عناصر الموضوع

مفهوم النصيحة

النصيحة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع النصيحة

مجالات النصيحة

لمن تكون النصيحة

الانتفاع بالنصيحة

نماذج من النصيحة في القرآن

آثار النصيحة

النصيحة

مفهوم النصيحة

أولًا: المعنى اللغوي:

(نصح) النون والصاد والحاء أصلٌ يدل على ملاءمةٍ بين شيئين وإصلاحٍ لهما، ونصح الشيء: خلص، والنصيحة: خلاف الغش، وهي كلمة جامعة مشتقة من مادة «ن ص ح» الموضوعة لمعنيين: أحدهما الخلوص والبقاء، والثاني: الالتئام والرفاء، وقومٌ نصح ونصاحٌ، والتنصح: كثرة النصيحة، نصحت له نصيحتي نصوحًا أي: أخلصت وصدقت، والاسم النصيحة، والنصيح: الناصح، وانتصحت فلانًا وهو ضد اغتششته، وانتصح فلانٌ أي: قبل النصيحة، والتوبة النصوح: أن لا يعود إلى ما تاب عنه1.

ومن خلال ما سبق تبين أن النصيحة هي نقيض الغش، وهي تقديم النصح بإخلاص وإرادة الخير للمنصوحين، فهي تعني الخلوص والالتئام والرفاء.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

«النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له، فليس يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناها غيرها»2.

حقيقة النصح: إرادة الخير لغيرك مما تريده لنفسك، أو النهاية في صدق العناية3.

قال الجرجاني: «النصيحة: هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح، والنهي عما فيه الفساد»4.

عرفها ابن الصلاح بقوله: «النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلًا» 5.

النصيحة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (نصح) في القرآن الكريم (١٣) مرة 6.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٣

( ) [التوبة:٩١]

الفعل المضارع

٢

( ) [الأعراف:٦٢]

المصدر

١

( ) [هود:٣٤]

اسم الفاعل

٦

( ) [القصص:٢٠]

الصفة المشبهة

١

( ) [التحريم:٨]

وجاءت النصيحة في القرآن بمعناها اللغوي، وهو: من الخلوص والبقاء؛ وذلك لأن الناصح يخلص للمنصوح له عن الغش، ومن الالتئام والرفاء؛ لأن الناصح يرفأ ويصلح حال المنصوح له كما يفعل الخياط بالثوب7.

الألفاظ ذات الصلة

الوعظ:

الوعظ لغةً:

الواو والعين والظاء: كلمة واحدة، فالوعظ: التخويف، والعظة الاسم منه، والعظة والموعظة: النصح والتذكير بالعواقب 8.

الوعظ اصطلاحًا:

قال ابن سيده: «هو تذكيرك للإنسان بما يلين قلبه من ثوابٍ وعقاب» 9.

قال الجرجاني: «هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب» 10.

الوعظ: «إهزاز النفس بموعود الجزاء ووعيده، وزجر مقترن بتخويف » 11.

الصلة بين النصيحة والوعظ:

الوعظ هو تذكير الشخص بشيء قد يكون علمه ونسيه، أما النصيحة أعم قد تكون ابتداء لم يسبقه معرفة من المنصوح، وقد يكون تذكير كالوعظ، وكلاهما إرادة الخير للآخرين.

الإرشاد:

الإرشاد لغةً:

(رشد) الراء والشين والدال أصل واحد يدل على استقامة الطريق، (الرشاد) ضد الغي، والمراشد: مقاصد الطرق، وهو نقيض الضلال، وأرشده الله: هداه، واسترشده: طلب منه الرشد، والإرشاد: الهداية والدلالة 12.

الإرشاد اصطلاحًا:

هو الهداية إلى وجوه الصلاح في الدين والدنيا، والتنبيه إلى الرشد والفضيلة13.

الصلة بين النصيحة والإرشاد:

النصيحة هي إرادة الخير وتقديم النصح بإخلاص دون غش، والإرشاد هو تقديم النصح وتوجيه المنصوح إلى الوصول للهداية والصلاح.

البلاغ:

البلاغ لغةً:

بلغ المكان بلوغًا: وصل إليه، أو شارف عليه، والاسم من الإبلاغ والتبليغ، وهما: الإيصال، والبلاغ: الإبلاغ وما يتبلغ به ويتوصل إلى الشيء المطلوب14

البلاغ اصطلاحًا:

«الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى، زمانًا أو مكانًا أو أمرًا من الأمور المقدرة» 15.

وذلك يعني أن البلاغ هو إيصال الشيء على الوجه الصحيح ببلاغة وفصاحة لسان.

الصلة بين النصيحة والبلاغ:

البلاغ يعني بيان أمر ما وإيصاله للآخرين بطريقة تقوم به الحجة وتتضح به المحجة، ويشارك النصيحة في كون الغرض منه إرادة الخير.

التعيير:

التعيير لغةً:

عير يعير، تعييرًا، فهو معير، والمفعول معير، عار الشخص: عابه، ذكر من صفاته أو أعماله ما يدعو إلى الخجل، عيره بذنبه: نسبه إلى العار، قبح عليه صفاته وفعله ومن ذلك عيره بجهله أو بهزيمته16.

التعيير اصطلاحًا:

إظهار السوء وإشاعته في قالب النصح، وزعم أنه إنما يحمله على ذلك العيوب إما عامًا أو خاصًا، وكان غرضه في الباطن التعيير والأذى17.

الصلة بين النصيحة والتعيير:

النصح يقترن به الستر، والتعيير يقترن به الإعلان، قال الفضيل: (المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير)، فالناصح غرضه بذلك إزالة عيب أخيه المؤمن واجتنابه له، والفاجر مقصودة تنقص أخيه المؤمن في إظهار عيوبه ومساويه للناس18.

أنواع النصيحة

تنقسم النصيحة بطبيعة مقصودها والغرض منها إلى نوعين، النوع الأول النصيحة المحمودة، وهي التي دعانا لها الدين الإسلامي حيث تحمل في طياتها إرادة الخير للآخرين والحرص على مصالحهم وهدايتهم وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم، وتكون بأسلوب لين رقيق، والنوع الآخر هو النصيحة المذمومة التي تحمل اسم النصيحة قالبًا وشكلًا دون المضمون، فهي لا تخلو من الغش والخداع والمصالح الشخصية للناصح، وتعريض الأخرين للأذى والايقاع بهم في ما يضر بهم، وهذا النوع من النصيحة ليس من الدين بل هو مذموم ومنهي عنه، وبيان ذلك في النقاط الآتية:

أولًا: النصيحة المحمودة:

النصيحة المحمودة هي التي يراد بها الخير للآخرين، بحيث تكون سرًا لا علانية؛ لأن الغرض منها الإصلاح وليس الفضيحة أو التوبيخ، وتكون بلين ورفق وإخلاص نية من الناصح، والنصيحة المحمودة تحمل خيرًا بحيث تحمي الآخرين من العقاب والوقوع في الفساد وتسير بهم نحو الهداية والصلاح، فالنصيحة تحتاج إلى أمانة وصدق وإخلاص وصبر من الناصح، والأنبياء جميعهم كانت نصيحتهم محمودة صادقة تحمل الخير والشفقة فمضمونها الدعوة إلى توحيد الله وتصديق رسله وكتبه.

قال تعالى: ( ﮡﮢ ﮧﮨ )[التوبة: ٩١].

برغم اسقاط الجهاد في حق أصحاب الأعذار من الضعفاء والمرضى الذين لا يقوون على الجهاد والذين لا يجدون ما ينفقون ولا قدرة لهم على تكاليف الجهاد، إلا أن هذه الآية بينت أنه لا حرج عليهم في تقديم النصح لله وللرسول، قال القرطبي في تفسيره: النصيحة لله إخلاص الاعتقاد في الوحدانية، ووصفه بصفات الألوهية، وتنزيهه عن النقائص والنصيحة لرسوله: التصديق بنبوته، والتزام طاعته في أمره ونهيه، وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه، وتعظيمه وتعظيم سنته، وإحياؤها بعد موته بالبحث عنها، والتخلق بأخلاقه الكريمة صلى الله عليه وسلم والنصح لأئمة المسلمين: ترك الخروج عليهم، إرشادهم إلى الحق وتنبيههم فيما أغفلوه من أمور المسلمين، ولزوم طاعتهم والقيام بواجب حقهم والنصح للعامة: ترك معاداتهم، وإرشادهم، والدعاء لجميعهم وإرادة الخير لكافتهم19، فهذه الآية الكريم بينت أن النصيحة المحمودة ينبغي أن تحمل الخير للآخرين بإرشادهم لما فيه صلاحهم وهدايتهم وذلك بدعوتهم إلى توحيد الله وطاعته، وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع كل ما جاء به من أوامر واجتناب نواهيه، وحث الآخرين على الجهاد وعدم تثبيطهم في حال عدم قدرتهم على الجهاد.

وقال تعالى: ( ) [الأعراف: ٧٩].

ومن نماذج النصيحة المحمودة ما كان يقوم به الأنبياء من تبليغ رسالات ربهم لأقوامهم ونصحهم والاشفاق عليهم حرصًا على مصالح أقوامهم وخوفًا عليهم من التعرض لعقاب الله وعذابه، وهذه الآية تتحدث عن نبي الله صالح عليه السلام كيف أنه أبلغ قومه رسالات ربه ونصحهم ولم يتوقف عن نصحهم، بل حذرهم من عذاب الله واستمر في نصحهم دون جدوى، فقد كانوا قومًا لا يحبون النصيحة ولا يتقبلونها، وكان ما قاله صالح عليه السلام «على سبيل التفجع والتحسر عليهم: لقد بلغتكم الرسالة، وحذرتكم عذاب الله، وبذلت وسعي في نصيحتكم، ولكن شأنكم الاستمرار على بغض الناصحين وعداوتهم»20.

فكانت نصيحته لقومه نصيحة محمودة تدعوهم لما فيه صلاح لهم وارشادهم إلى توحيد الله وعبادته خوفًا عليهم وحرصًا على مصلحتهم، ولكن قومه لم يستجيبوا له ولم ينتصحوا.

وقال تعالى: ( ﯥﯦ ) [الأعراف: ٩٣].

هذه الآية تبين ما قام به شعيب عليه السلام من إبلاغ قومه رسالات ربه ونصحه لهم ولم يتوقف عن نصحهم خوفًا عليهم وحرصًا على هدايتهم، حيث قال لهم يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي التي أرسلني بها إليكم ونصحت لكم ببيان ما فيه سلامة دينكم ودنياكم فكيف أحزن على قوم كافرين بالله مصرين على كفرهم متمردين عن الإجابة، وقد قال شعيب هذه المقالة تحسرًا على عدم إيمان قومه، ثم سلا نفسه بأنه كيف يقع منه الأسى على قوم ليسوا بأهل للحزن عليهم لكفرهم بالله وعدم قبولهم لما جاء به رسوله21.

فهذا هو حال الأنبياء مع أقوامهم يحرصون على إبلاغ أقوامهم رسالات ربهم ويخلصون في نصحهم ويخافون عليهم من عذاب الله، بل يتحسرون ويحزنون إن لم ينتصحوا، فهذه النصائح التي تصف حال الأنبياء عليهم السلام كلها نماذج للنصيحة المحمودة التي أمر الله بها والتي من شأنها إصلاح أحوال الآخرين والأخذ بأيديهم على طريق الهداية والنجاة.

ثانيًا: النصيحة المذمومة:

النصيحة المذمومة هي تلك النصيحة التي تكون في قالب النصح ولكن لا يكون مقصودها إرادة الخير للآخرين، وإنما غشهم وخداعهم والوصول إلى أغراض شخصية بعيدًا عن مصلحة المنصوح، وهذه النصيحة ليست من الدين، لما فيها من أذى للآخرين، ومن الآيات التي اشتملت على النصيحة المذمومة ما يأتي:

قوله تعالى: ( ) [الأعراف: ٢١].

هذه الآية تبين موقف الشيطان من آدم عليه السلام وحواء وذريته من بعده، وكيف أنه لبس ثوب الورع والنصح لهم والحرص على مصالحهم، فأخذ يوسوس لهم ويكيد لهم في صورة الناصح لهم، فقد كانت نصيحته مذمومة، فعندما نصحهم أراد الإيقاع بهم، والنيل منهم، حيث أغر بهم وقد بين حرصه على نصحهم ومصلحتهم بأن « أقسم لهما بالله ( ) أي: من جملة الناصحين حيث قلت لكما ما قلت، فاغترا بذلك، وغلبت الشهوة في تلك الحال على العقل» 22.

فكانت نصيحته مذمومة تحمل الشر والحقد لآدم عليه السلام بعد أن فضله الله عليه وأمره بالسجود له، فكيف يعقل أن يريد بهم خيرًا، وهو نفسه الذي رفض السجود لآدم عليه السلام، وتوعد بالنيل من ذريته وإضلالهم عن الحق والقعود لهم في كل مرصد لإغوائهم.

وقوله تعالى: ( ) [يوسف: ١١].

هذه الآية تبين كيف أظهر إخوان يوسف عليهم السلام حرصهم على أخيهم يوسف، وخوفهم عليه، ونصحهم له وتعهدهم لأبيهم برعايته، ومع ما يحمله كلامهم من طابع النصح إلا أنه كان نصحًا غير محمود بل مذموم فقد أرادوا الخير في ظاهر كلامهم ولكن في باطنه أرادوا إيقاع السوء بيوسف عليه السلام فقد أضمروا بداخلهم التخلص منه، فقد جاؤوا أباهم يعقوب عليه السلام، فقالوا: ما بالك لا تأتمنا على يوسف، وتخافنا عليه، ونحن له ناصحون، أي: نحبه، ونشفق عليه، ونريد الخير له، ونخلص له النصح؟ وهم يريدون خلاف ذلك، لحسدهم له، بعد ما علموا من رؤيا يوسف، وأدركوا حب أبيه له، لما يتوسم فيه من الخير العظيم وشمائل النبوة.

ويمكن الاستفادة من الآيات بأن النصيحة المحمودة: هي التي حث عليها الشرع وتحمل بداخلها الخير للأخرين، وتكون بأسلوب لين ورقيق، ويؤديها الناصح بأمانة وإخلاص، ومن النماذج عليها ما كان يقوم به الأنبياء من نصح لأقوامهم خوفًا عليهم وحرصًا على هدايتهم.

ونستفيد كذلك بأن النصيحة المذمومة: هي تلك النصيحة التي نهى الشرع عنها، فغرضها خداع الآخرين وغشهم والنيل منهم وإلحاق الأذى بهم، ومن ذلك ما قام به الشيطان الرجيم مع آدم عليه السلام، وما قام به إخوان يوسف عليه السلام.

مجالات النصيحة

تعتبر النصيحة من الأمور الهامة التي دعا لها الدين الاسلامي، وقد أطلق عليها الدين كما ورد في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة) 23.

وذلك لأن النصيحة من أهم الدعائم التي تنشر الدين وتحث عليه، وتغير المعتقدات الخاطئة عند الناس، وتقوم من سلوكهم، وتزيل العادات السيئة والمخالفة للدين، وتحسن الطباع والأخلاق عند المسلمين، فهي أقرب الوسائل القادرة على استمالة القلوب وتهذيب النفوس، وتقويم العقيدة، فالإنسان بحاجة ماسة إلى وجود من ينصحه باستمرار ومن يستنصحه، فهو لا يعيش وحيدًا، بل في مجتمع يحمل الكثير من المعتقدات منها ما يوافق الشرع الإسلامي، ومنها ما يخالفه.

والحياة مليئة بالملهيات والمغريات المادية التي قد تجعل نفسه يتناسى ما عليه من واجبات ويتذكر ماله من حقوق، لذلك يحتاج الإنسان إلى من يقوم سلوكه ويصحح معتقداته، ويذكره بواجباته ويوقظه من غفلته وانشغاله بملذات الدنيا وتحذيره من زلاته وعواقبها، وترشده إلى طريق الهداية المستقيم، ومن المجالات التي تتناولها النصيحة الأمور التي تتعلق بالجانب الديني، والأمور التي تتعلق بالجانب الدنيوي.

أولًا: أمور الدين:

كان النصح مهمة الأنبياء التي شرفهم الله بها، فقد حملوا هم الدعوة إلى الله عز وجل والنصح إلى توحيده وعبادته، فكانوا ينصحون الناس بالخير ويأمرونهم بالقيام به، وينهونهم عن كل ما هو منكر ومخالف لشرع الله، وأصبحت هذه مهمة الصالحين من بعدهم وأولي الأمر، ونجد القرآن الكريم قد اعتنى عناية فائقة لأهمية ذلك وعظم شأنه في الدين، فبه تتحقق غايات الشرع ومقاصده وبهم يصلح حال الفرد والمجتمع، وبالنظر في الآيات التي تحدثت عن نصح الأنبياء لأقوامهم والأحاديث النبوية التي كانت تحمل النصح للمسلمين، نجد أغلبها تتناول أمور الدين، لأن من صلحت أمور دينه صلحت أمور دنياه.

ومن أهم الأمور الدينية التي يجب النصح والتذكير بها كل ما يتعلق بالعقيدة السليمة من تذكير بالله وتوحيده لله وعدم الشرك به، واثبات أسمائه وصفاته، وتصديق أنبيائه وما جاؤوا به من كتب وشرع، وأوامر ونواهٍ، وكل ما يتعلق بالأمور التعبدية سواء كانت شعائر كالصلاة والصيام والزكاة والحج، وكل ما فيها من أحكام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو عبادات تعاملية وذلك بالتحلي بالأخلاق الإسلامية وترك الأخلاق الذميمة التي نهى عنها الإسلام كالصدق، والأمانة، والإخلاص، وعدم الكذب، وعدم الغيبة، وعدم النميمة، وغض البصر، وعدم سماع الغناء، لذلك ينبغي على المسلم أن يسعى دوما لنصح إخوانه وأهل زمانه، وقد مدح الله تعالى في كتابه العزيز الأمة الإسلامية لأنها تحرص

وعلى تقديم النصيحة، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، في قوله تعالى: ( )[آل عمران: ١١٠].

وكان الأنبياء عليهم السلام شديدي الحرص في تقديم النصيحة لأقوامهم في أمور دينهم، ومن الآيات التي توضح ذلك: ما جاء على لسان صالح عليه السلام لقومه: ( ) [الأعراف: ٧٩].

وما جاء على لسان شعيب عليه السلام: ( ﯥﯦ ) [الأعراف: ٩٣].

وما جاء على لسان هود عليه السلام: ( ) [الأعراف: ٦٨].

وما جاء على لسان نوح عليه السلام: ( ) [الأعراف: ٦٢].

كما جاءت الآيات تبين أن النصح الواجب على المؤمنين وإن لم يستطيعوا الجهاد ( ﮡﮢ ﮧﮨ) [التوبة: ٩١].

فسماهم محسنين لنصيحتهم لله بقلوبهم لما منعوا من الجهاد بأنفسهم، وقد ترفع الأعمال كلها عن العبد في بعض الحالات، ولا يرفع عنه النصح لله، فلو كان مريضًا ولا يمكنه عملٌ بشيء من جوارحه بلسانٍ ولا غيره، غير أن عقله ثابتٌ، لم يسقط عنه النصح لله بقلبه وذلك بأن يندم على ذنوبه، وينوي إن صح أن يقوم بما افترض الله عليه، ويجتنب ما نهاه عنه، وإلا كان غير ناصح لله بقلبه24.

ومن الآيات التي فيها نصح للمؤمنين ما ورد على لسان لقمان من نصائح ومواعظ لابنه في قوله تعالى: ( ﭯﭰ E ﭽﭾ ﭿ W ﮔﮕ ﮙﮚ ﮟﮠ x ﯝﯞ ´ ﯯﯰ È ﯿﰀ Ú ﰎﰏ ) [لقمان: ١٣ - ١٩].

ومن النصائح قوله تعالى: ( ) [طه: ١٣٢].

فالمتمعن في كتاب الله يجد الكثير من الآيات التي تحمل الأمر والنهي والتي يمكن استخدامها في نصح الآخرين والأخذ بأيديهم نحو طريق الهداية والجنة والنجاة من النار.

ثانيًا: أمور الدنيا:

لا تتوقف النصيحة على أمور الدين، بل تتعداها إلى النصح في جميع الأمور الدنيوية، كأن يستنصحك أحدهم حول وظيفة، أو سيارة يريد شراءها، فعلى المسلم أن يشير عليه وينصحه بما فيه الخير والنفع له، فلا يغشه في النصيحة ولا يخدعه، وكذلك إذا أحس أن أخاه المسلم في خطر فعليه أن ينبهه وذلك كما ورد في قصة موسى في قوله تعالى: ( ﯿ ) [القصص:٢٠].

أي: جاء من آخرها وأبعدها، يسعى على رجليه، ليخبر موسى عليه السلام أن أشراف قوم فرعون يؤامر بعضهم بعضًا بقتلك، فاخرج من القرية، إني لك من الناصحين في أمري إياك بالخروج25.

فهذا الرجل لم يكتف بتحذير موسى عليه السلام ممن أرادوا قتله، بل ونصحه بالخروج من قريتهم حتى لا يمسكوا به فينالوا منه، هذا إلى جانب المجهود الذي بذله والسعي الذي سعاه ليسبق القوم إلى موسى عليه السلام ويحذره، فهكذا يجب أن يكون المسلم ناصحا ً لغيره ومحذرا ً له من أي ضرر قد يلحق به أو أي خطر قد يهدد حياته، بل عليه أن يدله على طريق النجاة إن كان على علم بها، وكذلك الأمور الدنيوية الأخرى عليه أن يقدم النصح فيما فيه خير للمسلمين في أمور دنياهم.

والنصيحة للمسلمين: أن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفق عليهم، ويرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، وإن ضره ذلك في دنياه كرخص أسعارهم، وإن كان في ذلك فوات ربح ما يبيع من تجارته، وكذلك جميع ما يضرهم عامة، ويحب صلاحهم ودوام النعم عليهم، ونصرهم على عدوهم، ودفع كل أذى ومكروه عنهم، وإرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ونصرتهم على أعدائهم، والذب عنهم، ومجانبة الغش، والحسد لهم، وإيثار فقيرهم وتعليم جاهلهم، ورد من زاغ منهم عن الحق في قول أو عمل بالتلطف في ردهم إلى الحق، والرفق بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محبة لإزالة فسادهم ولو بحصول ضرر له في دنياه 26.

ومن النصائح الدنيوية: لو أن إنسانًا قال لك: أنا لا أعرف انتق لي بنطالًا على ذوقك، وانتقيت له البنطال الكاسد ذي اللون غير المرغوب، من أجل أن تصرف هذا اللون الذي ربص أمامك، فأنت لست ناصحا أمينا، وإذا قال لك إنسان: أفتح محلا بهذه المصلحة، وأنت تعلم أن هذه المصلحة ذات أرباح طائلة، تقول: لا هذه مصلحة فاقورة، تريد أن تصرفه عن هذه المصلحة وأنت مسلم؟! فقد غششته، والمستشار مؤتمن.

وهناك أمثلة لا تعد ولا تحصى، أكثرها في العمل، قال لك فلان: هل أشتري هذا البيت؟ تبيع البيت أنت، وأنت تبيع هذا البيت لعلةٍ خطيرة شعرت أن فيه خطرًا، وزينت له هذا البيت حتى بعته له، أنت مسلم؟ لا والله.

عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (حق المسلم على المسلم ستٌ) قيل: ما هن يا رسول الله؟، قال: (إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمته، وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه)27.

فحينما يأتيك إنسان، ويقول لك: انصحني ماذا أفعل؟ هل تعلم ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك: أنه واثقٌ من رجاحة عقلك، ومن إخلاصك له، إنسان وضع ثقته فيك، وضع ثقته برجاحة عقلك، وضع ثقته بإخلاصك له، أعطاك صفتين؛ صفة عقلية وهي الرجحان، وصفة نفسية وهي الإخلاص، لا يمكن أن تأتي إنسانًا وتستنصحه إلا إذا وثقت بعقله وأخلاقه، إلا إذا وثقت برجاحة عقله وصدق إخلاصه، إذًا حينما يأتيك إنسان وقد منحك الثقة، وقد منحك كل عوامل الرضا تخونه؟! لذلك كبرت خيانةً عند الله: أن تحدث الناس بحديث هم لك مصدقون وأنت لهم به كاذب.

فإذا طرق بابك واستنصحت فانصح، فالإنسان يستشير بموضوع زواج، بموضوع تجارة، بموضوع فتح محل تجاري، بموضوع استثمار مال، بموضوع سفر، بموضوع شراء بيت، هذه أشياء تعارف الناس على أنها تنفع فيها المشورة، ويجب أن تنصح المسلمين من خلال عملك في الدرجة الأولى، كلٌ في عمله؛ الطبيب في عيادته، والمحامي في مكتبه، والبائع في دكانه، والموظف وراء طاولته، هذا الذي أمامك إن كان مخلوقًا فهو مخلوقٌ لله عليك أن تنصح له، وإن كان مسلمًا له عليك حقان؛ الحق الأول هو الأخوة في الإنسانية، والحق الثاني هو الأخوة في الدين، يجب أن تنصح له، والمؤمن ناصحٌ ونصوح، من صفات أهل الإيمان أنهم نصحةٌ متوادون، من صفات أهل النفاق أنهم غششةٌ متحاسدون.

فلذلك: حينما فهم المسلمون أن الدين عباداتٌ شعائرية تؤدى وتركوا جوانب الدين الأخرى كأمور العقيدة والمعاملات وغيرها، صاروا خلف الأمم، ولم تكن كلمتهم هي العليا، وحينما فهم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أن الدين نصحٌ لكل مسلم؛ الدين معاملة، الدين انضباط، فتحوا العالم، فإذا أردت أن تكون من المؤمنين الصادقين، فالدين النصيحة .

عن جرير بن عبد الله، قال: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلمٍ)28.

لمن تكون النصيحة

النصيحة من أهم الأساليب التي تعمل على نشر الدين الإسلامي، ونشر تعاليمه وشعائره الصحيحة، وقد عني القرآن الكريم بالنصيحة لأهميتها أشد العناية وأمر بها.

قال تعالى: ( ) [العصر:٣].

وقال جل شأنه: ( ) [الذاريات:٥].

وقال: ( ) [التوبة: ٧١].

ووضع لها أساليب وآدابًا وأخلاقًا حتى تؤتي ثمرها وتجدي نفعها.

قال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٠٤].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)29.

فبدأ بالنصح لله ولكتابه، ثم لرسوله، ثم لأئمة المسلمين وعامتهم، وذلك حتى تتحقق الغاية من النصيحة، فيستقيم حال الفرد والمجتمع ويصلح، وقد ذكر الله في كتابه أن الأنبياء عليهم السلام نصحوا أممهم.

قال تعالى: ( ﮡﮢ) [التوبة: ٩١].

وهذا يعني أن من تخلف عن الجهاد لعذر، فلا حرج عليه بشرط أن يكون ناصحًا لله ورسوله في تخلفه، فإن المنافقين كانوا يظهرون الأعذار كاذبين، ويتخلفون عن الجهاد من غير نصح لله ورسوله30.

أولًا: النصيحة لله ولكتابه:

فالنصيحة لله تكون في «إخلاص الاعتقاد في الوحدانية، ووصفه بصفات الألوهية وتنزيهه عن النقائص، والرغبة في محابه، والبعد من مساخطه»31.

وباتباع أمره، ونصرة دينه، والتسليم له في حكمه، ومن أوامره تعالى الطهارة، والصلاة، والصيام، والزكاة 32.

قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٣٢].

وقال تعالى: ( ) [لقمان: ١٣].

وقال: ( ) [آل عمران: ٨٥].

كما أن معنى النصيحة لله تعالى منصرف إلى الإيمان به، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الكمال والجلال، وتنزيهه من جميع النقائص، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحب فيه والبغض فيه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، وجهاد من كفر به، والاعتراف بنعمته وشكره عليها، والإخلاص في جميع الأمور33.

فاحذروا المحرمات واجتنبوا المنكرات، وحذروا الناس منها بالنصيحة، فإن ديننا هو دين النصيحة، وما سمي دين النصيحة إلا لأننا كنا به إخوة.

قال تعالى: ( ﯡﯢ ) [الحجرات: ١٠].

وكنا به كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمى والسهر، وكنا به كالبنيان الذي يشد بعضه بعضًا، وبالنصيحة يتحقق الإيمان، وتسلم القلوب من أمراضها، وقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وبفعله وبتعامله وبأخلاقه، ونصح أصحابه من بعده، ولا تزال الأمة بخير ما دامت النصيحة34.

وقال تعالى: ( ﮤﮥ) [البينة: ٥].

كما أنه يجب أن يكون الإنسان دائمًا ذاكرًا لربه بقلبه ولسانه وجوارحه، وأن تكون غيرته لله فيغار لله عز وجل إذا انتهكت محارمه، وأن يبطل كيد الكائدين، ويرد على الملحدين، وأن يكون باثًا دين الله في عباد الله؛ لأن هذا مقام الرسل كلهم، فهم دعاة إلى الله يدعون الناس إلى الله عز وجل، كما قال الله تعالى عنهم: ( ﭽﭾﭿ ) [النحل: ٣٦].

وقوله تعالى: () أي: من الأمة التي بعث فيها الرسول35.

وقال تعالى: ( )[الذاريات: ٥٦].

وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الدين النصيحة يدل على أن النصيحة تشمل خصال الإسلام والإيمان والإحسان، وسمى ذلك كله دينًا، فإن النصح لله يقتضي القيام بأداء واجباته على أكمل وجوهها، وهو مقام الإحسان، فلا يكمل النصح لله بدون ذلك، ولا يتأتى ذلك بدون كمال المحبة الواجبة والمستحبة، ويستلزم ذلك الاجتهاد في التقرب إليه بنوافل الطاعات على هذا الوجه وترك المحرمات والمكروهات على هذا الوجه أيضًا 36.

كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن النصيحة أيضا تكون لكتاب الله تعالى، وذلك بأن «تؤمن به وتتلوه وتعمل بما فيه وتدعو الناس اليه»37.

ومن ذلك أيضًا: «الاعتقاد بأنه كلام الله والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه »38.

والنصح يشمل كتاب الله الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بأن يدافع المسلم، يدافع من حرفه تحريفًا لفظيًا، أو تحريفًا معنويًا، أو من زعم أن فيه نقصًا، أو أن فيه زيادة.

قال تعالى: ( ) [الحجر: ٩].

فالله عز وجل تكفل بحفظه، ومن ادعى أنه قد نقص حرفًا واحدًا اختزل منه؛ فقد كذب الله عز وجل، فعليه أن يتوب ويرجع إلى الله من هذه الردة، ومن النصيحة لكتاب الله: الإيمان بأن الله تعالى تكلم بهذا القرآن حقيقة، وأنه كلامه عز وجل؛ الحرف والمعنى.

قال الله تعالى: ( ) [الشعراء:١٩٢].

وقال تعالى: ( ﮛﮜ ) [فصلت: ٤٢].

ومن النصيحة لكتاب الله عز وجل أن يقوم الإنسان باحترام هذا القرآن العظيم.

قال تعالى: ( ) [الإسراء: ٩].

فمن ذلك أن لا يمس القرآن إلا وهو طاهر، وأن لا يضعه في موضع يمتهن فيه39، ومن ذلك «قراءته والتفقه فيه، والذب عنه وتعليمه، وإكرامه والتخلق به»40.

قال تعالى: ( ﮏﮐ ﮕﮖ ) [الأنعام: ٩٢].

وقال تعالى: ( ¬ ) [آل عمران: ١١٣-١١٤].

كما أنه يجب الإيمان بأنه لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوة، والوقوف على أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه، والدعاء إليه.

قال تعالى: ( ) [التوبة:٦].

ثانيًا: النصيحة لرسول الله:

والنصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تتضمن: «التصديق بنبوته، والتزام طاعته، في أمره ونهيه وحب من أحبه، وحب آل بيته ومن سار بسيرته وإحياء سنته بالمدارسة والنفقة والعمل بها والدفاع عنها»41، والإيمان التام برسالته، وأن الله أرسله إلى جميع الخلق.

قال تعالى: ( ) [النساء: ٧٩].

وقال تعالى: ( ) [الفرقان:١].

وقال تعالى: ( ﯤﯥ) [الأنفال:٢٤].

فنؤمن بأن محمدًا رسول الله إلى جميع الخلق من جن وإنس، وأنه صادق مصدوق، صادق فيما يخبر به، مصدوق فيما أخبر به من الوحي42.

ومن النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم في حياته، بذل المجهود في طاعته ونصرته ومعاونته.

قال تعالى: ( ﯤﯥ) [الأنفال: ٢٤].

وقال تعالى: ( ﯥﯦ ¼ ) [النساء:١٣-١٤].

وبذل المال إذا أراده والمسارعة إلى محبته، وأما بعد وفاته: فالعناية بطلب سنته، والبحث عن أخلاقه وآدابه، وتعظيم أمره، ولزوم القيام به، وشدة الغضب والإعراض عمن تدين بخلاف سنته، والغضب على من ضيعها لأثرة دنيا، وإن كان متدينًا بها، والتشبه به في زيه ولباسه43.

قال تعالى: ( ) [الأنفال:٢٠].

وقال تعالى: ( ﯾﯿ ﰍﰎ ) [النساء: ٥٩].

وقال تعالى: ( ) [محمد: ٣٣].

والآيات التي دعت إلى ذلك كثيرة، ومن النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم بث دعوته ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها واستثارة علومها، والتفقه في معانيها، والدعاء إليها، والتلطف في تعلمها وتعليمها وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه، ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه44، وإكرام قرابته، فقد قال تعالى: ( ) [الشورى: ٢٣].

قال ابن عباس: يعني: لا تؤذوا قرابتي.ومن النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم الشفقة على أمته، وتكون بثلاثة أمور: القيام لهم بفروض الكفاية كالعلم، والجهاد، وصلاة الجنازة، ومنها القيام بالحرف المهمة، التي بها نظام العالم، وبالسنن المؤكدة على الكفاية، كالأذان، والإمامة، ونحو ذلك، فإن فعل ذلك بنية إعانة إخوانه المسلمين، أثيب عليه ثواب من رفع المشقة عن حاضري الموضوع الذي تعين ذلك فيه، والنية إكسير الأعمال، تقلب أعيانها وتحقق حقائقها 45.

ثالثًا: النصيحة للعلماء والأمراء:

العلماء: هم أئمة الدين الذين يقودون الناس لكتاب الله، ويهدونهم إليه، ويدلونهم على شريعته تعالى.

قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [السجدة:٢٤].

والنصح لهم بأن يحرص الإنسان على تلقي ما عندهم من العلم.

قال تعالى: ( ) [الأنبياء: ٧].

فإنهم الواسطة بين الرسول - صلى الله عليه وسلم- وبين أمته، فيحرص على تلقي العلم منهم بكل وسيلة، وليكن تلقيه على وجه التأني لا على وجه التسرع؛ لأن الإنسان إذا تسرع في تلقي العلم فربما يتلقاه على غير ما ألقاه إليه شيخه وقد أدب الله النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأدب، فقال تعالى: ( ) [القيامة: ١٦].

ومن النصح أيضًا: أن لا يتتبع الإنسان عوراتهم وزلاتهم وما يخطئون فيه؛ لأنهم غير معصومين، فكم من إنسان انتفع من تلاميذه، لذلك من نصيحتك لهم أن تدافع عن عوراتهم، وأن تسترها ما استطعت، وأن لا تسكت إذا سمعت شيئًا بل نبه العالم، فقوم أخاك ولا سيما أهل العلم؛ لأن العالم خطره عظيم، إن أصاب هدى الله على يده خلقًا كثيرًا، وإن أخطأ ضل على يده خلق كثير فزلة العالم من أعظم الزلات.

أما الأمراء: فهم أئمة السلطة وهم في الغالب أكثر خطأ من العلماء؛ لأنه لسلطته قد تأخذه العزة بالإثم فيريد أن يفرض سلطته على الصواب والخطأ، والنصيحة لهم بأن نكف عن مساوئهم، وأن لا ننشرها بين الناس، وأن نبذل لهم النصيحة ما استطعنا، لأن الأمة إذا امتلأت صدورها من الحقد على ولاة أمورها عصت الولاة، ونابذتهم، وحينئذ تحصل الفوضى، ويسود الخوف، ويزول الأمن، فإذا بقيت هيبة ولاة الأمور في الصدور صار لهم هيبة، وحميت أوامرهم ونظمهم التي لا تخالف الشريعة.

فالمهم أن أئمة المسلمين تشمل النوعين، أئمة الدين وهم العلماء، وأئمة السلطان وهم الأمراء، فيجب علينا أن نناصحهم، ونحرص على بذل النصيحة لهم، في الدفاع عنهم وستر معايبهم46، «ومعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وتذكيرهم به، وتنبيههم في رفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم، والدعاء لهم بالتوفيق وحث الأغيار على ذلك»47.

قال تعالى: ( ﯾﯿ) [النساء: ٥٩].

واختلف أهل التأويل في ( ) الذين أمر الله عباده بطاعتهم في هذه الآية، فقال بعضهم: هم الأمراء، وقال آخرون: هم أهل العلم والفقه 48.

«قال الخطابي: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح»49.

رابعًا: النصيحة لعامة الناس:

والنصيحة لعامة المسلمين: إرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ونصرتهم على أعدائهم، والذب عنهم، ومجانبة الغش، والحسد لهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، ودفع الأذى والمكروه عنهم، وإيثار فقيرهم وتعليم جاهلهم، ورد من زاغ منهم عن الحق في قول أو عمل بالتلطف في ردهم إلى الحق، والرفق بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محبة لإزالة فسادهم ولو بحصول ضرر له في دنياه.

ومن أعظم أنواع النصح أن ينصح لمن استشاره في أمره، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا استنصح أحدكم أخاه، فلينصح له)50.

وإذا ذكر في غيبه بالسوء أن ينصره، ويرد عنه، وإذا رأى من يريد أذاه في غيبه، كفه عن ذلك، فإن النصح في الغيب يدل على صدق النصح، فإنه قد يظهر النصح في حضوره تملقا، ويغشه في غيبه، قال الحسن: «إنك لن تبلغ حق نصيحتك لأخيك حتى تأمره بما تعجز عنه»، وقال الفضيل بن عياض: «ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة»، «وسئل ابن المبارك: أي الأعمال أفضل؟ قال: النصح لله»، وقال معمر: «كان يقال: أنصح الناس لك من خاف الله فيك»51.

ومن النصيحة أن ترشدهم إلى الخير، وأن تهديهم إلى الحق إذا ضلوا عنه، وأن تذكرهم به إذا نسوه، وأن تجعلهم لك بمنزلة الإخوة، وليعلم أن النصيحة هي مخاطبة الإنسان سرًا بينك وبينه؛ لأنك إذا نصحته سرًا بينك وبينه أثرت في نفسه، وعلم أنك ناصح، لكن إذا تكلمت أمام الناس عليه؛ فإنه قد تأخذه العزة بالإثم فلا يقبل النصيحة، وقد يظن أنك إنما تريد الانتقام منه وتوبيخه وحط منزلته بين الناس فلا يقبل، لكن إذا كانت النصيحة بينك وبينه صار لها ميزانٌ كبير عنده وقيمة، وقبل ذلك52.

قال تعالى: ( ﮬﮭ ) [النحل: ١٢٥].

وقال تعالى: ( ) [الأعراف: ١٩٩].

وقال تعالى: ( ) [فصلت: ٣٤].

وهكذا تهدي الآيات بأن يكون المسلم ناصحًا لله تعالى باتباع أوامره واجتناب نواهيه، ولكتابه بحفظه والعمل بما فيه، وناصحًا للرسول صلى الله عليه وسلم بتصديقه والدفاع عنه والتزام سنته وطاعته فيما أمر به وترك ما نهى عنه، وناصحًا لعلماء الأمة بالتلقي عنهم العلوم، وتسديد أخطائهم والدفاع عنهم، وناصحًا للأمراء بترك الخروج عليهم أو محاربتهم، وتقديم النصح لهم وارشادهم إن أخطؤوا أو زلوا، وترك تتبع أخطائهم، وتذكيرهم يكون باللين والرفق، أما نصح عامة المسلمين يكون بدفع الأذى عنهم، وإرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم، وقضاء حاجاتهم.

الانتفاع بالنصيحة

إن التناصح بين المسلمين له فضل عظيم عند الله تعالى، وهو فرع عن الإيمان وشعبة من شعبه.

قال تعالى: (" ' ) [العصر:١- ٣].

وللنصيحة أثر جليل في المجتمع الإسلامي، بل إن من حق المسلم على أخيه المسلم أن يقدم له النصح قال صلى الله عليه وسلم: (حق المؤمن على المؤمن ست، وذكر منها إذا استنصحك فانصح له)53.

وقد حذرنا القرآن الكريم مما وقع للأمم قبلنا عندما تركوا التناصح بينهم.

قال تعالى: ( ﭴﭵ K ﭽﭾ ﭿ ﮁﮂ ) [المائدة: ٧٨ -٧٩].

ولكن الانتفاع بالنصيحة بيد الله وحده وبمشيئته، فالناصح يبذل ما في وسعه من نصح للآخرين بإخلاص ولين، ويصبر ويتحمل العناء، ولكن الأمر كله بيد الله تعالى فهو الهادي.

قال تعالى: ( ﮘﮙ) [القصص: ٥٦].

وقبول النصيحة إنما يدل على نظافة السريرة وطهارة القلب، وبحثه عن الدليل والحجة واستعداده للعودة إلى الحق، كما أنه يدل على التواضع، فالإنسان المتكبر والمغرور يطغى عليه غروره فيعميه عن الحق، فلا ينتفع بالنصح، كما أن هناك عوامل مؤثرة تجعل الانتفاع بالنصيحة أجدى وأقوى في القبول، فالنصيحة وحدها دون أسلوب صحيح ودون إخلاص لا تجد ثمارها.

أولًا: تعلق الانتفاع بالنصيحة بالمشيئة الإلهية:

الانتفاع بالنصيحة بأمر الله تعالى وحده، فهو القائل للشيء كن فيكون، فإن أراد الله النفع والهداية لشخص، يسر له سبل الهداية كأن يرسل من ينصحه فيستمع لنصحه وينتفع به، ولكن إن كانت مشيئة الله أن يبقى في الضلال لجحده وإصراره على الضلال، فلن ينفعه نصح الآخرين له، ومن ذلك ما ورد على لسان نوح عليه السلام عندما أصر قومه على الكفر، وطلبوا منه أن يأتيهم بما وعدهم من العذاب.

قال تعالى: ( ﯟﯠ ) [هود: ٣٤].

أخبرهم نوح عليه السلام بأن الله هو من سيأتيهم بالعذاب وأنهم لا يعجزون الله عن ذلك، فهو لم يتوقف عن نصحهم، ولكنهم أصروا على الكفر والجحد، وقال لهم: أنتم في قبضة القدرة الإلهية، وتحت سلطان الملك الإلهي، ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم، ولا ينفعكم إنذاري وتحذيري إياكم عقوبته ونزول العذاب بكم إن كان الله يريد أن يضلكم عن سبيل الرشاد، ويخذلكم عن طريق الحق ويهلككم، فهو سبحانه وتعالى خالقكم والمتصرف في أموركم فلا تقدرون على الخروج من سلطانه وإليه ترجعون يعني: في الآخرة فيجازيكم بما كنتم تعملون في هذا العالم من خير أو شر 54، «وقد مضت سنة الله في خلقه أن النصح إنما يتقبله المستعد للرشاد، ويرفضه من غلب عليه الغي والفساد» 55.

ثانيًا: الوسائل المعينة على الانتفاع بالنصيحة:

لا بد أن نعلم بأن المقصود من النصيحة ليس تقديم النصيحة فحسب وإنما أن يحصل الانتفاع بها، لذا يتعين على الناصح القيام بعدة أمور حتى تجدي النصيحة نفعها، ويجد أثرها في قلوب الآخرين، ومن ذلك ما يأتي:

  1. الإخلاص في النصيحة وابتغاء وجه الله بها.

    إن النصيحة عبادة وتقرب إلى الله عز وجل، وقد قال النبي صلى الله عليه: (الدين النصيحة)56، كما قال تعالى: ( ) [الزمر:٣].

    وقال تعالى: ( ) [البينة: ٥].

    فالمسلم الناصح لا بد أن تكون نيته خالصة لله تعالى، «قاصدا بذلك وجه الله عز جل، وإقامة دينه، ونصرة شرعه، وامتثال أمره، وإحياء سننه، بلا رياء ولا منافقة ولا مداهنة غير متنافس ولا متفاخر» 57.

    يبتغي بنصيحته الرضا والأجر من الله سبحانه وتعالى، وإبراء ذمته، مخلصًا في أدائها، مشفقًا على الناس، لأنه محاسب على نيته ومثاب عليها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)58.

    يقول ابن القيم: «النصيحة: إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له والشفقة عليه، فهو إحسانٌ محضٌ يصدر عن رحمة ورقة، ومراد الناصح بها وجه الله ورضاه، والإحسان إلى خلقه، فيتلطف في بذلها غاية التلطف، ويحتمل أذى المنصوح، فهذا شأن الناصح»59.

    فإذا كانت النصيحة خالصة لوجه الله تعالى، لا يقصد بها أغراض دنيوية من رياء وسمعة وشهرة، أو إظهار لعيب المنصوح والتقليل من شأنه فإن الله يفتح لها القلوب وينفع الناس بها، ويجزى الناصح على إخلاصه، فكم من « آه للمرائي من يوم يحصل ما في الصدور، وهي النيات والعقائد، فالجزاء عليهما لا على الظواهر، فأفيقوا من سكرتكم، وتوبوا من زللكم واستقيموا على الجادة» 60.

  2. اختيار الوقت المناسب لتقديم النصيحة.

    يجب على الناصح أن يتقن اختيار الوقت المناسب لتقديم النصيحة حتى تجدي نفعها وتؤتي ثمارها المرجوة منها، وأن يراعي أن المنصوح لا يكون مستعدًا لقبول النصح في كل وقت، فقد يمر بأوقات وظروف تجعله في حالة لا يتقبل النصح من أحد، وقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: «إن للقلوب شهوة وإقبالًا، وفترة وإدبارًا، فخذوها عند شهوتها وإقبالها، وذروها عند فترتها وإدبارها» 61.

    فينبغي أن يتحلى الناصح بالبصيرة والفطنة ويعلم الوقت المناسب لتقديم النصيحة، حتى تلامس قلوب الآخرين فيجد القبول منهم.

  3. أن يكون الناصح على علم وبصيرة بما ينصح.

    يجب أن يكون الناصح فقيهًا، عالمًا بالأمور الشرعية التي ينصح بها.

    قال تعالى: ( ) [الأعراف: ٦٢].

    فلا ينصح في أمور يجهلها، فيضل الناس بدلًا من أن ينفعهم.

    قال تعالى: ( ) [الإسراء: ٣٦].

    وأن يكون عاملًا بما يقول وليس ممن يخالف قوله فعله.

    قال تعالى: ( ) [الصف: ٣].

    وقال تعالى: ( ﮫﮬ ) [البقرة: ٤٤].

    فإخلاص النصيحة في تقديم النصيحة لا يفي بالغرض ولا يجد مقصده ونفعه إن كانت النصيحة عن جهل، بل إن نتيجتها تكون عكس المراد والمبتغى، لذا لا بد للناصح أن يكون ذا علم وحكمة وفقه بما ينصح به الآخرين، فكلما كانت النصيحة موثقة بالأدلة وصحيحة كان نفعها أكبر وأقوى.

    قال تعالى: ( ﮬﮭ ) [النحل: ١٢٥].

    فالحكمة كلمة عظيمة تعني: الدعوة إلى الله بالعلم والبصيرة، والأدلة الواضحة المقنعة الكاشفة للحق، والمبينة له، وتطلق على العلم والفقه في الدين، وعلى العقل، وعلى الورع، وعلى أشياء أخرى، فالحكمة كلمة تمنع من سمعها من المضي في الباطل، وتدعوه إلى الأخذ بالحق والتأثر به، والوقوف عند الحد الذي حده الله عز وجل، فعلى الداعية إلى الله عز وجل أن يدعو بالحكمة، ويبدأ بها، ويعنى بها، فإذا كان المدعو عنده بعض الجفا والاعتراض دعوته بالموعظة الحسنة، بالآيات والأحاديث التي فيها الوعظ والترغيب، فإن كان عنده شبهة جادلته بالتي هي أحسن، ولا تغلظ عليه، بل تصبر عليه ولا تعجل ولا تعنف، بل تجتهد في كشف الشبهة، وإيضاح الأدلة بالأسلوب الحسن، لأن هذا أقرب إلى الانتفاع بالحق وقبوله وتأثر المدعو.

    وقال تعالى: ( ﮅﮆ ) [يوسف: ١٠٨].

    فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإياك أن تدعو على جهالة، فالجاهل يهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، ولا تدع إلى شيء إلا بعد العلم به، والبصيرة بما قاله الله ورسوله، فعلى الداعية أن يتبصر فيما يدعو إليه، وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليله، فإن ظهر له الحق وعرفه دعا إلى ذلك62.

    أما إذا كان الناصح ليس لديه علم بالأمر الذي يحتاج النصح فيه فعليه أن يترك المجال النصيحة للعلماء وأصحاب العلم، وأن يستزيد هو من العلم النافع.

    قال تعالى: ( ﯔﯕ ) [يوسف: ٧٦].

  4. أن يلتزم الناصح بآداب النصيحة.

    لا بد أن يلتزم الناصح بآداب النصيحة ليجد ثمار نصيحته، ومن هذه الآداب:

    • أن يكون متأدبًا في تقديم النصيحة، لينًا وعطوفًا في ألفاظه، لطيفًا في أسلوبه، رحيمًا بالمنصوحين، شفوقًا عليهم، وإلا ظهرت النصيحة في صورة غير مرجوة وكأنها أمر وتعنت، أو إحراج وتوبيخ، لذا لا بد أن ينتقي الناصح ألفاظه حتى تلامس القلوب وتلقى القبول. قال تعالى: ( ﭞﭟ ﭧﭨ)[آل عمران: ١٥٩]. وقال تعالى: ( ﮅﮆ ﮊﮋ)[الإسراء: ٥٣]. وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) 63.
    • أن يقدم النصيحة في السر بينه وبين المنصوح، وليس في العلن، فالغرض من النصح حصول النفع والخير للمنصوح وتركه للخطأ الواقع منه، وليس الفضيحة والتشهير به، أما النصح في العلن فقد يجعل النصيحة لا تلقى القبول، لأنه أضر بالمنصوح وأساء إليه وفضحه، فإذا أردت النصح عليك أن تذكر آفات ذلك الفعل وفوائد تركه وتخوفه بما يكرهه في الدنيا والآخرة لينزجر عنه وتنبهه على عيوبه وتقبح القبيح في عينه وتحسن الحسن، ولكن ينبغي أن يكون ذلك في سر لا يطلع عليه أحد فما كان على الملأ فهو توبيخ وفضيحة وما كان في السر فهو شفقة ونصيحة، فالفرق بين التوبيخ والنصيحة بالإسرار والإعلان، وقال الشافعي رضي الله عنه: من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه 64، «وأخرج ابن أبي الدنيا عن سليمان الخواص قال: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما فضحه» 65، «وقال ابن حزم: إذا نصحت فانصح سرًا لا جهرًا، أو بتعريض لا بتصريح، إلا لمن لا يفهم، فلا بد من التصريح له» 66.
    • أن يكون الناصح متواضعًا، فلا يكون متكبرًا، أو معجبًا بنفسه، وقال أبو حاتم رضي الله عنه: «التواضع يرفع المرء قدرًا ويعظم له خطرًا ويزيده نبلًا، ويكسب السلامة ويورث الألفة ويرفع الحقد ويذهب الصد»67، فمن كان متكبرًا، معجبًا في نفسه، فعليه ألا ينتظر قبولًا لنصحه، على العكس من المتواضع الملتمس لأخطاء الآخرين، فإنه يلقى قبولا عند الآخرين.
    • أن لا تكون النصيحة على شرط القبول، لكن على سبيل استعمال الفضل وتأدية ما عليك من النصيحة والشفاعة وبذل المعروف، وإلا فأنت ظالم لا ناصح وطالب طاعة وملك لا مؤدي حق أمانة وأخوة68.
  5. الصبر على المنصوح وما قد يصيبه منه.

    قال تعالى: ( ﯯﯰ ) [لقمان: ١٧].

    فمن أهم الأخلاق ومن أعظمها في حق الداعية: أن يكون ذا خلق فاضل، وصبر ومصابرة، واجتهاد فيما يوصل الخير إلى الناس، وفيما يبعدهم من الباطل، ويدعو لهم بالهداية، ويقول للمدعو: هداك الله، وفقك الله لقبول الحق، أعانك الله على قبول الحق، تدعوه وتصبر على الأذى69.

    وكلما التزم الناصح بهذه الأمور وجد قبولًا من الآخرين وتسليمًا لنصحه، وكان النفع أثمر، فهذا ما ينبغي أن يكون عليه الناصح والداع إلى الله.

    نماذج من النصيحة في القرآن

    تنوعت نماذج النصيحة في القرآن الكريم، فمنها ما كان يحمل النصيحة المحمودة قالبًا ومضمونًا، وذلك كنصح الأنبياء لأقوامهم، ومنها النصيحة المذمومة إن جاز إطلاق النصيحة عليها، فمضمونها الغش والخداع للآخرين في قالب النصيحة، ومن ذلك نصح إبليس لآدم وزوجه.

    أولًا: نماذج من النصيحة المحمودة:

    من النماذج التي يظهر فيها بصورة النصيحة المحمودة قالبًا ومضمونًا، ما ورد حول نصح الأنبياء عليهم السلام لأقوامهم، فجميعهم كانت نصائحهم محمودة، امتثالًا لأمر الله وتبليغًا لرسالته، وحرصًا منهم على صلاح أقوامهم وخوفًا عليهم، لذا كان منهجهم في دعوة أقوامهم النصيحة المحمودة، ومن النماذج على النصيحة المحمودة ما يأتي:

  1. ما جاء على لسان الأنبياء من نصح لأقوامهم.

    قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: ( ) [الأعراف: ٦٢].

    أي: إنني رسول من رب العالمين، أرسلني إليكم، فأنا أبلغكم رسالات ربي، وأنصح لكم في تحذيري إياكم عقاب الله على كفركم به، وتكذيبكم إياي، وردكم نصيحتي، وأعلم من الله ما لا تعلمون من صفاته ورحمته وعذابه، وشدة بطشه على أعدائه وأن بأسه لا يرد عن القوم المجرمين70.

    وعلى لسان صالح عليه السلام: ( ) [الأعراف: ٧٩].

    أي: تولى عنهم صالح عند اليأس من إجابتهم، وهو مغتم متحسر على ما فاته من إيمانهم، حزنا عليهم، وقال: يا قوم لقد بذلت فيكم منتهى وسعي وجهدي في إبلاغكم النصيحة، ولكنكم لا تحبون الناصحين، فوجبت عليكم كلمة العذاب، وهذا تقريع من صالح عليه السلام لقومه، لما أهلكهم الله بمخالفتهم إياه، وتمردهم على الله، وإبائهم عن قبول الحق، وفي ذلك عبرة لمن يأتي من بعدهم فينزجر عن مثل تلك الطريقة التي كانوا عليها، ثم أبان عن نفسه أنه لم يأل جهدًا في إبلاغهم الرسالة ومحض النصح، ولكن أبوا ذلك فلم يقبلوا منه فحق عليهم العذاب ونزل بهم ما كذبوا به واستعجلوه 71، فكان نصح الأنبياء جميعًا محمودًا قائمًا على الدعوة إلى توحيد الله تعالى وعدم الشرك به، وترغيبهم بجزاء توحيد الله وطاعة الأنبياء، وترهيبهم من عاقبة الشرك والتكذيب للأنبياء وما جاؤوا به، فكانت نصيحتهم تحمل الخير لأقوامهم والخوف عليهم.

    وعلى لسان نبي الله شعيب عليه السلام: ( ﯥﯦ ) [الأعراف: ٩٣].

    أي: أدبر وخرج عنهم، وقال: لقد أبلغتكم رسالات ربي فلم تؤمنوا بها، ونصحت لكم، فلم تقبلوا، واشتد حزنه على قومه ثم أنكر على نفسه فقال: فكيف يشتد حزني على قوم ليسوا بأهل للحزن عليهم لكفرهم واستحقاقهم ما نزل بهم، لأنهم هم الذين أهلكوا أنفسهم بإصرارهم على الكفر72.

    وكذلك على لسان هود عليه السلام: ( ) [الأعراف:٦٨].

    أي: معروف بالنصح والأمانة مشهور بين الناس بذلك، ناصح لكم فيما آمركم به من عبادته تعالى وحده، وأمين على تبليغ الرسالة، لا أكذب فيه، وإنما جيء بالجملة الإسمية دلالة على الثبات والاستمرار، وإيذانا بأن من هذا حاله لا تحوم حوله شائبة السفاهة والكذب73.

  2. موقف مؤمن آل فرعون من موسى عليه السلام.

    وكما كانت النصيحة منهج الأنبياء وخلقهم؛ كذلك هي منهج وخلق المؤمنين الصادقين أتباع الأنبياء ومن ذلك الموقف الذي كان عليه مؤمن آل فرعون وهو مستضعف يكتم إيمانه إذ قال لموسى عليه السلام: ( ﯿ ) [القصص: ٢٠].

    وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى وهو مؤمن آل فرعون، وأقصا المدينة آخرها وأبعدها، قال يا موسى: إن الملأ يتشاورون في قتلك ويتآمرون بسببك، ولما علم هذا الرجل بذلك أسرع بالخبر لموسى؛ لأنه كان معجبًا بموسى واستقامته، فاخرج إني لك من الناصحين في الأمر بالخروج74.

  3. نصح أخت موسى عليه السلام لآل فرعون.

    ومن النصح المحمود الذي ورد في القرآن الكريم، نصح أخت موسى عليه السلام لآل فرعون في أمر إرضاع موسى عليه السلام عندما التقطه آل فرعون.

    قال تعالى: ( ) [القصص: ١٢].

    والمراد من التحريم: منع الله موسى من قبول ثدي المراضع غير ثدي أمه، من قبل مجيء أم موسى، فلما رأت أخت موسى التي أرسلتها أمه في طلبه ذلك قالت هل أدلكم على أهل بيت يضمنون رضاعه والقيام بمصالحه، وهم حافظون له، ناصحون للملك، بخدمته والمحافظة عليه لا يمنعونه ما ينفعه في تربيته وإغذائه، ولا يخونونكم فيه 75.

  4. نصح المؤمنين فيما بينهم.

    قال تعالى: ( ﮧﮨ ) [التوبة: ٩١].

    أي: إن هذه الأصناف الثلاثة لا حرج ولا إثم في قعودهم عن الجهاد الواجب على شرط أن ينصحوا لله ورسوله: أي يخلصوا لله في الإيمان وللرسول في الطاعة بعمل كل ما فيه مصلحة للأمة الإسلامية ولا سيما المجاهدين منهم، إن استقامت قلوبهم وألسنتهم، وقاموا بحق الإرشاد والتنبيه، وإن كان لهم رأى في الجهاد وجهوه، من كتمان السر والحث على البر ومقاومة الخائنين في السر والجهر وكأنهم إذا سقط واجب الجهاد بالسيف، والاعتراك في المعركة، فإنهم يحملون واجبا آخر هو الإرشاد والتوجيه، والمعاونة بكل ما يستطيعون، وإنهم إذا كانوا كذلك فإن لهم فضل الجهاد 76.

    ثانيًا: نماذج من النصيحة المذمومة:

    من نماذج النصيحة المذمومة التي ذكرها القرآن الكريم:

  1. نصيحة إبليس لآدم وزوجه.

    قال تعالى: ( ) [الأعراف: ٢١].

    بعد أن وسوس الشيطان لآدم وحواء وقال لهما ( ) إلا كراهة أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين الباقين الذين لا يموتون، ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما، ولما كان اللعين يعلم أن الله قد نهاهما عن هذه الشجرة وأن هذا النهي له ثقله في نفوسهما وقوته فقد استعان على زعزعته بتأمينهما من هذه الناحية فحلف لهما بالله إنه لهما ناصح، وفي نصحه صادق، ونسي آدم وزوجه أنه عدوهما الذي لا يمكن أن يدلهما على خير، وأن الله أمرهما أمرًا عليهما طاعته سواء عرفا علته أم لم يعرفاها، وأنه لا يكون شيء إلا بقدر من الله77.

  2. نصيحة إخوة يوسف عليه السلام لأبيهم.

    قال تعالى: ( )[يوسف: ١١].

    كان أبوهم قد علم منهم إرادتهم الخبيثة في جهة يوسف، وعلموا هم بعلمه ذلك، فقالوا له:لم تخافنا عليه ونحن نريد له الخير ونشفق عليه ونحوطه ونحفظه حتى نرده إليك، وأرادوا بذلك لما عزموا على كيد يوسف استنزاله عن رأيه وعادته في حفظه منهم 78.

    آثار النصيحة

    حثت النصوص القرآنية على القيام بالنصيحة، وبينت أهميتها وعظيم شأنها وشأن القائمين عليها، حيث تكمن أهميتها من كونها أسلوبًا هامًا من أساليب الدعوة إلى الله، كما بينت أهمية وجود أفراد من الأمة يقومون بالنصيحة فيأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

    قال تعالى في كتابه العزيز: ( ﭩﭪ)[آل عمران:١١٠].

    ووصفهم سبحانه وتعالى بأوصاف راقية، تتلاءم مع المهمة العظيمة الكبرى، وتتناسب معها.

    قال تعالى: ( ) [التوبة: ٧١].

    وإن الله الذي وصفهم بهذه الأوصاف أمرهم أمر إيجاب، أمرهم بتأصيل هذه الأمور، وبترسيخها، وتقويتها في النفوس، وبالعمل على استمراريتها، وبقائها قائمة في واقع الأمة، بقوله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٩٩].

    وقال جل شأنه: ( ﮠﮡ ) [آل عمران: ١٠٤].

    نداء الحق العالم بما يترتب على القيام بهذا الأمر من نجاة وعزة وكرامة وعلو في الدنيا والآخرة، وطيب محيا وطيب ممات79، وقال تعالى: ( ) [هود:١١٦].

    وقال: ( ﯤﯥ) [الأنفال:٢٤].

    كما بينت مصير من ترك النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمم السابقة، الذي هو مصير كل من يتركها إلى يوم القيامة.

    قال تعالى: ( ﭴﭵ * ﭽﭾ ﭿ ﮁﮂ ) [المائدة: ٧٨ - ٧٩].

    وقال تعالى: ( ) [الأعراف: ١٦٥].

    فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو أهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة واستشرى الفساد واتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد80.

    أولًا: آثار النصيحة على الناصح:

  1. يعد من عباد الله المؤمنين.

    حيث ذكر سبحانه أوصاف هؤلاء السادة، ليبادر الفائزون إلى التحلي بها فينالوا مراده، وهو خير المحسنين.

    قال تعالى: ( ﮕﮖ ) [التوبة: ٧١].

    وقال تعالى: ( ﭞﭟ ) [التوبة: ١١٢].

  2. الوعد بالتأييد والنصر.

    حيث وعد الله عباده القائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتأييدهم ونصرهم على أهل الفساد بعد تعظيم الأجور.

    قال تعالى: ( ﭸﭹ ﭽﭾ ﭿ S ﮑﮒ ) [الحج: ٤٠ - ٤١].

  3. فيه استباق الخير والأجر الموفور.

    حيث أمر سبحانه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بالصبر على لسان عبده لقمان الحكيم حين وصى لابنه دلالة على استباق الخيرات والأجر الموفور.

    قال تعالى: ( ﯯﯰ )[لقمان: ١٧].

    وقال تعالى: ( ' ) [العصر: ٢-٣].81.

  4. الناصح من خيرة الخلق.

    الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فريضة عظيمة، لا يقوم بها على الوجه المشروع في سائر الأحوال إلا كمل الرجال، وخيرة خلق الله، وهو من الهدى الذي جاءت به الرسل، فأسعد الناس في الدنيا والآخرة أكملهم حظًا عنده، ولقد وصف الله محمد صلى الله عليه وسلم، بالقيام بهذا الأمر على أكمل الوجوه وأحسنها، فقال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [الأعراف: ١٥٧].

    وبين أن أهدى الناس وأسعدهم في الدنيا والآخرة أكملهم قيامًا وعناية به.

    قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮇﮈ )[النساء: ٦٩].

    ولا يكون الإنسان مهتديًا حقًا إلا إذا كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر.

    قال تعالى: ( ﭯﭰ ) [المائدة: ١٠٥].

    يعني: أمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر.

  5. من أهل الصلاح.

    فالأمر والنهي آية صدق الإيمان وبشارة بحسن الخاتمة، حيث وصف الله أولياءه المؤمنين الصالحين السابقين واللاحقين بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فقال تعالى: ( ¬ ) [آل عمران:١١٣-١١٤]82.

  6. من أهل الفلاح.

    سبب قوي من أسباب الفلاح، بل إن الفلاح محصور في أهله؛ لقول الله تعالى: ( ﮠﮡ ) [آل عمران: ١٠٤]83.

  7. تنوير القلب وهدايته، وجلاؤه من الفتن.

    قال صلى الله عليه وسلم: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها، نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مربادا كالكوز، مجخيا لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه)84.

  8. الأمن من عذاب الله وعقابه.

    حيث قال سبحانه منوها بنجاة الناهين عن المنكر هم ومن فيهم من العذاب85: ( ﭗﭘ ﭞﭟ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ) [الأعراف: ١٦٤ -١٦٥].

    وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا)86.

    واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تارة يحمل عليه رجاء ثوابه، وتارة خوف العقاب في تركه، وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه، وتارة النصيحة للمؤمنين والرحمة لهم ورجاء إنقاذهم مما أوقعوا أنفسهم فيه من التعرض لعقوبة الله وغضبه في الدنيا والآخرة، كما قال بعض السلف: وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله وأن لحمي قرض بالمقاريض.

    وكان عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز يقول لأبيه: وددت أني غلت بي وبك القدور في الله تعالى، ومن لاحظ هذا المقام والذي قبله هان عليه كل ما يلقى من الأذى في الله تعالى، وربما دعا لمن آذاه87.

  9. الشهادة على الخلق وإقامة الحجة عليهم.

    ينبغي للناس أن يأمروا بطاعة الله، فإن عصوا كانوا شهودا على من عصاه.

    قال تعالى: ( ﭿ ﮈﮉ ) [النساء: ١٦٥].

  10. أداء بعض حق الله عليه من شكر النعم التي أسداها له من صحة البدن، وسلامة الأعضاء.

    قال صلى الله عليه وسلم: (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة)88.

  11. تحصيل الثواب وتكفير السيئات كما دل على ذلك الكتاب والسنة.

    قال تعالى: ( ) [الزلزلة: ٧].

    وقال تعالى: ( ) [هود:١١٤].

    وجاء في حديث حذيفة لما سأله عمر رضي الله عنه عن الفتنة: (فتنة الرجل في أهله، وولده، وجاره، تكفرها الصلاة، والصدقة والمعروف)، قال سليمان: (قد كان يقول: الصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر)89.

  12. التشبه بالرسل والقيام بدعوتهم والسير في طريقهم، وإلقاء الهيبة في قلوب الخلق90.

    ثانيًا: آثار النصيحة على المنصوح:

    الواجب على المنصوح أن يتقبل النصيحة ويعمل بها إن كان فيها خير له، لما لها من النفع العائد عليه من صلاح حاله، والنجاة بنفسه من عذاب الله تعالى وصولًا إلى بر الأمان الذي أراده الله له من توحيد واستجابة للأوامر واجتناب للنواهي، والنصيحة نوع من الهدية يقدمها الناصح، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (رحم الله من أهدى إلي عيوبي)91.

    ومن الآثار المترتبة على المنصوح ما يأتي:

  1. رجاء الانتفاع والاستقامة.

    قال الناصحون من بني إسرائيل لمن قال لهم: ( ﭗﭘ ﭞﭟ ) [الأعراف:١٦٤].

    وقال تعالى: ( ) [الأعلى: ٩].

  2. تهيئة الأسباب لتحقيق النجاة الدنيوية والأخروية.

    قال أبو هريرة رضي الله عنه في قوله تعالى: ( ) [آل عمران:١١٠]: (خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم، حتى يدخلوا في الإسلام)92، فإن المأمور والمنهي إذا انتفع واهتدى كان ذلك سببًا في تحصيله السعادة الدنيوية والأخروية، فينجو من عقاب الله ويحصل له الثواب93.

    ثالثًا: آثار النصيحة على المجتمع:

    إن في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، من جليل الفوائد، وكريم العوائد وعظيم المصالح، ودرء المفاسد والشرور عن الأمة كافة، ما يدعو كل عاقل إلى الاهتمام به والحرص على أن يكون من أهله المتحلين به المسارعين إليه، لتحصيل ما وعد الله به القائمين بتلك الشعيرة الجليلة من الخير في العاجل والآجل ومن ذلك:

  1. إقامة الملة والشريعة وحفظ العقيدة والدين لتكون كلمة الله العليا.

    قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٥١].

    وقال تعالى: ( ﭸﭹ) [الحج:٤٠].

    فالإنسان لا بد له من أمر ونهي ودعوة، فمن لم يأمر بالخير ويدعو إليه أمر بالشر، فمن لم يزحف بمبادئه زحف عليه بكل مبدأ وفكرة، والنفس تتلقى وتتشرب من الأخلاق والمبادئ، لذلك أمر الإسلام بمجالسة الصالحين وأهل البر والمعروف والخير، فإذا قام الناس بهذا المطلب تحققت حماية المجتمع المسلم من كل دخيل عليه، بالإضافة إلى أن الأمر بالمعروف يغذي الأمة أفرادًا وجماعات بالمثل والقيم والأخلاق والعقائد السليمة.

  2. رفع العقوبات العامة.

    قال تعالى: ( ﯿ ) [الشورى: ٣٠].

    وقال تعالى: (ﯿ ) [هود: ١١٧].

    فإن الأمة التي يقع فيها الظلم والفساد فيجدان من ينهض لدفعهما هي أمة ناجية، لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير، فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون ويفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر ذلك ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد فهي أمم مهددة بالدمار والهلاك، ولهذا فدعاة الإصلاح هم صمام الأمان للأمم والشعوب94.

  3. استنزال الرحمة من الله؛ لأن الطاعة والمعروف سبب للنعمة.

    قال تعالى: ( ﭲﭳ)[إبراهيم: ٧].

    وقال تعالى: ( )[الأعراف: ٩٦].

  4. شد ظهر المؤمن وتقويته، ورفع عزيمته، وإرغام أنف المنافق.

    فالمؤمن يقوى ويعتز حينما ينتشر الخير والصلاح ويوحد الله لا يشرك به، وتضمحل المنكرات على إثر ذلك، بينما يخنس المنافق بذلك، ويكون ذلك سببًا لغمه وضيق صدره وحسرته؛ لأنه لا يحب ظهور هذا الأمر ولا ذيوعه بين الخلق، فإذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق.

  5. قيام المسلمين بها يحصل لهم الطموح والترفع عن الدنايا.

    كما يحصل لهم شعور بأنهم ربانيون يصلحون الناس، فيكونون قدوة حسنة بصلاح أنفسهم وحسن استقامتهم.

  6. ابتلاء الخلق بعضهم ببعض؛ لأن هذا العمل بجميع مراتبه وأنواعه جهاد.

    قال تعالى: ( ﮠﮡ) [محمد: ٤].

    وبمثل هذه الابتلاءات يظهر إيمان المؤمن وصبره على مكاره النفس في سبيل رضى الله ونشر دينه وشريعته.

  7. سبب للتمكين والنصر على الأعداء.

    فإن الأمة لا تنتصر بعدد ولا عدة، وإنما تنتصر بهذا الدين.

    قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ S ﮑﮒ ) [الحج: ٤٠ - ٤١].

  8. تحقيق وصف الخيرية في هذه الأمة.

    قال تعالى: ( ) [آل عمران: ١١٠]95.

  9. يبعث الإحساس بمعنى الإخوة والتكامل بين المؤمنين.

    فالقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشعر أبناء المجتمع الواحد بمعنى الإخوة؛ لأنه نوع من التناصح الذي يبعث الإحساس بالتكامل فيما بينهم، والتعاون على البر والتقوى واهتمام المسلمين بعضهم ببعض وقد أمرنا الله تعالى بذلك فقال سبحانه: ( ﯰﯱ ﯶﯷ) [المائدة: ٢].

    وإن القيام بذلك مما يوطد الأمن ويبعث الطمأنينة في نفوس المسلمين، ويؤكد الثقة والمحبة والاعتزاز بالجماعة في قلوب المؤمنين ويأمن الناس على الحقوق والحرمات.


1 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٢/٦١٥، مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٣٥، العين، الفراهيدي ٣/١١٩، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٥/٦٣.

2 لسان العرب، ابن منظور ٢/٦١٥.

3 انظر: النسفي، مدارك التنزيل ١/٥٧٦.

4 التعريفات ص ٢٤١.

5 انظر: اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص الحنبلي ١٠/١٧٠.

6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٧٠٢، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب النون ص١٣٢٥.

7 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٥/٦٣-٦٨، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٤/١٨٢.

8 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/١٢٦، مختار الصحاح، الرازي ص٣٤٢.

9 لسان العرب، ابن منظور ٧/٤٦٥.

10 التعريفات ص٢٥٣.

11 المفردات، الراغب ص٥٢٧.

12 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٣٩٨، لسان العرب، ابن منظور ٣/١٧٥.

13 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٩/٢٢١.

14 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٧٨٠، لسان العرب، ابن منظور ٨/٤١٩.

15 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٨٣.

16 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص ٢٢٢، لسان العرب، ابن منظور ٤/٦٢٥.

17 انظر: الفرق بين النصيحة والتعيير، ابن رجب الحنبلي ص٢٢.

18 انظر: المصدر السابق، ص ١٧.

19 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٨/٢٢٧.

20 صفوة التفاسير، الصابوني ص ٤٢٣.

21 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٥٧.

22 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٨٥.

23 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، ١/٧٤، رقم ٩٥.

24 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي١/٢٢٥.

25 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ١٧/٣٦٣.

26 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي ١/٢٢٢.

27 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب حق المسلم على المسلم رد السلام، ٤/١٧٠٥، رقم ٢١٦٢.

28 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة)، ١/٢١، رقم ٥٧.

29 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين النصيحة، ١/٧٤، رقم ٩٥.

30 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي ١/٢١٨.

31 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٢٢٧، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٠/١٧٠.

32 انظر: النصيحة الكافية، زروق ص١.

33 انظر: شرح صحيح مسلم، النووي ص١٣١.

34 انظر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سعد الحجري ص٥.

35 انظر: شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين ٢/٣٨٤.

36 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي١/٢١٨.

37 روح البيان، الخلوتي ٢/٢٠٤.

38 المصدر السابق٣/٤٨٤.

39 انظر: شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين ٢/٣٨٦.

40 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٧/٣٤١٠.

41 التفسير الواضح، محمد محمود الحجازي ١/٩٢٠.

42 انظر: شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين ٢/٣٨٩.

43 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي١/٢٢١.

44 انظر: شرح صحيح مسلم، النووي ص١٣١.

45 انظر: النصيحة الكافية، زروق ص١٢٨-١٢٥.

46 انظر: شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين ٢/٣٩٢.

47 جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي ١/٢٢٣.

48 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٤٩٦.

49 شرح صحيح مسلم، النووي ص١٣١.

50 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب هل يبيع لبادٍ بغير أجر، وهل يعينه أو ينصحه، ٣/٧٢، رقم ٢١٥٠.

51 انظر: جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي ١/٢٢٣.

52 انظر: شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين ٢/٣٩٧.

53 أخرجه أحمد في مسنده، ١٤/٢٢، رقم ٨٢٧١.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٠٢، رقم ٣١٥١.

54 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٤٨٢، التفسير الوسيط، الزحيلي ٢/١٠٣٩، فتح البيان في مقاصد القرآن، القنوجي ٦/١٧٣.

55 أيسر التفاسير، أسعد الحومد ١٢/٥٣٣.

56 سبق تخريجه.

57 الآداب الشرعية والمنح المرعية، ابن مفلح ١/١٩١.

58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ١/٦، رقم ١.

59 انظر: الروح، ابن القيم ص ٧١٦.

60 الآداب الشرعية والمنح المرعية، ابن مفلح ٢/١٤١.

61 المصدر السابق ٢/١٠٠.

62 انظر: الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، ابن باز ١/٢٦، ٤٤.

63 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق، رقم ٢٥٩٤، ٤/٢٠٠٤.

64 انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي ٢/١٨٢.

65 الأمر بالمعروف ص ٩٩.

66 رسائل ابن حزم ص ٣٦٤.

67 انظر: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ابن حبان ص٦٠.

68 انظر: الأخلاق والسير، ابن حزم ص ٤٢.

69 انظر: الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، ابن باز ص٤٧.

70 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٥٠٠، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٢٩٢، مدارك التنزيل، النسفي ١/٥٧٦.

71 انظر: فتح البيان، القنوجي ٤/٤٠٠، التفسير المنير، الزحيلي ٨/٢٧٦.

72 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٤/٢٤٥٥، الكشاف، الزمخشري ٢/١٣١، لباب التأويل، الخازن ٢/٢٣٠.

73 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٣٨، محاسن التأويل، القاسمي ٥/١١٦.

74 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/١٩٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/٩٥.

75 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٥٢٥، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٨٢، التفسير الوسيط، الزحيلي ٣/١٩٠٥.

76 انظر: تفسير المراغي ١٠/١٨٢، زهرة التفاسير، أبو زهرة ٧/٣٤١٠.

77 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢٦٩، التفسير المظهري ٣/٣٣٦.

78 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٢٣، الكشف والبيان، الثعلبي ٥/٢٠٠، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٣٨٢، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٩٨.

79 انظر: أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة الأمة، عبد الله آل قعود ص١٣.

80 انظر: إحياء علوم الدين، الغزالي ٢/٣٠٦.

81 انظر: الكنز الأكبر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبد الرحمن الصالحي ص٢٩.

82 انظر: تذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبد الله القصير ص٧٢.

83 انظر: نصيحة إلى كافة المسلمين والمسلمات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبدالله القرعاوي ص١٤.

84 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، ١/١٢٨، رقم ١٤٤.

85 انظر: رسالة في الكلام على آية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نجم الدين الغزي ص٢١٧.

86 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشركة، باب هل يقرع في القسمة والاستهام، ٣/١٣٩، رقم ٢٤٩٣.

87 انظر: نصيحة إلى كافة المسلمين والمسلمات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبدالله القرعاوي ص١٣.

88 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى والحث على المحافظة عليها، ١/٤٩٨، رقم ٧٢٠.

89 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الصدقة تكفر الخطيئة، ٢/١١٣، رقم ١٤٣٥.

90 انظر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصوله وضوابطه وآدابه، خالد بن عثمان السبت ص٧٥.

91 سنن الدارمي، الدارمي ص٢١٨.

92 أخرجه البخاري في صحيحه، تفسير القرآن، باب( كنتم خير أمة أخرجت للناس)، ٦/٣٧، رقم ٤٥٥٧.

93 انظر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصوله وضوابطه وآدابه، خالد بن عثمان السبت ص٧٧.

94 انظر: تذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عبد الله القصير ص٧٥.

95 انظر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصوله وضوابطه وآدابه، خالد بن عثمان السبت ص٧٨.