عناصر الموضوع

مفهوم النصر

النصر في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الله سبحانه وتعالى خير الناصرين

أنواع النصر

سنن النصر وقواعده

أسباب النصر

عوائق النصر

المعبودات من دون الله والنصر

مبشرات النصر

ثواب الناصرين

النصر

مفهوم النصر

أولًا: المعنى اللغوي:

النون والصاد والراء أصل صحيح يدل على إتيان خير وإيتائه، ونصر الله المسلمين: آتاهم الظفر على عدوهم، ينصرهم نَصْرًا، وانتصر: انتقم، وأما الإتيان فالعرب تقول: نَصَرْتُ بلد كذا: إذا أتيته، ويسمى المطر نَصْرًا، ونصرت الأرض، فهي منصورة، والنصر: العطاء، والنصر: العون 1.

نَصَرَهُ على عَدوِّه، يَنْصُرُه نَصْرًا، والاسم النُّصْرَةُ، والنَّصيرُ، والناصِرُ، وجمعه أنصارٌ كشريفٍ وأشرافٍ، وجمع الناصر: نصرٌ كصاحبٍ وصحبٍ، واستنصره على عدوه: سأله أن ينصره عليه، وتناصر القوم: نصر بعضهم بعضًا، والنصارى جمع نصرانٍ ونصرانةٍ2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

لا يختلف النصر في معناه الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، فهو يتضمن عدة معانٍ، منها: العون، والتأييد، والعطاء، ودفع الضر، فنصر فردٍ أو جماعة يشمل إعانتهم بالقول أو الفعل، وتأييدهم بالقول أو الفعل، وإعطاءهم ما ينصرهم، ويدفع الضر عنهم، وإلى هذا أشار الشوكاني رحمه الله بقوله: «هو التأييد الذي يكون به قهر الأعداء وغلبهم والاستعلاء عليهم»3.

النصر في الاستعمال القرآني

وردت مادة (نصر) في القرآن الكريم (١٥٥) مرة، يخص موضوع البحث منها (١٤٠) مرة4.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١٥

( ) [آل عمران:١٢٣]

الفعل المضارع

٤٣

( ) [محمد:٧]

فعل الأمر

٨

( ) [البقرة:٢٥٠]

المصدر

٢٢

( ) [البقرة:٢١٤]

اسم الفاعل

١٥

( ﭿ ) [الطارق:١٠]

الجمع

١١

( ) [البقرة:٢٧٠]

الصفة المشبهة

٢٤

( ) [البقرة:١٠٧]

اسم المفعول

٢

( ) [الإسراء:٣٣]

وجاء النصر في الاستعمال القرآني على أربعة أوجه5:

الأول: المنع: ومنه قوله تعالى: ( ﯿ ) [البقرة: ٤٨]. يعني: ولا هم يمنعون.

الثاني: العون: ومنه قوله تعالى: ( ) [الحج: ٤٠].

الثالث: الظفر: ومنه قوله تعالى: ( ) يعني: وما الظفر ( ) [آل عمران: ١٢٦].

الرابع: الانتقام: ومنه قوله تعالى: ( ) [الشورى: ٤١]. يعني: انتقم.

الألفاظ ذات الصلة

الفتح:

الفتح لغةً:

الفاء والتاء والحاء أصلٌ صحيح يدل على خلاف الإغلاق. يقال: فتحت الباب وغيره فتحًا. ثم يحمل على هذا سائر ما في هذا البناء. فالفتح والفتاحة: الحكم، والله تعالى الفاتح أي: الحاكم.

والفتح: الماء يخرج من عينٍ أو غيرها، والفتح: النصر والظفر، واستفتحت: استنصرت6.

الفتح اصطلاحًا:

إزالة الإغلاق والإشكال؛ بصرًا وبصيرةً7.

الصلة بين النصر والفتح:

النصر: الإغاثة والإظهار على العدو، والفتح: إظهار على العدو بفتح البلاد دون إغاثة8.

ظفر:

ظفر لغةً:

الظاء والفاء والراء أصلان صحيحان، يدل أحدهما على القهر والفوز والغلبة، والآخر على قوةٍ في الشيء، ولعل الأصلين يتقاربان في القياس، والظفر: الفوز، وأصله من: ظفر عليه. أي: نشب ظفره فيه9.

ظفر اصطلاحًا:

غلبة وقهر الآخرين بالقوة والسيطرة عليهم.

الصلة بين النصر والظفر:

النصر: هو العلو على المنازع والخصم والمناوئ المشاغب ككل، الظفر: العلو على المنازع قد يكون واحدا أو أكثر10.

الفوز:

الفوز لغةً:

الفاء والواو والزاي كلمتان متضادتان، فالأولى: النجاة، والأخرى: الهلكة.

فمن الأولى قولهم: فاز يفوز، إذا نجا، وهو فائز، وفاز بالأمر: إذا ذهب به وخلص، ويقال هذا لمن ظفر بخير وذهب به، والكلمة الأخرى قولهم: فوز الرجل، إذا مات وهلك11.

الفوز اصطلاحًا:

«الظفر بالخير مع حصول السلامة»12.

الصلة بين النصر والفوز:

النصر: هو الخلاص من اضطهاد وسيطرة الآخرين مع إذلالهم، الفوز: هو الخلاص من المكروه مع الوصول الى المحبوب13.

الظهور:

الظهور لغةً:

الظاء والهاء والراء أصل صحيح واحد يدل على قوة وبروز، من ذلك: ظهر الشيء يظهر ظهورا فهو ظاهر، إذا انكشف وبرز، والظهور: الغلبة14.

الظهور اصطلاحًا:

تكلف المظاهرة، وهو تسند القوة، كأنه استناد ظهر إلى ظهر15.

الصلة بين النصر والظهور:

النصر: يكون بقصد مخطط له، والظهور: يكون بقصد وبغير قصد16.

الله سبحانه وتعالى خير الناصرين

ذكر سبحانه وتعالى أنه خير الناصرين لأوليائه، وأن الكافرين ليس لهم نصير يمنعهم من عذابه.

أولًا: الله سبحانه وتعالى نصير المؤمنين:

أخبر سبحانه وتعالى أنه المتولي للمؤمنين تولي عناية، والناصر لهم من أعدائهم.

قال تعالى: ( ﯬﯭ ) [الأنفال: ٤٠].

وقال تعالى: ( ﮦﮧ ﮰﮱ ﯕﯖ ﯥﯦ ﯮﯯ ) [الحج: ٧٨].

أي: «ونعم الناصر من الأعداء»17، فيدفع عن المؤمنين «كيد الفجار، وتكالب الأشرار»18، وعطف على ( ) قوله: ( )؛ لما في المولى من معنى النصر19.

ثانيًا: الكافرون لا نصير لهم:

أخبر سبحانه وتعالى أن الكافرين يحرمون النصير؛ بسبب كفرهم.

قال تعالى: ( ) [الفتح: ٢٢].

وقال تعالى: ( ﮋﮌ ) [آل عمران: ٥٦].

وقال تعالى: ( ﯤﯥ ) [الحج: ٧١].

وقال تعالى: ( ﯥﯦ ﯯﯰ ) [فاطر: ٣٧].

قال تعالى: ( ﯓﯔ ) [الشورى: ٨].

أي: «والكافرون بالله ما لهم من ولي يتولاهم يوم القيامة، ولا نصير ينصرهم من عقاب الله حين يعاقبهم، فينقذهم من عذابه، ويقتص لهم ممن عاقبهم»20.

وأخبر عز وجل أن المنافقين لا يجدون من يدفع عنهم عذاب الله.

قال تعالى: ( ﭭﭮ ﭷﭸ ﮋﭾ ﭿ ﮇﮈ ﮋﮌ ) [التوبة: ٧٤].

وقال تعالى: ( ) [النساء: ١٤٥].

أي: ينقذهم مما هم فيه، ويخرجهم من أليم العذاب21.

وأخبر سبحانه وتعالى أن المستنكفين عن عبادته والمستكبرين عنها لا يجدون من دون الله من ينجيهم من عذابه إذا حل بهم.

قال تعالى: ( ) [النساء: ١٧٣].

أي: «ولا يجد المستنكفون عن عبادته والمستكبرون عنها إذا عذبهم الله الأليم من عذابه سوى الله لأنفسهم وليا ينجيهم من عذابه وينقذهم منه، ولا ناصرا ينصرهم، فيستنقذهم من ربهم، ويدفع عنهم بقوته ما أحل بهم من نقمته، كالذي كانوا يفعلون بهم إذا أرادهم غيرهم من أهل الدنيا في الدنيا بسوء من نصرتهم والمدافعة عنهم»22.

ويستفاد من الآيات: أنه من كان يعتمد عند الضيق في الدنيا على الأولياء والنصراء من دون الله؛ ليكفوا عنهم المصائب، يحرم النصير الذي يدفع عنه عذاب الله يوم القيامة.

أنواع النصر

أشار القرآن الكريم إلى أن النصر منه المحمود ومنه المذموم، وسيتناول هذا المبحث هذه النوعين في النقاط الآتية:

أولًا: النصر المحمود:

وله صور، منها:

  1. نصر الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.

    أخذ الله الميثاق على كل نبي أنه إذا بُعِثَ محمد ليؤمنن به ولينصرنه.

    قال تعالى: ( ﮭﮮ ﯕﯖ ﯘﯙ ) [آل عمران: ٨١].

    قال علي بن أبي طالب وابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيًّا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بعث محمدًا وهو حيٌّ ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بُعِثَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه23.

    ويستفاد من الآية: علوُّ مرتبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأنه أفضل الأنبياء -عليهم السلام- وسيدهم.

    وأخبر الله سبحانه وتعالى أن المهاجرين هم الذين صدقوا قولهم بفعلهم عند خروجهم من ديارهم وأموالهم للجهاد في سبيل الله ونصرة رسول الله.

    قال تعالى: ( ﯠﯡ ) [الحشر: ٨].

    أي: «وينصرون دين الله الذي بعث به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم »24.

    «وهي صورة صادقة تبرز فيها أهم الملامح المميزة للمهاجرين، أخرجوا إخراجًا من ديارهم وأموالهم، أكرههم على الخروج الأذى والاضطهاد والتنكر من قرابتهم وعشيرتهم في مكة، لا لذنب ( ).

    وقد خرجوا تاركين ديارهم وأموالهم ( ) اعتمادهم على الله في فضله ورضوانه. لا ملجأ لهم سواه، ولا جناب لهم إلا حماه، وهم مع أنهم مطاردون قليلون ( ) بقلوبهم وسيوفهم في أحرج الساعات وأضيق الأوقات. ( ) الذين قالوا كلمة الإيمان بألسنتهم، وصدقوها بعملهم، وكانوا صادقين مع الله في أنهم اختاروه، وصادقين مع رسوله في أنهم اتبعوه، وصادقين مع الحق في أنهم كانوا صورة منه تدب على الأرض ويراها الناس!»25.

    وفي الآية: أن من دلائل الإخلاص ما يلحق العامل من مشاقَّ وأذى وأضرار، فيحتمل ذلك ابتغاء مرضاة الله.

  2. نصر المظلومين والمستضعفين.

    حَثَّ الله عز وجل عباده المؤمنين وهيجهم؛ لنصرة إخوانهم المستضعفين الذين وقع عليهم الظلم من الأعداء، قال سبحانه وتعالى: ( ) [النساء: ٧٥].

    وهؤلاء المستضعفون يدعون الله أن يجعل لهم من ينصرهم على من ظلمهم، أي: «واجعل لنا من عندك من ينصرنا على من ظلمنا من أهل هذه القرية الظالم أهلها، بصدهم إيانا عن سبيلك حتى تظفرنا بهم ونعلي دينك»26.

    ويستفاد من الآية: أن الجهاد من أجل استنقاذ المستضعفين من أيدي أعدائهم أعظم أجرًا وأكبر فائدة من جهاد الطلب27؛ لأن هذا النوع من الجهاد من باب دفع الأعداء.

    ثانيًا: النصر المذموم:

    وله صور، منها:

  1. نصر المعبودات من دون الله.

    قال سبحانه وتعالى على لسان بعض قوم إبراهيم عليه السلام لبعض: ( ) [الأنبياء: ٦٨].

    «أي: إن كنتم ناصرين آلهتكم نصرًا مؤزرًا، فاختاروا له أفظع قتلة، وهي الإحراق بالنار، وإلا فقد فرطتم في نصرها»28.

    وأسند قول الأمر بإحراقه إلى جميعهم؛ لأنهم قبلوا هذا القول، والأمر في قولهم: () مستعمل في المشاورة 29.

    ومن هداية الآية: أن المبطل إذا أفحم بالحجة القاهرة لجأ إلى ما عنده من القوة؛ ليستعملها ضد أهل الحق، وهذه عادة الطغاة والمستبدين في كل وقت، يستشير بعضهم البعض ثم ينبعث أشقاهم بالفكرة المهلكة وينفذها.

    وأن الحرق وسيلة من وسائل الطغاة في محاربة أهل الحق؛ بقصد استئصالهم، وهذا ما حدث مع أصحاب الأخدود، وحدث مع ماشطة بنت فرعون وأبنائها، وحدث في العصر الحديث.

  2. نصر أعداء الأمة.

    عادة أهل النفاق معاونة أعداء الأمة من اليهود والنصارى ونصرتهم على المسلمين.

    قال تعالى: ( ﮋﭾ ﭿ ) [الحشر:١١].

    أي: وإن قاتلكم محمد صلى الله عليه وسلم ومن معه لننصرنكم معشر بني النضير عليهم30.

    وهم -خذلهم الله- سبب كل بلية أصابت الأمة في ماضيها، وسبب كل بلية تصيب الأمة في حاضرها، وقد حصر الله العداوة فيهم؛ لأنهم في وسط المسلمين ويعرفون مواطن القوة والضعف، ويعرفون من أين يؤتى المسلمون؛ ثم يخبرون الأعداء بها، وخاصة إذا كانوا أهل قوة وسلطان.

    قال تعالى: ( ) [المنافقون: ٤].

    سنن النصر وقواعده

    أولًا: سنن الله في نصر المؤمنين:

    ومنها:

  1. الابتلاء قبل النصر.

    قرن سبحانه وتعالى في كتابه بين ابتلاء المؤمنين وتحقيق نصرهم على أعدائهم.

    قال تعالى: ( ﯟﯠ ﯭﯮ ) [البقرة: ٢١٤].

    قال الطبري رحمه الله في تفسير الآية: «أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة، ولم يصبكم مثل ما أصاب من قبلكم من أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار، فتبتلوا بما ابتلوا واختبروا به من البأساء وهو شدة الحاجة، والفاقة، والضراء، وهي العلل، والأوصاب؛ ولم تزلزلوا زلزالهم، يعني: ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف، والرعب شدةٌ وجهدٌ حتى يستبطئ القوم نصر الله إياهم، فيقولون: متى الله ناصرنا. ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريبٌ، وأنه معليهم على عدوهم، ومظهرهم عليه، فنجز لهم ما وعدهم، وأعلى كلمتهم، وأطفأ نار حرب الذين كفروا»31.

    فهي سنته الجارية، التي لا تتغير ولا تتبدل، أن من قام بدينه وشرعه، لا بد أن يبتليه، فإن صبر على أمر الله، فهو الصادق الذي تحققت فيه الأهلية؛ لينال نصر الله مؤتمنًا عليه، فمن حكمته تعالى أن يضع الأشياء في محلها اللائق بها. وفي الآية: بشارة من الله تعالى للمسلمين بقرب النصر إذا حصل لهم من الزلزلة ما يملأ القلوب رعبًا، والقصد منه إكرام هذه الأمة بأنها لا يبلغ ما يمسها مبلغ ما مس من قبلها من الأمم، وأن يجيء نصر الله لها قبل استبطائه.

    لقد رسمت الآية طريق النصر: إنه طريق الإيمان والجهاد، ثم المحنة والابتلاء، ثم الصبر والثبات، ثم التوجه إلى الله وحده، ثم يجيء النصر.

    وقد سئل أحد الصالحين: أيما أفضل للرجل، أن يمكن له أو يبتلى؟ فقال: لا يمكن الرجل حتى يبتلى، فإن الله ابتلى نوحًا، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمدًا عليهم السلام فلما صبروا مكنهم، فلا يظن أحد أن يخلص من الألم البتة 32.

  2. سنة التدافع.

    قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٥١] أي: «ولولا أن الله يدفع ببعض الناس -وهم أهل الطاعة له والإيمان به- بعضًا -وهم أهل المعصية لله والشرك به- كما دفع عن المتخلفين عن طالوت يوم جالوت من أهل الكفر بالله والمعصية له، وقد أعطاهم ما سألوا ربهم ابتداءً من بعثة ملكٍ عليهم؛ ليجاهدوا معه في سبيله بمن جاهد معه من أهل الإيمان بالله واليقين والصبر، جالوت وجنوده، ( ) يعني: لهلك أهلها بعقوبة الله إياهم، ففسدت بذلك الأرض، ولكن الله ذو مَنٍّ على خلقه، وتطوُّلٍ عليهم بدفعه بالبر من خلقه عن الفاجر، وبالمطيع عن العاصي منهم، وبالمؤمن عن الكافر»33.

    وعن علاقة التدافع بالنصر: قال تعالى: ( ﭸﭹ ﭽﭾ ﭿ ) [الحج: ٤٠].

    فقوله: ( ﭽﭾ) عطف على جملة ( )، أي: أمر الله المسلمين بالدفاع عن دينهم وضمن لهم النصر في ذلك الدفاع؛ لأنهم بدفاعهم ينصرون دين الله، فكأنهم نصروا الله34.

    «لقد كانت الحياة كلها تأسن وتتعفن لولا ( )، ولولا أن طبيعة الناس التي فطرهم الله عليها تعارض مصالحهم واتجاهاتهم الظاهرية القريبة؛ لتنطلق الطاقات كلها تتزاحم وتتغالب وتتدافع، تنفض عنها الكسل والخمول، وتستجيش ما فيها من مكنونات مذخورة، وتظل أبدًا يقظة عاملة، مستنبطة لذخائر الأرض مستخدمة قواها وأسرارها الدفينة، وفي النهاية يكون الصلاح والخير والنماء»35.

  3. سنة التغيير.

    قال تعالى: ( ﯖﯗ) [الرعد: ١١].

    تقرر هذه الآية سنة من سنن الله سبحانه وتعالى في التغيير في حياة الناس، وهي أن يكون التغيير مبنيًّا على التغيير الواقعي في قلوبهم ونواياهم وسلوكهم وعملهم وأوضاعهم التي يختارونها لأنفسهم.

    «فالإنسان في نظر الإسلام مخلوق مكلف مسؤول، سيد في الكون، عبد لله، قادر على تغيير ما حوله بقدر ما يغير ما بنفسه»36.

    لذلك لابد للمصلحين «أن يعتمدوا منهج التغيير النفسي على أنه وسيلتها في بناء مجتمع أفضل، تزدهر فيه قوى الخير، وتنتصر فيه إرادة الحق، والتغيير من قديمٍ سبيلُ إصلاح، وأسلوب بناء، وطريق بقاء»37.

    ثانيًا: قواعد النصر:

    للنصر قواعد يقوم عليها منها:

  1. النصر من عند الله سبحانه وتعالى.

    إذا تتبعنا آيات النصر في القرآن نجد أنه قلما ذكر الله سبحانه وتعالى النصر من غير إضافته إليه، فالله سبحانه وتعالى هو النصير، وهو خير الناصرين، فهو سبحانه ينصر عباده المؤمنين على أعدائهم، ويبين لهم ما يحذرون منهم، ويعينهم عليهم. فالنصر حقُّ الله يمتن به على من يشاء من عباده؛ لحكم يعلمها ومنافع لعباده يقدرها.

    قال تعالى: ( ﯟﯠ ﯭﯮ ) [البقرة: ٢١٤].

    قال الشنقيطي رحمه الله: «ومعلوم أن هذه الإضافة هنا لها دلالة تمام وكمال، كما في بيت الله. مع أن المساجد كلها بيوت لله، فهو مشعر بالنصر كل النصر، أو بتمام النصر كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم»38.

    وفي آيات أخر أخبر سبحانه وتعالى أنه واهب النصر، كما قال تعالى: ( ) [العنكبوت: ١٠].

    وقال تعالى: ( ﮋﮌ ﮒﮓ ) [آل عمران: ١٢٦].

    وقال تعالى: ( ﭤﭥ ﭫﭬ ) [الأنفال: ١٠].

    والمعنى أن: «كل نصر هو من عند الله لا من الملائكة»39.

    والغرض منه: «أن يكون توكلهم على الله لا على الملائكة، وهذا تنبيه على أن إيمان العبد لا يكمل إلا عند الإعراض عن الأسباب والإقبال بالكلية على مسبب الأسباب»40.

    «وإجراء وصفي العزيز الحكيم هنا؛ لأنهما أولى بالذكر في هذا المقام؛ لأن العزيز ينصر من يريد نصره، والحكيم يعلم من يستحق نصره وكيف يعطاه»41.

    «وهكذا يحرص السياق القرآني على رد الأمر كله إلى الله، كي لا يعلق بتصور المسلم ما يشوب هذه القاعدة الأصيلة: قاعدة رد الأمر جملة إلى مشيئة الله الطليقة، وإرادته الفاعلة، وقدره المباشر، وتنحية الأسباب والوسائل عن أن تكون هي الفاعلة، وإنما هي أداة تحركها المشيئة، وتحقق بها ما تريده.

    وقد حرص القرآن الكريم على تقرير هذه القاعدة في التصور الإسلامي، وعلى تنقيتها من كل شائبة، وعلى تنحية الأسباب الظاهرة والوسائل والأدوات عن أن تكون هي الفاعلة...؛ لتبقى الصلة المباشرة بين العبد والرب، بين قلب المؤمن وقدر الله، بلا حواجز ولا عوائق ولا وسائل ولا وسائط، كما هي في عالم الحقيقة»42.

    وفي موضع آخر أخبر سبحانه وتعالى أن النصر حق للمؤمنين أوجبه عز وجل على نفسه-ولم يوجبه عليه أحد- وجعله من جملة الحقوق المتعينة، ووعدهم به فلا بد من وقوعه.

    قال تعالى: ( ) [الروم: ٤٧].

    ( ) على الكافرين، ونحن ناصروك ومن آمن بك على من كفر بك، ومظفروك بهم43.

    «فسبحان الذي أوجب على نفسه نصر المؤمنين وجعله لهم حقًّا؛ فضلًا وكرمًا، وأكده لهم في هذه الصيغة الجازمة التي لا تحتمل شكًّا ولا ريبًا»44.

    وقد يتأخر هذا النصر أحيانًا-في تقدير البشر-؛ لأنهم يحسبون الأمور بغير حساب الله، ويقدرون الأحوال لا كما يقدرها الله. والله هو الحكيم الخبير، يصدق وعده في الوقت الذي يريده ويعلمه، وفق مشيئته وسنته، وقد تتكشف حكمة توقيته وتقديره للبشر وقد لا تتكشف، ولكن إرادته هي الخير وتوقيته هو الصحيح، ووعده القاطع واقع عن يقين، يرتقبه الصابرون واثقين مطمئنين.

    وفي قوله تعالى: ( ) وجهان:

    أحدهما: فانتقمنا، وكان الانتقام حقًّا، واستأنف فقال: ( )، وعلى هذا فيكون بشارة للمؤمنين الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، أي: علينا نصركم أيها المؤمنون.

    والوجه الثاني: كان ( ) أي: نصر المؤمنين كان حقًّا علينا.

    وعلى الأول لطيفة وعلى الآخر أخرى، أما على الأول فهو أنه لما قال () [الأعراف: ١٣٦].

    بَيّنَ أنه لم يكن ظلمًا وإنما كان عدلًا حقًّا، وذلك؛ لأن الانتقام لم يكن إلا بعد كون بقائهم غير مفيد إلا زيادة الإثم وولادة الكافر الفاجر، وكان عدمهم خيرا من وجودهم الخبيث، وعلى الثاني تأكيد البشارة؛ لأن كلمة (على) تفيد معنى اللزوم، يقال: على فلان كذا: ينبئ عن اللزوم، فإذا قال: حقًّا أكد ذلك المعنى، فالنصر هو الغلبة التي لا تكون عاقبتها وخيمة، فإن إحدى الطائفتين إذا انهزمت أولاً، ثم عادت آخرًا لا يكون النصر إلا للمنهزم، وكذلك موسى وقومه لما انهزموا من فرعون ثم أدركه الغرق لم يكن انهزامهم إلا نصرة، فالكافر إن هزم المسلم في بعض الأوقات لا يكون ذلك نصرة؛ إذ لا عاقبة له45.

    وأخبر سبحانه وتعالى أن النصر في الدنيا مما جبلت على محبته نفوس عباده.

    قال تعالى: ( ﯱﯲ ﯷﯸ ) [الصف: ١٣].

    ففي الآية «إشارة إلى الامتنان عليهم بإعطائهم ما يحبون في الحياة الدنيا قبل إعطاء نعيم الآخرة»46.

    وفي هذه الآية، وفي قوله تعالى: ( ) [النصر: ١].

    قرن سبحانه وتعالى بين النصر والفتح، وقدم النصر على الفتح؛ لأن النصر سبب الفتح، ومفتاح له.

  2. مَنْ نصر الله عز وجل نصره الله.

    ذكر الله عز وجل في سورة الحج عن هذه القاعدة فقال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [الحج: ٤٠].

    أي «وليعينن الله من يقاتل في سبيله؛ لتكون كلمته العليا على عدوه، فنصر الله عبده: معونته إياه، ونصر العبد ربه: جهاده في سبيله؛ لتكون كلمته العليا»47.

    وقوله: ( ﭽﭾ) عطف على جملة ( )، أي: أمر الله المسلمين بالدفاع عن دينهم. وضمن لهم النصر في ذلك الدفاع؛ لأنهم بدفاعهم ينصرون دين الله، فكأنهم نصروا الله48.

    وأخبر عز وجل في سورة محمد أن المؤمنين إن نصروه نصرهم على أعدائهم، وعصمهم من الفرار والهزيمة

    قال تعالى: ( ) [محمد: ٧].

    ومناسبة هذه الآية لما سبقها: أنه لمَّا ذكر أنه لو شاء الله لانتصر منهم علم منه أن ما أمر به المسلمين من قتال الكفار إنما أراد منه نصر الدين بخضد شوكة أعدائه الذين يصدون الناس عنه، أتبعه بالترغيب في نصر الله والوعد بتكفل الله لهم بالنصر إن نصروه، وبأنه خاذل الذين كفروا بسبب كراهيتهم ما شرعه من الدين49.

    ونصر المؤمنين لله أن تتجرد نفوسهم له «وألا تشرك به شيئًا، شركًا ظاهرًا أو خفيًّا، وألا تستبقي فيها معه أحدًا ولا شيئًا، وأن يكون الله أحب إليها من ذاتها ومن كل ما تحب وتهوى، وأن تحكمه في رغباتها ونزواتها وحركاتها وسكناتها، وسرها وعلانيتها، ونشاطها كله وخلجاتها... فهذا نصر الله في ذوات النفوس.

    وإن لله شريعة ومنهاجًا للحياة، تقوم على قواعد وموازين وقيم وتصور خاصٌّ للوجود كله وللحياة. ونصر الله يتحقق بنصرة شريعته ومنهاجه، ومحاولة تحكيمها في الحياة كلها بدون استثناء، فهذا نصر الله في واقع الحياة»50.

  3. التأييد الإلهي والتأييد بالمؤمنين.

    أخبر عز وجل أن من أسباب النصر تأييد المؤمنين للرسول صلى الله عليه وسلم.

    قال تعالى: ( ) [الأنفال: ٦٢].

    وجعلت التقوية بالنصر؛ لأن النصر يقوي العزيمة، ويثبت رأي المنصور، وضده يشوش العقل، ويوهن العزم51.

    و أخبر سبحانه وتعالى أنه علق المسببات بأسبابها المعتادة وهي أن يبلو بعض خلقه ببعض، قال تعالى: ( ) [محمد: ٤].

    يقول عز وجل: هذا الذي أمرتكم به أيها المؤمنون من قتل المشركين إذا لقيتموهم في حرب، وشدهم وثاقًا بعد قهرهم، وأسرهم، والمَنُّ والفداء ( ) [محمد:٤] هو الحق الذي ألزمكم ربكم، ولو يشاء ربكم ويريد لانتصر من هؤلاء المشركين الذين بين هذا الحكم فيهم بعقوبة منه لهم عاجلة، وكفاكم ذلك كله، ولكنه تعالى ذكره كره الانتصار منهم، وعقوبتهم عاجلا إلا بأيديكم أيها المؤمنون ( ) [محمد: ٤].

    يقول: ليختبركم بهم، فيعلم المجاهدين منكم والصابرين، ويبلوهم بكم، فيعاقب بأيديكم من شاء منهم، ويتعظ من شاء منهم بمن أهلك بأيديكم من شاء منهم حتى ينيب إلى الحق52.

    من هداية الآية: ضرورة بذل الجهد البشري؛ لتحقيق النصر.

    أسباب النصر

    أولًا: الإيمان:

    قرن سبحانه وتعالى في مواضع من القرآن بين الإيمان والنصر، وأخبر سبحانه وتعالى أن من أسباب النصر التي مضت بها سنته: الإيمان.

    قال تعالى: ( ) [الروم: ٤].

    فالآية: «نص في تعليل النصر بالإيمان»53.

    وقال تعالى: ( ) [محمد: ٧].

    فالإيمان سبب حقيقي من أسباب النصر المعنوية54.

    وأخبر سبحانه وتعالى أنه لا وعد منه بالنصر إلا لمن توافرت فيه صفات الإيمان ولوازمه من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومن كان حظه من صفات الإيمان ولوازمه أكبر كان إلى نيل النصر أقرب.

    قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮑﮒ ) [الحج: ٤١].

    ثانيًا: طاعة الله ورسوله:

    أخبر سبحانه وتعالى أن من عوامل النصر طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم التي بها انتظام جيش المسلمين وجماعتهم.

    قال تعالى: ( ﭘﭙ) [الأنفال: ٤٦].

    وطاعة الله ورسوله تشمل اتباع سائر أحكام القتال المشروعة بالتعيين، مثل الغنائم. وكذلك ما يأمرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من آراء الحرب55.

    ومن آراء الحرب ما قاله صلى الله عليه وسلم للرماة فيما روى البخاري في صحيحه: عن البراء رضي الله عنه قال: (لقينا المشركين يومئذٍ، وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشًا من الرماة وأمَّرَ عليهم عبد الله، وقال: (لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا). فلما لقينا (لقيناهم) هربوا حتى رأيت النساء يشتددن (يسندن) في الجبل رفعن (يرفعن) عن سوقهن قد بدت خلاخلهن، فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة، فقال عبد الله: عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا. فأبوا. فلما أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلًا)56.

    وحدثت الهزيمة للمسلمين؛ لمخالفة الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وتشمل طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة أمرائه في حياته، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني)57.

    وتشمل طاعة أمراء الجيوش بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لمساواتهم أمراءه الغائبين عنه في الغزوات والسرايا، في حكم الغيبة عن شخصه58.

    ثالثًا: التأييد الإلهي:

    أخبر عز وجل أنصاره بأنه مؤيدهم على عدوهم.

    قال تعالى: ( ﯿ ﰋﰌ ﰑﰒ ﰙﰚ ) [الصف: ١٤].

    عن مجاهد رحمه الله ( ) [الصف: ١٤] قال: قوينا59.

    وعلى قدر إيمان العبد يكون نصره وتأييده، «والنصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل، فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد»60.

    والعبرة المستفادة من نداء المؤمنين في الآية: هي استنهاض همتهم لنصرة الله ونصرة دينه، والاقتداء بمن قبلهم من الصالحين في نصرة الدين.

    رابعًا: الصبر:

    علق سبحانه وتعالى النصر بالصبر فقال تعالى: (ﭹﭺ ﭿ ﮋﮌ ﮒﮓ ) [آل عمران:١٢٥-١٢٦].

    وأخبر سبحانه وتعالى أن معيته مع الصابرين في جهادهم لعدوه وعدوهم فقال: ( ﭿ ﮋﮌﮍ ) [البقرة: ٢٤٩].

    وقال تعالى: ( ﮫﮬ ﯕﯖ ) [الأنفال: ٦٦].

    والمعنى: والله معين الصابرين على الجهاد في سبيله وغير ذلك من طاعته، وظهورهم ونصرهم على أعدائه الصادين عن سبيله، المخالفين منهاج دينه61.

    وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن النصر مع الصبر فقال: (وأن النصر مع الصبر)62.

    وهذا الحديث يشمل النصر في الجهادين: جهاد العدو الظاهر، وجهاد العدو الباطن، فمن صبر فيهما، نصر وظفر بعدوه، ومن لم يصبر فيهما وجزع، قُهِرَ وصار أسيرًا لعدوه أو قتيلًا له63.

    فالصبر هو زاد الطريق للنصر «إنه طريق طويل شاقٌّ، حافل بالعقبات والأشواك، مفروش بالدماء والأشلاء، وبالإيذاء والابتلاء، الصبر على أشياء كثيرة: الصبر على شهوات النفس ورغائبها، وأطماعها ومطامحها، وضعفها ونقصها، وعجلتها وملالها من قريب! والصبر على شهوات الناس ونقصهم وضعفهم وجهلهم وسوء تصورهم، وانحراف طباعهم، وأثرتهم، وغرورهم، والتوائهم، واستعجالهم للثمار! والصبر على تنفج الباطل، ووقاحة الطغيان، وانتفاش الشر، وغلبة الشهوة، وتصعير الغرور والخيلاء!

    والصبر على قلة الناصر، وضعف المعين، وطول الطريق، ووساوس الشيطان في ساعات الكرب والضيق! والصبر على مرارة الجهاد لهذا كله، وما تثيره في النفس من انفعالات متنوعة من الألم والغيظ، والحنق والضيق، وضعف الثقة -أحيانًا- في الخير، وقلة الرجاء -أحيانا- في الفطرة البشرية، والملل والسأم واليأس -أحيانًا- والقنوط! والصبر بعد ذلك كله على ضبط النفس في ساعة القدرة والانتصار والغلبة، واستقبال الرخاء في تواضع وشكر، وبدون خيلاء وبدون اندفاع إلى الانتقام، وتجاوز القصاص الحق إلى الاعتداء! والبقاء في السراء والضراء على صلة بالله، واستسلام لقدره، ورد الأمر إليه كله في طمأنينة وثقة وخشوع»64.

    ومن هداية الآية: أن النصر محقق للمؤمن على قدر مشقته وصبره، بعد عون الله وتأييده له.

    خامسًا: الدعاء:

    أخبر سبحانه وتعالى في سياق الحديث عن قصة طالوت وجالوت، أنه لما واجه أهل الإيمان -وهم قليل من أصحاب طالوت- عدوهم أصحاب جالوت -وهم عدد كثير- دعوا الله أن يفرغ عليهم صبرًا، وأن يثبت أقدامهم في لقاء الأعداء، ويجنبهم الفرار، وأن ينصرهم على القوم الكافرين.

    قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٥٠].

    فاستجاب لهم ربهم، فأفرغ عليهم صبره، وثبت أقدامهم ونصرهم على القوم الكافرين.

    قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٥١]

    وأخبر سبحانه وتعالى عن الربنيين أنهم دعوه بغفران الذنوب وتكفير السيئات والثبات عند ملاقاة العدو، وأن ينصرهم على القوم الكافرين.

    قال تعالى: ( ﯿﰀ ) [آل عمران: ١٤٧ - ١٤٨].

    «فآتاهم الله ثواب الدنيا بالنصر والظفر بالعدو، والسيادة في الأرض، وما يتبع ذلك من الكرامة والعزة، وحسن السيرة وشرف الذكر وحسن ثواب الآخرة بنيل رضوان الله وقربه، والنعيم بدار كرامته»65.

    وفي الآية حثٌّ للمسلمين على الاقتداء بالمجاهدين من الأمم السابقة وفعل فعلهم.

    وأثنى الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالتجائهم إليه وقت الكرب يوم بدر في قوله تعالى: ( ﭤﭥ ﭫﭬ ) [الأنفال: ٩ - ١٠].

    روى مسلم بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لما كان يوم بدرٍ نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألفٌ، وأصحابه ثلاث مائةٍ وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض) فما زال يهتف بربه، مادًّا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكرٍ فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل: ( ) [الأنفال: ٩]. فأمده الله بالملائكة)66.

    وأخبر عز وجل عن نوح عليه السلام أنه لما كذبه قومه وآذوه دعا ربه أن ينتصر لدينه منهم فقال تعالى: ( ﮋﭾ ﭿ ﮋﮌ ) [القمر: ٩ - ١٦]

    إلا أنه يجب التنبيه على أن اللجوء إلى الله يكون مع بذل ما في الطاقة والوسع؛ لأن الله لا ينزل نصره إلا على من يستحقونه، فهو الحكيم الذي يضع الأمور حسب ما تقتضيه الحكمة، «فالذين يسلكون السبيل إلى الله ليس عليهم إلا أن يؤدوا واجبهم كاملًا، بكل ما في طاقتهم من جهد ثم يَدَعوا الأمور لله في طمأنينة وثقة. وعندما يغلبون عليهم أن يلجؤوا إلى الناصر المعين، وأن يجأروا إليه كما جأر عبده الصالح نوح: ( ).. ثم ينتظروا فرج الله القريب، وانتظار الفرج من الله عبادة، فهم على هذا الانتظار مأجورون»67.

    سادسًا: ذكر الله:

    أمر الله عز وجل عباده المؤمنين عند ملاقاة عدوه وعدوهم بكثرة ذكره؛ لأنهم إن فعلوا ذلك تحقق لهم النصر.

    قال تعالى: ( ) [الأنفال: ٤٥].

    عن قتادة رحمه الله قال: «افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون عند الضراب بالسيوف»68.

    «وذكر الله المأمور به هنا: هو ذكره باللسان؛ لأنه يتضمن ذكر القلب وزيادة، فإنه إذا ذكر بلسانه فقد ذكر بقلبه وبلسانه، وسمع الذكر بسمعه، وذكر من يليه بذلك الذكر، ففيه فوائد زائدة على ذكر القلب المجرد، وقرينة إرادة ذكر اللسان ظاهر وصفه بـ()؛ لأن الذكر بالقلب يوصف بالقوة، والمقصود تذكر أنه الناصر»69.

    وذكر الله عند لقاء العدو يؤدي وظائف شتى:

    «إنه الاتصال بالقوة التي لا تغلب، والثقة بالله الذي ينصر أولياءه، وهو في الوقت ذاته استحضار حقيقة المعركة وبواعثها وأهدافها، فهي معركة لله؛ لتقرير ألوهيته في الأرض، وطرد الطواغيت المغتصبة لهذه الألوهية، وإذن فهي معركة؛ لتكون كلمة الله هي العليا لا للسيطرة، ولا للمغنم، ولا للاستعلاء الشخصي أو القومي، كما أنه توكيد لهذا الواجب -واجب ذكر الله- في أحرج الساعات وأشد المواقف»70.

    وفي الآية دليل على أن المسلم ينبغي له الإكثار من ذكر الله على كل حال، ألا ترى أنه أمر به في أصعب الأوقات وأشدها وهو وقت التحام القتال.

    سابعًا: الثبات:

    قرن سبحانه وتعالى بين الثبات والنصر في مواضع من كتابه، وهذا يدل على أنه سبب من أسباب النصر، ففي سياق الحديث عن قصة طالوت وجالوت، أثنى سبحانه وتعالى على دعاء أهل الإيمان الذين سألوه أن يثبت أقدامهم؛ حتى لا يفروا من مواقع القتال ويتحقق لهم الانتصار، فقال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٥٠].

    وأخبر سبحانه وتعالى عما استنصرت به الأنبياء وأممهم على قومهم من سؤالهم ربهم، أن يثبت أقدامهم، وأن ينصرهم على أعدائهم.

    قال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٤٧].

    أي: «اجعلنا ممن يثبت لحرب عدوك وقتالهم، ولا تجعلنا ممن ينهزم فيفر منهم، ولا يثبت قدمه في مكان واحد لحربهم»71.

    وفي سياق الحديث عن غزوة بدر ذكر سبحانه وتعالى نعمته على المؤمنين المجاهدين من إنزال الماء؛ ليثبت به الأرض وتتماسك به الرمال، حتى لا تزل الأقدام في مواقع القتال.

    قال تعالى: ( ﭿ ) [الأنفال: ١١].

    عن مجاهد: ( ) أنزله عليهم قبل النعاس، طبق المطر الغبار، ولبد به الأرض، وطابت به أنفسهم، وثبتت به الأقدام72.

    وأخبر سبحانه وتعالى أنه أمر ملائكته بتثبيت المؤمنين المجاهدين في بدر، فقال تعالى: ( ﮋﮌ ﮒﮓ) [الأنفال: ١٢].

    قيل في تفسيرها: «قووا قلوبهم وبشروهم بالنصر، وقيل: احضروا معهم القتال، والقولان حق فإنهم حضروا معهم القتال وثبتوا قلوبهم»73.

    فالثبات «هو بدء الطريق إلى النصر. فأثبت الفريقين أغلبهما، وما يدري الذين آمنوا أن عدوهم يعاني أشد مما يعانون، وأنه يألم كما يألمون، ولكنه لا يرجو من الله ما يرجون، فلا مدد له من رجاء في الله يثبت أقدامه وقلبه! وأنهم لو ثبتوا لحظة أخرى فسينخذل عدوهم وينهار، وما الذي يزلزل أقدام الذين آمنوا وهم واثقون من إحدى الحسنيين: الشهادة أو النصر؟ بينما عدوهم لا يريد إلا الحياة الدنيا، وهو حريص على هذه الحياة التي لا أمل له وراءها ولا حياة له بعدها، ولا حياة له سواها؟!»74.

    وأخبر سبحانه وتعالى أن من نصر دينه ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم، يثبته على النصر وتكاليفه.

    قال تعالى: ( ) [محمد: ٧].

    ومن تكاليف النصر: «عدم الزهو به والبطر، وفي عدم التراخي بعده والتهاون. وكثير من النفوس يثبت على المحنة والبلاء، ولكن القليل هو الذي يثبت على النصر والنعماء، وصلاح القلوب، وثباتها على الحق بعد النصر منزلة أخرى وراء النصر»75.

    ثامنًا: الأخذ بالحذر:

    أمر سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بأن يأخذوا حذرهم؛ لاتقاء خدع الأعداء المتربصين بهم.

    قال تعالى: ( ) [النساء: ٧١].

    أي: «خذوا جُنَّتكم وأسلحتكم التي تتقون بها من عدوكم لغزوهم وحربهم»76.

    وقرن سبحانه وتعالى بين الحذر والسلاح؛ ليبين أن الحذر يكون بالعدة التي تناسب حالة العدو، وتمكن المؤمنين من اتقاء خدعهم وصد هجمتهم وإفشال رغبتهم في القضاء عليهم.

    وقال تعالى: ( ﭫﭬ ﭸﭹ ﭿ ﮈﮉ ﮋﮌ ) [النساء: ١٠٢].

    قوله تعالى: ( ) أي: بما هداكم إليه من أسباب النصر، كإعداد كل ما يستطاع من القوة وأخذ الحذر، والظاهر أن العذاب ذا الإهانة هو عذاب الغلب وانتصار المسلمين عليهم، إذا قاموا بما أمرهم الله سبحانه وتعالى به من الأسباب النفسية والعملية.

    ويؤيده قوله سبحانه وتعالى: ( ) [التوبة: ١٤]77.

    والمتأمل في الآية يلحظ أنها جمعت في النظم بين إقامة الصلاة وهي الزاد الروحي، وبين السلاح وهو من العدة المادية؛ ليعلم المسلمون أن الاشتغال بأمور الدين -والصلاة عموده- لا يباعد بينهم وبين مصالح دنياهم وأعظمها الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، وليريهم أن صلاح الدين والدنيا صنوان.

    «وأول ما يلفت النظر هو الحرص على الصلاة في ساحة المعركة! ولكن هذا طبيعي بل بديهي في الاعتبار الإيماني، إن هذه الصلاة سلاح من أسلحة المعركة، بل إنها السلاح! فلابد من تنظيم استخدام هذا السلاح بما يتناسب مع طبيعة المعركة وجو المعركة!

    ولقد كان أولئك الرجال -الذين تربوا بالقرآن وفق المنهج الرباني- يلقون عدوهم بهذا السلاح -الذي يتفوقون فيه- قبل أي سلاح، لقد كانوا متفوقين في إيمانهم بإله واحد يعرفونه حق المعرفة، ويشعرون أنه معهم في المعركة، متفوقين كذلك في إيمانهم بهدف يقاتلون من أجله، ويشعرون أنه أرفع الأهداف جميعا، متفوقين أيضًا في تصورهم للكون والحياة ولغاية وجودهم الإنساني، تفوقهم في تنظيمهم الاجتماعي الناشئ من تفوق منهجهم الرباني... وكانت الصلاة رمزًا لهذا كله، وتذكيرًا بهذا كله، ومن ثم كانت سلاحًا في المعركة، بل كانت هي السلاح!

    والأمر الثاني الذي يلفت النظر في هذا النصِّ هو هذه التعبئة الروحية الكاملة تجاه العدو، وهذا الحذر الذي يوصى المؤمنون به تجاه عدوهم الذي يتربص بهم لحظة غفلة واحدة عن أسلحتهم وأمتعتهم؛ ليميل عليهم ميلة واحدة!

    ومع هذا التحذير والتخويف التطمين والتثبيت؛ إذ يخبرهم أنهم إنما يواجهون قومًا كتب الله عليهم الهوان: ( ).. وهذا التقابل بين التحذير والتطمين، وهذا التوازن بين استثارة حاسة الحذر وسكب فيض الثقة هو طابع هذا المنهج في تربية النفس المؤمنة والصف المسلم، في مواجهة العدو الماكر العنيد اللئيم»78.

    وفي الآيات تعليم للمسلمين للأخذ بالأسباب، أي: إن أخذتم حذركم أمنتم من عدوكم بعد توكلكم على ربكم.

    تاسعًا: إعداد القوة المادية:

    أمر سبحانه وتعالى المؤمنين في سياق الحديث عن النصر بضرورة إعداد كل ما في الاستطاعة من قوة ولو بلغت القوة من التطور ما بلغت.

    قال تعالى: ( ﯬﯭ ) [الأنفال: ٦٠].

    إلى قوله: ( ﭗﭘ ) أي: أعدوا لهم ما أطقتم أن تعدوه لهم من الآلات التي تكون قوة لكم عليهم من السلاح والخيل79.

    «فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والحصون والقلاع والخنادق، وآلات الدفاع، والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شرُّ أعدائهم، وتعلم الرمي، والشجاعة والتدبير»80.

    وفي الآية دليل على ضرورة قيام أولى الأمر الذين هم وكلاء الأمة على مصالحها بإعداد جيوش المسلمين بكل أنواع الأسلحة التي تناسب كل عصر وتدخل في طاقتها، وتكون مرهبة للعدو، فالحق لا بد له من قوة تحميه.

    ومن إعداد القوة المادية: عدد المقاتلين الصابرين، فإن للعدد تأثيرًا في النفوس للإقدام أو الإحجام.

    قال تعالى: (ﭿ ﮄﮅ ﮋﮌﮍ k ﮣﮤ ﮫﮬ ﯕﯖ ) [الأنفال:٦٥ - ٦٦].

    عن ابن عباسٍ رضي الله عنه: قال: «كان فرض على المؤمنين أن يقاتل الرجل منهم عشرةً من المشركين، قوله: ( ﮋﮌﮍ ) فشق ذلك عليهم، فأنزل الله التخفيف، فجعل على الرجل أن يقاتل الرجلين»81.

    فالإسلام دين واقعي لا يغفل عما في العوامل المادية من قوة، وهو يقرر ما للإيمان من قوة، فالله أخبر المؤمنين أن عشرين صابرين يغلبون مائتين من الكافرين، وهذا قبل التخفيف، ولم يقل سبحانه وتعالى أن العشرين من المؤمنين الصابرين يغلبون ألفين؛ لأن المؤمنين الصابرين وإن كان لإيمانهم قوة إلا أن هذه القوة الإيمانية لها حد محدود في غلبة قوة الكفر والكافرين82.

    وقال تعالى: ( ﮡﮢ ﮬﮭ £ ﯢﯣ ) [الأنفال:٤٣ - ٤٤].

    عن عبد الله بن مسعود، قال: «لقد قللوا في أعيننا يوم بدرٍ حتى قلت لرجلٍ إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: أراهم مائةً، قال: فأسرنا رجلًا منهم، فقلنا: كم كنتم؟ قال: ألفًا»83.

    فكل من الطائفتين ترى الأخرى قليلة، لتقدم كل منهما على الأخرى؛ ( ﯢﯣ) «ولقد كان في هذا التدبير الإلهي ما أغرى الفريقين بخوض المعركة، والمؤمنون يرون أعداءهم قليلًا؛ لأنهم يرونهم بعين الحقيقة!، والمشركون يرونهم قليلًا، وهم يرونهم بعين الظاهر، ومن وراء الحقيقتين اللتين رأى كل فريق منهما صاحبه بها تحققت غاية التدبير الإلهي، ووقع الأمر الذي جرى به قضاؤه ( )، فهو أمر من الأمور التي مرجعها لله وحده، يصرفها بسلطانه، ويوقعها بإرادته» 84.

    فعلى أولي الأمر مراعاة عدد المقاتلين الصابرين عند مواجهة الأعداء وحساب ذلك بدقة.

    وبالرغم من ضرورة إعداد القوة المادية من آلات ومقاتلين إلا أنها لا تكفل وحدها النصر إلا بعد توفر الأسباب المعنوية التي هي العدة الحقيقية للنصر.

    وبعد الانتهاء من أسباب النصر.

    أقول قد تتوفر أسباب النصر السابقة لكن يؤخر الله النصر لحكم يعلمها، قد تتبين للمجاهدين، وقد لا تتبين، وقد ذكر سيد قطب رحمه الله بعض ما فتح الله عليه من أسباب بطء النصر فقال: قد يبطؤ النصر؛ حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزًا ولا غاليًا، لا تبذله هينًا رخيصًا في سبيل الله.

    وقد يبطؤ النصر؛ حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر.

    وقد يبطؤ النصر؛ لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته.

    كما قد يبطؤ النصر؛ لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصًا، ويذهب وحده هالكًا.

    وقد يبطؤ النصر؛ لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تمامًا، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريًا للناس، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية!

    وقد يبطؤ النصر؛ لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة85.

    عوائق النصر

    ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه عوائق النصر؛ لتعليم المؤمنين التخلص والتطهر منها قبل مقابلتهم لعدوهم؛ حتى يكون النصر حليفهم، ومن هذه العوائق:

    أولًا: التنازع والاختلاف:

    نهى الله سبحانه وتعالى المؤمنين عن التنازع، مبينًا أنه سبب الفشل وذهاب النصر، فقال تعالى: ( ) [الأنفال: ٤٦].

    عن مجاهد رحمه الله قوله تعالى: ( ) قال: نصركم86.

    وبين سبحانه وتعالى أن نتيجة الفشل والتنازع هو ذهاب النصر والغنيمة، كما حدث للمسلمين في غزوة أحد، فإن النصر كان حليفهم لما التزموا أمر الرسول الكريم، ولما تنازعوا فيما بينهم وتركوا أمر الرسول أصابتهم الهزيمة، وذهب عنهم ما كانوا يحبون من النصر والغنيمة.

    قال تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ﮐﮑ ) [آل عمران: ١٥٢].

    عن البراء رضي الله عنه قال: (لقينا المشركين يومئذٍ، وأجلس النبي صلى الله عليه وسلم جيشًا من الرماة، وأمَّر عليهم عبد الله، وقال: (لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا) فلما لقينا هربوا، حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل، رفعن عن سوقهن، قد بدت خلاخلهن، فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة، فقال عبد الله: عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن لا تبرحوا، فأبوا، فلما أبوا صرف وجوههم، فأصيب سبعون قتيلًا، وأشرف أبو سفيان، فقال: أفي القوم محمدٌ؟ فقال: (لا تجيبوه) فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: (لا تجيبوه) فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياءً لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك، قال أبو سفيان: اعل هبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجيبوه) قالوا: ما نقول؟ قال: (قولوا: الله أعلى وأجل)، قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجيبوه) قالوا: ما نقول؟ قال: (قولوا الله مولانا، ولا مولى لكم) قال أبو سفيان: يومٌ بيوم بدرٍ، والحرب سجالٌ)87.

    «والنهي عن التنازع يقتضي الأمر بتحصيل أسباب ذلك: بالتفاهم، والتشاور، ومراجعة بعضهم بعضًا، حتى يصدروا عن رأي واحد، فإن تنازعوا في شيء رجعوا إلى أمرائهم لقوله تعالى: ( ) [النساء: ٨٣].

    وقوله: ( ) [النساء: ٥٩].

    والنهي عن التنازع أعم من الأمر بالطاعة لولاة الأمور؛ لأنهم إذا نهوا عن التنازع بينهم فالتنازع مع ولي الأمر أولى بالنهي. ثم حذرهم أمرين معلومًا سوء مغبتهما وهما الفشل وذهاب الريح.

    والفشل: انحطاط القوة، وهو هنا مراد به حقيقة الفشل في خصوص القتال ومدافعة العدو، ويصح أن يكون تمثيلا لحال المتقاعس عن القتال بحال من خارت قوته وفشلت أعضاؤه، في انعدام إقدامه على العمل. وإنما كان التنازع مفضيا إلى الفشل؛ لأنه يثير التغاضب ويزيل التعاون بين القوم، ويحدث فيهم أن يتربص بعضهم ببعضٍ الدوائرَ، فيحدث في نفوسهم الاشتغال باتقاء بعضهم بعضًا، وتوقع عدم إلقاء النصير عند مآزق القتال، فيصرف الأمة عن التوجه إلى شغل واحد فيما فيه نفع جميعهم، ويصرف الجيش عن الإقدام على أعدائهم فيتمكن منهم العدو، كما قال: ( ) [آل عمران: ١٥٢]88.

    وما يتنازع الناس إلا حين تتعدد جهات القيادة والتوجيه، وإلا حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الآراء والأفكار، فإذا استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الأول الرئيسي للنزاع بينهم، مهما اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة، فليس الذي يثير النزاع هو اختلاف وجهات النظر، إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها مهما تبين له وجه الحق فيها!89.

    «إن التنازع واختلاف الرأي حول أمر من الأمور قد يكون مطلوبا إذا صحبته نية حسنة، وكان الغرض منه إظهار الحق بالبرهان والحجة، وهو حينئذ أقرب إلى التشاور منه إلى الجدال والخصام.

    إن اختلاف الأفهام واشتجار الآراء ليس بمستغرب في الحياة ولكن شريطة ألا يؤدي ذلك للتقاطع والشقاق، ولو تجردت النيات للبحث عن الحقيقة، وأقبل روادها وهم بعداء عن طلب الغلب والسمعة والرئاسة والثراء لصفيت المنازعات التي ملأت التاريخ بالأكدار والمآسي، إن الناس إذا لم يجمعهم الحق شَعَبَهُمُ الباطل، وإذا لم يستهوهم نعيم الآخرة تخاصموا على متاع الدنيا، ولهذا كان التنازع والتطاحن المر من خصائص الجاهلية المظلمة وديدن من لا إيمان لهم»90.

    فالنزاع جند يقوي به المتنازعون عدوهم عليهم، فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام لا يستطيع أحد كسرها، فإذا فرقها وصار كل منهم وحده كسرها كلها91.

    ثانيًا: الإعجاب بالكثرة:

    هزم المؤمنون يوم حنين بقول أحدهم: «لن نغلب اليوم من قلةٍ»، وبإعجاب كثرتهم لمن أعجبته منهم، كما قال تعالى: ( ﮣﮤ ﮦﮧ ) [التوبة: ٢٥].

    وفي ذكر هذه الغزوة وما حدث فيها: قال محمد بن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابرٍ عن أبيه جابر بن عبد الله قال: (خرج مالك بن عوفٍ بمن معه إلى حنينٍ فسبق رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فأعدوا وتهيَّؤوا في مضايق الوادي وأحنائه، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انحط بهم الوادي في عماية الصبح، فلما انحط الناس ثارت في وجوههم الخيل فشدت عليهم، وانكفأ الناس منهزمين لا يقبل أحدٌ على أحدٍ، وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين يقول: (أيها الناس هلموا إلي أنا رسول الله، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله)، فلا شيء وركبت الإبل بعضها بعضًا، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس قال: (يا عباس اصرخ يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة) فأجابوه: لبيك لبيك، فجعل الرجل يذهب ليعطف بعيره فلا يقدر على ذلك فيقذف درعه في عنقه ويأخذ سيفه وقوسه ثم يؤم الصوت، حتى اجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم مائةٌ، فاستعرض الناس فاقتتلوا، وكانت الدعوة أول ما كانت بالأنصار، ثم جعلت آخرًا بالخزرج وكانوا صبراء عند الحرب، وأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركابه، فنظر إلى مجتلد القوم فقال: (الآن حمي الوطيس) قال: فوالله ما راجعه الناس إلا والأسارى عند رسول الله ملقون، فقتل الله منهم من قتل وانهزم منهم ما انهزم، وأفاء الله على رسوله أموالهم وأبناءهم)92.

    وروى البخاري بسنده عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنهما أن رجلا قال له: (يا أبا عمارة أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنينٍ؟ فقال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، إن هوازن كانوا قومًا رماةً، فلما لقيناهم وحملنا عليهم انهزموا، فأقبل الناس على الغنائم، فاستقبلونا بالسهام فانهزم الناس، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجام بغلته البيضاء وهو يقول: (أنا النبي لا كذب... أنا ابن عبد المطلب)93.

    قال ابن كثير رحمه الله: «وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة التامة، إنه في مثل هذا اليوم في حومة الوغى، وقد انكشف عنه جيشه، وهو مع هذا على بغلة وليست سريعة الجري ولا تصلح لفر ولا لكر ولا لهرب، وهو مع هذا أيضًا يركضها إلى وجوههم وينوه باسمه؛ ليعرفه من لم يعرفه صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين، وما هذا كله إلا ثقة بالله وتوكلًا عليه، وعلمًا منه بأنه سينصره ويتم ما أرسله به، ويظهر دينه على سائر الأديان»94.

    «وتخصيص يوم حنين بالذكر من بين أيام الحروب؛ لما فيه من العبرة بحصول النصر عند امتثال أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وحصول الهزيمة عند إيثار الحظوظ العاجلة على الامتثال» 95.

    ففي هذه الغزوة اجتمع فيها للمسلمين لأول مرة جيش عدته اثنا عشر ألفًا فأعجبتهم كثرتهم، وغفلوا بها عن سبب النصر الأول، فهزموا في أول المعركة، ثم نصرهم الله عز وجل بتأييده، ثم بالقلة المؤمنة التي ثبتت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والتصقت به؛ ليتعلم المؤمنون أن النصر من عند الله.

    ثالثًا: المعاصي والذنوب:

    بين سبحانه وتعالى السبب الخفي لامتناع النصر في غزوة أحد، وهو استزلال الشيطان للمؤمنين ببعض ذنوبهم.

    قال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٥٥].

    أي: ببعض ذنوبهم السالفة96.

    فهؤلاء الذين هزموا وفروا «قد ضعفوا وتولوا بسبب معصية ارتكبوها، فظلت نفوسهم مزعزعة بسببها، فدخل عليهم الشيطان من ذلك المنفذ واستزلهم فزلوا وسقطوا، وفي هذا تصوير لحالة النفس البشرية حيث ترتكب الخطيئة فتفقد ثقتها في قوتها، ويضعف ارتباطها بالله، ويختل توازنها وتماسكها، وتصبح عرضة للوساوس والهواجس»97.

    وأخبر سبحانه وتعالى أن ما يحصل من مصيبة انتصار العدو وغيرها إنما هو بسبب الذنوب.

    قال تعالى: ( ﯿ ) [الشورى: ٣٠].

    وقال تعالى: ( ﯿ ﰅﰆ ﰋﰌ ) [آل عمران: ١٦٥].

    وقال: ( ) [الشورى: ٣٤].

    ولما علم المؤمنون آثار الذنوب في منع النصر لجؤوا إلى الله بالاستغفار؛ ليغفر لهم ذنوبهم قبل لقاء عدوهم، الاستغفار الذي يردهم إلى الله، ويقوي صلتهم به، قال تعالى مثنيًا على الربنيين في استعدادهم لملاقاة عدوهم: ( ) [آل عمران: ١٤٧].

    رابعًا: أهل النفاق:

    قال تعالى مبينًا حكمة تثبيط المنافقين عن الخروج للقتال مع المؤمنين: ( ) [التوبة: ٤٧].

    قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( ): عجزًا و جبنًا، يعني: يجبنونهم عن لقاء العدو بتهويل أمرهم وتعظيمهم في صدورهم، ثم قال: ( ) أي: أسرعوا في الدخول بينكم للتفريق والإفساد، قال ابن عباس: يريد ضعفوا شجاعتكم، يعني: بالتفريق بينهم؛ لتفريق الكلمة، فيجبنون عن العدو98.

    «فالقلوب الحائرة تبث الخور والضعف في الصفوف، والنفوس الخائنة خطر على الجيوش، ولو خرج أولئك المنافقون ما زادوا المسلمين قوة بخروجهم بل لزادوهم اضطرابًا وفوضى، ولأسرعوا بينهم بالوقيعة والفتنة والتفرقة والتخذيل، وفي المسلمين من يسمع لهم في ذلك الحين»99.

    وقد بَيَّنَ الله عز وجل عدواتهم بقوله: ( ﯴﯵ ﯷﯸ ) [المنافقون: ٤].

    «ومثل هذا اللفظ يقتضى الحصر، أي: لا عدو إلا هم، ولكن لم يرد هاهنا حصر العداوة فيهم، وأنهم لا عدو للمسلمين سواهم، بل هذا من إثبات الأولوية والأحقية لهم في هذا الوصف، وأنه لا يتوهم بانتسابهم إلى المسلمين ظاهرًا وموالاتهم لهم ومخالطتهم إياهم أنهم ليسوا بأعدائهم، بل هم أحق بالعدواة ممن باينهم في الدار، ونصب لهم العداوة وجاهرهم بها، فإن ضرر هؤلاء المخالطين لهم المعاشرين لهم-وهم في الباطن على خلاف دينهم- أشد عليهم من ضرر من جاهرهم بالعداوة وألزم وأدوم؛ لأن الحرب مع أولئك ساعة أو أيامًا ثم ينقضي ويعقبه النصر والظفر، وهؤلاء معهم في الديار والمنازل صباحًا ومساءً، يدلون العدو على عوراتهم ويتربصون بهم الدوائر ولا يمكنهم مناجزتهم، فهم أحق بالعداوة من المباين المجاهر، فلهذا قيل: ( ﯴﯵ)، لا على معنى أنه لا عدو لكم سواهم، بل على معنى أنهم أحق بأن يكونوا لكم عدوًّا من الكفار المجاهرين100.

    موقف أهل النفاق في أحد:

    لما أذن مؤذن رسول الله بالخروج لأحد، خرج في ألف من أصحابه، واستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، ثم عقد الألوية، فأعطى لواء المهاجرين لمصعب بن عمير، ولواء الخزرج للحباب بن المنذر، ولواء الأوس لأسيد بن حضير، وسار الجيش، وفي الطريق بصر النبي بكتيبة كبيرة فسأل عنها، فقيل له هؤلاء حلفاء ابن أبي من اليهود، فقال: (لا حاجة لنا فيهم، إنا لا نستعين بكافر على مشرك) ونعما فعل، فهم قوم مرنوا على الخيانة والنفاق فلا يؤمن جانبهم.

    فلما وصلوا إلى الشوط101 انخزل عبد الله بن أبي بثلاثمائة من أصحابه، وقال: «أطاعهم وعصاني، علام نقتل أنفسنا ههنا أيها الناس؟»، فرجع من اتبعه من قومه من أهل النفاق والشك، فتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر فقال: يا قوم، أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال، فلما استعصوا عليه، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه.

    وفي هؤلاء المنخزلين نزل قول الله تعالى: ( ﭝﭞ ﭧﭨ ﭭﭮ ﭴﭵ ﭻﭼ ﭿ ) [آل عمران: ١٦٦ - ١٦٧].

    ولما رجع ابن أبي وأصحابه همت بنو سلمة وبنو حارثة أن ترجعا، ولكن الله ثبتهما وعصمهما، وفي ذلك نزل قوله سبحانه: ( ﭘﭙ ) [آل عمران: ١٢٢]102.

    فأهل النفاق منخذلون في أنفسهم ومخذلون لغيرهم.

    خامسًا: البطر والرياء:

    نهى سبحانه وتعالى عباده المؤمنين عن التشبه بالمشركين في البطر والرياء في خروجهم للقتال، وفي استخدام نعمة القوة التي أعطاها الله لهم في غير ما أرادها.

    قال تعالى: ( ﭭﭮ ) [الأنفال: ٤٧].

    أي: لا يكونن أمركم رياء ولا سمعة ولا التماس ما عند الناس، وأخلصوا لله النية والحسبة في نصر دينكم، ومؤازرة نبيكم103.

    وقد كان من أعظم أنواع البطر والرياء ما قاله أبو جهل ومن معه حين قال: «لا نرجع حتى نأتي بدرًا فننحر بها الجزور104، وتسقى بها الخمر، وتعزف علينا فيها القيان105، وتسمع العرب»106.

    ولما رأى رسول الله هذا الخروج من قريش قال: (اللهم هذه قريشٌ قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم إني أسألك ما وعدتني)107.

    وقد جيء في الآيات في نهيهم عن البطر والرياء «بطريقة النهي عن التشبه بالمشركين؛ إدماجًا للتشنيع بالمشركين وأحوالهم، وتكريها للمسلمين في تلك الأحوال؛ لأن الأحوال الذميمة تتضح مذمتها، وتنكشف مزيد الانكشاف إذا كانت من أحوال قوم مذمومين عند آخرين، وذلك أبلغ في النهي، وأكشف لقبح المنهي عنه»108.

    إن خروج المؤمنين للجهاد في سبيل الله هو خروج «لتقرير ألوهيته سبحانه في حياة البشر، وتقرير عبودية العباد لله وحده، وخروج لتحطيم الطواغيت التي تغتصب حق الله في تعبيد العباد له وحده، والتي تزاول الألوهية في الأرض بمزاولتها للحاكمية بغير إذن الله وشرعه، وخروج لإعلان تحرير الإنسان في الأرض من كل عبودية لغير الله، تستذل إنسانية الإنسان وكرامته.

    خروج لحماية حرمات الناس وكراماتهم وحرياتهم، لا للاستعلاء على الناس واستعبادهم والتبطر بنعمة القوة باستخدامها هذا الاستخدام المنكر، وتخرج متجردة من حظ نفسها في المعركة جملة، فلا يكون لها من النصر والغلب إلا تحقيق طاعة الله في تلبية أمره بالجهاد، وفي إقامة منهجه في الحياة، وفي إعلاء كلمته في الأرض، وفي التماس فضله بعد ذلك ورضاه»109.

    وفي الآيات: تعليم للمؤمنين في كل جيل ألا يستعملوا ما آتاهم الله من قوة في البطر والرياء، ولكن يستعملوها فيما أراده الله منهم من نصرة الحق وإبطال الباطل، وحماية الناس جميعًا من استبداد المستبدين وفساد المفسدين وطغيان الطاغين.

    وقد ابتليت الأمة بحكام استخدموا القوة التي أنعم الله بها عليها في الاعتداء على الشعوب وقتلهم، لا لشيء إلا أنهم طالبوا بحقوقهم الضائعة وحريتهم المسلوبة من الاستبداد والطغيان. فنسأل الله أن يطهر الأرض من هؤلاء وأمثالهم.

    سادسًا: الاستعجال:

    أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يصبر على تكذيب قومه كما صبر أولو العزم من الرسل على ما لاقوه من أقوامهم، وألا يستعجل النصر على مكذبيه وحلول العقوبة أو الهلاك بهم.

    قال تعالى: ( ﯳﯴ ﯿﰀ ﰁﰂ ) [الأحقاف: ٣٥].

    «لا تعجل بمسألتك ربك ذلك لهم، فإن ذلك نازل بهم لا محالة»110.

    من هداية الآية: أن الاستعجال ينافي العزم.

    وأخبر سبحانه وتعالى المؤمنين المستعجلين النصر منه على مخالفيهم بسنته في النصر.

    قال تعالى: ( ﯟﯠ ﯭﯮ ) [البقرة: ٢١٤].

    قوله تعالى: ( ) أي: «يستفتحون على أعدائهم ويدعون بقرب الفرج والمخرج عند ضيق الحال والشدة»111.

    ومن هداية الآية: أن النصر يتنزل على المؤمنين بقدر ما يتحملون من الشدة، وفيها: بشارة من الله تعالى للمسلمين بقرب النصر.

    وأخبر سبحانه وتعالى أن سنته فيمن سبق من الرسل أن النصر ما كان يأتيهم عاجلًا لحكمة يعلمها.

    قال تعالى: ( ﯢﯣ ) [يوسف: ١١٠].

    أي: لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم، جاءهم النصر على ذلك112.

    ولما ذهب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكون إليه من تأخر النصر ذكرهم بسنة الله في الأمم السابقة، فقد روى البخاري بسنده عن خباب بن الأرت قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسدٌ بردةً له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا! فقال صلى الله عليه وسلم: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظمٍ أو عصبٍ وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)113.

    «والمعنى: لا تستعجلوا فإن من كان قبلكم قاسوا ما ذكرنا فصبروا، وأخبرهم الشارع بذلك؛ ليقوى صبرهم على الأذى»114.

    فتلك سنة الله في النصر: «لابد من الشدائد، ولابد من الكروب، حتى لا تبقى بقية من جهد ولا بقية من طاقة، ثم يجيء النصر بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس، يجيء النصر من عند الله، فينجو الذين يستحقون النجاة، ينجون من الهلاك الذي يأخذ المكذبين، وينجون من البطش والعسف الذي يسلطه عليهم المتجبرون، ويحل بأس الله بالمجرمين، مدمرًًا ماحقًا لا يقفون له، ولا يصده عنهم ولي ولا نصير.

    ذلك كي لا يكون النصر رخيصا فتكون الدعوات هزلا، فلو كان النصر رخيصًا لقام في كل يوم دعي بدعوة لا تكلفه شيئًا أو تكلفه القليل، ودعوات الحق لا يجوز أن تكون عبثًا ولا لعبًا»115.

    المعبودات من دون الله والنصر

    أخبر سبحانه وتعالى أنه لما حل العذاب على الأمم السابقة لم تستطع الآلهة التي عبدوها من دون الله منعه عنهم في وقت هم أحوج ما يكون إلى نصرتهم.

    قال تعالى: ( ﯸ ﯹ ﯿ ﰁﰂ ﰅﰆ ) [الأحقاف: ٢٨].

    ( ) يعني: أهل مكة، وقد أهلك الله الأمم المكذبة بالرسل مما حولها كعاد، وكانوا بالأحقاف بحضرموت عند اليمن، وثمود وكانت منازلهم بينهم وبين الشام، وكذلك سبأ وهم أهل اليمن، ومدين وكانت في طريقهم وممرهم إلى غزة، وكذلك بحيرة قوم لوط كانوا يمرون بها أيضًا.

    وقوله عز وجل: ( ) أي: بيناها وأوضحناها ( )

    وقوله: ( ﯿ ﰁﰂ) [الأحقاف: ٢٨]. أي: فهلا نصروهم عند احتياجهم إليهم.

    ( ) أي: بل ذهبوا عنهم أحوج ما كانوا إليهم ( ) أي: كذبهم ( ) أي: وافتراؤهم في اتخاذهم إياهم آلهة، وقد خابوا وخسروا في عبادتهم لها واعتمادهم عليها116.

    ولما أنزل عذابه على قوم عاد؛ ليذيقهم عذاب الإهانة في الدنيا لم يمنع عذابه عنهم ما عبدوا من دون الله، وسوف يحل عليهم عذاب الآخرة، ولن تستطيع المعبودات من دون الله منعه عنهم.

    قال تعالى: ( ﯓﯔ ﯗﯘ ) [فصلت: ١٦].

    والمعنى: «أن عادًا لا ينصرهم من الله يوم القيامة إذا عذبهم ناصر، فينقذهم منه، أو ينتصر لهم»117.

    وأخبر سبحانه وتعالى أن المعبودات من دون الله لا تستطيع منع العذاب عن نفسها يوم القيامة، وكذلك منعه عن عابديها وهم في العذاب محضرون.

    قال تعالى: ( ﮋﭾ ﭿ ) [الشعراء: ٩١ - ٩٤].

    أي: ليست الآلهة التي عبدتموها من دون الله من تلك الأصنام والأنداد تغني عنكم اليوم شيئًا، ولا تدفع عن أنفسها، فإنكم وإياها اليوم حصب جهنم أنتم لها واردون118.

    وأخبر سبحانه وتعالى أن المعبودات من دون الله وعابديها في العذاب يتبرأ بعضهم من بعض.

    قال تعالى: ( ) [يس: ٧٤-٧٥].

    «في الماضي كانت الآلهة أصنامًا وأوثانًا، أو شجرًا أو نجومًا، أو ملائكة أو جِنًّا والوثنية ما تزال حتى اليوم في بعض بقاع الأرض، ولكن الذين لا يعبدون هذه الآلهة لم يخلصوا للتوحيد، وقد يتمثل شركهم اليوم في الإيمان بقوى زائفة غير قوة الله، وفي اعتمادهم على أسناد أخرى غير الله، والشرك ألوان، تختلف باختلاف الزمان والمكان.

    ولقد كانوا يتخذون تلك الآلهة ابتغاء نيل النصر، بينما كانوا هم القائمون بحماية تلك الآلهة من أن يعتدي عليها معتدٍ أو يصيبها بسوء، فكانوا هم جنودها وحماتها المعدين لنصرتها ( ) وكان هذا غاية في سخف التصور والتفكير، غير أن غالبية الناس اليوم لم ترتق عن هذا السخف إلا من حيث الشكل، فالذين يؤلهون الطغاة والجبارين اليوم، لا يبعدون كثيرا عن عباد تلك الأصنام والأوثان، فهم جند محضرون للطغاة، وهم الذين يدفعون عنهم ويحمون طغيانهم، ثم هم في الوقت ذاته يخرون للطغيان راكعين!»119.

    إن الإنسان في حياته المليئة بالابتلاءات يحتاج إلى من يدفع عنه البلاء، وإن وقع يحتاج من يفرغ عليه الصبر، والحق بذلك هو القوي العزيز سبحانه وتعالى، والمعبودات من دون الله لا تستطيع أن تدفع عن نفسها العذاب و لا عن عابديها، فكيف يعبد الضعيف الضعيف؟ ألا ما أسخف فَهْمَ هذه العقول!

    مبشرات النصر

    بَشَّرَ الله في كتابه عباده المؤمنين المخلصين بجملة من البشارات والتي منها:

    أولًا: الوعد الإلهي بالنصر:

    وعد الله سبحانه وتعالى المؤمنين بما وعد به المرسلين من النصر، فقال: ( ) [غافر: ٥١].

    قال ابن جرير رحمه الله «يقول القائل: وما معنى: ( ) [غافر: ٥١].

    وقد علمنا أن منهم من قتله أعداؤه، ومثلوا به، كشعياء ويحيى بن زكريا وأشباههما، ومنهم من هم بقتله قومه، فكان أحسن أحواله أن يخلص منهم حتى فارقهم ناجيًا بنفسه، كإبراهيم عليه السلام الذي هاجر إلى الشام من أرضه مفارقًا لقومه، وعيسى عليه السلام الذي رفع إلى السماء؛ إذ أراد قومه قتله، فأين النصرة التي أخبرنا أنه ينصره رسله والمؤمنين به في الحياة الدنيا، وهؤلاء أنبياؤه قد نالهم من قومهم ما قد علمت، وما نصروا على من نالهم بما نالهم به؟

    قيل: إن لقوله: ( ) وجهين كلاهما صحيح معناه، أحدهما- أن يكون معناه: ( ) إما بإعلائهم على من كذبنا وإظفارهم بهم، حتى يقهروهم غلبة، ويذلوهم بالظفر ذلة، من ذلك ما فعله الله بداود وسليمان عليهما السلام فأعطاهما من الملك والسلطان ما قهرا به كل كافر، وكالذي فعل بمحمد صلى الله عليه وسلم بإظهاره على من كذبه من قومه، وإما بانتقامنا ممن حادهم وشاقهم بإهلاكهم وإنجاء الرسل ممن كذبهم وعاداهم.

    كالذي فعل تعالى ذكره بنوح عليه السلام وقومه، من تغريق قومه وإنجائه منهم، وكالذي فعل بموسى عليه السلام وفرعون وقومه؛ إذ أهلكهم غرقًا، ونجى موسى عليه السلام ومن آمن به من بني إسرائيل وغيرهم، ونحو ذلك، أو بانتقامنا في الحياة الدنيا من مكذبيهم بعد وفاة رسولنا من بعد مهلكهم كالذي فعلنا من نصرتنا شعياء120 بعد مهلكه، بتسليطنا على قتله من سلطنا حتى انتصرنا بهم من قتلته، وكفعلنا بقتلة يحيى عليه السلام، من تسليطنا بختنصر عليهم حتى انتصرنا به وبجنده من قتلته له، وكانتصارنا لعيسى عليه السلام من مريدي قتله بالروم حتى أهلكناهم بهم.

    والوجه الآخر: أن يكون هذا الكلام على وجه الخبر عن الجميع من الرسل والمؤمنين، والمعنى به خاص من الرسل والمؤمنين، فيكون تأويل الكلام حينئذ: إنا لننصر رسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد121.

    وهذه سنة الله في خلقه: أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا، ويقر أعينهم ممن آذاهم، روى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب) 122.

    والنصر في الآخرة بالحكم لهم ولأتباعهم بالثواب، ولمن حاربهم بشدة العقاب123.

    وقال سيد قطب رحمه الله: «وانتصار قضية الاعتقاد هو انتصار أصحابها، فليس لأصحاب هذه القضية وجود ذاتي خارج وجودها، وأول ما يطلبه منهم الإيمان أن يفنوا فيها ويختفوا هم ويبرزوها124! والناس كذلك يقصرون معنى النصر على صور معينة معهودة لهم، قريبة الرؤية لأعينهم، ولكن صور النصر شتى، وقد يتلبس بعضها بصور الهزيمة عند النظرة القصيرة، إبراهيم عليه السلام وهو يلقى في النار فلا يرجع عن عقيدته ولا عن الدعوة إليها، أكان في موقف نصر أم في موقف هزيمة؟! ما من شك -في منطق العقيدة- أنه كان في قمة النصر وهو يلقى في النار، كما أنه انتصر مرة أخرى وهو ينجو من النار، هذه صورة وتلك صورة، وهما في الظاهر بعيد من بعيد، فأما في الحقيقة فهما قريب من قريب! وكم من شهيد ما كان يملك أن ينصر عقيدته ودعوته ولو عاش ألف عام، كما نصرها باستشهاده، وما كان يملك أن يودع القلوب من المعاني الكبيرة، ويحفز الألوف إلى الأعمال الكبيرة، بخطبة مثل خطبته الأخيرة التي يكتبها بدمه، فتبقى حافزًا محركًا للأبناء والأحفاد، وربما كانت حافزًا محركًا لخطى التاريخ كله مدى أجيال»125.

    وقد أخبر سبحانه وتعالى أن النصر قد سبقت به كلمة الله، وكلمات الله لا يمكن أن يبدلها مبدل، فنصر الرسل حتم لا بد منه.

    قال تعالى: ( ) [الصافات: ١٧١-١٧٣].

    فالآية الكريمة «تدل على أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم وأتباعهم منصورون دائما على الأعداء بالحجة والبيان، ومن أمر منهم بالجهاد منصور أيضًا بالسيف والسنان»126.

    هذا الوعد سنة من سنن الله الكونية، سنة ماضية كما تمضي هذه الكواكب والنجوم في دوراتها المنتظمة، وكما يتعاقب الليل والنهار في الأرض على مدار الزمان، وكما تنبثق الحياة في الأرض الميتة ينزل عليها الماء، ولكنها مرهونة بتقدير الله، يحققها حين يشاء، لقد أراد المسلمون قبيل غزوة بدر أن تكون لهم عير قريش، وأراد الله أن تفوتهم القافلة الرابحة الهينة وأن يقابلوا النفير وأن يقاتلوا الطائفة ذات الشوكة، وكان ما أراده الله هو الخير لهم وللإسلام، وكان هو النصر الذي أراده الله لرسوله وجنده ودعوته على مدى الأيام، ولقد يهزم جنود الله في معركة من المعارك، وتدور عليهم الدائرة، ويقسو عليهم الابتلاء؛ لأن الله يعدهم للنصر في معركة أكبر، ولأن الله يهيئ الظروف من حولهم؛ ليؤتي النصر يومئذ ثماره في مجال أوسع، وفي خط أطول، وفي أثر أدوم127.

    وأخبر سبحانه وتعالى أن نصر المؤمنين حق لهم، ألزم به نفسه الكريمة فقال: ( ﮩﮪ ) [الروم: ٤٧].

    فهذه النصوص القرآنية بشارات للمؤمنين، وأدلة قاطعة لا مرية فيها أن نصر الله للمؤمنين واقع لا محالة في الوقت الذي يريد، وما على المؤمنين إلا أن يؤدوا واجبهم بأخذ الأسباب الموجبة للنصر، ولن يترهم الله ثواب أعمالهم.

    ثانيًا: البشارة بظهور الدين:

    أخبر سبحانه وتعالى أنه مظهر دينه على الأديان كلها.

    قال تعالى: ( ) [التوبة: ٣٣].

    و قال تعالى: ( ﯺﯻ ) [الفتح: ٢٨].

    قال تعالى: ( ) [الصف: ٩].

    فيظهره ظهورين: ظهورًا بالحجة والبيان والدلالة، وظهورًا بالنصر والظفر والغلبة والتأييد؛ حتى يظهره على مخالفيه ويكون منصورًا128.

    «وظهور الإسلام على الدين كله حصل في العالم باتباع أهل الملل إياه في سائر الأقطار، بالرغم من كراهية أقوامهم وعظماء مللهم ذلك، ومقاومتهم إياه بكل حيلة، ومع ذلك فقد ظهر وعلا وبان فضله على الأديان التي جاورها، وسلامته من الخرافات والأوهام التي تعلقوا بها، وما صلحت بعض أمورهم إلا فيما حاكوه من أحوال المسلمين وأسباب نهوضهم، ولا يلزم من إظهاره على الأديان أن تنقرض تلك الأديان»129.

    وبعد هذا الظهور تخلى كثير من أصحاب دين الحق عنه خطوة فخطوة، بفعل عوامل داخلة في تركيب المجتمعات الإسلامية من ناحية، وبفعل الحرب الطويلة المدى، المنوعة الأساليب، التي أعلنها عليه أعداؤه من الوثنيين وأهل الكتاب سواء.

    لكن لم يخلو زمان من قائم لله بالحجة قاموا وحملوا على عاتقهم نصرة هذا الدين، وإن ذهبت أرواحهم وأموالهم فداءً له، وإن وعد الله قائم بنصرة هؤلاء إذا ساروا على نفس المنهج الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم والأولون، وهذا ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفةٌ من أمتى ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) 130.

    قال النووي رحمه الله: «يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين؛ منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض»131.

    وهؤلاء موجودون ومنتشرون بفضل الله، ونراهم في الملمات التي تمر بها الأمة، ويلتف حولهم المسلمون من كل مكان نصرة للحق المبين، ووفاءً بعقد الإخوة في الدين.

    ثالثًا: الوعد الإلهي بالاستخلاف:

    قال تعالى: ( ﭿ ﮅﮆ ﮋﮌ ) [النور: ٥٥].

    «هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، أي: أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح البلاد، وتخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمنًا وحكمًا فيهم» 132.

    «وتمكين الدين يتم بتمكينه في القلوب، كما يتم بتمكينه في تصريف الحياة وتدبيرها، فقد وعدهم الله إذن أن يستخلفهم في الأرض، وأن يجعل دينهم الذي ارتضى لهم هو الذي يهيمن على الأرض، ودينهم يأمر بالإصلاح، ويأمر بالعدل، ويأمر بالاستعلاء على شهوات الأرض، ويأمر بعمارة هذه الأرض، والانتفاع بكل ما أودعها الله من ثروة ومن رصيد ومن طاقة، مع التوجه بكل نشاط فيها إلى الله»133.

    فهذا مقصد الاستخلاف في الأرض: الإصلاح والعدل والعمارة والانتفاع بكل نعم الله؛ ابتغاء مرضاة الله.

    ولقد ابتليت الأمة بصنف من الحكام مكنوا في البلاد بغير رغبة من أهلها، فاستخدموا نعم الله على بلادهم في الاعتداء على أهلها وأذاقوهم سوء العذاب؛ حتى جعلت أهل البلد الواحد شيعًا يضرب بعضهم رقاب بعض، وصنف آخر استخدموا ما أنعم الله عليهم في تثبيت دعائم الظلمة والفجرة؛ حتى لا يستقر حكم الإسلام العادل في تلك البلاد.

    وسنة الله جارية أن من استخدم نعمه في الظلم سلب منه هذه النعم، ونزع سلطانه، وجعل ما أنفقه على الظلمة والفجرة حسرة وندامة عليه، وأعطى هذا الملك من يقوم بين الناس بالعدل، فدولة العدل تدوم وإن كانت كافرة، ودولة الظلم تزول وإن كانت مسلمة.

    ثواب الناصرين

    أخبر سبحانه وتعالى في كتابه عن ثواب الناصرين لله ولرسوله؛ تحريضًا للمؤمنين بعدهم أن يسلكوا سبيلهم؛ ليحظوا بمثل ثوابهم.

    أولًا: ثواب الناصرين في الدنيا:

    الله سبحانه وتعالى يعتني بعباده المؤمنين المجاهدين في سبيله الناصرين لدينه المعينين لرسوله على الأعداء، ولذلك فقد جعل من المقاصد الشرعية للنصر تحقيق ما يحبون وما يكون سببًا في فرحهم:

  1. الفرح بالنصر.

    جبلت النفس على الفرح بما تحققه من نصر، فحقق الله للمؤمنين ما يفرحون به، وهذا يدل على مزيد عنايته بهم.

    قال تعالى: ( ) [الروم: ٤].

    عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما في قوله تعالى: ( ) قال: (غلبت وغلبت، قال: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ لأنهم أصحاب أوثانٍ، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس؛ لأنهم أهل كتابٍ، فذكر ذلك لأبي بكرٍ، فذكره أبو بكرٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنهم سيغلبون)! فذكره أبو بكرٍ لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلًا، فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجلًا خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك أبو بكرٍ للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا جعلتها إلى دون-أراه قال:- العشر)! قال سعيد بن جبيرٍ: البضع ما دون العشر، ثم ظهرت الروم بعد قال: فذلك قوله: ( ﯜﯝ ﯣﯤ ﯪﯫ ﯮﯯ ) [الروم: ١ - ٥]134.

    والنصر الذي يفرح به المؤمنون: «يحتمل أن يشار فيه إلى نصر الروم على فارس وهي نصرة الإسلام، ويحتمل أن يشار فيه إلى نصر يخص المؤمنين على عدوهم، وهذا أيضًا غيب أخبر به وأخرجه الوجود إما يوم بدر وإما يوم بيعة الرضوان، ويحتمل أن يشار به إلى فرح المسلمين بنصر الله إياهم في أن صدق ما قال نبيهم من أن الروم ستغلب فارس، فإن هذا ضرب من النصر عظيم»135.

    وأضيف النصر إلى اسم الجلالة؛ للتنويه بذلك النصر، وأنه عناية لأجل المسلمين136.

    فهذا النصر امتنان من الله؛ لإدخال الفرح على المؤمنين.

  2. شفاء صدور المؤمنين وإذهاب غيظ قلوبهم وتوبة الله على من يشاء.

    من المقاصد الشرعية للنصر في مواضع القتال بين المؤمنين وأعدائهم، شفاء صدور المؤمنين وإذهاب غيظ قلوبهم، وتوبة الله على من يشاء.

    قال تعالى: ( ﭟﭠ ﭥﭦ ) [التوبة: ١٥].

    «فإن في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم؛ إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله، ساعين في إطفاء نور الله، وزوالا للغيظ الذي في قلوبهم، وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم»137، بانتصار الحق كاملا، وهزيمة الباطل، وتشريد المبطلين، ( ﭥﭦ) فانتصار المسلمين قد يرد بعض المشركين إلى الإيمان، ويفتح بصيرتهم على الهدى حين يرون المسلمين ينصرون، ويحسون أن قوة غير قوة البشر تؤيدهم، ويرون آثار الإيمان في مواقفهم -وهذا ما كان فعلا-، وعندئذ ينال المسلمون المجاهدون أجر جهادهم، وأجر هداية الضالين بأيديهم، وينال الإسلام قوة جديدة تضاف إلى قوته بهؤلاء المهتدين التائبين138.

  3. تحقيق ما يحب المؤمنون.

    أشار سبحانه وتعالى إلى امتنانه على عباده الناصرين لدينه بإعطائهم ما يحبون في الحياة الدنيا قبل إعطاء نعيم الآخرة.

    قال تعالى: ( ﯱﯲ ﯷﯸ ) [الصف: ١٣].

    «والمراد به النصر العظيم، وهو نصر فتح مكة، فإنه كان نصرا على أشد أعدائهم الذين فتنوهم وآذوهم وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، وألبوا عليهم العرب والأحزاب، وراموا تشويه سمعتهم، وقد انضم إليه نصر الدين بإسلام أولئك الذين كانوا من قبل أئمة الكفر ومساعير الفتنة، فأصبحوا مؤمنين إخوانا وصدق الله وعده بقوله: ( ) [الممتحنة: ٧].

    وقوله: ( ﭿ ) [آل عمران: ١٠٣]»139. وفي الآية: الإخبار بالغيب عن المستقبل، وهو من معجزات القرآن.

  4. الفلاح.

    مَنَّ الله سبحانه وتعالى على عباده الذين أعانوا رسوله على أعداء الله وأعدائه بجهادهم بالفوز في الدنيا والآخرة.

    قال تعالى: ( ﮜﮝ ) [الأعراف: ١٥٧].

    قال مجاهد رحمه الله: «عزروه: سددوا أمره، وأعانوا رسوله، ونصروه على أعداء الله وأعدائه بجهادهم ونصب الحرب لهم»140، أولئك هم الفائزون بالرحمة العظمى والرضوان، دون سواهم من أهل كل زمان ومكان، فمنهم الفائزون بدون ما يفوز به هؤلاء، كأتباع سائر الأنبياء، ومنهم الخائبون المخذولون؛ أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون141.

    وفي الآية: تعظيم فضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم، ويلحق بهم من نصر دينه بعدهم إلى يوم القيامة.

  5. الثناء عليهم بالصدق.

    أثنى الله على المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم ابتغاء مرضاته، ونصرة لله ورسوله بالصدق.

    قال تعالى: ( ﯠﯡ ) [الحشر: ٨].

    أي: «هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم، وهؤلاء هم سادات المهاجرين»142. وفي الآية: الثناء على أهل الصدق ونشر محاسنهم؛ ليقتدي بهم المؤمنون.

    ثانيًا: ثواب الناصرين في الآخرة:

  1. المغفرة والرزق الكريم.

    مدح الله سبحانه وتعالى المؤمنين من المهاجرين والأنصار الذين نصروا دينه وبشرهم بالمغفرة لذنوبهم وبالدرجات العلى من الجنة، ولهم فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

    قال تعالى: ( ﯨﯩ ) [الأنفال: ٧٤].

    «آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه، ونصروهم ونصروا دين الله، أولئك هم أهل الإيمان بالله ورسوله حقًّا -لا من آمن ولم يهاجر دار الشرك وأقام بين أظهر أهل الشرك ولم يغز مع المسلمين عدوهم- لهم ستر من الله على ذنوبهم بعفوه لهم عنها، ولهم في الجنة طعام ومشرب هنيءٌ كريم، لا يتغير في أجوافهم فيصير نجوًا، ولكنه يصير رشحًا كرشح المسك»143.

    وفي الآية: استواء المهاجرين والأنصار في النصرة للدين وفي الإيمان الصادق.


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٣٥، مجمل اللغة، ابن فارس ١/٨٧٠.

2 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٣٠٥.

3 فتح القدير، الشوكاني ٥/٥٠٩.

4 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب النون، ص١٣٢٥-١٣٢٨.

5 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٤٥٣، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٥٨٦-٥٨٧.

6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٤٦٩.

7 انظر: مفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني ص٦٢١.

8 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٨١٠.

9 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٦٦، المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٣٥.

10 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص١٨٩.

11 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٤٥٩.

12 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٦٤٧.

13 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص ٢١٠.

14 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٤٧١.

15 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ١/٩٩.

16 الفروق اللغوية، العسكري ص٣٤٣.

17 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٥٧.

18 تيسير الكريم الرحمن ص٣٢١.

19 التحرير والتنوير ٩/١٠٠.

20 جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٧٢.

21 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٤٢.

22 المصدر السابق ٧/٧١٠.

23 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٢/٦٧.

24 جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٢٣.

25 في ظلال القرآن ٦/٣٥٢٦.

26 جامع البيان، الطبري ٧/٢٢٥.

27 جهاد الطلب: أن تطلب الكفار في عقر دارهم ودعوتهم إلى الإسلام وقتالهم إذا لم يقبلوا الخضوع لحكم الإسلام. انظر جهاد الطلب بين القدامى والمعاصرين، منير هاشم خضير العبيدي، مجلة البحوث والدراسات الاسلامية، السنة: ٢٠١٢، الاصدار: ٢٨، ص ٢٤٢.

28 أضواء البيان ٤/١٦٢.

29 التحرير والتنوير ١٧/٧٧.

30 جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٣٦.

31 جامع البيان، الطبري ٣/٦٣٦.

32 الفوائد، ابن القيم ص٢٦٩.

33 جامع البيان، الطبري ٤/٥١٤.

34 التحرير والتنوير ١٧/٢٠٢.

35 في ظلال القرآن، ١/٢٦٤- ٢٦٥.

36 الشباب و التغيير، ص ٢٨.

37 نفوس ودروس في إطار التصوير القرآني، ص ٣٦٤.

38 أضواء البيان ٩/١٣٨.

39 التحرير والتنوير ٣/٢١٢.

40 مفاتيح الغيب ٨/٣٥٤.

41 التحرير والتنوير ٣/٢١٢.

42 في ظلال القرآن ١/٤٧٠.

43 جامع البيان، الطبري ١٨/٥١٩.

44 في ظلال القرآن ٥/٢٧٧٤.

45 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١٠٨.

46 التحرير والتنوير ٢٨/١٧٥.

47 جامع البيان، الطبري ١٦/٥٨٧.

48 التحرير والتنوير١٧/٢٠٢.

49 التحرير والتنوير٢٦/٧١.

50 في ظلال القرآن ٦/٣٢٨٨.

51 التحرير والتنوير ٩/١٥١.

52 جامع البيان، الطبري ٢١/١٨٩.

53 تفسير المنار ٧/٣١٧.

54 المصدر السابق.

55 التحرير والتنوير ٩/١٢٣.

56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة أحدٍ، رقم ٤٠٤٣.

57 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، نحن الآخرون السابقون، رقم ٢٧٩٧.

58 التحرير والتنوير ٩/١٢٣.

59 جامع البيان، الطبري ٢٢/٦٢٣.

60 إغاثة اللهفان، ابن القيم ٢/١٨٢.

61 جامع البيان، الطبري ٤/٤٩٦.

62 أخرجه أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن عباس، رقم ٢٨٠٣.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٦٨٠٦.

63 جامع العلوم والحكم، ابن جب ١/٤٩٠.

64 في ظلال القرآن ١/٥٥٢.

65 تفسير المنار ٤/١٤٢.بتصرف يسير.

66 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة، رقم ١٧٦٣.

67 في ظلال القرآن ٤/١٨٩٣.

68 جامع البيان، الطبري ١١/٢١٣.

69 التحرير والتنوير ١/١٢٢.

70 في ظلال القرآن ٣/١٥٢٨.

71 جامع البيان، الطبري ٦/١٢١.

72 المصدر السابق ١١/٦٦.

73 مدارج السالكين، ابن القيم ١/٤٦.

74 في ظلال القرآن ٣/١٥٢٨.

75 المصدر السابق ٦/٣٢٨٩.

76 جامع البيان، الطبري ٧/٢١٧.

77 تفسير المنار ٥/٣٠٦.

78 في ظلال القرآن ٢/٧٤٨.

79 جامع البيان، الطبري ١١/٢٤٤.

80 تيسير الكريم الرحمن ص٣٢٤.

81 جامع البيان، الطبري ١١/٢٦٧.

82 السنن الإلهية في الأمم والجماعات والأفراد، عبد الكريم زيدان، ص ٥٦.

83 جامع البيان، الطبري ٥/٢٥١.

84 في ظلال القرآن ٣/١٥٢٧.

85 انظر: المصدر السابق ٤/٢٤٢٧.

86 جامع البيان، الطبري ١١/٢١٥.

87 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة أحد، رقم ٤٠٤٣.

88 التحرير والتنوير ٩/١٢٣.

89 في ظلال القرآن ٣/١٥٢٩.

90 خلق المسلم، محمد الغزالي ص ١٩٠، بتصرف واختصار.

91 الفروسية، ابن القيم ١/٥٠٦.

92 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/١١٢.

93 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من قاد دابة غيره في الحرب، رقم ٢٧٠٩.

94 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/١١٣.

95 التحرير والتنوير ١٠/٥٨.

96 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٤٦.

97 في ظلال القرآن ١/٤٩٧.

98 التفسير القيم، ابن القيم ١/١٧٦.

99 في ظلال القرآن ٣/١٦٦٣.

100 طريق الهجرتين وباب السعادتين ١/٤٠٢.

101 الشوط: مكان بين المدينة وأحد.

102 السيرة النبوية في ضوء الكتاب والسنة ٢/١٩٠.

103 جامع البيان، الطبري ١١/٢١٨.

104 الجزور: البعير ذكرًا كان أو أنثى.

انظر: النهاية في غريب الأثر:١/٢٦٦.

105 القيان: الإماء والعبيد.

انظر: النهاية في غريب الأثر:٤/١٣٥.

106 السيرة النبوية، ابن هشام ١/٦٧٤.

107 دلائل النبوة، البيهقي ٣/١٠١.

108 التحرير والتنوير ٩/١٢٥.

109 في ظلال القرآن ٣/١٥٢٩.

110 جامع البيان، الطبري ٢١/١٧٨.

111 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٢٧.

112 جامع البيان، الطبري ١٣/٣٨٣.

113 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم ٣٦١٢.

114 عمدة القاري ١٦/١٤٥.

115 في ظلال القرآن ٤/٢٠٣٦.

116 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٦٦.

117 جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٠٢.

118 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٣٥.

119 في ظلال القرآن ٥/٢٩٧٦.

120 نبي من أنبياء بني إسرائيل.

121 جامع البيان، الطبري ٢٠/٣٤٥.

122 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه، رقم ٦١٣٧.

123 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٣٩.

124 كما فعل غلام الأخدود، نال الشهادة، فكانت سببًا في إيمان قومه، وكما حدث من مؤمن آل يس حيث قتله قومه وتمنى لهم الهداية لما رأى نعيم الجنة.

125 في ظلال القرآن ٥/٣٠٨٧.

126 أضواء البيان ٦/٣٢١.

127 في ظلال القرآن ٥/٣٠٠٢.

128 التفسير القيم، ابن القيم ص ٣٠٧.

129 التحرير والتنوير ١٠/٧٤.

130 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفةٌ من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم)، رقم ١٩٢٠.

131 شرح صحيح مسلم، النووي ١٣/٦٧.

132 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٧١.

133 في ظلال القرآن ٤/٢٥٢٩.

134 أخرجه أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن العباس، ٤/٢٧٢.

وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.

135 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٢٤١.

136 التحرير والتنوير ٢١/٤٧.

137 تيسير الكريم الرحمن ص ٣٣١.

138 في ظلال القرآن ٣/١٦١٢.

139 التحرير والتنوير ٢٨/١٧٥.

140 جامع البيان، الطبري ٤/٤٩٧.

141 تفسير المنار ٩/١٩٨.

142 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٦٨.

143 جامع البيان، الطبري ١١/٣٠٠.