عناصر الموضوع
النعم
أولًا: المعنى اللغوي:
النون والعين والميم فروعه كثيرةٌ، وعندنا أنها على كثرتها راجعةٌ إلى أصلٍ واحدٍ يدل على ترفهٍ وطيب عيشٍ وصلاحٍ، منه النعمة: ما ينعم الله تعالى على عبده به من مال وعيش، والنعمة: المنة، وكذا النعماء، والنعمة: التنعم وطيب العيش، والنعامى: الريح اللينة، والنعم: الإبل؛ لما فيه من الخير والنعمة، وقيل: النعم ذكر لا يؤنث، فيقولون: هذا نعم وارد، وتجمع أنعاما، والأنعام: البهائم، وهو ذلك القياس1.
نعم: النعيم والنعمى والنعماء والنعمة، كله: الخفض والدعة والمال، وهو ضد البأساء والبؤسى وبالضم كذلك، والجمع أنعم، والنعمة بالفتح: التنعيم، والنعمة بالكسر: اليد البيضاء الصالحة والصنيعة والمنة وما أنعم به عليك2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
تعددت تعريفات العلماء للفظة النعم، وهي على النحو الآتي:
النعمة: «هي في أصل وضعها الحالة التي يستلذها الإنسان».
وقيل: «النعمة هي الشيء المنعم به» 3.
وقيل: «هي المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير»4.
وقيل: «هي ما قصد به الإحسان والنفع لا لغرض أو عوض » 5.
فالمعنى الاصطلاحي قريب من المعنى اللغوي ولا يخرج عنه.
وردت مادة (نعم) في القرآن الكريم (٨٨) مرة6.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٨ |
(ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الفاتحة:٧] |
اسم |
٧٠ |
(ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [لقمان:٢٠] |
وجاءت النعم في القرآن على عشرة أوجه7.
أحدها: المنة، ومنه قوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [المائدة: ١١]. أي: منته.
الثاني: الدين والكتاب، ومنه قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [إبراهيم: ٢٨]. يعني: دين الله وكتابه.
الثالث: محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه قوله تعالى في النحل: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النحل: ٨٣]. يعني، محمدًا صلى الله عليه وسلم.
الرابع: الثواب، ومنه قوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [آل عمران: ١٧١]. يعني بثواب من الله تعالى وفضل.
الخامس: النبوة، ومنه قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الضحى: ١١].يعني: النبوة.
السادس: الرحمة، ومنه قوله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الحجرات: ٨]. يعني: ورحمة.
السابع: الإحسان واليد: ومنه قوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الليل: ١٩]. يعني: من إحسان يجازى عليه.
الثامن: سعة المعيشة، ومنه قوله: (ﭐﮙ ﮚ) [الفجر: ١٥]. يعني: وسع معيشته.
التاسع: الإسلام، ومنه قوله: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الأحزاب: ٣٧]. يعني: بالإسلام.
العاشر: المال، ومنه قوله: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [المزمل: ١١]. يعني: المال.
اللذة:
اللذة لغةً:
اللام والذال أصل صحيح واحد، يدل على طيب طعم في الشيء. من ذلك اللذة واللذاذة: طيب طعم الشيء، واللذة: واحدة اللذات 8.
اللذة اصطلاحًا:
«إدراك الملائم من حيث إنه ملائم» 9.
الصلة بين النعمة واللذة:
النعمة لا تشتهى كالتكليف، وإنما صار التكليف نعمة؛ لأنه يعود عليها بمنافع وملاذ، واللذة لا تكون إلا مشتهاة 10.
المنة:
المنة لغةً:
«الميم والنون أصلان. أحدهما يدل على قطع وانقطاع، والآخر على اصطناع خير»11.
المنة اصطلاحًا:
هو الإحسان إلى من لا يستثيبه ولا يطلب الجزاء عليه 12.
الصلة بين النعمة والمنة:
النعمة تتضمن المنة في جوانبها، والمنة هي النعمة المقطوعة من جوانبها كأنها قطعة، وسمي الاعتداد بالنعمة منة؛ لأنه يقطع الشكر عليها 13.
الخير:
الخير لغة:
الخير ضد الشر 14.
الخير اصطلاحًا:
الخير ما يرغب فيه الكلُّ؛ كالعقل والعدل والفضل والشيء النافع 15.
الصلة بين النعمة والخير:
النعمة متضمنة للخير، فهي أعم، وهي من الله، أما الخير يكون من الله ومن الإنسان، أي: إن الإنسان يجوز أن يفعل بنفسه الخير، ولا يجوز أن ينعم عليها 16.
تتعدد نعم الله على عباده، منها النعم المادية الضرورية في الحياة مثل الرزق الطيب، والأزواج والأولاد والأحفاد، والسكن المريح، والملابس، وغيرها، ومنها النعم المعنوية والتي منها: إرسال الأنبياء لإرشاد العباد إلى خالقهم بما يحملون معهم من كتب ربهم، ثم التوفيق إلى الهداية إلى الطريق المستقيم، وهذه أجل النعم، وغيرها.
أولًا: النعم المادية:
قال تعالى: (ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [النحل: ٧٢].
«أي: من الثمار والحبوب والحيوان»17.
قال ابن عاشور رحمه الله: «الرزق يجوز أن يكون مرادًا منه المال، وهذا هو الظاهر، وهو الموافق لما في الآية، ويجوز أن يكون المراد منه إعطاء المأكولات الطيبة»18.
قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [النحل: ٧٢].
«يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده، حيث جعل لهم أزواجًا ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم أولادًا تقر بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب، والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد أن يحصوها»19.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل: ٨٠-٨١].
يذكر تعالى عباده نعمه، ويستدعي منهم شكرها والاعتراف بها، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) في الدور والقصور ونحوها، تكنكم من الحر والبرد، وتستركم أنتم وأولادكم وأمتعتكم، وتتخذون فيها الغرف والبيوت التي هي لأنواع منافعكم ومصالحكم، وفيها حفظ لأموالكم وحرمكم وغير ذلك من الفوائد المشاهدة، (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) إما من الجلد نفسه أو مما نبت عليه، من صوف وشعر ووبر. (ﭜ ﭝ) أي: خفيفة الحمل، تكون لكم في السفر والمنازل التي لا قصد لكم في استيطانها، فتقيكم من الحر والبرد والمطر، وتقي متاعكم من المطر.
(ﭣ ﭤ) أي: الأنعام (ﭥ ﭦ ﭧ) وهذا شامل لكل ما يتخذ منها من الآنية والأوعية والفرش والألبسة والأجلة، وغير ذلك (ﭨ ﭩ ﭪ) أي: تتمتعون بذلك في هذه الدنيا، وتنتفعون بها، فهذا مما سخر الله العباد لصنعته وعمله (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) أي: من مخلوقاته التي لا صنعة لكم فيها، (ﭱ) وذلك كأظلة الأشجار والجبال والآكام ونحوها، (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) أي: مغارات تكنكم من الحر والبرد والأمطار والأعداء.
(ﭷ ﭸ ﭹ) أي: ألبسة وثيابًا (ﭽ ﭾ) ولم يذكر الله البرد؛ لأنه ذكر في أول هذه السورة أصول النعم وآخرها في مكملاتها ومتمماتها، ووقاية البرد من أصول النعم فإنه من الضرورة، وقد ذكره في أولها في قوله: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النحل: ٥].
(ﭼ ﭽ ﭾ) أي: وثيابًا تقيكم وقت البأس والحرب من السلاح، وذلك كالدروع والزرد ونحوها، (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) حيث أسبغ عليكم من نعمه ما لا يدخل تحت الحصر (ﮄ) إذا ذكرتم نعمة الله ورأيتموها غامرة لكم من كل وجه (ﮅ) لعظمته وتنقادون لأمره، وتصرفونها في طاعة مولِّيها ومُسْديها، فكثرة النعم من الأسباب الجالبة من العباد مزيد الشكر، والثناء بها على الله تعالى، ولكن أبى الظالمون إلا تمردًا وعنادًا20.
قال ابن عاشور رحمه الله: «ونعمة الإلهام إلى اتخاذ المساكن أصل حفظ النوع من غوائل حوادث الجوِّ من شدة بردٍ أو حرٍّ، ومن غوائل السباع والهوام. وهي أيضًا أصل الحضارة والتمدن؛ لأن البلدان ومنازل القبائل تتقوم من اجتماع البيوت. وأيضًا تتقوم من مجتمع الحلل والخيام»21.
في البيوت نعمة لا يقدرها حقَّ قدرها إلا المشردون الذين لا بيوت لهم ولا سكن ولا طمأنينة، وقد كثر المشردون الذين ينامون على الأرض، ويلتحفون السماء بكثرة الطغاة والمستبدين في كل عصر وحين، ولا سبيل إلى القضاء على التشرد إلا بتحقيق حكم الإسلام في واقع الحياة، وسيادة العدل أركان المجتمعات والدول.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [إبراهيم: ٣٢-٣٤].
يعدد تعالى نعمه على خلقه بأن خلق لهم السموات سقفا محفوظًا، والأرض فرشًا، وأنزل من السماء ماءً فأخرجنا به أزواجًا من نباتٍ شتى ما بين ثمارٍ وزروعٍ مختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع، وسخر الفلك بأن جعلها طافيةً على تيار ماء البحر، تجري عليه بأمر الله تعالى، وسخر البحر لحملها ليقطع المسافرون بها من إقليمٍ إلى إقليمٍ آخر لجلب ما هنا إلى هناك، وما هناك إلى هنا، وسخر الأنهار تشق الأرض من قُطْرٍ إلى قُطْرٍ رزقًا للعباد من شربٍ وسقيٍ، وغير ذلك من أنواع المنافع.
وسخر لكم الشمس والقمر دائبين، أي يسيران لا يفتران ليلًا ولا نهارًا، فالشمس والقمر يتعاقبان، والليل والنهار يتعارضان، فتارةً يأخذ هذا من هذا فيطول، ثم يأخذ الآخر من هذا فيقصر (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [فاطر: ١٣].
وهيأ لكم ما تحتاجون إليه في جميع أحوالكم مما تسألونه بحالكم. وقال بعض السلف: من كل ما سألتموه وما لم تسألوه.
وقوله: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) يخبر تعالى عن عجز العباد عن تعداد النعم فضلًا عن القيام بشكرها، كما قال طلق بن حبيبٍ رحمه الله: إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد، وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أصبحوا تائبين، وأمسوا تائبين22.
وفي الشكر على النعم روى البخاري بسنده عن أبي أمامة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: (الحمد لله كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، غير مكفيٍّ ولا مودعٍ ولا مستغنًى عنه، ربنا) 23.
وقال تعالى: (ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)[النحل: ٥ - ١٨].
«وهو سبحانه الذي ذلل لكم البحر، فمكنكم من ركوبه، واستخراج ما فيه لتأكلوا مما تصطادون من سمكه لحمًا غضًّا لينًا، وتستخرجوا منه زينة تلبسونها، وتلبسها نساؤكم مثل اللؤلؤ والمرجان.
وترى السفن تشق عباب البحر، وتركبون هذه السفن طلبًا لفضل الله الحاصل من ربح التجارة، ورجاء أن تشكروا الله على ما أنعم به عليكم، وتفردوه بالعبادة، وبث في الأرض جبالًا تثبتها حتى لا تضطرب بكم، وتميل، وأجرى فيها أنهارًا لتشربوا منها، وتسقوا أنعامكم وزروعكم، وشق فيها طرقًا تسلكونها، فتصلون إلى مقاصدكم دون أن تضلوا.
وجعل لكم في الأرض معالم ظاهرة تهتدون بها في السير نهارًا، وجعل لكم النجوم في السماء رجاء أن تهتدوا بها ليلا. أفمن يخلق هذه الأشياء وغيرها كمن لا يخلق شيئًا، أفلا تتذكرون عظمة الله الذي يخلق كل شيء، وتفردوه بالعبادة، ولا تشركوا به ما لا يخلق شيئًا.
وإن تحاولوا -أيها الناس- عد نعم الله الكثيرة التي أنعم بها عليكم، وحصرها لا تستطيعوا ذلك؛ لكثرتها وتنوعها، إن الله لغفور؛ حيث لم يؤاخذكم بالغفلة عن شكرها، رحيم حيث لم يقطعها عنكم بسبب المعاصي والتقصير في شكره» 24.
ومما يؤخذ من الآيات:
ثانيًا: النعم المعنوية:
من نعم الله على عباده إرسال الأنبياء؛ ليدعوهم إلى الطريق المستقيم الذي به سعادة الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [المائدة: ٢٠].
«أي: كلما هلك نبيٌّ قام فيكم نبيٌّ، من لدن أبيكم إبراهيم وإلى من بعده. وكذلك كانوا، لا يزال فيهم الأنبياء يدعون إلى الله ويحذرون نقمته، حتى ختموا بعيسى عليه السلام، ثم أوحى الله تعالى إلى خاتم الرسل والأنبياء على الإطلاق محمد بن عبد الله، المنسوب إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، وهو أشرف من كل من تقدمه منهم صلى الله عليه وسلم »25.
والمقصود من إرسال الرسل طاعة المرسل.
قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)[النساء: ٦٤].
«فالله أرسل رسله؛ ليطاعوا- بإذنه وفي حدود شرعه- في تحقيق منهج الدين. منهج الله الذي أراده لتصريف هذه الحياة. وما من رسول إلا أرسله الله ليطاع بإذن الله. فتكون طاعته طاعة لله، ولم يرسل الرسل لمجرد التأثر الوجداني، والشعائر التعبدية، فهذا وهمٌ في فهم الدين لا يستقيم مع حكمة الله من إرسال الرسل، وهي إقامة منهج معين للحياة، في واقع الحياة»26.
أمر سبحانه عباده بذكر نعمته عليهم من إرساله الرسول بالهدى والبينات إليهم، ومعه القرآن والسنة؛ ليرشدهم بهما إلى الأحكام والحكم الشرعية التي تستقر بها الحياة، فقال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [البقرة: ٢٣١].
واذكروا ما أنزل الله عليكم في القرآن والسنة النبوية من أحكام وحكم تشريعية؛ لتوفير استقرار الحياة الزوجية، وتحقيق السعادة والهناءة وغير ذلك، مما فيه مصلحة ومنفعة؛ إذ أن الأحكام تضع أصول النظام، وأسرار الحكمة التشريعية تساعد على الامتثال والاتعاظ والاقتناع27.
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة: ١٥٠].
أي: «ولأتم بذلك من هدايتي لكم إلى قبلة خليلي إبراهيم عليه السلام الذي جعلته إمامًا للناس نعمتي، فأكمل لكم به فضلي عليكم، وأتمم به شرائع ملتكم الحنيفية المسلمة»28.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [المائدة: ٦].
قوله: (ﮌ ﮍ ﮎ) «أي: يكمل النعم الموجودة قبل الإسلام بنعمة الإسلام، أو ويكمل نعمة الإسلام بزيادة أحكامه الراجعة إلى التزكية والتطهير مع التيسير في أحوالٍ كثيرةٍ. فالإتمام إما بزيادة أنواعٍ من النعم لم تكن، وإما بتكثير فروع النوع من النعم»29.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [المائدة: ٣].
تأمل كيف وصف الدين الذي اختاره لهم بالكمال، والنعمة التي أسبغها عليهم بالتمام إيذانًا في الدين بأنه لا نقص فيه ولا عيب ولا خلل، ولا شيء خارجًا عن الحكمة بوجه، بل هو الكامل في حسنه وجلالته، ووصف النعمة بالتمام إيذانا بدوامها واتصالها، وأنه لا يسلبهم إياها بعد إذ أعطاهموها، بل يتمها لهم بالدوام في هذه الدار وفي دار القرار.
وتأمل حسن اقتران التمام بالنعمة وحسن اقتران الكمال بالدين، وإضافة الدين إليهم، إذ هم القائمون به المقيمون له. وأضاف النعمة إليه إذ هو وليها ومسديها والمنعم بها عليهم، فهي نعمة حقًّا، وهم قابلوها. وأتى في الكمال باللام المؤذنة بالاختصاص، وأنه شيء خصوا به دون الأمم. وفي إتمام النعمة بعلى المؤذنة بالاستعلاء والاشتمال والإحاطة فجاء (ﭿ) في مقابلة (ﭼ) و (ﮀ) في مقابلة (ﮃ) و (ﮁ) في مقابلة (ﭾ) وأكد ذلك، وزاده تقريرًا وكمالًا، وإتمامًا للنعمة بقوله: (ﮂ ﮃ ﮄ) 30.
قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران: ١٠٣].
قال الشنقيطي رحمه الله: «لم يبين هنا ما بلغته معاداتهم من الشدة، ولكنه بين في موضعٍ آخر أن معاداتهم بلغت من الشدة أمرًا عظيمًا حتى لو أنفق ما في الأرض كله لإزالتها وللتأليف بين قلوبهم لم يفد ذلك شيئًا، وذلك في قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأنفال: ٦٢ - ٦٣]».
وقال سيد قطب رحمه الله: «والنص القرآني يعمد إلى مكمن المشاعر والروابط: «القلب» فلا يقول: (فألف بينكم). إنما ينفذ إلى المكمن العميق: (ﭿ ﮀ ﮁ) فيصور القلوب حزمة مؤلفة متآلفة بيد الله وعلى عهده وميثاقه»31.
قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [المائدة: ١١].
«يذكر تعالى عباده المؤمنين بنعمه العظيمة، ويحثهم على تذكرها بالقلب واللسان، وأنهم -كما أنهم يعدون قتلهم لأعدائهم، وأخذ أموالهم وبلادهم وسبيهم نعمةً - فليعدوا أيضًا إنعامه عليهم بكف أيديهم عنهم، ورد كيدهم في نحورهم نعمة، فإنهم الأعداء، قد هموا بأمر، وظنوا أنهم قادرون عليه.
فإذا لم يدركوا بالمؤمنين مقصودهم، فهو نصر من الله لعباده المؤمنين ينبغي لهم أن يشكروا الله على ذلك، ويعبدوه ويذكروه، وهذا يشمل كل من هم بالمؤمنين بشرٍّ، من كافر ومنافق وباغ، كف الله شره عن المسلمين، فإنه داخل في هذه الآية»32.
وفي حادث الأحزاب ذكر الله المؤمنين بنعمته عليهم أَنْ ردَّ عنهم الجيش الذي هَمَّ أن يستأصلهم، لولا عون الله وتدبيره اللطيف.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأحزاب: ٩].
قال الشنقيطي رحمه الله: «أمر الله جل وعلا المؤمنين في هذه الآية الكريمة أن يذكروا نعمته عليهم حين جاءتهم جنودٌ وهم جيش الأحزاب، فأرسل جل وعلا عليهم ريحًا وجنودًا لم يرها المسلمون، وهذه الجنود التي لم يروها التي امتن عليهم بها في سورة «الأحزاب»، بين أنه من عليهم بها أيضًا في غزوة حنينٍ.
وذلك في قوله تعالى: (ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [التوبة: ٢٥ - ٢٦].
وهذه الجنود هي الملائكة، وقد بين جل وعلا ذلك في «الأنفال»، في الكلام على غزوة بدرٍ، وذلك في قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأنفال: ١٢].
وهذه الجنود التي لم يروها التي هي الملائكة، قد بين الله جل وعلا في «براءة»، أنه أيد بها نبيه صلى الله عليه وسلم وهو في الغار، وذلك في قوله: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [التوبة: ٤٠]» 33.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [آل عمران: ١٦٩ - ١٧١].
قال ابن كثير رحمه الله: «هذه الآيات الكريمة فيها فضيلة الشهداء وكرامتهم، وما مَنَّ الله عليهم به من فضله وإحسانه، وفي ضمنها تسلية الأحياء عن قتلاهم وتعزيتهم، وتنشيطهم للقتال في سبيل الله والتعرض للشهادة، فقال: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) أي: في جهاد أعداء الدين، قاصدين بذلك إعلاء كلمة الله.
فلا يخطر ببالك وحسبانك أنهم ماتوا وفقدوا، وذهبت عنهم لذة الحياة الدنيا والتمتع بزهرتها، الذي يحذر من فواته، من جبن عن القتال، وزهد في الشهادة (ﮝ) قد حصل لهم أعظم مما يتنافس فيه المتنافسون، فهم (ﮞ) في دار كرامته.
ولفظ: (ﮟ ﮠ) يقتضي علوَّ درجتهم، وقربهم من ربهم، (ﮡ) من أنواع النعيم الذي لا يعلم وصفه إلا من أنعم به عليهم، ومع هذا (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) أي: مغتبطين بذلك، قد قرت به عيونهم، وفرحت به نفوسهم، وذلك لحسنه وكثرته، وعظمته، وكمال اللذة في الوصول إليه، وعدم المنغص.
فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق، ونعيم القلب والروح بالفرح بما آتاهم من فضله: فتم لهم النعيم والسرور، وجعلوا (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) أي: يبشر بعضهم بعضًا، بوصول إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم، وأنهم سينالون ما نالوا، (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) أي: يستبشرون بزوال المحذور عنهم وعن إخوانهم المستلزم كمال السرور، (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) أي: يهنئ بعضهم بعضًا، بأعظم مهنأ به، وهو: نعمة ربهم، وفضله، وإحسانه.
(ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) بل ينميه ويشكره، ويزيده من فضله، ما لا يصل إليه سعيهم. وفي هذه الآيات إثبات نعيم البرزخ، وأن الشهداء في أعلى مكان عند ربهم، وفيه تلاقي أرواح أهل الخير، وزيارة بعضهم بعضا، وتبشير بعضهم بعضًا»34.
والتأليف بين القلوب مقصد عظيم من المقاصد التي جاء بها القرآن الكريم، قال ابن عاشور رحمه الله معددًا المقاصد التي جاء بها القرآن والتي منها: «سياسة الأمة، وهو بابٌ عظيمٌ في القرآن، القصد منه صلاح الأمة وحفظ نظامها، كالإرشاد إلى تكوين الجامعة بقوله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [آل عمران: ١٠٣].»35.
بين القرآن أسباب تثبيت النعم أو زوالها، وسوف نتناول ذلك بالبيان فيما يلي:
أولًا: أسباب التثبيت والزيادة:
قرن الله عز وجل في كتابه النعم بالشكر في مواضع من كتابه منها:
قوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النحل:١١٤].
أي: فاشكروا نعمة الله ولا تكفروها، فيحل بكم ما حل بأهل القرية المضروبة مثلًا36.
وقوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [المائدة: ٦].
أي: لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة، والتسهيل والسماحة37.
وقوله تعالى في ثنائه على سليمان عليه السلام: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النمل:١٩].
أي: ألهمني أن أشكر نعمتك التي مننت بها علي، من تعليمي منطق الطير والحيوان، وعلى والدي بالإسلام لك، والإيمان بك38، فسأل ربه التوفيق للقيام بشكر نعمته الدينية والدنيوية عليه وعلى والديه39.
وشكره بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها، ومقابلته منته بالاعتراف والعجز عن الشكر والاجتهاد في الثناء بها على الله، والنعم على الوالدين نعم على أولادهم وذريتهم؛ لأنهم لابد أن ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها، خصوصًا نعم الدين، فإن صلاح الوالدين بالعلم والعمل من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم 40.
وقوله تعالى في ثنائه على أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الأحقاف: ١٥].
قال علي رضي الله عنه: هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أسلم أبواه جميعًا ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه غيره، فأوصاه الله بهما ولزم ذلك من بعده41، فطلب العون من الله على زيادة الإحسان إليهما بأن يلهمه الشكر على نعمه عليه وعلى والديه.
وقوله تعالى في معرض امتنانه على لوط عليه السلام ومن آمن معه بإنجائهم من قومهم الكفار: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [القمر: ٣٣ - ٣٥].
وقوله تعالى في مدحه لإبراهيم عليه السلام: (ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [النحل: ١٢١].
أي: قائمًا بشكر نعم الله عليه.
ولفظ الأنعم في الآية جمع قلة، ونعم الله تعالى على إبراهيم عليه السلام كانت كثيرة، فلم قال: (ﭱ ﭲﭳ) ؟
قال الرازي رحمه الله: «المراد أنه كان شاكرًا لجميع نعم الله إن كانت قليلة فكيف الكثيرة؟»42.
فالشاكر على القليل يشكر إذا أتاه الكثير من باب الأولى، فاشكروا الله اقتداء به ليزيدكم.
ودلالة الاقتران بين النعم والشكر أن الشكر حافظ للنعم، كما قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [إبراهيم: ٧].
قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [النحل: ٥٣].
أي: «ما يكن بكم في أبدانكم أيها الناس من عافية وصحة وسلامة، وفي أموالكم من نماء، فالله المنعم عليكم بذلك لا غيره؛ لأن ذلك إليه وبيده، فإذا أصابكم في أبدانكم سقم ومرض، وعلة عارضة، وشدة من عيش، فإلى الله تصرخون بالدعاء وتستغيثون به؛ ليكشف ذلك عنكم»43.
قال السعدي رحمه الله: «أي: تضجون بالدعاء والتضرع؛ لعلمكم أنه لا يدفع الضر والشدة إلا هو، فالذي انفرد بإعطائكم ما تحبون، وصرف ما تكرهون، هو الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده»44.
أمر الله نبيه وورثته من بعده بالتحدث بنعم الله عليه، فالتحدث بالنعم شكر لها.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الضحى: ١١].
أي: «انشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء، والتحدث بنعم الله، والاعتراف بها شكرٌ»45.
قال ابن القيم رحمه الله: «في هذا التحديث قولان:
أحدهما: أنه ذكر النعمة والإخبار بها. وقول العبد: أنعم الله علي بكذا وكذا. أي: اذكر نعم الله عليك في هذه السورة من الإيواء مع اليتم، والهدى بعد الضلال، والإغناء بعد العيلة.
والقول الثاني: أن التحدث بالنعمة المأمور به في هذه الآية: هو الدعوة إلى الله، وتبليغ رسالته، وتعليم الأمة. قال مجاهد رحمه الله: هي النبوة.
وقال الزجاج رحمه الله: أي: بلغ ما أرسلت به، وحدث بالنبوة التي آتاك الله46. والصواب: أنه يعم النوعين؛ إذ كلٌّ منهما نعمة مأمور بشكرها، والتحدث بها، وإظهارها من شكرها»47.
والتحدث بالنعمة له ضوابط:
قال العلماء: «شكر النعمة عبارةٌ عن صرفها إلى طلب مرضاة المنعم»51.
فالتصرف بالنعمة بلا بطر، وبلا استعلاء على الخلق، وبلا استخدام للنعمة في الأذى والشر والدنس والفساد، مما يزكي النفس، ويدفعها للعمل الصالح، وللتصرف الصالح في النعمة بما ينميها ويبارك فيها.
قال تعالى على لسان موسى عليه السلام: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [القصص: ١٧].
أي: بما جعلت لي من الجاه والعز والنعمة (ﮛ ﮜ ﮝ) أي: معينًا (ﮞ) أي: الكافرين بك، المخالفين لأمرك52. فهو عهد مطلق ألا يقف في صف المجرمين ظهيرًا ومعينًا.
قال في التفسير المنير: «أراد بمظاهرة المجرمين: إما صحبة فرعون وانتظامه في جملته، وتكثير سواده، حيث كان يركب بركوبه كالولد مع الوالد، وكان يسمى ابن فرعون، وإما بمظاهرة من أدت مظاهرته إلى الجرم والإثم، كمظاهرة الإسرائيلي المؤدية إلى القتل الذي لم يحل له قتله»53.
وقال ابن عاشور رحمه الله: «أراد بالمجرمين من يتوسم منهم الإجرام، وأراد بهم الذين يستذلون الناس ويظلمونهم»54.
ومن صور استخدام النعمة فيما وهبت له: إظهار آثارها المقصودة منها: كإظهار النصر للحق بنعمة الشجاعة، وإغاثة الملهوفين بنعمة الكرم، وتثقيف الأذهان بنعمة العلم 55.
فالشكر سلوك عملي، قال تعالى آمرًا داود بالشكر العملي: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [سبأ: ١٣].
وظاهر القرآن والسنة: أن الشكر بعمل الأبدان دون الاقتصار على عمل اللسان، فالشكر بالأفعال عمل الأركان، والشكر بالأقوال عمل اللسان56.
ثانيًا: أسباب زوال النعم:
وبدارسة أسباب دوام النعم وازدياها قد تكفي لمعرفة زوالها أو نقصانها؛ لأن فقدان أسباب الزيادة والدوام هي أسباب لذهابها ونقصانها، ولكن لمزيد التأكيد والإيضاح نذكر بما يلي:
قال تعالى في وصف كفار قريش: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [إبراهيم: ٢٨].
روى البخاري بسنده، عن عطاءٍ، سمع ابن عباسٍ: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)، قال: هم كفار أهل مكة57.
قال ابن كثير رحمه الله: «وإن كان المعنى يعم جميع الكفار، فإن الله تعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين، ونعمةً للناس، فمن قبلها وقام بشكرها دخل الجنة، ومن ردها وكفرها دخل النار»58.
وقال تعالى منكرًا على من أشرك في عبادة المنعم غيره: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [العنكبوت: ٦٧].
أي: يؤمنون «بالأصنام والأنداد، ويسترون نعم الله عليهم ويضيفونها إلى غيره»59.
وفي هذا المعنى ورد في الصحيح أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة ممتنًا عليه: (ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟)60.
وقال تعالى في نكران الكافرين شكر نعمة الله عليهم: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النحل: ٨٣].
أي: ينكرون شكرها، فإن النعمة تقتضي أن يشكر المنعم عليه بها من أنعم عليه، فلما عبدوا ما لا ينعم عليهم فكأنهم أنكروها61.
وقال تعالى موبخًا المشركين الذين يجازون النعمة بالشرك، بدل الشكر للمنعم المتفضل الوهاب: (ﯽ ﯾ ﯿ) [النحل: ٧١].
أي: «أفبنعمة الله التي أنعمها على هؤلاء المشركين من الرزق الذي رزقهم في الدنيا يجحدون بإشراكهم غير الله من خلقه في سلطانه وملكه؟»62.
أخبر الله تعالى في كتابه عن حالة الإنسان وطبيعته، أنه حين يمسه ضُرٌّ، من مرض أو شدة أو كرب يدعوه ملحًّا في الدعاء؛ لتفريج ما نزل به، فلما كشف الله ضره وأزال مشقته نسي وعاد بربه كافرًا، ولمعروفه منكرًا.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الزمر: ٨].
وقال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الزمر: ٤٩]
والآيتان «تصوران أنموذجًا مكررًا للإنسان، ما لم تهتد فطرته إلى الحق، وترجع إلى ربها الواحد، وتعرف الطريق إليه، فلا تضل عنه في السراء والضراء. إن الضرَّ يسقط عن الفطرة ركام الأهواء والشهوات، ويعريها من العوامل المصطنعة التي تحجب عنها الحق الكامن فيها وفي ضمير هذا الوجود. فعندئذ ترى الله وتعرفه وتتجه إليه وحده، حتى إذا مرت الشدة وجاء الرخاء، نسي هذا الإنسان ما قاله في الضراء، وانحرفت فطرته بتأثير الأهواء، وقال عن النعمة والرزق والفضل: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) قالها قارون، وقالها كل مخدوع بعلم أو صنعة أو حيلة يعلل بها ما اتفق له من مال أو سلطان، غافلًا عن مصدر النعمة، وواهب العلم والقدرة، ومسبب الأسباب، ومقدر الأرزاق»63.
أخبر تعالى في كتابه عن طبيعة الإنسان أنه جاهل ظالم، حيث إذا أذاقه الله منه رحمة كالصحة والرزق، والأولاد، ونحو ذلك، ثم نزعها منه، فإنه يستسلم لليأس، وينقاد للقنوط، فلا يرجو ثواب الله، ولا يخطر بباله أن الله سيردها أو مثلها، أو خيرًا منها عليه، وأنه إذا أذاقه رحمة من بعد ضراء مسته، أنه يفرح ويبطر ويفخر بنعم الله على عباد الله، ويتكبر على الخلق، ويحتقرهم ويزدريهم، ويستثنى من ذلك المؤمنون بالله.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [هود: ١٠ - ١١].
وقال سبحانه على لسان موسى عليه السلام لفرعون الذي استعمل نعم الله عليه من المال والسلطان في الإساءة لبني اسرائيل حيث جعلهم عبيدًا وخدمًا، يصرفهم في أعماله ومشاقِّ رعيته، (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الشعراء: ١٧ - ٢٢].
أولًا: ثمرات شكر النعمة في الدنيا:
الشكر والمزيد مقترنان لا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [إبراهيم: ٧].
أي: «من اشتغل بشكر نعم الله زاده الله من نعمه، والشكر عبارةٌ عن الاعتراف بنعمة المنعم مع تعظيمه وتوطين النفس على هذه الطريقة»64.
وفي معنى الشكر قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: « الشكر: تصور النعمة وإظهارها.. والشكر ثلاثة أضرب: شكر القلب وهو تصور النعمة، وشكر اللسان وهو الثناء على المنعم، وشكر سائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [سبأ: ١٣].
وذكر (ﯮ) ولم يقل: اشكروا؛ لينبه على التزام الأنواع الثلاثة من الشكر بالقلب واللسان وسائر الجوارح »65.
وقال ابن القيم رحمه الله: «ومعاني الشكر ثلاثة أشياء: معرفة النعمة، ثم قبول النعمة، ثم الثناء بها. أما معرفتها: فهو إحضارها في الذهن، ومشاهدتها وتمييزها. فمعرفتها: تحصيلها ذهنًا، كما حصلت له خارجًا؛ إذ كثيرٌ من الناس تحسن إليه وهو لا يدري، فلا يصح من هذا الشكر، ثم قبول النعمة. قبولها: هو تلقيها من المنعم بإظهار الفقر والفاقة إليها، وأن وصولها إليه بغير استحقاقٍ منه، ولا بذل ثمنٍ، بل يرى نفسه فيها كالطفيلي، فإن هذا شاهدٌ بقبولها حقيقةً، ثم الثناء بها. والثناء على المنعم، المتعلقٌ بالنعمة نوعان: عامٌّ، وخاصٌّ. فالعام: وصفه بالجود والكرم، والبر والإحسان، وسعة العطاء، ونحو ذلك. والخاص: التحدث بنعمته، والإخبار بوصولها إليه من جهته. كما قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الضحى: ١١]»66.
وقال أبو حيان رحمه الله: «لم يبين في الآية محلَّ الزيادة، فاحتمل أن يكون في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما، وجاء التركيب على ما عهد في القرآن من أنه إذا ذكر الخير أسند إليه تعالى. وإذ ذكر العذاب بعده عدل عن نسبته إليه فقال: (ﭲ)، فنسب الزيادة إليه، وقال: (ﭶ ﭷ ﭸ)، ولم يأت التركيب: لأعذبنكم »67.
ووعد الله بالمزيد حقيقة تطمئن إليها قلوب المؤمنين؛ لأنها وعد من الله صادق، فلابد أن يتحقق على أية حال.
«إن شكر النعمة دليل على استقامة المقاييس في النفس البشرية، فالخير يشكر؛ لأن الشكر هو جزاؤه الطبيعي في الفطرة المستقيمة، هذه واحدة، والأخرى أن النفس التي تشكر الله على نعمته، تراقبه في التصرف بهذه النعمة بلا بطر، وبلا استعلاء على الخلق، وبلا استخدام للنعمة في الأذى والشر والدنس والفساد. وهذه وتلك مما يزكي النفس، ويدفعها للعمل الصالح، وللتصرف الصالح في النعمة بما ينميها ويبارك فيها ويرضي الناس عنها وعن صاحبها، فيكونون له عونًا ويصلح روابط المجتمع، فتنمو فيه الثروات في أمان، إلى آخر الأسباب الطبيعية الظاهرة لنا في الحياة، وإن كان وعد الله بذاته يكفي لاطمئنان المؤمن، أدرك الأسباب أو لم يدركها، فهو حق واقع؛ لأنه وعد الله»68.
قال الراغب رحمه الله: «وإتمام نعمته هو أن نعم الله تعالى ضربان: أحدهما موهوب، والآخر مكتسب، فالموهوب: كجودة الحفظ والفهم وصحة البدن والجاه، وكل ذلك لا يستحق بحصوله الحمد، ولا بفواته الذم، والمكتسب كالعلم والعمل الصالح المتوصل بهما إلى الثواب وهو الإيمان، وبه يستحق المدح والذم»69.
وقال ابن عاشور رحمه الله: «إتمام النعمة: هو خلوصها مما يخالطها من الحرج، والتعب»70.
قرن سبحانه النعمة بالتمام في مواضع من كتابه، مع اختلاف الإتمام حسب سياق الآيات كما يلي:
وأصل النعمة: «الهداية لدينه بإرسال رسوله، وإنزال كتابه، ثم بعد ذلك النعم المتممات لهذا الأصل، لا تعد كثرة، ولا تحصر، منذ بعث الله رسوله إلى أن قرب رحيله من الدنيا، وقد أعطاه الله من الأحوال والنعم، وأعطى أمته، ما أتم به نعمته عليه وعليهم»71.
وأعلى هذه النعم وأجلها الثبات على الإيمان والموت عليه، ثم دخول جنات النعيم.
قال سيد قطب رحمه الله: «ويقف المؤمن أمام إتمام نعمة الله على المؤمنين، بإكمال هذا الدين وهي النعمة التامة الضخمة الهائلة، النعمة التي تمثل مولد الإنسان في الحقيقة، كما تمثل نشأته واكتماله. فالإنسان لا وجود له قبل أن يعرف إلهه كما يعرفه هذا الدين له، وقبل أن يعرف الوجود الذي يعيش فيه كما يعرفه له هذا الدين، وقبل أن يعرف نفسه ودوره في هذا الوجود وكرامته على ربه، كما يعرف ذلك كله من دينه الذي رضيه له ربه» 72.
ومن النعم المتممة لنعمة الدين شعيرة التيمم.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [المائدة: ٦].
أي: « لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة، والرأفة والرحمة، والتسهيل، والسماحة»73.
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: «(ﮌ ﮍ ﮎ) بالجمع بين طهارة الأرواح وتزكيتها، وطهارة الأجساد وصحتها، فإنما الإنسان روحٌ وجسدٌ، لا تكمل إنسانيته إلا بكمالهما معًا، فالصلاة تطهر الروح، وتزكي النفس؛ لأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتربي في المصلي ملكة مراقبة الله تعالى وخشيته لدى الإساءة، وحبه والرجاء فيه عند الإحسان، وتذكره دائمًا بكماله المطلق، فتوجه همته دائمًا إلى طلب الكمال. والطهارة التي جعلها الله تعالى شرطًا للدخول في الصلاة ومقدمةً لها، تطهر البدن وتنشطه؛ فيسهل بذلك العمل على العامل من عبادةٍ وغير عبادةٍ، فما أعظم نعمة الله تعالى على الناس بهذا الدين القويم، وما أجدر من هداه الله إليه بدوام الشكر له عليه!»74.
ثانيًا: ثمرات شكر النعمة في الآخرة:
أعد الله سبحانه للشاكرين لنعمه جزاء عظيمًا، وثوابًا كبيرًا في الآخرة، فعندما يقوم الإنسان بحقوق النعمة من الإقرار والاعتراف بالنعمة، ومن شكر المنعم جل شأنه فإنه يضع نفسه حينذاك في المكان الذي يرضى فيه عنه ربه ومولاه، وينتظر فيه حسن الجزاء والمكافأة، وقد ورد في القرآن الكريم آيتان متتاليتان أن الله سبحانه يجزي الشاكرين على شكرهم.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ) [آل عمران: ١٤٣ - ١٤٥].
والحديث في هاتين الآيتين عن شكر نعمة الله في الدين والهداية، وذلك باتباع شرع الله تبارك وتعالى، وإيثار الآخرة على الدنيا. والملاحظ أن الله سبحانه لم يذكر ما هو جزاؤه في الآخرة، ويغني عن ذلك وعد الله بالجزاء، فإنه جزاء وعد به أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين.
والآية الثانية وإن نزلت في الجهاد، لكن حكمها عام في جميع الأعمال الحسنة، حيث قيل: إن الوعد بالجزاء الحسن المراد به المجاهدون من الشهداء وغيرهم، وقيل: جنس الشاكرين، وهم داخلون فيه دخولًا أوليًّا، وتصدير الجملة بالسين، وإبهام الجزاء للتأكيد، وللدلالة على فخامة الجزاء وعظمه 75.
وهذا الذي تضمنته الآيتان الكريمتان من الوعد الحسن للشاكرين بما يستحقون من الثواب، وإن كان المراد بهما الطائعين لله من المهاجرين والأنصار كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، إلا أن المراد كل الشاكرين، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب 76.
قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [النساء: ١٤٧].
قال قتادة رحمه الله: «إن الله جل ثناؤه لا يعذب شاكرًا ولا مؤمنًا»77.
قال سيد قطب رحمه الله: «نعم! (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) ؟ إن عذابه لجزاء على الجحود والكفران وتهديد لعله يقود إلى الشكر والإيمان، إنها ليست شهوة التعذيب، ولا رغبة التنكيل ولا التذاذ الآلام، ولا إظهار البطش والسلطان، تعالى الله عن ذلك كله علوًّا كبيرًا، فمتى اتقيتم بالشكر والإيمان فهنالك الغفران والرضوان»78.
«فالحكيم يضع الأشياء مواضعها، فيجازي على الإحسان بالإحسان، وعلى الإساءة بالإساءة، فإذا أقلع المسيء عن الإساءة أبطل الله جزاءه بالسوء، إذ لا ينتفع بعذابٍ ولا بثوابٍ، ولكنها المسببات تجري على الأسباب. وإذا كان المؤمنون قد ثبتوا على إيمانهم وشكرهم، وتجنبوا موالاة المنافقين والكافرين، فالله لا يعذبهم؛ إذ لا موجب لعذابهم»79.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الزمر: ٧].
قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: «يضاعف لكم، وكأنه يريد ثواب الشكر، وقيل: يقبله منكم»80.
«وإنما رضي لهم سبحانه الشكر؛ لأنه سبب سعادتهم في الدنيا والآخرة»81.
والمعنى: وإن تشكروا الله على نعمه وتؤمنوا به؛ لأن الشكر يقتضي الإيمان، فإن الله يرضى لكم ذلك السبيل ويثيبكم عليه؛ لأنه سبب لفوزكم بسعادة الدارين، لا لانتفاعه تعالى به، فهو غني عن الشكر.
وإن الجنة بكل ما فيها من نعيم لتتضاءل وتتوارى في هالات ذلك الرضوان الكريم، فما أروع الشكر الذي يوصل إلى رضوان الله. وقد روى مسلم بسنده في باب إحلال الرضوان على أهل الجنة، عن أبي سعيدٍ الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى؟ يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب وأي شيءٍ أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا)82.
لكفران النعم عواقب، نتناولها بالبيان فيما يأتي:
أولًا: المحن والزوال، التعاسة والشقاء:
إذا جحد المرء نعم ربه تبارك وتعالى، فإن الله يسلب منه هذه النعمة، وتحل مكانها النقمة، وليس بالضرورة أن تسلب النعمة، بل قد يزاد له فيها استدراجًا له حتى يزداد إثمًا؛ وذلك لحكمة يريدها الله سبحانه وتعالى.
وقد ذكر تعالى بعض الأمم الذين جحدوا نعمته فسلب منهم تلك النعمة، فقوم سبأ لما أعرضوا عن الشكر وجحدوا النعمة، أبدلهم الله مكانها شرًّا ونقمة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [سبأ: ١٥ - ١٧].
وسبأ قبيلة معروفة في أداني اليمن، ومسكنهم بلدة يقال لها «مأرب». والآية هنا تبين: «ما أدَرَّ الله عليهم من النعم، وصرف عنهم من النقم، الذي يقتضي ذلك منهم أن يعبدوا الله ويشكروه، ثم فسر الآية بقوله: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) وكان لهم واد عظيم، تأتيه سيول كثيرة، وكانوا بنوا سدًا محكمًا، يكون مجمعًا للماء، فكانت السيول تأتيه، فيجتمع هناك ماء عظيم، فيفرقونه على بساتينهم، التي عن يمين ذلك الوادي وشماله، وتغل لهم تلك الجنتان العظيمتان من الثمار ما يكفيهم، ويحصل لهم به الغبطة والسرور، فأمرهم الله بشكر نعمه التي أَدَرَّها عليهم من وجوه كثيرة:
منها: هاتان الجنتان اللتان غالب أقواتهم منهما.
ومنها: أن الله جعل بلدهم بلدة طيبة؛ لحسن هوائها، وقلة وخمها، وحصول الرزق الرغد فيها.
ومنها: أن الله تعالى وعدهم -إن شكروه- أن يغفر لهم ويرحمهم؛ ولهذا قال: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ).
ومنها: أن الله لما علم احتياجهم في تجارتهم ومكاسبهم إلى الأرض المباركة، -الظاهر أنها: (قرى صنعاء قاله غير واحد من السلف، وقيل: إنها الشام)- هيأ لهم من الأسباب ما به يتيسر وصولهم إليها، بغاية السهولة، من الأمن، وعدم الخوف، وتواصل القرى بينهم وبينها، بحيث لا يكون عليهم مشقة، بحمل الزاد والمزاد»83.
فانظر كيف أبدلهم الله بالجنات والثمار ذلك الثمر البشع المر، وذلك النبات الذي لا فائدة منه ولا خير، وغيره من النبات الذي لا ثمر له. فهذا الجزاء من الواضح تمامًا أنه مترتب على كفر النعمة، والإعراض عن المنعم.
وكذلك فلقد ضرب القرآن لنا مثلًا تلك القرية التي كانت نعم الله تغمرها من كل مكان، وتحيط بها من كل اتجاه، ولكنها كفرت بتلك النعمة، وجحدت شكر موليها، فهل تبقى تلك النعم متصلةً بها، وهي على تلك الحال؟! القرآن يجيب عن ذلك.
قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النحل: ١١٢].
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، يعني: مكة84.
وهذه القرية وإن كان المقصود بها مكة حيث كفر أهلها بنعمة الله، وقد كانوا آمنين مطمئنين يعيشون فكفروا به وجحدوا رسالته، «إلا أن الآية عامة لكل قوم أنعم الله عليهم، فأبطرتهم النعمة ففعلوا ما فعلوا، فبدل الله نعمتهم بالنقمة، وإيثار جمع القلة » أنعم « للإيذان بأن كفران النعم القليلة أوجب العذاب، فكيف بكفران وجحود النعم الكبيرة؟» 85.
«ويجسم التعبير الجوع والخوف فيجعله لباسًا، ويجعلهم يذوقون هذا اللباس ذوقًا؛ لأن الذوق أعمق أثرًا في الحس من مساس اللباس للجلد. وتتداخل في التعبير استجابات الحواس فتضاعف مس الجوع والخوف لهم ولذعه وتأثيره وتغلغله في النفوس؛ لعلهم يشفقون من تلك العاقبة التي تنتظرهم لتأخذهم وهم ظالمون»86.
ثانيًا: العذاب المهين:
قال تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [المزمل: ١١ - ١٤].
أي: «اتركني وإياهم، فسأنتقم منهم، وإن أمهلتهم فلا أهملهم، هؤلاء أصحاب النعمة والغنى، الذين طغوا حين وسَّعَ الله عليهم من رزقه، وأمدهم من فضله، ثم توعدهم بما عنده من العقاب، فقال: إن عندنا عذابًا شديدًا، جعلناه تنكيلًا للذي لا يزال مستمرًا على الذنوب، و نارًا حامية (ﮡ ﮢ ﮣ) وذلك لمرارته وبشاعته، وكراهة طعمه وريحه الخبيث المنتن، وعذابًا موجعًا مفظعًا، وذلك (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) من الهول العظيم، (ﮫ ﮬ) الراسيات الصم الصلاب (ﮭ ﮮ) أي: بمنزلة الرمل المنهال المنتثر، ثم إنها تبس بعد ذلك، فتكون كالهباء المنثور»87.
موضوعات ذات صلة: |
الإنفاق، الشكر، الحمد، العطاء |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٤٦.
2 انظر: الصحاح، الجوهري ٥/٢٠٤١، شمس العلوم، نشوان الحميرى ١٠/٦٦٦٢، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٥٨٠، مختار الصحاح، الرازي ص٣١٤.
3 الكليات، الكفوي ص ٩١٢.
4 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٣٢٧.
5 التعريفات، الجرجاني ص ٢٤٢.
6 المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٧٠٧-٧٠٨.
7 انظر: نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ١/٥٩٧-٥٩٩، الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص ٤٤٠.
8 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٢٠٤.
وانظر: الصحاح، الجوهري ٢/٥٦٩.
9 التعريفات، الجرجاني ص ١٩١.
وانظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢٨٨، الكليات، الكفوي ص١٧٤.
10 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص١٩٧.
11 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٢٦٧.
12 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٣٦/١٩٤.
13 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص١٩٧.
14 انظر: تاج العروس، الزبيدي ١١/٢٣٨.
15 روح البيان، اسماعيل الخلواتي ٧/٣٤٨.
16 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص١٩٧.
17 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/١٤٥.
18 التحرير والتنوير ١٤/٢١٩.
19 تيسير الكريم الرحمن ص ٤٤٤.
20 المصدر السابق ص٤٤٥.
21 التحرير والتنوير ١٤/٢٣٧.
22 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٤٠.
23 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأطعمة، باب ما يقول إذا فرغ من طعامه، رقم ٥٤٥٨.
24 المختصر في تفسير القرآن، مركز تفسير ص ٦٩.
25 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٧٢.
26 في ظلال القرآن ٢/٦٩٦.
27 التفسير المنير، الزحيلي ٢/٣٥٢.
28 جامع البيان، الطبري ٢/٦٩١.
29 التحرير والتنوير ٦/١٣٢.
30 التفسير القيم، ابن القيم ص٢٣٤.
31 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٤٤٣.
32 تيسير الكريم الرحمن ص ٢٢٤.
33 أضواء البيان ٦/ ٢٣٤.
34 تيسير الكريم الرحمن ص ١٥٦.
35 التحرير والتنوير ١/٣٩.
36 التحرير والتنوير ١٤/٣٠٩.
37 جامع البيان، الطبري ٣/٦٠.
38 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٨٣.
39 تيسير الكريم الرحمن ص ٦٠٢.
40 المصدر السابق ص٧٨١.
41 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/١٩٤.
42 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/٢٨٤.
43 جامع البيان، الطبري ١٧/٢٢٤.
44 تيسير الكريم الرحمن ص ٤٤٢.
45 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/١٠٢.
46 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/٣٤٠.
47 انظر: التفسير القيم، ابن القيم ص٥٧٤.
48 التحرير والتنوير ٣٠/٤٠.
49 أحكام القرآن، ابن العربي ٤/٤١١.
50 مفاتيح الغيب، الرازي ٣١/٢٠١، بتصرف.
51 المصدر السابق ١٦/٧٩.
52 تفسير القرآن العظيم ٦/٢٠٣.
53 التفسير المنير، الزحيلي ٢٠/٧٥.
54 التحرير والتنوير ٢٠/٩٢.
55 المصدر السابق ١/٥٢٦.
56 التفسير المنير، الزحيلي ٢٢/١٥٩.
57 أخرجه البخاري في صحيحه، باب (ألم ترى إلى الذي بدلوا نعمة الله كفرًا)، رقم ٤٧٠٠.
58 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٠٨.
59 المصدر السابق ٤/٥٨٧.
60 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، رقم ٢٩٦٨. عن أبي هريرة رضي الله عنه.
61 التحرير والتنوير ١٤/٢٤٢.
62 جامع البيان، الطبري ١٤/٢٩٣.
63 في ظلال القرآن ٥/٣٠٥٦.
64 مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٦٦.
65 المفردات ص٢٦٥.
66 مدارج السالكين، ابن القيم ٢/٢٣٨.
67 البحر المحيط ٦/٤١١.
68 في ظلال القرآن ٤/٢٠٨٩.
69 تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣٤٣.
70 التحرير والتنوير ٦/١٠٧.
71 تيسير الكريم الرحمن ص ٧٣.
72 في ظلال القرآن ٢/٨٤٣.
73 تفسير القرآن العظيم ٣/٦٠.
74 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٦/٢١٤.
75 انظر: المقتطف من عيون التفاسير، المنصوري ١/٣٧٦.
76 انظر: الوجيز، الواحدي ص٢٣٥.
77 جامع البيان، الطبري ٧/٦٢٤.
78 في ظلال القرآن ٢/٧٨٦.
79 التحرير والتنوير ٥/٢٤٥.
80 البحر المحيط، أبو حيان ٩/١٨٧.
81 فتح القدير، الشوكاني ٤/٥١٨.
82 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة فلا يسخط عليهم أبدًا، رقم ٢٨٢٩.
83 تيسير الكريم الرحمن ص ٦٧٧.
84 جامع البيان، الطبري ١٤/٣٨٣.
85 انظر: المقتطف من عيون التفاسير، المنصوري ٣/١٦٣.
86 في ظلال القرآن ٤/٢١٩٩.
87 تيسير الكريم الرحمن ص ٨٩٣.