عناصر الموضوع
النبات
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «النون والباء والتاء أصلٌ واحدٌ يدل على نماء في مزروع، ثم يستعار، فالنبت معروف، يقال: نبت، وأنبتت الأرض، ونبت الشجر: غرسته، ويقال: إن في بني فلان لنابتة شر، ونبتت لبني فلان نابتة، إذا نشأ لهم نشء صغار من الولد» 1.
وقال ابن منظور: «النبت والنبات كل ما أنبت الله في الأرض فهو نبتٌ، والنبات فعله، ويجري مجرى اسمه، يقال: أنبت الله النبات إنباتًا، ونحو ذلك قال الفراء: إن النبات اسم يقوم مقام المصدر» 2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يختلف المعنى الاصطلاحي للنبات عن معناه اللغوي؛ إذ النبات في الاصطلاح يطلق على ما يخرج من الأرض على صفة النمو، وهو ذات المعنى اللغوي الذي سبق ذكره.
يقول الراغب الاصفهاني: «والنبات: ما يخرج من الأرض من الناميات؛ سواء كان له ساق كالشجر، أو لم يكن له ساق كالنجم، لكن اختص في التعارف بما لا ساق له؛ بل قد اختص عند العامة بما يأكله الحيوان، وعلى هذا قوله تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [النبأ: ١٥]»3.
وقيل: «الحي النامي لا يملك فراق منشئه ويعيش بجذور ممتدة في الأرض أو في الماء وما أخرجته الأرض من شجر ونحوه، وأنبتت الأرض، أي: أخرجت النبات، والبقل نشأ وربا، ويقال: أنبت الله البقل، أخرجه من الأرض فهو منبوت»4.
وهكذا يتبين لنا مما تقدم أن النبات هو: كل نامٍ وكل ما نبت من الأرض، كما يتبين لنا أنه لا فرق بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي للنبات.
وردت مادة (نبت) في القرآن الكريم (٢٦) مرة 5.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
فعل ماضي |
١٢ |
(ﯴ ﯵ ﯶ) [آل عمران:٣٧] |
فعل مضارع |
٥ |
(ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [المؤمنون:٢٠] |
اسم مصدر |
٩ |
(ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [طه:٥٣] |
وجاء النبات في القرآن على أربعة أوجه6:
أحدها: النبات بعينه: ومنه قوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [يونس: ٢٤].
الثاني: الإخراج: ومنه قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ٢٦١]. أي: أخرجت.
الثالث: الخلق: ومنه قوله تعالى: (ﭐﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [نوح: ١٧]. أي: خلقكم خلقًا.
الرابع: التربية: ومنه قوله تعالى عن مريم عليها السلام: (ﯴ ﯵ ﯶ) [آل عمران: ٣٧]. قال قتادة: لا تصيب الذنوب.
الزرع:
الزرع لغةً:
من الفعل زرع، بمعنى: طرح البذر في الأرض، يقال: يزرعه زرعًا وزراعةً: بذره، والاسم الزرع، وجمعه زروع، والزرع: الإنبات، يقال: زرعه الله أي: أنبته7.
الزرع اصطلاحًا:
نفس المعنى اللغوي؛ إذ الزرع في الاصطلاح يعني: الإنبات، قال الراغب: «الزرع الإنبات، وحقيقة ذلك تكون بالأمور الإلهية دون البشرية، قال: عز وجل (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الواقعة: ٦٤].
فنسب الحرث إليهم، ونفى عنهم الزرع، ونسبه إلى نفسه، وإذا نسب إلى العبد فلكونه فاعلا للأسباب التي هي سبب الزرع، كما تقول أنبت كذا إذا كنت من أسباب نباته، والزرع في الأصل مصدر، وعبر به عن المزروع، ويقال: زرع الله ولدك، تشبيهًا، كما تقول: أنبته الله» 8.
الصلة بين الزرع والنبات:
من خلال التأمل في المعاني السابقة يظهر أن النبات عام يشمل ما له ساق وما ليس له ساق، ويشمل ما يأكله الإنسان، وما يأكله الحيوان، أما الزرع فهو خلاف الأشجار، وهو أيضا موسمي فله مواسم يزرع فيها، وأخرى يحصد فيها.
الحرث:
الحرث لغةً:
مصدر حرث، بمعنى: عمل في الأرض، وشقها، وأثارها، وأعدها للزراعة 9، قال ابن منظور: «العمل في الأرض زرعًا كان أو غرسًا، وقد يكون الحرث نفس الزرع» 10.
الحرث اصطلاحًا:
لا يختلف عن المعنى اللغوي؛ إذ هو: «إلقاء البذر في الأرض، وتهيؤها للزرع، ويسمى المحروث حرثًا »11.
الصلة بين الحرث والنبات:
من خلال ما سبق يتبين أن الحرث هو ما يقوم به الزارع في الأرض من عملٍ لإنبات النبات والحبوب والأشجار، ويطلق على ما يخرج من تلك الأرض التي حرثت، فالحرث عمل المزارع، أما الإنبات فهو بأمر الله عز وجل، فقد يحرث المزارع أرضه ولا تنب، والحرث بذلك أخص من النبات، ولفظ النبات أعم منه، إذ النبات يشمل الحرث، ويشمل غيره مم ينبته الله عز وجل.
الشجر:
الشجر لغة:
جمع شجرة، وهي في اللغة ما كان على ساق من نبات الأرض، قال ابن فارس: «الشين والجيم والراء أصلان متداخلان، يقرب بعضهما من بعض، ولا يخلو معناهما من تداخل الشيء بعضه في بعض، ومن علوٍ في شيءٍ وارتفاع؛ فالشجر معروفٌ، الواحدة شجرة، وهي لا تخلو من ارتفاعٍ وتداخل أغصان، ووادٍ شجر: كثير الشجر، ويقال: هذه الأرض أشجر من غيرها، أي: أكثر شجرًا. والشجر: كل نبتٍ له ساقٌ» 12.
الشجر اصطلاحًا:
لا يختلف عن المعنى اللغوي؛ «الشجر من النبات ما له ساق»13.
وذكر الرازي رحمه الله أن: «الشجرة لا تستحق أن تسمى شجرة إلا بثلاثة أشياء: عرقٌ راسخٌ، وأصلٌ قائمٌ، وأغصانٌ عاليةٌ» 14.
الصلة بين الشجر والنبات:
يظهر من التعريفات السابقة لكلٍ من الشجر والنبات أن الشجر ما هو إلا نوعٌ من أنواع النبات، يتميز بأن له ساقا؛ وبذلك فالنبات أعم من الشجر، فهو يشمله ويشمل غيره من النباتات التي لا سيقان لها.
إن لله عز وجل في خلقه آياتٍ بيناتٍ تدل على وجوده، وتشهد بربوبيته، وتنطق بوحدانيته، وتقر بصمديته؛ فمن تأمل في الكون من حوله، وأدار بصره في خلق ربه عز وجل، وأطلق فكره في كل ما رأت عيناه من صنع الله تعالى علم علم اليقين أن لهذا الكون موجدًا، وأن لهذا الخلق صانعًا حكيمًا؛ فهذه السموات المرفوعة، وهذه الأرض الممدودة، وتلك الجبال الرواسي، وتلك الأنهار الجواري، والسحاب المسخر بين السماء والأرض، ونزول الماء من السماء، وإحياء الأرض بعد موتها، واختلاف الأشجار والزروع والثمار، ونبات كل شيء، وفي كل ما خلق الله عز وجل دلالات بينة، وبراهين واضحة على أنه سبحانه الخالق الحكيم، والمدبر الخبير؛ ففي كل شيء له آية تدل على أنه الخالق الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يلد، ولم يكن له كفوًا أحد.
وكثيرًا ما يلفت الخالق الحكيم سبحانه أنظار عباده للتفكر في خلقه، ويدعوهم للتأمل في بديع صنعه، وكتاب الله عز وجل زاخر بالآيات التي تدعو العباد لذلك.
فمن ذلك قول الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [البقرة: ١٦٤].
وقوله سبحانه: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الجاثية: ٣-٥].
وكم من آيةٍ في كتاب الله عز وجل ذكر فيها الخالق سبحانه عباده بما يستوجب عليهم شكره وعبادته، وحثهم على التفكر في أنفسهم، والتأمل في الكون من حولهم، وأمرهم بما يجب عليهم لربهم العظيم من العبادة والطاعة؛ فهو سبحانه الذي خلقهم، وخلق من قبلهم، وخلق الكون وجعل فيه الآيات والعبر.
(ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦw ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢١-٢٢].
ويجد المتأمل في كتاب الله عز وجل أن الله سبحانه قد أنكر على الكافرين تغافلهم عن آيات الله عز وجل فيما حولهم من الكون، وأنكر عليهم عدم انتفاعهم بما فيها من دلائل وبراهين، قال عز وجل: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [يوسف: ١٠٥].
وإن من عظيم آيات الله عز وجل في خلقه ذلك النبات العظيم الأصناف، الجميل البهيج؛ يخرجه الله عز وجل من الأرض الميتة بعد إنزال الماء عليها؛ فتصبح الأرض به مخضرة، ذات حسن وجمال، هذا النبات الذي جعل الله عز وجل فيه طعامًا للإنسان والحيوان، فيه الغذاء والدواء، وفيه منافع شتى للعباد، لا ينظر إليه عاقلٌ إلا ويجذب نظره، ويشد وعيه، ويأسر عقله، ويملأ حسه وشعوره، فينطق القلب قبل اللسان: سبحان من أخرجه فسواه، وسبحان من أنبته ونماه، وسبحان من جعله ألوانًا لا تعد، وأصنافًا لا تحصى، وسبحان من جعل فيه آيات لمن اعتبر، وذكرى لمن كان له بصر.
وفي المطالب الآتية -بإذن الله تعالى- بعض الوقفات مع النبات، وما فيه من دلالات القدرة، وبراهين العظمة، وعظيم الصنعة، التي تدل على عظيم الخالق المبدع المصور.
أولًا: الماء والإنبات:
إن من عظيم آيات الله عز وجل فيما خلق من النبات أنه سبحانه ينبت ذلك النبات من أرضٍ هامدةٍ ميتةٍ، لا حياة فيها، ينزل عليها الماء من السماء؛ فتهتز وتربوا، ويخرج سبحانه منها أصناف النبات وأنواع الأشجار، قال الله عز وجل منبهًا العباد لتلك الآية من آياته: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴÇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الحج: ٥-٦].
فليتأمل العباد، وليتفكر العقلاء في تلك الآية العظيمة من آيات الله عز وجل؛ الأرض اليابسة القاحلة التي لا نبات فيها نزل عليها الماء بأمر الله سبحانه فتحركت واهتزت، وانتفخت وارتفعت، وأنبتت من أصناف الزروع والثمار، مختلفة الأشكال والألوان، متعددة الطعوم والروائح، حسنة المنظر، طيبة الريح، عظيمة النفع للعباد15.
ونظير هذه الآية من كتاب الله عز وجل قوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [فصلت: ٣٩].
فإنبات النبات آية من آيات الله العديدة، الدالة على وجوده وقدرته، الشاهدة على علمه وحكمته، والموجبة للإيمان به وتوحيده وعبادته، تنطق بأن خالقها عليمٌ حكيمٌ، وأنه لا يعجزه شيء، وهو على كل شيء قدير 16.
إنها لآيات عظيمة باهرة، لا يقدر عليها إلا الله تعالى (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنعام: ٩٩].
إنه سبحانه ينزل الماء من السماء، فيخرج به من الأرض الميتة أصناف الزروع والثمار، معاشًا للخلق، ينبت سبحانه الزرع فيخرج الحب بعضه راكبًا فوق بعض، ويخرج سبحانه النخل ذات العذوق والثمار الدانية المتدلية، ويخرج سبحانه جنات الأعناب والزيتون والرمان، كلها متشابهة في الأوراق وفي منظر الثمر، وغير متشابهة في الطعم والرائحة، فانظروا أيها العباد في ذلك الثمر حين يثمر، وانظروا وتفكروا فيه حين يطيب وينضج، لتعلموا أن له خالقًا قديرًا، وصانعًا حكيمًا17.
قال الرازي رحمه الله: «واعلم أنه تعالى لما ذكر الأرض والسماء، بين ما بينهما من شبه عقد النكاح؛ بإنزال الماء من السماء على الأرض، والإخراج به من بطنها أشباه النسل الحاصل من الحيوان، ومن أنواع الثمار، رزقًا لبني آدم؛ ليتفكروا في أنفسهم، وفي أحوال ما فوقهم وما تحتهم، ويعرفوا أن شيئًا من هذه الأشياء لا يقدر على تكوينها وتخليقها إلا من كان مخالفًا لها في الذات والصفات، وذلك هو الصانع الحكيم تعالى» 18.
إن الله تعالى وحده من خلق السماوات والأرض، وهو سبحانه وحده من ينزل الغيث للعباد، وينبت النبات والشجر، (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [النمل: ٦٠].
وإن هذه لحقيقة لا يمكن للعباد إنكارها، وإنها لآيات لا يمكن لعاقل أن يغفل عنها، يراها العباد مرارًا وتكرارًا، لا تغيب عن أعينهم، ولا تبعد عن نواظرهم، يقر بها الكبير والصغير، والعالم والجاهل، ولا يجرؤ أحد على نسبة تلك الآيات لنفسه، فالجميع يقر بأنه لا ينزل الغيث إلا الله، ولا يحيي الأرض سواه، ولو أنه سبحانه أمسك المطر عن العباد فمن ينزله؟ ولو أنه سبحانه لم يحيي الأرض فمن غيره يحييها؟ ولو أن سبحانه لم ينبت النبات فمن ينبته؟ قال الله عز وجل: (ﮗ ﮘ ﮙj ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟp ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦw ﮨ ﮩz ﮫ ﮬ ﮭ~ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ¤ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ¬ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الواقعة: ٦٣-٧٠].
وفي ذات السياق يقول الله عز وجل لافتًا أنظار العباد إلى عظيم صنعه وبديع خلقه: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [الزمر: ٢١].
فالماء ينزله الله من السماء، فإذا به ينابيع وعيون وأنهار تسير هنا وهناك، وتسيل في مسالكها متنقلة من مكان إلى مكان، ثم إذا بهذا الماء تحيى به الأرض بعد همودها، وإذا بها تهتز بالنبات الناضر البهيج المختلف الألوان والأصناف والأشكال، ثم إذا بهذا الزرع يبلغ غايته المقدرة له، فينضج للحصاد، ثم يتم جفافه فيصفر، فيغدو بعد ذلك حطامًا كأنه لم يكن زينة بالأمس؛ ولا بد أن لذلك كله صانع حكيم، ومدبر عليم19.
إن النبات تبدأ حياته في الغالب بذرة أو نواة؛ توضع في الأرض، وتسقى بالماء؛ فتنفلق وتنبت، فمن الذي يفلقها ويشقها؟ ومن الذي يخرجها وينبتها؟ ومن الذي يرعاها ويحفظها؟
يجيب القرآن الكريم عن ذلك بقول الله عز وجل: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ) [الأنعام: ٩٥].
إنه الله اللطيف الخبير، يشق الحبة اليابسة، ويخرج منها النبتة الرطبة الخضراء اليانعة، ويخرج من النبتة الخضراء اليانعة الحبة اليابسة، والنواة الميتة، وهذا من عجيب صنعه، وبديع خلقه تعالى 20.
إن العبد إذا أطلق نظره، وأرسل فكره في ذلك النبات العجيب ازداد إيمانه، وعظمت معرفته بربه، وشعر عظم فضل الله عز وجل على خلقه؛ إذ الخالق الحكيم الرحيم لم ينبت للخلائق صنفًا واحدًا من النبات، ولم يجعل الخارج من الأرض منه على صورة واحدة، ولا على لون أو طعم واحد؛ بل جعل سبحانه النبات أصنافًا، وجعل البساتين والجنات، وأنواع الزروع والأشجار والثمار.
قال سبحانه: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنعام: ١٤١].
والمراد بالجنات المعروشات في الآية: ما انبسط من النبات على وجه الأرض وانتشر مما يعرش؛ كالعنب والقرع والبطيخ، وغير المعروشات: ما قام على ساق كالنخل والزرع وسائر الأشجار، وقيل: إن المعروشات ما أنبته الناس، وغير المعروشات ما خرج في البراري والجبال من الثمار21.
قال القرطبي: «وفي هذه إشارة إلى الآية السابقة الذكر أدلة ثلاثة؛ أحدها: قيام الدليل على أن المتغيرات لا بد لها من مغير، والثاني: التنبيه على المنة منه سبحانه علينا؛ فلو شاء إذ خلقنا ألا يخلق لنا غذاءً، وإذ خلقه ألا يكون جميل المنظر، طيب الطعم، وإذ خلقه كذلك ألا يكون سهل الجني؛ فلم يكن عليه أن يفعل ذلك ابتداءً؛ لأنه سبحانه لا يجب عليه شيء، والثالث: التنبيه على القدرة في أن يكون الماء الذي من شأنه الرسوب يصعد بقدرة الله الواحد علام الغيوب من أسافل الشجرة إلى أعاليها، حتى إذا انتهى إلى آخرها نشأ فيها أوراق ليست من جنسها، وثمر خارج من صفته الجرم الوافر، واللون الزاهر، والجني الجديد، والطعم اللذيذ؛ فأين الطبائع وأجناسها؟ وأين الفلاسفة وأناسها؟ هل في قدرة الطبيعة أن تتقن هذا الإتقان؟ أو ترتب هذا الترتيب العجيب؟! كلا! لا يتم ذلك في العقول إلا لحيٍ عالمٍ قديرٍ مريدٍ، فسبحان من له في كل شيءٍ آية ونهاية» 22.
فما أعظم الخالق الحكيم، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فمن يخلق كخلقه؟! ومن يقدر على فعله؟! ومن له ملك كملكه؟! (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [لقمان: ١٠-١١].
ثانيًا: سقي النبات والزرع بماء واحد:
إنه من عجيب قدرة الله عز وجل في النبات والأشجار وما يخرج منها من الثمار أن الله تعالى يخرج من الأرض الواحدة، والتربة الواحدة، والتي تسقى بماء واحد، يخرج منها سبحانه أصناف الزروع والثمار، وألوان الفاكهة والطعام، فلينظر الإنسان وليتأمل فيما يخرج من قطع الأرض المتجاورة، ليرى زروعًا مختلفةً، وزهورًا يانعةً، وفاكهةً كثيرةً متنوعةً، وثمارًا عديدة، ولكل صنف منها طعمٌ مختلفٌ، ولونٌ متباينٌ، وحجمٌ متفاوتٌ، ولكل صنف منها خصائصه ومنافعه وفوائده، فسبحان من أبدعها، وسبحان من يرعاها، وسبحان من نوعها.
وفي ذلك يقول الله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الرعد: ٤]23.
إن هذه الآية الكريمة تلفت أنظار العباد إلى الأرض التي يعيشون عليها؛ فإن فيها (ﮠ ﮡ) أي: أراضٍ يجاور بعضها بعضًا، مع أن هذه طيبة تنبت ما ينفع الناس، وهذه سبخة مالحة، لا تنبت شيئًا، ويدخل في هذه الآية اختلاف ألوان بقاع الأرض؛ فهذه تربة حمراء، وهذه بيضاء، وهذه صفراء، وهذه سوداء، وهذه محجرة، وهذه سهلة، وهذه سميكة، وهذه رقيقة، والكل متجاورات، وتقارب بعضها بعضًا، وهذا كله مما يدل على الفاعل الحكيم، لا إله إلا هو سبحانه.
ومع هذا الاختلاف في قطع الأرض هناك اختلاف عجيب آخر أشارت إليه الآية: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ).
فهذا الاختلاف في أجناس الثمرات والزروع في أشكالها وألوانها وطعومها وروائحها وأوراقها وأزهارها؛ فهذا في غاية الحلاوة، وهذا في غاية الحموضة، وذا في غاية المرارة، وهذا أصفر، وهذا أحمر، وهذا أبيض، وكذلك الأزهار، والأرض الواحدة يكون فيها الخوخ، والكمثرى، والعنب الأبيض والأسود، وبعضها أكثر حملًا من بعض، وبعضه حلو، وبعضه حامض، وبعضه أفضل من بعض، مع أنها كلها تستمد من طبيعة واحدة وهو الماء، مع هذا الاختلاف الكثير الذي لا ينحصر ولا ينضبط، ففي ذلك آيات لمن كان واعيًا، وهذا من أعظم الدلالات على الفاعل الحكيم الذي بقدرته فاوت بين الأشياء وخلقها على ما يريد 24.
قال القرطبي: «وفي هذا أدل دليل على وحدانيته، وعظم صمديته، والإرشاد لمن ضل عن معرفته؛ فإنه سبحانه نبه بقوله: (ﮪ ﮫ ﮬ) على أن ذلك كله ليس إلا بمشيئته وإرادته، وأنه مقدور بقدرته، وهذا أدل دليل على بطلان القول بالطبع؛ إذ لو كان ذلك بالماء والتراب، والفاعل له الطبيعة لما وقع الاختلاف» 25.
إن في ذلك كله آيات وعبر ودلائل لمن نظر وتدبر باستبصار واعتبار، ولا ينتفع بكل تلك الآيات إلا العقلاء، ومن لم ينتفع بها فهو منزل منزلة من لا يعقل، وهذا ما يستفاد من وصف الآيات بأنها من اختصاص الذين يعقلون في قوله سبحانه في ختام الآية: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)26.
ثالثًا: النبات من مظاهر النعيم:
إن من عجيب آيات الله عز وجل في خلق النبات أنه تعالى جعل في ذلك النبات ما لا يعد ولا يحصى من الفوائد والمنافع؛ فما أكثر منافعه، وما أعظم فوائده؛ فقد جعل الله عز وجل فيه حياة للإنسان والحيوان، وبه تستقيم الحياة على وجه الأرض، وفيه الغذاء لجميع الحيوانات والأنعام والإنسان.
والنبات ضروري جدًا للتوازن الحراري على الأرض؛ إذ النبات يحفظ للأرض حرارتها المعتدلة، ويمنع الزيادة الضارة لحرارة الأرض، كما أنه يقوم بتنقية الجو من غاز ثاني أكسيد الكربون، وإخراج الأكسجين، من خلال ما يعرف بعملية البناء الضوئي.
ويستفيد الإنسان من أخشاب النبات وأوراقه في بناء البيوت والمساكن، وصنع الأثاث والآلات والمعدات، كما أن النبات مصدر رئيسي من مصادر الطاقة للإنسان.
وللنبات فوائد نفسية للإنسان؛ فمنظره البهيج، وصورته الجميلة تبعث في النفس الطمأنينة والسرور، وأزهاره وثماره بأشكالها وألوانه الجذابة، وروائحها العطرة الفواحة تشرح الصدر، وتريح النفس، وتملأ القلب راحةً وسعادةً، وكل هذا معروف ومجرب لا يحتاج إلى دليل أو برهان.
وكثيرًا ما يذكر الله عز وجل عباده بما جعل لهم من منافع ونعم لا تحصى فيما خلقه سبحانه من نبات وزرع وجنات؛ فهو سبحانه الذي ساق الماء، وأنزله على الأرض الميتة، وأخرج به سبحانه طعامًا ورزقًا يأكل منه العباد، وتتغذى عليه الخلائق.
قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ) [السجدة: ٢٧].
والأرض الجرز هي: الأرض اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها، وأصل الجرز من قولهم: ناقة جرز، وذلك إذا كانت تأكل كل شيء، وكذلك الأرض الجروز، أي: التي لا يبقى على ظهرها شيء إلا أفسدته 27.
تلك الأرض الجرز الميتة أصبحت حية خضراء منبتةً، فيها أنواع الزروع، وأصناف الثمر، ليأكل العباد ويرعوا أنعامهم، وليشكروا ربهم الذي أسبغ عليهم نعمه وعطاياه.
قال سبحانه: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰA ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [طه: ٥٣-٥٤].
قال السعدي: «وخص الله عز وجل أولي النهى بذلك، لأنهم المنتفعون بها، الناظرون إليها نظر اعتبارٍ، وأما من عداهم، فإنهم بمنزلة البهائم السارحة، والأنعام السائمة، لا ينظرون إليها نظر اعتبار، ولا تنفذ بصائرهم إلى المقصود منها، بل حظهم حظ البهائم؛ يأكلون ويشربون، وقلوبهم لاهية، وأجسامهم معرضة» 28.
إن ذلك لمن عظيم آيات الله عز وجل وبديع صنعه، وإن ذلك لمن عظيم نعمه سبحانه على خلقه، تستوجب على العباد الشكر للمنعم، وإخلاص الطاعة للمتفضل، قال الله عز وجل: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒc ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝn ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ) [يس: ٣٣-٣٥].
إن الإنسان يعتمد في غذائه اعتمادًا كليًا على النبات؛ سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر؛ فالإنسان يعيش على النبات وما يخرجه من ثمار، أو على لحوم الأنعام والطيور التي تتغذى على النبات؛ فالنبات أساس الغذاء للإنسان والحيوان 29.
وقد ذكر الله سبحانه العباد بأنه هو من يخرج الزرع من الأرض الميتة، فتكون المراعي الخضراء والكلأ تتغذى الدواب والبهائم، وتأكل الوحوش والضواري، ويرعى العباد أنعامهم، ويتنعمون بما لذ وطاب من أصناف الفاكهة والثمار، قال عز وجل ممتنًا على عباده: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅV ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [النحل: ١٠-١١].
إنه الله الكريم الرحمن الذي أخرج الحب والزرع والجنات، ورزق العباد من ثمار النخل والأعناب، (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨy ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ) [ق: ٩-١١].
لقد دعا الله عز وجل عباده للتفكر فيما أخرج لهم من الزروع والثمار، وفيما رزقهم ربهم من أصناف الطعام وألوان الغذاء؛ ليعلموا عظمة الخالق المنعم الرزاق ذي القوة المتين، (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ§ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ¬ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ² ﯢ ﯣ ﯤ¶ ﯦ ﯧº ﯩ ﯪ½ ﯬ ﯭÀ ﯯ ﯰÃ ﯲ ﯳ ﯴ) [عبس: ٢٤-٣٢].
وعلى العباد أن يعلموا أن من أنعم عليهم بكل تلك النعم، وتفضل عليهم بأنواع الفضائل والنعم، قادر سبحانه على منعها عنهم، وحرمانهم منها؛ فلو شاء سبحانه ما أنزل على العباد الغيث، ولو شاء سبحانه لأذهب الماء غورًا في الأرض، ولو شاء سبحانه لما أنبت نباتًا ولا أخرج حبًا، ولا خلق ثمرًا، ومن غيره سبحانه ينزل المطر إن منعه عن العباد؟! ومن غيره يرزق العباد إن حبس عنهم الرزق؟!
قال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ/ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ= ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المؤمنون: ١٨-٢٠].
إنه يجب على العباد أن يقابلوا نعمة الله عز وجل عليهم بإنبات النبات والشجر والثمر بالشكر الجميل، وبالثناء الحسن لمن أنعم عليهم وتفضل؛ فما أعظم نعم الخالق على خلقه، وما أشد تقصير العباد في شكر ربهم عز وجل على آلائه ونعمه، يقول ابن القيم: «فجدير بمن له مسكة من عقل أن يسافر بفكره في هذه النعم والآلاء، ويكرر ذكرها؛ لعله يوقفه على المراد منها؛ ما هو؟ ولأي شيءٍ خلق؟ ولماذا هيئ، وأي أمر طلب منه على هذه النعم؟ كما قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأعراف: ٦٩].
فذكر آلائه تبارك وتعالى ونعمه على عبده سبب الفلاح والسعادة؛ لأن ذلك لا يزيده إلا محبة لله، وحمدًا وشكرًا وطاعةً، وشهود تقصيره بل تفريطه في القليل مما يجب لله عليه» 30.
رابعًا: النبات والسجود:
النبات خلق من خلق الله عز وجل، وكل الخلائق تسجد لخالقها وتسبح بحمده، ولا يستنكف مخلوق من مخلوقات الله عز وجل عن الانقياد لأمره، والخضوع لسلطانه؛ فالكل يخر لعظمة الجبار سبحانه، والكل طوع أمره، وما ينبغي لمخلوق أن يعصي ربه.
ولقد أخبر الله عز وجل عن سجود المخلوقات جميعًا له سبحانه فقال: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢs ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [النحل: ٤٨-٤٩].
وقال سبحانه: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الرعد: ١٥].
ففي هاتين الآيتين يخبر الله تعالى عن عظمته وسلطانه، الذي قهر كل شيء، ودان له كل مخلوق؛ ولهذا يسجد له سبحانه ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة، الكل يسجد لربه سجود الذل والقهر والخضوع؛ فكل أحد من مخلوقاته سبحانه خاضعٌ لربوبيته، ذليلٌ لعزته، مقهورٌ تحت سلطانه عز وجل.
ولكل مخلوقٍ سجودٌ جعله الله عز وجل خاصًا به، كما أنه سبحانه جعل لكل مخلوقٍ من مخلوقاته تسبيحًا خاصًا، وصلاةً خاصةً.
قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [النور: ٤١].
فقد علم كل مصلٍ وكل مسبحٍ من مخلوقات الله عز وجل ما كلفه الله سبحانه به من صلاةٍ وتسبيحٍ 31، والناس لا يعلمون حقيقة سجود الخلائق وتسبيحها لله عز وجل، ولا يفقهون كيفيته.
قال الله عز وجل: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الإسراء: ٤٤].
وقد أخبر الله عز وجل أن من الخلائق من تسجد لربها طوعًا، ومنها من يسجد له سبحانه كرها.
قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الرعد: ١٥].
وفي معنى سجود الساجدين لله عز وجل كرهًا أقوالًا ذكرها المفسرون؛ أشهرها: أنه سجود ظل الكافر، أو أنه سجود الكاره بتذلله لله عز وجل، وانقياده لما يريده سبحانه منه؛ من عافيةٍ ومرضٍ، وغنى وفقر، وغير ذلك من أقدار الله عز وجل 32.
ولعل الراجح -والله أعلم- أن من يسجد لله كرهًا هو الكافر فقط؛ إذ جميع الخلائق تسجد لربها وتطيعه طوعًا لا كرهًا، كما قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [فصلت: ١١].
والمخلوق الوحيد الذي يتصور أنه يسجد كرهًا هو الكافر من الإنس والجن، وكيفية سجوده كرهًا إما بسجود ظله -كما ذكر بعض المفسرين-، وإما أن يكون بتذلله لله عز وجل، وانقياده لما يريده سبحانه منه؛ من عافيةٍ ومرضٍ، وغنى وفقر، وغير ذلك من أقدار الله عز وجل.
وإذا كانت الخلائق كلها تسجد لله عز وجل فإن النبات من جملة ما خلق الله سبحانه، وهي تسجد ككل المخلوقات لله سبحانه، تسجد سجودًا جعله الله عز وجل لها، لا نعلمه، ولا نفقهه، وقد صرح الله عز وجل بسجود الشجر مع سجود غيرها من المخلوقات؛ كالشمس والقمر، والنجوم، والجبال، وغيرها من مخلوقات، وذلك في قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الحج: ١٨].
والمقصود بالرؤية في الآية: العلم، أي: ألم تعلم أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض؛ إذ إنما عرف ذلك وعلم بخبر الله عز وجل لا أنه يرى بالعين الباصرة33.
وقد ورد أيضًا الإخبار الصريح عن سجود النبات لله عز وجل في قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ) [الرحمن: ٦].
فقد رجح أكثر المفسرين أن المقصود بالنجم هنا: ما نجم (أي: خرج) من الأرض، مما ينبسط عليها، ولم يكن على ساق مثل: البقل ونحوه، فهو كل نبات لا ساق له، وأما الشجر فهو النبات الذي له ساق 34.
ولا شك أن سجود النبات ليس كسجود الإنسان بوضع الرأس على التراب؛ بل هو سجود يتضمن معنى التسليم و الخضوع لله المتعال، ويتضمن سجودًا حقيقيًا لله عز وجل لا نعرفه نحن البشر، ولا نفقهه؛ ولكننا نؤمن به، ونصدق خبر ربنا تعالى عنه.
وقد ظن بعض الناس أن تسبيح الخلائق لله عز وجل، وسجودها له سبحانه هو دلالتها على خالقها، وذلك بما فيها من آيات وعبر، وهذا كلام مردود غير مقبول؛ فسجود المخلوقات لربها سجود حقيقي، طاعة لبارئها تعالى؛ ولكن نحن البشر لا نعلم كيفيته، ولا نفقه حقيقته.
وقد رد ابن القيم على من قال مثل هذا الكلام بقوله: «ولعلك أن تكون ممن غلظ حجابه فذهب إلى أن التسبيح دلالتها على صانعها فقط، فاعلم أن هذا القول يظهر بطلانه من أكثر من ثلاثين وجهًا.. وفي أي لغة تسمى الدلالة على الصانع تسبيحًا وسجودًا وصلاةً وتأويبًا وهبوطًا من خشيته؟ كما ذكر تعالى ذلك في كتابه؛ فتارةً يخبر عنها بالتسبيح، وتارةً بالسجود، وتارةً بالصلاة؛ كقوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [النور: ٤١].
أفترى يقبل عقلك أن يكون معنى الآية: قد علم الله دلالته عليه؟ وسمى تلك الدلالة صلاةً وتسبيحًا؟ وفرق بينهما، وعطف إحداهما على الآخر، وتارةً يخبر عنها بالتأويب، وتارةً يخبر عنها بالتسبيح الخاص بوقت دون وقت؛ كالعشي والإشراق؛ أفترى دلالتها على صانعها إنما يكون في هذين الوقتين؟ وبالجملة فبطلان هذا القول أظهر لذوي البصائر من أن يطلبوا دليلًا على بطلانه، والحمد لله» 35.
والخلاصة أن الله عز وجل قد أخبر بأن النباتات والأشجار تسجد لربها عز وجل كغيرها من المخلوقات، والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليهم، ولا نفقه كيفية ذلك السجود ولا هيأته، ولا شك بأن سجود النبات له عز وجل آية من آيات الله التي لا تحصى ولا تنتهي، ولا شك بأن علمنا بسجود النبات لله عز وجل يزيد من حبنا للنبات، ويضفي عليها جمالًا فوق جمالها، وبهجة فوق بهجتها؛ فسبحان من خلق النبات، وسبحان من يسجد له النبات وكل المخلوقات.
خامسًا: الدورة النباتية والبعث بعد الموت:
إن من تأمل في آيات القرآن الكريم التي ذكر فيها النبات يجد أن كثيرًا من تلك الآيات قد ساقها الله عز وجل للدلالة على حقيقة البعث بعد الموت، تلك الحقيقة العظيمة التي يؤمن بها المؤمنون، وقد أنكرها الكفار والمشركون، وزعموا أن الله عز وجل لا يعيد الأموات إلى الحياة مرة أخرى، (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الإسراء: ٤٩].
وقد ساق الله عز وجل في كتابه العزيز الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة الدالة على حقيقة البعث بعد الموت.
وقد تنوعت أساليب القرآن الكريم في إثبات حقيقة البعث؛ فتارة يستدل بالنشأة الأولى للخلق؛ وذلك كما في قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟp ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [يس: ٧٨-٧٩].
فالذي خلق الخلق أول مرة قادر سبحانه على إعادة الخلق مرة أخرى، (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الروم: ٢٧].
وتارة يستدل القرآن الكريم على حقيقة البعث بخلق ما هو أعظم من بعث الناس، وهو خلق السماوات والأرض، والآيات في ذلك كثيرة؛ منها قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الأحقاف: ٣٣].
فخلقه تعالى للسماوات والأرض من أعظم البراهين على بعث الناس بعد الموت؛ «لأن من خلق الأعظم الأكبر لا شك في قدرته على خلق الأضعف الأصغر» 36.
وتارة يستدل القرآن الكريم على حقيقة البعث بإحياء الأرض الميتة؛ فكما أن الله عز وجل يحي الأرض بعد موتها فهو سبحانه قادرٌ على إحياء الناس بعد أن تبلى أجسادهم، وتفنى عظامهم، وقد ذكرت آيات كثيرة من كتاب الله عز وجل هذه الحقيقة العظيمة؛ من ذلك قوله سبحانه: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [الروم: ٥٠].
أي: انظروا نظر استبصار واستدلال، واستدلوا بذلك على أن من قدر على إحياء الأرض قادرٌ على إحياء الموتى، وهذا من قبيل الاستدلال بالشاهد على الغائب 37.
ومن آيات الاستدلال على حقيقة البعث بإحياء الأرض الميتة قول الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [فصلت: ٣٩].
فتلك الأرض الخاشعة الميتة، التي لا نبات فيها ولا حياة أحياها الله عز وجل بما أنزل عليها من ماء من السماء، ولا ريب بأن من كانت هذه قدرته فهو قادرٌ على إحياء الناس بعد الموت والفناء، قال الشنقيطي: «وما أشار إليه جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أن إحياء الأرض بعد موتها برهانٌ قاطعٌ على قدرة من فعل ذلك على إحياء الناس بعد موتهم؛ لأن الجميع إحياءٌ بعد موتٍ، وإيجادٌ بعد عدم» 38.
ومن تلك الآيات أيضًا قول الله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الأعراف: ٥٧].
فكما أنه سبحانه أحيا الأرض بعد موتها بالنبات، فكذلك يخرج الموتى من قبورهم، بعد ما كانوا رفاتًا متمزقين، وهذا استدلال واضحٌ بينٌ لكل ذي عقلٍ؛ فإنه لا فرق بين الأمرين39.
قال ابن كثير: « أي: كما أحيينا هذه الأرض بعد موتها كذلك نحيي الأجساد بعد صيرورتها رميمًا يوم القيامة؛ ينزل الله تعالى ماءً من السماء؛ فتمطر الأرض أربعين يومًا؛ فتنبت منه الأجساد في قبورها كما ينبت الحب» 40.
وهناك آياتٌ كثيرةٌ في كتاب الله عز وجل غير ما تلك الآيات السابقة فيها استدلال على قدرة الله عز وجل على بعث الناس بعد موتهم بقدرته سبحانه على إحياء الأرض الموات، والعبرة في ذلك أن العبد عليه أن يتبصر ويتفكر في مخلوقات الله عز وجل من حوله، ويتأمل في آياته سبحانه في خلق النبات والشجر من الأرض الميتة؛ ليعلم علم اليقين أن من قدر على ذلك قادرٌ سبحانه على إحياء الموتى من قبورهم، وما يعجزه ذلك؛ فهو سبحانه على كل شيء قدير.
وبعد هذه الأدلة الواضحة، والبراهين الساطعة، التي لا تخفى إلا على من عمي بصره، ولا ينكرها إلا من عطل فكره، نعلم أنه من أعجب العجب قول منكري البعث سائلين منكرين: أإنا لفي خلق جديد؟! وكأنه لم تكن لهم أعين يبصرون بها قدرة الله عز وجل على الإحياء من حولهم، وكأنه لمن تكن لهم قلوبٌ تعي آيات الله عز وجل من حولهم (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الرعد: ٥].
والعجب تغير النفس برؤية المستبعد في العادة، والخطاب في هذه الآية للرسول صلى الله عليه وسلم، ومعناه: إنك إن تعجب من إنكارهم النشأة الآخرة، وتكذيبهم للبعث مع إقرارهم بابتداء الخلق فإن ذلك حقًا من العجائب؛ فإن الذي توضح له الآيات، ويرى من الأدلة القاطعة على البعث ما لا يقبل الشك والريب، ثم ينكر ذلك فإن قوله غاية العجب، وقيل: معنى الآية: وإن تعجب من تكذيبهم إياك بعدما كانوا حكموا عليك بأنك من الصادقين، فإن تكذيبهم بالبعث والنشور أعجب 41.
قال الزمخشري في معنى الآية: «وإن تعجب يا محمد من قولهم في إنكار البعث فقولهم عجيبٌ، حقيقٌ بأن يتعجب منه؛ لأن من قدر على إنشاء ما عدد عليك من الفطر العظيمة، ولم يعي بخلقهن، كانت الإعادة أهون شيءٍ عليه وأيسره؛ فكان إنكارهم أعجوبةٌ من الأعاجيب» 42.
وفي ختام هذا المبحث يتبين أن آيات الله عز وجل في النبات -كغيرها من آيات الله في جميع المخلوقات- تدل بوضوح، وتشهد بجلاء على أن لها خالقًا عظيمًا، مدبرًا حكيمًا، لا يعجزه شيء، ولا تخفى عليه خافية، وإن تلك الآيات لا يغفل عنها إلا من صرف بصره، وعطل عقله، وطمس فطرته، وأعرض عن آيات ربه عز وجل وبراهينه متعاليًا مستكبرًا؛ فأعمى الله بصيرته، وختم على سمعه وقلبه؛ والمتدبر في تلك الآيات لا يجد مفرًا من الإقرار الجازم والاعتراف الصريح الحازم بوجود الله عز وجل ووحدانيته، واتصافه بكل صفات الجمال والكمال والجلال، وأنه سبحانه قادر على إحياء الموتى، ومحاسبهم على أعمالهم، تعالى ما أعظم ملكه، وما أعز سلطانه.
النبات ومظاهر النعمة على البشر
إن نعم الله عز وجل على عباده لا تعد ولا تحصى؛ فلقد أسبغ الله سبحانه على عباده نعمه الظاهرة والباطنة، وكلما تأمل العبد وتفكر في نعم المولى سبحانه زاد معرفة بعظمة تلك النعم، وزاد إيمانه بقول ربه جل وعلا: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [إبراهيم: ٣٤].
وأنى للعباد أن يحصوا تلك النعم، وفي كل قطرة ماء يشربونها نعمة، وفي كل نسمة هواء يستنشقونها نعمة، وفي أنفسهم وما حولهم من الكون نعمٌ ظاهرة وباطنة، (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [لقمان: ٢٠].
نعمٌ لا يعدها عادٌ، ولا يطيق إحصاؤها العباد، وقد امتن الرب سبحانه -في كثير من آيات الكتاب العزيز- على عباده بوفير نعمه عليهم، وذكرهم سبحانه بفضله، وحثهم على شكر تلك النعم، والقيام بحقها.
ولا شك أن النبات الذي يخرجه الله عز وجل من الأرض الميتة، ويجعله رزقًا للعباد من النعم العظمى، والعطايا الكبرى من المولى تعالى، فكم فيه من المنافع العظيمة، وكم فيه من الفوائد الجليلة، وكم فيه من الخيرات والبركات التي تعود على الخلق والعباد؛ لذا فقد كثرت في كتاب الله عز وجل الآيات التي تذكر العباد بنعمة النبات، وبما جعل الله عز وجل فيه للعباد من نعم ومنافع وخيرات، ومن تلك الآيات قوله تعالى في سياق تعداد نعمه على عباده: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵÈ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀÓ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [إبراهيم: ٣٢-٣٤].
ولا شك بأن مظاهر نعم الله عز وجل في النبات كثيرة لا تحصى؛ فهي عديدة ومتنوعة، منها ما تم اكتشافه والتعرف عليه، ومنها ما هو غائب عن العباد لم يعرفوه بعد، و لذا لا يمكن أن يستوفى الحديث عن تلك النعم في وريقات قليلة، أو مطالب قصيرة؛ بل الأمر يحتاج إلى بحوث مطولة، ومؤلفات مطنبة، إلا أن الباحثين أشاروا في المطالب الآتية إلى بعض مظاهر النعيم في النبات، وذلك من خلال الاستشهاد بآيات الذكر الحكيم، وبعض أقوال أهل التفسير.
أولًا: النبات مصدر أساسي لغذاء الإنسان ورزقه:
إن من أعظم النعيم الذي جعله الله عز وجل في النبات أن الله عز وجل جعله المصدر الأساسي لطعام الإنسان وغذائه على هذه الأرض؛ إذا النبات هو الأساس في غذاء الإنسان، ومعظم ما يتغذى عليه البشر إنما هو من النباتات التي ينبتها الله سبحانه لعباده؛ فالحبوب بشتى أنواعها، والبقول بشتى أصنافها، والخضار بجميع أشكاله وألوانه، والفواكه كلها، كل ذلك من النبات، ومعلوم أن تلك الأغذية هي أساس طعام الإنسان، وعليها يعتمد في غذائه.
وكم لفت الخالق سبحانه أنظار عباده إلى نعمة الغذاء في النبات الذي أخرجه لهم، وبين لهم أنه قد جعل لهم في هذا النبات ما يأكلون.
ومن الآيات التي ذكرت ذلك قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒc ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝn ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ) [يس: ٣٣-٣٥].
إن ذلك لمن آيات الله الباهرات، والتي فيها دلالة واضحة، وبرهانٌ بين ساطع على قدرة الخالق سبحانه، وعلى عظيم عطاياه لعباده؛ فهو سبحانه الذي أخرج الزرع والحب، وهو سبحانه الذي جعل الجنات وأصناف الفاكهة والثمار، وما ذاك كله إلا من رحمته تعالى بعباده، لا بسعيهم ولا كدهم، ولا بحولهم وقوتهم43.
والملاحظ أن القرآن الكريم لم يقتصر على ذكر الفاكهة والثمار على وجه العموم والإجمال؛ بل ذكر أصنافًا وأنواعًا خاصة منها؛ فذكر الزيتون، والرمان، والنخيل، والعنب، والتين.
وذلك كما في قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [النحل: ١١].
وفي قوله عز وجل: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنعام: ١٤١].
ولا شك بأن تخصيص بعض النباتات والأشجار والثمار بالذكر دون غيرها فيه تنبيه على فضلها وعظيم نفعها.
لقد أخبر الله سبحانه في كتابه العزيز أنه جعل من النبات جنات النخيل والأعناب، وبساتين الفاكهة والثمار، ومزارع الحبوب والخضار، وفي ذلك كله غذاء وطعام يتغذى عليه الإنسان ويتنعم به، ويطلب رزقه من خلاله.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ/ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ= ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المؤمنون: ١٨-٢٠].
يخبر سبحانه في هذه الآيات بأنه أنزل الماء من السماء، وأنشأ به جنات النخيل والأعناب، التي يتغذى عليها العباد، ويتفكهون بها، وقد خصت الآية ذكر الأعناب والنخيل دون غيرهما من الثمار لبيان فضل هاتين الشجرتين، قال الشوكاني: «واقتصر سبحانه على النخيل والأعناب لأنها الموجودة بالطائف والمدينة وما يتصل بذلك، وقيل: لأنها أشرف الأشجار ثمرةً، وأطيبها منفعةً وطعمًا ولذةً»44.
وفي قوله تعالى: (ﭫ ﭬ) أي: تتغذون، أو المعنى: منها ترزقون، وتحصلون معاشكم، وذلك من خلال الفلاحة والزراعة، والتي هي من أبواب الرزق الوفير الذي جعله الله عز وجل لعباده45.
وفي قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) إخبار عن شجرة الزيتون المباركة، والتي تنبت في أرض مباركة، وتنبت للعباد الصبغ والدهن، ومعنى ذلك أن من فوائد هذه الشجرة المباركة أنها تنبت ثمرة فيها الزيت الذي هو صبغ وطعام وإدام يأتدمون به، ويأكلون منه، ويدهنون ويصطبغون به 46.
ومن رحمة الله عز وجل وفضله على عباده أن جعل النباتات مختلفة متنوعة؛ منها الخضار، ومنها الحبوب، ومنها الفاكهة والثمار، منها ما يؤكل مباشرة دون طهي، ومنها ما يحتاج لطهي، منا الحلو، ومنها المالح والحامض، منها الرطب اللين، ومنها الجاف واليابس، منها ما يؤكل كطعام أساسي، ومنها ما يؤكل للتفكه، وإن من النبات أصنافًا لم يتعرف عليها الإنسان بعد، ولم يدرك قدر نفعها وقيمة التغذي عليها؛ فأصناف النبات عظيمة، ومنافعها جليلة، وقد أخبر الله سبحانه بأنه أخرج للعباد نبات كل شيء، قال سبحانه: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأنعام: ٩٩].
فهذه الآية شملت جميع ما أخرجه الله عز وجل من نباتات متنوعة.
والإنسان يحتاج في غذائه إلى التنوع، ولا يمكن أن يقتصر في غذائه على صنف واحدٍ من الطعام، أو على نوع واحدٍ من النبات أو الثمار؛ بل يحتاج لأنواع الخضار، والفاكهة، والنباتات، فجسم الإنسان يحتاج إلى البروتين اللازم لبناء الأنسجة، وتعويض التالف منها، ويحتاج للكربوهيدرات والدهون اللازمة لتوليد الطاقة الحرارية للحركة والنشاط، ويحتاج للفيتامينات الضرورية لنمو العضلات، وقوة الإبصار، وقوة الغضاريف والأربطة ومرونتها، ويحتاج إلى الأملاح المعدنية، اللازمة لتكوين العظام والأسنان، وكل تلك المغذيات متوفرة في أصناف النباتات، وأنواع الزروع والثمار.
وفضلًا عن ذلك فإن الفواكه والخضروات تمتاز بنكهتها اللطيفة، وألوانها الجذابة، وتحوي الفواكه على نسب متفاوتة من السكر، كما تحوي على نسب عالية من الماء، وتمتاز الفواكه بأنها مصدر مهم للألياف غير القابلة للهضم، والتي تساعد على تنظيم سير الكتلة الغذائية المتبقية بعد الهضم في الأمعاء الغليظة، وطرحها إلى الخارج 47، فسبحان من جعل في تركيب النبات عناصر تتوافق مع حاجات جسم الإنسان، بنسب معينة، ومقادير محددة، وسبحان من جعل في النبات الغذاء الكامل للإنسان 48.
وقد أباح الله عز وجل لعباده أن يأكلوا مما أنبت لهم من النبات، ومما أخرج لهم من الأرض من أصناف الفاكهة والحبوب والثمار؛ بل إنه سبحانه أمرهم بذلك أمر إباحة وتحليل.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأنعام: ١٤١].
وأمرهم بأن يأكلوا مما رزقهم حلالًا طيبًا فقال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النحل: ١١٤].
فهذا أمرٌ من الله عز وجل لعباده بأن يأكلوا من رزقه، وبأن يشكروا نعمه التي أنعم عليهم، قال ابن كثير: «يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين بأكل رزقه الحلال الطيب، وبشكره على ذلك؛ فإنه المنعم المتفضل به ابتداءً، الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له» 49.
وكما أن النبات غذاء للإنسان فهو أيضًا غذاء للحيوانات والطيور؛ فالحيوان يأكل النبات ويتغذى عليه، وكذلك أمم من الطيور لا يحصيها إلا خالقها لا تتغذى إلا على النبات، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك، قال الله سبحانه (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ) [السجدة: ٢٧].
ولا شك بأن تغذي الحيوانات والأنعام على النبات يعود بالنفع على الإنسان؛ إذ إن الإنسان يتغذى على تلك الأنعام، وينتفع من لبنها، وأصوافها، وأشعارها، وجلودها، ولذا فقد امتن الله سبحانه على عباده بأن جعل لهم من النبات ما يسيمون أنعامهم فيه، ويرعون.
قال الله عز وجل: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل: ١٠].
وبهذا فإن من مظاهر النعم في النبات أن جعله الله عز وجل غذاءً للحيوان والأنعام، ثم يعود نفعها على الإنسان في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه، فلله الحمد والشكر.
وفضلًا على أن النبات مصدر غذاء الإنسان فهو أيضًا مصدر للصحة والدواء والعلاج؛ فكم من دواء جعله الله عز وجل في أصناف النبات، وكم من علاج وشفاء وضعه الله عز وجل في النبات، ولقد اكتشف علماء الطب والتغذية الكثير من الأدوية والعلاجات الموجودة في النبات والثمار، ويكفي الإشارة هنا إلى أن العسل الذي ينتجه النحل إنما أصله من النبات والثمار؛ حيث إن النحل يتغذى على النبات فقط، كما ألهما ربها عز وجل 50؛ فلقد أوحى الله سبحانه إلى النحل أن تتخذ من الجبال والأشجار بيوتًا، وأن تأكل من كل الثمرات؛ ليخرج من بطونها ذلك الشراب المبارك، الذي فيه غذاءٌ، وشفاءٌ، ودواءٌ للعالمين.
قال الله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓd ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النحل: ٦٨-٦٩].
والنباتات التي تدخل في علاج الإنسان وغذائه كثيرة لا تعد ولا تحصى، وعلى العباد أن يجتهدوا في معرفة الفوائد والمنافع التي أودعها الخالق سبحانه فيما خلق من نبات وزروع وثمار.
ومما لا ينبغي أن يغفل عنه أن النفع المادي للنبات لا يقتصر على كون النبات مصدر للطعام والغذاء والدواء فقط؛ بل يجب أن ينظر إلى النبات على أنه رزق51 من الله عز وجل لخلقه وعباده، بكل ما تحمله كلمة رزق من دلالات، وقد أخبر الله عز وجل بذلك في غير آية من الكتاب العزيز.
من ذلك قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [البقرة: ٢٢].
وقوله عز وجل: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨy ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ) [ق: ٩-١١].
فلقد وصف الله عز وجل ما يخرجه للعباد من ثمرات بأنه رزق لهم، وفي آيات عدة استعمل القرآن الكريم لفظ الرزق للدلالة على الغيث الذي ينزله الله عز وجل من السماء، وينبت به الزرع والثمار للعباد52.
من ذلك قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الجاثية: ٥].
وكذلك قوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [غافر: ١٣].
فقد سمى الله عز وجل ما ينزله من السماء من غيث رزقًا للعباد؛ وذلك لأنه بهذا الغيث تحيى الأرض، وينبت النبات والشجر، وتخرج الحبوب والثمار، ويحصل الرزق للعباد.
ويفهم من هذه الآيات أن النبات هو المصدر الأول لرزق الإنسان على الأرض، وهو مورد النعم المباشرة وغير المباشرة، وهو من أعظم طرق الكسب المشروع، وعلى العباد أن يشكروا من خلق لهم النبات، وجعل فيه الغذاء والدواء، وجعله رزقًا وافرًا للعباد، فسبحان الخالق، وتبارك المنعم53.
ثانيًا: النبات من مصادر الإبهاج والإسعاد:
إن مظاهر النعم التي أودعها الله عز وجل في النبات لا تقتصر على كون النبات مصدر أساسي لرزق الإنسان وغذائه ودوائه؛ بل إن تلك المظاهر أجل من ذلك وأعظم، فهناك وجوه أخرى للنعيم جعلها الخالق المصور سبحانه في النباتات؛ فمن ذلك مظهرها الجميل، وشكلها البهيج، وصورتها البديعة، تنشرح لرؤيتها الصدور، وتدخل على النفس السرور؛ تتمتع بها الأعين، وتسر بها النفوس، وتسعد بها القلوب، تعجب المتأملين، وتسر الناظرين، فيها الخضرة المبهجة، وفيها الأزهار الزاهية، وفيها الثمار اليانعة، ومنها الرياحين الفواحة، والورود الزاهية، ومنها جنات معروشات وغير معروشات، وحدائق ذات بهجة وسرور، وكل هذا من مظاهر النعيم في النبات، فسبحان من خلقها، وتبارك من زينها وصورها.
قال الله عز وجل ممتنًا على عباده، ومذكرًا لهم ببعض مظاهر النعيم فيما خلق لهم من النباتات: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [النمل: ٦٠].
فالمولى سبحانه هو الذي خلق السماوات والأرض، وأنزل الماء للعباد، فأنبت به الحدائق ذات الحسن والبهاء والجمال، والتي تبهج من رآها، وتدخل السرور إلى قلب من شاهدها، وهذا من فضله سبحانه على عباده 54.
وفي موضع آخر من الكتاب العزيز يلفت الخالق سبحانه أنظار عباده إلى ما ينبت لهم من نبات بهيج؛ ليتفكروا في آيات ربهم، وليعلموا عظيم نعمه، وجزيل فضله سبحانه عليهم.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الحج: ٥].
وقال سبحانه في موضع آخر: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗh ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [ق: ٧-٨].
والبهيج من النبات هو: الحسن الجميل، وهو الذي يسر به الناظرون، ويسعد به المشاهدون، ووصف النبات بهذا الوصف يفيد تقوية الاستدلال على دقة صنع الله تعالى، ويفيد أيضًا الامتنان عليهم بذلك؛ ليشكروا النعمة ولا يكفروها 55.
وبهذا فإن ما في النبات من بهجة وحسن يعد من مظاهر النعم التي أودعها الخالق سبحانه في النبات؛ فينعم العباد بالبهاء والجمال، وحسن المنظر، وطيب الرائحة، ويتفكروا في آيات ربهم، ويشكروا نعمه العظيمة عليهم.
ثالثًا: النبات ونعمة الإقامة والسكنى:
لا شك أن من حاجات الإنسان الضرورية في هذه الحياة الدنيا الحاجة إلى السكنى والقرار؛ إذ الإنسان محتاج إلى بيت يؤويه، وإلى مكان آمن مريح يحتمي فيه، ويقي به نفسه الحر والبرد، ويستر فيه عورته، ويضع فيه متاعه، ويتمتع فيه بالاستقرار، و لا يمكن أن تستقيم حياة الإنسان بدون ذلك، وقد ذكر القرآن الكريم هذه النعمة.
وذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النحل: ٨٠].
حيث ذكرت هذه الآية أن من نعم الله عز وجل على عباده أن جعل لهم بيوتًا يسكنون فيها، ويحتمون بها، ويحفظون فيها أنفسهم وأهليهم وأمتعتهم، ويقضون حاجاتهم ومنافعهم فيها، وينتفعون بها بسائر وجوه الانتفاع، وجعل سبحانه لعباده أيضًا من جلود الأنعام بيوتًا خفيفة، يستخفون حملها في أسفارهم؛ يضربونها في إقامتهم وفي سفرهم وحضرهم، وكل ذلك من نعم الله عز وجل على عباده 56.
وقد قرن الله عز وجل بين نعمة المقام الكريم ونعمة الجنات والعيون والزروع وذلك في قوله عز وجل في سياق الحديث عن إهلاك فرعون وجنده: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃÖ ﰅ ﰆ ﰇ) [الشعراء:٥٧-٥٨].
وفي موضع آخر قال سبحانه في نفس السياق: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂS ﮄ ﮅ ﮆW ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الدخان: ٢٥-٢٧].
«والمراد بالمقام الكريم ما كان لهم من المجالس والمنازل الحسنة» 57.
وفي هذا دلالة واضحة على أن نعمة السكنى والمقام الكريم نعمة جليلة، قرنت بنعمة الجنات والعيون والزروع والفاكهة، ولا يحصل النعيم بالجنات والعيون إذا فقدت نعمة الإقامة بأمن واستقرار.
وللنبات الذي أنعم به الخالق سبحانه على عباده دور كبير في توفير نعمة الإقامة والسكن للإنسان؛ فلقد علم الله عز وجل الإنسان -من لحظة نزوله على الأرض- كيف يستفيد من الأشجار والنباتات في بناء بيوته، وإقامة مساكنه من جذوع النبات وأغصانها وأوراقها، ولا زال الناس إلى عصرنا هذا يستفيدون مما خلق الله عز وجل لهم من أشجار في بناء بيوتهم، وصنع أمتعتهم وأثاثهم، وحتى تلك البيوت العصرية لا تستغني عن أخشاب الأشجار في صنع أبوابها وأثاثها.
ولا يقتصر نفع النبات والأشجار على الإنسان في توفير نعمة السكن والإقامة في كونها أساسًا لبناء البيوت وأماكن السكنى؛ بل الأمر أعظم من ذلك بكثير، فالنبات كان منذ العصور الأولى لحياة الإنسان على الأرض سببًا لاستقراره وإقامته؛ وذلك أن الإنسان قد علمه الله عز وجل الزراعة، والزراعة تتطلب من الإنسان أن يستقر بجانبها؛ يبذر بذورها، ويرعاها ويعتني بها، ثم يحصد ويجني ثمارها، وبهذا تعلم الإنسان الاستقرار والسكنى في مكان واحد.
والإنسان المعاصر يعتمد كثيرًا في صناعاته على أخشاب النباتات والأشجار، وما أكثر الصناعات القائمة على النبات؛ كصناعة الأوراق، والأثاث، والأدوات، والمعدات، والفحم النباتي، والألياف، والنسيج، وصناعة الزهور والعطور، وكثيرًا من الصناعات المتنوعة، وهذا كله من الفوائد والمنافع التي أودعها الله عز وجل في النبات، ولم يذكر القرآن الكريم هذه الفوائد بالتفصيل؛ وإنما أشار إليها ضمنًا على أنها رزقًا للعباد، (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢٢].
حتى يستخدم الإنسان عقله وتفكيره في البحث عن تلك المنافع والفوائد. ولا شك أن من الفوائد والنعم التي جعلها الله عز وجل في النبات -مما يتصل بنعمة الإقامة والسكنى- أن فيها نعمة الظل الظليل، والوقاية من حر الشمس؛ يستريح في ظلها العباد، وينعم تحت أغصانها الناس، وقد ذكر الخالق تعالى عباده بتلك النعم العظيمة.
قال عز وجل: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [النحل: ٨١].
فالله سبحانه هو الذي جعل لعباده الظل في النبات والشجر وفي كل ما يستظل به؛ يستريحون فيه من حر الشمس، ويكنهم من الأمطار والرياح58.
وهو سبحانه من ألهم عباده إلى الانتفاع بتلك المخلوقات، والتوقي بها من أضرار الحر والبرد؛ فخلق الظلال صالحة للتوقي من حر الشمس، وخلق الكهوف في الجبال ليمكن الالتجاء إليها، وخلق مواد اللباس مع الإلهام إلى صناعة نسجها، وخلق الحديد لاتخاذ الدروع للقتال 59.
وبهذا فإن النبات فيه نعمة توفير الإقامة والسكنى للإنسان، وتلك نعمة عظيمة لا يستغني عنها الإنسان، ولا يعيش بدونها، وتلك النعم تستوجب على العباد شكر المنعم سبحانه، والإقرار بمنته وفضله على عباده، ولله الحمد والشكر.
إن المتأمل في آيات الكتاب العزيز التي ذكرت النبات يجد أن هذه الآيات قد ذكرت أنواعًا متعددة، وأصنافًا كثيرة من النبات والأشجار، وذكرت بعضًا مما تثمره من الفاكهة والثمار، والملاحظ أن آيات الذكر الحكيم فصلت الحديث عن بعض أصناف النبات، وأجملت الحديث عن بعضها الآخر، وبعض الآيات شملت جميع أصناف النبات، كما في قول الله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأنعام: ٩٩].
وفي قوله عز وجل: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الحج: ٥].
ومما ينبغي الإشارة إليه هنا أن القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد للعالمين، وليس كتابًا متخصصًا بالنباتات وأنواعها وخصائصها وفوائده؛ وما في القرآن الكريم من حديث عن النبات إنما هو في سياق الحديث عن آيات الله عز وجل، وبراهين وجوده، ودلائل عظمته، وبيان فضله ونعمه على عباده، إلا أنه لا يخلوا تخصيص هذه النباتات والثمار بالذكر دون غيرها من فوائد دنيوية تنفع الإنسان في معاشه، وهذا يحتاج إلى مزيد جهد وبحث من العلماء للوقوف على ما في تلك النباتات والثمار من فوائد.
ويجد المتأمل لكتاب الله عز وجل أن الآيات التي ذكرت النبات منها ما تحدثت عما ينبته الله عز وجل من الأرض من نبات الدنيا، ومنها آيات تحدثت عن بعض ما في الآخرة من نبات وأشجار، وفي النقاط الآتية بيان ذلك.
أولًا: نبات الدنيا :
لقد ذكر القرآن الكريم أنواعًا عديدة من النباتات التي يخرجها الله عز وجل لعباده من الأرض؛ فذكر الحب المتراكب، وذكر أصنافًا من الخضار؛ كالبصل والقثاء والفوم، وذكر أصنافًا من الفاكهة؛ كالعنب والتين، والرمان وغير ذلك، والآيات في ذلك عديدة.
فبعض الآيات ذكرت ما يخرجه الله عز وجل من الأرض من ثمرات للعباد، كما في قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢٢].
فذكر الله عز وجل هنا ما يخرجه لعباده من الثمرات، وذلك في سياق الاستدلال على ربوبيته سبحانه، ووجوب عبادته وحده، وبيان فضله سبحانه ونعمه على عباده؛ فهو سبحانه من جعل الأرض فراشًا والسماء بناءً، وهو سبحانه من ينزل الماء من السماء، ويخرج به من الثمرات رزقًا للعباد، فوجب بذلك على العباد أن يفردوه وحده بالعبادة دون سواه؛ لذا سبقت هذه الآية بقول الله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [البقرة: ٢١].
ولفظ الثمرات في الآية لفظٌ عامٌ يشمل جميع ما يطعمه العباد وينتفعون به من النبات والشجر60.
قال القرطبي في معنى الآية: «والمعنى في الآية أخرجنا لكم ألوانًا من الثمرات، وأنواعًا من النبات؛ طعامًا لكم، وعلفًا لدوابكم» 61.
والملاحظ هنا أن القرآن الكريم استعمل جمع القلة (الثمرات)، ولم يستعمل جمع الكثرة (الثمر) أو (الثمار)، مع أن ما يخرجه الله عز وجل لعباده من الأرض كثيرٌ جمٌ، وأصنافه كثيرة عظيمة، وكذا أنواعه وأشكاله، وعلل بعض المفسرين ذلك بأنه قصد بالثمرات جماعة الثمرة، كما في قولهم: فلان أدرك ثمرة بستانه، يريدون ثماره كلها، أو أن الجموع يحل بعضها مكان بعض؛ لالتقائها في الجمعية 62.
وذكر بعض المفسرين أن في ذلك تنبيهًا على قلة ثمار الدنيا، وإشعارًا بتعظيم أمر الآخرة وما فيها من ثمارٍ ونعيمٍ، والله أعلم63.
وفي آية أخرى -وهي من أعظم الآيات التي تحدثت عن النبات- ذكر الله عز وجل ما يخرجه من نبات على وجه الإجمال، ثم فصل ذكر بعض أصنافها.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنعام: ٩٩].
فقوله تعالى في بداية الآية: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) يشمل جميع أصناف النبات، ويشمل كل ما أطلق عليه نبات؛ فيشمل ما كان له ساق قوية كالنخل والزيتون والرمان، ويشمل الزرع الذي له ساق لينة كالقصب وأصنافًا من الخضار، ويشمل الشجر المعروش كالعنب، ويشمل ما كان على وجه التربة بلا ساق، وهو النجم، مثل البطيخ واليقطين والقرع؛ فقوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ) يفيد العموم في الخبر، فيشمل النباتات مختلفة الأصناف والأنواع والثمرات والأشكال والخصائص والأطعمة والألوان.
ثم بعد هذا الإجمال أتت الآية بالتفصيل في أنواع بعض النبات؛ فقال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ)، والخضر هو أول ما يكون عليه النبات عند خروجه من الأرض؛ حيث يكون طريًا غضًا أخضر اللون، وقد خص بعض المفسرين المراد بالخضر بالزرع والحبوب؛ كالقمح والذرة والشعير وغيرها64.
ولعل الأصوب أن لفظ: (خضرًا) يشمل جميع النبات؛ إذ إن لفظ: (خضرًا) نكرة، والنكرة تفيد العموم، والمراد به أول خروج النبات من التربة.
ثم فصلت الآية في ذكر بعض أنواع النبات فقال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)، فذكرت الآية الحب المتراكب؛ كالأرز والقمح والشعير، وذكرت بعض الأشجار التي تقوم على ساقٍ قويةٍ؛ كالنخيل والزيتون والرمان، وذكرت الآية أيضًا من النبات ما كان بحاجة إلى أن يعرش له كالعنب، ووصفت الآية ذلك النبات كله بأنه (ﯔ ﯕ ﯖ)، إشارة إلى أن بعض النبات يشبه بعضه، وبعض الثمر يشبه بعضه في الشكل أو اللون أو المذاق، يقول محمد رشيد رضا في تفسيره: «وصرحوا بأن المشتبه والمتشابه هنا بمعنى واحد، والحق أن في الصفتين فرقًا؛ فمعنى اشتبها: التبس أحدهما بالآخر من شدة الشبه بينهما، ومعنى تشابها: أشبه أحدهما الآخر ولو في بعض الوجوه والصفات، فهذا أعم مما قبله، ولا شك في أن بعض ما ذكر يتشابه ولا يشتبه، وبعضه يتشابه حتى يشتبه على البستاني الماهر»65.
وفي آية أخرى يخبر الله سبحانه عن بعض أصناف النبات فيقول سبحانه: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنعام: ١٤١].
فذكرت هذه الآية الجنات من النباتات المعروشات، وهي النباتات التي تحتاج لإسنادها على العرش؛ لصيانة ثمرها من الهلاك، وذكرت الجنات من النبات غير المعروش، وهي تشمل جميع النباتات التي تقوم على سيقان قوية، ولا تحتاج لعرش، كالنخيل والزيتون والرمان.
وقد وردت هذه الآية في سياق الحديث عن ضلالات المشركين في التحليل والتحريم بأهوائهم، وجعلهم لشركائهم نصيبًا مما رزقهم الله عز وجل، وتحريم بعض ما أحل الله سبحانه، فناسب أن يذكر الله عز وجل في هذه الآية أنه سبحانه هو الذي خلق تلك الأشجار والثمار، وهو الذي رزق العباد بأصناف الأطعمة، وألوان النعيم، وهو سبحانه من أحل ذلك لعباده، ولا ينبغي أن يحرم أحدٌ شيئًا مما أحله الله عز وجل؛ فالله هو وحده الخالق، وهو سبحانه وحده المحلل والمحرم، (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الأعراف: ٥٤].
وفي كتاب الله عز وجل آيات أخرى ذكرت أصنافًا معينة من النبات والثمار كما في قوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [النحل: ١١].
وفي قوله عز وجل: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الرعد: ٤].
وكذا في قوله سبحانه: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ§ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ¬ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ² ﯢ ﯣ ﯤ¶ ﯦ ﯧº ﯩ ﯪ½ ﯬ ﯭÀ ﯯ ﯰÃ ﯲ ﯳ ﯴ) [عبس: ٢٤-٣٢].
والملاحظ في هذه الآيات ونظائرها في كتاب الله عز وجل أنها تذكر ما أخرج الله عز وجل لعباده من الأرض من نبات وثمار في سياق تعداد الله عز وجل لنعمه على عباده، وتذكيرهم بفضله عليهم، أو في سياق دعوة العباد للتفكر والنظر في آيات ربهم عز وجل؛ ليصلوا بهذه الآيات الباهرات إلى الإيمان بعظمة الخالق سبحانه، واستحقاقه للعبادة دون سواه، قال الشنقيطي -رحمه الله- في تفسير الآية الأول من هذه الآيات: «بين الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن إنباته بالماء ما يأكله الناس من الحبوب والثمار، وما تأكله المواشي من المرعى، من أعظم نعمه على بني آدم، ومن أوضح آياته الدالة على أنه هو المستحق لأن يعبد وحده، وأوضح سبحانه هذا المعنى في آيات كثيرة»66.
وقد ختمت كثير من هذه الآيات بما يحث العباد على التفكر والتعقل والنظر فيما خلق الله عز وجل لهم، وفيما أخرجه لهم من الأرض، كقوله تعالى: (ﯘ ﯙ) [السجدة: ٢٧].
وقوله عز وجل: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الرعد: ٤].
وقوله: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [طه: ٥٤].
وفي ذلك تحفيز للعباد على التفكر فيما أخرج الله عز وجل لهم من نبات الأرض، للوصول إلى الإيمان بعظمة الخالق، وعظيم منته وفضله على خلقه.
وعند التأمل في الآيات التي تحدثت عن النبات وبعض أصنافها نجد أن هذه الآيات ذكرت بعض النباتات بأسماء ثمارها؛ كالعنب والتين والزيتون والرمان، وذكرت نباتات أخرى بأسماء أشجارها مثل النخيل والزرع، وذكرت بعضها باسم نوعه فقط كالفاكهة والحبوب، وفي ذلك إشارة إلى التفاضل بين النبات، واعتماد الإنسان في غذائه على أنواع أكثر من أنواع أخرى؛ فغذاء الإنسان يعتمد أكثر على الحبوب والزروع، وهي أقوات للإنسان، أما أنواع الفاكهة فهي للتفكه أكثر مما هي قوت، فلا يعتمد عليها الإنسان في قوته.
وقد خص القرآن الكريم بعض أصناف الفاكهة بالذكر دون بقية الأصناف، فخص العنب والتين والزيتون والرمان والنخيل، ولعل الحكمة من ذلك أن هذه الأنواع هي المعروفة والمشهورة أكثر لدى الناس في كل زمان ومكان، ثم إن هذه الأنواع هي التي كانت موجودة في أرض العرب وقت نزول القرآن، ثم إن هذه الأنواع فيها الكثير من الفوائد الغذائية والصحية -منها ما تم اكتشافه ومنها ما يحتاج إلى بحث-، وهي ثمار تؤكل على مدار السنة؛ طازجة ومجففة.
أما الحبوب والخضار فلم يرد في القرآن الكريم تفصيل أنواعها؛ إلا ما ورد في سياق قصة موسى عليه السلام مع قومه لما طلبوا منه أن يسأل ربه أن يخرج لهم مما تنبت الأرض.
وذلك في قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة: ٦١].
ولعل الحكمة من عدم التفصيل في ذكر أصناف الحبوب والخضار أنهما يعدان قوتًا أساسيًا للإنسان، فالإنسان يتغذى عليها كأقوات وليس للتفكه، وكأن حاجته إليها هي التي تدفعه إلى تناولها، وليس رغبة في التفكه كما الحال في أصناف الفاكهة والله أعلم67.
وهكذا يجد المتأمل في كتاب ربه أن حديث القرآن عن النبات جاء في سياق أمرين؛ إما للدلالة على عظمة الخالق المصور، أو لبيان فضل الله وكرمه على عباده، وفي كلا الأمرين مصلحة كبرى للعباد؛ إذ بهما يتوصلون إلى الإيمان العميق بعظمة ربهم، واستشعار عظيم نعمه عليهم، فيزيدهم ذلك قربًا إلى ربهم عز وجل، ومزيدًا من شكره على فضله ونعمه.
ثانيًا: نبات الآخرة:
تحدث عن نبات الآخرة وأشجارها، وقد ذكرت آيات كثيرة ما يتعلق ببعض أشجار الجنة.
إنه من خلال استقراء آيات القرآن الكريم التي ذكرت النبات نجد أن جزءًا من هذه الآيات قد تحدث عن نبات الآخرة وأشجارها، وقد ذكرت آيات كثيرة بعض ما في الجنة من أشجار ظليلة مثمرة، وثمار دانية منضودة، وذكرت بعض الآيات شيئًا مما في نار جهنم من شجر الزقوم الذي فيه العذاب والغصة لأهل النار.
وبتأمل الآيات التي تحدثت عن أشجار الجنة نجد أن الله عز وجل قد أخبر عن أوصافها وثمارها بما يشوق المؤمنين لها، ويرغبهم بالعمل الجاد لتحصيلها؛ ومن ذلك أنه سبحانه أخبر عن أشجار الجنة بأنها أشجار كثيفة ملتفة الأغصان، متنوعة الثمار، وإنما سميت الجنة بذلك لكثرة شجرها، وتشابك أغصانها68.
وقد قال الله عز وجل: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الحجر: ٤٥].
وقال سبحانه: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚk ﮜ ﮝ ﮞ) [الدخان: ٥١-٥٢].
وقد أخبر الله عز وجل بأن أشجار الجنة شديدة الخضرة، كثيرة الري، فقال سبحانه: (ﯪ ﯫ ﯬ¿ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ Ä ﯳ) [الرحمن: ٦٢-٦٤].
ومعنى مدهامتان: شديدتا الخضرة، فهما خضراوان تضربان إلى السواد من شدة الري69، وإذا كان الشجر والنبات بهذه الصفة فهو في غاية الحسن والجمال.
ولقد أخبر الله عز وجل عن نبات وأشجار الجنة بأنه حدائق وبساتين، تحتوي على جميع الأشجار والفاكهة والثمار.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ$ ﭕ ﭖ) [النبأ: ٣١-٣٢].
قال ابن عاشور: «والحدائق: جمع حديقة، وهي الجنة من النخيل، والأشجار ذوات الساق، المحوطة بحائط أو جدار أو حضائر، والأعناب: جمع عنب وهو اسم يطلق على شجرة الكرم ويطلق على ثمرها»70.
لقد أخبر الله عز وجل عباده بأنه قد أعد للمتقين منهم جنات فيها الظلال والعيون، وفيها أصناف الفاكهة مما يشتهون، وفيها النعيم المقيم.
قال الله سبحانه: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ´ ﯤ ﯥ ﯦ¹ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭÀ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [المرسلات: ٤١-٤٤].
ومما أخبر الله عز وجل به أيضًا عن أشجار الجنة أن ظلها ممدودٌ عظيمٌ، لا ينحسر ولا ينقطع، ولا تنسخه الشمس71، قال الله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [النساء: ٥٧].
وقال سبحانه: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇX ﮉ ﮊ ﮋ\ﮍ ﮎ_ ﮐ ﮑb ﮓ ﮔe ﮖ ﮗh ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الواقعة: ٢٧-٣٣].
ومعنى قوله: (ﮉ ﮊ ﮋ): الذي لا شوك فيه، الوافر الحمل الموقر72.
ومعنى قوله: (ﮍ ﮎ): الموز الذي نضد بعضه على بعض، وجمع بعضه إلى بعض، وهذا من خصائص ثمار أشجار الجنة كلها منضودة، بعضها فوق بعض، من أسفل الشجرة إلى أعلاها، لا يرى الساق من تراكب الثمر73 في غاية الحسن والبهاء.
إن الثمار التي تنتجها أشجار الجنة ثمارٌ عظيمة، لا تنقطع، ولا تمنع، قال الله عز وجل: (ﮖ ﮗh ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الواقعة: ٣٢-٣٣].
فثمار الجنة وفاكهتها دائمة؛ لا تنقطع في حين دون حين، ولا تمنع بالحيطان والنواطير، ولا تنقطع إذا جنيت ولا تمنع من أحد إذا أريدت؛ إنما هي مطلقة لمن أرادها، قريبة لمن اشتهاها 74.
قال ابن كثير: «أي: لا تنقطع شتاءً ولا صيفًا؛ بل أكلها دائمٌ مستمرٌ أبدًا، مهما طلبوا وجدوا، لا يمتنع عليهم بقدرة الله شيء، وقال قتادة: لا يمنعهم من تناولها عودٌ ولا شوكٌ ولا بعدٌ» 75.
ولقد ورد في السنة المطهرة أخبار كثيرة في وصف أشجار الجنة وثمارها وسيقانها، من ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب) 76.
ومن ذلك حديث عتبة بن عبد السلمي أن أعرابيًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم... وفي الحديث: (فقال الأعرابي: يا رسول الله فيها فاكهة؟ قال: (نعم؛ وفيها شجرةٌ تدعى طوبى، هي تطابق الفردوس)، فقال: أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: (ليس تشبه شيئًا من شجر أرضك؛ ولكن أتيت الشام؟) قال: لا يا رسول الله، قال: (فإنها تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة، تنبت على ساق واحد، ثم ينتشر أعلاها)، قال: فما عظم أهلها؟ قال: (لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك لما قطعتها حتى تنكسر ترقوتها هرمًا)، قال: فيها عنب؟ قال: (نعم)، قال: فما عظم العنقود منها؟ قال: (مسيرة شهر للغراب الأبقع لا يقع ولا ينثني ولا يفتر)، قال: فما عظم الحبة منه؟ قال: (هل ذبح أبوك تيسًا من غنمه عظيمًا فسلخ إهابه فأعطاه أمك فقال ادبغي هذا ثم افري لنا منه ذنوبا يروي ماشيتنا؟) قال: نعم، قال: فإن تلك الحبة تشبعني وأهل بيتي، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: (وعامة عشيرتك)77.
وفي السنة أخبار كثيرة عن أشجار الجنة لا مجال لحصرها هنا.
وفي القرآن الكريم ذكر شجرة من أشجار الجنة، وهي شجرة طوبى، ورد ذكرها في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الرعد: ٢٩].
فقد ذكر المفسرون أن من معاني طوبى أنها شجرة في الجنة 78.
قال ابن عطية: «وقيل: طوبى اسم شجرة في الجنة، وبهذا تواترت الأحاديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طوبى شجرة في الجنة، يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام لا يقطعها اقرؤوا إن شئتم :(ﮐ ﮑ)»79.
ومن أشجار الجنة أيضًا سدرة المنتهى، والتي ورد ذكرها في كتاب الله عز وجل في قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐa ﮒ ﮓ ﮔe ﮖ ﮗ ﮘ) [النجم: ١٣-١٥].
وهي شجرة عظيمة، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن بعض أخبارها في حديث الإسراء فقال: (ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى؛ وإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال)80.
قال ابن الجوزي: «قال المفسرون وإنما سميت سدرة المنتهى: لأنه إليها منتهى ما يصعد به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها وإليها ينتهي علم جميع الملائكة»81.
وكما أن القرآن الكريم ذكر بعض أشجار الجنة وثمارها، فقد ذكر أيضًا بعض أشجار النار، وهي شجرة الزقوم، والتي جعلها الله عز وجل لونًا من ألوان العذاب لأهل النار.
وقد أخبر الله عز وجل عن بعض أوصافها، فقال سبحانه: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑb ﮓ ﮔ ﮕ ﮖg ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝn ﮟ ﮠ ﮡ ﮢs ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩz ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ£ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الصافات: ٦٢-٦٨].
وفي موضع آخر من الكتاب العزيز قال سبحانه: (ﭬ ﭭ ﭮ? ﭰ ﭱB ﭳ ﭴ ﭵ ﭶG ﭸ ﭹ) [الدخان: ٤٣-٤٦].
إنها لشجرة شنيعة المنظر، فظيعة المظهر، مرة المذاق، وهي شجرة خلقها الله في نار جهنم، وسماها الشجرة الملعونة، فإذا جاع أهل النار التجؤوا إليها فأكلوا منها، فغلت في بطونهم كما يغلي المهل، وهو النحاس المذاب 82.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن شدة مرارة تلك الشجرة فقال: (ولو أن قطرةً من الزقوم قطرت؛ لأمرت على أهل الأرض عيشهم؛ فكيف من ليس لهم طعام إلا الزقوم؟!) 83.
لقد استعمل القرآن الكريم أساليب عدة للتأثير على النفس البشرية؛ من أجل هدايتها وتزكيتها، ومن أعظم هذه الأساليب أسلوب ضرب المثل، وهذا الأسلوب كثيرٌ في القرآن الكريم، استعمله القرآن للكشف عن الحقائق، وإبراز المعاني في ثوب جميل، يجذب الأذهان، ويؤثر في السامع، فيحضه على الخير، وينفره من الإثم والشر، ويدفعه إلى فعل الفضائل.
وللمثل مدلولات كثيرة في اللغة العربية، وقد وضع العلماء له تعريفات عديدة؛ كتعريف الراغب إذ يقول: «والمثل عبارة عن قول في شيءٍ يشبه قولًا في شيءٍ آخر، بينهما مشابهة؛ ليبين أحدهما الآخر ويصوره، نحو قولهم: الصيف ضيعت اللبن، فإن هذا القول يشبه قولك: أهملت وقت الإمكان أمرك، وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى من الأمثال» 84.
وقال ابن القيم: «وقع في القرآن أمثالٌ، وإن أمثال القرآن لا يعقلها إلا العالمون، وأنها شبيه شيءٍ بشيءٍ في حكمه، وتقريب المعقول من المحسوس، أو أحد المحسوسين من الآخر» 85.
ويمكن تعريف المثل بأنه: أسلوب من أساليب الخطاب، يقوم على إبراز المعنى المعقول في صورةٍ حسيةٍ تزيده وضوحًا وجمالًا.
وإذا ما تأمل المرء ما في القرآن الكريم من أمثال وجد أن النبات له نصيبٌ كبيرٌ من ضرب المثل به، فكثيرة هي الأمثال القرآنية التي يكون فيها الممثل به هو النبات أو الشجر؛ كضرب مثل كلمة التوحيد بالشجرة الطيبة، وضرب مثل مضاعفة أجر الإنفاق في سبيل الله عز وجل بالسنبلة التي أنبتت سبع سنابل، وضرب مثل الحياة الدنيا بالزرع الهائج الذي سرعان ما يصير حطامًا، وغير ذلك من الأمثال التي كان فيها النبات هو المضروب به.
وفي النقاط الآتية بيان بعض الأمثال القرآنية التي كان النبات فيها هو الممثل به.
أولًا: كلمة التوحيد:
إن كلمة التوحيد هي أصل الإيمان، وبها يخرج العبد من الكفر إلى الإيمان، ولأجلها أرسل الله عز وجل الرسل والأنبياء، وهي مفتاح الجنة، والمنجية من النار، ولقد ضرب الله عز وجل مثلًا عظيمًا لكلمة التوحيد (لا إله إلا الله)؛ وذلك لبيان أهميتها وفضلها وشرفها، ولبيان منافعها على الموحدين، ضرب سبحانه لها مثلًا بالشجرة الطيبة المباركة، التي جمعت أوصاف الحسن والكمال، فقال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀÓ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [إبراهيم: ٢٤-٢٥].
لقد أخبر الله سبحانه أن مثل كلمة التوحيد كمثل تلك الشجرة الطيبة؛ في كمال صفاتها، وعظيم نفعها، وقد ذكر سبحانه لتلك الشجرة المضروب بها المثل صفات أربع، هن أعظم صفات يجتمعن في شجرة من الشجر:
فالصفة الأولى: كونها طيبة؛ طيبة المنظر والصورة، وطيبة الرائحة، وطيبة الثمرة، وطيبة المنفعة.
والصفة الثانية: أصلها ثابتٌ راسخٌ باقٍ، آمنٌ من الانقلاع والزوال.
والصفة الثالثة: أن فرعها في السماء، وهذا من كمال حالها؛ إذ إن ارتفاع الأغصان وقوتها يدل على ثبات الأصل ورسوخ العروق، وكلما كانت الفروع متصاعدةً مرتفعةً كانت بعيدة عن عفن الأرض، فكانت ثمراتها نقية ظاهرة طيبة عن جميع الشوائب.
والصفة الرابعة: أنها تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فثمرها حاضرٌ دائمٌ في كل الأوقات، ليست كغيرها من الأشجار التي يكون ثمرها حاضرًا في بعض الأوقات، مقطوعًا في بعضها الآخر 86.
هذه الشجرة الطيبة العظيمة هي التي ضرب الله عز وجل بها المثل لكلمة التوحيد، ووجه الشبه بين كلمة التوحيد وتلك الشجرة الطيبة إن كلمة التوحيد كلمة طيبة، أصلها ثابت في قلب المؤمن، لا تتزعزع، ولا يشوبها شكٌ ولا ريب، فهي كالشجرة ذات الأصول القوية الثابتة في الأرض، لا تزعزعها الرياح أو السيول، ثم كلمة التوحيد لها فروعها من الكلم الطيب، والعمل الصالح، والأخلاق المرضية، والآداب الحسنة، تصعد إلى الله عز وجل في السماء دائمًا، كفروع الشجرة العظيمة الممتدة في السماء، وكلمة التوحيد تثمر دائمًا وبدون انقطاع الطيبات من الأقوال والأعمال الصالحات، كثمار الشجرة الطيبة التي لا تنقطع87.
قال ابن القيم: «شبه سبحانه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة؛ لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح، والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع، وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذين يقولون: الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله؛ فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة؛ الظاهرة والباطنة؛ فكل عمل صالح مرضي لله عز وجل فهو ثمرة هذا الكلمة»88.
فهذه كلمة التوحيد والإيمان؛ من آمن بها كانت له كالشجرة الطيبة المثمرة، ومن حرم منها حرم الخير كله، وهذا المثل القرآني العظيم يبين أعظم بيان عظمة تلك الكلمة، ويصورها بأحسن صورة، وأجمل هيئة؛ ليقرب المعنى إلى الأذهان، وليغرس في القلوب الإيمان.
ثانيًا: الإنفاق في سبيل الله:
إن النفس البشرية مفطورةٌ على حب المال، وحب كنزه والاحتفاظ به؛ فهو عزيز عليها، لا تستطيع أن تتخلى عنه أو تنفقه بسهولة، لذا فقد جعل الله عز وجل إنفاق المال في سبيله من أعظم الطاعات، ومن أجل القربات، ينال به العبد ثواب الله عز وجل ورضوانه، ولبيان فضل إنفاق المال في سبيل الله عز وجل ولتوضيح عظم ربح المنفقين عند ربهم عز وجل، ضرب الله سبحانه لعباده مثلًا عظيمًا للمنفقين في سبيله، فقال سبحانه: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة: ٢٦١].
والمقصود بالإنفاق في سبيل الله عز وجل في الآية -حسب أقوال المفسرين-؛ إما مطلق الإنفاق في وجوه البر والخيرات؛ واجبًا كان أو نفلًا 89، وإما المراد الإنفاق في الجهاد في سبيل الله عز وجل 90.
والأظهر -والله أعلم- أن الإنفاق في سبيل الله عز وجل في الآية يعم جميع الإنفاق في وجوه البر، وأن أعظم هذه الوجوه هو إنفاق المال في الجهاد في سبيل الله عز وجل؛ لإعلاء كلمة الله سبحانه.
وهذا المثل الذي ضربه الله سبحانه للمنفقين في سبيله مثلٌ عظيم، يرغب العباد في الإنفاق، ويحثهم على البذل والعطاء؛ فلقد شبه الله سبحانه حال المنفق في سبيله بحال الزارع الحاذق الذي زرع في الأرض الخصبة العامرة حبةً جيدةً طيبةً؛ فأنبتت الحبة سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، فشبه سبحانه المتصدق بالزارع، وشبه الصدقة بالبذر الذي يبذره الزارع في الأرض، وشبه الأجر العظيم للإنفاق بالمحصول المضاعف الذي نتج عن تلك البذور التي زرعت، فالله عز وجل يعطي المنفق بكل صدقة له سبعمائة حسنة، ثم يضاعف سبحانه الأجر والعطاء لمن يشاء91.
ولا شك بأن في هذا المثل ترغيب عظيم للمؤمنين في الإنفاق في سبيل الله، ولا تكاد هذه الآية المباركة التي اشتملت على هذا المثل تقرع قلوب المؤمنين إلا وتشتاق أنفسهم للإنفاق والعطاء، رغبة في الثواب العظيم، والأجر الوفير من أكرم الأكرمين.
قال ابن القيم: «شبه سبحانه نفقة المنفق في سبيله -سواء كان المراد به الجهاد، أو جميع سبل الخير من كل برٍ- بمن بذر بذرًا؛ فأنبتت كل حبة سبع سنابل، اشتملت كل سنبلةٍ على مائة حبة، والله يضاعف بحسب حال المنفق، وإيمانه، وإخلاصه، وإحسانه، ونفع نفقته، وقدرها، ووقوعها موقعها» 92.
ثالثًا: أعمال الكافر كالحرث الذي دمرته الريح:
إن من مات على الكفر لا يقبل الله عز وجل منه عملًا صالحًا؛ إذ الإيمان والإخلاص لله عز وجل شرط قبول الأعمال عند الله سبحانه، ومهما عمل الكافر من عملٍ فلا يقبل منه، ولا يثاب يوم القيامة عليه؛ لأنه ما عمل ذلك ابتغاء وجه الله سبحانه، ولم يكن يرجو لقاء ربه عز وجل.
ولقد ضرب الله عز وجل مثلًا عظيمًا لأعمال الكفار في عدم نفعها لأصحابها؛ إذ ضرب سبحانه لها مثلًا بالسراب، الذي يراه الظمآن المقطوع في أرض الفلاة الخالية فيظنه ماءً، فيسعد به، ويسرع إليه، حتى إذا جاءه صعق بحقيقة الأمر، إذا علم أن ما كان يرجوه ما هو إلا سراب لا حقيقة له ولا وجود.
قال الله عز وجل: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ [ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [النور: ٣٩-٤٠].
فكما أن السراب لا ينفع من أتاه وسعى إليه، فكذلك أعمال الكافر لا تنفع صاحبها، والكافر يحسب أن عمله سينفعه، ولكنه إذا أتاه الموت واحتاج إلى عمله، لم يجد عمله أغنى عنه شيئًا، ولا نفعه 93.
إن حاجة الظمآن إلى الماء شديدة، ورغبته فيه عظيمة، يتمنى أن يفقد كل ما له من الدنيا مقابل أن يظفر بشربة ماء، فإذا رأى السراب وظنه ماءً أخذته الفرحة، وغمره السرور، فأسرع لينال بغيته، فإذا به يصدم بما يراه، ويشعر بالخيبة والحسرة والألم عند اكتشافه حقيقة السراب، وهكذا الكافر يجد من الحسرة والخيبة والندامة ما لا يعلمه إلا الله حينما لا ينفعه عمله، ولا يغني عنه ما كسبه، قال الله سبحانه: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الفرقان: ٢٣].
وقد اشتملت الآية الثانية على مثل آخر لأعمال الكافرين؛ حيث شبه الله عز وجل أعمالهم بالظلمات الشديدة القاتمة، التي تكون في أعماق بحرٍ عميق، يغشاه موج، ومن فوق الموج موج، ومن فوق ذلك سحاب، ظلمات فوق ظلمات، وهذا مثل حال الكافرين الذين هم في ظلمات الجهل، وظلمات الاتباع للباطل، والجري وراء المضلين، من غير علمٍ أو تعقلٍ، فقلوبهم في ظلمات متراكبة، لا تعرف حقًا، ولا تنكر باطلًا 94.
يقول ابن القيم في ذلك: «ذكر الله سبحانه للكافرين مثلين؛ مثلًا بالسراب، ومثلًا بالظلمات المتراكمة، وذلك لأن المعرضين عن الهدى والحق نوعان:
أحدهما: من يظن أنه على شيءٍ؛ فيتبين له عند انكشاف الحقائق خلاف ما كان يظنه، وهذه حال أهل الجهل، وأهل البدع والأهواء، الذين يظنون أنهم على هدى وعلم، فإذا انكشفت الحقائق تبين لهم أنهم لم يكونوا على شيء، وأن عقائدهم وأعمالهم التي ترتبت عليها كانت كسراب يرى في أعين الناظرين ماءً، ولا حقيقة له...
والنوع الثاني: أصحاب مثل الظلمات المتراكمة، وهم الذين عرفوا الحق والهدى، وآثروا عليه ظلمات الباطل والضلال؛ فتراكمت عليهم ظلمة الطبع، وظلمة النفوس، وظلمة الجهل، حيث لم يعلموا بعلمهم فصاروا جاهلين، وظلمة اتباع الغي والهوى؛ فحالهم كحال من كان في بحر لجي لا ساحل له، وقد غشيه موج، ومن فوق ذلك الموج موج، ومن فوقه سحابٌ مظلمٌ، فهو في ظلمة البحر، وظلمة الموج، وظلمة السحاب، وهذا نظير ما هو فيه من الظلمات التي لم يخرجه الله منها إلى نور الإيمان» 95.
ولا شك بأن في هذين المثلين تحذير للكفار من سوء عاقبة أعمالهم، ودعوة لهم للتخلص من ظلماتهم، والاستنارة بنور ربهم عز وجل، فإنه ليس للعبد غنىً عن نور ربه، (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [النور: ٤٠].
رابعًا: مثل الحياة الدنيا وزهرتها:
كثيرًا ما يغتر الناس بالحياة الدنيا وزينتها، ويشعرون بالاطمئنان لها، والسكون إليها، ويتناسون أن وراءهم دار الآخرة والخلود، والتي فيها النعيم المقيم، أو العذاب الأليم، ولأن الحياة الدنيا غرارة، يغتر بها العباد، تعددت أساليب القرآن الكريم في التحذير منها ومن الركون إليها، والاطمئنان لها، وذلك من خلال بيان حقيقتها، وكشف أمرها، وبيان زيف مظاهرها، وسرعة انقضائها، وقلة نعيمها.
ومن أعظم أساليب القرآن المجيد في بيان حقيقة الحياة الدنيا، وتحذير العباد من الاغترار بها أسلوب ضرب المثل لها؛ فلقد ضرب الله عز وجل للناس مثل الحياة الدنيا بأمر حسي يشاهدونه من حولهم، ويعلمون حقيقته بكل حواسهم، ضرب سبحانه مثل الحياة الدنيا بالنبات الذي يخرج عند نزول الماء من السماء، يخرج أخضرًا يانعًا، يسر من رآه، يبهج من نظر إليه، ثم ما يلبث إلا ويصير مصفرًا يابسًا، لا حياة فيه ولا خضرة، ثم يصير حطامًا تبعثره الرياح، وكذلك الحياة الدنيا في سرعة فنائها، واغترار الناس بزينتها.
قال الله عز وجل: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [يونس: ٢٤].
إن أوجه التشابه كثيرة بين حال الحياة الدنيا وحال النبات؛ فالإنسان يخرج إلى الدنيا وينمو فيها كما ينمو النبات، ثم يمر الإنسان في دنياه بمراحل وأطوار كما في النبات من أطوار، والإنسان يعجب بالدنيا وزهرتها وبهجتها كما يعجب الزراع بالزرع إذا هاج وازدهر، ومتاع الدنيا فيه غرور للإنسان؛ يفرح به ثم يأتيه الموت فجأة فتنتهي حياته، وكذلك النبات والزرع عندما يراه الإنسان مزدهرًا يغتر به، ويظن أنه دائم، ثم يفاجأ بهلاكه بغتةً؛ فإذا هو مستأصل لا شيء فيه، وتصبح الأرض(ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ)، أي: لم تكن مخضرةً عامرةً؛ فكما يهلك الله عز وجل هذا الزرع بغتةً، فكذلك ذهاب الدنيا وفنائها 96.
قال ابن القيم: «شبه سبحانه الحياة الدنيا في أنها تتزين في عين الناظر؛ فتروقه بزينتها، وتعجبه؛ فيميل إليها، ويهواها اغترارًا منه بها، حتى إذا ظن أنه مالكٌ لها، قادرٌ عليها، سلبها بغتةً، أحوج ما كان إليها، وحيل بينه وبينها؛ فشبهها بالأرض الذي ينزل الغيث عليها؛ فتعشب، ويحسن نباتها، ويروق منظرها للناظر؛ فيغتر به، ويظن أنه قادرٌ عليها، مالك لها، فيأتيها أمر الله؛ فتدرك نباتها الآفة بغتةً، فتصبح كأن لم تكن قبل، فيخيب ظنه، وتصبح يداه صفرًا منها، فهكذا حال الدنيا والواثق بها سواء، وهذا من أبلغ التشبيه والقياس»97.
وفي آية أخرى ضرب الله عز وجل ذلك المثل للحياة الدنيا في سرعة انقضائها، وقرب زوالها، بسرعة انقضاء النبات، قال الله عز وجل: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [الكهف: ٤٥].
إن في هذا المثل الذي ضربه الله عز وجل للحياة الدنيا لبيان حقارتها وسرعة انقضائها، ليعرفها العباد حق المعرفة، وتحذيرهم من الركون إليها، وحثهم للاستعداد للدار الآخرة، التي تكون فيها الحياة الحقيقية الأبدية (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [العنكبوت: ٦٤].
وأن من تعلق بالدنيا وركن إليها مصيره إلى الندم والحسرة كمن ركن إلى الزرع الأخضر فصار حطامًا يابسًا 98.
«فلا يفخر ذو الأموال بكثرة أمواله، ولا يستكبر على غيره بها، ولا يغترن أهل الدنيا بدنياهم، فإنما مثلها مثل هذا النبات الذي حسن استواؤه بالمطر، فلم يكن إلا ريث أن انقطع عنه الماء، فتناهى نهايته، عاد يابسًا تذروه الرياح، فاسدًا، تنبو عنه أعين الناظرين، ولكن ليعمل للباقي الذي لا يفنى، والدائم الذي لا يبيد ولا يتغير» 99.
لقد اعتنى العلماء بدراسة النبات عناية فائقة، وأصبح للنبات علمًا مستقلًا عن باقي العلوم؛ يدرس في المعاهد والجامعات، وتعطى فيه أعلى الدرجات العلمية، وتؤلف فيه الكتب والموسوعات، وتنفق الأموال الطائلة في إجراء البحوث والدراسات عليه، ولا زال العلماء يكتشفون من عجائبه وأسراره، وكلما تبحروا في دراسته أكثر، كلما عرفوا عنه المزيد.
ولقد وقف علماء النبات على حقائق في النبات قد سبق القرآن الكريم الإشارة إليها، وقد درج العلماء المعاصرون على تسمية ذلك بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم، وفي ذلك دلالة واضحة لكل ذي لبٍ أن القرآن الكريم كلام العليم الخبير سبحانه، وما هو من عند بشر؛ بل أنزله اللطيف الخبير، وفي المطالب الآتية إشارة إلى بعض اللمسات الإعجازية المتعلقة بالنبات في كتاب الله عز وجل.
أولًا: الخضر والحب المتراكب:
إن الآيات التي أشارت إلى حقائق علمية عظيمة تتعلق بالنبات كثيرة في كتاب الله عز وجل، وقد وقف العلماء على بعضها، وكلما تقدم العلم زادت اكتشافات العلماء لتلك الحقائق، ومن الآيات التي أشارة إلى حقائق علمية كبرى تخص النبات قول الله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنعام: ٩٩].
وقد بسط العلماء المختصون تفصيل وجوه الإعجاز العلمي في هذه الآية، نقف على بعضها فيما يأتي:
أخبر الله سبحانه أنه ينزل الماء من السماء فيخرج به نبات كل شيء، ثم يخرج من النبات الخضر، أي: نباتًا أخضرًا غضًا ناضرًا طريًا 100، ولقد اكتشف العلماء المعاصرون أن سبب الخضرة في النبات هي المادة الخضراء (اليخضور)، واكتشفوا أن هذه المادة الخضراء في النبات هي أكبر مصنع للطاقة على وجه الأرض؛ إذ بهذه المادة العظيمة، التي أودعها الله عز وجل في النبات يقوم النبات بامتصاص ضوء الشمس وثاني أكسيد الكربون من الجو، مع الماء الممتص من التربة، ثم يحول ذلك إلى مادة الجلوكوز أو السكر الأحادي، ثم تتحد وحدات الجلوكوز لتكون سلسلة طويلة من السكريات والتي نسميها بالنشا، والذي يخزن في النبات ويستعمله الإنسان والحيوان كمصدر أساسي للغذاء وللطاقة.
ثم أخبر سبحانه أنه يخرج من الخضر الحب المتراكب، فقال سبحانه: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)، وقوله (ﮥ) إذا عادت على النبات فهو الذي يصنع الحب -بإذن الله تعالى-، وإذا عادت على الخضر فهو الوسيلة الحيوية الرئيسية التي هيأها الله تعالى لصنع الغذاء، وإنتاج الحب المتراكب، وإذا عادت على بعض النباتات فهذا حقٌ لأن بعض النباتات تخرج الحب المتراكب؛ مثل القمح والشعير، وبعضها لا يخرج الحب المتراكب بل يخرج ثمارًا وبذور غير متراكبة.
وهذه العمليات الحيوية العظيمة القدر والقيمة تتم بإذن الله تعالى في النبات الذي خلقه الله عز وجل، ولو اجتمع العلماء وأصحاب البحوث العلمية، ومختبرات الفضاء والذرة وأردوا صنع حبة قمح واحدة، وأقاموا لذلك مصنعًا بمساحة قارة لعجزوا عن صنع هذه الحبة من مكوناتها الأولية، فسبحان الخالق ما أعظمه 101.
والعجيب أنه لولا وجود الخضر لما نبت البنات، ولولا الخضر ما تكونت أي مادة غذائية على الأرض، ولولا الخضر ما كان على الأرض نارًا، ولا خشبًا، ولا فحمًا، ولا بترولًا، ولا كهرباء، ولا حياة، فالشمس هي أصل الطاقة على الأرض، واليخضور (الخضر) هو المثبت الأصلي للطاقة الشمسية، من يوم أن خلق الله تعالى النبات الأخضر، فسبحان من أعطى كل شيء خلقه، وسبحان من فطر كل شيء (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الفرقان: ٢].
ثانيًا: السياج من النخل وأثره على ما بداخل الجنات:
لقد تحدث القرآن الكريم عن جنتين أعطاهما الله عز وجل لعبد من عباده، اختبارًا له وابتلاءً، وأخبرنا سبحانه عن قصة ذلك الرجل مع صاحبه، فقال سبحانه: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭÀ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الكهف: ٣٢ -٣٣].
ولا يعنينا في هذا المقام ما ورد في القصتين من أحداث؛ وإنما الشاهد من الآيتين هنا أنهم أشارتا إلى حقيقة هامة في علم الزراعة، وخاصة في زراعة الأعناب.
لقد أخبرت الآيتين عن بستانين من الأعناب يتصفان بأعلى صفات الجودة والحسن والجمال؛ إذ أشجار الأعناب محفوفة ومحاطة بأشجار النخيل، وبين أشجار الأعناب زرع من أنواع النباتات غير الطويلة، وتجري الأنهار بالماء العذب الوفير بين الأشجار، وهذا في غاية الحسن والبهاء، وأخبر سبحانه بأن كلا البستانين أثمر على أحسن ما يكون الثمر وأكثره102.
والإعجاز العلمي النباتي في الآيتين أنهما وصفتا أحسن الأجواء، وأفضل الظروف لزراعة بساتين الأعناب، إذ من المعروف أن أكثر العوامل البيئية تأثيرًا على زراعة الفاكهة عمومًا والعنب خصوصًا هي التربة التي ينمو فيها النبات، ويعيش ويستمد منها كافة احتياجاته الغذائية، وكذلك المناخ بعناصره المختلفة؛ من حرارة ورطوبة ورياح وضوء، والتي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على نمو النبات، وأن هذه العوامل تتداخل فيما بينها، وإن ارتباطها بشكل جيد يزيد من إنتاجية وجودة العنب، كما وأن التقلبات الجوية والسنوية تؤثر على نضج العناقيد، وبطريقة غير مباشرة، على تطور وانتشار الأمراض والآفات.
وقد أثبتت التجارب والأبحاث أن تعرض سطح التربة الزراعية للحرارة والرطوبة يؤثر على خواصها الطبيعية والكيميائية، كما يعرضها للتعرية، وقد وجد أنه من الأفضل زراعة محاصيل تغطية تحمي التربة، وجذور العنب من الجفاف والتعرض المباشر للضوء والحرارة، كما أن زراعة مصدات للرياح من شأنه حماية التربة والنباتات من العواصف الصحراوية الشديدة، وتمنع تساقط الأزهار والعقد، وتثبيت التربة وتحفظها من عوامل التعرية، وبشرط توفير الإضاءة اللازمة للنبات؛ لحاجته إليها؛ لأن التظليل يضرها كثيرًا؛ حيث لا يتحمل العنب سوى ظله فقط، وخير وسيلة لذلك زراعة أشجار النخيل حول بساتين الأعناب كما وصف الله عز وجل.
وأوصت هذه الأبحاث بضرورة زراعة محاصيل تغطية شتوية حينما تتساقط أوراق العنب لتزيد من خصوبة التربة وتساعد على دوران العناصر بها ونشاط الكائنات الدقيقة النافعة ومكافحة الآفات103.
وكل هذه المواصفات قد اشتمل عليها قول الله عز وجل: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)؛ فسبحان من أنزل الكتاب، وجعل فيه الآيات والعبر.
ثالثًا: النار من الشجر الأخضر:
لقد أخبر الله عز وجل في كتابه العزيز أن من دلائل قدرته سبحانه أنه يجعل لهم من الشجر الأخضر الرطب نارًا يستدفئون بها، ويطهون عليها، وينتفعون بها في منافع شتى، قال سبحانه: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [يس: ٨٠].
والمعنى الظاهر للآية: أن الله عز وجل قادرٌ على إخراج النار المحرقة من الشجر الأخضر الرطب، مع أن الخضرة والرطوبة ضد النار المحرقة، وهذا من آيات الله سبحانه؛ فهو سبحانه الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء، حتى صارت خضرًا نضرًا ذا ثمرٍ وينعٍ، ثم أعادها سبحانه إلى أن صارت حطبًا يابسًا، توقد به النار، فكذلك هو سبحانه فعالٌ لما يشاء، قادرٌ على ما يريد، لا يمنعه شيء 104.
إلا أنه في هذا العصر اكتشف العلماء أن مما يقوم به الشجر الأخضر من وظائف إنما هي في غاية الدقة والتعقيد، وفي منتهى الإبداع، ولا تستطيع جميع مصانع البشر حتى تقليدها إلى يومنا هذا؛ فإن عملية التركيب الضوئي التي تتم في الورقة الخضراء عملية في غاية الأهمية للنبات والإنسان والحيوان؛ فمن خلال هذه العملية يصنع النبات مادة الجلوكوز أو السكر الأحادي، ومن ثم النشا، والذي يخزن في النبات ويستعمله الإنسان والحيوان كمصدر أساسي للطاقة.
والنبات الأخضر هو الذي يمتص كميات ثاني أكسيد الكربون الزائدة في الجو، والتي لو زادت عن حدها لأدى ذلك إلى اختلال عظيم على الأرض؛ لكن الورقة الخضراء بأمر الله تنقذنا من هذه المادة الضارة لا بل تحولها إلى مادة هي مصدر طاقة أساسي لمعظم الكائنات الحية ألا وهو الجلوكوز الناتج من المعادلة
والأروع من هذا والأبدع هو الناتج الثاني وهو الأكسجين؛ فلا نار يمكن أن توقد من دون أوكسجين وكم من الكم الهائل من النيران توقد يوميا على هذه الأرض للطهي وفي الصناعات، وكلها لن توقد من دون أوكسجين فمن يعوض كل هذه الكميات المستهلكة من الأوكسجين؟ إنه الشجر الأخضر.
والأكسجين ضروري لكل خلية في كل كائن حي؛ وذلك لأنه بالأكسجين يتم تحويل الغذاء إلى طاقة لازمة لقيام كل خلية بنشاطها الحيوي، وأداء دورها الوظيفي.
وبهذا نرى بديع صنع الله سبحانه، وعظيم خلقه، ونعلم أن النار التي يجعلها الله سبحانه من الشجر الأخضر ليست فقط النار التي توقد من الخشب؛ بل هي أعم من ذلك وأعمق.
وهنا يسأل العاقل نفسه: هل كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من يعلم أن اللون الأخضر في النبات هو سبب وجود النار والطاقة على سطح الكرة الأرضية؟
موضوعات ذات صلة: |
الآيات الكونية، البعث، الرياح، السحاب، السماء، الشجر، الماء |
1 مقاييس اللغة ٥/٣٧٨.
2 لسان العرب ٦/٤٣١٧.
3 المفردات في غريب القران ص٧٨٧.
4 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٨٩٢.
5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٤٩٢.
6 انظر: نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص ٥٨١-٥٨٢.
7 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٣/١٨٢٦.
8 المفردات ص٢١٢.
9 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/١٦٤.
10 لسان العرب ٢/٨١٩.
11 المفردات في غريب القران، الراغب الأصفهاني ص١١٢.
12 مقاييس اللغة ٣/٢٤٦.
13 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٥٦.
14 مفاتيح الغيب ١/٩٣.
15 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٠/١٧.
16 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٤/٥٨٠.
17 انظر: تفسير السمرقندي ١/٤٨٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٤٠٣.
18 مفاتيح الغيب ٣/٣١٩.
19 انظر: الكشاف، الزمخشري ٥/٢٩٨.
20 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٤٤.
21 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٥٣، زاد المسير، ابن الجوزي ٣/١٣٤.
22 الجامع لأحكام القرآن ٧/٩٩.
23 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٢١٧.
24 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٣٣٣.
25 الجامع لأحكام القرآن ١١/٢٤٨.
26 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٨٨.
27 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/١٩٦.
28 تيسير الكريم الرحمن ص٥٠٧.
29 انظر: النبات في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، جواهر محمد باسلوم ص١٥٤.
30 مفتاح دار السعادة ١/٢٣٨.
31 والآية تحتمل وجهًا آخر، وهو: أن الله عز وجل قد علم صلاة كل مصلٍ، وعلم تسبيح كل مسبح، وهو سبحانه عليم بما يفعلون.
انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٠٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٨٧.
32 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٣١٨، معالم التنزيل، البغوي ٤/٣٠٦.
33 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٢١٦.
34 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/١١، زاد المسير، الجوزي ٨/١٠٧.
35 مفتاح دار السعادة ١/٢٣٥.
36 أضواء البيان، الشنقيطي ٧/١٨٣.
37 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٤٥.
38 أضواء البيان ٤/٢٧٩.
39 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٩٢.
40 تفسير القرآن العظيم ٦/٣٢٥.
41 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/٢٩٥، البحر المحيط، أبو حيان ٥/٣٥٨.
42 الكشاف ٣/٣٣٣.
43 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١١/٣٦٠.
44 فتح القدير ٣/٦٨٤.
45 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٥٠، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/١٢٨.
46 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٢٤.
47 انظر: تغذية الإنسان، فاروق فاضل ولامعة جمال ص٣٥٦.
48 انظر: النبات في ضوء القرآن الكريم والسنة، جواهر محمد باسلوم ص١٦١.
49 تفسير القرآن العظيم ٨/٣٦٣.
50 انظر: الطب النبوي، ابن القيم ص٢٧.
51 الرزق كلمة شاملة لعطاء الله عز وجل.
انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٣٨٨، المفردات، الراغب الأصفهاني ص١٩٤.
52 انظر: نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص٣٢٥.
53 انظر: النبات في ضوء القرآن والسنة، جواهر محمد باسلوم ص١٩٤.
54 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٢٢١.
55 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٢٨٩.
56 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٣٧، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٤٥.
57 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٦٦٤.
58 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٢٦٩.
59 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/٢٤٠.
60 انظر: المفردات، الأصفهاني ص٨١.
61 الجامع لأحكام القرآن ١/٢٢٩.
62 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٢١٦.
63 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٣١٩.
64 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٣/٨٨.
65 تفسير المنار ٧/٥٣٥.
66 أضواء البيان ٢/٣٣٧.
67 انظر: النبات في ضوء القرآن الكريم والسنة، جواهر محمد ص٤٧١.
68 قال الراغب: «أصل الجن ستر الشيء عن الحاسة، يقال: جنة الليل، وأجنه ستره.. والجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض.. وسميت الجنة إما تشبيها بالجنة في الأرض وإن كان بينهما بون، وإما لستره نعمها عنا» المفردات، الراغب الأصفهاني ص٩٨.
69 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٣٦٧.
70 التحرير والتنوير ٣٠/٤٤.
71 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/١١٤.
72 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٨/١٣٩.
73 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٨/٢٠٦.
74 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٨/١٤١.
75 تفسير القرآن العظيم ١٣/٣٧٠.
76 أخرجه الترمذي في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أبواب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة شجر الجنة، رقم ٢٥٢٥، ٤/٢٩٢.
قال الترمذي: حديث حسن غريب.
وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ٣٧٣٢، ٣/٢٦٤.
77 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٧٦٧٩، ٤/١٨٣.
وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، رقم ٣٧٢٩، ٣/٢٦٣.
78 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٤٣٤-٤٤٤.
79 المحرر الوجيز ٣/٣١٢.
والحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، ٤/٢١٧٥، رقم ٢٨٢٦، بلفظ: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها.
80 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات وفرض الصلوات، رقم ٣٢٩، ١/٩٩.
81 زاد المسير ٨/٦٩.
82 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/١٤٩.
83 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٧٣٥، ١/٣٠٠.
وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، رقم ٦٧٨٢، ١٤/٦٣٣.
84 المفردات ص٤٦٢.
85 الأمثال في القرآن ص٩.
86 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٩٣.
87 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/٣٤٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٢٥.
88 الأمثال في القرآن ص٣٥.
89 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/٢٥٧.
90 انظر: زاد المسير ١/٣١٦.
91 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٣٠٣، تفسير السمرقندي ١/٢٠٠.
92 الأمثال في القرآن ص٥٠.
93 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٦/٥٢.
94 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٠/٢٥٦.
95 الأمثال في القرآن ص١٥-١٧.
96 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٣٢٨.
97 الأمثال في القرآن ص١٢.
98 انظر: تيسر الكريم الرحمن، السعدي ص٤٧٨.
99 جامع البيان، الطبري ١٨/٣٠.
100 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٤٦، البحر المحيط، أبو حيان ٤/١٩٢.
101 انظر: مقال للدكتور نظمي خليل أبو العطا بعنوان: «فأخرجنا منه خضرًا»، في موقعه على الانترنت.
102 انظر: جامع البيان، الطري ١٨/١٩.
103 انظر: الإعجاز العلمي في تصميم مزارع الأعناب، محمد طاهر موسى، وهو من أبحاث المؤتمر العالمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة، دولة الإمارات، دبي ١٤٢٥هـ ٢٠٠٤م.
104 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١١/٣٨٥.