عناصر الموضوع
الميسر
أولًا: المعنى اللغوي:
المعاني اللغوية للميسر تدور حول معنى محوري جامعٍ لها، وهو: «سريان الشيء الرقيق في الباطن (أو من الباطن) مستطابًا بلطف واتصال، كما يسري السمن في البدن، وفي ما بين الأسارير، وكـوجود اللبن، وكما يطلق اليسر عند العامة على احتباس البول في الدواب»1.
وقد أشار ابن فارس رحمه الله إلى هذا المعنى المحوري كأول المعنيين الكليين الذين ذكرهما لمادة: يسر، فقال: « (الياء والسين والراء) أصلان يدل أحدهما على انفتاح شيء وخفته، والآخر على عضو من الأعضاء، فالأول: اليسر: ضد العسر، ومن الباب الأيسار: القوم يجتمعون على الميسر، وأحدهم يسر - بفتح الياء والسين أو بفتح الياء وسكون السين -، والكلمة الأخرى: اليسار لليد، يقال: تياسروا، إذ أخذوا ذات اليسار »2.
والراجح في نظري اشتقاقه من اليسر بمعنى السهولة، حيث هو معنى أصل للتجزئة، ويتضمن معنى الوصول إلى المال بغير تعب، وهذا ما يستنبط من المعنى المحور للمادة، ومن إشارات المؤلفين في غريب القرآن الكريم3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرفه الإمام مالك رحمه الله في قوله: « الميسر ميسران: ميسر اللهو، وميسر القمار، فمن ميسر اللهو: النرد والشطرنج والملاهي كلها، وميسر القمار: ما يتخاطر الناس عليه» 4
وعرفه الماوردي الشافعي بقوله: « هو الذي لا يخلو الداخل فيه من أن يكون غانمًا إن أخذ، أو غارمًا إن أعطى». 5
وعرفه القاضي أبو بكر ابن العربي بأنه: « طلب كل واحد منهما صاحبه بغلبة في عمل، أو قول؛ ليأخذ مالًا جعله للغالب ». 6 .
وعرف ابن أبي الفتح البعلي القمار بأنه: « المخاطرة الدائرة بين أن يغنم باذل المال أو يغرم أو يسلم »7.
وعرفه الشيخ السعدي بقوله: « وهو: جميع المغالبات، التي فيها عوض من الجانبين، كالمراهنة ونحوها»8.
وهكذا يمكننا القول أن الميسر بمعناه الاصطلاحي في القرآن الكريم يشمل كل معاملة تضمنت مخاطرة أو مراهنة أو مقامرة أو غررًا، فيشمل بيوع الغرر والقمار واللعب بالشطرنج والنرد، وكل معاملة أو لهو كانا سببًا في وقوع العداوة والبغضاء بين الناس، أو الصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
والتعريف المختار أنه: « كل مخاطرة يعلق تمييز مستحق الغُْْْنْمِ والملزم بالغرم من جميع المشاركين فيها على أمر تخفى عاقبته»9.
وذلك لأنه جامع لكل ما يندرج تحت مفهوم الميسر من صور يجمع بينها المخاطرة والجهالة والتعليق بأمر غيبي، وكذلك يمنع دخول غير أفراد الميسر من المعاملات الأخرى التي اختلف في اندراجها تحت مفهوم الميسر، ويسلم من الاعتراضات.
وردت مادة (يسر) في القرآن الكريم (٤٤) مرة 10، يخص موضوع البحث منها (٣) مرات.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
المصدر الميمي |
٣ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [المائدة:٩٠] |
وجاء الميسر في القرآن بمعناه اللغوي، وهو: القمار، سمي بذلك لسهولة مكسبه11.
القمار:
القمار لغة:
طلب الغرة والمخادعة، يقولون: تقمرها: طلب غرتها وخدعها. وقامره فقمره إذا راهنه فغلبه، قال في اللسان: وكأن القمار مأخوذ من الخداع يقال: قامره بالخداع فقمره 12.
القمار اصطلاحًا هو:
« تحكيم الغرر في تمييز الغارم من مستحق الفوز والظفر»13.
ويقصد بهذا التعريف أن تكون جهالة العاقبة محكمة في تمييز الغارم من الفائز في عملية الميسر، حيث لا يدري أي من المتياسرين أيكون فائزًا أو غارمًا، فلا ينبني ذلك على قاعدة مطردة، بل مرجع الأمر إلى ما يخرج من القداح، وهو أمر مجهول حتمًا.
الصلة بين القمار والميسر:
وللتفريق بين الميسر والقمار يقال: الميسر أعم من القمار، فالميسر قد يكون موضوعه اللهو، وقد لا يتضمن مالًا، مثل النرد والشطرنج، أما إذا كان اللعب حول مال يأخذه الغالب من المغلوب، ويبذل فيه المتلاعبون جهدًا عضليًّا، مثل المصارعة والسباق، أو ذهنيًّا مثل لعبة الورق المسماة (بلاك جاك)، أو لعب الشطرنج على مال، فيكون قمارًا14.
المراهنة:
المراهنة لغة:
الرهان والمراهنة: المخاطرة، راهن فلانٌ فلانًا على كذا: اتفقا على أن يكون للسابق أو للفائز منهما مالٌ ونحوه يأخذه من الخاسر15.
المراهنة اصطلاحًا هو:
« عقد يتعهد بموجبه كل من المتراهنين أن يدفع إذا لم يصدق قوله في واقعة غير محققة للمتراهن الذي يصدق قوله فيها مبلغًا من النقود أو أي عوض آخر يتفق عليه»16.
الصلة بين المراهنة والميسر:
وأما الفرق بين الميسر والرهان، فالميسر أعم من الرهان، فالميسر قد يكون موضوعه اللهو، وقد لا يتضمن مالًا، مثل النرد والشطرنج، أما إذا كان اللعب يتضمن مالًا يأخذه الغالب من المغلوب، ولا يتضمن جهدًا عضليًّا أو ذهنيًّا، مثل لعبة الروليت، أو أوراق اليانصيب، فيكون رهانًا17.
الغرر:
الغرر لغة:
الخطر، وهو مثل بيع السمك في الماء والطير في الهواء. وقيل: بيع الغرر المنهي عنه ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول18.
الغرر اصطلاحًا هو:
« ما يكون مجهول العاقبة لا يدرى أيكون أم لا»19.
الصلة بين الغرر والميسر:
المشهور أن الغرر أعم من الميسر؛ لأن بعض أنواع الغرر لا يصح أن يطلق عليه أنه ميسر، فالبيع الذي فيه غرر، والإجارة التي فيها غرر، وغيرهما من العقود، من الخطأ إطلاق كلمة القمار عليها، وتشبيهها به إلا ما تحققت فيه مميزات القمار؛ وعلى هذا فإن كلمة الميسر أخص من كلمة الغرر، فكل ميسر غرر، وليس كل غرر ميسرًا، فبين الغرر والميسر عموم وخصوص مطلق، كما يقول الأصوليون20.
وذهب بعض المؤلفين إلى أنه لا علاقة بين الغرر والميسر والقمار أصلًا، فلكل منهما مجاله المختلف عن غيره، فالغرر في رأيهم يختص بالبيوع، والميسر ليس من أنواع البيوع21.
يقصد بحقيقة الميسر صورته الواقعية في الأزمنة المختلفة، فإذا كان مضمون الميسر واحدًا، فليس من الضرورة أن تتحد صوره وأشكاله، فتلك مظاهر ترتبط بالواقع الاجتماعي والزمني، فميسر الجاهلية بالضرورة يختلف عن ميسر العصر الحديث، والعكس صحيح، كما أن الميسر قبل الإسلام كان عادة اجتماعية ووسيلة من وسائل اللهو، بينما تبدلت الصورة بعد الإسلام، وهذا ما سيظهر من خلال ما يلي:
أولًا: الميسر عند العرب في الجاهلية:
اشتهر الميسر عند العرب في الجاهلية كعادة من العادات الاجتماعية وظاهرة من الظواهر، وهو في الحقيقة صورة تجسد الخلل العقدي وضعف الأصول الدينية لديهم، ولم يكن في أصله لعبةً أو لونًا من اللهو المجرد.
وإذا كان الميسر مذمومًا في الإسلام من وجوه محرمًا بالنص الواجب الاتباع، فقد اعتبروه صورة من صور الكرم والإقدام المحمود أحيانًا، فقد يترتب عليه - رغم ما فيه من إثم -إطعام فقراء العشيرة في الشتاء القارص والبرد الشديد، في موسم الجدب والقحط لقوم جل اعتمادهم على الرعي والتنقل مع المراعي، ولهذا كان التعبير القرآني في آية سورة البقرة: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [البقرة: ٢١٩].
بالنص على أن في الميسر منافع للناس.
قال صاحب المنار: «ومن منافع الميسر مواساة الفقراء كما علمت من عادة العرب التي لا وجود لها الآن»22.
ويلاحظ هنا أمران:
أولًا: دقة التعبير القرآني في عرضه الواقع والحقيقة، بنصه على اشتمال الميسر على منافع، على الرغم من حكمه بتحريمه، وهذا ينطوي على دلالات متنوعة وبراهين ساطعة لمن تدبر وتأمل، كما لا يخفى ما فيه من إعجاز التشريع كما مر.
قال ابن عاشور: «فإن قلت: ما الوجه في ذكر منافع الخمر والميسر مع أن سياق التحريم والتمهيد إليه يقتضي تناسي المنافع؟ قلت: إن كانت الآية نازلة لتحريم الخمر والميسر فالفائدة في ذكر المنافع هي بيان حكمة التشريع؛ ليعتاد المسلمون مراعاة علل الأشياء، لأن الله جعل هذا الدين دينًا دائمًا، وأودعه أمة أراد أن يكون منها مشرعون لمختلف ومتجدد الحوادث، فلذلك أشار لعلل الأحكام في غير موضع»23.
ثانيًا: الصعوبة النسبية في الوقوف على حقيقة الميسر في الجاهلية، حيث قطع الإسلام هذا الأمر بتحريمه، فكان سببًا في الصعوبة النسبية في تفسيره والوقوف على حقيقته.
قال أبو عبيد: «ولم أجد علماءنا يستقصون معرفة علم هذا، ولا يدعونه كله، ورأيت أبا عبيدة أقلهم ادعاءً لعلمه، قال أبو عبيدة: وقد سألت عنه الأعراب فقالوا: لا علم لنا بهذا، لأنه شيء قد قطعه الإسلام منذ جاء، فلسنا ندري كيف كانوا ييسرون»24.
ولعل هذه الصعوبة كانت السبب في عزوف بعض العلماء كابن العربي المالكي عن معالجة الموضوع في كتبهم.
قال ابن العربي في تفسير آية سورة البقرة: « الميسر ما كنا نشتغل به بعد أن حرمه الله تعالى، فما حرم الله فعله وجهلناه حمدنا الله تعالى عليه وشكرناه »25.
وقال أيضًا في تفسير آية سورة المائدة: «وأما الميسر فهو شيء محرم لا سبيل إلى علمه، فلا فائدة في ذكره، بل ينبغي أن يموت ذكره ويمحى رسمه»26.
وللوقوف على حقيقة الميسر في الجاهلية لابد من ترتيب متعلقاته ترتيبًا فكريًّا يوضح صورته جلية، وذلك من خلال الفروع الآتية:
١. زمان الميسر.
اتفق الكاتبون من أهل الأدب واللغة والتفسير على أن فصل الشتاء كان زمانًا للميسر عند العرب، حيث الحاجة والعوز، حين تجدب البلاد وتقشعر الأرض ويتعذر القوت على طالبه، وتتضح هذه الصورة وتتجلى إذا تعلقت بقوم غالبيتهم من الأعراب الرحَّل تبعًا للكلأ والمرعى، وكيف السبيل إلى ذلك والحال كما سبق.
وكان العرب يختارون الليل من الشتاء، باعتباره وقت طروق الضيف، وحين اشتداد البرد، فيوقدون النار ليهتدي بها الضيف، وليستطيعوا أن يزاولوا هذا العمل في يسر27.
وقد سجل الشعر العربي زمان الميسر، فقال الأعشى28:
المطعمو الضيف إذا ما شتوا
والجاعلو القوت على الياسر
وقد أوضح العلامة عبد السلام هارون رحمه الله مدى حرص العربي على الميسر في الشتاء، طلبًا للمفاخرة والتباهي به صيفًا بقوله: « وكان الرجل من العرب يخشى الصيف، أن يحضر الصيف ولم يكن صنع لنفسه في شتائه مفخرة تذكر له حين تذكر المفاخر، فهو يخشى أن يعير في الصيف بنكوصه عن المشاركة في هذا الجهد الاجتماعي، وإمساك يده عن مساعدة القبيلة.
إذا يسروا لم يورث اليسر بينهم
فواحش ينعى ذكرها بالمصايف29
٢. وسائل الميسر وآلاته.
اشتملت عملية الميسر - إذا صح التعبير- عند العرب على عدد من الأركان والوسائل والآلات التي لا تتم بدونها، وتفصيلها كالتالي:
وهو موضوع الميسر ومحوره الرئيس، إذ بغيره لا تتحقق مقاصد الميسر لدى القوم من التفاخر والكرم ومساعدة الفقراء والمحتاجين وقرى الضيوف.
ولفظ: الجزور كما جاء في المعاجم اللغوية أصله الجزر، وهو القطع، ويطلق على الذكر والأنثى، ولكنهم كانوا أكثر ما ينحرون النوق30.
وإن كان الأصل اللغوي يبيح المياسرة بما يسمى جزورًا على الإطلاق، إلا إنهم وضعوا قيودًا وضوابط للجزور المستعمل في تلك العملية.
يقول العلامة عبد السلام هارون رحمه الله: « وليست كل ناقة و لا كل بعير بصالح للميسر، وإنما كانوا يتخيرون أسمنها وأنفسها وأعزها عليهم، فكأنما ألهموا من وراء الغيب: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ) [آل عمران: ٩٢]»31.
وكان الأيسار إذا أرادوا أن ييسروا ابتاعوا ناقة بثمن مسمىً يضمنونه لصاحبها، ولم يدفعوا الثمن حتى يضربوا بالأقداح عليها فيعلموا على من يجب الثمن، ويدفع الثمن من خابت سهامهم متضامنين في ذلك بحسب أنصبتهم لو فازوا، إعمالًا لمبدأ: الغرم بالغنم32.
ومن عاداتهم كذلك التي تواضعوا عليها قبل الضرب بالقداح على الجزور «التأريب»، وصورته: أن يجعلوا بينهم عدلًا يأخذ من كل منهم رهنًا بما يلزمه من نصيب قدحه إن خاب، مقدرًا كل الاحتمالات التي يتعرض لها الغارمون33.
وهذا ضرب من محاولة اكتشاف المستقبل ومعرفة الغيب، وتلك أم الآفات وأساس كل فساد.
ويراد بهم القوم المتقامرون على الجزور، أحدهم: يسر - بفتح الياء والسين-، والأيسار واليسر تسميتهم الأصلية، وقد يقال لهم: ياسرون وأحدهم ياسر على خلاف الأصل؛ لأنهم أيضًا جازرون، إذ كانوا سببًا لذلك34.
وهو من يقوم بتقطيع الجزور، وربما سمي: الياسر كما مر، ويسمونه: «القدار»، ووظيفته معلومة، وله من الجزور نصيب مما سوى الأصول وهو الريم35.
وتسمى عند الأيسار: قداحًا، وزلمًا، وقَلْمًا، وأكثرها استعمالًا: «القِدْح»36 -بكسر القاف وسكون الدال-، وهي عيدان تتخذ من النبع 37، ولذلك وصفت بالاصفرار، وكانوا يستحسنون نحتها من غصون الشجر وقضبها، لخلوها من العقد، وتوصف بالتشابه في المقادير، لأنها لو اختلفت قد يتمكن الضارب من الحيلة فيها، وهي كصغار النبل، وتجعل سواءً في الطول، وتختلف في العلامات والرسوم، ولها رأس صغيرة ناقصة عن مقدار جسمها، ولها طرائق وخطوط مستقيمة ومنحنية تكون في لون العود، تعرف بالسفاسق38.
وكذلك يكون القدح مدورًا أملس كالسهم خاليًا من القوادح والسوس، ويمتاز بالرزانة والسلامة وحسن الصوت إذا ضرب به39.
ولابن الحاجب رحمه الله في أسماء قداح الميسر ثلاثة أبيات، وهي40:
هي فذ وتوأم ورقيب
ثم حلس ونافس ثم مسبل
والمعلى والوغد ثم سفيح
ومنيح وذي الثلاثة تهمل
ولكل مما عداها نصيب
مثله أن تعد أول أول
وقداح الميسر على ضربين:
أولهما: قداح الحظ: وهي سبعة:
وتتميز القداح السابقة بتشابه أجسامها، فلا يمتاز بعضها من بعض إلا بعدد الفروض، وهي الحزوز التي تحز فيها لتبين قدرها، فللفذ حز وللتوأم حزان، وللرقيب ثلاثة، وهكذا، وربما كانت هذه الحزوز بالنار، وتكون في تلك الحالة موسومة غير محزوزة43.
الثاني: القداح التي لا حظ لها ولا نصيب:
ذهب أكثر المؤلفين والكاتبين 44إلى أن السهام التي لا تفوز في الميسر بنصيب ثلاثة هي:
والثلاثة السابقة كما وصفها ابن قتيبة ليس عليها علامات ولا سمات، ولذلك تدعى: «الأغفال»، وسميت بذلك لخلوها من العلامات، وجعلها مع السبعة ذوات الحظوظ لأجل أن يكثر بها العدد، ولتؤمن بها حيلة الضارب45.
وذهب بعض المؤلفين إلى أن السهام التي لا حظ لها أربعة، وهي: السفيح والمنيح والرقيب، وهو الضريب، والوغد46.
وأجود من القول السابق قول من فسر الأربعة بأنها: المصدر والمضعف والمنيح والسفيح47.
وقد يبدو للقارئ بعض الغرابة في القول الثاني، حيث جعل الرقيب، وهو السهم الثالث من سهام الحظ السابقة غفلًا.
ويمكن إزالة هذه الغرابة بإدراك أمرين:
الأول: ثبوت الاضطراب في أسماء قداح الحظ والأغفال لعدم حفظ الأعراب لها، وذلك لتحريم الميسر في الإسلام.
قال أبو عبيد: « سألت الأعراب عن أسماء القداح فلم يعرفوا منها غير المنيح، ولم يعرفوا كيف يفعلون في الميسر». 48
الثاني: - وهو أجود من الأول -ثبوت استعارة الأيسار لبعض أسماء القداح تيمنًا وتطيرًا، ويعرف هذا بالخياض.
قال الأزهري: «... وقال اللحياني: المنيح أحد القداح الأربعة التي ليس لها غنمٌ ولا غرمٌ، إنما يثقل بها القداح كراهة التهمة؛ أولها المصدر ثم المضعف ثم المنيح ثم السفيح، والمنيح أيضًا قدح من قداح الميسر يوثق بفوزه فيستعار ليتيمن بفوزه، فالمنيح الأول من لغو القداح، وهو اسم له، والمنيح الثاني هو المستعار». 49
وقال أيضا: «... والخياض: أن تدخل قدحًا مستعارًا بين قداح الميسر تتيمن به، يقال: خضت به في القداح خياضًا، وخاوضت القداح.. خواضًا ».50
وهي وعاء من الجلد أو نحوه يشد على ما فيه مثل كنانة سهام الرمي، توضع فيها القداح، وهي واسعة بقدر يمكن من استدارة القداح فيها واستعراضها، وفمها ضيق بقدر أن يخرج منها قدحان أو ثلاثة، وتسمى أيضًا: « الربابة » بكسر الراء. 51
وهو بضم الحاء وسكون الراء، ويسمى أيضًا: (المجيل)، و(المفيض)، و(الضارب): الرجل المكلف بتقليب السهام في الخريطة وإفاضتها 53.
ثم دفعها من فم الخريطة، وتعصب الخريطة على يديه، وذلك بعد لف يده بقطعة من جراب، لئلا يجد مس قدح تكون له مع صاحبه محاباة، وأحيانًا يشدون عينيه بعصابة ليحولوا بينه وبين رؤية القداح، ويقوم بذلك الرقيب، ويوصف الحرضة بأنه رجل من الرجال ساقط، لأنه لم يأكل لحمًا قط بثمن، إنما يأكله عند الناس وفي المآدب، ويوصف أيضًا بحدة النظر وسرعة تقليبه، حتى صار ذلك مثلًا، فقالوا: « نظر بعين مفيض»54.
ويسمى أيضًا: (رابئ الضرباء) 55.
ويختار في العادة من الأمناء الموثوق بهم من الرجال، ومهمته مراقبة الحرضة وإدارة رحى الميسر، ويجلس خلف الحرضة، ليتمكن من مراقبته، ومن مضامين وظيفته أيضًا تسلم السهام بعد خروجها من الخريطة ليعلم من صاحبها وليعلن اسمه في حالة الفوز، وكذلك رد السهام الأغفال إلى الربابة إن خرجت مرة، وهو من يأمر الحرضة بجلجلة الأقداح في الخريطة وإفاضتها حتى يخرج سهم من قداح الحظ السبعة56.
ويسمى أيضًا: المجمد، وأصل معناه: البخيل المتشدد، ثم جعل اسمًا للرقيب أو الأمين، لما يقوم به من إلزام كل ذي صاحب سهم بسهمه، ومراقبته للحرضة57.
٣. طريقة تقسيم الجزور.
ذكر المفسرون 58 قديمًا وحديثًا خلافًا في طريقة تقسيم الجزور في عملية الميسر، والخلاف الذي ذكره المفسرون يعتبر من مروياتهم، وهو متفق مع ما ذكره الأدباء وأهل اللغة.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: « وقد اختلفوا في عدد الأجزاء فقال أبو عمرو: على عشرة أجزاء وقال الأصمعي: على ثمانية وعشرين جزءا ولم يعرف أبو عبيدة لها عددًا»59.
ويمكن إجمال كلامهم في ثلاثة آراء:
الأول: وذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن الجزور تقسم إلى ثمانية وعشرين جزءًا على عدد سهام الميسر ذوات الحظوظ، وذلك لأن مجموع أنصباء السهام ثمانية وعشرون نصيبًا، ونسب هذا إلى الأصمعي.
قال أبو جعفر النحاس: «وزعم الأصمعي أن الميسر كان في الجزور خاصة كانوا يقتسمونها على ثمانية وعشرين سهما»60.
الثاني: وذهب أصحاب هذا الرأي إلى أن الجزور تقسم إلى عشرة أجزاء، ونسب هذا القول إلى أبي عمرو الشيباني.
قال أبو جعفر النحاس: « وقال أبو عمرو الشيباني: كانوا يقتسمونها على عشرة أسهم ثم يلقون القداح ويتقامرون على مقاديرهم، وهذا القول ليس بناقض لما تقدم»61.
وقد بين البرهان البقاعي طريقة تقسيم الجزور إلى عشرة أقسام بقوله: «وهيئة ما يفعلون في القمار هو أن تنحر الناقة وتقسم عشرة أجزاء فتجعل إحدى الوركين جزءًا، والورك الأخرى جزء وعجزها جزء، والكاهل جزء، والزور- وهو الصدر- جزء، والملحاة، أي: وسط الظهر ما بين الكاهل والعجز من الصلب جزء، والكتفان وفيهما العضدان جزءان، والفخذان جزءان، وتقسم الرقبة والطفاطف بالسواء على تلك الأجزاء، وما بقي من عظم أو بضعة فهو الريم، وأصله من الزيادة على الحمل، وهي التي تسمى علاوة فيأخذ الجازر، وربما استثنى بائع الناقة منها شيئًا لنفسه وأكثر ما يستثنى الأطراف والرأس»62.
وقد رجح هذا القول الجمهور من الأدباء والمفسرين كابن قتيبة وابن عطية الأندلسي، ونصُّوا على خطأ القول الأول المنسوب للأصمعي، وتابعهم في ترجيحه العلامة عبد السلام هارون.
قال ابن قتيبة: « وكان الأصمعي يزعم أن الناقة تجزأ على ثمانية وعشرين جزءًا، وذهب في ذلك إلى حظوظ القداح، وهي ثمانية وعشرون: للفذ حظ، وللتوأم حظان، وللرقيب ثلاثة حظوظ، وللحلس أربعة حظوظ، وللنافس خمسة حظوظ، وللمسبل ستة حظوظ، وللمعلى سبعة حظوظ، فجميع هذه ثمانية وعشرون، ولو كان الأمر على ما قال الأصمعي لم يكن هناك قامر ولا مقمور، ولا فوز ولا خيبة، لأنه إذا خرج لكل امرئ قدح من هذه فأخذ حظ القدح أخذوا جميعًا تلك الأجزاء على ما اختار كل واحد منهم لنفسه، فما معنى إجالة القداح؟ وأين الفوز والغرم؟ ومن القامر والمقمور؟ وليس الأمر إلا على القول الأول»63.
قال ابن عطية: « وأخطأ الأصمعي في قسمة الجزور فذكر أنها كانت على قدر حظوظ السهام ثمانية وعشرين قسمًا وليس كذلك »64.
وقال البرهان البقاعي نقلًا عن صاحب الزينة: وذكر عن الأصمعي أنه قال: كانوا يقسمون الجزور على ثمانية وعشرين جزءًا: للفذ جزء، وللتوأم جزءان، وللرقيب ثلاثة أجزاء، فعلى هذا حتى تبلغ ثمانية وعشرين جزءًا؛ وخالفه في ذلك أكثر العلماء وخطؤوه، وقالوا: إذا كان ذلك كذلك وأخذ كل قدح نصيبه لم يبق هنالك غرم، فلا يكون إذًا قامر ولا مقمور، ومن أجل ذلك قالوا لأجزاء الجزور: أعشار، لأنها عشرة أجزاء، قال امرؤ القيس65:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي
بسهميك في أعشار قلب مقتل
وقد ناقش البرهان البقاعي اعتراضهم على الأصمعي، فقال: «وقوله: لا معنى للتقامر عليها، على تقدير التجزئة بثمانية وعشرين ليس كذلك، بل تظهر ثمرته في التفاوت في الأنصباء، وذلك بأن تكون السهام وهي القداح عشرة، فإنه لما قال: إن الأجزاء تكون ثمانية وعشرين، لم يقل: إنها على عدد السهام، حتى تكون السهام ثمانية وعشرين، بل قال: إنها على عدد الفروض التي في السهام، وقد علم أنها عشرة؛ وقد صرح صاحب الزينة وغيره عن الأصمعي كما مضى، وهو ممن قال بهذا القول، فحينئذ من خرج له المعلى مثلًا أخذ سبعة أنصباء من ثمانية وعشرين، فيكون أكثر حظًّا ممن خرج له ما عليه ستة فروض فما دونها للضربات؛ وقوله: إن الرجل ربما أخذ قدحين - إلى آخره -، يبين وجهًا آخر من التفاوت، وهو أن الرجل ربما خرج له سهم واحد لاعتراض السهام وتحرفها عن سنن الاستقامة حال الخروج، وربما خرج له سهمان أو ثلاثة في إفاضة واحدة لاستقامة السهام واعتدالها للخروج، ففاز بمعظم الجزور، وذلك بأن يكون الرجال أقل من السهام، وربما خرج له أكثر من ذلك مع الوفاء للثمن بينهم على السواء، وهذا الوجه يتأتى أيضًا بتقدير أن تكون السهام والرجال على عدد الأجزاء، لانحصار العد فيمن خرج له سهام، سواء كان على عددهم أو أكثر، وانحصار الغرم فيمن لم يخرج له سهم على تقدير أن يخرج لغيره عدد من السهام؛ وبتقدير أن لا يخرج لكل واحد واحد يكون قمارًا أيضًا، لأن كل واحد منهم غير واثق بالفوز، ويكون فائدة ذلك حينئذ للفقراء، ومن قال: إن من خرج له شيء من السهام الثلاثة الأغفال يغرم، كان القمار عنده لازمًا في كل صورة بكل تقدير»66.
ويستفاد من مناقشة البرهان البقاعي السابقة أمور:
الثالث: وذهب أصحابه إلى التوقف وعدم الجزم بعدد معين تقسم إليه الجزور، وذلك بناءً على عدم جزم العرب برأي، ونسب هذا إلى أبي عبيدة.
قال الزجاج: « وكانوا يقسمون الجزور في قول الأصمعي على ثمانية وعشرين جزءًا، وفي قول أبي عمرو الشيباني على عشرة أجزاء، وقال أبو عبيدة لا أعرف عدد الأجزاء»70.
والجمع بين هذه الآراء أولى من إهمال بعضها وإعمال الآخر، حيث إن الجميع مبني على اجتهاد غير يقيني، بدلالة توقف أبي عبيدة في معرفة عدد الأنصباء، ولو كان نقل في المسألة أو جزم لما صارت إلى هذا الخلاف، كما يؤكد الاضطراب في المسألة تعبير بعض المفسرين 71 في شأن قسمة الجزور بلفظ: « أو» دون ترجيح لقول منهما.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: « ولم أجد علماءنا يستقصون معرفة علم هذا، ولا يدعونه كله، ورأيت أبا عبيدة أقلهم ادعاء لعلمه، قال أبو عبيدة: وقد سألت عنه الأعراب فقالوا: لا علم لنا بهذا، لأنه شيء قد قطعه الإسلام منذ جاء، فلسنا ندري كيف كانوا ييسرون»72.
وقال البرهان البقاعي نقلًا عن عبد الغفار الفارسي: « ولهم في ذلك مذاهب ما عرفها أهل الإسلام، ولم يكن أحد من أهل اللغة على ثبت في كيفية ذلك »73.
والأولى أن يقال: كان للعرب أكثر من طريقة في تقسيم الجزور، فأحيانًا كانوا يقسمونه إلى عشرة أقسام، وأخرى إلى ثمانية وعشرين قسمًا، وهذا ما ذهب إليه طائفة من المفسرين.
قال ابن عادل: « والجزور تقسم عند الجمهور على عدد القداح، فتقسم على عشرة أجزاء، وعند الأصمعي على عدد خطوط القداح، فتقسم على ثمانية وعشرين جزءًا، وخطأ ابن عطية الأصمعي في ذلك، وهذا عجيبٌ منه؛ لأنه يحتمل أن العرب كانت تقسمها مرةً على عشرةٍ، ومرةً على ثمانية وعشرين»74.
وقال الطاهر بن عاشور: « ولعل كلًّا من وصفي الأصمعي وأبي عبيدة كان طريقة للعرب في الميسر بحسب ما يصطلح عليه أهل الميسر »75.
ويقول الدكتور محمود مصطفى: «ونستطيع أن نستخلص مما تقدم أن هناك طريقتين: بسيطة، وهي طريقة صاحب الكشاف، تتم فيها العملية بجزور واحدة، ولا عول فيها، وطريقة مركبة عويصة لها صور شتى، وتحتاج إلى حساب دقيق، وهي الطريقة التي شرحها الألوسي»76.
ويؤكد اتجاه الأستاذ الدكتور محمود مصطفى ما ورد في كتب اللغة ما نصه: «المغلق: السهم السابع في مضعف الميسر»77.
فهذا يبين أن الميسر منه المضعف وغير المضعف، والخلاصة أن له طرقًا وصورًا متنوعة ومتعددة.
٥. وصف مجلس الميسر.
تناول جمع من المفسرين78 مجلس الميسر ما بين مفصل لأحداثه وأشخاصه، وما بين مجمل، ولا شك أن ما تقدم ذكره من متعلقات الميسر سبيل إلى إدراك خلاصة وصف مجلس الميسر، وقد لخصته من كلام الطاهر بن عاشور على النحو التالي:
ويلاحظ أن للخلاف المتقدم في تقسيم الجزور أثرًا في وصف مجلس الميسر، يعبر عنه الطاهر ابن عاشور بقوله: « فأما على الوصف الذي وصف الأصمعي أن الجزور يقسم إلى ثمانية وعشرين جزءًا، فظاهر أن لجميع أهل القدح القامرة شيئًا من أبداء الجزور، لأن مجموع ما على القداح الرابحة من العلامات ثمانية وعشرون، وعلى أهل القداح الخاسرة غرم ثمنه، وأما على الوصف الذي وصف أبو عبيدة أن الجزور يقسم إلى عشرة أبداء، فذلك يقتضي أن كل المتقامرين ليس برابح؛ لأن الربح يكون بمقدار عشرة سهام مما رقمت به القداح، وحينئذ إذا نفدت الأجزاء انقطعت الإفاضة، وغرم أهل السهام الأغفال ثمن الجزور، ولم يكن لمن خرجت له سهام ذات حظوظ بعد الذين استوفوا أبداء الجزور شيءٌ إذ ليس في الميسر أكثر من جزور واحد»83.
وربما كان الميسر على الإبل الصحاح، وليس على جزور واحدة، وهنا يجعل مكان العشر من أعشار الجزور بعيرًا84.
ثانيًا: هل التدرج في التحريم شمل الميسر كالخمر؟
اقترن حديث القرآن الكريم عن الخمر والميسر في أكثر من موضع، فجاء السؤال عنهما معًا في آية سورة البقرة، وكانت الإجابة كذلك جامعة لهما، كما بينت مفاسدهما والنهي عنهما في سورة المائدة في أسلوب عطف واشتراك وتجاور بين الخمر والميسر.
ورغم الاتفاق حول تحريم الخمر والميسر، إلا أنه يبقى تساؤل حول اتفاق الخمر والميسر في طريقة التشريع والتحريم، من حيث التدرج عبر مراحل متتابعة.
وظاهر القرآن اتفاق الخمر والميسر في الحكم ومنهج التشريع، وهذا ما يستفيده متأمل حديث القرآن عنهما.
قال ابن الجوزي: « فأما الميسر فالقول فيه مثل القول في الخمر، إن قلنا: إن هذه الآية دلت على التحريم، فالميسر حكمها حرام أيضًا، و إن قلنا: إنها دلت على الكراهة، فأقوم الأقوال أن نقول: إن الآية التي في المائدة نصت على تحريم الميسر»85.
وقد وقع الخلاف بين المفسرين في دلالة قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ) [البقرة: ٢١٩].
على تحريم الخمر والميسر، أو على كراهتهما، وعلى هذا الخلاف بني الخلاف حول التدرج في تحريم كل من الخمر والميسر وعدمه.
وقد انقسم المفسرون في المسألة إلى فريقين:
الفريق الأول: وذهب إلى دلالة الآية على تحريم الخمر والميسر بذاتهما، اعتمادًا على التصريح بالإثم في اقترافهما، وبناءً على هذا الفهم فقد نفى أصحاب هذا الرأي التدرج في تحريم الخمر والميسر، فكلاهما قد حرم ابتداءً بآية سورة البقرة.
ونسب هذا القول إلى الحسن، ورجحه أهل النظر من الفقهاء كالجصاص، وهو قول جماعة من العلماء، وحكاه الزجاج واختاره القاضي أبو يعلى والفخر الرازي وأبو حيان الأندلسي، وظاهر اختيار البرهان البقاعي86.
قال الجصاص: «هذه الآية قد اقتضت تحريم الخمر، لو لم يرد غيرها في تحريمها لكانت كافية مغنية، وذلك لقوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [البقرة: ٢١٩].
والإثم كله محرم بقوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأعراف: ٣٣].
فأخبر أن الإثم محرم، ولم يقتصر على إخباره بأن فيها أثمًا حتى وصفه بأنه كبير؛ تأكيدا لحظرها، وقوله: (ﯬ ﯭ) لا دلالة فيه على إباحتها؛ لأن المراد منافع الدنيا، وأن في سائر الحرمات منافع لمرتكبيها في دنياهم، إلا أن تلك المنافع لا تفي بضررها من العقاب المستحق بارتكابها، فذكره لمنافعها غير دال على إباحتها، لا سيما وقد أكد حظرها مع ذكر منافعها بقوله في سياق الآية:(ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ)، يعني أن ما يستحق بهما من العقاب أعظم من النفع العاجل الذي ينبغي منهما، وبما نزل في شأن الخمر قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء: ٤٣].
وليس في هذه الآية دلالة على تحريم ما لم يسكر منها، وفيها الدلالة على تحريم ما يسكر منها، لأنه إذا كانت الصلاة فرضا فنحن مأمورون بفعلها في أوقاتها، فكل ما أدى إلى المنع منها فهو محظور، فإذا كانت الصلاة ممنوعة في حال السكر، وكان شربها مؤديًا إلى ترك الصلاة، كان محظورًا؛ لأن فعل ما يمنع من الفرض محظور ومما نزل في شأن الخمر مما لا مساغ للتأويل فيه قوله تعالى: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) إلى قوله: (ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩٠-٩١]»87.
واستدل أصحاب هذا الرأي بأدلة ملخصها:
والتغليب يدل على التحريم ابتداءً. واعترض على هذا بنص الآية ذاتها أيضًا على أن فيهما منافع للناس(ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)، وتلك قرينة أخرى تفيد الإباحة، فيجمع بين الدلالتين بالكراهة، كما اعترض بأنه لا يلزم من غلبة المفسدة على المصلحة الدلالة على التحريم88.
فلما تناول التحريم الإثم، وكان الإثم من صفات الخمر والميسر ولوازمهما، وجب تحريمهما، وذلك أن الإثم قد يراد به العقاب، وقد يراد به ما يستحق به العقاب من الذنوب، وأيهما كان فلا يصح أن يوصف به إلا المحرم89.
واعترض بأن الآية الأولى لم تسم الخمر والميسر إثمًا، بل جعلت الإثم في اقترافهما، وفرق بين التعبيرين ودلالتهما.
قال ابن عطية ليس هذا النظر بجيد؛ لأن الإثم الذي فيها هو الحرام، لا هي بعينها، على ما يقتضيه هذا النظر»90.
وقال القرطبي: « قلت: وهذا أيضا ليس بجيد، لأن الله تعالى لم يسم الخمر إثمًا في هذه الآية، وإنما قال: ( ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)، ولم يقل: قل هما إثم كبير»91.
وقد أجاب الفخر الرازي عن هذا الاعتراض بقوله: «فإن قيل: الآية لا تدل على أن شرب الخمر إثم، بل تدل على أن فيه إثمًا، فهب أن ذلك الإثم حرام، فلم قلتم: إن شرب الخمر لما حصل فيه ذلك الإثم وجب أن يكون حرامًا؟ قلنا: لأن السؤال كان واقعًا عن مطلق الخمر، فلما بين تعالى أن فيه إثمًا، كان المراد أن ذلك الإثم لازم له على جميع التقديرات، فكان شرب الخمر مستلزمًا لهذه الملازمة المحرمة، ومستلزم المحرم محرم، فوجب أن يكون الشرب محرمًا»92.
واعترض بأن مقتضى إخباره تعالى أن فيهما إثمًا كبيرًا، أن ذلك الإثم الكبير يكون حاصلًا ما داما موجودين، فلو كان ذلك الإثم الكبير سببًا لحرمتهما، لوجب القول بثبوت حرمتهما في سائر الشرائع، ولا تكون حاجة إلى تحريمهما ثانية93.
وأجاب أصحاب هذا الرأي عن حكمة تتابع الآيات في بيان حكم الخمر والميسر: بأن دلالة قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة: ٢١٩].
تحتمل التأويل بحالة دون أخرى؛ لاشتمالها على ذكر المنافع والإثم، فيربط البعض بين المنافع والحل، ويربط الآخر بين الإثم والحرمة، كما أن قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء: ٤٣].
مخصوص بحالة الصلاة، كما يدل لفظ الآية، ومما يؤكد حالة الاحتمال وإمكانية التأويل سؤال سيدنا عمر رضي الله عنه في الخمر جوابًا شافيًا، لهذا كله كانت الحاجة ماسة إلى بيان قاطع، فجاء قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩٠-٩١].
قال الجصاص: « فمن الناس من يظن أن قوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) لم يدل على التحريم، لأنه لو كان دالًّا لما شربوه، ولما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولما سئل عمر البيان بعده، وليس هذا كذلك عندنا، وذلك لأنه جائز أن يكونوا تأولوا في قوله: (ﯬ ﯭ) جواز استباحة منافعها، فإن الإثم مقصور على بعض الأحوال دون بعض، فإنما ذهبوا عن حكم الآية بالتأويل، وأما قوله: إنها لو كانت حرامًا لما أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على شربها، فإنه ليس في شيء من الأخبار علم النبي صلى الله عليه وسلم بشربها ولا إقرارهم عليه بعد علمه، وأما سؤال عمر رضي الله عنه بيانًا بعد نزول هذه الآية، فلأنه كان للتأويل فيه مساغ، وقد علم هو وجه دلالتها على التحريم، ولكنه سأل بيانًا يزول معه احتمال التأويل، فأنزل الله تعالى: (ﭔ ﭕ ﭖ) الآية [المائدة: ٩٠]»94.
الفريق الثاني: وذهب إلى إثبات التدرج في تحريم الخمر والميسر، حيث جعلوا دلالة آية سورة البقرة على كراهة الخمر والميسر وذمهما، واعتبارها بذلك تمهيدًا لمرحلة تالية من مراحل التدرج في التحريم95.
وقد نسب هذا القول لقتادة رحمه الله، وهو المشهور، ونسب لابن عباس رضي الله عنه، وعليه جمهور المفسرين، ورواه السدي عن أشياخه، وبه قال سعيد بن جبير ومجاهد ومقاتل، وهو رأي جمهور المفسرين 96.
قال الماوردي: « واختلفوا في هذه الآية هل كان تحريم الخمر بها أو بغيرها؟ فقال قوم من أهل النظر: حرمت الخمر بهذه الآية، وقال قتادة وعليه أكثر العلماء: أنها حرمت بآية المائدة»97.
وبناءً على هذا الرأي فقد «حرم الميسر مع الخمر على مراحل، »وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم عقوبة الميسر التعزير، ولكن لا يعلم أن أحدًا عوقب على لعب الميسر قبل نزول التحريم، ولا يعلم أن نصًّا من نصوص التحريم كان له أثر رجعي، ومن ثم يمكن القول بأن النصوص التي حرمت الخمر والميسر لم يكن لها أثر رجعي»98.
ويمكن أن يستخلص مما سبق أن تحريم الميسر مر بمراحل ثلاث هي:
المرحلة الأولى: مرحلة الإباحة، وكانت قبل نزول آية سورة البقرة.
المرحلة الثانية: مرحلة الكراهة، وذلك بعد نزول آية سورة البقرة، حيث أفادت الإباحة مع الكراهة.
المرحلة الثالثة: مرحلة التحريم، وذلك بعد نزول آية سورة المائدة.
قال الكيا الهراسي: « وكانت المخاطرة في أول الإسلام مباحة، حتى خاطر أبو بكر المشركين، حتى نزلت: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الروم: ١-٢].
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (زد في المخاطرة وامدد في الأجل)، ثم حظر ذلك، ونسخ بتحريم القمار»99.
وورد في عدد من كتب التفسير أن تحريم الميسر كان بعد غزوة الأحزاب100.
والراجح في المسألة بناءً على ما ورد من روايات: القول بالتدرج في تحريم الميسر مثل الخمر.
ويدل على رجحان القول بالتدرج:
قال الطاهر ابن عاشور: « وذكر في هذه الآية الميسر عطفًا على الخمر ومخبرًا عنهما بأخبار متحدة، فما قيل في مقتضى هذه الآية من تحريم الخمر أو من التنزيه عن شربها يقال مثله في الميسر، وقد بان أن الميسر قرين الخمر في التمكن من نفوس العرب يومئذ، وهو أكبر لهو يلهون به، وكثيرًا ما يأتونه وقت الشراب إذا أعوزهم اللحم للشواء عند شرب الخمر، فهم يتوسلون لنحر الجزور ساعتئذ بوسائل قد تبلغ بهم إلى الاعتداء على جزر الناس بالنحر»101.
والمتأمل آية سورة البقرة يجد أنها وصفت الخمر والميسر بأن فيهما إثمًا كبيرًا ومنافع للناس وأن إثمهما أكبر من نفعهما، وقد اعتمد أصحاب الفريق الأول على هذا في إفادتها تحريم الخمر والميسر، غير أن المتأمل آية سورة المائدة يجد في أسلوب تحريمها للخمر والميسر قرائن أبلغ في الدلالة، فقد وصف الخمر والميسر بأنهما رجس من عمل الشيطان، وتضمنت الأمر باجتنابها بغية الفلاح، ثم أتبعت ذلك بتعليلات تفصيلية لما يلزم الخمر والميسر من المحرمات (العداوة- البغضاء- الصد عن ذكر الله- الصد عن الصلاة).
وذلك في قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩١].
ثم ذيلت الآية بالاستفهام المفيد للنهي بعد التهديد والوعيد، كما أن الحديث عن الانتهاء لم يرد في غير آية سورة المائدة102.
وأيضًا إن كانت آية سورة البقرة تحتمل التأويل بين الحل والإباحة، بخلاف آية سورة المائدة، فهي صريحة في التحريم، ولا تحتمل التأويل.
قال الزجاج: «فبالغ الله في ذم هذه الأشياء فسماها رجسًا، وأعلم أن الشيطان يسول ذلك لبني آدم»103.
وقال الواحدي: « والرجس واقع على الخمر وما ذكر بعدها، وقد قرن الله تعالى تحريم الخمر بتحريم عبادة الأوثان تغليظًا وإبلاغًا في النهي عن شربها»104.
و« جاز في صيغة الاستفهام أن يكون على معنى النهي؛ لأن الله تعالى ذم هذه الأفعال وأظهر قبحها، وإذا ظهر قبح الفعل للمخاطب، ثم استفهم عن تركه، لم يسعه إلا الإقرار بالترك، فكأنه قيل: أتفعله بعد ما قد ظهر من قبحه ما ظهر؟ فصار المنهي بقوله: ( ﭳ ﭴ ﭵ) في محل قد عقد عليه ذلك بإقراره، فكان هذا أبلغ في باب النهي من أن لو قيل: انتهوا ولا تشربوا»105.
وقال الزمخشري: « أكد تحريم الخمر والميسر وجوهًا من التأكيد، منها تصدير الجملة بإنما، ومنها أنه قرنهما بعبادة الأصنام،.....، ومنها أنه جعلهما رجسًا، كما قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الحج: ٣٠].
ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان، والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت، ومنها أنه أمر بالاجتناب، ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح، وإذا كان الاجتناب فلاحًا، كان الارتكاب خيبًة ومَحْقَةً. ومنها أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض من أصحاب الخمر والقمر- القمار-، وما يؤديان إليه من الصد عن ذكر الله، وعن مراعاة أوقات الصلاة، وقوله: (ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩١]، من أبلغ ما ينهى به، كأنه قيل: قد تلي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون؟ أم أنتم على ما كنتم عليه، كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟»106.
كما يظهر في آيات سورة المائدة اهتمامٌ بشأن الخمر والميسر عن المنهيات والمحرمات الأخرى المذكورة (الأنصاب- الأزلام)، بدلالة أنه خصهما بالذكر في الآية التالية: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩١].
وكذلك ما يستفاد من اقتران الميسر والخمر بالأنصاب والأزلام من دلالة على عظم إثمهما البالغ وتساويهما مع الشرك، وهذا من مؤكدات تحريمهما بهذه الآية.
قال الزمخشري: « فإن قلت: لم جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أولًا، ثم أفردهما آخرًا؟ قلت: لأن الخطاب مع المؤمنين، وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر، وذكر الأنصاب والأزلام لتأكيد تحريم الخمر والميسر وإظهار أن ذلك جميعًا من أعمال الجاهلية وأهل الشرك، فوجب اجتنابه بأسره، وكأنه لا مباينة بين من عبد صنمًا وأشرك بالله في علم الغيب، وبين من شرب خمرًا، أو قامر، ثم أفردهما بالذكر ليري أن المقصود بالذكر الخمر والميسر»107.
كما لا يخفى ما في دلالة الآية التالية لآيات الخمر والميسر في سورة المائدة من تأكيد لتحريم الخمر والميسر في الآيات السابقة، وهو قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [المائدة: ٩٢].
قال ابن العربي في تفسيرها: « وهذا تأكيد للتحريم وتشديد في الوعيد، قال: فإن توليتم فليس على الرسول إلا البلاغ فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين أما عقاب التولية والمعصية فعلى المرسل لا على الرسول»108.
ومنها ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة قال: (حرمت الخمر ثلاث مراتٍ، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ) [البقرة: ٢١٩].
إلى آخر الآية، فقال الناس: ما حرم علينا إنما قال: فيهما إثمٌ كبيرٌ، وكانوا يشربون الخمر، حتى إذا كان يومٌ من الأيام صلى رجلٌ من المهاجرين أم الصحابة في المغرب فخلط في قراءته، فأنزل الله فيها آيةً أغلظ منها: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء: ٤٣].
وكان الناس يشربون، حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيقٌ، ثم أنزلت آيةٌ أغلظ من ذلك: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [المائدة: ٩٠].
فقالوا: انتهينا ربنا، فقال الناس: يا رسول الله، ناسٌ قتلوا في سبيل الله، أو ماتوا على فرشهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجسًا ومن عمل الشيطان فأنزل الله: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [المائدة: ٩٣].
إلى آخر الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو حرمت عليهم لتركوها كما تركتم»109.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [البقرة: ٢١٩].
فنسختها هذه الآية: (ﭔ ﭕ) [المائدة: ٩٠]111.
قال العلامة الآلوسي: «والحق أن الآية ليست نصًّا في التحريم كما قال قتادة، إذ للقائل أن يقول: الإثم بمعنى المفسدة، وليس رجحان المفسدة مقتضيًا لتحريم الفعل، بل لرجحانه؛ ومن هنا شربها كبار الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعد نزولها، وقالوا: إنما نشرب ما ينفعنا ولم يمتنعوا حتى نزلت آية المائدة فهي المحرمة »112.
فقد جاء في ترجمة الإمام البخاري: «باب قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [المائدة: ٩٠]113، ثم أورد عددًا من الأحاديث المتعلقة بتحريم الخمر.
وجاء في سنن النسائي: « باب تحريم الخمر قال الله تبارك وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة: ٩٠ - ٩١]114، ثم ساق حديث عمر رضي الله عنه المتقدم وغيره من الأحاديث المتعلقة بتحريم الخمر.
وختامًا لهذا المطلب ينبغي الإشارة إلى ملمح الإعجاز التشريعي في تدرج القرآن الكريم في تحريم الميسر، وذلك أن مرور تحريم الميسر بمراحل غرضه أن ينقل الناس من الأخف إلى الأشد تدريجيًّا، ويتضمن سياسةً تربوية ناجحة، يستفاد منها في تقنين الأحكام وتطبيقها115.
قال الفخر الرازي: « قال القفال رحمه الله: والحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب: أن الله تعالى علم أن القوم كانوا قد ألفوا شرب الخمر، وكان انتفاعهم بها كثيرًا، فعلم الله أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق عليهم، فلا جرم استعمل في التحريم هذا التدريج وهذا الرفق»116.
ثالثًا: الميسر في العصر الحاضر:
جاء حديث القرآن الكريم عن الميسر مقصورًا في لفظه على لون واحد من ألوانه، وهو الميسر في الجزور، واتفق المفسرون على شمول التحريم كل صور الميسر وأشكاله.
ولا يخفي ما في التعبير القرآني من رقي وسمو خلقي واجتماعي، كما لا يخفى ما فيه من إعجاز في عرض الحكم الشرعي.
وقد تنوعت صور الميسر عبر الأزمان والبلاد، فكما اشتهر بين العرب في الجاهلية الإيسار بالجزور، اختصت الجاهلية المعاصرة بعدد من صور الميسر وأشكاله، واتخذ بعضها شكل الميسر الخالص، واتخذ البعض شكلًا خيريًّا أو اجتماعيًّا في ظاهره، غير أنها تقصد الميسر وتدور في فلكه ودائرته.
ويمكن إجمال أهم صور الميسر المعاصرة في:
يعتبر عقد التأمين صورة تطبيقية واقعية لنظام التأمين، ويعرف بأنه: « عقد يتم بين شركة التأمين ومستأمن معين تتعهد هذه الشركة بمقتضاه بدفع مبلغ من المال، عند حدوث خطر معين، مقابل التزام المستأمن بدفع مبلغ مالي محدد»117.
ولعقد التأمين أركان هي إجمالًا:
وللتأمين تقسيمات باعتبار شكله وموضوعه، فينقسم من حيث الشكل إلى: التأمين التعاوني (التبادلي)، وغرضه اجتماعي إنساني، والثاني: التأمين عن طريق قسط ثابت، وتتولاه شركات مساهمة ومؤسسات مصرفية ضخمة بغرض تحقيق أرباح وفوائد، وينقسم باعتبار موضوعه تقسيمات منها: التأمين الاجتماعي، وهو التأمين الإجباري الذي تقوم به الدول وتشرف عليه ضد أخطار معينة يتعرض لها أصحاب الحرف والمهن، والتأمين الخاص، وهو التأمين الخاص بفرد معين أو مؤسسة معينة، وإلى: تأمين الأضرار وتأمين الأشخاص119.
والجامع بين أنواع التأمين المختلفة أن أهم خصائص وأركان عقد التأمين متوفرة في جميعها120.
وللفقهاء حول التأمين آراء: حيث ذهب فريق إلى المنع مطلقًا، وذهب ثانٍ إلى الجواز بشرط خلوه من الربا؛ اعتمادًا على قيامه على أساس من التعاون، وذهب ثالثٌ إلى التردد بين الجواز والمنع، وذهب رابع إلى التفصيل والتمييز بين التعاوني والتجاري منه، وبين تأمين الأضرار والأشخاص121.
وقد أشار عدد من الفقهاء والباحثين إلى أن النوع الشائع المعروف من عقود التأمين غير جائز؛ لكونه مبنيًّا على الاحتمال، بمعنى احتمال وقوع الخسارة في الوسائل أو الأدوات، وبهذا يتضمن معنى المخاطرة، كم أن فيه غررًا وجهالة، لأنه مستور العاقبة، مجهول الأجل، على الرغم من كونه ملزمًا لطرفيه، ويعتبر من عقود المعاوضات، وأدنى ما يقال فيه: إنه عقد تدور حوله الشبهات122.
كما أشار بعضهم إلى أن نظام التكافل الاجتماعي الإسلامي يغني عن أفضل أنواع التأمين- من وجهة نظر المجيزين-، وهو التعاوني والاجتماعي، حيث لا يشترط في نظام التكافل الإسلامي اشتراك، ولا يفرق فيه بين صاحب حرفة ومهنة وبين عاطل عن العمل أو عاجز123.
والخلاصة: إن عقود التأمين بنظامها الغربي الشائع تتضمن صورة من صور الميسر، حيث تبنى على الخطر، وتعليق المعاملات على الغيبيات.
ويقوم هذا النظام على شراء شخص كوبونًا (ورقة يانصيب) بمبلغ من المال، بغرض أن يشارك في السحب على الجائزة أيا كانت، مالًا نقديًّا، أو سيارة، أو غير ذلك، ثم يجرى السحب لاختيار أرقام معينة وهذا خاضع كلية للحظ، ويترتب على ذلك أن مشتركًا يكسب بدون جهد، ومشتركًا آخر يخسر بسبب الحظ، وهذا هو عين القمار الذى كان فى الجاهلية ونهى الله عز وجل عنه وحرمه124.
وعمليات اليانصيب من الميسر- حتى ولوكان قسم منه يذهب للفقراء-؛ لأنه مخاطرة، ولأن تمييز المستحق له من بين المشاركين بواسطة القرعة أو أي طريقة أخرى تعتمد على الحظ والمصادفة، فكل مشارك فيه مخاطر بشيء من ماله بغية تحصيل ما هو أكثر منه، فهو بين أن يفقد ما خاطر به أو أن يربح ما خاطر من أجله، وقد علق ذلك على حصول أمر لم يجعله الشارع سببًا في انتقال الأملاك؛ لأنه لم يكن من الرابح عمل يستحق عليه الأجر، ولا عوض يستحق عليه البدل125.
قال صاحب المنار: « وأما كون هذا النوع لا يظهر فيه ما في سائر الأنواع من ضرر العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة؛ فلأن دافعي المال فيه لا يجتمعون عند السحب، وقد يكونون في بلاد أو أقطار بعيدة عن موضعه، ولا يعملون له عملا آخر فيشغلهم عن الصلاة أو ذكر الله تعالى، كقمار الموائد المشهورة، ولا يعرف الخاسر منهم فردا أو أفرادا أكلوا ماله فيبغضهم ويعاديهم كميسر العرب وقمار الموائد ونحوه.
وكثيرًا ما يجعل (اليانصيب) لمصلحة عامة؛ كإنشاء المستشفيات والمدارس الخيرية وإعانة الفقراء، أو مصلحة دولية ولا سيما الإعانات الحربية، والحكومات التي تحرم القمار تبيح (اليانصيب) الخاص بالأعمال الخيرية العامة أو الدولية.
ولكن فيه مضار القمار الأخرى، وأظهرها أنه طريق لأكل أموال الناس بالباطل، أي: بغير عوض حقيقي من عين أو منفعة، هذا محرم بنص القرآن كما تقدم في محله.
وقد يقال: إن المال الذي يبنى به مستشفى لمعالجة المرضى، أو مدرسة لتعليم أولاد الفقراء، أو ملجأ لتربية اللقطاء لا يظهر فيه معنى أكل أموال الناس بالباطل إلا في آخذي ربح النمر الرابحة دون آخذي بقية المال من جمعية أو حكومة، وهو على كل حال ليس فيه عداوة ولا بغضاء لأحد معين، كالذي كان يغرم ثمن الجزور عند العرب، وليس فيه صد عن ذكر الله وعن الصلاة»126.
ولقد أجمع فقهاء المسلمين على تحريم أوراق اليانصيب حتى ولو كان جزء من ثمنها يستخدم أو يوجه إلى أغراض خيرية127.
وله صور متنوعة أشهرها عمليات بيع وشراء صوريان غرضها الاستفادة من فروق الأسعار والتغيرات في القيمة السوقية في أقصر أجل128.
وفي الغالب تعتمد اعتمادًا أساسيًّا على معاملات وهمية ورقية شكلية تقوم على الاحتمالات، ولا يترتب عليها أي مبادلات فعلية للسلع والخدمات، فهي عينها المقامرات والمراهنات التي تقوم على الحظ والقدر129.
وقد ذهب أهل الاختصاص إلى أن حرمة المضاربة المذكورة وسائر العقود المستقبلية لتضمنها معنى الميسر، حيث إن المضاربة هي مراهنة على سعر السهم، وتنطبق عليها شروط الغرر المحرم، وبها أضرار مشابهة لأضرار الميسر والقمار، كما ثبت ضررها على المؤسسات المالية والعاملين بها والمتعاملين معها وعلى اقتصاد الدول، واعتبرها المختصون في الغرب قمارًا، وعليه فإنها صورة من صور الميسر المحرم130.
وصورته أن تقوم بعض الشركات والمحلات والأفراد برصد جوائز ضخمة تغري جمهور المستهلكين بالشراء، أو الإكثار من الشراء بدون ضرورة معتبرة شرعًا؛ لتزداد فرصته فى الحصول على المال النقدي، أو السيارة، أو المنزل، أو الرحلة السياحية ونحو ذلك، وكلما كان الشراء أكثر كانت فرصة الفوز أكبر، ثم يعطى المشتري بكل مبلغ يشترى به كوبونًا....، وفى ميعاد وتاريخ معين يعلن بطريق القرعة عن الفائز أو الفائزين.... فالقصد من الشراء أن يغنم بالجائزة.
ولقد اختلف الفقهاء بين مجيز وغير مجيز، فإذا لم تضيف الشركة تكلفة الجائزة ومصروفاتها إلى ثمن السلعة فهذا جائز، أما إذا حملت الشركة المستهلك بتلك التكلفة فهذا غير جائز، وهذا ما يحدث فعلًا131.
وملخصه أن يقوم الشخص بشراء خدمة موقع على الإنترنت ويدفع مبلغًا من المال، ويغري آخرين بعملية الشراء، فإذا بلغ من أغراهم تسعة يستحق له جائزة مبلغًا من المال وهكذا، وكل فرد يحاول بكافة السبل المشروعة وغير المشروعة أن يغري الآخرين على الشراء ملوحًا لهم بالجائزة132.
وتعرف هذه العملية بلعبة النصب الهرمية، ولها أسماء منها: هانك، الدولار، البنتاجونو، ومقر شركاتها في بلاد الغرب، ولا يستفيد من التعامل فيها سوى أصحاب الشركات، وتشترك هذه المعاملة مع الميسر المحرم في أمور منها: أنها تقوم على الحظ، ما تتضمنه من التحريض على شراء خدمة ليس المشتري فى حاجة إليها، ولكن لغاية أخرى هي المكافأة، انتهاؤها بفريق رابح وفريق خاسر. 133
بأن تكون البضاعة مرقمة، فيدفع المشتري مبلغًا محددًا، أو يأخذ رقمًا يستلم به بضاعة أعلى مما دفع أو أقل مما دفع، كأن يدفع عشرة، ويأخذ سلعة بمائة، أو بريال، ولها أحوال تفصيلية، غالبها يدور في فلك الميسر والقمار134.
وصورتها: أن تعلن إحدى الصحف أو القنوات عن مسابقة عن طريق الاتصال برقم معين وللفائز جائزة كبيرة.
وغالبًا ما تنطوي هذه المعاملة على تحريض وخطر وجهالة بينة، وشبهها بالميسر واضح، حيث يدور المشترك فيها الباذل للمال باتصال ونحوه بين الغنم والغرم والسلامة.
وقد عرف القمار كما مر بأنه: « المخاطرة الدائرة بين أن يغنم باذل المال أو يغرم أو يسلم». 135
وهو البيع المجهول العاقبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والغرر هو المجهول العاقبة، فإن بيعه من الميسر الذي هو القمار»137.
والجهل المقصود في بيوع الغرر يكون من جهة: الجهل بتعيين المعقود عليه أو تعيين العقد، أو الجهل بوصف الثمن والمثمون المبيع، أو بقدره، أو بأجله إن كان هناك أجل، أو من جهة الجهل بوجوده، أو تعذر القدرة عليه، أو من جهة الجهل بسلامته وبقائه138.
ويوجد في مجتمعاتنا المعاصرة في صور مختلفة ومتعددة، ووسائله كذلك وفيرة، خاصة مع تقدم التقنيات ووسائل الاتصال.
وقد اشترط الفقهاء لتأثير الغرر في بطلان البيوع أن يكون كثيرًا مؤثرًا.
قال القرافي: « الغرر والجهالة - أي: في البيع - ثلاثة أقسامٍ: كثيرٌ ممتنعٌ إجماعًا، كالطير في الهواء، وقليلٌ جائزٌ إجماعًا، كأساس الدار وقطن الجبة، ومتوسطٌ اختلف فيه، هل يلحق بالأول أم بالثاني ؟»139.
وقال ابن رشدٍ: «الفقهاء متفقون على أن الغرر الكثير في المبيعات لا يجوز، وأن القليل يجوز، ويختلفون في أشياء من أنواع الغرر، فبعضهم يلحقها بالغرر الكثير، وبعضهم يلحقها بالغرر القليل المباح؛ لترددها بين القليل والكثير»140.
والشطرنج لعبة ذهنية تلعب على لوحة (رقعة) مقسمة إلى أربعة وستين مربعًا، (ثمانية مربعات × ثمانية مربعات) من لونين، بحيث يكون كل مربع من لون، وبجانبه مربع من اللون الثاني (غالبًا الأبيض أو الأسود) يملك كل لاعب ستة عشرة حجرًا (قطعة) تتحرك كل منها باتجاهات محددة، والأحجار مقسمة كالتالي: ثمانية جنود أو بيادق، وقلعتين(أو رخ)، وحصانين، وفيلين، ووزير (أو ملكة) وملك (أو شاه) يتحكم أحد اللاعبين بالأحجار من اللون الأول (الأبيض عادة) ويتحكم اللاعب الآخر بالأحجار المماثلة من اللون الآخر (الأسود عادة) والهدف من اللعبة هو الوصول إلى حصر الملك (أو الشاه)، بحيث لا يستطيع الهروب، وتنتهي اللعبة عند تلك النقطة.
والنرد: وهو ما يعرف في الوقت الحاضر بالطاولة، هي لعبة مشهورة جدًا في الشرق الأوسط والبلاد الفارسية، تتكون من رقعة خشبية، أو صندوق خشبي، يمكن أن يكون مزخرفًا ومطعمًا بالصدف أو بقطع خشبية ثمينة من الأبنوس، وعدد من الأقراص العاجية أو البلاستيكية أو الخشبية بلونين مختلفين عددها خمسة عشر من كل لون ونردين سداسيين.
وقد أجمع الفقهاء على حرمة لعب الشطرنج والنرد واعتبارهما من الميسر المحرم، إذا كانا على مال أو شغلا عن واجب أو اشتملا على محرم، واختلفوا فيما إذا وقع اللعب بهما مجانًا، ولم يغلب على الظن إفضاؤه إلى محرم، أو تفويته لواجب، ويمكن حصر آرائهم في ثلاثة:
الأول: أنه محرم، وهو مذهب جمهور العلماء من سلف الأمة وخلفها.
الثاني: أنه مكروه كراهة تنزيه، وهو المشهور عند الشافعية.
الثالث: أنه مباح، وهذا القول وإن نسب إلى قليلين من العلماء، إلا أنه شاذ لا يلتفت إليه.
للميسر آثاره السيئة على الفرد والمجتمع ومنظومة القيم والحضارة الإنسانية، ولا تنحصر آثار الميسر السيئة في جانب دون آخر، أو تختص بفئة دون أخرى، بل تشمل كافة الجوانب والميادين، وكافة الفئات.
وفي حديث القرآن عن الميسر إشارةٌ وافية بهذه الآثار، رغم وجازة العبارة، في تجانس عجيب بين إعجاز التعبير والتشريع كما سيتضح إن شاء الله تعالى.
غير أنه ينبغي الإشارة إلى منافع الميسر، اتباعًا لمنهج القرآن الكريم في حديثه الميسر، فقد نصت آية سورة البقرة على أن في الميسر منافع للناس: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [البقرة: ٢١٩].
رغم اشتمالها ذاتها على أن في اقترافه إثمًا.
وفي تعرضنا لبيان منافع الميسر رغبة في بيان دقة التعبير القرآني في عرضه الواقع والحقيقة، بنصه على اشتمال الميسر على منافع، على الرغم من حكمه بتحريمه، وهذا ينطوي على دلالات متنوعة وبراهين ساطعة لمن تدبر وتأمل، كما لا يخفى ما فيه من إعجاز التشريع كما مر.
و«الفائدة في ذكر المنافع هي بيان حكمة التشريع ليعتاد المسلمون مراعاة علل الأشياء، لأن الله جعل هذا الدين دينًا دائمًا، وأودعه أمة أراد أن يكون منها مشرعون لمختلف ومتجدد الحوادث، فلذلك أشار لعلل الأحكام في غير موضع، كقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الحجرات: ١٢].
ونحو ذلك، وتخصيص التنصيص على العلل ببعض الأحكام في بعض الآيات إنما هو في مواضع خفاء العلل، فإن الخمر قد اشتهر بينهم نفعها، والميسر قد اتخذوه ذريعة لنفع الفقراء، فوجب بيان ما فيهما من المفاسد إنباء بحكمة التحريم، وفائدة أخرى وهي تأنيس المكلفين فطامهم عن أكبر لذائذهم؛ تذكيرًا لهم بأن ربهم لا يريد إلا صلاحهم دون نكايتهم كقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ) [البقرة: ٢١٦].
وقوله: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة: ١٨٣].
وهنالك أيضًا فائدة أخرى وهي عذرهم عما سلف منهم، حتى لا يستكينوا لهذا التحريم، والتنديد على المفاسد كقوله: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ) [البقرة: ١٨٧]»141.
ويلاحظ أن منافع الميسر كانت مادية عارضة، وخاصة وعامة، إلا أنه لا يمكن تجاهلها بحال، فلعلها كانت سببًا في مقارفته من بعض الناس، وفي بعض الأزمنة.
وقد أشار المفسرون إلى المراد بمنافع الميسر في الآية الكريمة إشارات متنوعة بين الاختصار142، والشرح 143، ويمكن إجمال تلك المنافع من كلامهم في:
وذلك أمر معلوم، حيث كان من عادة الأيسار أن يوزعوا ما يصيبون من أجزاء الجزور بين الفقراء، بل ويعاب من يطعم مثل هذا اللحم منهم، وقد أشار إلى هذه المنفعة جماعة من المفسرين144.
يقول العلامة عبد السلام هارون: « ولا ريب أن الميسر كان نافعًا للعرب، كان نافعًا لذوي الحاجة منهم، لأن العرب في أكثر ما يقامرون إنما يبغون بذلك نفع الفقراء، والترفيه عن المحتاجين المعوزين، وقل أن يطعم الأيسار من لحم اليسر، وإنما كانوا يفرقونه في البائسين»145.
وقد أشار إلى هذه المنفعة جماعة من المفسرين146.
فلا تتوقف الإصابة هنا على مجرد اللحم، بل تتعداه إلى ما يكتسبه من المدح والثناء من الفقراء، وما يتفاخرون به على الأبرام - من لا يقامرون- ويترفعون148.
« قيل: ربما أن الواحد منهم كان يقمر في المجلس الواحد مائة بعير، فيحصل له المال الكثير، وربما كان يصرفه إلى المحتاجين فيكسب بذلك الثناء والمدح، وهو المنفعة»149.
ويقصد به السمر والاستمتاع بمجالس الميسر ومخالطة الناس، وكذلك ما يدخله من السرور حال الفوز150.
قال ابن عاشور: « وأصل المقصد من الميسر هو المقصد من القمار كله، وهو الربح واللهو، يدل لذلك تمدحهم وتفاخرهم بإعطاء ربح الميسر للفقراء؛ لأنه لو كان هذا الإعطاء مطردًا لكل من يلعب الميسر لما كان تمدح به»151.
وذلك بين، فهي محل الميسر ومحوره الأساس.
ويتعلق بالحديث عن منافع الميسر مسألة هامة، وهي هل منافع الميسر دائمة مستمرة، أو هي محدودة بزمان حله؟
وهذه المسألة متصلة برأيهم في دلالة آية سورة البقرة على تحريم الخمر والميسر، أو على ذمهما، فمن ذهب إلى دلالتها على التحريم رأى أن منافع الخمر المذكورة محدودة بزمن ما بعد التحريم، ومن ذهب إلى دلالتها على الذم رأى أن منافع الخمر عامة دائمة؛ لأنها منافع ذاتية غير عارضة.
قال ابن الجوزي: « اختلف العلماء في هذه الآية، فقال قوم: إنها تضمنت ذم الخمر لا تحريمها، وهو مذهب ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة، وقال آخرون: بل تضمنت تحريمها، وهو مذهب الحسن وعطاء، فأما قوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ) [البقرة: ٢١٩].
فيتجاذبه أرباب القولين، فأما أصحاب القول الأول، فإنهم قالوا: إثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبله، وقال أصحاب القول الثاني: إثمهما قبل التحريم أكبر من نفعهما حينئذ أيضا؛ لأن الإثم الحادث عن شربها من ترك الصلاة والإفساد الواقع عن السكر لا يوازي منفعتها الحاصلة من لذة أو بيع»153.
ويمكن تلخيص وجمع كلام المفسرين في رأيين:
الأول: وذهب أصحابه إلى أن منافع الخمر والميسر محدودة بزمان حله دون زمن تحريمه، فهي منافع مؤقتة، فيصير المعنى: وإثمهما بعد التحريم أكبر من نفعهما قبله. ونسب هذا القول إلى ابن عباس ومقاتل والضحاك والربيع وسعيد بن جبير ومقاتل، وحكاه جماعة من المفسرين، ورجحه بعضهم. 154
قال مقاتل: « يعني بالمنافع اللذة والتجارة في ركوبهما قبل التحريم، فلما حرمهما الله عز وجل، قال:) (ﯮ) (بعد التحريم، ) (ﯯ ﯰ ﯱ) قبل التحريم »155.
الثاني: وذهب أصحابه إلى أن منافع الخمر والميسر عامة دائمة، ليست محدودة بزمان دون آخر، لأنها منافع ذاتية، والمعنى: أن إثمهما قبل التحريم أكبر من نفعهما حينئذ أيضا، لأن الإثم الحادث عن شربها من ترك الصلاة والإفساد الواقع عن السكر لا يوازي منفعتها الحاصلة من لذة أو بيع، ونسب إلى سعيد ابن جبير واختاره جماعة من المفسرين156.
قال الطبري: « وإنما اخترنا ما قلنا في ذلك من التأويل، لتواتر الأخبار وتظاهرها بأن هذه نزلت قبل تحريم الخمر والميسر، فكان معلومًا بذلك أن الإثم الذي ذكر الله في هذه الآية، فأضافه إليهما إنما عنى به الإثم الذي يحدث عن أسبابهما»157.
والراجح هو الرأي الثاني القائل بعموم منافع الخمر والميسر ودوامهما في كل زمن؛ لاتفاقه مع ظاهر القرآن الكريم، وعدم الحاجة فيه إلى تأويل.
قال ابن العربي: « المسألة السادسة: ما هذا الإثم؟ فيه قولان: أحدهما: أن الإثم ما بعد التحريم، والمنفعة قبل التحريم، الثاني: أن إثمها كانوا إذا شربوا سكروا، فسبوا وجرحوا وقتلوا، والصحيح أنها إثم في الوجهين»158.
ويقول العلامة أبو زهرة: «ويلاحظ في الكلمات السامية: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [البقرة: ٢١٩].
أنه أطلق الإثم ولم يضفه، فلم يقل: إثم على الناس، أو للناس، وقيد المنافع بأنها للناس، وهذا يدل على أن الإثم في الخمر والميسر ذاتي، فهما في ذاتهما رجس كبير، وخطر وبيل، وأن ما فيهما من منافع فهي ضئيلة وهي بالنسبة لبعض الناس، فهي منافع إضافية، لا منافع ذاتية، فجوهر الخمر والميسر شر لا خير فيه، وما يكون من نفع فيهما في بعض الملابسات، كما يلاحظ في بيع الأوراق لتمويل بعض جماعات البر، فليس ذلك لأن في الميسر خيرا أو نفعا، بل لأن النفوس فسدت، وشحت بالخير، فلا تجود إلا من هذا الطريق الفاسد، فما فيه من نفع إضافي سببه فساد الناس، وهو نفع ضئيل للناس ومشتق من أحوالهم».159
وعلى كلا الرأيين فإن في الميسر منافع ولو محدودة، بقي بيان آثاره السيئة على الفرد والجماعة واقتصاد الأمة، وهذا ما سيتضح بتوفيق الله في النقاط الآتية.
أولًا: آثار الميسر النفسية على الفرد:
بين القرآن الكريم آثار الميسر النفسية على الفرد في قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة: ٢١٩].
وفي قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩٠-٩١].
وبيان ذلك تفصيلًا يقتضي تقسيم الآثار النفسية للميسر على الفرد إلى قسمين:
القسم الأول: الآثار المتعلقة بالدين: ويقصد بها تلك المضار التي تؤثر بالسلب على ضرورة من الضرورات أو كلية من الكليات الخمس المأمور بحفظها، وهي الدين والنفس والعقل والمال والعرض.
ويمكن إجمال الآثار السيئة للميسر على هذا الجانب فيما يلي:
أولًا: الصد عن ذكر الله وعن الصلاة: وقد نصت على هذا الأثر السيئ آية سورة المائدة؛ تعليلًا للأمر بالاجتناب والتحريم، وذلك بسبب اللهو بالميسر عن ذكر الله والانشغال به عن الصلاة وإضاعتها، وهذا أمر ظاهر، فمتى اشتغل بمخاطرة يتوقع فيها فوزًا أو خسارة أو سلامة، فلا بد أن ينشغل ذهنه وفكره بذلك، أو على الأقل يشوش160.
قال الفخر الرازي: « وأما أن الميسر مانع عن ذكر الله وعن الصلاة فكذلك؛ لأنه إن كان غالبًا صار استغراقه في لذة الغلبة مانعا من أن يخطر بباله شيء سواه، ولا شك أن هذه الحالة مما تصد عن ذكر الله وعن الصلاة»161.
والصد عن ذكر الله وعن الصلاة داخل في مفهوم الإثم في الميسر في قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [البقرة: ٢١٩]162، والمراد بالصد عن ذكر الله: الصد عن كل طاعة لله تعالى، وخص الصلاة من سائر الطاعات بإعادة ذكرها خاصة بعد العموم الشامل لها؛ لأهميتها ومكانتها. 163
ثانيًا: ما فيه من الإثم: وذلك يتمثل في ارتكاب المحرمات من السرقة والتحايل وأكل أموال الناس بالباطل، وقول الفحش والحلف الكاذب ونحوها. 164، وقد نصت على هذا الأثر آية سورة البقرة.
ثالثًا: متابعة الشيطان: ففي اقتراف الميسر عصيان لله وطاعة للشيطان- والعياذ بالله من ذلك- وهذا بين في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة: ٩٠-٩١].
فقد نص على كون اقتراف الميسر رجسًا من عمل الشيطان165، وكذلك ما يفهم من الربط بين الآيتين وبين الآية التالية لهما: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [المائدة: ٩٢].
يقول الإمام الطبري: « يقول تعالى ذكره: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه، وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول في اجتنابكم ذلك واتباعكم أمره فيما أمركم به من الانزجار عما زجركم عنه من هذه المعاني التي بينها لكم في هذه الآية وغيرها، وخالفوا الشيطان في أمره إياكم بمعصية الله في ذلك وفي غيره، فإنه إنما يبغي لكم العداوة والبغضاء بينكم بالخمر والميسر»166.
وجميع المعاصي يجتمع فيها هذان الوصفان: العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة167.
رابعًا: إفساد التربية السليمة والفطرة المستقيمة، القائمة على السعي في طلب الرزق الحلال والكسب المشروع، وذلك عن طريق تعويد النفس الكسل وانتظار الرزق من الأسباب الوهمية، أو اللجوء إلى السرقة ونحوها من المحرمات168.
خامسًا: إضعاف القوة العقلية للمرء، بترك الأعمال المفيدة في طرق الكسب الطبيعية، وإهمال الياسرين (المقامرين) للزراعة والصناعة والتجارة التي هي أركان العمران169.
القسم الثاني: الآثار المتعلقة بالحالة النفسية للفرد: ويقصد بها تلك المضار التي تؤثر بالسلب على الحالة النفسية للفرد جراء ممارسته للميسر والقمار بصوره المختلفة.
وبدايةً أشير إلى أن علماء النفس والاجتماع يعتبرون لعب اليسر من الأمراض النفسية والاجتماعية الخطيرة، وأن له تأثيرًا على الأفراد بصورة قد تؤدي إلى تدميرهم نفسيًا، خاصة الفقراء منهم، ويعتبر علماء النفس المقامرة لونًا من الإدمان، ومرضًا نفسيًا خطيرًا170.
ويسبب الميسر عددًا من التأثيرات السلبية على نفسية المقامر، أهمها:
أولًا: يسبب تشوهًا معرفيًا، وفقدان التحكم، ونقصًا في تقدير الذات، وشعورًا باليأس.
ثانيًا: يؤدي بالمقامر إلى التفكير غير العقلاني، والشعور بالذنب، والرغبة في المخاطرة.
ثالثًا: يؤدي إلى عزلة المقامر عن المجتمع، حال اضطراره إلى التوقف عن المقامرة والمراهنة.
رابعًا: التوتر العصبي، وهو تطور نفسي في الجسم يسبب الإثارة والاندفاع واضطراب الجهاز العصبي171.
ويظهر أثر هذه التأثيرات النفسانية على سلوك المقامر، فيحرص على المخاطرة والمغامرة، حتى يفنى ماله ويهلك عقله.
جاء في تفسير المنار 172: « وأما كون إثم الميسر أكبر من نفعه فهو أظهر مما تقدم في الخمر ولا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه أنواع القمار وعم ضررها، حتى إن الحكومات الحرة التي تبيح تجارة الخمر تمنع أكثر أنواع القمار وتعاقب عليها، على احترامها للحرية الشخصية في جميع ضروب التصرف التي لا تضر بغير العامل، فمنفعة القمار وهمية ومضراته حقيقية، فإن المقامر يبذل ماله المملوك له حقيقة على وجه اليقين لأجل ربح موهوم ليس عنده وزن ذرة لترجيحه على خطر الخسران والضياع، والمسترسل في إضاعة المحقق طلبا للمتوهم يفسد فكره ويضعف عقله، ولذلك ينتهي الأمر بكثير من المقامرين إلى بخع أنفسهم - قتلها غما - أو الرضى بعيشة الذل والمهانة.
قال الأستاذ الإمام: إنني أعرف رجلا كانت ثروته لا تقل عن ثلاثة آلاف ألف جنيه (ثلاثة ملايين)، فما زال شيطان القمار يغريه باللعب فيه حتى فقد ثروته كلها، وعاش بقية حياته فقيرا معدما حتى مات جائعا، وذكر أنه ربح في ليلة تسعمائة ألف فرنك، فقال: لا أبرح حتى أتمها مليونا، فلم يبرح حتى خسرها إلى مليون آخر، وهكذا شأن أكثر المقامرين يغترون بالربح الذي يكون لهم أو لغيرهم أحيانا فيسترسلون في المقامرة حتى لا يبقى لهم شيء».
وجاء فيه أيضًا: « ويشترك الميسر مع الخمر في أن متعاطيهما قلما يقدر على تركهما والسلامة من بلائهما؛ لأن للخمر تأثيرا في العصب يدعو إلى العود إلى شربها والإكثار منها، فإن ما تحدثه من التنبيه يعقبه خمود وفتور بمقتضى سنة رد الفعل، فيشعر السكران بعد الصحو أنه مضطر إلى معاودة السكر، ليزول عنه ما حل به، فإذا هو عاد قويت الداعية، وأما الميسر فإن صاحبه كلما ربح طمع في الزيادة، وكلما خسر طمع في تعويض الخسارة، ويضعف الإدراك حتى تعز مقاومة هذا الطمع الوهمي، وهذا شر ما في هاتين الجريمتين»173.
ثانيًا: آثار الميسر على العلاقات الاجتماعية:
أشار القرآن الكريم إلى آثار الميسر على العلاقات الاجتماعية في قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة: ٢١٩].
فالإثم المذكور في الآية يشمل كل سيء من الأفعال، ومن ضمنها ما يكون بين الناس من سوء في العلاقات الاجتماعية.
ونص عليها في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة:٩٠-٩١].
ويمكن استخلاص آثار الميسر السيئة على العلاقات الاجتماعية، وإجمالها في:
أولًا: وقوع العداوة والبغضاء والحسد بين المتقامرين: فالقمار يورث العداوة، لأن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يأخذه عليه، فيبقى مسلوبًا، مغتاظًا على قرنائه174.
وقد حذر القرآن الكريم من هذا الحال في قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المائدة: ٩١].
فقد « أعلم تعالى عباده أن الشيطان إنما يريد أن تقع العداوة بسبب الخمر، وما كان يغري عليها بين المؤمنين، وبسبب الميسر، إذ كانوا يتقامرون على الأموال والأهل، حتى ربما بقي المقمور حزينا فقيرًا، فتحدث من ذلك ضغائن وعداوة، فإن لم يصل الأمر إلى حد العداوة كانت بغضاء، ولا تحسن عاقبة قوم متباغضين، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا)175.
وباجتماع النفوس والكلمة يحمى الدين ويجاهد العدو، والبغضاء تنقض عرى الدين، وتهدم عماد الحماية»176.
ثانيًا: ضعف جماعة الأمة ووحدتها بين الناس: وذلك أثر من آثار وقوع العداوة والبغضاء بين أفراد الأمة، ومن خلال غياب المقامرين عن الصلاة ومجالس الذكر، أو انزوائهم وهروبهم من رحابة المجتمع إلى ضيق الأفق والحال.
يقول الإمام الطبري: «يقول -تعالى ذكره-: إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر، والمياسرة بالقداح، ويحسن ذلك لكم؛ إرادة منه أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح؛ ليعادي بعضكم بعضا، ويبغض بعضكم إلى بعض؛ فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان وجمعه بينكم بأخوة الإسلام»177.
ثالثًا: انهيار بناء الأسر وتفككها: وله -في نظري- شقان: اقتصادي، ويكون بسبب ما يصيبهم من كساد وإفلاس، و اجتماعي، ويكون بسبب انشغال الراعي وغفلته، وهذا مفهوم من عموم قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المائدة: ٩١].
قال صاحب المنار: « ومنها - وهو أشهرها - تخريب البيوت فجأة، بالانتقال من الغنى إلى الفقر في ساعة واحدة، فكم من عشيرة كبيرة نشأت في الغنى والعز، وانحصرت ثروتها في رجل أضاعها عليها في ليلة واحدة فأصبحت غنية وأمست فقيرة لا قدرة لها على أن تعيش على ما تعودت من السعة ولا ما دون ذلك»178.
رابعًا: فساد الحياة واختلال منظومة القيم والأخلاق في المجتمع وانهيارها: وذلك ناتج عن تفشي سوء الأخلاق والفعال بين المتقامرين ومن يتعاملون معهم، لأنهم جزء من مكونات المجتمع، ومعلوم أن المقامر يبذل الكذب والتحايل والسرقة أحيانًا وكل وسيلة لإرضاء شهوته وكسب ربح سرابه، وهذا بلا شك يؤثر على منظومة القيم والأخلاق المجتمعية، ويفهم هذا الأثر أيضًا من عموم قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المائدة: ٩١]179.
كما نص القرآن الكريم على تضمن الميسر معنى الإثم بمفهومه الشامل لكافة المساوئ المنابذة للشرع من الكذب والشتم وزوال العقل واستحلال مال الغير180.
والميسر بكونه سببًا في الصد عن ذكر الله وعن الصلاة يفسد الدنيا بأسرها؛ حيث صلاح الدنيا والدين في ذكر الله وفي الصلاة، كما أنهما ينفيان الفحشاء والمنكر( ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ) [العنكبوت: ٤٥].
يقول الإمام الطبري: « (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) يقول: ويصرفكم بغلبة هذه الخمر بسكرها إياكم عليكم وباشتغالكم بهذا الميسر عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم وعن الصلاة التي فرضها عليكم ربكم ». 181
ثالثًا: آثار الميسر على اقتصاد الأمة:
أشار القرآن الكريم إلى الآثار الاقتصادية للميسر ضمن وصفه له بالاشتمال على الإثم الكبير في قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ) [البقرة: ٢١٩].
فالإثم المذكور في الآية شامل لكافة ألوان المساوئ المنابذة لمحاسن الشرع، ومن ضروريات مقاصد الشريعة حفظ المال من جانب الحفاظ على وجوده ونمائه، ومن جانب منع ما يضره أو يؤدي إلى كساده، فكل ما أضر بالمال فيه إثم.
قال البرهان البقاعي: « وإن كان تعالى اقتصر هنا على ضرر الدين وهو الإثم لأنه أس يتبعه كل ضرر»182.
وقال ابن القيم: « وإذا تأملت أحوال هذه المغالبات رأيتها في ذلك كالخمر، قليلها يدعو إلى كثيرها، وكثيرها يصد عما يحبه الله ورسوله، ويوقع فيما يبغضه الله ورسوله، فلو لم يكن في تحريمها نص لكانت أصول الشريعة، وقواعدها، وما اشتملت عليه من الحكم والمصالح، وعدم الفرق بين المتماثلين، توجب تحريم ذلك، والنهي عنه»183.
وقد أشار المفسرون إلى المعنى ذاته ضمن تفسيرهم لسبب وقوع العداوة والبغضاء في الخمر والميسر، وهو ضياع الأموال، وإن كان هذا أثرًا اجتماعيًا إلا أن أثره يمتد ليشمل الجانب الاقتصادي، والعلاقة بين الجانبين أساسية.
قال صاحب المنار: « ومنها - وهو أشهرها - تخريب البيوت فجأة، بالانتقال من الغنى إلى الفقر في ساعة واحدة، فكم من عشيرة كبيرة نشأت في الغنى والعز، وانحصرت ثروتها في رجل أضاعها عليها في ليلة واحدة فأصبحت غنية وأمست فقيرة لا قدرة لها على أن تعيش على ما تعودت من السعة ولا ما دون ذلك»184.
وآثار الميسر السيئة على الحالة الاقتصادية درجات، منها الخاص بالأفراد، ومنها العام الشامل الأمة بأسرها، والتلازم بين الجانبين ظاهر.
ويمكن إجمال الآثار السيئة للميسر على اقتصاد الأمة بمعنييه الخاص والعام في:
أولًا: رفع نسبة الفقر بين أفراد الأمة: حيث يكون المقامر في الغالب من أصحاب رؤوس الأموال، فينجرف إلى الميسر والقمار، فيكسب ثم يخسر، فيستمر في المخاطرة رغبة الفوز، وتتكرر خسارته، فيتحول إلى الفقر المدقع.
يقول الفخر الرازي: « وأما الميسر ففيه بإزاء التوسعة على المحتاجين الإجحاف بأرباب الأموال، لأن من صار مغلوبا في القمار مرة دعاه ذلك إلى اللجاج فيه عن رجاء أنه ربما صار غالبا فيه، وقد يتفق أن لا يحصل له ذلك إلى أن لا يبقى له شيء من المال، وإلى أن يقامر على لحيته وأهله وولده، ولا شك أنه بعد ذلك يبقى فقيرا مسكينا ويصير من أعدى الأعداء لأولئك الذين كانوا غالبين له. فظهر من هذا الوجه أن الخمر والميسر سببان عظيمان في إثارة العداوة والبغضاء بين الناس، ولا شك أن شدة العداوة والبغضاء تفضي إلى أحوال مذمومة من الهرج والمرج والفتن، وكل ذلك مضاد لمصالح العالم185.
ثانيًا: التسبب في حدوث الأزمات الاقتصادية وارتباك الأسواق دون مبرر: والأزمة الاقتصادية هي: التدهور الحاد في الأسواق المالية لدولة ما أو مجموعة من الدول؛ والتي من أبرز سماتها فشل النظام المصرفي المحلي في أداء مهامه الرئيسية، والذي ينعكس سلبا في تدهور كبير في قيمة العملة و أسعار الأسهم، مما ينجم عنه آثار سلبية في قطاع الإنتاج والعمالة؛ وما ينجم عنها من إعادة توزيع الدخول والثروات فيما بين الأسواق المالية الدولية186.
وخير شاهد على هذا الأثر ما يعرف بالأزمة الاقتصادية العالمية في أكتوبر ١٩٩٨م، وما حدث في دول شرق آسيا سنة ١٩٩٩م، وما زالت آثارها باقية.
وقد بدأت جذور هذه الأزمات في القطاع المالي، وتضخمت من خلاله، فالبداية كانت من التخفيض المصطنع لمعدلات الفائدة في مطلع القرن، الذي شجع على التوسع في الاقتراض دون وجود قيمة مضافة أو نمو في الإنتاجية، وكانت النتيجة فقاعة في سوق العقار، ورافق ذلك مبتكرات المشتقات المالية التي حيدت مخاطر الإقراض، فلم يعد المقرض يستشعر مسؤولية القرض، ويهتم بقدرة المدين على السداد، فنشأ عن ذلك الممارسات المستنكرة في استدراج العملاء وإغراقهم بالديون، أي إن الأزمة ابتدأت بالربا، وتطورت إلى الميسر، وأصبح أحدهما يغذي الآخر، لتنتهي بالكارثة.
والمقامرة، مثلها مثل نظام الفائدة الربوية، تزيد الفجوة بين الالتزامات المالية والثروة الحقيقية، وكلما ازدادت أعداد المراهنين ازداد مجموع خسائر الخاسرين من جراء هبوط في السوق، وهذا ما حصل في الأزمة المالية الراهنة، فقد اكتظت الأسواق المالية بتجارة المخاطر المبنية على الميسر والقمار، فأصبح لا يمكن التفريق بين المعاملات الحقيقية وبين المقامرة التي تتسم اقتصاديًا بأنها مباراة نتيجتها صفر، لأنها على المستوى الجزئي لطرفيها لا تولد قيمة، إذ إن ما يربحه طرف يساوي تماما ما يخسره الآخر، أما على مستوى الاقتصاد كله فإنها مباراة نتيجتها سالبة، بسبب ما تولده من حوافز ضارة اقتصاديا ذات مخاطر أخلاقية.
فإذا بترنا الارتباط بين المخاطر وملكية الأصول، مالية كانت أو حقيقية، فقد المالكون الحافز للحفاظ على جودة أصولهم، وتصرفوا بما يحقق لهم أعلى عائد، وفي الأزمة الحالية حيث أمكن للمؤسسات المالية التخلص من مخاطر أصولها بفصل المخاطر عن الملكية فقد جمحت إلى تحقيق أهداف أخرى دون مراعاة للتدهور في نوعية الأصول ؛ طمعًا في زيادة العائدات، وتحولت السوق إلى ساحة للرهان، فلم يكن هناك ما يحد من نموها وتضخمها سوى استعداد الأطراف للمجازفة، وكما هو الشأن في الربا، فإن المراهنة لا تتطلب أكثر من اتفاق الطرفين على أن يدفع أحدهما للآخر مبلغا من المال حين وقوع الخطر مقابل رسوم محددة، فالتكلفة الابتدائية للرهان محدودة، ولذلك لا يوجد ما يعوق توسعه وتضاعفه.
والنتيجة من الميسر هي تضاعف الالتزامات والمديونيات بعيدًا عن الثروة الحقيقية، لينشأ عن ذلك ما يسمى الهرم المقلوب، حيث ترتكز جبال شاهقة من الديون على قاعدة ضئيلة من الثروة، ومع تزايد عبء هذه الديون ستعجز قاعدة الثروة عن احتمالها، لتكون الخسارة حين وقوع الخطر أضعافًا مضاعفة187.
موضوعات ذات صلة: |
الخمر، الذنب، الزور، اللعب، اللهو |
1 انظر: المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، محمد حسن جبل ص ٩٨٩ بتصرف.
2 أساس البلاغة، الزمخشري ص ٧١٣.
وانظر: القمار حقيقته وأحكامه ص ١٧.
3 المفردات ص٧١٧، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، أبو حيان ص ٣٢٥، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي ٤/٣٥٦.
4 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٥٢، ٥٣.
5 الحاوي الكبير ١٩/٢٢٥.
6 عارضة الأحوذي ٧/١٨، بتصرف.
7 مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية، البعلي ص ٥٢٩.
8 تيسير الكريم الرحمن ص ٢٤٣.
9 القمار حقيقته وأحكامه ص ٧٤- ٧٥.
10 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٧٧٢، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الياء ص١٤٣٨-١٤٣٩.
11 انظر: جامع البيان، الطبري، ٣/٦٧٠-٦٧٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٥/٣٨٦.
12 لسان العرب ٥/١١٤.
13 انظر: المصدر السابق ص ٧٥.
14 انظر: المضاربة والقمار في الأسواق المالية المعاصرة تحليل اقتصادي وشرعي، عبدالرحيم عبد الحميد الساعاتي، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، الاقتصاد الإسلامي، م٢٠، ع١ ص ٢١، القمار حقيقته وأحكامه ص ٨٥- ٩٨.
15 انظر: لسان العرب ١٣/١٨٩.
16 انظر: المصدر السابق ص ١٠٤ بتصرف يسير.
17 انظر: المضاربة والقمار في الأسواق المالية المعاصرة ص ٢١.
18 انظر: لسان العرب ٥/١٨.
19 انظر: تبيين الحقائق، الزيلعي ٤/٤٦، الكليات، الكفوي ص ٦٧٢، قواعد الفقه، البركتي ص ٣٩٩.
20 انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي ص ٦١، القمار حقيقته وأحكامه ص ١٢٨.
21 انظر: حقيقة الغرر المحرم في الشريعة الإسلامية، أحمد صفي الدين، مجلة أضواء الشريعة ص ١٠٠، كلية الشريعة بالرياض السعودية، العدد الحادي عشر.
22 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٢/ ٢٦٤.
وانظر: شرح ديوان الحماسة، الأصفهاني ١/٧١، الميسر عند العرب، محمود مصطفى، صحيفة دار العلوم، ع ٢/١٣-١٤، الميسر والأزلام ص ١٧- ١٨.
23 التحرير والتنوير ٢/٣٥٠.
24 غريب الحديث ٣/٤٩٦- ٤٧٠.
وانظر: نظم الدرر ١/٤١٠.
25 أحكام القرآن، ابن العربي ١/٢٠٩.
26 المصدر السابق ٢/١٦٤.
27 التحرير والتنوير ٢/٣٥٠.
28 انظر: الميسر والقداح ص ٨٣- ٨٤، شرح ديوان الحماسة، الأصفهاني ١/٧١، الميسر والأزلام ص ١٩.
29 الميسر والأزلام ص ١٨.
30 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/٤٥٦، لسان العرب ٤/١٣٤، مختار الصحاح ١/٤٣.
31 الميسر والأزلام ص ٢٠.
32 انظر: الميسر والقداح ص ٨٨، نظم الدرر ٣/٢٥١، الميسر والأزلام ص ٢١.
33 انظر: الأمالي، أبو علي القالي ٢/١٥٦، الميسر والأزلام ص ٢٢.
34 انظر: الميسر والقداح ص ٣٠- ٣١، نظم الدرر ٣/٢٤٥.
35 انظر: نظم الدرر ٣/٢٤٤، الميسر والأزلام ص ٢٤، ٤٠.
والريم: هو العظم الذى يبقى بعد قسمة الجزور، أو هو ما يبقى في يد الجزار بعد تقسيم الجزور بالتساوي عدا الرأس والأطراف، يسب به الجازر لو أخذه، فإن أباه أخذه الهلكى من الفاقة.
انظر: العين، الفراهيدي ٨/٢٩٤، تهذيب اللغة، الأزهري ١٥/٢٠١، أساس البلاغة، الزمخشري ص ٢٦٤، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٢٦٠.
ويطلق على الريم: الجزارة أيضًا، وهي قوائم البعير ورأسه، لأنها كانت لا تقسم في الميسر وتعطى الجزار.
انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٠/٣١٩، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٧/٢٨٦.
36 وهو في الأصل: السهم بلا نصل ولا قذذ، وكأنه سمي بذلك، لأنه يقدح به أو يمكن القدح به، ثم سمي القدح من قداح الميسر به على التشبيه.
انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٦٧.
37 النبع: شجر ينبت في قمة الجبل معروف بالمتانة واللين.
انظر: لسان العرب، ابن منظور ٨/٣٤٥، ٣٤٦، الميسر والأزلام ص ٣١.
38 السفاسق: جمعٌ مفرده: سفسقة وسفسوقة، وأصلها: المحجة الواضحة، والمراد بها الخطوط والطرائق التي تكون في الأعواد والسهام، وهي دلالة على الوضوح.
انظر: الميسر والقداح ص ٧٥-٧٦، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١١٥٤.
39 انظر: الميسر والقداح ص ٦٨، ٨٣)، الميسر والأزلام ص ٣١.
40 انظر: وفيات الأعيان، ابن خلكان ٣ /٢٤٩.
41 انظر في ضبط أسماء كافة السهام: نظم الدرر ٣/٢٤٩- ٢٥١.
42 انظر: العين، الفراهيدي ٢/٢٤٧، الفصول والغايات، المعري ص ٢٢، المخصص، ابن سيده ٤/١٣.
43 انظر: الميسر والقداح ص ٤٦، نظم الدرر ١/٤١٣، الميسر والأزلام ص ٣١.
44 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٣٦٨، نظم الدرر، البقاعي ١/٤١٣.
45 انظر: تفسير السمرقندي ١/٣٩٣، غريب الحديث، الخطابي ٢/١٥٤.
46 انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد ٣/١٣١٢، نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري ٣/١١٤.
47 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٤/١٨٩، نثر الدر في المحاضرات، الآبي ٦/٢٣٧، المحيط الأعظم، ابن سيده ٥/٥٣٠.
48 المخصص، ابن سيده ٤/١٦.
49 تهذيب اللغة، الأزهري ٥/٧٧- ٧٨.
50 المصدر السابق ٧/١٩٦.
51 انظر: المخصص، ابن سيده ٤/١٦، لسان العرب، ابن منظور ١/٤٠٦.
52 أصل اشتقاق الحرضة من التحريض، وهو التحضيض، وحقيقته: أن تحث الإنسان حثًّا يعلم معه أنه حارض، أي: مقارب الهلاك إن تخلف عنه.
انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٤/١٢٠، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١١٣.
53 إفاضة الأقداح: أن يدفعها دفعة واحدة إلى الأمام فيخرج منها قدح أو أكثر.
انظر: الميسر والقداح ص ١٠٩، الميسر والأزلام ص ٤٠.
54 انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد (١/٥١٥).
وعلل ابن فارس تسميته بالحرضة، لكونه لا خير فيه، بناءً على أصل اشتقاق الكلمة، مقاييس اللغة ٢/٤١.
55 أي: طليعتهم مشتق من ربأ: صار لهم ربيئة أي: طليعة. الأمالي، أبو علي القالي ٢/١٥٦.
56 انظر: العين، الفراهيدي ٥/ ١٥٥، لسان العرب، ابن منظور ١/٤٢٦.
57 انظر: المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد ٧/٥٦، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٧/٣٥٠.
58 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٢/٦١، معالم التنزيل، البغوي ١/١٩٣، الكشاف، الزمخشري ١/٢٨٩.
59 غريب الحديث ٣/٤٦٩.
60 معاني القرآن الكريم، النحاس ٢/٣٥٦.
61 المصدر السابق ٢/٣٥٦.
62 نظم الدرر ١/٤١٣.
63 الميسر والقداح ص ٩٣- ٩٤.
64 المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٢٩٣.
65 نظم الدرر ١/٤١٢- ٤١٣.
66 المصدر السابق ١/٤١٥.
67 انظر: القمار حقيقته وأحكامه ص ٤٠- ٤١.
68 انظر: المصدر السابق ص ٤٠.
69 ذكره البخاري في الأدب المفرد ص ٤٣١، باب القمار، رقم ١٢٥٩.
70 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٢/٢٠٣.
71 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٤١١.
72 غريب الحديث ٣/٤٧٠.
73 نظم الدرر ١/٤١١.
74 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٤/٣٤.
75 الميسر عند العرب ص ٢٢.
76 التحرير والتنوير ٢/٣٤٨.
77 انظر: العين، الفراهيدي ٤/٣٥٥، تهذيب اللغة، الأزهري ٨/٣٦، لسان العرب، ابن منظور ١٠/٢٩٢، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ١١٨٢، تاج العروس، الزبيدي ٢٦/٢٦٠.
78 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٤/٣٤.
79 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٣٤٧- ٣٤٨) بتصرف.
80 انظر: الميسر والقداح ص ١١٧.
81 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٣٤٨، ٣٤٩.
82 انظر: المصدر السابق ٢/٣٤٩.
83 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٣٤٨.
84 انظر: الميسر والقداح، ابن قتيبة ص ٩٦.
85 زاد المسير، ابن الجوزي ١/٢٤٢.
86 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ١/٢١٠، زاد المسير، ابن الجوزي ١/٢٤١.
87 انظر: انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٢/٣.
88 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٣٨.
89 انظر: تفسير السمرقندي ١/١٧٠، أحكام القرآن، ابن العربي ١/٢١٠، مفاتيح الغيب، الرازي ٦/٣٨.
90 المحرر الوجيز ١/٢٩٤.
91 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٦٠.
92 انظر: تفسير السمرقندي (١/١٧٠، أحكام القرآن، ابن العربي ١/٢١٠، مفاتيح الغيب، الرازي ٦/٣٨.
93 انظر: مفاتيح الغيب ٦/٣٩.
94 أحكام القرآن، الجصاص ٢/٤- ٥.
95 انظر: تفسير ابن أبي زمنين ١/٢١٩.
96 انظر: الناسخ والنسوخ، قتادة ص ٣٥- ٣٦، تفسير عبد الرزاق الصنعاني ١/٨٨.
97 النكت والعيون ١/٢٧٨.
98 انظر: التشريع الجنائي في الإسلام، عبدالقادر عودة (١/٤٠٩) بتصرف.
99 أحكام القرآن، الكيا الهراسي ١/ ١٢٥- ١٢٦.
وحديث مخاطرة أبي بكر رضي الله عنه المشركين أخرجه بمعناه: أحمد في مسنده ١/٣٠٤، رقم ٢٧٧٠.
100 انظر: تفسير يحيى بن سلام ٢/٦٤٤، تفسير ابن أبي زمنين ٣/٣٥٥.
101 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٣٤٥.
102 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٢/١١٧.
103 معاني القرآن ٢/٢٠٣.
104 التفسير البسيط، الواحدي ٧/ ٥١٠.
105 المصدر السابق ٧/ ٥١٢.
106 الكشاف ١/ ٦٧٤- ٦٧٥.
وانظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٦٨.
107 الكشاف ١/ ٧٠٨.
108 أحكام القرآن، ابن العربي ٢/ ١٦٦.
109 أخرجه أحمد في مسنده، ٢/٣٥١، رقم ٨٦٠٥، والترمذي في سننه، ٥/٢٥٣، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المائدة، رقم ٣٠٤٩، وأبو داود في سننه، ٣/٣٢٥، كتاب الأشربة، باب في تحريم الخمر، رقم ٣٦٧٠، والنسائي في سننه المجتبى، ٨/٢٨٦، كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر، رقم ٥٥٤٠.
وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.
110 انظر: أحكام القرآن، ابن الفرس ١/٢٧٨.
111 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٢/٣٨٩، رقم ٢٠٤٥، المصفى بأكف أهل الرسوخ، ابن الجوزي ص ٢٠.
112 روح المعاني، الألوسي ٢/١١٥.
113 صحيح البخاري ٤/١٦٨٧.
114 سنن النسائي ٨/٢٨٦.
115 انظر: التفسير المنير ١/٢٧٠.
116 مفاتيح الغيب ٦/٣٥.
117 انظر: مباحث في الاقتصاد الإسلامي من أصوله الفقهية، محمد رواس قلعجي ص ١٣١، التأمين بين الحل والتحريم، عيسى عبده ص ٢٦.
118 انظر: موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي، علي السالوس ص ٣٦٥، المعاملات المالية المعاصرة في ضوء الإسلام، سعد الدين الكبي ص ٢٠٦.
119 انظر: التأمين بين الحل والتحريم، عيسى عبده ص٢٧، التأمين وأحكامه، سليمان الثنيان ص ٧٠.
120 انظر: التأمين وأحكامه، سليمان الثنيان ص ٨٧.
121 انظر: نظام التأمين حقيقته والرأي الشرعي فيه، مصطفى الزرقا ص ٢٥، المعاملات المالية المعاصرة في ضوء الإسلام، سعد الدين الكبي ص ٢١١.
122 انظر: بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، محمد الأشقر وآخرون ص ١٢، ١٣)، التأمين بين الحل والتحريم، عيسى عبده ص ٣٠، التأمين وأحكامه، سليمان الثنيان ص ٦٣.
123 انظر: التأمين الاجتماعي في ضوء الشريعة الإسلامية، عبد اللطيف آل محمود ص ٤١٧.
124 انظر: التحليل الاقتصادي الإسلامي لصور القمار والميسر المعاصرة، حسين شحاتة ص٢.
125 انظر: القمار حقيقته وأحكامه ص٥٣٨، الأساس في التفسير، سعيد حوى ١/٥٠٩.
126 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٢/ ٢٦٢.
127 انظر: التحليل الاقتصادي الإسلامي لصور القمار والميسر المعاصرة، حسين شحاتة ص٢.
128 انظر: المضاربة والقمار في الأسواق المالية المعاصرة تحليل اقتصادي وشرعي، عبدالرحيم الساعاتي، مجلة جامعة الملك عبد العزيز: الاقتصاد الإسلامي، م٢٠، ع١، ص ٦.
129 انظر: أزمة النظام المالي العالمي في ميزان الاقتصاد الإسلامي، حسين شحاتة ص٧، تحريم القمار في الشريعة الإسلامية وأثره في علاج الأزمة الاقتصادية المعاصرة، أحمد الرفاعي الجهني ص ٨٦.
130 انظر: أحكام التعامل في الأسواق المالية المعاصرة، مبارك آل سليمان ص ١١٤٧، المضاربة والقمار في الأسواق المالية المعاصرة تحليل اقتصادي وشرعي، عبدالرحيم الساعاتي ص ٢٦.
131 انظر: التحليل الاقتصادي الإسلامي لصور القمار والميسر المعاصرة، حسين شحاتة ص٣.
132 انظر: المصدر السابق ص٤.
133 انظر: المصدر السابق.
134 انظر: القمار حقيقته وأحكامه ص ٥٥٣.
135 انظر: مختصر الفتاوى المصرية، البعلي ص ٥٢٩.
136 انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية ٣١/ ١٥٥.
137 الفتاوى الكبرى، ابن تيمية ٣/٤١٥.
138 انظر: بداية المجتهد، ابن رشد ٢/١٧٨.
139 الفروق، القرافي ٣/٢٦٥- ٢٦٦، الموسوعة الفقهية الكويتية ٣١/ ١٥١.
140 بداية المجتهد ٢/١٨٧.
141 التحرير والتنوير ٢/٣٥٠.
142 انظر: تفسير مجاهد ١/١٠٦، تفسير مقاتل ابن سليمان ١/١١٦، معالم التنزيل، البغوي ١/١٩٣.
143 انظر: تفسير مجاهد ١/١٠٦.
144 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ١/١١٦، الكشف والبيان، الثعلبي ٢/١٥٢، التفسير الوجيز، الواحدي ١/١٦٥، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٢٩٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٥٧.
145 الميسر والأزلام ص ٤٧.
146 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٢٧٨، تفسير السمعاني ١/٢١٩، معالم التنزيل، البغوي ١/١٩٣، زاد المسير ١/٢٤١، تفسير العز بن عبد السلام ١/٢١١.
147 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٣٦٠، التفسير الوجيز، الواحدي ١/١٦٥.
148 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٦/٤١، نظم الدرر ، البقاعي ١/٤٠٩.
149 لباب التأويل، الخازن ١/٢١٢.
150 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٢٨٩، نظم الدرر، البقاعي ١/٤٠٩.
151 التحرير والتنوير ٢/٣٤٩.
152 انظر: الميسر والأزلام ص ٤٨.
153 نواسخ القرآن، ابن الجوزي ص ٨٢.
154 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ١/١١٦، الكشف والبيان، الثعلبي ٢/١٥٢، معالم التنزيل، البغوي ١/١٩٣، مفاتيح الغيب ٦/٣٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٦٠، البحر المحيط ٢/١٦٨.
155 تفسير مقاتل بن سليمان ١/١١٦.
156 جامع البيان، الطبري ٢/٣٦١، النكت والعيون، الماوردي ١/٢٧٨، نواسخ القرآن، ابن الجوزي ص ٨٢، أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٥٠٥.
157 جامع البيان، الطبري ٢/٣٦١.
158 أحكام القرآن، ابن العربي ١/٢١٠.
159 زهرة التفاسير ٢/ ٧٠٨.
160 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/٦٢.
161 مفاتيح الغيب ١٢/ ٦٨.
162 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٣٥٩، النكت والعيون، الماوردي ١/٢٧٧.
163 انظر: تفسير السمرقندي ١/٤٣٨، الكشاف ١/٧٠٨.
164 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ١/ ١١٦، بلوغ الأرب ٣/٦٩، التفسير الوجيز، الواحدي ص١٦٥.
165 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٢/٦٥.
166 جامع البيان، الطبري ٧/ ٣٥.
167 الضوء المنير، ابن القيم ٢/ ٤٥١.
168 انظر: تفسير المنار ٢/ ٢٦٣.
169 انظر: المصدر السابق ٢/ ٢٦٣.
170 انظر: القمار نظرة سيكولوجية اجتماعية، مجلة الفكر العربي، المجلد ١٨ص ١٦٣- ١٦٦، سيكولوجية المقامر ص ٤.
171 انظر: سيكولوجية المقامر ص ١٥.
172 تفسير المنار ٢/ ٢٦٦.
173 المصدر السابق ٢/ ٢٦٧.
174 انظر: معاني القرآن، الزجاج ١/١٧٤، التفسير الوجيز، الواحدي ١/٣٣٤، تفسير السمعاني ٢/٦٢، الهداية، مكي بن أبي طالب ٣/١٨٦٤.
175 أخرجه: البخاري في صحيحه ٥/٢٢٥٣، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، رقم ٥٧١٧، ومسلم في صحيحه ٤/١٩٨٥، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها، رقم ٢٥٦٣.
176 المحرر الوجيز ٢/٢٣٤.
177 جامع البيان، الطبري ٧/ ٣٢.
178 تفسير المنار ٢/ ٢٦٣.
179 انظر: سيكولوجية المقامر ص ١٤.
180 انظر: نظم الدرر ١/٤٠٨- ٤٠٩.
181 جامع البيان، الطبري ٧/ ٣٢.
182 نظم الدرر ١/ ٤٠٨.
183 الفروسية ص ١٧٥-١٧٦.
184 تفسير المنار ٢/ ٢٦٣.
185 مفاتيح الغيب ١٢/ ٦٧.
186 انظر: فصول الأزمة المالية العالمية: أسبابها، جذورها وتبعاتها الاقتصادية، محمد أحمد زيدان ص ٤، أسباب الأزمة المالية وجذورها، جميلة الجوزي ص١، الأزمة المالية العالمية انعكساتها وحلولها، الداوي الشيخ ص ٣.
187 انظر: أسلحة الدمار المالي الشامل، سامي بن إبراهيم السويلم، منشور ضمن بحوث كتاب الأزمة المالية العالمية أسباب وحلول من منظور إسلامي ص ٤٦- ٤٧، حلول اقتصادية من التمويل الإسلامي، بيان الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي، منشور ضمن بحوث كتاب الأزمة المالية العالمية أسباب وحلول من منظور إسلامي ص ٣٥٨، المنهج الإسلامي لتشخيص ومعالجة الأزمات في سوق الأوراق المالية، حسين شحاتة ص ١٤، الجرائم الاقتصادية: عقوبتها ومكافحتها في ضوء الشريعة الإسلامية، حسين شحاتة ص ١٧.