عناصر الموضوع

مفهوم النبوة

النبوة في الاستعمال القرآني:

الألفاظ ذات الصلة

وجوب الإيمان بالأنبياء

شروط النبوة

مهمات النبوة

سنة الله في النبوة

النبوة

مفهوم النبوة

أولًا: المعنى اللغوي:

الأصل في كلمة النبوة أنها مأخوذة من مادة (نبأ)، والنون والباء والهمزة قياسه الإتيان من مكان إلى مكان، يقال للذي ينبأ من أرض إلى أرض نابئ؛ لأنه يأتي من مكان إلى مكان، والفعل نبأته، وأنبأته، واستنبأته، والنبي: الذي يأتي بالأنباء عن الله عز وجل 1، فأخباره هي ما أمره الله أن يخبرنا بها؛ فهي تأتينا من فوق العرش. والجمع: الأنبياء، والنبيون.

وقيل: إنها مشتقة من النبوة والنباوة، وهي الارتفاع، أي: إنه أشرف على سائر الخلق، وأنه مفضل على سائر الناس برفع منزلته 2، والنبيء: الطريق الواضح3.

وقيل: من النبأ: الخبر، والمنبئ: المخبر، ومنه قراءة نافع: (النبيئين) و(الأنبئاء) و(النبيئون)4، ومفردها النبيء على وزن فعيل بمعنى فاعل للمبالغة؛ لأنه أنبأ عن الله تعالى، أي: أخبر، ويجوز فيه تحقيق الهمز وتخفيفه، والاسم منها النبوءة، التي هي الإخبار عن الله جل جلاله 5.

وهذه المعاني الثلاثة تجتمع في النبي، يقول الإمام الخطابي رحمه الله: «وإنما سمي الأنبياء؛ لأنهم قد ارتفعت منزلتهم، واستعلت درجتهم على سائر الخلق، والنبي: الطريق، وسمي رسل الله أنبياء لأنهم الطرق إلى الله»6.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

النبي في الاصطلاح: «من أوحي إليه وحيًا خاصًّا من الله بتكليم الله جل جلاله له، أو بتوسط ملك، أو بإلهام في قلبه، أو بالرؤيا الصالحة، وقد ختمت النبوة، وانقطع الوحي بخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم »7.

النبوة في الاستعمال القرآني:

وردت مادة (نبأ) في القرآن الكريم (١٦٠) مرة، يخص موضوع البحث منها (٨٠) مرة8.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

المصدر

٥

( ) [العنكبوت:٢٧]

الأسماء

٧٥

( ) [الأحزاب:٥٦]

وجاءت النبوة في القرآن بمعنى: السفارة بين الله والخلق؛ لإزاحة عللهم في أمر معادهم ومعاشهم، وهي إما من الفعل (نبا)، وهو: ما ارتفع من الأرض؛ لأن النبوة شرف على سائر الخلق، فهو على هذا المعنى فعيل بمعنى مفعول. أو من الفعل (نبأ) و (نبَّأ) و (أنبأ) بالهمز، من الإخبار،؛لأنه مُنَبَّأٌ ومُخْبَرُ من الله، فهو على هذا المعنى فعيل بمعنى مفعول أيضًا، أو لأنه منبئٌ ومخبر عن الله، فهو على هذا المعنى فعيل بمعنى فاعل9.

الألفاظ ذات الصلة

الوحي:

الوحي لغة:

إلقاء علم من طرف لآخر في خفاء10.

الوحي اصطلاحًا:

المعنى المبثوث إلى من أريد به في خفاء، لتنفيذه بحسب ما يقتضيه المعنى.

الفرق بين النبوة والوحي:

النبوة هي درجة يكرم الله بها من شاء من عباده، ولا تكون إلا بالوحي بمعناه الأخص، وهي أن يرسل الله للنبي بالرسول الملكي، وهو جبريل عليه السلام، وقد ختمت النبوة بمبعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلا ما يكون من مبعث عيسى عليه السلام في آخر الزمان، أما الوحي فقد بقيت صورة من صوره وهي الرؤيا الصالحة.

الرسالة:

الرسالة لغة:

العبارات المؤلفة، والمعاني المدونة، المبعوثة من شخص لآخر بواسطة ناقل11.

الرسالة اصطلاحًا:

هي الشريعة التي يبعث الله بها من شاء من عباده إلى قومه أو الناس كافة، وهي متضمنة لأحكام يكلف الله بها عباده، وأخبار وجب عليهم تصديقها.

الفرق بين النبوة والرسالة:

النبوة هي وحي من الله تبارك وتعالى لعبد من عباده في أمة كان الله قد بعث فيها رسولًا بشريعة، وبعث هذا النبي لتجديد هذه الشريعة، أما الرسالة فهي وحي من الله جل جلاله لعبد من عباده بشرع جديد، يتضمن أحكامًا مغايرة لمن سبقه من الرسل، وهذه الأحكام في باب الأوامر والنواهي، وليس في باب العقائد والأخبار، وبذلك تكون الرسالة رتبة أعلى من النبوة؛ فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا.

الصديقية:

الصديقية لغة:

التصديق بكل أمر أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه، لا يتخالج قلب الصديق شكٌّ في شيء منه.

الصديقية اصطلاحًا:

وصف يطلق على من يأتي بعد الأنبياء في قوة الإيمان، وحسن الطاعة12.

الفرق بين النبوة والصديقية:

النبوة هي أعلى درجات الكمال البشري، ويأتي بعدها في الرتبة درجة الصديقية؛ وهي درجة من أعلى درجات الولاية، وأدنى درجات النبوة13، ولا واسطة بينها وبين النبوة، فمن جاوزها وقع في النبوة بفضل الله تعالى في الزمان الأول، وذلك أن الصديق يؤمن بما جاء به الرسول دون أن يطلب على ذلك برهان؛ بل يقبله بما أكرمه الله به من صحيح الفطرة وسلامتها من الانحراف، فيصدقه ويناصره، فيكون الواسطة في الأخبار بين الله وبين النبي الوحي، بينما الصديق واسطته في ذلك النبي، ويطلق على الصديق أيضًا الحواري.

الولاية:

الولاية لغة:

النصرة والمحبة14.

الولاية اصطلاحًا:

درجة وكرامة من الله جل جلاله ينالها العبد بسبب إيمانه بالله، وتقربه له، وطاعته إياه.

الفرق بين النبوة والولاية:

الولاية صفة عامة لكل من آمن بالله وأطاعه واتقاه، وهي درجات أعلاها النبوة، ويأتي بعد النبوة في الرتبة الصديقية كما سبق بيانه، ولكن بينها جميعًا عموم وخصوص، وعلى ذلك تكون كالإسلام مع الإيمان؛ إذا اجتمعت اختلفت، وإذا افترقت اتفقت، وتكون الولاية بذلك رتبة ثالثة بعد الصديقية15.

وجوب الإيمان بالأنبياء

الإيمان بالأنبياء أصل عظيم من أصول الإسلام، ولا يصح للعبد إيمان ولا تتحقق له نجاة حتى يؤمن بأنبياء الله ورسله جميعًا، ولا يفرق بين أحد منهم في أصل الإيمان بأنهم جميعًا من عند الله، وأنهم سفراء الله إلى خلقه، وحملة رسالاته إليهم، وأنهم جاؤوا بالهدى والحق المبين الذي من حاد عنه فقد ضل، ومن التزم به هدي إلى صراط مستقيم، وأنهم قد بلغوا هذا الحق إلى الناس على الوجه الأكمل كما أمرهم الله.

والواجب على العبد المسلم أن يؤمن بالأنبياء والمرسلين جملة وتفصيلًا، فيؤمن إجمالًا بكل نبي أو رسول من عند الله جل جلاله، وإن كان لا يعرف أسماء بعضهم أو صفاتهم، أو ما كان بينهم وبين أقوامهم.

ويؤمن تفصيلًا بمن سمى الله في كتابه منهم، على النحو الذي أخبر الله به عنهم.

أولًا: الأنبياء الذين ذكروا بأسمائهم:

والأنبياء الذين سمى الله لنا أسماءهم في كتابه خمسة وعشرون نبيًّا، وهم:

إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، ونوح، وداود، وسليمان، وأيوب، ويوسف، وموسى، وهارون، وزكريا، ويحيي، وعيسى، وإلياس، وإسماعيل، واليسع، ويونس، ولوط، وآدم، وهود، وصالح، وشعيب، وإدريس، وذو الكفل، ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين.

وقد ذكر من هؤلاء الأنبياء ثمانية عشر نبيًّا في موضع واحد، وهم المذكورون في قوله تعالى: ( ﭢﭣ ﭧﭨ ﭿ ﮋﮌ ﮔﮕ ) [الأنعام: ٨٣ - ٨٦].

وذكر السبعة الباقين وهم آدم، وهود، وصالح، وشعيب، وإدريس، وذو الكفل، ومحمد عليهم صلوات الله أجمعين في مواضع متفرقة من كتابه:

قال تعالى: ( ) [آل عمران: ٣٣].

وقال: ( ) [هود: ٥٠].

( ) [هود: ٦١].

وقال: ( ) [هود: ٨٤].

( ﭿ ﮀﮁ ) [الأنبياء: ٨٥].

( ) [الفتح: ٢٩].

وهؤلاء الأنبياء والمرسلون المذكورون بأسمائهم في كتاب الله «علينا أن نؤمن بهم تفصيلًا كما أخبرنا الله عنهم.

وأما من عدا هؤلاء من الرسل والأنبياء فنؤمن بهم إجمالًا على معنى الاعتقاد بنبوتهم ورسالتهم، دون أن نكلف أنفسنا البحث عن عدتهم وأسمائهم، فإن ذلك مما اختص الله بعلمه؛ قال تعالى: ( ) [النساء: ١٦٤]»16.

ثانيًا: من اختلف في نبوتهم:

الأنبياء السالف ذكرهم أثبت الله عز وجل لهم النبوة في كتابه، وهناك من اختلف العلماء في نبوتهم، هل هم من الأنبياء أم من الصالحين؟ ومنهم:

  1. الخضر.

    اختلف العلماء في الخضر هل هو نبي، أم ولي، أم ملك؟

    قال القرطبي رحمه الله: «الخضر نبي عند الجمهور. وقيل: هو عبد صالح غير نبي. وقيل: كان ملكًا أمر الله موسى أن يأخذ عنه»17.

    ومَرَدُّ اختلاف العلماء إلى دلالات الآيات المذكورة في حديث موسى مع الخضر في سورة الكهف، كقوله تعالى: ( ) [الكهف: ٦٥].

    وكقوله تعالى في شأنه: ( ) [الكهف: ٦٦].

    وقوله تعالى حكاية عن الخضر: ( ) [الكهف: ٨٢].

    والراجح قول الجمهور: أنه كان نبيًّا، والدليل عليه ما يلي:

    أولًا: أن الآيات في سورة الكهف تشهد بنبوته؛ لأن بواطن أفعاله لا تكون إلا بوحي من الله.

    ثانيًا: أن موسى عليه السلام تبعه ليتعلم منه، والإنسان لا يتعلم ولا يتبع إلا من فوقه، وليس ولا يجوز أن يكون فوق النبي من ليس بنبي.

    ثالثًا: يفهم من قوله تعالى: ( ) [الكهف: ٦٥].

    أن هذه الرحمة المذكورة هنا رحمة نبوة، وأن هذا العلم اللدني علم وحي18.

  2. ذو القرنين.

    اختلف العلماء في ذي القرنين: منهم من قال: كان عبدًا صالحًا. ومنهم من قال: كان نبيًّا. ومنهم من قال: كان ملكًا من الملائكة.

    قال تعالى: ( ) [الكهف: ٨٦].

    «يستدل بهذا من يزعم أنه كان نبيًا، فإن الله خاطبه بالوحي، ومن قال: إنه لم يكن نبيًّا أوله بالإلهام، ويحتمل أن يكون الخطاب على لسان نبي غيره»19.

    وفي هذه الآية اختلف العلماء: هل هذا الخطاب كان خطابًا من الله له أم كان بواسطة نبي معه؟

    فمن قال: كان خطابًا من الله له أثبت له النبوة، ومن قال: كان بواسطة نبي معه نفى عنه النبوة.

  3. تبع.

    ورد ذكر تبع في القرآن الكريم.

    قال تعالى: ( ﯷﯸ ﯹﯺ ) [الدخان: ٣٧].

    وقال: ( ﯬﯭ ) [ق: ١٢-١٤].

    فهل كان نبيًّا مرسلًا إلى قومه فكذبوه فأهلكهم الله؟ الله أعلم بذلك20.

  4. الأسباط.

    فالأسباط: جمع سبط؛ قيل: إنهم أولاد يعقوب، ومنهم يوسف. وقيل: هم الأنبياء الذين بعثوا في أسباط بني إسرائيل الذين لم يذكروا بأسمائهم، وقيل غير ذلك.

    قال ابن حجر: «اختلف في نبوتهم، فقيل: كانوا أنبياء. وقيل: لم يكن فيهم نبي، وإنما المراد بالأسباط قبائل من بني إسرائيل، فقد كان فيهم من الأنبياء عدد كثير»21.

    وممن صرح بنفي نبوتهم القاضي عياض حيث قال: «وأما قصة يوسف وإخوته فليس على يوسف منها تعقب، وأما إخوته فلم تثبت نبوتهم، فيلزم الكلام على أفعالهم، وذكر الأسباط وعدهم في القرآن عند ذكر الأنبياء قال المفسرون: «يريد من نُبِّىءَ من أبناء الأسباط»22.

    وقد قال تعالى في شأنهم: ( ) [البقرة: ١٣٦].

    وقال: ( ) [البقرة: ١٤٠].

    ثالثًا: عدد الأنبياء والمرسلين وحكم من فرق بينهم:

    اقتضت حكمة الله تعالى ألا يعذب أمة إلا بعد إرسال الرسول لها مبلغًا ومنذرًا.

    قال تعالى: ( ) [الإسراء: ١٥].

    وهذا يدلنا على كثرة الأنبياء والمرسلين إلى الأمم، فكل أمة لها رسول من لدن آدم عليه السلام إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

    والله تعالى قال: ( ﭛﭜ ﭨﭩ ﭷﭸ ) [النساء: ١٦٣-١٦٤].

    ١. عدد الأنبياء.

    «عدد الأنبياء لا يحصى؛ إذ يزيد عددهم على ما جاء في بعض الآثار مائة وعشرين ألفًا، أما الرسل فهم قلة، والذين ذكروا في القرآن الكريم يجب الإيمان بهم تفصيلًا، وهم خمسة وعشرون، وهم من الرسل، وهم كالآتي:

    آدم، نوح، إبراهيم، إسماعيل، إسحق، يعقوب، داود، سليمان، أيوب، يوسف، موسى، هارون، زكريا، يحيي، إدريس، يونس، هود، شعيب، صالح، لوط، إلياس، اليسع، ذو الكفل، عيسى، محمد -صلوات الله عليهم أجمعين-»23.

    فهؤلاء هم المذكورون في القرآن الكريم بأسمائهم.

    وهناك أنبياء ومرسلون لا نعرف أسماءهم، ولم يقص الله علينا من أخبارهم، كما في قوله تعالى: ( ) [النساء: ١٦٤].

    وقوله: ( ) [غافر: ٧٨].

    فليس في القرآن حصر لعدد الأنبياء والمرسلين، لكن الواضح من القرآن أنهم كانوا أعدادًا كبيرة، يدلنا على هذا قوله تعالى: ( ﭿ ) [فاطر: ٢٤].

    وقوله جل جلاله: ( ) [الشعراء: ٢٠٨].

    حيث تبين هاتان الآيتان أن كل الأمم وكل القرى التي أخذها الله تعالى كان لها منذرون من قبل الله جل جلاله، وهذا إن دل فإنما يدل على أن عدد الأنبياء والمرسلين كان غفيرًا.

    ويؤيد هذا بعض الآثار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي المعجم الكبير أن أبا ذر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قلت: يا نبي الله كم وفاء عدة الأنبياء؟ قال: (مائة ألفٍ وأربعةٌ وعشرون ألفًا، الرسل من ذلك ثلاثمائةٍ وخمسة عشر جمًّا غفيرًا)24.

    وأيًا ما كان الأمر فإننا نقول: إن الواجب على المسلم -كما مر معنا- أن يؤمن إجمالًا بكل الأنبياء والمرسلين دون أن يفرق بين أحد منهم، وأن يؤمن تفصيلًا بمن ذكر الله منهم، ونص عليهم بأسمائهم في كتابه الكريم.

    ٢. حكم من فرق بينهم.

    دين الله واحد وإن اختلفت أحكام الشرائع، وأنبياء الله إخوة، كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والأنبياء إخوةٌ لعلاتٍ، أمهاتهم شتى، ودينهم واحدٌ)25.

    فالواجب علينا أن نؤمن بجميع الأنبياء؛ لأن جميعهم جاء بالإيمان بالله، ولا نفرق بين أحد منهم، فلا نؤمن ببعض، ونكفر ببعض.

    قال تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ) [النساء: ١٥٠-١٥١].

    فهذه الآيات تدلنا على أن «من كفر بنبي واحد فقد كفر بالأنبياء كلهم، ولم ينفعه إيمانه به»26.

    «وأن الكفر برسل الله هو كفر بالله»27.

    وما ذلك إلا لأن الإيمان بالله «يقتضي الاعتقاد بصحة كل ما جاء من عند الله، وصدق كل الرسل الذين يبعثهم الله، ووحدة الأصل الذي تقوم عليه رسالتهم، وتتضمنه الكتب التي نزلت عليهم، ومن ثم لا تقوم التفرقة بين الرسل في ضمير المسلم»28.

    وقد أكد الله كفرهم فقال: ( ﮋﮌ) [النساء: ١٥١].

    فتعريف جزأي الجملة، والإتيان بضمير الفصل يفيد «قصر صفة الكفر عليهم»29.

    وهذا يظهر شدة كفرهم؛ لئلا «يتوهم أن مرتبتهم متوسطة بين الإيمان والكفر»30.

    ومما يؤكد كفر من فرق بين الرسل قوله تعالى: ( ﭿ )[البقرة: ١٣٦].

    فهاهنا تبين الآية أن المؤمنين ديدنهم هو عدم التفريق بين الرسل أبدًا، وبالتالي فهي تقطع بأن «من آمن برسول من رسل الله ولم يؤمن بجميع الرسل فليس من المؤمنين، ومن تمسَّكَ بكتاب وكفر بما سواه من كتب الله فهو من الكافرين»31.

    وكذا جاء نفس الأمر في قوله: ( ﮞﮟ ﮫﮬ ﮯﮰ ) [البقرة: ٢٨٥].

    وهكذا يظهر لنا أن من فرق بين رسل الله عز وجل فآمن ببعضهم، وكفر بالبعض الآخر فهو كافر قطعًا «وهذا لا يمنع المفاضلة بينهم؛ إذ المقصود عدم التفرقة بين الأنبياء في الإيمان ببعضهم»32. أو إذا كان ذلك على سبيل العصبية والاستنقاص.

    رابعًا: التفاضل بين الأنبياء:

    لله تعالى أن يصطفي من يشاء من عباده، والرسل عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام هم ممن اصطفاهم الله لحمل الرسالة، وإبلاغ الهداية إلى الناس، فجعلهم سفراءه إلى خلقه بالرحمة والهدى، وهؤلاء الرسل-على علو مقامهم وشريف منزلتهم- درجات عند الله في الفضل، بعضهم أفضل من بعض.

    يقول تعالى: ( ﮰﮱ ) [الإسراء: ٥٥].

    وكذا قال تعالى: ( ﭗﭘ ﭜﭝ ﭠﭡ ) [البقرة: ٢٥٣].

    ففي هذه الآية يخبر المولى جل جلاله أنه «فضل بعض الرسل على بعض بما خصهم من بين سائر الناس بإيحائه وإرسالهم إلى الناس، ودعائهم الخلق إلى الله، ثم فضل بعضهم على بعض بما أودع فيهم من الأوصاف الحميدة، والأفعال السديدة، والنفع العام»33.

    خامسًا: أولو العزم من الرسل هم أفضل الرسل:

    إذا كان الرب جل وعلا فضل بعض الرسل على بعض، فإن أفضل الرسل هم أولو العزم.

    قال تعالى لنبيه: ( ) [الأحقاف: ٣٥].

    فـ«أولو العزم من المرسلين سادات الخلق أولو العزائم والهمم العالية الذين عظم صبرهم، وتم يقينهم، فهم أحق الخلق بالأسوة بهم، والقفو لآثارهم، والاهتداء بمنارهم»34.

    وقد اختلف العلماء في تعداد أولي العزم على أقوال «وأشهرها، أنهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وخاتم الأنبياء كلهم محمد صلى الله عليه وسلم »35.

    وقد ذكرهم الله في كتابه في أكثر من موضع، فقال جل جلاله: ( ﮊﮋﭾ ﭿ ﮊﮋﮌ ) [الشورى: ١٣].

    وقال أيضًا: ( ) [الأحزاب: ٧].

    وتخصيص الخمسة المذكورين في الآية مع اندراجهم مع النبيين «للإيذان بمزيد مزيتهم وفضلهم، وكونهم من مشاهير أرباب الشرائع، وأساطين أولي العزم من الرسل»36.

    أسباب التفضيل:

    أسباب التفضيل بين الرسل وأسرار تفاوت الرتب بينهم لا يعلمها إلا الله عز وجل «غير أنها ترجع إلى ما جرى على أيديهم من الخيرات المصلحة للبشر، ومن نصر الحق، وما لقوه من الأذى في سبيل ذلك، وما أيدوا به من الشرائع العظيمة المتفاوتة في هدى البشر، وفي عموم ذلك الهدى ودوامه»37.

    كذلك يتعلق التفضيل «بالفضائل والخصائص الراجعة إلى ما مَنَّ به عليهم من الأوصاف الممدوحة، والأخلاق المرضية، والأعمال الصالحة، وكثرة الأتباع، ونزول الكتب على بعضهم المشتملة على الأحكام الشرعية، والعقائد المرضية»38.

    وقد ذكر الله في كتابه مزايا كثيرة لبعض الأنبياء فيها إظهار لمزيد فضلهم، وعظيم شرفهم، وفيما يلي عرض لهذه المزايا:

  1. آدم عليه السلام.

    هو أبو البشرية، وقد ذكر القرآن له عددًا من الخصائص:

    • أن الله خلقه بيديه وسواه ونفخ فيه من روحه.

      وهذه من الفضائل العظيمة التي خصَّ بها سيدنا آدم عليه السلام، فقد قال تعالى: ( ) [الحجر: ٢٨-٢٩].

      وهنا يخبر المولى جل جلاله عن خلقه المباشر لسيدنا آدم عليه السلام، وهذه خصيصة عظيمة لآدم حيث خلقه الله بيديه مباشرة، فلم يكن له أب ولا أم، وفي هذا «إيماء إلى شرف آدم عليه السلام، وعظم مكانته»39.

    • تعليم الله له.

      وهذه من الخصائص العالية القدر التي ذكرت لآدم عليه السلام، فهي تدل على عظيم رعاية الرب له، وشريف عنايته به.

      قال الله عز وجل: ( ﭾﭿ ﮇﮈ ﮋﮌ ﮑﮒ ) [البقرة: ٣١-٣٣].

      ففي هذه الآيات يظهر المولى جل وعلا فضل آدم عليه السلام من جهة أن علمه مستمد من تعليم الله له، فإن إمداد الله له بالعلم يدل على أنه محاط منه برعاية ضافية، ثم إن العلم الذي يحصل عن طريق النظر والفكر قد يعتريه الخلل، ويحوم حوله الخطأ، فيقع صاحبه في الإفساد من حيث إنه يريد الإصلاح، بخلاف العلم الذي يتلقاه الإنسان من تعليم الله، فإنه علم مطابق للواقع قطعًا، ولا يخشى من صاحبه أن يحيد عن سبيل الإصلاح40.

    • سجود الملائكة له.

      وهذا من المواقف العظيمة التي ذكرها القرآن في غير ما موضع والتي تشي بعظيم فضل آدم عليه السلام.

      قال تعالى: ( ) [البقرة: ٣٤].

      وفي حديث الشفاعة الطويل: (فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك)41.

      فأَمْرُ الملائكة بالسجود لآدم -لاشك- يدل على مدى رفعة هذا النبي وعلو مقامه، وفي هذا «كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم عليه السلام »42.

  2. نوح عليه عليه السلام.

    هو من الرسل الكرام، بل هو من أولي العزم الذين فضلهم الله على بقية الأنبياء والرسل، وقد ورد ذكره في القرآن كثيرًا، ومن المزايا التي ذكرها القرآن له أنه:

    • أول الرسل إلى أهل الأرض.

      وهذا من المزايا الرفيعة التي اختص بها سيدنا نوح.

      قال تعالى: ( ﭿ ) [الشورى: ١٣].

      فإنه بدأ بذكر نوح عليه السلام «لأن نوحًا أول رسول أرسله الله إلى الناس»43.

      وفي حديث الشفاعة يأتي بعض الخلق (فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض)44.

      فالرسل موكب كريم شريف القدر عالي المقام، وأن يكون نوح عليه السلام هو مفتتح هذا الركب الميمون، فهذا تشريف كبير له.

  3. إبراهيم عليه السلام.

    إبراهيم عليه السلام من الأنبياء الكبار أصحاب الفضل العظيم، والمقام الرفيع، وقد حفل القرآن بكثير من مزاياه وخصائصه، وفيما يلي عرض لأبرزها:

    • النبي الإمام.

      وهذه مرتبة رفيعة، ومزية جليلة اختص بها سيدنا إبراهيم عليه السلام.

      قال تعالى: ( ﮪﮫ ﮰﮱ ﯕﯖ ) [البقرة: ١٢٤].

      وهاهنا يخبر الرب الجليل أنه ابتلى نبيه إبراهيم «ببعض الأوامر والنواهي، فأداها خير الأداء، وأتى بها على وجه الكمال»45.

      فجعله الله إمامًا للناس «يتخذونه قدوة، ويقودهم إلى الله، ويقدمهم إلى الخير، ويكونون له تبعًا، وتكون له فيهم قيادة»46.

      وبذلك يحصل له الثناء الدائم، والتعظيم المستمر، والأجر الذي لا ينقطع.

    • النبي الخليل.

      وهذه من الدرجات الرفيعة، ومن المزايا الجليلة التي ذكرها القرآن لإبراهيم.

      قال تعالى: ( ﮜﮝ ) [النساء: ١٢٥].

      فالخلة «تتضمن كمال المحبة ونهايتها، بحيث لا يبقى في القلب سعة لغير محبوبه، وهي منصب لا يقبل المشاركة بوجه ما»47.

      ولشريف هذا المنصب فإنه لم يختص به إلا إبراهيم ومحمد -صلوات الله وسلامه عليهما-، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى قد اتخذني خليلًا، كما اتخذ إبراهيم خليلًا)48.

      ومنزلة الخلة هذه تُظْهِرُ -ولا شك- ما لإبراهيم عند الله من مكانة، فهي «منزلة عليا من منازل القرب من الله، لا تكاد تدانيها منزلة»49.

    • جعل النبوة والكتاب في ذريته.

      النبوة شرف ما بعده شرف، فالأنبياء والرسل هم منارات الهدى للبشر، وأدلاء الناس على طريق خالقهم، فأن يكونوا في ذرية إبراهيم فـ«هذه خلعة سنية عظيمة»50. تدل على علو قدره.

      قال تعالى: ( ﮠﮡ ) [العنكبوت: ٢٧].

      فهذه الآية تبين كيف أن شرف النبوة قد انحصر في سلالة إبراهيم عليه السلام «فلم يأت بعده نبي إلا من ذريته، ولا نزل كتاب إلا على ذريته، حتى ختموا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم »51. وأن تكون مواد الهداية والخير «والرحمة والسعادة والفلاح في ذريته، وعلى أيديهم اهتدى المهتدون، وآمن المؤمنون، وصلح الصالحون، فهذا من أعظم المناقب والمفاخر التي أكرم الله بها هذا النبي عليه الصلاة والسلام »52.

  4. موسى عليه السلام.

    هو من الأنبياء الذين توسع القرآن في ذكر خبرهم، وما كان من شأنهم مع أقوامهم، ومن مزاياه التي أشار إليها القرآن:

    • تكليم الله له.

      وهذه من المزايا العظيمة التي أكرم الله بها موسى عليه السلام، وقد ذكرها القرآن في أكثر من موضع.

      قال تعالى: ( ﭷﭸ ) [النساء: ١٦٤].

      فتكليم الله لموسى «تشريف لموسى عليه السلام بهذه الصفة؛ ولهذا يقال له: الكليم»53.

      وهذه خصيصة انفرد بها موسى عليه السلام دون غيره من الأنبياء والرسل وهي -حتمًا- تدل على مدى عظمة هذا النبي، وعلو قدره عند ربه؛ إذ «وقف في أكرم موقف يلقاه إنسان»54.

  5. عيسى عليه السلام.

    احتفى القرآن بذكر عيسى عليه السلام، وعدد له الكثير من المزايا والخصائص، وفيما يلي عرض لها:

    • رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم.

      الأنبياء جميعًا -عدا آدم عليه السلام - لهم آباء وأمهات، ولكن سيدنا عيسى اختص بميلاد عجيب، حيث إن ميلاده جعله الله آية، فقد ولد بغير أب.

      قال تعالى: ( ﯿ ) [آل عمران: ٤٥].

      فقد سمي بكلمة الله «لأنه كان بالكلمة من الله؛ لأن حالته خارجة عن الأسباب، وجعله الله من آياته، وعجائب مخلوقاته»55. وهذه مزية عظيمة لعيسى عليه السلام.

      ومن الآيات التي ذكرت هذا أيضًا قوله تعالى: ( ﭜﭝ ﭪﭫ ﭲﭳ ﭶﭷ ﭻﭼ ﭿ ﮁﮂ ﮉﮊ ﮋﮌ ) [النساء: ١٧١].

      وهاهنا يؤكد القرآن على كون عيسى خلق خلقًا مغايرًا لما تجري عليه الأسباب؛ فقد كان بكلمة الله التي ( ) [النساء: ١٧١].

      أي: «أوصلها إليها، وحصلها فيها بنفخ جبريل عليه السلام ( ﭪﭫ) أي: بتخليقه وتكوينه كسائر الأرواح المخلوقة»56.

    • الكلام في المهد.

      وهذه من الخصائص التي أكرم الله بها نبيه عيسى عليه السلام.

      قال تعالى: ( ) [آل عمران: ٤٦].

      أي: إن عيسى عليه السلام سيدعو إلى عبادة الله وحده «في حال صغره، معجزة وآية، وفي حال كهولته حين يوحي الله إليه بذلك»57.

      وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثةٌ: عيسى... )58 الحديث.

      وخص تكليمه في حال كونه في المهد وحال كونه كهلًا مع أنه يتكلم فيما بينهما «لأن لذينك الحالين مزيد اختصاص بتشريف الله إياه، فأما تكليمه الناس في المهد؛ فلأنه خارق عادة إرهاصًا لنبوءته، وأما تكليمهم كهلًا فمراد به دعوته الناس إلى الشريعة»59.

    • رفعه إلى السماء ونزوله في آخر الزمان.

      وهذه من المزايا التي تفرد بها هذا النبي الكريم، قال جل جلاله: ( ﭷﭸ ﭿ ) [آل عمران: ٥٥].

      ذهب جمهور أهل السنة والجماعة إلى أن عيسى عليه السلام رفع بجسده وروحه.

      قال ابن تيمية: «عيسى عليه السلام حي، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والذي نفسي بيده، ليوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عادلًا، وإمامًا مقسطًا، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحدٌ)60.

      وثبت في الصحيح عنه أنه ينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، وأنه يقتل الدجال61. ومن فارقت روحه جسده لم ينزل جسده من السماء، وإذا أحيي فإنه يقوم من قبره.

      وأما قوله تعالى: ( ) [آل عمران: ٥٥].

      فهذا دليل على أنه لم يعن بذلك الموت؛ إذ لو أراد بذلك الموت لكان عيسى في ذلك كسائر المؤمنين؛ فإن الله يقبض أرواحهم، ويعرج بها إلى السماء، فعلم أن ليس في ذلك خاصية، وكذلك قوله: ( ) ولو كان قد فارقت روحه جسده لكان بدنه في الأرض كبدن سائر الأنبياء.

      وقد قال تعالى في الآية الأخرى: ( ﭿ ﮙﮚ ) [النساء: ١٥٧- ١٥٨].

      فقوله هنا: ( ﮙﮚ) يبين أنه رفع بدنه وروحه، كما ثبت في الصحيح أنه ينزل ببدنه وروحه؛ إذ لو أريد موته لقال: وما قتلوه وما صلبوه بل مات62.

  6. محمد صلى الله عليه وسلم.

    نبينا محمد صلى الله عليه وسلم له الكثير من الفضائل والمزايا التي ذكرها الله في كتابه، وفيما يلي عرض لها:

    • خاتم النبيين.

      وهذه من الفضائل العظيمة التي كانت من نصيب محمد صلى الله عليه وسلم، فالنبوة سلسلة رفيعة القدر، فأن يكون هو خاتمها وحلقتها الأخيرة فهذا يدل على عظيم قدره.

      قال تعالى: ( ﯲﯳ ) [الأحزاب: ٤٠].

      فكونه النبي الخاتم يدل على أنه صلى الله عليه وسلم «وارث النبيين جميعًا، والمهيمن برسالته على رسالات الرسل كلهم، فلا رسول بعده إلى يوم الدين؛ لقد ختمت به رسالات السماء، وأضيفت شعاعاتها كلها إلى شمس شريعته، فأصبحت تلك الشعاعات مضمونًا من مضامينها، وقبسًا من أقباسها، فلا هدى بعد هذا إلا من هداها، ولا نورًا إلا من نورها ( ) [آل عمران: ٨٥]»6364.

    • أرسل للناس عامة.

      وهذه من المناقب العظيمة التي أكرم الله بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فرسالته هي «الرسالة الأخيرة، فهي الرسالة الشاملة التي لا تختص بقوم ولا أرض ولا جيل، ولقد كانت الرسالات قبلها رسالات محلية قومية، محدودة بفترة من الزمان»65.

      وكان النبي في السابق يرسل لقومه خاصة، ولكنه صلى الله عليه وسلم بعث للناس عامة، قال صلى الله عليه وسلم: (وكان النبي يبعث إلى قومه خاصةً وبعثت إلى الناس عامةً)66.

      فهو المبعوث للثقلين للإنس والجن، قال عز وجل: ( ) [الأعراف: ١٥٨].

      أي: إن النبي بعث «إلى كافة الإنس وكافة الجن»67.

      وأن يكون النبي رسولًا للعالمين، فهذا يدل على علو مقامه عند ربه »وهو مقام لا يطاول، ومنزلة لا تنال، قد انفرد بها صلى الله عليه وسلم من بين رسل الله وأنبيائه جميعًا، فهو رسول الإنسانية كلها، والشمس التي تملأ آفاقها، وتدخل كل مكان فيها» 68.

    • صاحب المقام المحمود.

      وهذا مقام عظيم أشار إليه القرآن بقوله: ( ﭿ ) [الإسراء: ٧٩].

      وكلمة () في كلام العرب تفيد التوقع، أما في كلام الله فإنها تفيد الوجوب والقطع، قال الإمام الرازي: «اتفق المفسرون على أن كلمة (عسى) من الله واجبة؛ لأن لفظة (عسى) تفيد الإطماع، ومن أطمع إنسانًا في شيء ثم حرمه كان عارًا، والله تعالى أكرم من أن يطمع أحدًا في شيء، ثم لا يعطيه ذلك»69.

      فالله عز وجل يقول لنبيه: داوم على ما أمرت به من العبادة: «لنقيمك يوم القيامة مقامًا يحسدك فيه الخلائق كلهم» 70.

      قال ابن جرير: «أكثر أهل العلم على أن المقام المحمود هو ذلك المقام الذي يقومه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة للشفاعة للناس؛ ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم»71. وهذا مقام عظيم يوم القيامة يشي بعظم شأن النبي صلى الله عليه وسلم عند خالقه.

    • قسم الله به.

      قال تعالى: ( ) [الحجر: ٧٢].

      ففي هذه الآية «شرف لمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى أقسم بحياته، ولم يفعل ذلك مع بشر سواه»72 .

      وقسم الله بحياة نبيه يدل على «تشريف عظيم، ومقام رفيع، وجاه عريض»73.

    • لم يخاطبه الرب باسمه المجرد.

      خاطب الله أنبياءه بأسمائهم المجردة، فقال: ( ) [الأعراف: ١٤٤].

      ( ) [الصافات: ١٠٤].

      ( ) [آل عمران: ٥٥].

      ( ) [هود: ٤٨].

      ولكن لم يناد الله عز وجل نبيه باسمه المجرد أبدًا، وما ناداه إلا بـ( ) [المائدة: ٦٧].

      ( ) [الطلاق: ١].

      فكون النبي لا يخاطب باسمه المجرد، فهذا -لا شك- يشير «إلى المحبة والقرب من ربه، الذي يخلع عليه ما يخلع من أوصاف التكريم، ويناديه بها، حتى لكأنها علم عليه وحده»74.

    • الثناء عليه بجميع خلقه.

      إن الله عز وجل أثنى على أنبيائه كثيرًا، ولكنه كان يمدحهم ومدحهم ببعض أخلاقهم، فقال عن إبراهيم عليه السلام: ( ﭿ ) [هود: ٥٧].

      ووصف موسى عليه السلام بأنه ( ) [مريم: ٥١].

      وأثنى على إسماعيل بأنه ( ) [مريم: ٥٤].

      ولكنه لمَّا أثنى على محمد صلى الله عليه وسلم أثنى عليه بجميع خلقه، فقال: ( ) [القلم: ٤].

      وتأمل كيف أنه عبر بـ(على) التي هي«للاستعلاء المجازي، المراد به التمكن»75.

      وهذا يشعر بمدى تمكن النبي ورسوخه في كل خلق كريم، «وحسب رسول الله شرفًا وعزًّا بهذا الوصف الكريم من الله تعالى حسبه بهذا، حيث توجه ربه عز وجل بتاج الكمال كله؛ إذ ليس بعد حسن الخلق حلية تتحلى بها النفوس، أو تاج تتوج به الرؤوس»76.

    • صلاة الله وملائكته عليه.

      وهذه وحدها مزية عظيمة جليلة، تدل على قدر النبي عليه الصلاة السلام عند خالقه.

      قال تعالى: ( ﭷﭸ ﭿ) [الأحزاب: ٥٦].

      وصلاة الله على النبي تعني «ذكره بالثناء في الملأ الأعلى، وصلاة ملائكته دعاؤهم له عند الله تعالى »77.

      وهذه الآية «شرف الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم حياته وموته، وذكر منزلته منه»78. فيا لها من منزلة كريمة.

    • اختصاصه بمعجزة القرآن.

      الأنبياء السابقون آتاهم الله عز وجل عددًا من المعجزات، ولكنها كانت مخصوصة بزمنهم، وموقوتة بحياتهم، ولكن المولى تبارك وتعالى اختص حبيبه ومصطفاه بمعجزته الكبرى، والتي ستبقى خالدة على امتداد الزمان.

      قال تعالى: ( ) [الحجر: ٨٧].

      وهنا يمتن الحق سبحانه على رسوله «بأنه يكفيه أن أنزل عليه القرآن الكتاب المعجزة، والمنهج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، فالقرآن يضم كمالات الحق التي لا تنتهي»79.

      إن معجزة القرآن معجزة لها خصوصيتها وتفردها عن كل ما تقدمها من معجزات، فهي معجزة «مفتوحة للأجيال، وليست كالخوارق المادية التي تنقضي في جيل واحد، ولا يتأثر بها إلا الذين يرونها من ذلك الجيل»80. فأن يختص بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهذه -لا شك- مزية عظيمة.

      النصوص التي تنهى عن التفضيل بين الأنبياء:

      قال تعالى: ( ﭗﭘ ﭜﭝ ﭠﭡ ) [البقرة: ٢٥٣].

      وهذه الآية تقطع بوجود التفاضل بين الأنبياء والرسل، ولكن هناك أحاديث ثابتة تنهى عن التفضيل، ومن ذلك قوله: (لا تخيروني على موسى)81، و(لا تفضلوا بين أنبياء الله)82 أي: لا تقولوا: فلان خير من فلان، ولا فلان أفضل من فلان؛ ولكن هذه الأحاديث لا تعارض بينها وبين الآية.

      قال الإمام القرطبي: يمكن الجمع بين الآية والأحاديث من وجوه:

    • أن هذا كان قبل أن يوحى إليه بالتفضيل، وقبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم، وأن القرآن ناسخ للمنع من التفضيل.
    • أو أن قوله هذا من باب الهضم والتواضع.
    • أو أن المراد النهي عن الخوض في ذلك؛ لأن الخوض في ذلك ذريعة إلى الجدال، والجدال قد يؤدي إلى أن يذكر بعضهم بما لا ينبغي أن يذكر به، وقد يؤدي إلى قلة احترامهم، والعصبية المقيتة لبعضهم.

      ثم قال: وأحسن من هذا القول من قال: إن المنع من التفضيل إنما هو من جهة النبوة التي هي خصلة واحدة، لا تفاضل فيها، وإنما التفضيل في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والمعجزات، وأما النبوة في نفسها فلا تتفاضل، وإنما تتفاضل بأمور أخرى زائدة عليها؛ ولذلك فهم رسل وأولو عزم، ومنهم من كلمه الله، فالقول بتفضيل بعضهم على بعض إنما هو بما منح من الفضائل، وأعطي من الوسائل؛ وبذلك نكون قد جمعنا بين الآية والأحاديث من غير نسخ83.

      شروط النبوة

      لمرتبة النبوة شروط نتناولها في النقاط الآتية:

      أولًا: الصدق:

      لما كانت النبوة هي أداء رسالة، وتبليغ شريعة، وتوجيه للناس نحو الخير، كان من أهم شروط هذه الوظيفة العظيمة الصدق؛ لأن النبي مبلغ عن الله، أمين على وحيه، والكذب في حقه عظيم؛ لأنه كذبٌ على الله، وافتراء عليه، وتضليل للناس: ( ﮕﮖ ) [الأنعام: ٢١].

      ثم إن النبي قدوة للناس، وأنموذج حي لتعاليم الله في الأرض؛ لذا اشترط فيه أن يكون صادقًا فيما يقوله أو يبلغه حتى يهتدي الناس به.

      لذا كان الصدق من أخص صفات الأنبياء، ومن أهم الشروط التي جعلها الله فيمن اصطفاه لهذا المقام الكريم، ومن جعل القرآن نصب عينيه بانت له أمارات صدقهم في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم.

      فهذا موسى عليه السلام يبين التزامه بالصدق خلقًا ومقامًا وحالًا لا يتجاوزه، فيقول: ( ﭙﭚ ) [الأعراف: ١٠٥].

      أي: «جدير بأن لا أقول على الله إلا الحق، وحريٌ بي أن ألتزمه»84.

      والمعنى: «أن الرسول لا يقول إلا الحق، فصار نظم الكلام كأنه قال: أنا رسول الله، ورسول الله لا يقول إلا الحق»85.

      فرسول الله خليق بألا يقول على الله إلا الحق والصدق.

      وأثنى الله على إسماعيل عليه السلام بصدق الوعد.

      قال تعالى: ( ﭤﭥ ) [مريم: ٥٤].

      ففي هذه الآية «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد في الكتاب إسماعيل بن إبراهيم، فاقصص خبره إنه كان لا يكذب وعده، ولا يخلف، ولكنه كان إذا وعد ربه أو عبدًا من عباده وعدًا وفَّى به»86.

      وبالصدق الكثير وصف الله نبيه إبراهيم عليه السلام فقال سبحانه: ( ﭪﭫ ) [مريم: ٤١].

      «كان من أهل الصدق في حديثه وأخباره ومواعيده لا يكذب»87.

      وصدِّيقٌ لفظ فيه «مبالغة في كونه صادقًا، وهو الذي يكون عادته الصدق؛ لأن هذا البناء ينبئ عن ذلك، يقال: رجل خمير وسكير للمولع بهذه الأفعال» 88. فالصديق: كثير الصدق.

      وبذات الوصف ذكر الله نبيه إدريس أيضًا، فقال: ( ﭻﭼ ﭿ ) [مريم: ٥٦].

      وجاء في آخر سورة المائدة قول عيسى عليه السلام لربه: ( ) [المائدة: ١١٧].

      وهو واضح جدًّا في التزام عيسى عليه السلام بما أمره الله به فقط، لم يزد عليه شيئًا، ولم ينقص منه شيئًا، وإنما هو الصدق في التبليغ، والامتثال في الأداء.

      وكذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان بن حرب -قبل إسلامه- عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم وقال له: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فرد عليه: ما جربنا عليه كذبًا قط89. وهذه وهذا النص يظهر أنها صفة أصيلة في الرسل حتى قبل مبعثهم.

      ولقد بين سبحانه وعيد من كذب على الله من أنبيائه أو تَقَوَّلَ عليه ما لم يأمر به، فقال في وعيد شديد: ( ﮋﮌ ) [الحاقة: ٤٤-٤٧].

      والتَّقوُّلُ: «أن يقول الإنسان عن آخر أنه قال شيئًا لم يقله»90.

      و ( ) أي: «بالقوة والقدرة، أي: لأخذناه بالقوة»91.

      والوتين: «نياط القلب، وهو حبل الوريد: إذا قطع مات صاحبه»92.

      والمعنى: «ولو ادعى علينا شيئًا لم نقله لقتلناه صبرًا93، كما يفعل الملوك بمن يكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام، فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول: وهو أن يؤخذ بيده، وتضرب رقبته»94.

      وما دامت هذه العقوبة لم تقع بأحد منهم، فهذا يبين أنهم كانوا صادقين فيما بلغوه عن الله تعالى، وأن أحدًا منهم لم يفتر على الله كذبًا.

      ثانيًا: الأمانة:

      وهذه صفة قرينة لصفة الصدق التي سبقت، فلا يكون الكاذب أمينًا، كما أن الخائن يستحيل أن يكون صادقًا؛ لذا يلزم أن يكون الصادق أمينًا والأمين صادقًا، ومن ثم كانت هذه من الصفات الواجب توافرها في الأنبياء.

      وأن يكون النبي أمينًا، فهذا يعني أنه «يبلغ أوامر ربه ونواهيه إلى العباد دون زيادة أو نقص، كما قال الله تعالى: ( ﯡﯢ ) [الأحزاب: ٣٩]»95.

      والأنبياء جميعًا مؤتمنون على الوحي، يبلغون أوامر الله كما أنزلها إليهم، ولا يمكن لهم أن تجري عليهم الخيانة أبدًا «فهل يليق بنبي أن يكتم أمانته، فلا ينصح الأمة، ولا يبلغ رسالة الله»96.

      وهذا تجده واضحًا فيما جاء على لسان أغلب الرسل في القرآن الكريم، فكل واحد منهم قال لقومه: ( ﯿ ) [الشعراء: ١٠٧].

      فها هو نوح عليه السلام يقول لقومه: ( ﯿ ) [الشعراء: ١٠٧٠-١٠٨].

      وتأمل كيف أنه استخدم حرف التوكيد () مع أن أحدًا لم ينكر عليه أمانته «لأنه توقع حدوث الإنكار، فاستدل عليهم بتجربة أمانته قبل تبليغ الرسالة»97؛ لأنها دليل الصدق، فالأمانة «تقتضي ألا يكذب على الله، فيدعي عليه الرسالة وهو لم يرسله، وتقتضي الأمانة فيما يخبرهم، ومع الأمانة الرعاية والمحبة والإخلاص لهم، والبر بهم» 98.

      وها هو صالح عليه السلام يقول لقومه أيضًا: ( ﯿ ) [الشعراء: ١٤٣-١٤٤].

      وكذا قالها لوط وهود وشعيب وغيرهم.

      وأن تكون هذه مقالة الأنبياء لأقوامهم، فهذا يبين أن الله «لا يبعث الرسول إلا إذا كان معروفًا بالأمانة، وحسن الخلق قبل الرسالة»99 إذ لو كان الرسول خائنًا «لغير في الشرائع الإلهية، ولأفسد في الأحكام التي يتلقاها عن الله تعالى، فيضيع بذلك الغرض من رسالته، وهو الصلاح والعمل بأوامر الله -تعالى وحده-، والله تعالى لا يحب المفسدين، ولا يؤيد الخائنين، فكيف يؤيد من خانه وينصره ويظهره؟! فلا بد إذًا أن رسل الله تعالى قد كانوا جميعًا أمناء في تبليغ ما حملوا، ومن كمال صفة الأنبياء تبليغهم كل ما أرسلهم الله تعالى به، وأداء رسالتهم ووظيفتهم المتمثلة في ذلك، كما قال الله تعالى: ( ) [العنكبوت: ١٨].

      نماذج عملية من أمانة النبي صلى الله عليه وسلم:

      من صور الأمانة النبوية ما جاء ذكره في القرآن من عتابه تعالى لنبيه.

      قال تعالى: ( ﭿ ) [الأحزاب: ٣٧].

      تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (لو كان محمدٌ صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا مما أنزل عليه لكتم هذه الآية)100.

      ولكتم أيضًا عتاب الله له في قوله: ( ﯥﯦ ﯬﯭ ) [الأنفال: ٦٧].

      وفي قوله: ( )[عبس: ١-٢].

      فعدم كتمانه لشيء يدل على شدة أمانته.

      وهكذا يظهر لنا كيف أن الأمانة من الشروط التي يجب توافرها في الرسل والأنبياء «لتظل النفس مطمئنة إلى سلامة الوحي، وإلى كل ما جاء به النبي إنما هو أنه من عند الله، وصدق الله إذ يقول عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ( ) [النجم: ٣-٤]»101.

      ثالثًا: التبليغ عدم الكتمان:

      وهذه صفة عظيمة من صفات الرسل الكرام ويقصد بها «أن يبلغ الرسل أحكام الله، ويبلغوا الوحي الذي نزل عليهم من السماء، فلا يكتموا شيئًا مما أوحاه الله إليهم، حتى ولو كان في تبليغه للناس إيذاء عظيم لهم، أو شر مستطير يلحقهم من الأشرار والفجار»102.

      وقد أخبرنا تعالى أن نوحًا عليه السلام قال لقومه: ( ﭿ ﮂﮃ ﮋﮌ ) [الأعراف: ٥٩-٦٢].

      فها هنا نلحظ كيف أن نوحًا عليه السلام بعد أن نفى عن نفسه الضلالة «وصف نفسه بأربع صفات كريمة»103، كانت الثانية بعد إخباره أنه رسول هي أنه مبلغ لرسالات ربه عز وجل.

      وقد وردت هذه الصفة في أكثر من حوار للرسل مع أقوامهم.

      فنبي الله صالح عليه السلام قال: ( ) [الأعراف: ٧٩].

      وكذا شعيب عليه السلام قال: ( ﯥﯦ ) [الأعراف: ٩٣].

      ومما يظهر شدة وضوح هذه الصفة عند الرسل هو ما نلحظه من بدء بعض السور بـ(قل) كسورة الجن والكافرون والفلق والناس، فهي «أمر موجه للنبي صلى الله عليه وسلم ليبلغه لأمته»104، فأن يقول ذلك دونما زيادة أو نقص مما يدل على شدة الحرص على البلاغ وعدم الكتمان.

      قال تعالى: ( ) [الفلق: ١].

      وقال: ( ) [الناس: ١].

      لقد كان بوسع النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: «أعوذ برب الفلق، أعوذ برب الناس» دون اللفظة التي خوطب بها، ولكن تبليغه العبارات كما هي يظهر شدة الحرص على البلاغ.

      عن زر بن حبيشٍ قال: (سألت أبي بن كعب ٍعن المعوذتين؟ فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (قيل لي فقلت) فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) »105.

      وقد مر بنا قول عائشة رضي الله عنها: (لو كان محمدٌ صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا مما أنزل عليه لكتم هذه الآية ( ﭿ ) [الأحزاب: ٣٧])106.

      ومما يظهر أيضًا شدة الحرص على البلاغ، أن النبي برغم ما كان يخشى في بدايات الدعوة من المواجهات الشديدة مع أهل قريش إلا أنه ما أن أنزل الله عليه قوله: (ﭿ ) [الشعراء: ٢١٤].

      حتى (صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهرٍ، يا بني عديٍ -لبطون قريشٍ- حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبو لهبٍ وقريشٌ، فقال: (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟) قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقًا، قال: (فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٌ شديدٌ) فقال أبو لهبٍ: تبًّا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: ( ﮋﮌ ) [المسد: ١-٢]107. وهكذا يظهر لنا أن التبليغ وعدم الكتمان من صفات الرسل.

      رابعًا: العصمة:

      ومن الشروط التي ذكرها الله للأنبياء العصمة؛ ولهذه العصمة في حياة الأنبياء وجوه كثيرة، منها ما يلي:

    1. العصمة في التبليغ.

      الشرع والعقل يلزمان بعصمة الأنبياء في التبليغ؛ لأن القول بعدم عصمة الأنبياء يفضي إلى القدح في تبليغهم الرسالة، حيث يمكن نسبة الكذب أو الخطأ أو الزيادة أو النقص في التشريع، وهذا غير ممكن في حقهم؛ لأن الله قد عصمهم من ذلك.

      فهم معصومون في تحمل الوحي، وفيما يخبرون عن الله تعالى، فقد اتفقت الأمة أن الرسل معصومون في تحمل الرسالة108، فلا ينسون شيئًا مما أوحاه الله إليهم إلا شيئًا قد نسخ، وقد تكفل الله لرسوله بأن يقرئه فلا ينسى شيئًا مما أوحاه الله إليه، إلا شيئًا أراد الله أن ينسيه إياه.

      قال تعالى: ( ) [الأعلى: ٦-٧].

      وتكفل بأن يجمعه له في صدره فقال: ( ﯿ ) [القيامة: ١٦-١٨].

      وهم أيضًا معصومون في التبليغ، فالرسل لا يكتمون شيئًا مما أوحاه الله إليهم؛ وذلك لأن الكتمان خيانة، والرسل يستحيل أن يكونوا كذلك.

      قال تعالى: ( ﭿ ) [المائدة: ٦٧].

      ولو حدث شيء من الكتمان أو التغيير فإن عقاب الله يحل بهذا الكاتم المغير، كما قال تعالى: ( ﮋﮌ ) [الحاقة: ٤٤-٤٦].

      ومما يدل على العصمة في التبليغ، قوله تعالى: ( ) [النجم: ٣-٤].

      ومن عصمته عصمتهم في هذا الشأن فعصمته عصمتهم من الكذب مطلقًا في أي حال من الأحوال سواء في تبليغ الرسالة، أو في غيره من أخباره وأخبارهم وأحواله وأحوالهم الدنيوية قبل البعثة وبعدها.

      ويدل على هذا مبادرة الصحابة إلى تصديق الرسول في جميع أقواله، والثقة بجميع أخباره دون تردد أو توقف، بل قد أقرت قريش بصدقه عندما دعاهم في الصفا، كما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما نزلت: (ﭿ ) [الشعراء: ٢١٤].خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: (يا صباحاه). فقالوا من هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: (أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلًا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟) قالوا: ما جربنا عليك كذبًا، قال: (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)109.

      وقد قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به، فأنزل الله تعالى: ( ) [الأنعام: ٣٣]110.

      وكذلك حين سأل الأخنس بن شريق أبا جهل: «يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا من قريش أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا! فقال أبو جهل: ويحك، والله إن محمدًا لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟ »111.

      ومما يدل على ذلك قول أبي سفيان لهرقل عندما سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان مما سأل عنه: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، فقال هرقل: لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله112. وقوله لخديجة بعد أن لقيه جبريل في حراء: (قد خشيت على نفسي). فقالت له: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق في الحديث)113.

      ويكفيه في هذا الباب شهادة الله له بقوله: ( ) [القلم: ٤].

      فإنه متصف بكل خلق فاضل من الصدق والأمانة وصلة الرحم والجود وغيرها، فقد جمع الله له خصائل الخير كلها، فلم يدع إلا بالصادق الأمين.

      قال القاضي عياض: «وأما أقواله الدنيوية من إخباره عن أحواله وأحوال غيره، وما يفعله أو فعله، فقد قدمنا أن الخلف فيها ممتنع عليه في كل حال وعلى أي وجه، من عمد أو سهو أو صحة أو مرض أو رضا أو غضب، وأنه معصوم منه صلى الله عليه وسلم »114.

      وهذا الحكم فيما طريقه الخبر المحض مما يدخله الصدق والكذب، فأما المعاريض الموهم ظاهرها خلاف باطنها فجائز ورودها منه في الأمور الدنيوية، لا سيما لقصد المصلحة كتوريته عن وجه مغازيه؛ لئلا يأخذ العدو حذره، وكممازحته ومداعبته لبعض أصحابه؛ لكي يطيب قلوبهم، ويدخل المحبة والمسرة إلى نفوسهم.

      ومن هذا قوله لأحد أصحابه: (إني حاملك على ولد الناقة). فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهل تلد الإبل إلا النوق؟)115.

      أما النسيان في غير البلاغ وفي غير أمور التشريع فهي من الأغراض البشرية الجبلية التي تجوز على الأنبياء ولا تنافي العصمة في التحمل والتبليغ، ومن ذلك:

      - نسيان آدم وجحوده، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لما خلق الله آدم عليه السلام مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصًا من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلًا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ فقال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك، يقال له: داود، فقال: رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة، فلما قضي عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أولم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد آدم فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطئ آدم فخطئت ذريته)116.

      وكما وقع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حديث ذي اليدين الذي رواه البخاري ومسلم حيث سلم النبي صلى الله عليه وسلم من ركعتين في صلاة الظهر117.

      وقد صرح الرسول صلى الله عليه وسلم بطروء النسيان عليه كعادة البشر، ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولكن إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)118، قال هذا بعد نسيانه في إحدى الصلوات.

      أما حديث: (إني لا أنسى، ولكن أُنَسَّى لأسن)119 فلا يعارض به الحديث السابق؛ لأن هذا الحديث كما يقول ابن حجر: «لا أصل له، فإنه من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة بعد البحث الشديد» 120.

      وخلاصة القول في هذه المسألة: أن من الأمور الجائزة على الأنبياء السهو والنسيان فيما ليس طريقه البلاغ مطلقًا، وفيما طريقه البلاغ بشرطين:

      الأول: أن ذلك يقع منه بعد تبليغه لا قبل التبليغ.

      الثاني: أنه لا يستمر على نسيانه، بل يحصل له التذكر إما بنفسه وإما بغيره.

      وفائدة جواز السهو والنسيان في حقه صلى الله عليه وسلم بيان الحكم الشرعي فيما وقع فيه النسيان إذا وقع مثله لغيره.

      العصمة من تسلط الناس عليهم وتسلط السحرة:

      وهذا النوع من العصمة قد وعد الله به أنبياءه ورسله.

    2. العصمة من تسلط الناس.

      ونعني بهذا عصمتهم من تسلط الناس عليهم بالقتل.

      قال تعالى: ( ﭿ ) [المائدة: ٦٧].

      ففي هذه الآية يقول الله لنبيه: «بلغ أنت رسالتي، وأنا حافظك وناصرك ومؤيدك على أعدائك ومظفرك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل أحد منهم إليك بسوء يؤذيك»121.

      يقول أبو بكر الجصاص: «قد دل قوله تعالى: ( ) على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان من أخبار الغيوب التي وجد مخبرها على ما أخبر به؛ لأنه لم يصل إليه أحد بقتل ولا قهر ولا أسرٍ مع كثرة أعدائه»122.

      فالمراد إذًا عصمة النبي «من القتل أو الإهلاك»123؛ لأن ذلك هو الذي كان يهم النبي صلى الله عليه وسلم، «إذ لو حصل ذلك لتعطل الهدى الذي كان يحبه النبي للناس؛ إذ كان حريصًا على هدايتهم»124.

      وأما ما هو سوى ذلك من الإيذاء والضرر فذلك مما نال الرسول «ليكون ممن أوذي في الله، فقد رماه المشركون بالحجارة حتى أدموه، وشج وجهه»125.

      ومما يؤيد ذلك ما رواه أنس رضي الله عنه أن امرأةً يهوديةً أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاةٍ مسمومةٍ، فأكل منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن ذلك؟ فقالت: أردت لأقتلك، قال: (ما كان الله ليسلطك على ذاك) قالوا -أو قال عليٌّ-: ألا نقتلها؟ قال: (لا) قال: (فما زلت أعرفها في لهوات126رسول الله صلى الله عليه وسلم)127.

      فهاهنا يظهر كيف أن الله عصم رسوله من تسلط هذه المرأة عليه بالقتل.

      وكذلك تظهر عصمة الله لرسوله من القتل فيما جاء في قوله تعالى: ( ﮙﮚ ﮝﮞ ) [الأنفال: ٣٠].

      فهذه الآية تشير إلى ما كان من تشاور قريش بمكة في شأن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بعد أن رأوا أمره قد اشتهر، وأن غيرهم قد آمن به، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق، وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال: بعضهم بل أخرجوه، وكيف أنهم في النهاية اتفقوا على قتله، ولكن الله نجاه وعصمه من تسلطهم عليه بالقتل128.

      وتظهر عصمة الله لرسله من تسلط الناس عليهم من تتبع ما جاء عن الرسل وأقوامهم في القرآن.

      قال تعالى: ( ﮋﮌ ﮏﮐ ﮚﮛ ) [إبراهيم: ١٣-١٤].

      «فها هنا يخبر الرب الجليل كيف أنه لما تمادت الأمم في الكفر، وتوعدوا الرسل بأخذهم بالشدة، والإيقاع بهم أوحى الله إليهم بإهلاك من كفر بهم، ووعدهم بالنصر والغلب على أعدائهم»129.

      وكذلك حدثنا القرآن عن عصمته لنبيه نوح عليه السلام من القتل لما توعده قومه ( ﭿ ) [الشعراء: ١١٦-١١٩].

      والأمر نفسه مع نبي الله صالح عليه السلام حين تآمر عليه تسعة من المفسدين ليقتلوه، فأهلكهم الله وقومهم أجمعين، كما قال تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ) [النمل: ٤٨-٥١].

      وكذلك نجَّى الله عيسى عليه السلام من اليهود، ومنعهم من قتله، ورفعه تعالى إليه، كما قال عز وجل: ( ﭿ ) [النساء: ١٥٧].

      وهكذا يظهر لنا كيف أن الله يعصم رسله، ويمنعهم من تسلط الناس عليهم130.

    3. العصمة من تسلط السحرة.

      وقبل أن نوضح هذا نحب أن نوضح مذهب أهل السنة في مسألة السحر وحقيقته:

      ذهب أهل السنة أن للسحر حقيقة وأثرًا ثابتًا بالكتاب والسنة، قال النووي: «مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة»131.

      وقال القرطبي رحمه الله: «ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة»132. وقال أيضًا: «وعندنا أنه حق، وله حقيقة يخلق الله عندها ما يشاء»133. وقال الإمام ابن القيم: «وقد دل قوله تعالى: ( ) [الفلق: ٤].

      وحديث عائشة رضي الله عنها 134 على تأثير السحر، وأن له حقيقة»135.

    4. العصمة من تسلط السحرة عليهم.

      وقد عصم الله رسله وأنبياءه من أن تتسلط عليهم السحرة فتتلاعب بهم، فيكون في ذلك ما يكون من إعراض الناس عنهم، وتشككهم في حقيقة وحيهم، وما يبلغونه عن رب العزة.

      قال الليث: كتب إلي هشامٌ أنه سمعه ووعاه عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى كان ذات يومٍ دعا ودعا، ثم قال: (أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي، أتاني رجلان: فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما للآخر: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوبٌ، قال: ومن طبه؟ قال لبيد بن الأعصم، قال: في ماذا؟ قال: في مشطٍ ومشاقةٍ، وجف طلعةٍ ذكرٍ، قال فأين هو؟ قال: في بئر ذروان) فخرج إليها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع فقال لعائشة حين رجع: (نخلها كأنه رؤوس الشياطين). فقلت: استخرجته؟ فقال: (لا، أما أنا فقد شفاني الله، وخشيت أن يثير ذلك على الناس شرًّا) ثم دفنت البئر)136.

      فها هنا يظهر كيف أن الله عصم نبيه من تسلط السحرة عليه، وكيف أن السحر الذي أصيب به صلى الله عليه وسلم إنما كان متسلطًا على جسده وظواهر جوارحه فقط، لا على عقله وقلبه واعتقاده، فمعاناته من آثاره كمعاناته من آثار أي مرض من الأمراض التي يتعرض لها الجسم البشري لأي سبب كان، وقد سبق أن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم لا تستلزم سلامته من الأمراض والأعراض البشرية المختلفة.

      قال القاضي عياض: «وأما ما ورد من أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من تبليغه أو شريعته، أو يقدح في صدقه؛ لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا137.

      وإنما هذا فيما يجوز طروؤه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها، ولا فضل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان»138.

      ووقوع السحر للأنبياء لا يتعارض أبدًا مع حماية الله لهم «فإنه سبحانه كما يحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم، فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته، وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس، فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء، صبروا ورضوا، وتأسوا بهم، ولتمتلئ صاع الكفار، فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل، والعقوبة الآجلة، فيمحقهم بسبب بغيهم وعدوانهم، فيعجل تطهير الأرض منهم، فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم، وله الحكمة البالغة، والنعمة السابغة لا إله غيره، ولا رب سواه»139.

      وهكذا يظهر لنا عصمة الله لرسله وحمايته لهم من تسلط الناس والسحرة عليهم.

    5. العصمة من الذنوب.

      الذنوب منها صغائر وكبائر، وفيما يلي عرض لعصمة الأنبياء في كل منهما:

      أولًا: العصمة من الكبائر:

      الرسل معصومون من الكبائر باتفاق140.

      ثانيًا: العصمة من الصغائر:

      ذهب أكثر علماء الإسلام إلى أن الأنبياء ليسوا معصومين من الصغائر.

      يقول ابن تيمية: «القول بأن الأنبياء معصومون من الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضًا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول»141.

      وللعلماء عدد كبير من الأدلة على ذلك منها ما يلي:

      • معصية آدم بأكله من الشجرة التي نهي عنها.

        وهذه معصية لآدم عليه السلام صرح بها القرآن، فقال تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ﮯﮰ ) [طه: ١١٦-١٢١].

        فقوله تعالى: ( ) يوضح «تعمد آدم مخالفة نهي الله تعالى إياه عن الأكل من تلك الشجرة»142.

      • تسرع داود عليه السلام في الحكم.

        أخبر القرآن عن أن داود عليه السلام أتاه خصمان، ولكنه تسرع في الحكم قبل سماع حجة الخصم الآخر، فسارع إلى التوبة والاستغفار ( ﮭﮮ ﯟﯠ ﯮﯯ ) [ص ٢٤-٢٥].

      • خروج يونس عليه السلام من قومه بدون إذن ربه.

        وهذا مما حدثنا القرآن عنه، فقال: ( ) [الأنبياء: ٨٧].

        أي: أنه ظن «أن الله لن يضيق عليه ويؤاخذه بهذه المخالفة»143.

        وهذا يقتضي أنه «خرج خروجًا غير مأذون له فيه من الله»144.

        وكذلك ذكر القرآن عتاب الرب جل جلاله لمحمد عليه الصلاة السلام في أمور، كقوله تعالى: ( ﭘﭙ ﭜﭝ ) [التحريم: ١].

        وقوله: ( ) [عبس: ١-٣].

        وهكذا يظهر لنا جواز وقوع الصغائر من الأنبياء والرسل، وهذا لا شك لا يزري أبدًا بمناصبهم، ولا يحط من أقدارهم، ولا يقدح في رتبتهم، فهم لا يصرون على معصية، ويبادرون إلى التوبة والاستغفار، وهم بعد التوبة أكمل منهم قبلها.

    6. العصمة من الآفات والأمراض المنفرة.

      وهذه من خصائص الرسل الكرام، فإنه لا يمكن أن تصيبهم الأمراض والآفات التي تجعل الناس ينفرون من مجالستهم والاجتماع بهم، فهم وإن كانوا بشرًا «تصيبهم العوارض التي تصيب البشر إلا أن الله عز وجل قد صانهم من العيوب المنفرة، وسلمهم من الأمراض الشائنة التي تجعل النفوس تنفر منهم»145.

      وذلك لأن وظيفة الرسل تقوم على الاختلاط بالناس وملاقاتهم؛ ولذا كانوا على أكمل الصور وأحسنها، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام بقوله: (ليلة أسري بي رأيت موسى وإذا هو رجلٌ ضربٌ رجلٌ146، كأنه من رجال شنوءة)147148، وكذلك وصف عيسى عليه السلام بأنه (رجلٌ ربعةٌ149 أحمر، كأنما خرج من ديماسٍ)150 151.

      وقد جاء وصف الرسول صلى الله عليه وسلم في كتب السنة والسيرة فلم يرد فيها شيء مما ينفر، فقد كان سوي الخلقة، حسن الصورة، بأكمل ما يكون152.

      وقد أخبر القرآن أن النسوة لما رأين يوسف عليه السلام قلن: ( ) [يوسف: ٣١].

      ومن هذا يظهر أن ما يذكر عن الرسل عليهم السلام أو ما ينسب إليهم من عيوب إنما هو كذب مفترى؛ لذلك أنكر الله جل جلاله على الذين آذوا موسى عليه السلام، ونسبوا إليه بعض العيوب.

      قال تعالى: ( ﮞﮟ ) [الأحزاب: ٦٩].

      وهذه الأذية المشار إليها «هي قول بني إسرائيل لموسى لما رأوا شدة حيائه، وتستره عنهم: إنه ما يمنعه من ذلك إلا أنه آدر» أي: كبير الخصيتين، واشتهر ذلك عندهم، فأراد الله أن يبرئه منهم، فاغتسل يومًا، ووضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فأهوى موسى عليه السلام في طلبه، فمر به على مجالس بني إسرائيل، فرأوه أحسن خلق الله، فزال عنه ما رموه به»153 154. وبذلك يظهر كيف أن «الأنبياء في خلقهم وخلقهم على غاية الكمال»155.

      وكون الأنبياء على غاية الكمال في خلقتهم فهذا لا يمنع أبدًا من أنهم يمرضون ويصحون، ويشعرون بما يشعر به البشر من أوجاع عارضة كالصداع والحمى.

      فعن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فوضعت يدي عليه فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف، فقلت: يا رسول الله ما أشدها عليك! قال: (إنا كذلك يضعف لنا البلاء، ويضعف لنا الأجر) قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال: (الأنبياء) قلت: يا رسول الله ثم من؟ قال: (ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة يحوبها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء)156.

      وهكذا يظهر لنا كيف أن الأنبياء مبرؤون ومعصومون من الأمراض المنفرة، وهذا لا يمنع تعرضهم للأمراض و«لكن بمرض غير منفر»157.

      خامسًا: الذكورة:

      الذكورة من شروط الأنبياء والمرسلين، فلا يكون النبي إلا رجلًا، وقد أشار القرآن إلى هذا في غير ما موضع.

      قال تعالى: ( ﭘﭙ ) [النحل: ٤٣].

      وقال أيضًا: ( ) [يوسف: ١٠٩].

      ففي هذه الآية «يخبر تعالى أنه إنما أرسل رسله من الرجال لا من النساء، وهذا قول جمهور العلماء، كما دل عليه سياق هذه الآية الكريمة أن الله تعالى لم يوح إلى امرأة من بنات بني آدم وحي تشريع»158.

      وهذا يدل على أن الذكورة شرط للرسالة.

      قال تعالى: ( ﮢﮣ ) [الأنبياء: ٧].

      فقوله: ( ) يقتضي «أن ليس في النساء رسلًا، وهذا مجمع عليه»159.

      الحكمة من كون النبوة في الذكور:

      أن يكون كون الرسل ذكورًا فهذا لأسباب له حكم كثيرة، منها:

    1. الرسالة كثيرة الأعباء والمهمات، وتقتضي مقابلة الناس في مختلف الأوقات، والتنقل في أماكن عدة، ومجادلة أهل العناد والتكذيب، وكذا إعداد الجيوش وقيادة الجند، وكل هذا يناسب الرجال دون النساء.
    2. المرأة يطرأ عليها ما يقطعها، ويعطلها عن كثير من الوظائف والمهمات، كالحيض والحمل والولادة والنفاس، وكل هذا لا شك يمنع من القيام بأعباء الرسالة على الوجه الأكمل، والنحو الأمثل.

      وقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة بعض النساء ومن هؤلاء أبو الحسن الأشعري، والقرطبي، وابن حزم160.

      وقد رد جماهير العلماء هذه الأدلة بعدد من الوجوه، منها:

      • القول بنبوة كل من خاطبته الملائكة غير مسلم، ففي الحديث أن الله أرسل ملكًا لرجل يزور أخًا له في الله في قرية أخرى، فسأله عن سبب زيارته له، فلما أخبره أنه يحبه في الله، أعلمه أن الله قد بعثه إليه ليخبره أنه يحبه161، وقصة الأقرع والأبرص والأعمى معروفة162.
      • الرسول صلى الله عليه وسلم توقف في نبوة ذي القرنين مع إخبار القرآن بأن الله أوحى إليه ( ) [الكهف: ٨٦]163.
      • اصطفاء الله لمريم لا يقطع بنبوتها، فالله قد صرح بأنه اصطفى غير الأنبياء: ( ﭩﭪ ) [فاطر: ٣٢] وكذلك اصطفى الله آل إبراهيم وآل عمران على العالمين ( ) [آل عمران: ٣٣] ومن آلهما من ليس بنبي جزمًا.
      • الكمال الوارد في الحديث الذي احتجوا به لا يلزم منه النبوة؛ لأنه يطلق لتمام الشيء، وتناهيه في بابه، فالمراد بلوغ النساء الكاملات النهاية في جميع الفضائل التي للنساء، وعلى ذلك فالكمال هنا غير كمال الأنبياء وقد ورد في بعض الأحاديث النص على أن خديجة من الكاملات164وهذا يبين أن الكمال هنا ليس كمال النبوة.
      • وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران)165، فكون السيدة فاطمة كذلك، يبطل القول بنبوة من عدا مريم كأم موسى وآسية؛ لأن فاطمة ليست بنبية جزمًا، وقد نص الحديث على أنها أفضل من غيرها، فلو كانت أم موسى وآسية نبيتين لكانتا أفضل من فاطمة.
      • وصف مريم بأنها صديقة في مقام الثناء عليها والإخبار بفضلها. قال تعالى: ( ﯞﯟ ) [المائدة: ٧٥]. فلو كان هنا وصف أعلى من ذلك لوصفها به، ولم يأت في نص قرآني ولا في حديث نبوي صحيح فيه إخبار بنبوة واحدة من النساء166.

        وقد نقل عن جمهور الفقهاء أن مريم ليست بنبية، وذكر النووي في (الأذكار)167 عن إمام الحرمين أنه نقل الإجماع على أن مريم ليست نبية، وجاء عن الحسن البصري: ليس في النساء نبية ولا في الجن168.

        وهكذا يظهر أن الذكورة شرط لتحمل الرسالة، وأن الرسل ما كانوا إلا ذكورًا.

        مهمات النبوة

        للنبوة مهمات عظيمة نتناولها في النقاط الآتية:

        أولًا: الدعوة إلى التوحيد:

        من أعظم مهمات الأنبياء التي كلفهم الله بها الدعوة إلى توحيد الله، وإفراده بالعبادة.

        قال تعالى: ( ) [الأنبياء: ٢٥].

        أي: فكل الرسل الذين من قبلك مع كتبهم، زبدة رسالتهم وأصلها، الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وبيان أنه الإله الحق المعبود، وأن عبادة ما سواه باطلة169.

        فهذه الآية دالة على إجماع الرسل عليهم الصلاة والسلام على الدعوة إلى التوحيد، وأنهم أرسلوا به جميعًا، فهو مهمة جميع الرسل من نوح عليه السلام إلى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فكل واحد من الأنبياء والرسل عليهم السلام جاء يقول لقومه: ( ) [الأعراف: ٥٩].

        فهذه هي الغاية التي بعث الأنبياء والرسل من أجلها، والشرائع كلها تدعو إلى هذه الغاية العظيمة، وهي أعظم غاية من أجلها خلق الخلق، وأوجدت الكائنات؛ وقام عليها أمر السموات والأرض، وخلقت من أجلها الجنة والنار، وبعث لأجلها رسل الله عليهم الصلاة والسلام.

        والآيات الدالة على أن إرسال الرسل، وإنزال الكتب لأجل أن يعبد الله وحده كثيرة جدًا، ومنها قوله تعالى: ( ) [النحل: ٣٦].

        إلى غير ذلك من الآيات.

        يقول سيد رحمه الله: «والواقع أن تلك القضية الكبرى هي قضية القرآن كله، وقضية القرآن المكي بصفة خاصة، فتعريف الألوهية الحقة، وبيان خصائصها من الربوبية والقوامة والحاكمية، وتعريف العبودية وحدودها التي لا تتعداها والوصول من هذا كله إلى تعبيد الناس لإلههم الحق، واعترافهم بالربوبية والقوامة والحاكمية له وحده، هذا هو الموضوع الرئيس للقرآن كله، وما وراءه إن هو إلا بيان لمقتضيات هذه الحقيقة الكبيرة في حياة البشر بكل جوانبها، وهذه الحقيقة الكبيرة تستحق -عند التأمل العميق- كل هذا البيان الذي هو موضوع هذا القرآن، تستحق أن يرسل الله من أجلها رسله جميعًا، وأن ينزل بها كتبه جميعًا»170.

        ثانيًا: البشارة والنذارة:

        من أشرف المهمات التي كلف بها الرسل هي البشارة والنذارة، وكثيرًا ما نلحظ في الآيات أن الله يجمع بين مهمة النذارة والبشارة، فيقول: ( ﭿ ) [البقرة: ٢١٣].

        ( ﭿ ) [النساء: ١٦٥].

        وفي هذا إشارة إلى أن الجمع بينهما هو خير أنواع الحث والحض؛ وما ذلك إلا لأن «النفس الإنسانية مطبوعة على طلب الخير لذاتها، ودفع الشر عنها، فإذا بصر الرسل النفوس بالخير العظيم الذي يحصلونه من وراء الإيمان والأعمال الصالحة؛ فإن النفوس تشتاق إلى تحصيل ذلك الخير، وعندما تبين لها الأضرار العظيمة التي تصيب الإنسان من وراء الكفر والضلال؛ فإن النفوس تهرب من هذه الأعمال»171.

        فالرسل إذًا مبشرون برحمة الله، وبما أعده الله لأهل الإيمان من السعادة في الدنيا، وعند الموت، وفي القبر وفي أرض الحشر، وفي دار السعداء في جنةٍ عرضها السماوات والأرض.

        قال تعالى: ( ﭿ ) [البقرة: ٢١٣].

        وقال أيضًا: ( ﭿ ) [النساء: ١٦٥].

        ( )[الأنعام: ٤٨].

        ففي هذه الآيات يظهر لنا كيف أن «المقصود من بعثة الأنبياء أن يبشروا الخلق على اشتغالهم بعبودية الله»172 يبشروا «من أطاع الله بثمرات الطاعات من الرزق، والقوة في البدن والقلب، والحياة الطيبة، وأعلى ذلك، الفوز برضوان الله والجنة»173.

        والبشارة هي «الإخبار بما يسر قبل أن يقع»174. ولما كان الأنبياء والرسل يأتون بما يخالف الأهواء وتأباه النفوس فلا غرو كان حاجتهم شديدة للبشارة، وما ذلك إلا لأنها تهيئ السامع بما تحويه من ترغيب، فيبادر إلى التنفيذ والامتثال بكل عزمه وطاقته.

        وتأمل كيف أن الإنسان شديد الحرص على المال ولنفسه تعلق كبير به، ولكنه حينما تأتيه بشارة كقوله تعالى: ( ) [الحديد: ١١].

        حينما يسمع مثل هذه البشارة العظيمة والتي تعده بمضاعفة الأجر وزيادته، فلاشك أن أصابعه ستنبسط للعطاء، وسيقبل عليه بنفس منشرحة 175.

        وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لما نزلت هذه الآية: ( ) [الحديد: ١١]. (قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله، وإن الله ليريد منا القرض؟ قال: (نعم يا أبا الدحداح). قال: أرني يدك يا رسول الله، قال: فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، وله حائط فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها، قال: فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل. وفي رواية أنها قالت له: ربح بيعك يا أبا الدحداح، ونقلت منه متاعها وصبيانها، فقال صلى الله عليه وسلم: (كم من عذقٍ رداح في الجنة لأبي الدحداح). وفي لفظ: (رب نخلة مدلاة عروقها در وياقوت لأبي الدحداح في الجنة)176.

        وهكذا تفعل البشارة في القلوب؛ ولذا كان النبي دومًا يوصي أصحابه بالتبشير؛ لأنه أعون على جذب القلوب فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدًا من أصحابه في بعض أمره، قال: (بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا)177.

        والذي يتأمل في دعوات الرسل لأقوامهم يدرك حضور البشارة دومًا في ثنايا كلامهم.

        فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه: ( ﯿ ) [نوح: ١٠-١٢].

        وهذا هود عليه السلام يقول لقومه: ( ﯿ ) [هود: ٥٢].

        والنبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الثانية حيث بايع الأنصار على حرب الأحمر والأسود، نلحظ كيف أنه لما اشترط عليهم أن يمنعوه ويقاتلوا دونه، بشرهم بأن الجنة هي جزاء الوفاء178.

        وهكذا يظهر لنا كيف أن التبشير مهمة أصيلة من مهام الرسل.

        وكذلك النذارة فهي من أعظم مهمات الأنبياء التي كلفهم الله بها، أن يقوموا بإنذار الناس ما أعده الله من العذاب لمن خالف أمره وعصاه.

        قال تعالى: ( ) [الكهف: ٥٦].

        وقال تعالى: ( ) [النحل: ٢].

        والإنذار: «هو الإعلام المقترن بتهديد وتخويف، وكل إنذار إعلام، وليس كل إعلام إنذارًا»179.

        والنذارة من أعظم وظائف الأنبياء، وهي من مظاهر رحمة الله بخلقه؛ إذ جعل أنبيائه منذرين عقوبته لمن عصاه؛ حتى يتلافى الإنسان أسباب الهلاك والخسارة.

        قال تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ) [فاطر: ٢٤].

        وقال تعالى عن نبيه: ( ) [سبأ: ٤٦].

        وقال: ( ) [الفرقان: ١].

        ونلحظ في هذه الآية أنه قال: () و«هو من البركة»180.

        ثم بين في ختام الآية أن عبده محمدًا صلى الله عليه وسلم نذير، والإنذار -كما سبق- فيه تخويف، فكيف يجتمعان؟!

        هذا ما أجاب عنه الرازي رحمه الله بقوله: «أن الإنذار يجري مجرى تأديب الولد، وكما أنه كلما كانت المبالغة في تأديب الولد أكثر كان الإحسان إليه أكثر؛ لما أن ذاك يؤدي في المستقبل إلى المنافع العظيمة، فكذا هاهنا كلما كان الإنذار كثيرًا كان رجوع الخلق إلى الله أكثر، فكانت السعادة الأخروية أتم وأكثر»181.

        فالمقصود أن هذا الإنذار المكلف به الرسل إنما هو من رحمة الله بخلقه وعنايته بهم.

        ولما كان الرسل يأتون الناس بأوامر ونواهي تكبح جماح النفس، وتروضها كان لابد لهم في ذلك من البشارة -كما مر- ولكن أيضًا يحتاجون كذلك وبشدة إلى النذارة، فبعض الناس يكفيه التبشير، وبعضهم لا يستجيب إلا بالتخويف والترهيب، من أجل ذلك كانت النذارة من صلب مهمات الرسل، حتى نجد القرآن قصر في بعض آياته مهمتهم عليه.

        يقول تعالى: ( ) [الزخرف: ٢٣].

        وقال الله لنبيه: ( ) [هود: ١٢].

        وقال نوح عليه السلام: ( ) [الشعراء: ١١٥].

        وقال تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ) [فاطر: ٢٤].

        فاقتصر سبحانه على الإنذار «لأن أبرز جانب في حياة الرسل هو الجانب الإنذاري، حيث كانت حياتهم جهادًا متصلًا لأهل الكفر والضلال»182.

        والمقصود أن البشارة والنذارة من أعظم مهمات الأنبياء، وأبرز جوانب حياتهم.

        ثالثًا: الحكم بما أنزل الله:

        الحكم بما أنزل الله ليس بالأمر الهين فهو من المقاصد العظيمة، والغايات الكبيرة التي تحتاج في سبيلها بذل الغالي والثمين والنفس والنفيس؛ وذلك لأنها تلقى معارضة شديدة من «الكبراء والطغاة وأصحاب السلطان الموروث؛ ذلك أنه سينزع عنهم رداء الألوهية الذي يدعونه، ويرد الألوهية لله خالصة، حين ينزع عنهم حق الحاكمية والتشريع والحكم بما يشرعونه هم للناس مما لم يأذن به الله، وستواجهه معارضة أصحاب المصالح المادية القائمة على الاستغلال والظلم والسحت؛ ذلك أن شريعة الله العادلة لن تبقي على مصالحهم الظالمة، وستواجهه معارضة ذوي الشهوات والأهواء والمتاع الفاجر والانحلال؛ ذلك أن دين الله سيأخذهم بالتطهر منها، وسيأخذهم بالعقوبة عليها، وستواجهه معارضة جهات شتى غير هذه وتيك وتلك ممن لا يرضون أن يسود الخير والعدل والصلاح في الأرض»183 فهي إذًا مهمة لا يقوى عليها إلا النفوس الكبيرة، والقلوب العظيمة؛ ولذا جعلها الله من مهمات رسله وأنبيائه الكرام.

        قال تعالى: ( ﮆﮇ ﮋﮌ ﮘﮙ ﮢﮣ ) [المائدة: ٤٤].

        ففي هذه الآية يخبرنا المولى جل جلاله كيف أنه أنزل التوراة فيها هدى ونور، وكيف أنه قد «حكم بها النبيون -الذين انقادوا لحكم الله، وأقروا به- بين اليهود، ولم يخرجوا عن حكمها ولم يحرفوها»184. وهذا يبين شدة التزام الرسل والأنبياء، وفرط عنايتهم بهذا الأمر.

        وقال تعالى: ( ﯿ ﰇﰈ ) [ص: ٢٦].

        وفي هذه الآية يظهر كيف أن الله جعل داود عليه السلام خليفة، وعرفه أن مهمته هي الحكم بما أنزل الله ( ﯿ ) أي: «فاحكم بينهم بالعدل وبشريعة الله التي أنزلها عليك»185 وتفريع أمره بالحكم بين الناس بالحق على جعله خليفة «للدلالة على أن ذلك واجبه»186. وهذا يوضح أن قضية الحكم بما أنزل الله من المهمات التي حملها الله لرسله.

        وقد جاءت آيات كثيرة تأمر النبي صلوات الله وسلامه عليه بالحكم بما أنزل، ومنها قوله تعالى: (ﭿ ﮊﮋﮌ ﮐﮑ ) [المائدة: ٤٨].

        أي: فاحكم يا محمد «بما أنزل الله إليك في هذا الكتاب العظيم»187 ومهمة الرسول في الحكم بما أنزل الحكم بما أنزل الله ليست لبعض الناس دون بعض، وإنما هي لعموم الناس، وتأمل كيف أنه قدم () [المائدة: ٤٨].

        للاعتناء ببيان تعميم الحكم لهم188.

        ومما يدل على شدة خطورة هذه المهمة إظهار لفظ الجلالة ( ﮐﮑ) [المائدة: ٤٨].

        فهذا الإظهار «لتربية المهابة»189و كذا تحذير النبي من اتباع أهواء من يتحاكمون إليه، وفي هذا لاشك دلالة على أهمية هذه المهمة، وأنها لا تقبل التفريط فيها بحال.

        وبعد هذه الآية مباشرة جاء التأكيد على النبي في وجوب التزامه في أحكامه بما أنزل الله مرة أخرى ( ) [المائدة: ٤٩].

        وذلك لتأكيد هذا الأمر «لأن اليهود كانوا لا يكفون عن محاولتهم فتنته صلى الله عليه وسلم»190.

        أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قال كعب بن أسد وابن صوريا وشاس بن قيس بعضهم لبعضٍ: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه! فأتوه. فقالوا: يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم، وأنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا، وأن بيننا وبين قومنا خصومة، فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، ونؤمن لك ونصدقك! فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله فيهم ( ) [المائدة: ٤٩].إلى قوله: ( ) [المائدة: ٥٠]»191.

        يريد بذلك بيان أن الحكمة في إنزال هذه الآية «إقرار النبي على ما فعل، والأمر بالثبات على ما سار عليه من التزام حكم الله، وعدم الانخداع لليهود»192.

        وهناك نماذج عملية كثيرة ذكرها القرآن لحكم نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بما أنزل الله تعالى، منها الآتي:

        روى الإمام مسلم عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: (مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهوديٍ محممًا مجلودًا، فدعاهم صلى الله عليه وسلم، فقال: (هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قالوا: نعم، فدعا رجلًا من علمائهم، فقال: (أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟) قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثر في أشرافنا، فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، قلنا: تعالوا فلنجتمع على شيءٍ نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه) فأمر به فرجم، فأنزل الله عز وجل: ( ) إلى قوله: ( ) [المائدة: ٤١].يقول: ائتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا، فأنزل الله تعالى: ( ) [المائدة: ٤٤].

        ( ) [المائدة: ٤٥].

        ( ﭳﭴ ) [المائدة: ٤٧] في الكفار كلها193.

        وروى الإمام أحمد عن خولة بنت ثعلبة قالت: (في -والله- وفي أوس بن صامتٍ أنزل الله جل جلاله صدر سورة المجادلة، قالت: كنت عنده وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه وضجر، قالت: فدخل علي يومًا فراجعته بشيءٍ فغضب، فقال: أنت علي كظهر أمي، قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعةً، ثم دخل علي، فإذا هو يريدني على نفسي، قالت: فقلت: كلا والذي نفس خويلة بيده، لا تخلص إلي وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه، قالت: فواثبني وامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابها، ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه، فجعلت أشكو إليه ما ألقى من سوء خلقه، قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا خويلة ابن عمك شيخٌ كبيرٌ فاتقي الله فيه). قالت: فوالله ما برحت حتى نزل في القرآن، فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سري عنه، فقال لي: (يا خويلة، قد أنزل الله فيك وفي صاحبك) ثم قرأ علي: ( ﭞﭟ ) [المجادلة: ١]. إلى قوله: ( ) [المجادلة: ٤]. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مريه فليعتق رقبةً). قالت: فقلت: والله يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: (فليصم شهرين متتابعين). قالت: فقلت: والله يا رسول الله إنه شيخٌ كبيرٌ ما به من صيامٍ، قال: (فليطعم ستين مسكينًا، وسقًا من تمرٍ). قالت: فقلت: والله يا رسول الله ما ذاك عنده، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإنا سنعينه بعرقٍ من تمرٍ). قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله سأعينه بعرقٍ آخر، قال: (قد أصبت وأحسنت، فاذهبي فتصدقي عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرًا). قالت: ففعلت)194.

        وبذلك يظهر كيف أن الحكم بما أنزل الله من مهمات الرسل العظيمة التي قام بها الرسل والتزموها، نسأل الله أن يوفقنا لحسن التزام أحكامه.

        رابعًا: الشهادة على الأمة:

        من مهمات الأنبياء الجليلة والخطيرة في آنٍ الشهادة على أممهم؛ وذلك يوم القيامة، يوم يجمع الله الأولين والآخرين في موقف عظيم مهيب، فيشهد الأنبياء والمرسلون بأنهم بلغوا أممهم رسالات الله، ويشهدوا بما كان من أممهم من إيمان وكفر، وتصديق وتكذيب.

        قال تعالى: ( ) [النحل: ٨٤].

        «وشاهد كل أمة نبيها، يشهد عليها بتصديقها وتكذيبها»195.

        وقال تعالى: ( ) [النحل: ٨٩].

        قال القرطبي: «هم الأنبياء شهداء على أممهم يوم القيامة بأنهم قد بلغوا الرسالة، ودعوهم إلى الإيمان»196.

        فإذا شهد الأنبياء بما بلغوا به أقوامهم، وبما كان من أقوامهم من تصديق وتكذيب؛ سقطت كل حجة للمكذبين، وبطل كل عذر، وفضحوا على رؤوس الأشهاد؛ ولذا قال الله تعالى: ( ) [النحل: ٨٤].

        فقوله: «( ) في الاعتذار؛ لأن اعتذارهم بعدما علم يقينًا بطلان ما هم عليه اعتذار كاذب لا يفيدهم شيئًا ( ) وإن طلبوا أيضًا الرجوع إلى الدنيا ليستدركوا لم يجابوا ولم يعتبوا، بل يبادرهم العذاب الشديد الذي لا يخفف عنهم من غير إنظار ولا إمهال من حين يرونه»197.

        ويقول صاحب الظلال رحمه الله: «الذين كفروا واقفون لا يؤذن لهم في حجة ولا استشفاع، ولا يطلب منهم أن يسترضوا ربهم بعمل أو قول، فقد فات أوان العتاب والاسترضاء، وجاء وقت الحساب والعقاب»198.

        ولأجل هذا المعنى بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ علي) قلت: يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: (نعم). فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: ( ) [النساء: ٤١]. قال: (حسبك الآن) فالتفت إليه، فإذا عيناه تذرفان199.

        فالنبي -لما أودع الله في قلبه من الرحمة- يبكي؛ لأنه يعلم أن بشهادته وشهادة إخوانه من الأنبياء يهلك كل من كذب وكفر.

        فكل نبي من الأنبياء شهيد على أمته، يشهد بين يدي ربه يوم القيامة بأنه بلغ قومه، وأدى رسالة ربه، فلا يجد المكذبون يومئذٍ مفرًا ولا مهربًا.

        ومن خصائص الأمة المحمدية أن الله جعلها ونبيها صلى الله عليه وسلم شهداء على الناس يوم القيامة، وشهداء للرسل صلوات الله عليهم وتسليماته.

        وبشهادتهم يضيق على المكذبين كل سبيل للإنكار، ويزدادون إحراجًا وتبكيتًا.

        وقد جاء هذا في بعض آيات القرآن الحكيم، وفي بعض الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

        قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٤٣].

        «فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا عدولًا؛ لتكونوا شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ، أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها، ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيدًا عليكم، بإيمانكم به، وبما جاءكم به من عندي»200.

        وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمدٌ وأمته، فيدعى وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا، فذلك قوله: ( ) قال: يقول: عدلًا ( ) [البقرة: ١٤٣].)201.

        «فإذا قال قائل: كيف تشهد وهي لم تر؟ نقول: لكنها سمعت عمن خبره أصدق من المعاينة صلى الله عليه وسلم»202.

        «فإن قيل: كيف يقبل حكمهم على غيرهم والحال أن كل مختصمين غير مقبول قول بعضهم على بعض؟ قيل: إنما لم يقبل قول أحد المتخاصمين لوجود التهمة، فأما إذا انتفت التهمة وحصلت العدالة التامة، كما في هذه الأمة فإنما المقصود الحكم بالعدل والحق، وشرط ذلك العلم والعدل وهما موجودان في هذه الأمة، فقبل قولها، فإن شك شاك في فضلها وطلب مزكيًا لها فهو أكمل الخلق نبيهم صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٤٣]»203.

        وجاء في أكثر من آية -كما مر معنا- أن الأنبياء يشهدون يوم القيامة على أممهم، كقوله تعالى: ( ) [النحل: ٨٤].

        وكقوله: ( ﭧﭨ ) [النحل: ٨٩].

        ولكن هناك آية قد توهم خلاف هذا، وهي قوله تعالى: ( ﭘﭙ ﭝﭞ ) [المائدة: ١٠٩].

        ففي قولهم: ( ﭝﭞ ) [المائدة: ١٠٩].

        ما يوهم التعارض بين هذه الآية وما ذكر قبلها من الآيات الدالة على إثبات الشهادة لهم.

        وقد أجاب العلماء رحمهم الله عن هذا الاستشكال بأجوبة كثيرة، فقالوا:

        أولًا: لم يكن ذلك من الرسل إنكارًا أن يكونوا عالمين بما عملت أممهم، ولكنهم ذهلوا عن الجواب من هول ذلك اليوم، ثم أجابوا بعد أن ثابت إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم، وهذا القول حكاه الطبري عن السدي والحسن ومجاهد204.

        ثانيًا: «قيل: يعلمون أن الغرض بالسؤال توبيخ أعدائهم، فيكلون الأمر إلى علمه وإحاطته بما منوا به منهم، وكابدوا من سوء إجابتهم، إظهارًا للتشكي واللجأ إلى ربهم في الانتقام منهم؛ وذلك أعظم على الكفرة، وأفت في أعضادهم، وأجلب لحسرتهم وسقوطهم في أيديهم، إذا اجتمع توبيخ الله، وتشكي أنبيائه عليهم»205.

        ثالثًا: قيل: معنى قوله: ( ﭘﭙ) [المائدة: ١٠٩].

        ماذا عملوا بعدكم؟ قالوا: ( ﭝﭞ ) [المائدة: ١٠٩].

        ويشبه هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يرد علي أقوام الحوض فيختلجون، فأقول: أمتي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)206207.

        رابعًا: قيل: معنى الآية: لا علم لنا إلا علمًا أنت أعلم به منا. وهو محكي عن ابن عباس208.

        وقال الطبري معلقًا: «وقول ابن عباس أصوب هذه المناحي؛ لأنه يتخرج على التسليم لله تعالى، ورد الأمر إليه، إذ قوله: ( ﭘﭙ) علم عندهم في جوابه إلا بما شوفهوا به مدة حياتهم، وينقصهم ما في قلوب المشافهين من نفاق ونحوه، وما ينقصهم ما كان بعدهم من أمتهم، والله تعالى يعلم جميع ذلك على التفصيل والكمال»209.

        سنة الله في النبوة

        لله تعالى سنن في اصطفاء من يصلح لمقام النبوة نتناولها فيما يلي:

        أولًا: أن يكونوا من البشر:

        مما اقتضته سنة الله تعالى في أنبيائه المبعوثين إلى خلقه أن يكونوا بشرًا، قال جل جلاله: ( ) [الكهف: ١١٠].

        وقال تعالى: ( ) [إبراهيم: ١١].

        وقال: ( ﭿ ) [فصلت: ٦].

        فكل الظروف التي تحيط بنا تحيط بالرسل، وكل الضغوط يتحملونها، والبيئات يعيشونها، والملابسات يمرون بها، فلذلك حينما ينتصرون على أنفسهم يكون الأنبياء حجة علينا، ولا يقنع الإنسان أن يكون النبي ملكًا، فلا بد من أن يكون من بني البشر، يشتهي كما نشتهي، ويحب كما نحب، ويغضب كما نغضب، ولكنه انتصر على نفسه وسار على منهج الله، ودعا إلى الله. فالأنبياء ما هم إلا خلق من خلق الله، اصطفاهم الله لرسالاته، وأيدهم بوحيه، ورفعهم على خلقه بهذا الاصطفاء، لكنهم بشر يأكلون ويشربون وينكحون، ويصيبهم ما يصيب البشر من الأمراض، ويجري عليهم من أمر الموت ما يجري على البشر جميعًا.

        ولما كان الأنبياء بشرًا كسائر البشر نجد أنهم كانت تعتريهم أمور من مقتضيات البشرية التي كتبها الله على بني البشر، ومن هذه الأمور:

      1. أنهم يجوعون ويأكلون.

        فالبشر جميعًا يجوعون ويأكلون فطرةً، وقد أخبر الله تعالى في أكثر من آية أن الأنبياء كانوا كذلك، يجوعون فيأكلون.

        قال تعالى: ( ﯞﯟ ﯢﯣ ) [المائدة: ٧٥].

        وقال: ( ﮢﮣ ) [الأنبياء: ٧-٨].

        وقال: ( ﮚﮛ ) [الفرقان: ٧].

        وقال: ( ﯭﯮ ﯳﯴ ) [الفرقان: ٢٠].

      2. يتزوجون.

        قال تعالى مبينًا أن الزواج سنة الأنبياء والمرسلين من قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ( ﮤﮥ ﮮﮯ ) [الرعد: ٣٨].

        يقول الطبري في تفسير الآية: «يقول تعالى ذكره: ( ) يا محمد ( ) إلى أمم قد خلت من قبل أمتك، فجعلناهم بشرًا مثلك، لهم أزواج ينكحون، وذرية أنسلوهم، ولم نجعلهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون، فنجعل الرسول إلى قومك من الملائكة مثلهم، ولكن أرسلنا إليهم بشرًا مثلهم، كما أرسلنا إلى من قبلهم من سائر الأمم بشرًا مثلهم»210.

        وقال تعالى عن زكريا: ( ) [الأنبياء: ٩٠].

        وقال عن أيوب: ( ) [ص: ٤٣].

        وقال الرجل الصالح لموسى: ( ) [القصص: ٢٧].

        وقال الله أيضًا عن موسى: ( ) [القصص: ٢٩].

        وقال عن نبيه: ( ) [الأحزاب: ٥٠].

        فهذه الآيات جميعًا تبين أن الأنبياء كانوا يتزوجون وينكحون النساء كسائر البشر.

      3. يقومون بأعمال بشرية.

        الأنبياء بشر، كانوا يعملون كسائر البشر، ويزاولون ما كان البشر يزاولونه من أعمال.

        فموسى عليه السلام يستأجره الرجل الصالح ليعمل معه فيما عنده من أعمال: ( ﮬﮭ ﯢﯣ ﯨﯩ ﯮﯯ ) [القصص: ٢٦-٢٧].

        وداود يصنع دروعًا لتحمي المحاربين في ساحات المعارك من وقع الأسلحة عليهم.

        قال تعالى: ( ﯟﯠ ) [الأنبياء: ٨٠].

        ونوح يصنع الفلك بنفسه، قال تعالى عنه: ( ) [هود: ٣٧].

        وبينت السنة أن ما من أحد من الأنبياء إلا ورعى الغنم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم) فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: (نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)211.

        وهكذا كان الأنبياء يقومون بأعمال بشرية كسائر البشر.

      4. يتعرضون للبلاء.

        فإن الأنبياء كسائر الخلق يتعرضون للبلاء، وينالهم الأذى أحيانًا، بل إن أكثر الناس بلاء هم الأنبياء، قال صلى الله عليه وسلم: (إن من أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)212.

        وذكر القرآن الكثير من بلاءات الرسل، فيوسف عليه السلام سجن، قال تعالى عنه: ( ) [يوسف: ٤٢].

        ويعقوب عليه السلام ذهب بصره، قال تعالى عنه: ( ) [يوسف: ٨٤].

        وبيع ولده يوسف بعد خطفه.

        وإبراهيم عليه السلام ألقي في النار المؤججة.

        قال تعالى: ( ) [الصافات: ٩٧].

        ويونس عليه السلام التقمه الحوت، فلبث في بطنه ما شاء الله له، قال تعالى عنه: ( )[الصافات: ١٤٢].

        وأيوب عليه السلام ابتلي بالمرض.

        قال تعالى: ( )[الأنبياء: ٨٣].

        ومحمد عليه السلام أخرج من أحب البلاد إليه، قال تعالى عن نبيه محمد: ( ) [التوبة: ٤٠].

        إلى غير هذا مما هو معروف ومشهور في القرآن والسنة.

      5. يموتون.

        قال تعالى: ( ﭻﭼ ﭿ ﮃﮄ ﮋﮌﮍ ) [آل عمران: ١٤٤].

        وقال سبحانه لنبيه: ( ) [الزمر: ٣٠].

        وقال مخاطبًا نبيه أيضًا: ( ﯳﯴ ) [الأنبياء: ٣٤].

        وقد مات كل الأنبياء عليهم صلوات الله وتسليماته غير أن أجسادهم لا تبلى كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم 213.

        الحكمة من جعل الرسل من البشر:

        ولقد اعترض أعداء الرسل وخصومهم على كون الرسل بشرًا، وكان هذا من أعظم ما صد الناس عن الإيمان واتباع هدى الله.

        قال تعالى: ( ) [الإسراء: ٩٤].

        بل إنهم جعلوا من بشرية الرسل سببًا لتقبيح السير وراءهم أو اتباع هديهم ( ) [المؤمنون: ٣٤].

        ( ) [القمر: ٢٤].

        وقد اقترح أعداء الرسل أن يكون الرسل الذين يبعثون إليهم من الملائكة يعاينونهم ويشاهدونهم، أو على الأقل يبعث مع الرسول البشري رسولًا من الملائكة ( ) [الفرقان: ٢١].

        ( ﮚﮛ ) [الفرقان: ٧].

        لكن حكمة الله شاءت أن يكون أنبياؤه بشرًا، وليسوا ملائكة، وجعل لهذه الحكمة العديد من الفوائد لمن تأمل نصوص الكتاب العزيز، ومن هذه الفوائد ما يلي:

      1. يسهل اتباعهم والأخذ عنهم.

        فمن لطف الله ورحمته بعباده أن جعل الأنبياء المبعوثين إليهم رسلًا؛ لأنه لو جعل الأنبياء ملائكة مثلًا لما تيسر للبشر أن يأخذوا عنهم العلم والإيمان، ولما تمكنوا من فهمهم ومواجهتهم لاختلاف الجنس.

        يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ( ) [الإسراء: ٩٥]: «يقول تعالى منبهًا على لطفه ورحمته بعباده: إنه يبعث إليهم الرسول من جنسهم؛ ليفقهوا عنه ويفهموا منه، لتمكنهم من مخاطبته ومكالمته، ولو بعث إلى البشر رسولًا من الملائكة لما استطاعوا مواجهته، ولا الأخذ عنه، كما قال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٦٤]؛ ولهذا قال ها هنا: ( ) [الإسراء: ٩٥].

        أي: كما أنتم فيها ( ) أي: من جنسهم، ولما كنتم أنتم بشرًا، بعثنا فيكم رسلنا منكم لطفًا ورحمة»214.

        «فمن رحمة الله عز وجل بخلقه أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق رسلًا منهم؛ ليدعو بعضهم بعضًا، وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض في المخاطبة والسؤال، كما قال تعالى: ( ) [آل عمران: ١٦٤]»215.

      2. قدرة البشر على القيادة والتوجيه.

        فمن حكم جعل الأنبياء بشرًا وليس ملائكة أن البشر أقدر على القيادة والتوجيه، وهم الأصلح ليكونوا قدوة وأسوة.

        يقول سيد قطب رحمه الله في هذا: «وإنها لحكمة تبدو في رسالة واحد من البشر إلى البشر، واحد من البشر يحس بإحساسهم، ويتذوق مواجدهم، ويعاني تجاربهم، ويدرك آلامهم وآمالهم، ويعرف نوازعهم وأشواقهم، ويعلم ضروراتهم وأثقالهم، ومن ثم يعطف على ضعفهم ونقصهم، ويرجو في قوتهم واستعلائهم، ويسير بهم خطوة خطوة، وهو يفهم بواعثهم وتأثراتهم واستجاباتهم؛ لأنه في النهاية واحد منهم، يرتاد بهم الطريق إلى الله بوحي من الله وعون منه على وعثاء الطريق.

        وهم من جانبهم يجدون فيه القدرة الممكنة؛ لأنه بشر مثلهم، يتسامى بهم رويدًا رويدًا، ويعيش فيهم بالأخلاق والأعمال والتكاليف التي يبلغهم أن الله قد فرضها عليهم، وأرادها منهم، فيكون بشخصه ترجمة حية للعقيدة التي يحملها إليهم، وتكون حياته وحركاته وأعماله صفحة معروضة لهم، ينقلونها سطرًا سطرًا، ويحققونها معنى معنى، وهم يرونها بينهم، فتهفوا نفوسهم إلى تقليدها؛ لأنها ممثلة في إنسان»216.

      3. صعوبة رؤية الملائكة.

        لقد مر بنا كيف أن الكفار اقترحوا أن يكون الرسل إليهم ملائكة؛ وذلك لأنهم لا يدركون طبيعة الملائكة، ولا يعلمون مدى المشقة والعناء الذي سيلحق بهم من جراء ذلك.

        فالاتصال بالملائكة ورؤيتهم أمر ليس بسهل أبدًا، فالرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه أفضل الخلق، وهو على جانب عظيم من القوة الجسمية والنفسية عندما رأى جبريل على صورته أصابه هول عظيم217، وقد كان صلى الله عليه وسلم يعاني من اتصال الوحي به شدة218، ولذلك قال تعالى في الرد عليهم: ( ) [الفرقان: ٢٢].

        «ذلك أن الكفار لا يرون الملائكة إلا حين الموت أو حين نزول العذاب، فلو قدر أنهم رأوا الملائكة لكان ذلك اليوم يوم هلاكهم»219.

      4. أقوى في إقامة الحجة.

        إذ لو قدر أن كان الأنبياء ملائكة لأمكن للناس أن يحتجوا بعدم قدرتهم على اتباعهم، وتقليدهم لاختلاف جنسهم عن جنس الملائكة، ولقالوا هذا ملك له قدرات وطاقات تختلف عن طاقاتنا وقدراتنا، فالله عز وجل لو جعل أنبياءه ملائكة لسقطت الحجة، فلحكمة أرادها الله جعل أنبياءه ورسله من بني البشر، ولولا أن النبي بشرٌ يعاني ما يعانيه البشر، وتجري عليه كل خصائص البشر لما كان سيد البشر، ولما كان حجة أمامنا، لو أن النبي ملك لا يشتهي، لا يتألم، لا يخاف، كيف يكون قدوة لنا؟ فلا بد من أن يكون هذا الرسول أو ذاك النبي من بني البشر، يعاني ما يعانيه البشر.

      5. أبلغ في التحدي.

        من حكمة جعل الله أنبياءه بشرًا أن يكون ذلك أكثر تحديًا للناس، فمن المعروف أن الأنبياء يأتون أقوامهم بآيات ومعجزات، وأنباء من الغيب يطلعهم الله عليها أحيانًا، فلو قدر أن كان الأنبياء ملائكة لكان ذلك أقل تحديًا للناس، لكن كونهم بشرًا لهم قدرات البشر وإمكاناتهم، ثم يأتون بما يعجز البشر عن الإتيان بمثله، فهذا دليل، ولاشك على أنهم رسل الله الموحى إليهم من قبله.

        يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: ( ) [الكهف: ١١٠]: «فمن زعم أني كاذب فليأت بمثل ما جئت به، فإني لا أعلم الغيب فيما أخبرتكم به من الماضي، عما سألتم من قصة أصحاب الكهف، وخبر ذي القرنين، مما هو مطابق في نفس الأمر، لولا ما أطلعني الله عليه»220.

        هذا على أنه يجدر بنا أن نبين ختامًا أن الأنبياء مع طبيعتهم البشرية الخالصة إلا أنهم «يعدون إعدادًا خاصًا لتحمل النبوة والرسالة، ويصنعون صنعًا فريدًا ( ) [طه: ٤١].

        واعتبر في هذا بحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كيف رعاه الله وحاطه بعنايته على الرغم من يتمه وفقره ( ﮋﮌ ) [الضحى: ٦ - ٨]»221.

        ثانيًا: أن يكونوا بلسان قومهم:

        جرت سنة الله تعالى في خلقه ألا يبعث نبيًا ولا رسولًا إلا بلسان قومه.

        قال تعالى: ( ) [إبراهيم: ٤].

        بلسان قومه: أي: بلغتهم222.

        وهذا من تمام منة الله وفضله على عباده «أنه ما أرسل رسولًا ( ) ما يحتاجون إليه، ويتمكنون من تعلم ما أتى به، بخلاف ما لو كانوا على غير لسانهم، فإنهم يحتاجون إلى أن يتعلموا تلك اللغة التي يتكلم بها، ثم يفهمون عنه، فإذا بين لهم الرسول ما أمروا به ونهوا عنه وقامت عليهم حجة الله ( ) ممن لم ينقد للهدى ( ) ممن اختصه برحمته»223.

        فمن لوازم سنة الله في الأنبياء والمرسلين أن يكونوا بلسان قومهم؛ لأن المقصود من إرسالهم هداية الناس وإرشادهم إلى الحق والخير، وهذا لا يتأتى لهم على الوجه الأكمل والنحو الأفضل إلا إذا كانوا موافقين لأقوامهم في لغتهم.

        «وهذه نعمة شاملة للبشر في كل رسالة، فلكي يتمكن الرسول من إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، لم يكن بد من أن يرسل بلغتهم؛ ليبين لهم وليفهموا عنه، فتتم الغاية من الرسالة»224.

        وهذا من تمام رحمة الله بخلقه -كما بينا- وهو كذلك من تمام الرسالة، وكمال حجة الله على خلقه، ومن تأمل كتاب الله يجد أن الأنبياء والمرسلين كثيرًا ما وصفوا أو وصفت معجزاتهم أو كتبهم بالبيان والوضوح والظهور، قال تعالى في حق الكتاب: ( ) [النحل: ٨٩].

        وقال: ( ﭻﭼ ﭿ ) [المائدة: ١٥].

        وقال: ( ) [الأنعام: ٥٥].

        وقال عن نبيه: ( ) [الأعراف: ١٨٤].

        وقال في عصا موسى: ( ) [الأعراف: ١٠٧].

        فقد جعل الله تعالى كتابه مبينًا، وآياته مبينة، ووصف نبيه بأنه مبين، ولاشك أن من أهم أدوات البيان اللغة، فهي أهم أدوات التواصل بين البشر؛ ولذا اقتضت سنة الله في رسله وأنبيائه أن يكونوا بلسان قومهم؛ ليكونوا في أعلى درجات البيان.

        فـ«كل رسول لله جل ثناؤه أرسله إلى قوم فإنما أرسله بلسان من أرسله إليه، وكل كتاب أنزله على نبي، ورسالة أرسلها إلى أمة فإنما أنزله بلسان من أنزله أو أرسله إليه»225.

        وإرسال الرسل بلسان أقوامهم «أبلغ في الحجة وأقطع للعذر، فربما كانوا يقولون عند اختلاف الألسنة: لا نفهم عنهم؛ إذ قالوا ذلك مع اتفاق اللغات، فقد قال قوم شعيب عليه السلام: ( ) [هود: ٩١].

        هذا وهو يخاطبهم بلسانهم، فكيف لو كان على خلاف ذلك؟! »226.

        يقول ابن القيم: فـ«لم يرسل الله رسولًا إلا بلسان قومه ليبين لهم، فتقوم عليهم الحجة بما فهموه من خطابه لهم» 227.

        كما أن إرسالهم بلسان قومهم أدعى للفهم وأعون عليه؛ لذا ما أرسل رسول «إلى أمة من الأمم إلا بلغة قومه الذين أرسل إليهم، ليفهمهم ما أرسل به بسهولة ويسر»228.

        استشكال ودفعه:

        من المعلوم أن الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يبعثون إلى قومهم خاصة، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بعث إلى الخلق عامة، لكن رسالته جاءت بلسان قومه الذين بعث فيهم وهم العرب، فكان القرآن بلسان عربي مبين، وهنا قد يظن البعض أن لغير العرب حجة أو عذرًا في ترك الاهتداء بالقرآن لأنهم لا يفهمونه؟

        وقد أجاب على هذه الشبهة القاسمي رحمه الله فقال: «لا يخلو إما أن ينزل بجميع الألسنة أو بواحد منها، فلا حاجة إلى نزوله بجميع الألسنة؛ لأن الترجمة تنوب عن ذلك، وتكفي التطويل، فبقي أن ينزل بلسان واحد، فكان أولى الألسنة لسان قوم الرسول؛ لأنهم أقرب إليه، فإذا فهموا عنه وتبينوه وتنوقل عنهم وانتشر، قامت التراجم ببيانه وتفهيمه، كما ترى الحال وتشاهدها من نيابة التراجم في كل أمة من أمم العجم، مع ما في ذلك من اتفاق أهل البلاد المتباعدة والأقطار المتنازحة والأمم المختلفة والأجيال المتفاوتة على كتاب واحد، واجتهادهم في تعلم لفظه وتعلم معانيه، وما يتشعب من ذلك من جلائل الفوائد، وما يتكاثر في إتعاب النفوس وكد القرائح فيه من القرب والطاعات المفضية إلى جزيل الثواب؛ ولأنه أبعد من التحريف والتبديل وأسلم من التنازع والاختلاف؛ ولأنه لو نزل بألسنة الثقلين كلها مع اختلافها وكثرتها، وكان مستقلًا بصفة الإعجاز في كل واحد منها، وكلم الرسول العربي كل أمة بلسانها، كما كلم أمته التي هو منها - يتلوه عليهم معجزًا- لكان ذلك أمرًا قريبًا من الإلجاء»229230.

        ثالثًا: تزويدهم بالآيات:

        لما كان الأنبياء سفراء الله إلى خلقه يدعون الناس إلى الإيمان بهم وتصديقهم فيما يخبرونهم عنه، ويسألونهم طاعتهم فيما يأمرون به وفيما ينهون عنه؛ ولما كان الأنبياء يأتون أقوامهم بما يخالف عادتهم، كان لزامًا أن يقيموا الأدلة والبراهين على صدق نبوتهم وبعثتهم من قبل الله تعالى؛ حتى يقطعوا عن الناس الشك والريب في أمرهم، وحتى تكون هذه الأدلة والبراهين دليلًا واضحًا على صدق نبوتهم، وأيضًا خطًا فاصلًا بين النبي حقًا ومن يدعي النبوة.

        لهذه الأسباب وغيرها كان تأييد الله تعالى لأنبيائه بالآيات الواضحات التي تثبت لدى كل منصف صدقهم في دعوتهم.

        قال تعالى: ( ) [الحديد: ٢٥].

        () أي: «بالحجج والبراهين القاطعة على صحة ما يدعون إليه»231.

        وقال تعالى: ( ) [الروم: ٤٧].

        () يعني: «بالواضحات من الحجج على صدقهم، وأنهم لله رسل»232.

        فالله تعالى قد جعل «دلائل الأنبياء وأعلامهم الدالة على صدقهم كثيرة متنوعة، كما أن دلائل كذب المتنبئين كثيرة متنوعة»233 وما ذلك إلا لأنه أبلغ في إقامة الحجة على الناس بأن هؤلاء الأنبياء هم رسل الله إلى خلقه وأنهم صادقون فيما يبلغون عنه، وفيما يظهرونه من أمر الوحي.

        والآية في اللغة هي: «العلامة، والجميع: الآي»234. وقوله تعالى: ( ) [فصلت: ٥٣].

        قال الزجاج: «معناه: نريهم الأعلام التي تدل على التوحيد في الآفاق»235.

        وقد عرفت الآية في الاصطلاح بأنها: «أعلام ودلائل يؤيد بها الله -تبارك اسمه- عباده الأنبياء عليهم السلام؛ ليدل بها على صدقهم، ولا يمكن لأحد من المكلفين أن يعارضها معارضة حقيقية، أو أن يأتي بمثلها عن طريق التعلم والتدرب للوصول إلى ذلك؛ إذ هي أمور خارقة تفوق قدرة المكلفين»236.

        وكثيرًا ما كان يطلق بعض العلماء على الآية لفظ المعجزة فيستعملهما بمعنى واحد، أو يعبر عن آيات الأنبياء بالمعجزات، غير أن هذه الكلمة -المعجزة-لم يرد ذكرها لا في الكتاب ولا في السنة. يقول ابن تيمية عليه رحمة الله: «ليس في الكتاب والسنة لفظ المعجزة، وليس في الكتاب والسنة تعليق الحكم بهذا الوصف، وإنما فيه آيات وبراهين»237.

        ١. آية كل رسول.

        جعل الله تعالى لكل نبي من أنبيائه ما يدل على صدقه، ويرغم الناس على الاستسلام له ولما جاء به، وقد سمى الله ما آتاه أنبياءه مما يدل على صدقهم: آية، وفي بعض المواطن: بينة، وفي البعض الآخر: برهان.

        فمما جاء بلفظ الآية قوله تعالى: ( ) [الأنعام: ٤].

        أي: «دلالة ومعجزة وحجة، من الدلالات على وحدانية الرب عز وجل، وصدق رسله الكرام، فإنهم يعرضون عنها، فلا ينظرون فيها ولا يبالون بها»238.

        وأما ما جاء بلفظ البينة فكثير، منه قوله تعالى: ( ﭿ ) [التوبة: ٧٠].

        وقوله: () «يريد بالمعجزات، وهي بينة في أنفسها»239.

        ومما ورد بلفظ البرهان قوله تعالى: ( ﮦﮧ ﮮﮯ ) [القصص: ٣٢].

        ونلاحظ أن الله عز وجل أحيانًا يعين لنا آية النبي، وأحيانًا لا يعينها لنا.

        وما عينه الله من ذلك فكثير مشهور كمعجزة نبي الله إبراهيم، ومعجزة نبيه صالح، ومعجزة نبيه موسى، ومعجزة نبيه عيسى، ومعجزة نبيه محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

        فهؤلاء الأنبياء قد ذكر الله لنا بعض الآيات التي أجراها على أيديهم ونص لنا عليها.

        ومن الأنبياء من لم يعين الله لنا آيته أو معجزته، كنبي الله هود، فإن الله ذكر أن له بينة، لكنه لم يذكر ماذا كانت؟ ولا كيف كانت؟ قال تعالى: ( ﮯﮰ ﯚﯛ ﯥﯦ ﯬﯭ ) [هود: ٥٠-٥١].

        ( ﯛﯜ ) [الشعراء: ١٢٣- ١٢٧].

        حتمًا أظهر الله لهود آية دالة على صدقه كحال غيره من الأنبياء، كما قال تعالى: ( ﭿ ) [التوبة: ٧٠].

        ففي هذه الآية ذكر الله قوم عاد -الذين هم قوم هود عليه السلام من جملة الأقوام الذين أخبر الله عنهم بقوله: ( ) فهذا يعني أن هودًا أتى قومه ببينة أو معجزة، لكن الله لم ينص عليها ولم يعينها.

        وكذا الحال في شعيب عليه السلام وقومه منصوص عليهم في الآية السابقة أيضًا، وهم أصحاب مدين، لكن الله أيضًا لم يعين لنا البينة التي أتى بها قومه.

        وقد قال الله عنه: ( ﭿ ) [الأعراف: ٨٥].

        يقول الزمخشري: «فإن قلت: ما كانت معجزته؟ قلت: قد وقع العلم بأنه كانت له معجزة، لقوله: ( ) ولأنه لابد لمدعي النبوة من معجزة تشهد له وتصدقه، وإلا لم تصح دعواه، وكان متنبئًا لا نبيًا، غير أن معجزته لم تذكر في القرآن كما لم تذكر أكثر معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم فيه»240.

        والمقصود أن من الأنبياء من عين الله لنا آيته التي جاء بها قومه، ونص عليها في القرآن، ومنهم لم يعين الله لنا آيته.

        ٢. أنواع الآيات.

        «إذا استقرأنا الآيات والمعجزات التي أعطاها الله لرسله وأنبيائه نجدها تندرج تحت ثلاثة أمور: العلم والقدرة والغنى.

        فالإخبار بالمغيبات الماضية والآتية كإخبار عيسى قومه بما يأكلونه وما يدخرونه في بيوتهم، وإخبار رسولنا صلى الله عليه وسلم بأخبار الأمم السابقة، وإخباره بالفتن وأشراط الساعة التي ستأتي في المستقبل كل ذلك من باب العلم.

        وتحويل العصا أفعى، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، وشق القمر وما أشبه هذا من باب القدرة.

        وعصمة الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من الناس، وحمايته له ممن أراد به سوءًا، ومواصلته للصيام مع عدم تأثير ذلك على حيويته ونشاطه من باب الغنى.

        وهذه الأمور الثلاثة: العلم، والقدرة، والغنى، التي ترجع إليها المعجزات لا ينبغي أن تكون على وجه الكمال إلا لله تعالى، ولذلك أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالبراءة من دعوى هذه الأمور ( ﮬﮭ ) [الأنعام: ٥٠]»241.

        وقد كان من سنة الله في رسله عادة أن يظهر على أيديهم آيات من جنس ما برع فيه أقوامهم؛ ليكون أقوى في التحدي، وأظهر في الحجة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من الأنبياء نبيٌ إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيًا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة)242.

        يقول ابن حجر رحمه الله معلقًا: «كانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه كما كان السحر فاشيًا عند فرعون، فجاءه موسى بالعصا على صورة ما يصنع السحرة، لكنها تلقفت ما صنعوا ولم يقع ذلك بعينه لغيره، وكذلك إحياء عيسى الموتى وإبراء الأكمه والأبرص لكون الأطباء والحكماء كانوا في ذلك الزمان في غاية الظهور فأتاهم من جنس عملهم بما لم تصل قدرتهم إليه؛ ولهذا لما كان العرب الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في الغاية من البلاغة جاءهم بالقرآن الذي تحداهم أن يأتوا بسورة مثله، فلم يقدروا على ذلك»243.

        ٣. نماذج من آيات الأنبياء.

        في القرآن كثير من الآيات التي تبين تأييد الله تعالى لأنبيائه بالآيات والمعجزات، وفيما يلي عرض لبعضها:

      1. آية إبراهيم عليه السلام.

        أيد إبراهيم عليه السلام ببعض الآيات التي بينت صدق نبوته وصحة بعثته من قبل الله، وكان من أعظم آياته صلى الله عليه وسلم ما كان من إنجاء الله له من النار التي ألقاه قومه فيها؛ وذلك بعد أن حطم إبراهيم أصنامهم إلا كبيرًا لهم، فعزم قومه على إحراقه في النار العظيمة فنجاه الله منها.

        قال تعالى: ( ) [الأنبياء: ٦٨-٧٠].

        وقال تعالى: ( ﭞﭟ ) [العنكبوت: ٢٤].

      2. آية صالح عليه السلام.

        لما دعا صالح عليه السلام ثمود إلى عبادة الله وحده، ونبذ ما عداه كذبه قومه وقالوا له: ( ) [الشعراء: ١٥٤].

        فلما طلبوا منه آية تثبت صحة دعواه آتاه الله الناقة آية مبصرة بينة، شاهدة بصدق نبوته.

        قال تعالى: ( ) [الإسراء: ٥٩].

        وذكر بعض المفسرين أن ثمود اجتمعوا يومًا في ناديهم، فلما جاءهم صالح عليه السلام يعظهم طلبوا منه آية على صدق نبوته، فدعا صالح ربه فأخرج لهم الناقة من الصخرة244.

      3. آية موسى عليه السلام.

        تعددت الآيات التي أرسل الله بها موسى إلى بني إسرائيل.

        قال تعالى: ( ) [الإسراء: ١٠١].

        وهذه الآيات التسع هي:

        العصا: وهي المذكورة في قوله تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ﮋﮌ ) [طه: ١٧-٢٠].

        تلألؤ يده إذا أدخلها في جيبه ثم نزعها: وذلك قوله تعالى: ( ) [طه: ٢٢].

        إصابة بني إسرائيل بما يلي: السنين ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.

        وقد ورد ذكر هذه الآيات في آيتين من سورة الأعراف، قوله تعالى: ( ) [الأعراف: ١٣٠].

        وقوله تعالى: ( ﭿ ) [الأعراف: ١٣٣].

        على أن أعظم الآيات التي آتاها الله موسى عليه السلام هي آية العصا التي انقلبت حية فآمن على إثرها السحرة.

        قال تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ) [الشعراء: ٤٣ - ٤٨].

        وقد كانت هذه الآية على مرأى ومسمع من بني إسرائيل وفي مقام التحدي لفرعون وملئه، فأظهر الله بها موسى عليهم، وخر السحرة ساجدين.

      4. آية عيسى عليه السلام.

        ورد في القرآن العديد من الآيات التي أيد الله بها نبيه عيسى عليه السلام على قومه؛ لتبرهن على صدق نبوته وصحة بعثته، ومن هذا ما يلي:

        • يخلق من الطين كهيئة الطير، ثم ينفخ فيه فيجعله طيرًا بإذن الله.
        • يبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله.
        • يحيي الموتى بإذن الله.

          وهذه الآيات كلها يجمعها قوله تعالى: ( ﭿ ) [المائدة: ١١٠].

        • إنزال المائدة من السماء.

          وذلك حين طلب منه بنو إسرائيل ذلك؛ إذ قالوا: ( ﯦﯧ ) [المائدة: ١١٢-١١٣].

          فدعا عيسى عليه السلام ربه فأجابه ربه، وأنزل عليهم مائدة من السماء ( ﭢﭣ ﭭﭮ ) [المائدة: ١١٤ - ١١٥].

      5. آية نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم.

        أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد تعددت آيات نبوته بقدر قدره الكريم وقيمة الرسالة المبعوث بها.

        • القرآن أعظم الآيات.

          القرآن الكريم كتاب عظيم أوحي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الكتاب العظيم يحمل بين دفتيه عددًا كبيرًا من التشريعات التي تكفل للإنسانية حياة طيبة رضية إن التزمها الناس وعملوا بها، وقد جعل الله تعالى هذا الكتاب وحيًا على الناس الإيمان به والعمل بما فيه، وفي الوقت نفسه جعله آية عظيمة، فلا يحتاج إلى آية من خارجه، فهو في نفسه آية، ولما طلب الكفار آية على صدق ما جاء به النبي بقولهم: ( ) [العنكبوت: ٥٠].

          كان الجواب: ( ﯝﯞ ) [العنكبوت: ٥١].

          «وفي هذا الرد إنكار عليهم أن يطلبوا آيات مع هذه الآيات التي تتلى عليهم، إنها آيات لا تغرب شمسها، ولا يخبو ضوؤها أبد الدهر»245.

          «وقوله: ( ) عبارة تنبئ عن كون القرآن آية فوق الكفاية؛ وذلك لأن القائل إذا قال: أما يكفي للمسيء أن لا يضرب حتى يتوقع الإكرام ينبئ عن أن ترك الضرب في حقه كثير، فكذلك قوله: ( ) وهذا لأن القرآن معجزة أتم من كل معجزة تقدمتها»246.

          فالقرآن أعظم الآيات وأظهر المعجزات لا يحتاج إلى آية، وإنما هو الآية التي عجز الفصحاء والبلغاء من أساطين البلاغة والبيان عن معارضته أو مشابهته حين تحداهم الله بقوله: ( ) [البقرة: ٢٣].

          ولما عجزوا عن هذا كان عجزهم دليلًا على صدقه، وبرهانًا على حقيقة نبوته.

          و«شاء الله تعالى أن تكون معجزة محمد صلى الله عليه وسلم نمطًا مخالفًا لمعجزات الرسل، وكان الله قادرًا على أن ينزل معجزة حسية تذهل من يراها: ( ) [الشعراء: ٤].

          فلو شاء الله تعالى لأنزل من السماء آية قاهرة لا يملكون معها جدالًا ولا انصرافًا عن الإيمان، ويصور خضوعهم لهذه الآية في صورة حسية: ( ) ملوية محنية، حتى لكأن هذه هيئة لهم لا تفارقهم، فهم عليها مقيمون، ولكنه تعالى شاء أن يجعل معجزة هذه الرسالة الأخيرة آية غير قاهرة، لقد جعل آيتها القرآن، منهاج حياة كاملة، معجزًا في كل ناحية، معجزًا في بنائه التعبيري، وتنسيقه الفني، معجزًا في بنائه الداخلي، وتناسق أجزائه وتكاملها، معجزًا في يسر مداخله إلى القلوب والنفوس، ولمس مفاتيحها، وفتح مغاليقها، واستجاشة مواضع التأثر والاستجابة فيها، وعلاجه لعقدها ومشكلاتها في بساطة ويسر عجيبين، وفي تربيتها وتصريفها وفق منهجه بأيسر اللمسات، دون تعقيد ولا التواء ولا مغالطة»247.

          أيضًا «فإن القرآن معجزة أتم من كل معجزة تقدمتها لوجوه:

          أحدها: أن تلك المعجزات وجدت وما دامت، فإن قلب العصا ثعبانًا مثلًا، وإحياء الميت لم يبق لنا منه أثر، فلو لم يكن واحد يؤمن بكتب الله ويكذب بوجود هذه الأشياء لا يمكن إثباتها معه بدون الكتاب، وأما القرآن فهو باقٍ لو أنكره واحد فنقول له: فأت بآية من مثله.

          الثاني: هو أن قلب العصا ثعبانًا كان في مكان واحد ولم يره من لم يكن في ذلك المكان، وأما القرآن فقد وصل إلى المشرق والمغرب وسمعه كل أحد»248.

        • الإسراء والمعراج.

          من الآيات الشاهدة على صدق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الوارد ذكرها في القرآن آية الإسراء والمعراج، وإليها الإشارة في قوله تعالى: ( ﭡﭢ ) [الإسراء: ١].

          وقوله تعالى: ( ) [الإسراء: ٦٠].

          وفي هذه الرحلة أسرى الله بنبيه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به منه إلى السموات العلا، حيث رأى من آيات ربه الكبرى وإلى ذلك الإشارة في الآيات: ( ﮋﮌ ) [النجم: ١١-١٨].

          وأخبار الرحلة مشهورة في كتب الأحاديث.

        • انشقاق القمر.

          مما أظهره الله تعالى من الآيات العظيمة التي تبين صدق نبيه في دعواه آية «انشقاق القمر» وإليه الإشارة بقوله: ( ) [القمر: ١-٢].

          وفي هذه الآية شق الله تعالى لنبيه القمر شقين حتى رأى بعض الصحابة جبل حراء بينهما، (فعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آيةً، فأراهم القمر شقتين، حتى رأوا حراءً بينهما)249.

          وعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: (انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اشهدوا)250.

          وهكذا يتضح لنا كيف أن الله جل جلاله يؤيد رسله بالآيات الكثيرة التي تدلل على نبوتهم وصدقهم فيما يدعون الناس إليه.


1 انظر: العين، الفراهيدي ٨/٣٨٢.

2 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/ ٣٨٥، لسان العرب، ابن منظور ١/١٦٣.

3 انظر: لسان العرب ١/١٦٤.

4 انظر: مجمل اللغة، ابن فارس ص٨٥٣، معاني القراءات، الأزهري ١/١٥٣.

5 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٥/ ٣، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٥٣، القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ص٣٤٥.

6 غريب الحديث، الخطابي ٣/١٩٣.

7 معجم لغة الفقهاء ص ٤٧٤.

8 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٦٨٥-٦٨٧، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب النون ص١٣٠٣-١٣٠٦.

9 انظر: عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٤/١٣٤-١٣٦، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٥/١٤-١٥، المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٧٨٨-٧٨٩، مختار الصحاح، الرازي، ص٣٠٣.

10 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٦/ ٩٣.

11 الكليات، الكفوي ص٤٧٦.

12 انظر: الكليات ص٥٥٧.

13 انظر: المصدر السابق.

14 انظر: المغرب في ترتيب المعرب، الخوارزمي ص٤٩٦.

15 انظر: الكليات، الكفوي ص٥٥٧.

16 شرح العقيدة الواسطية، محمد خليل هراس ١/٦٣-٦٤ بتصرف.

17 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/١٦.

18 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/ ١٦، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٥٢٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٨٧، أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٣٢٢.

19 فتح البيان، القنوجي ٨/ ١٠٩.

20 العقيدة في ضوء الكتاب والسنة، الرسل والرسالات، عمر الأشقر ص٢١-٢٢.

21 فتح الباري، ابن حجر ٦/ ٤١٩.

22 الشفا بتعريف حقوق المصطفى ٢/ ٣٧٣.

23 النبوة والأنبياء، للصابوني ١/١٣-١٤.

24 أخرجه الطبراني في الكبير ٨/٢١٧.

وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ٣/١٥٩٩، رقم ٥٧٣٧.

25 أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب قول الله: (واذكر في الكتاب مريم)، ٤/١٦٧، رقم ٣٤٤٣.

26 إغاثة اللهفان، ابن القيم ٢/٣٤٨.

27 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٣/٩٥٧.

28 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٣٤٢.

29 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦/١١.

30 تيسير الكريم الرحمن ص٢١٢.

31 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١/١٤٥.

32 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٧٣٩ بتصرف.

33 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٠٩.

34 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٨٤.

35 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣٠٥.

36 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/٩٢.

37 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٦.

38 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٦٠.

39 تفسير المراغي ١٤/٢١.

40 التفسير الوسيط، طنطاوي ١/٩٦.

41 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه)، ٤/١٣٤، رقم ٣٣٤٠.

42 محاسن التأويل، القاسمي ١/٢٨٩.

43 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٥١.

44 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه)، ٤/١٣٥، رقم ٣٣٤٠.

45 تفسير المراغي ١/٢٠٩.

46 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/١١٢.

47 الداء والدواء، ابن القيم ص١٩٠.

48 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن بناء المساجد، على القبور، ١/٣٧٧، رقم ٥٣٢.

49 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٣/٩١٢.

50 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٧٥.

51 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٣٠.

52 المصدر السابق بتصرف.

53 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٧٣.

54 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٦٩٢.

55 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٣١.

56 محاسن التأويل، القاسمي ٣/٤٧٨.

57 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٣.

58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله: (يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم)، ٤/١٦٥، رقم ٣٤٣٦.

59 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٢٤٧.

60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب قتل الخنزير، ٣/٨٢، رقم ٢٢٢٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم، ١/١٣٥، رقم ١٥٥.

61 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب الدجال وصفته، ٤/٢٢٥٠، رقم ٢٩٣٧.

62 مجموع فتاوى ابن تيمية ٤/٣٢٢-٣٢٣.

63 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١١/٧٢٦.

64 لا يقدح في كون النبي خاتم النبيين نزول عيسى بعده، لأن معنى ختمه للنبوة أن لا ينبأ أحد بعده، وعيسى ممن نبىء قبله، وحين ينزل إنما ينزل عاملًا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، مصليًا إلى قبلته، كأنه بعض أمته.

انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/١٠٦ بتصرف.

65 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣٧٩.

66 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التيمم، ١/ ٧٤، رقم ٣٣٥ ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، ١/٣٧٠، رقم ٥٢١.

67 الكشاف، الزمخشري ٢/١٦٦.

68 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١١/٨١٢.

69 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٣٨٧ بحذف يسير.

70 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٠٣.

71 جامع البيان، الطبري ١٧/٥٢٦ بتصرف.

72 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٣٦٩.

73 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٤٢.

74 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٤/١٠٠٢.

75 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٦٣.

76 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٥/١٠٨١-١٠٨٢.

77 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٨٧٩.

78 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٢٣٢.

79 تفسير الشعراوي ١٣/٧٧٦١.

80 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٧٠.

81 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهود، ٣/١٢٠، رقم ٢٤١١.

82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وإن يونس لمن المرسلين)، ٤/١٥٩، رقم٣٤١٤.

83 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٢٦١-٢٦٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٧١، فتح الباري، ابن حجر ٦/٤٤٦.

84 التفسير الميسر ص١٦٤.

85 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/ ٣٢٥.

86 جامع البيان، الطبري ١٨/٢١١.

87 المصدر السابق ١٨/٢٠٢.

88 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٥٤٢.

89 انظر: تفصيل القصة في صحيح البخاري في بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ١/٨، رقم ٧، وصحيح مسلم، كتاب المغازي، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، رقم ١٧٧٣.

90 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٦٢.

91 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/٢٧٥.

92 الكشاف، الزمخشري ٤/ ٦٠٧.

93 يقال للرجل يقدم فتضرب عنقه: قتل صبرًا، يعني أنه أمسك على الموت.

انظر: تهذيب اللغة ١٢/١٢١.

94 الكشاف، الزمخشري ٤/ ٦٠٧.

95 النبوة والأنبياء، الصابوني ص٤٤-٤٥.

96 المصدر السابق.

97 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/١٥٨.

98 زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/٥٣٧٧.

99 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/١٦٤.

100 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: (ولقد رآه نزلة أخرى)، ١/١٦٠، رقم ١٧٧.

101 النبوة والأنبياء، الصابوني ص٤٥.

102 المصدر السابق.

103 التفسير الوسيط، طنطاوي ٥/٢٩٨.

104 النبوة والأنبياء، الصابوني ص٤٥.

105 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (الله الصمد)، ٦/١٨١، رقم ٤٩٧٦.

106 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: (ولقد رآه نزلة أخرى)، ١/١٦٠، رقم ١٧٧.

107 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (وأنذر عشيرتك الأقربين)، ٦/١١١، رقم ٤٧٧٠.

108 نقل الإجماع على العصمة في هذا أكثر من واحد.

انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١٠/ ٢٩١، لوامع الأنوار البهية، السفاريني ٢/ ٣٠٤.

109 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله: (فسبح بحمد ربك واستغفره)، ٦/١٧٩، رقم ٤٩٧١، ومسلم في صحيحه، الإيمان، باب في قوله: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، ١/١٩٣، رقم ٢٠٨.

110 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأنعام، ٥/٢٦١، رقم ٣٠٦٤.

وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي ص٣٧٤.

111 جامع البيان، الطبري ١١/٣٣٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٥٢.

112 أخرجه البخاري في بدء الوحي، ١/٨، رقم ٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي إلى هرقل، ٩/٢٣٥، رقم ٣٣٢٢.

113 أخرجه الحاكم في المستدرك، ٤/١٦٣، رقم ٤٨٣٠.

114 الشفا ٢/١٨٧.

115 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في المزاح، ٤/٣٥٧، رقم ١٩٩١.

قال الترمذي: حديث صحيح غريب.

وصححه الألباني في تعليقه على المشكاة رقم ٤٨٨٦.

116 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب التفسير، باب ومن سورة الأعراف، ٥/٢٦٧، رقم ٣٠٧٦.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٥٢٠٨.

117 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب إذا سلم في ركعتين، ٢/٦٨، رقم ١٢٢٧، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، ١/٤٠٤، رقم ٥٧٣.

118 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، ١/٨٩، رقم ٤٠١، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، ١/٤٠٤، رقم ٥٧٣.

119 موطأ مالك ١/٣٠٢.

120 فتح الباري ٤/٢٤٩.

121 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٥١.

122 أحكام القرآن، الجصاص ٢/٥٦٢.

123 التفسير الوسيط، طنطاوي ٤/٢٢٥.

124 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٦/٢٦٣.

125 المصدر السابق.

126 اللهاة من كل ذي حلق: اللحمة المشرفة على الحلق، وقيل: هي ما بين منقطع أصل اللسان إلى منقطع القلب من أعلى الفم.

انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٤/٤٢٤.

127 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب قبول الهدية من المشركين ٣/١٦٣-٢٦١٧، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب السلام، ٤/١٧٢١، رقم ٢١٩٠.

128 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام ١/٤٨٠.

129 تفسير المراغي ١٣/١٣٨.

130 لا يعكر على هذا قتل بني إسرائيل لبعض الأنبياء، فالعبرة بالأغلب.

131 شرح صحيح مسلم، النووي ١٤/١٧٤.

132 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٤٤.

133 المصدر السابق ٢/٤٦.

134 سيأتي ذكر الحديث.

135 بدائع الفوائد، ابن القيم ٢/٢٢٧.

136 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، ٤/١٢٢، رقم ٣٢٦٨.

137 أي: مما يدخل أي داخلة نقص في تبليغ الشريعة.

138 الشفا، القاضي عياض ٢/٤١٢.

139 بدائع الفوائد، ابن القيم ٢/٢٢٦.

140 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٣٠٨.

141 مجموع فتاوى ابن تيمية ٤/٣١٩.

142 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/٣٢٧.

143 التفسير الميسر ص٣٢٩.

144 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/١٣١.

145 النبوة والأنبياء، الصابوني ص٥٠.

146 أي: لم يكن شديد الجعودة ولا شديد السبوطة، بل بينهما.

انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٢/٢٠٣.

147 قبيلةٌ من اليمن.

انظر: لسان العرب ابن منظور ١/١٠٢.

148 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وهل أتاك حديث موسى)، ٤/١٥٢، رقم ٣٣٩٤ ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات، ١/١٥١، رقم ١٦٥.

149 بين الطويل والقصير.

انظر: النهاية، ابن الأثير ٢/١٩٠.

150 أي: كأنما خرج من حمام.

151 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وهل أتاك حديث موسى)، ٤/١٥٢، رقم ٣٣٩٤.

152 انظر: وصف سيدنا أنس له في البخاري في كتاب المناقب، باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ٤/١٨٧، رقم ٣٥٤٧.

153 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٧٣.

154 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الغسل، باب من اغتسل عريانًا وحده في الخلوة، ومن تستر فالتستر أفضل، ١/٦٤، رقم ٢٧٨.

155 فتح الباري، ابن حجر ٦/٤٣٨.

156 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، ٢/١٣٣٤، رقم ٤٠٢٤.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ١/٢٧٥.

157 تفسير الشعراوي ١٥/٩٦١٦.

158 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٢٢.

159 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/١٨.

160 انظر: لوامع الأنوار البهية، السفاريني ٢/٢٦٦، فتح الباري، ابن حجر ٦/٤٤٧.

161 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الحب في الله، ٤/١٩٨٨، رقم ٢٥٦٧.

162 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، ٤/١٧١، رقم ٣٤٦٤.

163 أخرجه الحاكم في المستدرك، ١/٩٢، رقم ١٠٤.

وصححه الألباني في صحيح الجامع ٢/٩٦٩.

164 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، ٤/١٨٨٦، رقم ٢٤٣٠ ولفظه: (خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد). قال: أبو كريب، وأشار وكيع إلى السماء والأرض.

165 أخرجه أحمد في مسنده، ١٨/٢٧٩، رقم ١١٧٥٦.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٧٧١، رقم ٤١٩٠.

166 انظر: الرسل والرسالات، عمر الأشقر ص٨٧.

167 الأذكار، النووي ص ١١٩.

168 انظر: فتح الباري، ابن حجر ٦/٤٧١.

169 تيسير الكريم الرحمن ص٥٢١.

170 في ظلال القرآن ٣/ ١٧٥٣.

171 الرسل والرسالات، عمر الأشقر ص ٤٨ بتصرف.

172 مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٦٧.

173 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٥.

174 تفسير الشعراوي ٦/٣٦٢٧.

175 انظر: بدائع التفسير ٣/١٢٨ فقد ذكر في الآية مرغبات عظيمة.

176 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٧٠.

177 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير، ٣/١٣٥٨، رقم ١٧٣٢.

178 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٣/٢٢، رقم ١٤٦٥٣.

وانظر: السيرة النبوية، ابن هشام ١/٤٥٤.

179 أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٣ بتصرف.

180 معاني القرآن، الفراء ٢/٢٦٢.

181 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٤٢٩.

182 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١١/٨٧٧ بتصرف.

183 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٨٩٧.

184 التفسير الميسر ص١١٥.

185 صفوة التفاسير، الصابوني ٣/٥٠.

186 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/٢٤٣.

187 صفوة التفاسير، الصابوني ١/٣١٩.

188 روح المعاني، الألوسي ٣/٣٢٠.

189 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٤٥.

190 التفسير الوسيط، طنطاوي ٤/١٨٥.

191 جامع البيان، الطبري ١٠/٣٩٣.

192 تفسير المراغي ٦/١٣٢.

193 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا، ٣/١٣٢٧، ١٧٠٠.

194 أخرجه أحمد في مسنده، ٤٥/٣٠٠، رقم ٢٧٣١٩.

وحسنه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان.

195 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٥٧٧.

196 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/١٦٤.

197 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٤٦ بتصرف يسير.

198 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢١٨٧.

199 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب قول المقرئ للقارئ حسبك، ٦/١٩٦، رقم ٥٠٥٠.

200 جامع البيان، الطبري ٣/١٤٥-١٤٦.

201 أخرجه أحمد في مسنده، ١٨/١١٢، رقم ١١٥٥٨.

وأصله في صحيحه، البخاري، كتاب تفسير القرآن، في باب قوله تعالى: (ويكون الرسول عليكم شهيدًا)، ٦/٢١، ٤٤٨٧.

202 تفسير القرآن الكريم، سورتي الفاتحة والبقرة، ابن عثيمين ٢/١١٦.

203 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٠.

204 جامع البيان، الطبري ١١/٢١٠.

205 الكشاف، الزمخشري ١/٦٩٠.

206 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته، ٤/١٧٩٤، رقم ٢٢٩٤.

207 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣٦١ بتصرف.

208 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٢٥٧ تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/ ٢٢٢.

209 جامع البيان، الطبري ١١/٢١١.

210 جامع البيان، الطبري ١٦/٤٧٥-٤٧٦.

211 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإجارة، باب رعي الغنم على قراريط، ٣/٨٨، رقم ٢٢٦٢.

212 أخرجه أحمد في مسنده، ٤٥/١٠، رقم ٢٧٠٧٨.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ١/٢٢٦، رقم ١٤٥.

213 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٦/٨٤، رقم ١٦١٦٢، ولفظه: (إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء صلوات الله عليهم).

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٤٠، رقم ٢٢١٢.

214 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٢١ بتصرف.

215 المصدر السابق ٣/٢٤١-٢٤٢.

216 في ظلال القرآن ٥/٢٥٥٣.

217 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ١/٧، رقم ٤، ولفظه: (بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى: (قم فأنذر)).

218 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ١/٦، رقم ٢، ولفظه: (أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول).

219 الرسل والرسالات، عمر الأشقر ص٧٢.

220 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢٠٥.

221 الرسل والرسالات، عمر الأشقر ص٧٠ بتصرف يسير.

222 زاد المسير ٢/٥٠٤.

223 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٢١.

224 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٠٨٧.

225 جامع البيان، الطبري ١/١١.

226 نظم الدرر، البقاعي ١٠/٣٧٩.

227 الصواعق المرسلة، ابن القيم ٢/٧٤٣.

228 تفسير المراغي ١٣/١٢٦.

229 الإلجاء: الإكراه والاضطرار، وقيل: إن الاضطرار أخص من الإلجاء، لاشتراط زوال الاختيار في الأول دون الثاني.

انظر: معجم لغة الفقهاء ص ٨٦، الفروق اللغوية ص ٦٧.

230 محاسن التأويل ٦/٢٩٨-٢٩٩.

231 المصدر السابق ٩/١٥٣.

232 جامع البيان، الطبري ٢٠/ ١١٣.

233 الجواب الصحيح، ابن تيمية ١/١٢٩.

234 العين، الفراهيدي ٨/٤٤١.

235 المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ١٠/٥٩٤.

236 النبوة والأنبياء بين حقائق الدين وشبهات العلمانيين، محمد حبنكة ص ١٢٤.

237 النبوات، ابن تيمية ١/٢١٥ باختصار.

238 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٤٠.

239 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٥٨.

240 الكشاف، الزمخشري ٢/ ١٢٧.

241 الرسل والرسالات، عمر الأشقر ص ١٢٣.

242 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل، ٦/١٨٢، رقم ٤٩٨١.

243 فتح الباري ابن حجر ٩/٦-٧.

244 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/ ٣٨٦، الكشاف، الزمخشري ٣/٣٢٩.

245 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١١/٤٥٢.

246 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/٦٥.

247 الرسل والرسالات، عمر الأشقر ص ١٣٢-١٣٣ باختصار.

248 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/٦٥ بتصرف يسير.

249 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب انشقاق القمر، ٥/٤٩، رقم ٣٨٦٨.

250 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى الله عليه وسلم آية، فأراهم انشقاق القمر، ٤/٢٠٦، رقم ٣٦٣٦.