عناصر الموضوع
الهداية
أولًا: المعنى اللغوي:
الهداية: من الفعل هدى، والهدى نقيض الضلالة1، وهي بمعنى الرشاد والدلالة2، و الهداية: دلالة بلطفٍ3، يقال: هديته الطريق هداية، أي: تقدمته لأرشده، وكل متقدم لذلك هادٍ، تقول: هديته هدىً، والهادية: العصا، لأنها تقول ممسكها كأنها ترشده، ومن الباب قولهم: نظر فلان هدي أمره، أي: جهته، وما أحسن هديته، أي: هديه، ويقولون: جاء فلان يهادى بين اثنين، إذا كان يمشي بينهما معتمدًا عليهما، والهدية ما أهديت من لطفٍ: أي: ذي مودة، ويقال: أهديت أهدي إهداءً، والهدي: ما يهدى من النعم إلى الحرم قربة إلى الله تعالى4، ويقال: هدي فاهتدى، ويقال: هديت إلى الحق، وهديت للحق بمعنى واحد؛ لأن هديت يتعدى للمهديين، والحق يتعدى بحرف جر، والمعنى: الله يهدي من يشاء إلى الحق.
والهدى: البيان، أو إخراج شيء إلى شيء، أو الطاعة والورع.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يختلف المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي كثيرًا، فقد قال الجرجاني: «الهداية في الاصطلاح: الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب، وقد يقال: هي سلوك طريق يوصل إلى المطلوب »5.
وقيل: إن الهداية عند أهل الحق هي الدلالة على طريق من شأنه الإيصال، سواء حصل الوصول بالفعل في وقت الاهتداء، أو لم يحصل6.
ويلاحظ أن تعريف الجرجاني أدق، وأشمل؛ لأنه لا بد من حصول المطلوب سواء كانت الهداية طريقًا للدلالة إلى الخير، أو إلى غيره، كما أن الكافرين يهدون إلى سواء الجحيم.
وردت مادة (هدي) في القرآن الكريم(٣١٦) مرة، يخص موضوع البحث منها (٣٠٧) مرات7.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٥٥ |
(ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [البقرة:١٤٣] |
الفعل المضارع |
١٢٦ |
(ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [النساء:٨٨] |
فعل الأمر |
٣ |
(ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الفاتحة:٦] |
اسم الفاعل |
٣١ |
( ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الرعد:٧] |
المصدر |
٨٥ |
(ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [البقرة:٢] |
أفعل التفضيل |
٧ |
(ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [النساء:٥١] |
وجاءت الهداية في الاستعمال القرآني على أربعة عشر وجهًا8:
الأول: البيان: ومنه قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [البقرة:٥]. أي: بيانٍ من ربهم.
الثاني: دين الإسلام: ومنه قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الحج: ٦٧]. يعني: على دين الإسلام.
الثالث: الإيمان والتوحيد: ومنه قوله تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [مريم: ٧٦]. يعني: يزيد الذين آمنوا إيمانًا، وقوله: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [القصص: ٥٧]. يعني: التوحيد.
الرابع: الداعي: ومنه قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الرعد: ٧]. يعني: داعٍ.
الخامس: المعرفة: ومنه قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [النحل:١٦]. يعني: يعرفون السبيل.
السادس: الرسل والكتب: ومنه قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [طه: ١٢٣]. يعني: رسلًا وكتبًا.
السابع: الرشد: ومنه قوله تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [القصص: ٢٢]. يعني: أن يرشدني.
الثامن: القرآن: ومنه قوله تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [النجم: ٢٣]. يعني: القرآن.
التاسع: التوراة: ومنه قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [غافر: ٥٣]. يعني: التوراة.
العاشر: لا يوفق إلى الحجة ولا يهدي من الضلال: ومنه قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [البقرة: ٢٥٨]. يعني: لا يهدي إلى الحجة.
الحادي عشر: السنة: ومنه قوله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الزخرف: ٢٢]. يعني: مقتدون مستنون بسنتهم.
الثاني عشر: لا يهدي: لا يصلح: ومنه قوله تعالى: (ﭐﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [يوسف: ٥٢]. يعني: لا يصلح عمل الزناة.
الثالث عشر: الإلهام: ومنه قوله تعالى: (ﭐﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [طه: ٥٠]. يعني: ثم ألهمه كيف يأتي معيشته ومرعاه.
الرابع عشر: هدنا يعني: تبنا: ومنه قول موسى عليه السلام: (ﭐﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف: ١٥٦]. يعني: تبنا إليك.
الصلاح:
الصلاح لغة:
مأخوذ من الفعل (صلح)، والصلاح ضد الفساد9.
الصلاح اصطلاحًا:
استقامة الحال وانعدالها، وهو مما يفعله العبد لنفسه10. وهو معنى عام يشمل استواء الخلق والخلق والاستقامة على ما توجبه الشريعة، وحصوله على الحالة المستقيمة النافعة.
الصلة بين الصلاح والهداية:
الهداية: هي سلوك طريق يوصل إلى المطلوب، والصلاح: سلوك طريق الهدى، والصلاح أيضًا: استقامة الحال وهو مما يفعله العبد لنفسه، ويكون بفعل الله له لطفًا وتوفيقًا11، وبذلك يتبين أن الهداية والصلاح متلازمتان.
الإرشاد:
الإرشاد لغة:
الرشد يستعمل استعمال الهداية، وهو خلاف الغي12، والضلال. يقال: أرشده الله الأمر، أي: هداه، والرشد هو الصلاح13.
الإرشاد اصطلاحًا:
الإرشاد إلى الشيء هو التطريق إليه والتبيين له14.
الصلة بين الهداية والإرشاد:
أن الإرشاد إلى الشيء هو التطريق إليه والتبيين له، والهداية هي التمكن من الوصول إليه15.
السداد:
السداد لغة:
الاستقامة16، وقيل: هو الصواب والقصد في القول والعمل17، والصواب حقُّ مَنْ يعمل عليه أن ينجو، وحق من يعمل على خلافه أن يهلك18.
السداد اصطلاحًا:
هو القصد في الأمر والعدل فيه 19.
الصلة بين الهداية والسداد:
التسديد للحق لا يكون إلا مع طلب الحق، فأما مع الإعراض عنه والتشاغل بغيره فلا يصح20، وهذا يعني أن التسديد للهداية لا يكون إلا بطلب الهداية، فالسداد طريق الهداية21.
الضلال:
الضلال لغة:
مصدر (ضلَّ)، والذي يعني الضياع والذهاب والغياب، وكل من زاغ عن المطلوب والقصد يسمى (ضالًّا)، و(يضل ويضل) لغتان عند العرب22.
الضلال اصطلاحًا:
كل عدول عن المنهج عمدًا أو سهوًا، قليلًا كان أو كثيرًا، فهو ضلال23.
وقيل: هو العدول عن الصراط المستقيم، وهو ضد الهداية24.
الصلة بين الهداية والضلال:
الهداية نقيض الضلال، فالهداية: سلوك طريق يوصل إلى المطلوب25.
اقتران الهداية في القرآن الكريم بعدة أشياء، منها: الرحمة، والنور، والموعظة، والبشرى، والشفاء، والذكرى في القرآن.
لقد اقترنت الهداية بالرحمة لوحدها في اثني عشر موضعًا في القرآن الكريم، منها تسعة مواضع في وصف القرآن، وثلاثة في وصف التوراة.
أما المواضع التي فيها وصف القرآن:
الأول: قوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ) [الأنعام: ١٥٧].
ومعنى بينة: القرآن، وما جاء به الرسول، فإن قيل: البينة والهدى واحد، فما الفائدة من التكرير؟، قلنا: القرآن بينة فيما يعلم سمعًا، وهو هدى فيما يعلم سمعًا وعقلًا، فلما اختلفت الفائدة صح هذا العطف، ومعنى رحمة: أي نعمة في الدين26.
الثاني: قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الأعراف: ٥٢].
يعني: أن القرآن جعل هدى لقوم مخصوصين، والمراد أنهم الذين اهتدوا بهدية27.
الثالث: قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الأعراف: ٢٠٣].
في الآية السابقة ذكر الله سبحانه وتعالى في وصف القرآن ألفاظًا ثلاثة:
أولها: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ)، فأصل البصيرة الإبصار، ولما كان القرآن سببًا لبصائر العقول في دلائل التوحيد والنبوة والمعاد أطلق عليه لفظ البصيرة؛ تسمية للسبب باسم المسبب.
ثانيهما: قوله: (ﯔ)، والفرق بين هذه المرتبة وما قبلها أن الناس في معارف التوحيد والنبوة قسمان:
أحدهما: الذين بلغوا في هذه المعارف إن شهدوها ولم يشاهدوها فهم أصحاب حق اليقين، وإن شهدوها وشاهدوها فهم أصحاب عين اليقين.
والثاني: الذين ما بلغوا إلى ذلك الحد إلا أنهم وصلوا إلى درجات المستدلين، وهم أصحاب علم اليقين، فالقرآن في حق الأولين، وهم السابقون بصائر، وفي حق القسم الثاني وهم المقتصدون هدى، وفي حق عامة المؤمنين رحمة، ولما كانت الفرق الثلاث من المؤمنين قال تعالى: (ﯖ ﯗ) 28.
الرابع: قوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [يونس: ٥٧].
المعنى في قوله: (ﮍ ﮎ ﮏ)، أي: تحصل به الهداية، والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به، والمصدقين الموقنين بما فيه29، وهذا يعني أن قلوبهم تهتدي بالقرآن إلى الرشاد والسداد، والرحمة من رب العباد في هذه الحياة الدنيا، ويوم المعاد.
الخامس: قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [يوسف: ١١١].
يبين الله تعالى معنى: (ﯔ)، أي: أن القرآن الكريم بيان ورشاد لمن جهل سبيل الحق فعمي عنه إذا اتبعه فاهتدى به من ضلالته، ومعنى: (ﮎ)، أي: لمن آمن به، وعمل بما فيه30.
السادس: قوله تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [النحل: ٦٤].
وصف الله تعالى القرآن بكونه (ﭗ ﭘ ﰍ ﰎ)، لا ينفي كونه هدى للناس كذلك في حق الكل، وإنما خَصَّ المؤمنين بالذكر من حيث إنهم قبلوه فانتفعوا به 31.
السابع: قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [النمل: ٧٧].
أي: وإن القرآن لهدى، ورحمة لمن آمن به، وتابع رسوله، وخص المؤمنين؛ لأنهم المنتفعون به، ومن جملتهم من آمن من بني إسرائيل32.
الثامن: قوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ) [لقمان: ٣].
لما ذكر الله سبحانه أن القرآن هدى ولم يذكر شيئًا آخر في سورة البقرة قال: (ﭚ ﭛ) [البقرة: ٢].
أي: يهتدي به من ينفي الشرك والعناد والتعصب، وينظر فيه من غير عناد، ولما زاد في هذه الآية: (ﭚ)، أي: المتقين الشرك والعناد ذكر الإحسان، فالمحسن هو الآتي بالإيمان، والمتقي هو التارك للكفر، فمن جانب الكفر كان متقيًا، وله الجنة، ومن أتى بحقيقة الإيمان كان محسنًا، وله الزيادة؛ لقوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ) [يونس: ٢٦]؛ ولأنه تعالى ذكر أنه رحمة قال: (ﭚ)؛ لأن رحمة الله قريب من المحسنين33.
التاسع: قوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الجاثية: ٢٠].
أي: هذا الكتاب الذي أنزل إليك يا محمد (ﭗ)، يعني رشاد، (ﭘ ﰍ ﰎ)، بحقيقة صحة هذا القرآن، وأنه تنزيل من العزيز الحكيم، وخَصَّ جل ثناؤه الموقنين بأنه لهم بصائر، وهدى، ورحمة؛ لأنهم الذين انتفعوا به34.
وأما المواضع الثلاثة التي فيها وصف التوراة:
الأول: قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الأنعام: ١٥٤].
ومعنى الهدى: الدلالة، والرحمة: النعمة35، وقال ابن جرير: « يقول تعالى ذكره: آتينا موسى الكتاب تمامًا وتفصيلًا لكل شيء (ﯔ): تقويمًا لهم على الصراط المستقيم، وبيانًا لهم سبل الرشاد لئلا يضلوا، (ﭘ)، يقول: ورحمة منا بهم ورأفة؛ لننجيهم من الضلالة وعمى البصيرة »36.
الثاني: قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأعراف: ١٥٤].
فمعنى: (ﭗ)، أي: ما يهتدون به من الأحكام، ومعنى: (ﯕ)، أي: ما يحصل لهم من الله عند عملهم بما فيها من الرحمة الواسعة37.
الثالث: قوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [القصص: ٤٣].
قال الفخر الرازي: « الكتاب هو التوراة، ووصفه الله تعالى بأنه بصائر للناس من حيث يستبصر به في باب الدين، (ﯔ): من حيث يستدل به من إن المتمسك به يفوز بطلبته من الثواب، ووصفه بأنه (ﯶ)؛ لأنه من نعم الله تعالى على من تعبد به »38.
اقترنت الهداية بالبشرى لوحدها في ثلاثة مواضع، وكلها جاءت في وصف القرآن الكريم، على النحو الآتي:
الأول: قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [البقرة: ٩٧].
جاء لفظ الهدى في الآية السابقة وصفًا للقرآن بالمصدر لقصد المبالغة في حصول الهدى به، والبشرى: الإخبار بحصول أمر سار، أو يترقب على حصوله، فالقرآن بشر المؤمنين بأنهم على هدى، وكمال من الله تعالى، وبشرهم بأن الله تعالى سيؤتيهم خيري الدنيا والآخرة39.
فالقرآن الكريم مشتمل على أمرين: أحدهما: بيان ما وقع التكليف به من أعمال القلوب وأعمال الجوارح، وهو من هذا الوجه هدى، وثانيهما: بين ثواب الذي يأتي بهذه الأعمال، وهو من هذا الوجه بشرى، ولما كان الأول مقدمًا على الثاني في الوجود؛ لذلك قدم الله سبحانه الهدى على البشرى40.
الثاني: قوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [النحل: ١٠٢].
أي: إن القرآن يهدي إلى حقائق الأشياء، ويبين لهم الحق من الباطل، والهدى من الضلال، ويبشرهم أنَّ لهم أجرًا حسنًا، ماكثين فيه أبدًا، وأنه كلما نزل منه شيئًا فشيئًا كان أعظم هداية، وبشارة لهم41.
الثالث: قوله تعالى: (ﭙﭚ ﭛ) [النمل: ٢].
هذه الآية تبين أن آيات الكتاب موصوفة بأنها هدى وبشرى، واختلفوا في وجه تخصيص الهدى بالمؤمنين على وجهين: أولهما: المراد أن يهديهم إلى الجنة وبشرى لهم؛ فلهذا اختصَّ به المؤمنون، وثانيهما: المراد بالهدى الدلالة، وفي تخصيصه بالمؤمنين وجوهًا:
أحدها: أنه خَصَّه بالمؤمنين؛ لأنه ذكر الهدى والبشرى، والبشرى إنما تكون للمؤمنين.
وثانيها: أن وجه الاختصاص أنهم تمسكوا به فخصهم بالذكر كقوله تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [النازعات: ٤٥].
وثالثها: المراد من كونها هدى للمؤمنين أنها زائدة في هداهم.
قال تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ) [مريم: ٧٦]42.
ووردت الرحمة والبشرى بعد الهداية في موضع واحد وهو: قوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [النحل: ٨٩].
فالكتاب هو القرآن تبيانًا لكل شيء، ودلالة إلى الحق ورحمة لهم وبشارة لهم بالجنة43، والمعنى: أن القرآن هدى من الضلالة، ورحمة لمن صدق به، وعمل بما فيه من أوامر ونواه، فأحل حلاله وحرم حرامه، وبشارة لمن أطاع الله وخضع له بالتوحيد، وأذعن له بالطاعة، وأن له جزيل الثواب والكرامة في الآخرة44.
وجاء اقتران الهداية بالموعظة في موضعين:
أولهما: قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١٣٨].
أي: زيادة بصيرة، وموعظة لكم، ومدار كونه هدى، وموعظة للمتقين إنما هو تقواهم، ويجوز أن يراد بالمتقين الصائرين إلى التقوى45.
ومعنى البيان: الأيضاح وكشف الحقائق الواقعة، والهدى: الإرشاد إلى ما فيه خير الناس في الحال أو الاستقبال، والموعظة: هي الكلام الذي يلين القلب، ويزجر عن فعل المنهيات، وفيها التحذير والتخويف، وتكون بالترغيب والترهيب46.
والمعنى: أن القرآن بيان وتنبيه للمكذبين، وهو أيضًا تثبيت، وموعظة للذين اتقوا من المؤمنين47.
فالقرآن الكريم جعله الله تعالى بيانًا للناس عامة، وهدى وموعظة للمتقين خاصة48.
والموضع الثاني: في قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المائدة: ٤٦].
أي: أن الله سبحانه وتعالى جعل الإنجيل هدى وموعظة، ولهذا أكثر فيه من المواعظ، والعبر، والقصص، أما الأحكام فغالبها مستمد من التوراة، والموعظة ما تتعظ به القلوب، وهي الأخبار المقرونة بالترغيب والترهيب، وفي الآية دلالة على أن في الإنجيل قبل تحريفه من العلم، والموعظة ما ينتفع به المتقون49.
اقترنت الهداية بالنور في موضعين:
الأول: في وصف التوراة.
قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ) [المائدة: ٤٤].
معنى الهدى: أي: العلم، والنور: أثر نافع يستنير به القلب50، وهذا يعني أن هناك فرقًا بين الهدى والنور، فالهدى محمول على بيان الأحكام والشرائع، والتكاليف، والنور بيان للتوحيد، والنبوة، والمعادن وقيل: إن التوراة فيها بيان الحكم الذي جاؤوا يستفتون فيه النبي صلى الله عليه وسلم، والنور بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم حق51.
الثاني: في وصف الإنجيل.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [المائدة: ٤٦].
أي: أن الإنجيل هدى، بمعنى أنه اشتمل على الدلائل الدالة على التوحيد، والتنزيه، وبراءة الله تعالى من الصاحبة، والولد، والمثل، والضد، وعلى النبوة، وعلى المعاد، وأما كونه نورًا فالمراد به كونه بيانًا للأحكام الشرعية، ولتفاصيل التكاليف52.
وجاءت الذكرى بعد الهداية في قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [غافر: ٥٤].
والمعنى: أن التوراة اشتملت على الهدى والعلم بالأحكام الشرعية، وغيرها، وتذكر بالخير، وترغب فيه، وتذكر أيضًا بالشر، وترهب عنه، وليس ذلك لكل أحد، وإنما هو لأولي الألباب53.
قرنت الهداية بالشفاء في قوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ) [غافر: ٥٤].
فالقرآن كتاب هداية؛ لأنه دليل على الخيرات، ويرشد إلى السعادات، وهو أيضًا شفاء؛ لأنه إذا اهتدى الإنسان فذلك شفاء له من مرض الكفر والجهل54.
اقترنت الهداية بالنور في موضعين:
الأول: في وصف التوراة.
قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ) [الأنعام: ٩١].
والمعنى: أن الكتاب هو التوراة العظيمة جاءت نورًا في ظلمات الجهل، وهدى من الضلالة، وهاديًا إلى الصراط المستقيم علمًا وعملًا، وهو الكتاب الذي شاع وذاع، وملأ ذكره القلوب والأسماع55.
الثاني: في وصف القرآن.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ) [الشورى: ٥٢].
أي: جعلنا الروح الذي أوحيناه إليك يا محمد ضياءً ودليلًا على التوحيد والإيمان، نهدي به من نشاء هدايته من عبادنا، ونرشده إلى الدين الحق56.
جاءت الهداية مقترنة بالبركة في موضع واحد، وهو قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [آل عمران: ٩٦].
يخبر الله تعالى بعظمة بيته المحرم، وأنه أول البيوت التي وضعها الله في الأرض لعبادته، وإقامة ذكره، وأن فيه من البركات، وأنواع الهدايات، وتنوع المصالح، والمنافع للعالمين، وأن فيه آيات بينات، وفيه الحرم الذي من دخله كان آمنا، فلما احتوى على هذه الأمور أوجب الله تعالى حجه، وهو من آيات القرآن، حيث كانت أحكامه صالحة لكل زمان ومكان، ولا يمكن الصلاح بدونها، فمن أذعن لذلك، وقام به فهو من المهتدين المؤمنين، ومن كفر، فلم يلتزم حج بيته إن كان مستطيعًا فهو خارج عن الدين، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين57.
وخلاصة القول أن الهداية، والألفاظ التي قرنت بها في القرآن الكريم جاءت أوصافًا للكتب السماوية، وقد حظي القرآن الكريم بها جميعًا، وبغيرها، حيث إنه شهد للكتب السابقة، ووافقها، وطابقت أخباره أخبارها، وشرائعه الكبار شرائعها، والقرآن مشتمل على ما اشتملت عليه الكتب السابقة، فهو الكتاب الذي يتبع كل حق جاءت به الكتب فأمر به، وحث عليه، وأكثر من الطرق الموصلة إليه، وهو الكتاب الذي فيه نبأ الأولين والآخرين، وأتم الله تعالى به الشرائع والدين، وفيه الحكم، والحكمة، والأحكام.
قال الله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ) [المائدة: ٤٨]58.
فالكتب السماوية جاءت للهداية، والإرشاد، والبيان، والموعظة، والذكرى، وفيها النور، والدلالة على الحق، والشفاء من كل شكِّ وريب، والقرآن الكريم مصدق للكتب السابقة الموصوفة بالهدى، ومهيمنًا عليها، وشاهدًا لها، وأنَ ذلك من تمام هدايته، اللهم اهدنا، وألهمنا رشدنا، واجعلنا هداة مهديين لا ضالين، ولا مضلين.
الفطرة بكسر الفاء: الخلقة59، وقيل: معناها: الدين، والدليل على ذلك قوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الروم: ٣٠].
وقوله صلى الله عليه وسلم: (فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة) 60.
وقيل: إن معنى الفطرة: الجبلة المتهيئة لقبول الدين61، وقيل معناها: الخلقة التي يخلق عليها المولود في بطن أمه.
قال إبراهيم عليه السلام: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الزخرف: ٢٧].
أي: خلقني.
ويؤيد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة)62.
يعني: الخلقة التي فطر عليها في الرحم من سعادة أو شقاوة63، وقيل: هي الصفة التي يتصف بها كل موجود في أول زمان خلقته64.
وبالنظر في التعريفات السابقة يتبين أن التعريف الأخير للفطرة هو الراجح؛ لأنه شامل لجميع المخلوقات، وأما المعاني الأخرى التي وردت في معنى الآيتين والحديثين؛ فإنها تنطبق على الإنسان فقط، والصحيح أن الفطرة تشمل كل موجود، ومن ذلك: الإلهام الفطري للحيوان.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النحل: ٦٨].
أي: إن النحل بفطرته يتخذ من الجبال والشجر بيوتًا، وليس ذلك فحسب بل إنها تقوم بعمل خلية تتناسب مع الرحيق الذي تجمعه من الأزهار، كل ذلك بفطرتها، والنملة بفطرتها نصحت أخواتها لئلا يكون النمل عرضة للهلاك، والتحطيم عند مرور سليمان عليه السلام وجنوده، قال سبحانه تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [النمل: ١٨].
وقال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأنعام: ٣٨].
أي: إن الله تعالى لم يهمل أمر كل دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه بل، جعلها أممًا وهداها إلى غاياتها ومصالحها، فكيف لا يهدي البشر إلى كمالهم ومصالحهم؟ فهذه هي الهداية العامة65.
يلاحظ مما سبق أن الهداية الفطرية العامة جبلة خلق الله سبحانه وتعالى المخلوقات عليها، وهداها إلى ما يصلحها، قال عز وجل: (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ)[طه: ٥٠].
وهذه الآية كقوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ) [السجدة: ٧].
أي: كل مخلوق خلقه الله، وأحسن خلقه، وخلقه خلقًا يليق به، ويوافقه، فهذا عام66. أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، الدال على حسن صنعه من خلقه، من كبر الجسم وصغره وتوسطه، وجميع صفاته، وهدى كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهداية العامة المشاهدة في جميع المخلوقات، فكل مخلوق يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضار عنه، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل ما يتمكن به على ذلك67.
وقد ذكر ابن عطية معنى الهداية الفطرية في تفسيره، وأنها عامة في جميع الهدايات، فقال: « قال مقــاتل والكلبي: هدى الحيوان إلى وطء الذكور الإناث، وقيل: هدى المولود عند وضعه إلى مص الثدي، وقال مجاهد: هدى الناس للخير والشر، والبهائم للمراتع »، ثم قال ابن عطية: « وهذه الأقوال مثالات، والعموم في الآية أصوب في كل تقدير، وفي كل هداية »68.
قال ابن القيم: « الهداية العامة، وهي هداية كل مخلوق من الحيوان والآدمي لمصالحه التي بها قام أمره، قال الله سبحانه وتعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢs ﮤ ﮥ ﮦw ﮨ ﮩ ﮪ)[الأعلى: ١ - ٣].
فذكر الله عز وجل أمورًا أربعة: الخلق، والتسوية، والتقدير، والهداية؛ فسوى خلقه، وأتقنه، وأحكمه ثم قدر له أسباب مصالحه في معاشه، وتقلباته، وتصرفاته، وهداه إليها، والهداية تعليم، فذكر أنه الذي خلق وعلم»69.
وهذا يعني: أن الله تعالى قدر تقديرًا تتبعه جميع المقدرات فهدى إلى ذلك جميع المخلوقات، وهذه الهداية العامة، التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته، وتذكر فيها نعمه الدنيوية70.
وخلاصة القول أن الله سبحانه وتعالى قدر أجناس الأشياء، وأنواعها، وصفاتها، وأفعالها، وأقوالها، وآجالها، فهدى كل واحد منها إلى ما يصدر عنه، وينبغي له، ويسره لما خلق له، وألهمه إلى أمور دينه ودنياه، فهدى الذكر للأنثى كيف يأتيها، وهدى الإنسان لسبيل الخير والشر، والسعادة والشقاوة، وهدى للرشد والضلالة، وهدى الأنعام لمراعيها.
وقيل: قدر أرزاقهم، وأقواتهم، وهداهم لمعايشهم إن كانوا إنسًا، ولمراعيهم أن كانوا وحشًا، وجعل لكل دابة ما يصلحها، وهداها له.
وقيل: خلق المنافع في الأشياء وهدى الإنسان إلى وجه استخراجها منها.
وقيل: قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر وأقل وأكثر، ثم هداه للخروج من الرحم.
فهذه أقوال ذكرها المفسرون في تفسير الآية، والأولى عدم تعيين أي هداية من هذه الهدايات التي ذكرت؛ لأنها تدخل في الهداية الفطرية العامة71.
إن للهداية أنواعًا متعددة، جاء بيانها في كتاب الله تعالى، منها هداية البيان والدلالة، ومنها هداية التوفيق والإلهام، وسنتعرف على هذه الأنواع فيما يأتي:
أولًا: هداية البيان والدلالة:
ومعناها: الدلالة، والإرشاد على الخير والحق، مع بيان ما يعقب ذلك من السعادة، والفوز، والفلاح، فهي مما تفضل الله بها على خلقه، ومن ثم أثبتها للنبي صلى الله عليه وسلم الذي قام بدعوة الناس، وإرشادهم، ودلالتهم إلى الطريق المستقيم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الشورى: ٥٢]72.
يتبين في هذا النوع من أنواع الهداية الدلالة على الخير والشر، وطريقة النـجـاة والهلاك.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ)[البلد: ١٠].
وهذه الهداية لا تستلزم الهدى التام فإنها سبب وشرط لا موجب، ولهذا ينبغي الهدى معها كقوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [فصلت: ١٧].
أي: بينا لهم وأرشدناهم ودللناهم فلم يهتدوا، واختاروا العمى، وتركوا الهدى73.
وهذه هي هداية الأديان، والشرائع، وهي هداية لابد منها لمن استرقت الأهواء عقله، وسخر نفسه للذاته وشهواته، وسلك مسالك الشرور والآثام، وعدا على بني جنسه، وحدث بينه وبينهم التجاذب والتدافع، فبها يحصل الرشاد إذا غلبت الأهواء العقول، وتتبين للناس الحدود والشرائع، ليقفوا عندها، ويكفوا أيديهم عما وراءها 74،
والمعنى أن هداية الدين: هي الهداية التي لا تخطئ، والمصدر الذي لا يضل، فقد يخطئ العقل، وتنجرف النفس مع اللذات والشهوات، حتى توردها موارد الهلاك، فيحتاج الإنسان إلى مقوم مرشد هادً لا يتأثر بالأهواء، فتسعفه هداية الدين لإرشاده إلى الطريق الأقوم، إما بعد الوقوع في الخطأ، أو قبله، وتظل هذه الهداية هي الحارس الأمين الذي يفيء إليها الإنسان للتزود بمفاتيح الخير، والتسلح بمغلاق الشر، فيأمن العثور، ويضمن النجاة، وتعرفه بحدود ما يجب75.
من خلال ما تقدم يتضح أن هداية البيان والدلالة هي هداية الدين والشرائع، وتحتاج إلى العلم والإرشاد والبيان والدعوة، فالإنسان يحتاج إلى هداية الدين التي تفضل الله بها عليه، ووهبه إياها حتى يسلك طريق الخير، ويبتعد عن طريق الشر.
ثانيًا: هداية التوفيق والإلهام:
التوفيق: الفوز والفلاح في كل عمل صالح، وسعي حسن، وحصول ذلك يتوقف على كسب العامل، وطلبه من الطريق الموصل إليه، وتيسير الأسباب التي يسهل معها الحصول عليه، وذلك إنما يكون من الله وحده76.
إن هداية التوفيق هي التي أمرنا الله عز وجل بطلبها في قوله سبحانه: (ﭧ ﭨ ﭩ) [الفاتحة: ١٧].
وهي هداية تصحبها معونة للقدرة على طاعة الله، وامتثال أمره، والسير في طريق الخير، وترك الشر.
والمراد بطلب الهداية في الآية السابقة أن يدل الله سبحانه وتعالى عبده دلالة تصحبها من لدنه معونة غيبية تحفظه من الوقوع في الخطأ والضلال، وهذه الهداية خاصة بالله سبحانه وتعالى لم يمنحها أحدًا من خلقه77.
فالهداية نوعان: هداية البيان، وهداية التوفيق، فالمتقون حصلت لهم الهدايتان، وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق، وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها ليست هداية حقيقية تامة 78.
وهداية التوفيق والإلهام لا تكون إلا بعد هداية البيان والدلالة، ولا سبيل إلى البيان والدلالة إلا من جهة الرسل، فإذا حصل البيان والدلالة والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق، وجعل الإيمان في القلب وتحبيبه إليه، وتزيينه في قلبه، وجعله مؤثرًا له، راضيًا به، راغبًا فيه79.
وهي الهداية المستلزمة للاهتداء فلا يتخلف عنها، وهي المذكورة في قوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [فاطر: ١٧].
وفي قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ) [النحل: ٣٧].
وفي قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [القصص: ٥٦].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له)80.
والمتأمل في قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [القصص: ٥٦].
يجد أن الله تعالى نفى عن النبي هداية التوفيق، وقال: إنك يا محمد لا تقدر على هداية من أحببت هدايته هداية توفيق، فليس ذلك إليك، إنما عليك البلاغ، والله هو الذي يستطيع هداية من يشاء هداية توفيق وشرح صدر، بأن يقذف نورًا في قلبه، أي: فيحيى به، كما قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ)[الأنعام: ١٢٢]81.
والله سبحانه وتعالى أثبت للنبي هداية الدعوة والبيان في قوله عز وجل: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الشورى: ٥٢].82.
ولا تناقض بين الآيتين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقدر على أن يهدي أحدًا هداية توفيق، ولكنه يقدر على هداية الدعوة والبيان، والله سبحانه يهدي من يشاء بقدرته.
وقد منح الله سبحانه وتعالى للإنسان خمس هدايات يتوصل بها إلى سعادته، وهي83:
والملاحظ أن أنوع الهداية التي ذكرت لا تعدو نوعين فقط، فهداية الإلهام، والحواس، والعقل، والدين كلها هدايات تندرج تحت الهداية العامة، والهداية الخاصة هي هداية المعونة والتوفيق.
وقد جعل ابن القيم أنواع الهداية أربعة84:
النوع الأول: أحدها الهداية العامة، وهذه هي الهداية الفطرية المشتركة بين الخلق.
النوع الثاني: هداية البيان والدلالة.
النوع الثالث: هداية التوفيق والإلهام.
النوع الرابع: غاية هذه الهداية، وهي الهداية إلى الجنة والنار إذا سيق أهلهما إليهما.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [يونس: ٩].
وقال الله تعالى على لسان أهل الجنة فيها: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ) [الأعراف: ٤٣].
وقال تعالى عن أهل النار: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الصافات: ٢٣-٢٢].
وبالنظر إلى أنواع الهداية التي ذكرها ابن القيم يتبين أن النوع الأول منها هداية عامة فطرية، وأما النوع الثالث فإنه هداية خاصَّة، وتحتاج إلى التوفيق من الله عز وجل، ولا يكون ذلك إلا بالنوع الثاني، وهو هداية البيان والدلالة، وغاية الهدايات النوع الرابع؛ لأن المتقين هم الذين يوفقهم الله تعالى إلى دخول الجنة بعد دلالتهم وإرشادهم، والآيات السابقة تدل على هداية التوفيق لدخول الجنة.
ويدل على ذلك أيضًا ما جاء في صحيح مسلم: (أن أعرابيًا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر فأخذ بخطام ناقته، أو بزمامها، ثم قال: يا رسول الله، أو: يا محمد أخبرني بما يقربني من الجنة، وما يباعدني من النار، قال: فكف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: لقد وفق، أو لقد هدب، قال: كيف قلت؟ قال: فأعاد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم، دع الناقة) 85.
والشاهد من الرواية السابقة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لقد وفق، أو لقد هدي)، وفي ذلك دليل على هداية التوفيق من الله عز وجل؛ لدخول الجنة، والله أعلم.
والخلاصة: الهداية نوعان: هداية عامة: وهي الدلالة إلى مصالح العبد في معاده، وهذه تشمل هداية الإلهام، والحواس، والعقل، والدين، وهداية خاصة: وهي الإعانة والتوفيق للسير في طريق الخير والنجاة، وهذه تحتاج إلى البيان والدلالة86.
إن القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد يوجه المؤمنين إلى الأسباب التي توصلهم إلى الطريق المستقيم الذي غايته التوفيق.
ومن تلك الأسباب:
أولًا: الاعتصام بالله تعالى:
لقد حثَّ القرآن الكريم المسلمين على الاعتصام بالله تعالى، ورغب في ذلك، وأن ذلك سبب في تحصيل الهداية، وجاء ذلك في قوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [النساء: ١٧٥].
أي: إن المؤمنين جمعوا بين مقامي العبادة والتوكل على الله في جميع أمورهم، وقيل: إن المعنى: أن الذين آمنوا بالله، واعتصموا بالقرآن سيرحمهم الله عز وجل، ويدخلهم الجنة، ويزيدهم ثوابًا ومضاعفةً ورفعًا في درجاتهم من فضله عليهم، وإحسانه إليهم، ويهديهم طريقًا واضحًا قصدًا قوامًا لا اعوجاج فيه، ولا انحراف، وهذه صفة المؤمنين في الدنيا والآخرة، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة، وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات87.
والله سبحانه وتعالى جعل الهداية للذي يعتصم به جل وعلا، فقال: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)[آل عمران: ١٠١].
والمعنى: أن من اعتصم بالله، وتوكل عليه، وتمسك بدينه، وبالقرآن الكريم فقد هدي، ووفق إلى الطريق القويم الذي يوصله إلى المراد.
قال ابن كثير: « أي: ومع هذا فالاعتصام بالله والتوكل عليه هو العمدة في الهداية، والعدة في مباعدة الغواية، والوسيلة إلى الرشاد، وطريق السداد، وحصول المراد»88.
وقد أمر الله بالاعتصام بالقرآن، والتمسك بالدين، وعدم الفرقة في قوله سبحانه: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ) [آل عمران: ١٠٣].
والمتأمل في هذه الآية يجد أنها ختمت بقوله عز وجل: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)، وهذا يعني أن الله تعالى يوضح آياته، ويفسرها، ويبينها، ويعطي الهداية لمن تمسك بتوحيد الله، واهتدى بهدي القرآن الكريم.
قال الشيخ السعدي: « إن الله تعالى يبين لكم الحق من الباطل، والهدى من الضلال لعلكم تهتدون بمعرفة الحق، والعمل به، وفي هذه الآية ما يدل على أن الله يحب من عباده أن يذكروا نعمته بقلوبهم وألسنتهم ليزدادوا شكرًا له ومحبة، وليزيدهم من فضله وإحسانه، وإن من أعظم ما يذكر من نعمه نعمة الهداية إلى الإسلام، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واجتماع كلمة المسلمين وعدم تفرقها »89.
وجاء هذا المعنى في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) فحث على كتاب الله ورغب فيه90.
يتبين مما سبق أن الاعتصام بالله والتمسك بالقرآن الكريم، وبهدي النبي صلى الله عليه وسلم طريق إلى الهداية، والله الموفق.
ثانيًا: تدبر القرآن، واتباعه:
إن التمسك بكتاب الله يكون بتلاوته، وتدبره، والعمل بما جاء فيه، والمتدبر لسورة البقرة يجد في أولها قول الله سبحانه وتعالى: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ) [البقرة: ٢].
وبعد ذلك ذكر صفات المتقين الذين يتدبرون القرآن، ويعملون بما جاء فيه أنهم على هدى من ربهم، ومما يدل على أن القرآن الكريم سبب من أسباب الهداية قوله سبحانه وتعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الإسراء: ٩].
قال الشنقيطي: « ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم الكتب السماوية، وأجمعها لجميع العلوم، وآخرها عهدًا برب العالمين جل وعلا يهدي للتي هي أقوم، أي: الطريقة التي هي أسدُّ، وأعدلُ، وأصوبُ، وقال الزجاج، والكلبي، والفراء: يهدي للحال التي هي أقوم الحالات، وهي توحيد الله، والإيمان برسله، وهذه الآية الكريمة أجمل الله جل وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق، وأعدلها، وأصوبها، فلو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم؛ لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيري الدنيا والآخرة » 91.
ولا تكون الهداية إلى خيري الدنيا والآخرة بدون تدبر آيات الله سبحانه وتعالى، والعمل بما جاء فيها، وفي ذلك طرق الاستقامة، والسلامة، والنجاة؛ لأن القرآن الكريم كتاب الهدى والنور، ويهدي إلى الطريق القويم الذي لا اعوجاج فيه، قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الشورى: ٥٢].
وقد ورد ما يدل على تدبر آيات الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك قوله عز وجل: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [ص: ٢٩].
ومعلوم أن في كتاب الله تعالى العقيدة الصافية، والتشريع، والأخلاق، والقيم، وهو كتاب الهداية والنور، من تمسك به، وبهدي النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الظلمات إلى النور، وهُدِيَ إلى صراط مستقيم.
قال الله سبحانه تعالى: (ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃT ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [المائدة: ١٥-١٦].
يلاحظ مما تقدم أن من أسباب الهداية إلى الطريق المستقيم التمسك بالقرآن الكريم، وتدبر آياته، وإن الذي يوفق إلى الهداية من اهتدى بهدي القرآن في الدنيا حتى ينال السعادة في الآخرة، وبالله التوفيق.
ثالثًا: اتباع الرسول عليه السلام:
لقد أكرم الله سبحانه وتعالى هذه الأمة الإسلامية، وأرسل إليها خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وأمر بطاعته، وجعل اتباعه سببًا من أسباب الهداية.
قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النور: ٥٤].
وليس ذلك فحسب بل إن الذي يطيع الرسول يطيع الله تعالى.
قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ) [النساء: ٨٠].
والله عز وجل قرن طاعة الرسول بطاعته، وأن في ذلك الفوز العظيم، وهذا في قوله: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأحزاب: ٧١].
حتى إن الله جعل القرآن هداية لمن يشاء من عباده، وأثبت الهداية للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الشورى: ٥٢].
واتباعه صلى الله عليه وسلم علامة من علامات حب الله تعالى للعبد، ومغفرة الذنوب، قال سبحانه: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [آل عمران: ٣١].
والذي يطيع الله والرسول صلى الله عليه وسلم يكون من الذين أنعم الله عليهم (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ)[النساء: ٦٩].
حتى إن أعمال العباد لا تقبل إلا باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) 92.
وطاعته صلى الله عليه وسلم سبب في دخول الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله ومن يأبى، قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) 93.
والحاصل أن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه من أسباب الهداية التي فيها محبة الله عز وجل للعبد، وفيها مغفرة الذنوب، وقبول الأعمال، والفوز والفلاح، ودخول الجنة.
رابعًا: الدعاء:
لقد أرشد الحق سبحانه وتعالى عباده إلى طلب الهداية والتوفيق منه جل وعلا وجاء ذلك في أول سورة من سور القرآن الكريم في قوله: (ﭧ ﭨ ﭩ) [الفاتحة: ٦].
قال السعدي: « أي: دلنا وأرشدنا، ووفقنا للصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، فاهدنا إلى الصراط، واهدنا في الصراط، فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علمًا وعملًا، فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته، لضرورته إلى ذلك»94.
والله سبحانه وتعالى أمرنا بطلب الهداية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم)95.
وقد جاء في صحيح مسلم أن الذي يسأل الله عز وجل الهداية يستجيب له، ويعطيه مسألته، قال رسول الله، قال الله تعالى: (فإذا قال العبد: (ﭧ ﭨ ﭩ: ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الفاتحة: ٦-٧]. قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل)96.
ولا بد من طلب الدعاء من الله سبحانه وتعالى من أجل تحقيق هداية التوفيق، والاهتداء والسير على منهج الحق والعدل، والالتزام بطريق الاستقامة، والنجاة في الدنيا والآخرة.
وسؤال الهداية فيه التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث إنه قال: (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى)97.
وقد أرشدنا الله تعالى إلى طلب الهداية منه؛ ليكون عونًا لنا، وينصرنا على أهوائنا، وشهواتنا بعد أن نبذل ما نستطيع من الجهد في معرفة أحكام الشريعة، ونكلف أنفسنا الجري على سننها؛ لنحصل على خيري الدنيا والآخرة98.
والمسلم عليه إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، والاستعانة، والدعاء، والإرشاد، وطلب العون للوصول إلى الهداية، وإلى الدين الحق، والصراط المستقيم 99.
والذين آمنوا يدعون الله عز وجل، ويسألونه الهداية، فإذا أعطوها دعوا ربهم عز وجل أن يثبتهم عليها، ويسلمهم من الزيغ والضلال، قال سبحانه: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [آل عمران: ٨].
ويتبين من الأدلة السابقة أن الدعاء سبب من أسباب الهداية، فلا بد من طلبها، وسؤال الله تعالى الثبات على الهداية التي تنجي صاحبها من الزيغ والضلال، والسلامة لا يعدلها شيء.
خامسًا: الجهاد:
لقد شرع الجهاد في سبيل الله حتى تكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حَمِيَّةً، ويقاتل رياءً، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)100.
قال النووي في شرح هذا الحديث: «فيه بيان أن الأعمال إنما تحسب بالنيات الصالحة، وأن الفضل الذي ورد في المجاهدين في سبيل الله يختصُّ بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا »101.
ومن فضائل الجهاد في سبيل الله أنه سبب في الهداية، قال الله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [العنكبوت: ٦٩].
قال ابن عطية في تفسير الآية: « والذين جاهدوا في الهجرة لنهدينهم سبل الثبوت على الإيمان،
والسبل هاهنا يحتمل أن تكون طرق الجنة ومسالكها، ويحتمل أن تكون سبل الأعمال المؤدية إلى الجنة والعقائد النيرة»102.
قيل: إن معنى (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ): أي: من جاهد في الطاعة هداه سبل الجنة. وقيل: نظروا في دلائلنا ليحصل فيهم العلم بنا 103، والمعنى: نبصرهم سبلنا، أي: طرقنا في الدنيا والآخرة104.
وقال الشوكاني « أي: جاهدوا في شأن الله لطلب مرضاته، ورجاء ما عنده من الخير (ﮣ ﮤﮥ): أي: الطريق الموصل إلينا »105.
وقيل: الذين جاهدوا فينا بالثبات على الإيمان لنهدينهم إلى ما لم يعلموا106، وقيل: لنهدينهم سبل السير إلينا، والوصول إلى جنابنا، أو لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير107.
وقال ابن عطية: « وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته »108، وهذا يدل على أن الجهاد في الآية لا يقتصر على القتال.
وقال القرطبي: « قال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط، بل هو نصر الدين، والرد على المبطلين، وقمع الظالمين، وعِظَمُهُ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله، وهو الجهاد الأكبر » 109.
وهذا يعني أن الذين جاهدوا وثبتوا على الإيمان سيهديهم الله تعالى سبل السير إليه، أي: إن المجاهد سيهتدي إلى سبيل كل خير، ومن ذلك الهداية ودخول الجنة، قال سبحانه: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩz ﮫ ﮬ ﮭ~ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [محمد: ٤ - ٦].
وجاء في سورة الفتح ما يدل على أن الجهاد سبب من الأسباب المؤدية إلى الهداية.
وهذه الهداية للذين جاهدوا سواء قتلوا، أو لم يقتلوا، والدليل قراءة: (قاتلوا) بزيادة ألف بعد القاف، وتاء مفتوحة، وهي قراءة سبعية متواترة110.
والفتح المبين لمكة المكرمة، ولغيرها من البلاد كان بالجهاد، وذكر الله تعالى من فضائله: أن فيه المغفرة، وإتمام النعمة، وأنه من أسباب الهداية، والنصر العزيز، قال الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ& ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الفتح: ١-٣].
أي: إن الله تعالى أتم النعمة بإعلاء الدين، وانتشار الإسلام، وفتوح البلاد شرقًا وغربًا، ورفع شأن النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وليرشده إلى الطريق القويم بما يشرعه له من الشرع العظيم، ويثبته على الهدى، ولينصره الله على أعدائه نصرًا غالبًا منيعًا، لا يتبعه ذلٌّ، أو هو عزيز المنال فريد المثال111.
من خلال ما سبق يظهر أن الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا سبب من الأسباب المؤدية إلى سبل الخير، ومنها الهداية، ودخول الجنة.
سادسًا: الاقتداء بأهل الهدى:
لقد دعا الإسلام للاقتداء بأهل الإيمان والصلاح والتقوى، والله عز وجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بالأنبياء قبله، وجعل في ذلك الهداية.
قال الله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲﯳ)112 [الأنعام: ٩٠].
قال الثعالبي في تفسير هذه الآية: « الظاهر في الإشارة (ﯬ) إلى المذكورين قبل من الأنبياء، ومن معهم من المؤمنين المهديين، ومعنى الاقتداء: اتباع الأثر في القول، والفعل، والسيرة، وإنما يصح اقتداؤه صلى الله عليه وسلم بجمعيهم في العقود والإيمان، والتوحيد الذي ليس بينهم فيه اختلاف، وأما أعمال الشرائع فمختلفة، وقد قال عز و جل: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ) [المائدة: ٤٨].
وأعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم هو وغيره مخاطب بشرع من قبله في العقود والإيمان والتوحيد، فإن آدم عليه السلام فمن بعده دعا إلى توحيد الله عز وجل دعاء عامًّا»113.
وقد دل قوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ) على إبطال الشرك، وإثبات التوحيد، كما دل قوله: (ﯱ ﯲ) على وجوب اتباع هدي الأنبياء المشترك، وهو أصل التوحيد، وعبادة الله، والفضائل والأخلاق الشريفة، وجميع الصفات الحميدة، واحتج العلماء بهذه الآية على أن رسولنا صلى الله عليه وسلم أفضل من جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لأن الله أمره بأن يقتدي بهم بأسرهم 114.
والمعنى أن الله تعالى يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بالأنبياء، والسير على طريقتهم في الإيمان بالله، وتوحيده، والأخلاق الحميدة، والأفعال المرضية، والصفات الرفيعة115.
وقال الشوكاني في معنى الآية: « إن الإشارة إلى الأنبياء المذكورين لا إلى المهاجرين والأنصار؛ إذ لا يصح أن يؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهداهم، وتقديم ( ﯱﯳ) على الفعل يفيد تخصيص هداهم بالاقتداء، والاقتداء طلب موافقة الغير في فعله، وقيل: المعنى: اصبر كما صبروا، وقيل: اقتد بهم في التوحيد، وإن كانت جزئيات الشرائع مختلفة، وفيها دلالة على أنه مأمور بالاقتداء بمن قبله من الأنبياء » 116.
وقال الألوسي في معنى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ)، أي: « هديناهم إلى الحق والصراط المستقيم والالتفات إلى الاسم الجليل للإشعار بعلة الهداية، وحفظ المهدي إليه اعتمادًا على غاية ظهوره (ﯱ ﯲﯳ)، أي: اجعل هداهم منفردًا بالاقتداء، واجعل الاقتداء مقصورًا عليه، والمراد بهداهم عند جمع طريقهم في الإيمان بالله تعالى، وتوحيده، وأصول الدين » 117.
ويتضح من ذلك أن الله تعالى ذكر الأنبياء، وأمر النبي أن يقتدي بهم، وأمره صلى الله عليه وسلم أمر لنا؛ لأنه قدوتنا؛ ولأن الله تعالى يقول: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأحزاب: ٢١]118.
والله سبحانه وتعالى أمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأعراف: ١٥٨].
هذا أمر من الله تعالى بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، وصبره ومصابرته، ومجاهدته وانتظار الفرج من ربه عز وجل، والمعنى: لقد كان لكم أيها المؤمنون قدوة صالحة، ومثل أعلى يحتذى به، فهلا اقتديتم، وتأسيتم بشمائله صلى الله عليه وسلم، فهو مثل أعلى يقتدى به، إذا كنتم تريدون ثواب الله وفضله، وتخشون الله وحسابه فعليكم باتباعه صلى الله عليه وسلم؛ لأن في ذلك الهداية119.
ومما سبق يتضح وجوب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام، وأهل العلم، والصالحين من هذه الأمة، وأن ذلك من أسباب الهداية، وجاء في أبواب الحديث باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فوعظنا موعظة بليغة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقيل: يا رسول الله: وعظتنا موعظة مودع فاعهد إلينا بعهد، فقال: عليكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبدًا حبشيًّا، وسترون من بعدي اختلافًا شديدًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم والأمور المحدثات فإن كل بدعة ضلالة)120.
وخلاصة القول: إن الاقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين، والاهتداء بهديهم سبب من الأسباب التي تحقق الهداية التي يسعى العبد للوصول إليها.
سابعًا: التفكر في الكون:
إن في خلق السموات والأرض، وما بث الله سبحانه وتعالى فيهما من الآيات الكونية، والمنافع الحاصلة من اختلاف الليل والنهار تدلُّ على وجود الله تعالى، وتوحيده، وكمال قدرته، وعظيم سلطانه، ولم يخلق الله ذلك إلا لحكمة، ومصلحة للإنسان، وقد ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات الكونية، مثل: رفع السماء بغير عمد، ومد الأرض، وجعل الجبال الرواسي فيها، وتسخير الشمس والقمر، وما فيهما من فوائد، وهذه الآيات، وغيرها فيها علامات قاطعة على أن الله تبارك وتعالى خالقها، وهو الرب المعبود وحده، وفي معرفة ذلك هداية الإنسان، وصلاح أموره في الدنيا والآخرة، قال الله تعــالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀQ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الرعد: ٢-٣].
لقد ذكر الله سبحانه وتعالى في الآيتين السابقتين من الآيات الكونية ما يدعو الإنسان للتدبر، والتفكر، واليقين حتى يميز الحق من الباطل، وأن الذي يتفكر في هذه المخلوقات يعلم أن الله عز وجل خالقها، ولا يكون ذلك إلا من أصحاب العقول السليمة التي لا تحيد عن الحق، قال الله سبحانه: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓd ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران:١٩٠-١٩١].
وهذه الآيات الكونية، وغيرها فيها الهداية، قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ * ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل: ١٥-١٦].
والمعنى: أن ما على سطح الأرض من المخلوقات العظيمة التي في وجودها لطف، وهداية للإنسان، وهذه المخلوقات لما كانت مجعولة كالتكملة للأرض، وموضوعة على ظاهر سطحها عبر عن خلقها، ووصفها بالإلقاء الذي هو رمي شيء على الأرض، ولعل خلقها كان متأخرًا عن خلق الأرض، إذ لعل الجبال انبثقت باضطرابات أرضية كالزلزال العظيم، ثم حدثت الأنهار بتهاطل الأمطار، وأما السبل والعلامات فتأخر وجودها ظاهر، فصار خلق الأرض، والرواسي، والأنهار، والسبل شبيهًا بإلقاء شيء في شيء بعد تمامه، والعلامات: الأمارات التي ألهم الله الناس أن يضعوها أو يتعارفوها لتكون دلالة على المسافات، والمسالك المأمونة في البر والبحر فتتبعها السابلة.
والله سبحانه وتعالى هدى الإنسان بالنجم، وهذه منة بالاهتداء في الليل؛ لأن السبيل والعلامات إنما تهدي في النهار، وقد يضطر السالك إلى السير ليلًا؛ فمواقع النجوم علامات لاهتداء الناس السائرين ليلًا تعرف بها السموات، وأخصُّ من يهتدي بها البحارة؛ لأنهم لا يستطيعون الإرساء في كل ليلة فهم مضطرون إلى السير ليلًا، وهي هداية عظيمة في وقت ارتباك الطريق على السائر، والمقصود بذلك النجوم التي تعارفها الناس للاهتداء كقوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الأنعام: ٩٧]121.
والله سبحانه وتعالى ألقى في الأرض الجبال العظام؛ لأجل عباده؛ لئلا تميد بهم، وتضطرب بالخلق فيتمكنون من حرث الأرض، والبناء، والسير عليها، ومن رحمته تعالى أن جعل فيها أنهارًا على وجه الأرض يسوقها من أرض بعيدة إلى أرض مضطرة إليها؛ لسقيهم وسقي مواشيهم وحروثهم، وجعل أيضًا أنهارًا في بطنها يستخرجون الماء منها بحفرها بما سخر الله لهم من الأدوات، والآلات، ونحوها، ومن رحمته أن جعل في الأرض سبلًا، أي: طرقًا توصل إلى الديار المتنائية، حتى إنك تجد أرضًا مشتبكة بالجبال مسلسلة فيها، وقد جعل الله فيما بينها منافذ ومسالك للسالكين، وهذا كله من لطف الله، وهدايته122.
والآيات الكونية في القرآن الكريم كثيرة، وإنَّ المتأمل في مخلوقات الله يجد أنها تدلُّ على الخالق جل وعلا، وأن هذه الآيات تقود أصحاب العقول السليمة إلى توحيد الله تبارك وتعالى.
إن العبد إذا آمن بالقرآن الكريم، وأخذ حظوظه منه، واهتدى به مجملًا، وقبل أوامره، واجتنب نواهيه، وصدق بأخباره كان ذلك سببًا لحصول هداية أخرى له على التفصيل؛ لأن الهداية لا نهاية لها، فإذا زاد الإيمان، وزادت التقوى عند العبد زادت الهداية.
قال ابن القيم: « إن العبد إذا آمن بالكتاب واهتدى به مجملًا، وقبل أوامره، وصدق بأخباره كان ذلك سببًا لهداية أخرى تحصل له على التفصيل فإن الهداية لا نهاية لها، ولو بلغ العبد فيها ما بلغ، ففوق هدايته هداية أخرى، وفوق تلك الهداية هداية أخرى إلى غير غاية، فكلما اتقى العبد ربه ارتقى إلى هداية أخرى، فهو في مزيد هداية ما دام في مزيد من التقوى، وكلما فوَّت حظًّا من التقوى فاته حظٌّ من الهداية بحسبه، فكلما اتقى زاد هداه، وكلما اهتدى زادت تقواه.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [المائدة: ١٦].
وقال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الشورى: ١٣].
وقال: (ﯬ ﯭ ﯮ) [الأعلى: ١٠].
وقال: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [غافر: ١٣].
وقال: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ) [يونس: ٩].
ونظير ذلك قوله: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ) [مريم: ٧٦]» 123.
يتبين من كلام ابن القيم أن الهداية تزيد بالرجوع إلى القرآن الكريم، والتقوى، والتوبة، والذكرى، والأعمال الصالحة، وفي المقابل فإنها تنقص مع نقص الإيمان والتقوى.
ومعنى قوله تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ) [مريم: ٧٦].
أي: إيمانًا، وإيقانًا على يقينهم124.
وقال السعدي في تفسير هذه الآية: « لما ذكر أنه يمد للظالمين في ضلالهم، ذكر أنه يزيد المهتدين هداية من فضله عليهم ورحمته، والهدى يشمل العلم النافع، والعمل الصالح، فكل من سلك طريقًا في العلم، والإيمان، والعمل الصالح زاده الله منه، وسهله عليه، ويسره له، ووهب له أمورًا أخر لا تدخل تحت كسبه، وفي هذا دليل على زيادة الإيمان ونقصه، كما قاله السلف الصالح، ويدل عليه قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ) [المدثر: ٣١].
وقوله: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأنفال: ٢].
ويدل عليه أيضًا الواقع، فإن الإيمان قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، والمؤمنون متفاوتون في هذه الأمور، أعظم تفاوت» 125.
والآيات السابقة تدل على أن الإيمان يزداد وينقص.
قال النووي: « مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. قال ابن بطال: فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص: قال: فإن قيل: الإيمان في اللغة: التصديق. فالجواب: أن التصديق يكمل بالطاعات كلها، فما ازداد المؤمن من أعمال البر كان إيمانه أكمل، وبهذه الجملة يزيد الإيمان، وبنقصانها ينقص، فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان، ومتى زادت زاد الايمان كمالًا، هذا توسط القول في الإيمان، وأما التصديق بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا ينقص»126.
يتبين مما تقدم أن الإيمان حينما يزيد تزيد الهداية، وإذا نقص الإيمان نقصت الهداية، وهذا ما أخبرنا عنه القرآن أيضًا في قصة أصحاب الكهف.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الكهف: ١٣].
قال ابن جرير الطبري في معنى هذه الآية: « نحن يا محمد نقص عليك خبر هؤلاء الفتية الذين أووا إلى الكهف بالحق، يعني: بالصدق، واليقين الذي لا شك فيه (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)، يقول: إن الفتية الذين أووا إلى الكهف الذين سألك عن نبئهم الملأ من مشركي قومك، فتية آمنوا بربهم، (ﯜ ﯝ)، يقول: وزدناهم إلى إيمانهم بربهم إيمانًا، وبصيرة بدينهم، حتى صبروا على هجران دار قومهم، والهرب من بين أظهرهم بدينهم إلى الله، وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش ولينه، إلى خشونة المكث في كهف الجبل »127.
ويتبين من ذلك أن أصحب الكهف عندهم قيم صحيحة، ولديهم الصدق واليقين، وزيادة الإيمان، والصبر مما جعلهم يفرون بدينهم خوفًا من الطاغية صاحب القيم الزائفة، من أجل ذلك زادهم الله هدى بالتوفيق، والثبات والصبر.
وحول هذا المعنى، قال الزمخشري:« زادهم الله هدى بالتوفيق والتثبيت والربط على قلوبهم وتقويتها بالصبر على هجر الأوطان والنعيم، والفرار بالدين إلى بعض الغيران، وتجسيرهم على القيام بكلمة الحق والتظاهر بالإسلام، إذ قاموا بين يدي الطاغية الجبار من غير مبالاة به حين عاتبهم على ترك عبادة الصنم: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ)»128.
وهذا يدل على إيمانهم بالله وحده فزادهم الله من الهدى، قال السعدي: « هؤلاء الفتية آمنوا بالله وحده لا شريك له من دون قومهم، فشكر الله لهم إيمانهم، فزادهم هدى، أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان، زادهم الله من الهدى، الذي هو العلم النافع، والعمل الصالح، كما قال تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ) [مريم: ٧٦]129.
وجاء ما يوافق هذا المعنى كما في قوله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [محمد: ١٧].
أي: من أجل الإيمان زادهم الله هدى، وقيل: زادهم النبي صلى الله عليه وسلم هدى، وقيل: زادهم ما يسمعونه من القرآن هدى، أي: يزيد يقينهم، وقيل: زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدى، وقيل: زادهم نزول الناسخ هدى، وفي الهدى الذي زادهم أربعة أقاويل: أحدها: زادهم علمًا، والثاني: أنهم علموا ما سمعوا، وعملوا بما علموا، والثالث: زادهم بصيرة في دينهم وتصديقًا لنبيهم صلى الله عليه وسلم، والرابع: شرح صدورهم بما هم عليه من الإيمان130.
وعلى كل تقدير فالمراد أنه سبحانه وتعالى زادهم إيمانًا، وعلمًا، وبصيرة في الدين، وهذه الأشياء كلها فيها الهداية، وزيادتها131.
وحول هذا المعنى، قال ابن كثير: « إن الذين قصدوا الهداية وفقهم الله لها فهداهم إليها، وثبتهم عليها، وزادهم منها »132.
وقد يكون معنى زيادة الهداية: بزيادة التفهيم والأدلة، أو بورود الشرائع، والنواهي، والأخبار.
قال ابن عطية: « قوله تعالى: (ﯳ ﯴ) يحتمل أن يكون الفاعل في (ﯳ) : الله تعالى، والزيادة في هذا المعنى تكون إما بزيادة التفهيم والأدلة، وإما بورود الشرائع، والنواهي، والأخبار؛ فيزيد الاهتداء؛ لتزيد علم ذلك كله، والإيمان به، وذلك بفضل الله تعالى، ويحتمل أن يكون الفاعل في: (ﯳ) قول المنافقين واضطرابهم؛ لأن ذلك مما يتعجب المؤمن منه، ويحمد الله على إيمانه، ويزيد بصيرة في دينه، فكأنه قال: المهتدون والمؤمنون زادهم فعل هؤلاء المنافقين هدى، أي: كانت الزيادة بسببه، فأسند الفعل إليه، وقالت فرقة: إن هذه الآية نزلت في قوم من النصارى، آمنوا بمحمد، فالفاعل في: (ﯳ) محمد عليه السلام كان سبب الزيادة فأسند الفعل إليه، وقوله على هذا القول: (ﯲ) يريد في إيمانهم بعيسى عليه السلام، ثم زادهم محمد هدىً حين آمنوا به، والفاعل في (ﯵ) يتصرف بحسب التأويلات المذكورة، وأقواها أن الفاعل الله تعالى، (ﯵ)، معناه: أعطاهم، أي: جعلهم متقين له»133.
والراجح أن الفاعل في: (ﯳ) الله سبحانه وتعالى؛ لأن الهداية المذكورة هداية التوفيق التي نفاها الله عز وجل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يمتلك هداية التوفيق، وغيره لا يمتلكها من باب أولى.
والملاحظ مما سبق أن الهداية تزيد بزيادة الإيمان، والأعمال الصالحة، والثبات على الدين، وتجنب الفتن.
إن للهداية أسبابًا، والسعيد من التزمها، وثبت عليها، وعمل على زيادتها، والخاسر من حرم منها، فمن الناس من يطرق بابها ولكنه لا يوفق إليها؛ وذلك لوجود موانع تمنعه من تحصيلها.
فمن أسباب الحرمان من الهداية:
أولًا: الكفر:
لقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدل على أن الله عز وجل يحرم الكافرين، ويمنعهم من التوفيق للهداية.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)[التوبة: ٣٧].
قال الشوكاني في معنى الآية: « إن المصرين على كفرهم المستمرين عليه لا يهديهم الله عز وجل إلى هداية توصلهم إلى المطلوب، وأما الهداية بمعنى الدلالة على الحق والإرشاد إليه فقد نصبها الله سبحانه لجميع عباده »134.
والمعنى: إن الذين انصبغ الكفر والتكذيب في قلوبهم، وأصبحت قاسية، ومطبوع عليها يحرمون الهداية حتى لو جاءتهم كل آية، لم يهتدوا.
وقال تعالى: (ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [آل عمران: ٨٦].
قال السعدي في معنى الآية: « هذا من باب الاستبعاد، أي: من الأمر البعيد أن يهدي الله قومًا اختاروا الكفر والضلال بعدما آمنوا، وشهدوا أن الرسول حق بما جاءهم به من الآيات البينات والبراهين القاطعات »135.
فالذي يكفر الكفر الأكبر المخرج من الملة، ويصر عليه يحرم الهداية، ولكن لا يستهان بالكفر الأصغر؛ فقد يَجُرُّ صاحبه إلى الكفر الأكبر، والسلامة لا يعدلها شيء.
ثانيًا: الظلم:
إن الظلم مانع من موانع الهداية، وسبب من أسبابها، والظلم الذي يحرم صاحبه الهداية هو الظلم الأكبر المخرج من الملة.
ودليل ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [المائدة: ٥١].
فهذه الآية تدل دلالة واضحة على تحريم موالاة اليهود والنصارى، ولفظ الظالمين يشمل كلَّ ظالم، والله تعالى لا يهدي الظالمين، والهداية المنفية في هذه الآية هي هداية التوفيق؛ فيحرم منها كل من والى اليهود والنصارى؛ لأنهم أعداء الله، ورسوله، والمؤمنين.
والمعنى: إن في الآية تعليل لكون الذين يتولون اليهود والنصارى لا يهديهم إلى الإيمان بل يخليهم وشأنهم؛ فيقعون في الكفر والضلالة، وإنما وضع المظهر موضع ضميرهم تنبيهًا على أن توليهم ظلم لما أنه تعريض لأنفسهم للعذاب الخالد، ووضع للشيء في غير موضعه، وهذا سبب حرمانهم الهداية136.
والذي يظلم نفسه ظلم الاعتقاد المخرج من الملة، ويوالي أعداء الله عز وجل يكون قد ارتكب محرمًا؛ فيحرم الهداية من الله تعالى، وقد فسر القرآن الكريم الظلم بالشرك.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [لقمان: ١٣].
وهذا يعني أن الشرك سبب من أسباب الحرمان من الهداية.
ثالثًا: الفسق:
الخروج عن طاعة الله تبارك وتعالى يؤدي إلى زيغ القلوب، وحرمان الهداية.
قال الله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الصف: ٥].
أي: الذين لم يزل الفسق وصفًا لهم، ليس لهم قصد في الهدى، وهذه الآية الكريمة تفيد أن إضلال الله لعباده، ليس ظلمًا منه، ولا حجة لهم عليه، وإنما ذلك بسبب منهم، فإنهم الذين أغلقوا على أنفسهم باب الهدى بعدما عرفوه، فيجازيهم بعد ذلك بالإضلال، والزيغ الذي لا حيلة لهم في دفعه، وتقليب القلوب عقوبة لهم وعدلًا منه بهم؛ فهؤلاء يحرمون الهداية137.
والمعنى: إن بني إسرائيل لم يتبعوا نبيهم موسى عليه السلام، وتركوا الحق الذي جاءهم به، وآذوه، عند ذلك أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الحيرة والشك، وصرفها عن الحق، وكان ذلك سببًا في حرمانهم من الهداية، وكل من فعل فعلهم يحرمها؛ لأن الله تعالى لا يوفق للحق، ولا يرشد للهداية القوم الفاسقين الفسق الأكبر المخرج من ملة الإسلام.
والنفاق من الفسق، ويدل على ذلك قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [المنافقون: ٦].
فالآية تدل على أن النفاق فسق؛ فيكون النفاق مانعًا من موانع الهداية، وسببًا من أسبابها.
رابعًا: الكذب:
إن الله عز وجل لا يرشد، ولا يوفق للهداية كل من افترى عليه الكذب، وقال حسب زعمه: إن لله ولدًا، وإن الآلهة تشفع له، وتقربه إلى الله.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الزمر: ٣].
والمعنى: إن الله لا يوفق للدين الذي ارتضاه، وهو دين الإسلام، ولا يعطي هداية التوفيق من كذب على الله، وافترى عليه، وقلبه كافر بآياته، وحججه وبراهينه138، وليس ذلك فحسب بل إنه يمنع من هدايته.
وجاء هذا المعنى في آيات أخرى من القرآن الكريم، منها: قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأنعام: ١٤٤].
وقوله: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [غافر: ٢٨].
خامسًا: الكبر:
إن المتكبر عرضة للطبع على قلبه؛ فيكون من المسرفين.
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [غافر: ٣٥].
فالآية تدل على أن هذا الطبع إنما حصل من الله؛ لأنه كان في نفسه متكبرًا جبارًا، والمعنى أن الله تعالى يخلق دواعي الكبر والرياسة في القلب؛ فتصير تلك الدواعي مانعة من حصول ما يدعون إلى الطاعة والانقياد لأمر الله139.
ومعنى ذلك أن الله تعالى يطبع على قلوب المسرفين والمتكبرين الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم، فيحرمون الهداية؛ لأن القلب المطبوع عليه لا يستقبل هدى بسبب الكبر.
سادسًا: الخيانة:
الخيانة خصلة ذميمة تحرم صاحبها الهداية، ودليل ذلك ما ورد في سورة يوسف، في قوله تعالى: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [يوسف: ٥٢].
قال الألوسي في معنى الآية: « أي: لا ينفذه ولا يسدده بل يبطله ويزهقه؛ فهداية الكيد مجاز عن تنفيذه، ويجوز أن يكون المراد لا يهدي الخائنين بسبب كيدهم؛ فأوقع الهداية المنفية عــــلى الكيــد، وهي واقعة عليهم تجوزًا للمبالغة؛ لأنه إذا لم يهد السبب علم منه عدم هداية مسببه بالطريق الأولى»140.
والآية تدل على أن الله تعالى نفى عن الخائنين الهداية؛ حيث إنهم يحرمون منها بسبب الكيد.
سابعًا: الضلال:
الضلال نقيض الهداية، ولا يمكن للضال أن يجمع بين الهداية والضلالة في آنٍ واحدٍ، فالجمع بين النقيضين مستحيل، وقد دلت على ذلك آيات كثيرة، ومنها: قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الزمر: ٣٦].
قال الشوكاني في تفسير هذه الآية: « أي: من حَقَّ عليه القضاء بضلالة فما له من هاد يهديه إلى الرشد، ويخرجه من الضلالة »141.
قال السعدي: « (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ)؛ لأنه لا طريق يوصل إليه إلا توفيقه، والتوفيق للإقبال على كتابه، فإذا لم يحصل هذا، فلا سبيل إلى الهدى، وما هو إلا الضلال المبين والشقاء »142.
ويتضح من الآية أنَ الضالَّ لا يوفق إلى المطلوب، ويكون محرومًا من الهداية، وليس له سبيل إلى الهدى.
ثامنًا: اتباع خطوات الشيطان:
إن الشيطان يزين للإنسان عمله حتى يرى السيِّئ حسنًا، وليس ذلك فحسب بل إنه يصده عن سبيل الهداية.
قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النمل: ٢٤].
والمعنى: أن الهدهد وجد ملكة سبأ وقومها يسجدون للشمس من دون الله، والسبب في ذلك أنَّ الشيطان زين لهم سوء أعمالهم؛ (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ)، أي: وجد هذه الملكة، وقومها يعبدون الشمس من دون الله، وزين لهم الشيطان قبيح أعمالهم، فصاروا يرون السيِّئ حسنًا، ومنعهم الشيطان عن طريق الحقِّ، وعبادة الله الواحد الأحد، فأصبحوا لا يهتدون؛ وهذا يعني أنهم حرموا الهداية143.
ويتبين من ذلك أنَّ الشيطان يغوي الإنسان، ويزين له سوء عمله، ويضله، حتى يحرمه الهداية، وخطوات الشيطان عامة في منع الهداية.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء: ٦٠].
إن للهداية أثرًا عظيمًا لمن التزمها؛ فالمهتدي يجد صلاح البال، والسعادة، والأمن في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [طه: ١٢٣].
والمعنى: إنَّ الله سبحانه وتعالى أرسل إلى بني آدم رسلًا يبينون لهم الطريق المستقيم الموصلة إليه، وإلى جنته، ويحذرونهم من هذا العدوِّ المبين، وأنهم، أي: وقت جاءهم ذلك الهدى الذي هو الكتب والرسل، فإن من اتبعه اتبع ما أمر به، واجتنب ما نهي عنه، فإنه لا يضل في الدنيا، ولا في الآخرة، ولا يشقى فيهما، بل قد هدي إلى صراط مستقيم، في الدنيا والآخرة، وله السعادة، والأمن في الآخرة 144.
والله سبحانه وتعالى نفى الخوف والحزن عمن اتبع الهدى، فقال: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [البقرة: ٣٨].
قال السعدي: « نفى الله الخوف والحزن عمن اتبع هداه، وإذا انتفيا، حصل ضدهما، وهو الأمن التام، وكذلك نفى الضلال والشقاء عمن اتبع هداه، وإذا انتفيا ثبت ضدهما، وهو الهدى والسعادة، فمن اتبع هداه حصل له الأمن والسعادة الدنيوية، والأخروية، والهدى » 145.
والآية تدلُّ دلالة واضحة أنَّ الله تعالى نفى عن المهتدي الخوف والحزن، وأثبت له الأمن والهدى، والسعادة في الدنيا والآخرة.
والله تعالى يجعل من المهتدين أئمة من أجل هداية غيره، قال عز وجل: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [السجدة: ٢٤].
أي: إنَّ الله تعالى جعل منهم أئمة يقتدى بهم، علماء بالشرع، وطرق الهداية، مهتدين في أنفسهم، ويهدون غيرهم بذلك الهدى، فالكتاب الذي أنزل إليهم هدى، والمؤمنون به منهم على قسمين: أئمة يهدون بأمر الله، وهم على الهدى، وأتباع مهتدون بهم146.
والله عز وجل جعل نصرته للمهتدين في قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الفتح: ٢-٣].
والآية تعني أن النصر على الأعداء يكون لمن هداهم الله، وقال ابن عطية: « النصر العزيز: هو الذي معه غلبة العدو، والظهور عليه »147.
وأهل الجنة يدخلونها، ويسلم الله صدورهم من الغل، ويحمدون الله على ذلك، وهذا في قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الأعراف: ٤٣].
قال الشوكاني في تفسير هذه الآية (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) « أي: لهذا الجزاء العظيم، وهو الخلود في الجنة، ونزع الغل من صدورهم، والهداية هي الهداية لسببه من الإيمان، والعمل الصالح، وما كنا نطيق أن نهتدي لهذا الأمر لولا هداية الله لنا، أي: لولا هداية الله لنا ما كنا لنهتدي»148.
وجاء في سورة محمد ما يدل على أن المهتدين يصلح الله بالهم، ويدخلهم الجنة.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ~ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [محمد: ٥-٦].
فجاءت الهداية قبل صلاح البال، ودخول الجنة، والمعنى كما قال الزحيلي « أي: سيوفقهم الله تعالى للعمل بما يحبه ويرضاه، ويرشدهم إلى طريق الجنة، ويصلح حالهم، وأمرهم، وشأنهم في الآخرة، أي: تحفظ أعمالهم وتخلد لهم، ويدخلهم روضات الجنات يحبرون فيها، وقد عرفهم بها، وأعلمهم وبينها لهم من غير استدلال، حتى إن أهلها يهتدون إلى بيوتهم ومساكنهم من غير مرشد ولا دليل »149.
ومما سبق يتضح أن الهداية لها أثر على من اهتدى في الدنيا والآخرة، والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل.
موضوعات ذات صلة: |
الإصلاح، الدعوة، الصلاح، الضلال، الفلاح، النجاة، النصيحة |
1 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ٦/٣٧٨.
2 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص١٣٤٥، مختار الصحاح، الرازي، ص٣١٢.
3 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٥١٦.
4 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي، ص١٣٤٥، مختار الصحاح، الرازي، ص٣١٢.
5 التعريفات، ص٢١٥.
6 انظر: الكليات، الكفوي، ص٩٥٢.
7 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الهاء، ص١٣٦٣، ١٣٦٩.
8 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٤٥٥.
9 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/٢٤٧٩.
10 انظر: الفروق اللغوية ص٣١٧.
11 انظر: المصدر السابق.
12 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٢٠٢.
13 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٥/٢١٨.
14 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص٥٣٢.
15 انظر: المصدر السابق.
16 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٢٣٣.
17 انظر: مختار الصحاح، الرازي، ص١٤٧.
18 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص٤٢.
19 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٦/٢١٢.
20 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص٢٤٨.
21 انظر: جامع البيان، الطبري، ١/١٤٥.
22 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٣٥٦، لسان العرب، ابن منظور ١١/٣٩٠، المصباح المنير، الفيومي ٢/٣٦٣.
23 انظر: الكليات، الكفوي، ص٥٦٧.
24 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٣٠٠.
25 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص٣٩١.
26 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١٤/٧.
27 انظر: المصدر السابق ١٤/١٠١.
28 انظر: المصدر السابق ١٥/١٠٦.
29 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٢/٦١٩.
30 انظر: جامع البيان، الطبري، ٦/٤٦٦.
31 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٠/٦٤.
32 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٤/١٨١.
33 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٥/١٤١.
34 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٢/٣١٨.
35 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١٤/٥.
36 جامع البيان، الطبري، ٢/٣٤٠٦.
37 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٢/٣١٨.
38 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٤/٢٥٥.
39 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١/٦٢٢.
40 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٣/٢١٣.
41 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٦٠٤.
42 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٤/١٧٨.
43 انظر: مدارك التنزيل، النسفي، ٢/٢٢١.
44 انظر: جامع البيان، الطبري، ٦/٥٠٣٨.
45 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ١/٨٨.
46 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٤/٢١٩ بتصرف.
47 انظر: البحر المحيط، أبو حيان، ٣/٦٧ بتصرف.
48 انظر: جامع البيان، الطبري، ٣/١٩٧٨.
49 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، تفسير سورة المائدة ١/٤٥٩-٤٦٢ بتصرف.
50 انظر: المصدر السابق ١/٤٥٨ بتصرف.
51 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ١٢/٣.
52 انظر: المصدر السابق، ١٢/١٠- ١١.
53 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٩٢٥ بتصرف.
54 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٧/١٣٥.
55 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٣٢٩.
56 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٤/٦٤٨.
57 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٥٨.
58 انظر: المصدر السابق، ص٢٨٥.
59 انظر: الكليات، الكفوي، ص٦٩٧.
60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب فضل من بات على الوضوء، ١/٥٨، رقم ٢٤٧.
61 انظر: التعريفات، الجرجاني، ص٢١٥.
62 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، ٢/٩٤، رقم ١٣٥٨.
63 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري، ١٣/٣٢٦.
64 انظر: الكليات، الكفوي، ص٥٦٠.
65 انظر: بدائع الفوائد، ابن القيم، ١/٢٧٦.
66 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٩٠١.
67 انظر: المصدر السابق، ص٦٨٤.
68 المحرر الوجيز، ٥/٤٦٩.
69 مفتاح دار السعادة، ١/١٠٥.
70 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٢٨٣.
71 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٥/٥٠٢ بتصرف.
72 انظر: نظم الدرر، ١/٣٦.
73 انظر: بدائع الفوائد، ابن القيم، ١/٢٧٦، ٢٧٧ بتصرف.
74 انظر: نظم الدرر، ١/٣٥.
75 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١/٥٩.
76 انظر: نظم الدرر، المراغي، ١٢/٧٤.
77 انظر: المصدر السابق ١/٣٦.
78 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٢٩.
79 انظر: مدارج السالكين، ابن القيم، ١/٩.
80 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم ٨٦٨.
81 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢٠/١٢٢.
82 انظر: بدائع الفوائد، ابن القيم، ١/٢٧٧ بتصرف.
83 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١/٥٩.
84 انظر: بدائع الفوائد، ١/٢٧٧ بتصرف.
85 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان الذي يدخل الجنة، وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة، رقم ١٣.
86 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١/٦٠.
87 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٨١ بتصرف.
88 المصدر السابق ٢/٨٦.
89 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٤١.
90 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عثمان، رقم ٢٤٠٨.
91 أضواء البيان، الشنقيطي، ٣/٣٧٢.
92 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور، رقم ١٧١٨.
93 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم ٧٢٨٠.
94 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٢٨.
95 الجامع الصغير وزيادته، الألباني، ٢/٨٠٠، رقم ٤٣٤٥.
96 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، رقم ٣٩٥.
97 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل،رقم ٢٧٢١.
98 انظر: نظم الدرر، المراغي ١/٣٦.
99 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١/٥٣.
100 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، رقم ١٩٠٤.
101 شرح صحيح مسلم، النووي ٦/٥٣٠.
102 المحرر الوجيز، ابن عطية، ٤/٣٢٦.
103 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٥/٩٥.
104 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٤/٢٤٥.
105 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٤٩٩.
106 انظر: البحر المحيط، أبو حيان، ٧/١٥٥.
107 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٧/٤٨.
108 المحرر الوجيز، ابن عطية، ٤/٣٢٦.
109 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٦/٣٩٠.
110 انظر: السبعة في القراءات، ابن مجاهد، ص٦٠٠.
111 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢٦/١٥١.
112 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٨/٤٥٢.
113 الجواهر الحسان، الثعالبي، ١/٤٩٧.
114 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٧/٢٨٥.
115 انظر: محاسن التأويل، القاسمي، ٤/٤٢٩.
116 فتح القدير، الشوكاني، ٢/١٧٧.
117 روح المعاني، الألوسي، ٥/٣١٤.
118 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي، ٦/٨٠.
119 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢١/٢٧٣.
120 أخرجه ابن ماجه، المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، ١/٢٠، رقم ٤٢.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٠٥، رقم ٤٣٦٩.
121 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٤/١٢١ بتصرف.
122 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٨٧، بتصرف.
123 الفوائد، ابن القيم، ص١٦٠.
124 معالم التنزيل، البغوي، ٣/١٠٥.
125 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٨٧٣.
126 شرح صحيح مسلم، النووي، ٢/٧.
127 جامع البيان، الطبري، ١٥/٢٠٧.
128 الكشاف، الزمخشري، ٢/٤٧٤.
129 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٦٣٤.
130 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٩/٢٦٣، ٢٦٤، بتصرف يسير.
131 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٥/٤٢،.
132 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/١٠٢.
133 المحرر الوجيز، ابن عطية، ٥/١١٥.
134 فتح القدير، الشوكاني، ٢/٤٥٦.
135 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٣١٢.
136 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٣/٤٨.
137 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٩٦.
138 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢٣/٢٤٦ بتصرف.
139 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٧/٦٤.
140 روح المعاني، الألوسي، ١٢/٣٩٣.
141 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٥٥٣.
142 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٠٠.
143 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٩/٢٨٥.
144 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٢٣.
145 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٤٢.
146 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٩٠٥.
147 المحرر الوجيز، ابن عطية، ٥/١٢٦.
148 فتح القدير، الشوكاني، ٢/٢٦٢.
149 التفسير المنير، الزحيلي، ٢٦/٨٧.