لم يقتل منهم»95، فقوله تعالى () يعني: «يذلهم بالهزيمة؛ لأن الله تعالى قد وعد المؤمنين على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أن يعذب الكفار بأيديهم ويخزهم وينصرهم عليهم، فأنجز وعده ولم يظهر خلاف ما وعد لهم»96.

    وقال الإمام الرازي في تفسيره: «إنَّ الإخزاء واقعٌ بهم في الدنيا، ومعناه: ما ينزل بهم من الذل والهوان حيث شاهدوا أنفسهم مقهورين في أيدي المؤمنين ذليلين مهينين؛ فلما حصل الخزي لهم بسبب كونهم مقهورين فقد حصل النصر للمسلمين بسبب كونهم قاهرين»97.

    معالجة القرآن لآثار الهزيمة النفسية:

    لكننا نجد أن القرآن قد عالج آثار الهزيمة التي حدثت فور وقوعها، حتى لا تتفشى في نفسيات الناس وعقولهم، وحافظ على رفع الروح المعنوية، وأعطى الدعم النفسي، وهيأ الناس لمواجهات قادمة، بتجديد الروح والعزيمة لديهم، وتعميق ثقتهم بدينهم ونبيهم، وبتحقيق وعد الله لهم بالنصر على أعدائهم فقال: ( ﯝﯞ ) [آل عمران:١٣٩-١٤٠].

    ومن تلك المعالجات:

  1. النعاس.

    من معالجات القرآن الكريم لآثار الهزيمة في معركة أحد، ما ألقاه عليهم من النعاس أو النوم بعد هذا الغم الذي أصابهم؛ ليشعرهم بالأمن، وليجددوا عزائمهم، وترتاح نفوسهم من بعد هذه الهزيمة.

    قال تعالى: ( ) [آل عمران:١٥٤].

    وقوله: ( ) [آل عمران:١٥٢].

    فيها إشعارٌ بالهدف الأسمى، وهو أخذ الدرس والعبرة، حتى وإن حصلت المخالفة والذنوب، فالهدف أننا نريد أناسًا عمليين، يخطئون فيتعلمون من أخطائهم، وليس كما يفعل اليوم بالإقصاء والتغيير، وإعفاء من المهمات، بل إن الأخطاء تعطي هذا الجندي أو القائد حنكة وتجربة يكتسبها ويتعلمها من أخطائه، فيجعل الله على يديه نصرًا في معارك أكبر وذات شأن، فالمصاعب والشدائد هي التي تصقل الرجال، وتخرج المقاتلين98.

  2. إنزال السكينة.

    من معالجات القرآن الكريم لآثار الهزيمة في غزوة حنين بعد الفرار والتولي، هو إنزال السكينة عليهم بعد الذي أصابهم، فقد أحاط بهم العدو، وأوقع في صفوفهم الفوضى والاضطراب، وهذا الأمر يسلم إلى الهزيمة التي لا مفر منها، فما كان للمسلمين أن يفروا بأي حال كانوا عليه، وعلى أي تقدير يقدرونه لنتائج المعركة، فلتكن الهزيمة واقعة بهم، ولكن الذي كان يجب ألا يكون منهم، هو الفرار، فهذا أمر لا يصح أن يقع من المسلمين في ميدان القتال، والله يقول: ( ﯶﯷ ) [الأنفال:١٥-١٦].

    فأي مسلم هذا الذي تحدثه نفسه بالفرار من المعركة، وهو يعلم حكم الله فيمن يفر ويولى العدو دبره، ولكن الذي حدث هو أن المسلمين فروا وولوا الأدبار، ومن هنا كان هذا الأمر منهم حدثًا غريبًا، ما كان ينبغي أن يكون في ميدان القتال، لكن معالجة القرآن الكريم لهذه الهزيمة، إذ أنزل الله سكينته عليهم، ونزع ما كان قد استولى على قلوبهم من خوف وهلع، وأمدهم بجنود من عنده كانوا ردءًا لهم، ويدًا قوية ضاربة معهم، فكان لهم النصر والظفر99.

  3. التحذير من الإشاعات والأراجيف.

    قال تعالى: ( ) [آل عمران:١٤٩].

    تصور الآية ما حدث بعد معركة أحد من بلبلة في الأفكار وإرجاف من المشركين، فلقد انتهز المنافقون والكفار واليهود جميعًا ما أصاب المسلمين من الهزيمة، وأخذوا يثبطون من عزائمهم، ويخوفونهم عاقبة السير مع محمد صلى الله عليه وسلم، ويصورون لهم مخاوف الحرب ضد مشركي قريش وحلفائهم، وإشاعة عدم الثقة في القيادة، وتزيين الانسحاب من المعركة، ولا شك أنَّ أصلح الأجواء لبلبلة النفوس هو جوُّ الهزيمة.

    فانظر إلى هذه الحكمة البالغة في النهي عن الإنصات لهذه الفئات، بل وينهاهم عن متابعة الكفار والمنافقين في أمر ولو كان صغيرًا، والمعنى: إن تطيعوا أعداء الله الذين أرجفوا يوم أحد وقالوا: إنَّ محمدًا قد قتل، وإنه لو كان رسولًا حقًّا لما هزم، فإنهم سيطلبون إليكم أن ترجعوا إلى الدين الذي كنتم عليه، وبذلك تخسرون الدنيا والآخرة، وأيُّ خسارة أشد من الارتداد عن الإيمان إلى الكفر100.

    ولقد امتن الله على عباده المؤمنين بحفظهم من شَرِّ هذا السلوك الشائن من بعض المنافقين وضعفاء الإيمان، حيث رحمهم بالحفظ من تصديق ما يذيعه الأعداء وضعاف الإيمان وذوو الغفلة، فلولا هذا الفضل وتلك الرحمة مِنَ الله بهذه الأمة؛ لضل الكثير من أبنائها باتباع سبيل الشيطان، ولكان مصيرها الضياع والانهزام، وضعف الثقة في النفوس، لكن هناك قلة امتازوا من المسلمين بقوة العزيمة، وثبات الإيمان، فإنهم هم الذين يكونون بمنجاة من التأثر بهذه الأخبار، فلا يصدقونها ولا يذيعونها101.

    قال تعالى: ( ﮒﮓ ﮟﮠ ) [النساء:٨٣].

    وقد أضافت هذه الآية معنىً جديدًا وهو: كتمان أخبار القتال، وصيانة أسراره، فطبيعة الجهاد تقتضي كتمان أخبار القتال وصيانة أسراره إذا ما أريد له النجاح، وبخاصة ما يستفيد منها الأعداء، ومن أخطر الأمور التي تضر بالمسلمين وبجيشهم المقاتل؛ إذاعة ما يسمعه المرء من أخبار النصر أو الهزيمة، قبل أن يعرضه على أولي الأمر، فإنهم أعلم بما إذا كان إفشاء هذه الأخبار مما يضرُّ الصالح العامَّ أم لا.

    فيجب على الناس أن يسوسوا أنفسهم، ويروضوها على صيانة أخبار أمن الدولة، وكل ما يتعلق بالجانب العسكري من معلومات، ذلك لأن إفشاء أخبار الدولة، يسهل للعدوِ مهمة التجسس، ومعرفة مواطن الضعف والقوة لدى المسلمين، ويكشف عن عيوبهم، ويستوي في ذلك الأخبار المتعلقة بالنصر أو الهزيمة؛ لأن أخبار النصر قد تؤدي إلى التواكل والإهمال؛ فلا يأخذ المسلمون حذرهم، وبهذا يكونون فريسة سهلة لأعدائهم، وأخبار الهزيمة تلقي الرعب في قلوب ضعفاء الإيمان؛ فتنهار الروح المعنوية، ولا يستطيع الجيش ملاقاة الأعداء102، لذلك حذر القرآن منهم، وسماهم منافقين ومرجفين.

    قال تعالى: ( ) [الأحزاب:٦٠].

  4. تقوية الجبهة الداخلية.

    قال تعالى: ( ﯭﯮ ) [الحشر:٣].

    فلقد كانت لغزوة أحد التي هزم فيها جيش المسلمين، أثر عميق في نفوس المنافقين واليهود والكفار من قبائل العرب؛ مما كان سببًا في حوادث تتابعت كيوم الرجيع، (وفيه قتلت هذيل عاصمًا في سبعة نفر من خيار الصحابة وأسرت ثلاثة قتلت منهم واحدًا في الطريق، وباعت اثنين لقريش فقتلوهما)، وقد ذكر البخاري في صحيحه القصة كاملة103، وكيوم بئر معونة، (وفيه قتل من المسلمين أربعون غيلةً)، ووجد المنافقون واليهود فيما أصاب المسلمين في بئر معونة والرجيع وغزوة أحد ما شجعهم على الانتقاص من هيبة محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه، وفكر النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا في هذا الأمر، فذهب إلى يهود بني النضير وأجلاهم عن المدينة، فعمل بذلك على تقوية الجبهة الداخلية، حتى لا يكون هناك خلاف في وجهة النظر في المدينة وما حواليها104.

    ونهي عن التودد للكفار وموالاتهم حتى في حالات الضعف والانهزام، بل حرم ذلك أشد التحريم.

    قال تعالى: ( ) [المائدة:٥١].

    وقال في موضع آخر: ( ) [المجادلة:٢٢].

    حتى ولو كانت الموادة بحجة النفع العام، أو تحقيق المصالح للمسلمين.

    قال تعالى: ( ) [المائدة:٥٢].

    فقال لهم: إذا ما حدثتكم أنفسكم بأنه قد يترتب على الميل إليهم قدرٌ من الحماية والنصر (وهذا ما يفعله بعض حكام المسلمين مع أميركا في الوقت الحاضر)؛ فاعلموا أن ذلك وهمٌ خادع، واعلموا أن الله مولاكم، وهو ناصركم ومعينكم وحاميكم، فلا تطلبوا منهم نصرة، بل لا تستسلموا لهم، ولا تعينوهم على إخوانكم105.

    بهذا السرد الموجز يظهر لنا أن القرآن كتاب هداية وإرشاد وتوجيه، فقد وضع معالجاتٍ قيمةً لآثار الهزيمة، تصحُّ أن يؤلف منها المصنفات في علم الحروب العسكرية والسياسية، وضوابط تُنَظِّمُ الدول وتسوس الجند، وترعى الناس في الأزمات والنكبات.


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/٥١، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٦٠٨.

2 المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد ١/٢٩٦، الصحاح، الجوهري ٥/٣٣٦.

3 انظر: شمس العلوم، نشوان الحميري ١٠/٦٩٢٧، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ١٥٠٩، تاج العروس، الزبيدي ٣٤/٩٢.

4 المنجد في اللغة، علي بن الحسن الأزدي ص ٣٥٥، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ١٥٠٩.

5 المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد ١/٢٩٦.

6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٧٣٧، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الهاء ص١٣٧٥.

7 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٥/٣٢٤، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٤/٢٥١.

8 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٥/٤٠٥.

9 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٨٨٧.

10 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٢١٦.

11 انظر: موسوعة نضرة النعيم في الحاشية ١، ٩/٤٣٠٨.

12 انظر: روح المعاني، الألوسي ١/٣٥١، التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/٢١٧.

13 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٣/٨٣، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٥/٥٣١، شمس العلوم، الحميري ٨/٤٩٩٢، لسان العرب، ابن منظور ١/٦٥١، المصباح المنير، الفيومي ٢/٤٥٠.

14 الصحاح، الجوهري ٢/٣٤٤.

15 لسان العرب، ابن منظور ٥/٥٠.

16 المخصص، ابن سيده ٢/٥٠.

17 المصدر السابق ٣/٣٥٨.

18 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/١٩٤.

19 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣٩٢، لباب التأويل، الخازن ٢/١١٩، التفسير المنير، وهبة الزحيلي ٤/١١٨، التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٣/١٢٠٢.

20 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٥٣٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٠٨.

21 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٦٣٣، تفسير القرآن، السمعاني ٤/١٨١.

22 السيرة النبوية، ابن هشام ٣/٢١٥.

23 انظر: التيسير في أحاديث التفسير، محمد المكي الناصري ١/٢٧٧، التفسير المنير، وهبة الزحيلي ٤/١٣١.

24 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٢٨٦، تفسير ابن أبي حاتم ٣/٧٨٨، الكشف والبيان الثعلبي ٥/٥٠١، الدر المنثور، السيوطي ٤/٧١.

25 انظر: تفسير القرآن، ابن المنذر النيسابوري ٢/٤٤٥، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٥٥٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٣٦.

26 انظر: أيسر التفاسير، أسعد حومد ص ٤٥٨.

27 انظر: التفسير المنير، وهبة الزحيلي ٤/١٣٣.

28 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٣/٧٩٢.

29 انظر: نظم الدرر ٤/٩٣.

30 الكشاف، الزمخشري ٢/٤٧٩، لباب التأويل، الخازن ٣/٣٢٠.

31 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٢٢.

32 جامع البيان، الطبري ١٠/٤٩٦.

33 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١١/٥٣٢.

34 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢٥٤.

35 البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٢٧٦.

36 تفسير السمرقندي ١/١٦٤.

37 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب عدة أصحاب بدر، ٤/١٤٥٧، رقم ٣٧٤٠.

38 حقائق التفسير، أبو عبد الرحمن السلمي ١/٢٧٢.

39 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٥/٧٢٦.

40 تفسير الشيخ المراغي ٤/٩٣.

41 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٥/٣٢٣، تفسير الشعراوي ٣/١٧١٠.

42 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٧/٢٥٦، الوسيط، الواحدي ٣/٤٠٤.

43 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٥٦.

44 انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي ٢/١٠٢.

45 انظر: لباب التأويل، الخازن ٣/٣٩، روح المعاني، الألوسي ٧/١٠٣.

46 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٥٦، التيسير في أحاديث التفسير، محمد المكي الناصري ٦/٢٣٦.

47 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٢/٥٢٣، بيان المعاني، العاني ٥/٤٢٤، التيسير في أحاديث التفسير، محمد المكي الناصري ١/٢٧٧.

48 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٢/٧٩٤.

49 انظر: التيسير في أحاديث التفسير، محمد المكي الناصري ١/٢٧٧، التفسير المنير، وهبة الزحيلي ٤/١٣٠.

50 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٥٦.

51 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٤٩، فتح البيان، صديق خان ٥/٣١٤.

52 أسباب النزول، الواحدي ص٢٥٢.

53 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٣/١٧١٤.

54 نظم الدرر، البقاعي ٦/١٨٨.

55 الوسيط، الواحدي ٣/٤٦٣.

56 السراج المنير، الشربيني ١/٢٠٨.

57 المصدر السابق.

58 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٣٩.

59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣١٧.

60 نظم الدرر، البقاعي ١٨/٢٤٨.

61 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٢٨٩، الكشف والبيان، الثعلبي ٣/٤٩٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٢٨، التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٢/٢٩٨.

62 انظر: تيسيرالتفسير، إبراهيم القطان ١/٢٢٩.

63 انظر: العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير، ٥/٨١.

64 التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ١/٤٢٣.

65 انظر: التيسير في أحاديث التفسير، محمد المكي الناصري ١/١٦٢.

66 انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي ١/٣٣٠، بيان المعاني، العاني ٥/٤٢٣، التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٢/٣٢٨.

67 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٤٣٤، السراج المنير، الشربيني ١/٢٠٦، أيسر التفاسير، أسعد حومد ص٤٥٩.

68 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ١/١٩٤، التفسير الواضح، محمد محمود حجازي ١/١٦٤، التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ١/٥٧٧.

69 انظر:المنار، محمد رشيد رضا ٢/٣٨٩، تفسير الشعراوي ٢/١٠٥٧.

70 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٦/٨٠٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٨، التفسير الواضح، محمد محمود حجازي ٣/٥٧٦.

71 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٣٧٥، لباب التأويل، الخازن ٤/٢٢١، نظم الدرر، البقاعي ١٩/٩٣، البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٥٣٤.

72 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٢٧/٩٨، تفسير الشعراوي ٢/١٢٩٦، التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ١٤/١١٩.

73 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٢١٣.

74 انظر: التيسير في أحاديث التفسير، محمد المكي الناصري ٢/٣٤٦.

75 انظر: المصدر السابق ٢/٣٤٥.

76 تفسير مقاتل بن سليمان ١/٢٠٨.

77 انظر: التفسير الواضح، محمد محمود حجازي ١/١٦٤.

78 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٢/٢١٧، أيسر التفاسير، الجزائري ١/٢٣٨.

79 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١/٣١٠.

80 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٢٤.

81 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٢١٩، تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١٠/٤٤، تفسير الشعراوي ٦/٣٣١٣.

82 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٥/٦٤٦، التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٦/١٣٥.

83 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٠/٣٥، في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٤٣٥.

84 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٠٢.

85 انظر: التفسير الواضح، محمد محمود حجازي ١/٥٠٢.

86 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٢٨.

87 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ١٠/٣١٥٥، الكشف والبيان، الثعلبي ٨/٦٤.

88 انظر: التفسير المنير، وهبة الزحيلي ٢٢/١١٢.

89 انظر: التفسير الواضح، محمد محمود حجازي ٣/١١٨.

90 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٢/٢٥٠، لباب التأويل، الخازن ٢/٢٧٤، نظم الدرر، البقاعي ٣/٨٨.

91 التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٥/٣٥٤.

92 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٣/٣٤٢، أضواء البيان، الشنقيطي ٢١/١٢٧.

93 لباب التأويل، الخازن ١/٤٣٤.

94 انظر: التفسير المنير، وهبة الزحيلي ٤/١٣١.

95 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٠/٦٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/١٣٥.

96 تفسير السمرقندي ٢/٤٢.

97 مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/٦.

98 انظر: التفسير المنير، وهبة الزحيلي ٤/١٣١.

99 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٥/٧٣٠.

100 انظر: تيسيرالتفسير، القطان ١/٢٢٨.

101 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٢/٨٦٤.

102 انظر: التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ٢/٨٦٣.

103 أخرجها البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت وخبيب وأصحابه، رقم ٣٨٥٨، ٤/١٤٩٩.

104 انظر: التفسير الواضح، محمد محمود حجازي ٣/٦٤٢.

105 انظر: تيسيرالتفسير، القطان ١/٢٢٨.