عناصر الموضوع

التعريف بموسى عليه السلام

ذكر موسى عليه السلام في القرآن الكريم

صفاته وأخلاقه عليه السلام

موسى عليه السلام قبل النبوة

تكليف موسى عليه السلام بالنبوة

دعوته عليه السلام لفرعون وقومه

آيات موسى عليه السلام ومعجزاته

موسى عليه السلام والسحرة

نجاة موسى عليه السلام ومن معه

موسى عليه السلام ورؤية ربه

موسى عليه السلام والعبد الصالح

الدروس المستفادة من قصة موسى

موسى عليه السلام

التعريف بموسى عليه السلام

أولًا: اسمه ونسبه عليه السلام:

لم يذكر القرآن شيئًا عن نسب نبي الله موسى عليه السلام ولا عن والده أو والدته، لكن ذكر في غير موضع بالقرآن الكريم أن موسى أخٌ لهارون عليه السلام وقد توهم البعض كالقرظي1 أنهما أخوان للسيدة العذراء مريم، لقوله عز وجل على لسان بني إسرائيل: ( ) [مريم:٢٨]، ولتشابه اسمي أبي موسى وأبي مريم، فكلاهما اسمه (عمران).

والحقيقة أن التباعد الزمني بين موسى وعيسى عليه السلام أمرٌ ثابت بالقرآن الكريم، يقول الله عز وجل في قصة داود: ( ﭥﭦ ﭯﭰ ﭽﭾ ﭿ ﮆﮇ ) [البقرة:٢٤٦].

فداود عليه السلام كان بين موسى وعيسى عليه السلام.

ثانيًا: زمانه عليه السلام:

ليس في القرآن الكريم ما يمكن من خلاله تحديد الفترة الزمنية التي ولد فيها نبي الله موسى عليه السلام بدقة، لكن الثابت في القرآن أن مبعثه كان سابقًا على نبي الله داود عليه السلام، وتحدثت بعض الآيات القرآنية عن جانب من الزمن الذي ولد فيه، حيث عاش بنو إسرائيل فترة طويلة في ظل الاضطهاد الفرعوني بسببٍ من تأييدهم للغزاة الهكسوس الذين حكموا مصر وتآمرهم على المصريين، واستحقارهم لعبادة المصريين، فضلا عن عقيدتهم بأنهم شعب الله المختار2.

وبلغ بهم التنكيل أن أصدر فرعون قرارًا يقضي بذبح أبناء الإسرائيليين واستحياء نسائهم وتسخيرهم في أعمال الخدمة الشاقة، وفي سورة القصص بعض التفصيل لمعاناتهم في هذه الفترة العصيبة من تاريخ بني إسرائيل.

يقول تعالى: ( ﯝﯞ ) [القصص:٣-٦].

ونطالع في السورة الثانية من الكتاب الكريم تذكير المولى جل جلاله لبني إسرائيل بإنجائهم من هذا الاضطهاد ( ﭜﭝ ) [البقرة:٤٩].

ومثلها: ( ) [الأعراف:١٤١].

وقد روى الطبري عن ابن إسحاق قوله: «كان فرعون يعذب بني إسرائيل فيجعلهم خدمًا وخولًا، وصنفهم في أعماله، فصنفٌ يبنون، وصنفٌ يحرثون، وصنفٌ يزرعون له، فهم في أعماله، ومن لم يكن منهم في صنعة له من عمله: فعليه الجزية -فسامهم- كما قال الله عز وجل سوء العذاب»3.

وروي أن فرعون كان قد رأى رؤيا هالته؛ رأى نارًا خرجت من بيت المقدس فدخلت دور القبط ببلاد مصر، إلا بيوت بني إسرائيل، مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل، ويقال: بل تحدث سماره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم، يكون لهم به دولة ورفعة...فعند ذلك أمر فرعون بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل، وأن تترك البنات، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأراذلها4.

ولذلك كان وصف القرآن الكريم لهم ( ) [الأعراف:١٣٧].

ومنَّ الله جلَّ جلالُه على بني إسرائيل بالنجاة في غير موضع بالقرآن، من مثل قوله: ( ) [طه:٨٠].

وقوله تعالى: ( ) [الدخان:٣٠].

ليس هذا فحسب؛ ففي موضع آخر يذكر نبي الله موسى عليه السلام بني إسرائيل بنعمة الله السابغة عليهم بأن كتب لهم النجاة من السخرة التي عاشوا فيها أمدًا بعيدًا ( ﭤﭥ ) [إبراهيم:٦].

ثالثًا: مكانته:

نص القرآن الكريم في أكثر من آية على مكانة موسى الكليم عليه السلام بين الأنبياء، وأشار إلى عظم هذه المكانة؛ فقال تعالى مجملا هذه المناقب ومبينًا هذه المكانة: ( ) [الأحزاب:٦٩].

والوجيه هو صاحب المكانة والمنزلة الرفيعة5.

ومن أكثر الآيات تأكيدًا على هذه المكانة العظيمة قول الله عز وجل: ( ﰏﰐ ) [مريم:٥١-٥٣].

ويمكننا إيجاز بعض مناقبه عليه السلام كما وردت في القرآن الكريم على النحو التالي:

أولًا: أنه كان (مخلصًا) لقوله سبحانه: ( ) [مريم:٥١] أي أن الله تعالى اصطفاه واستخلصه.

ثانيًا: جمعه بين الرسالة والنبوة عند من فرق بينهما لقوله تعالى: ( ) [مريم:٥١]6.

ثالثًا: تكليم الله جل جلاله له، لقوله سبحانه: ( ) [النساء:١٦٤].

رابعًا: علو مكانته، لقوله عز وجل: ( ) [مريم:٥٢].

وفيه رأيان: «قرب المكان»، وقيل: «قرب المنزلة»7، وسواء أكان هذا أم ذاك فإنما يدل على علو مكانته عليه السلام.

خامسًا: اصطفاء الله تعالى له، وذلك لقوله ( ) [الأعراف:١٤٤].

ولقوله سبحانه: ( ) [طه:١٣].

سادسًا: إلقاء محبة الله عليه: ودليل ذلك قوله: ( ) [طه:٣٩].

سابعًا: كونه من أولي العزم من الرسل: فجل المفسرين أن موسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل الذين قال الله عز وجل فيهم: ( ) [الأحقاف:٣٥].

ثامنًا: مكانته في الإسلام: (كان النبي صلى الله عليه وسلم حفيًا به، فحين قدم المدينة مهاجرًا، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء؛ فسألهم: ما هذا؟! قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم؛ فصامه موسى. قال صلى الله عليه وسلم: (فأنا أحق بموسى منكم)؛ فصامه وأمر بصيامه)8، وفي رواية أخرى: (نحن أولى بموسى منكم)9.

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تفضيله على موسى الكليم لما له من منزلة عند ربه تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (استب رجلان، رجلٌ من المسلمين، ورجلٌ من اليهود، قال المسلم: والذي اصطفى محمدًا على العالمين، فقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فرفع المسلم يده عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم المسلم، فسأله عن ذلك، فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأصعق معهم، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطشٌ جانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثنى الله)10.

على أن تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام لخير دليل على مكانته العالية الرفيعة عند ربه وبين خلقه، وهو الأمر الذي نص عليه القرآن في أكثر من موضع، وأكده الله تعالى تأكيدًا في قوله: ( ) [النساء:١٦٤].

ذكر موسى عليه السلام في القرآن الكريم

ورد ذكر موسى عليه السلام في القرآن الكريم (١٣٦) مرة في (٣٤) سورة.

وأما قصته عليه السلام فقد وردت في السور الآتية:

السورة

الآيات

البقرة

٥١-٦١، ٦٧-٧١

المائدة

٢٠-٢٥

الأعراف

١.٣-١٥٥،١٥٩-١٦٠

يونس

٧٥-٨٩

هود

٩٦-٩٧

إبراهيم

٥-٩

الإسراء

١٠١-١٠٤

الكهف

٦٠-٨٢

مريم

٥١-٥٣

طه

٩-٩٨

المؤمنون

٤٥-٤٩

الفرقان

٣٥-٣٦

الشعراء

١٠-٦٨

النمل

٧-١٤

القصص

٣-٤٨

الصافات

١١٤-١٢٢

غافر

٢٣-٢٧

الزخرف

٤٦-٥٦

الذاريات

٣٨-٤٠

النازعات

١٥-٢٥

صفاته وأخلاقه عليه السلام

أولًا: صفاته الخَلْقية:

ليس في القرآن ما يدل على شيء من أوصاف موسى عليه السلام الخلقية، سوى آية تشير إلى قوته البدنية التي ميزته.

يقول تعالى: ( ﭭﭮ ﭺﭻ ﭿ ﮀﮁ ) [القصص:١٥].

وأورد ابن إسحاق ما يفيد قوة موسى عليه السلام وبسطته، يقول: «وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق، وشدة في البطش؛ فغضب بعدوهما فنازعه (فوكزه موسى) وكزة قتله منها وهو لا يريد قتله» 11.

وفي السنة النبوية عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (وأما موسى فآدمٌ جسيمٌ سبطٌ كأنه من رجال الزط)12، وفي حديث آخر لابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت ليلة أسري بي موسى رجلًا آدم طوالًا جعدًا)13، وفي حديثٍ آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان: (رجـل الرأس)14.

ثانيًا: صفاته الخلقية:

١. المروءة.

تتجلى هذه الصفة في عدة مواطن، منها ما حدث مع الرجل الذي من شيعته حين استنصره على المصري.

يقول تعالى: ( ﭭﭮ ﭺﭻ ﭿ ﮀﮁ ) [القصص:١٥].

فمروءة موسى عليه السلام منعته من تجاهل استغاثة رجل من بني قومه، ورغم أنه عليه السلام ندم فيما بعد على تسرعه وانفعاله الذي أدى إلى قتل المصري؛ إلا أنه كان دليلا على مروءته وشهامته.

وفي قصة البنتين اللتين سقى لهما دليل على مروءته؛ فلم يستطع عليه السلام أن يتجاوز أزمتهما، أو يتخلى عن معونتهما، كما تجلت مروءته في عدم انتظار الأجر من أحد ( ﭿ ) [القصص:٢٤].

وكانت هذه المروءة أحد الأسباب لأن يخطبه الرجل لابنته.

٢. الوفاء بالوعد.

جرى اتفاق بين الشيخ الكبير وموسى عليه السلام ( ﯢﯣ ﯨﯩ ﯮﯯ ﯺﯻ ﯿ ﰁﰂ ) [القصص:٢٧-٢٨].

( ) [القصص:٢٩].

والشاهد أن موسى عليه السلام قد أوفى بعهده مع الشيخ.

٣. قوة الحجة والمنطق.

يقدم لنا القرآن في أكثر من موضع حوارات موسى عليه السلام مع فرعون، وفيها دليل على قوة حجته ومنطقه، ولنا أن نتمثل في ذلك حواره مع فرعون الذي سأله: ( ) [طه:٥١]؛ فجاءت إجابته شافية كافية: ( ﭖﭗ ﭴﭵ ) [طه:٥٢-٥٤].

فقد استخدم عليه السلام مفردات البيئة التي يعيش فيها (الأرض، السماء، المطر، النبات، الأنعام) ليقرب الصورة للمخاطبين (فرعون وملأه) وهذا أوقع في تعجزيهم وإقامة الحجة عليهم، وبلغ به التحدي مداه عندما قال له فرعون: ( ) [الشعراء:٢٩].

فجاء رده منطقيًا: ( ) [الشعراء:٣٠-٣١].

فألزم فرعون الحجة وتحداه في يوم يجتمع فيه الناس ليشاهدوا بأعينهم.

٤. اللجوء إلى الله واليقين به.

من يطالع قصة موسى عليه السلام يعرف مدى تعلق قلبه بخالقه تعالى، فإليه يكل أمره يستنصره على أعدائه، ويطلب منه النجدة والمعونة، وتكشف هذه الآيات عن جانبٍ كبيرٍ من هذا التضرع.

يقول عز وجل: ( ﯣﯤ ﯷﯸ ﯿ ) [يونس:٨٤-٨٩].

فقد طالب قومه بالتوكل على الله، ثم دعا ربه تعالى أن يعذب فرعون وقومه بسبب تكبرهم وتكذيبهم.

وتنقل لنا الآيات صورة حية من تضرعه إلى الله تعالى واستعانته به في قوله جل جلاله: ( ﯬﯭ ﯲﯳ ﯾﯿ ﰄﰅ ) [الأعراف:١٥٥-١٥٦].

وقد تجلى تعلق موسى عليه السلام بربه حتى في أشد المواقف وأكثرها ضيقًا وكربًا، فعندما هرب وأتباعه من فرعون؛ أدركهم وجنوده عند البحر؛ فدب الخوف في قلوب أصحاب موسى وظنوا أنهم أحيط بهم، لكنه عليه السلام صاح وكله ثقة في ربه وخالقه: ( ﭛﭜ ) [الشعراء:٦٢].

٥. حب الله والاستئناس به.

توضح لنا الآيات الكريمة كيف كان موسى عليه السلام كثير الأنس بربه جل جلاله، وينقل لنا القرآن كيف أسهب في الحديث مع مولاه عندما سأله: ( ) [طه:١٧].

وهو سؤال كما قيل: «ليؤنسه ويبسطه بالكلام» 15، ويستوجب إجابة بكلمة واحدة (عصا) أو كلمتين نحو (هذه عصا)؛ لكن موسى عليه السلام وجدها فرصة فأفاض في القول ( ﭿ ) [طه:١٨].

لقد استرسل موسى عليه السلام كما يقول البقاعي: «مستأنسًا بلذيذ المخاطبة قوله بيانًا لمنافعها خوفًا من الأمر بإلقائها كالنعل، أي: أعتمد وأرتفق وأتمكن إذا أعييت، أو عرض لي ما يحوجني إلى ذلك من زلق أو هبوط أو صعود أو طفرة أو ظلام ونحو ذلك؛ ثم ثنى بعد مصلحة نفسه بأمر رعيته فقال: () أي أخبط الورق»16..

وبلغ هذا الاستئناس ذروته عندما طلب موسى عليه السلام من ربه عز وجل أن يراه، وهو طلب عجيب ( ﯚﯛ ﯧﯨ ﯱﯲ ) [الأعراف:١٤٣].

٦. التواضع والحرص على التعلم.

عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن: (موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا. فعَتِبَ الله عليه إذ لم يَرُدَّ العلم إليه، فقال له: بلى، لي عبدٌ بمجمع البحرين هو أعلم منك. قال: أي رب ومن لي به؟ وربما قال سفيان: أي رب وكيف لي به قال تأخذ حوتًا فتجعله في مكتلٍ حيثما فقدت الحوت فهو ثم...)17.

فاصطحب غلامه يوشع بن نون (ﭿ ) [الكهف:٦٥-٧٠].

تقدم لنا الآيات السابقة جانبًا من تواضع موسى بن عمران عليه السلام بداية من التماسه العلم من العبد الصالح ( )، وهي عبارة تشير إلى خفض الجناح من جانبه، ووضع نفسه في موضع المريد من شيخه، وكذا نزوله على شروط المعلم لصحبته، وفي هذا درس بالغ لكل طلاب العلم على النحو الذي ستظهره هذه الدراسة في مبحث مستقل.

٧. النهي عن المنكر.

رغم الوعد الذي وعده موسى عليه السلام للعبد الصالح بأن يصبر على صحبته ولا يكثر من سؤالاته إلا أنه لم يطق صبرًا بعدما رآه يخرق السفينة: ( ﯧﯨ ﯿ ) [الكهف:٧١-٧٣].

وقتل الغلام: ( ﭣﭤ ) [الكهف:٧٤-٧٦].

وإقامة الجدار: ( ﭼﭽ ﭿ ) [الكهف:٧٧].

فلم يترك موسى عليه السلام فرصة إلا نهى فيها -عما رآه منكرًا- قبل أن يتبين له الأمر، ومما عابه القرآن على بني إسرائيل في غير موضع عدم نهيهم عن المنكر لأنهم ( ﭿ ﮁﮂ ) [المائدة:٧٩].

٨. قوة الإرادة.

وقد أسهم في اكتسابه هذه الإرادة الصلبة كثرة المحن والتجارب التي مر بها منذ كان رضيعًا وضعته أمه في الصندوق، وقبل ذلك من يقينه الذي لا يفتر بربه تعالى، فعندما ناشد قومه قائلا: ( ) [المائدة:٢١-٢٢].

لقد راعتهم قوة أعدائهم الجبارين، ونسوا أن النصر ليس بالكثرة ولا بالعتاد؛ وتناسوا وصية موسى عليه السلام لهم ( ) [يونس:٨٤].

وقد أورد القرطبي أن بني إسرائيل عندما امتنعوا عن الجهاد، عوقبوا بالتيه أربعين سنة، إلى أن مات أولئك العصاة ونشأ أولادهم، فقاتلوا الجبارين وغلبوهم18.

وعندما ذهب لملاقاة العبد الصالح قال لفتاه يوشع بن نون: ( ) [الكهف:٦٠].

أي: لا أزال أسير حتى أبلغ المكان الموعود ولو سرت في سبيله أزمانًا طويلة، وذلك منبئ عن دأبه وارتفاع همته.

هذه هي بعض صفات نبي الله موسى عليه السلام التي نص عليها القرآن الكريم في كثير من المواضع، وهي صفات بشرية، وليست من الخوارق التي لا يدركها الإنسان مهما سعى إليها واجتهد، وفي ثنايا هذه الدراسة إشارات إلى صفات أخرى سنتناولها في حينها، وفي ذلك عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!!

موسى عليه السلام قبل النبوة

أولًا: نشأة موسى عليه السلام:

في ظروف بالغة القسوة، ولد الطفل موسى عليه السلام في قوم مهانين مستباحي الكرامة، فالرجال سخرهم فرعون الطاغية في أدنى الأعمال وأشقها يسومهم سوء العذاب، والنساء منتهكة الحرمات، وعندما أدرك المخاض أم موسى زادها كربًا إلى كربها، وغمًا على غمها، فمصير الطفل مهدد كغيره من أطفال بني إسرائيل الذكور الذين لم ينجوا من آلة القتل الغاشمة خوفًا على ملك فرعون وجاهه العريض من الضياع بعد نبوءة أو رؤية، على خلافٍ بين المفسرين وكذلك بين المؤرخين19، وهو ما جعل الأم تضرع إلى ربها أن ينقذ وليدها من المصير المألوف آنذاك.

يصور القرآن الكريم كيف أراد تعالى لموسى عليه السلام شيئًا آخر غير مجرد الحياة التي هي أقصى ما تصبو إليه الأم الملتاعة، بل كل أمٍ في هذا الزمان؛ ولا عجب؛ فقد صنعه عز وجل لنفسه وعلى عينه، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم، فقوله جل جلاله ( ) [طه:٣٩].

منبئٌ بأن تربية الصغير ستكون لدنيةً بعنايته عز وجل بما يليق برسالته والمهمة التي ستلقى على عاتقه.

يقول الزمخشري: «لتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك وراقبك، كما يراعي الرجل الشيء بعينيه إذا اعتنى به»20.

والكلام هنا كما قال الطاهر ابن عاشور «تمثيلٌ لهيئة الاصطفاء لتبليغ الشريعة بهيئة من يصطنع شيئًا لفائدة نفسه فيصرف فيه غاية إتقان صنعه»21.

ولأن ( ﭿ ) [الحج:٧٥].

فقد كان من الضروري رعايته لأنبيائه وأصفيائه، ولذا فقد من تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بهذه العناية المبكرة التي لولاها لكان في مقام آخر لا يعلمه إلا الله، وذلك ظاهرٌ في قوله عز وجل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ( ) [الضحى:٦-٨].

وثمة نوع خصوصية في مولد موسى عليه السلام، يشير إليه قوله تعالى ( ) [طه:٤١].

وهو تأكيد للآية السابقة ( ).

ويفسر ابن جزي الغرناطي ذلك بقوله: «أي: استخلصتك وجعلتك موضع صنيعتي وإحساني»22.

ولو استأنسنا بما كتبه البقاعي لقرأنا «ربيتك بصنائع المعروف تربية من يتكلف تكوين المربى على طريقة من الطرائق لنفسي لتفعل من مرضاتي في تمهيد شرائعي وإنفاذ أوامري ما يفعله من يصنع للنفس من غير مشارك، فهو تمثيل لما حوله من منزلة التقريب والتكريم»23.

فالعناية هنا تأهيل لموسى عليه السلام لمواجهة ما ينتظره من مهامٍ جسامٍ ومعاناة مع بني إسرائيل الذين لا يكفون عن الجدل.

أوحى الله جل جلاله إلى أم الطفل موسى وحي إلهامٍ لا وحي رسالة24 ( ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ:) [القصص:٧]، وما أعجب القدرة الإلهية! أمٌ تخاف على ولدها من القتل فتؤمر بإلقائه في الماء، ويطمئنها الله ( ) [القصص:٧].

على ولدك؛ فإننا في قابل الأيام ( ) [القصص:٧]، الذين اصطفيناهم للدعوة والرسالة.

إن وعد الله عز وجل لهذه المرأة نافدٌ وماضٍ؛ لكنه يحتاج إلى قلب مطمئن يسلم بقضاء الله وقدره، وإلا فكيف لامرأة ضعيفة تكتم حملها نحو تسعة أشهر خوفًا من عسس فرعون أن تستجيب لمثل هذا الأمر وتقذف بابنها وفلذة كبدها في النهر وهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرًا؟! لكن أم موسى كانت على ثقة متينة بموعود ربها تعالى لها ( ).

وكما كانت حياة موسى عليه السلام معجزة -على النحو الذي سيتكشف بعد قليل- جاءت الآية ( ﭣﭤ ﭮﭯ ) [القصص:٧].

معجزة في بيانها، فقد تضمنت أمرين ونهيين وبشارتين ولطائف أخرى يضيق المقام عن تفصيلها، وتوقف أمامها المفسرون، واشتهرت عند البلاغيين، ففرق الزمخشري بين خوفين: «أما الأول فالخوف عليه من القتل؛ لأنه كان إذا صاح خافت أن يسمع الجيران صوته فينموا عليه. وأما الثاني، فالخوف عليه من الغرق ومن الضياع ومن الوقوع في يد بعض العيون المبثوثة من قبل فرعون في تطلب الولدان، وغير ذلك من المخاوف»25، فالآية تتحدث عن خوف من أمر واقعي هو القتل على يد الفراعين، وخوف آخر محتمل هو غرق الرضيع في المياه.

ثمة آيات في سورة طه تتحدث عن نجاة الرضيع وتورد تفاصيل أخرى.

يقول تعالى: ( ﭦﭧ ) [طه:٣٧-٣٩].

ففي الآيات أنه تعالى أوحى إلى أم موسى بوضعه في التابوت، وإلقائه في اليم الذي سيحمله إلى ساحل فرعون، الذي هو عدو لله عز وجل ولبني إسرائيل ومنهم الرضيع، وما كان للطفل أن تكتب له النجاة إلا بتدبير إلهي محكم.

لكن.. كيف يصل الطفل إلى قصر فرعون الفاجر وتكتب له النجاة إلا عن طريق قلب زوجته؟!

إنها المحبة التي ألقاها الله على موسى عليه السلام؛ ولا عجب فقد قال عز وجل: ( ) [طه:٣٩].

واختلف المفسرون في تفسير هذه المحبة، فمن قائلٍ بأنها جمال في الخلقة وصف به، وقيل ملاحةٌ في عينيه، لكن ابن عطية ضعف هذا القول26، وهناك من يقول إنها محبة القابلة التي ولدت أمه، وقائل: محبة امرأة فرعون... إلخ27.

والراجح أنه القبول العام كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلانًا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)28.

إن امرأة فرعون قد أحبته، وسعدت به، وقالت لفرعون: هذا الصغير ( )، تقر به أعيننا وتسعد بها نفوسنا ( ) [القصص:٩].

فوافق فرعون ولم يكن يعلم أنه سيكون سبب هلاكه في الدنيا والآخرة ( ) [القصص:٨].

وقد شاع بين بعض القراء في أيامنا هذه أن يقرأ ( ﮌ ﮎ) بالوقوف على (لا)، وهذا من اللحن -كما يرى أبو زكريا الفراء- وهي رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما29، وهي قراءة لا تستقيم عقلا؛ فهل يمكن لزوجة فرعون أن تخاطبه بهذه اللهجة فتقول له: هذا الولد قرة عين لي فحسب، أما أنت فلا؟! وإذا كانت قالت ذلك فلماذا لم تقل: عسى أن (ينفعني) أو (أتخذه) ولدًا بصيغة المفرد؟! وما الذي يضطر فرعون إلى إبقاء ولدٍ من المفترض أنه سيسبب له المتاعب، لا شك أن فرعون استبقى الولد بناء على رغبة زوجته التي أحبته بعد أن ألقى الله عليه محبةً منه، ويظهر أنه وقومه كانوا على يقين أنه إسرائيلي، وإلا فما يضطر أمًا إلى التخلص من رضيعها الذكر إلا إذا كان مهددًا كأقرانه من بني إسرائيل؟! كما يظهر من قول امرأة فرعون ( ) فمن ذا الذي جرى عليه القتل آنذاك سوى ذكور بني إسرائيل؟!

والحقيقة أن موسى عليه السلام كان بالفعل قرة عين لها، فقد كتب الله لها النجاة من فرعون وعمله الخبيث، وأشاد بها في كتابه الكريم؛ بل جعلها مضرب المثل للذين آمنوا.

يقول تعالى: ( ) [التحريم:١١].

وعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كمل من الرجال كثيرٌ، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)30.

ولم يكن حبها غريزيًا كامرأة العزيز التي كان حبها ليوسف عليه السلام فضيحة لها حين راودته عن نفسه فاستعصم، وسار بحديثها نسوة المدينة، وصارت أقصوصة في فم الرائح والغادي.

لكن في الظل أمًا تتحرق شوقًا إلى ضم وليدها وغمره بعطفها وشموله بحنانها، ويصور القرآن حالة الاضطراب النفسي الذي عاشته على هذا النحو: ( ﮞﮟ ) [القصص:١٠].

قال البيضاوي: «فارغًا صفرًا من العقل لما دهمها من الخوف والحيرة حين سمعت بوقوعه في يد فرعون»31.

وبقدرة الله جل جلاله أبى الصغير الرضاع من غير أمه ( ) [القصص:١٢]؛ وأخذوا يفتشون عن مرضعة، وهنا تتدخل العناية الإلهية مرة أخرى فتقابلهم أخته التي خرجت لوعى تتلمس الأخبار حول مصير أخيها الرضيع ( ) [القصص:١٢].

فرده الله إلى أمه الملتاعة ( ﭿ ) [طه:٤٠].

( ) [القصص:١٣].

وتزداد يقينا في وعد الله تعالى، يقول البقاعي: «فكان كل ما أردته، فلما رآك هذا العدو أحبك وطلب لك المراضع، فلما لم تقبل واحدةً منهن بالغ في الطلب، كل ذلك إمضاءً لأمري، وإيقافًا لأمره به نفسه لا بغيره؛ ليزداد العجب من إحكام السبب»32.

وهنا تتيقن أم موسى أن ولدها سيكون له شأن في قابل الأيام.

ظل الصغير غذي نعمة وترف في قصر فرعون، بعيدًا عن معاناة قومه بني إسرائيل، وقد اختزل القرآن هذه الفترة فلم يتحدث عن شيء من تفصيلاتها، واختصر الفاصل الزمني من الرضاعة إلى بلوغ الأشد، وتحدث بعض المؤرخين عن تفصيلات أخرى في هذه المرحلة الزمنية، لكن ثمة إشكالية في الرواية التي أوردها البعض ومنهم الطبري، تقول الرواية: إن فرعون عندما حمله «أخذ موسى بلحيته فنتفها؛ فقال فرعون علي بالذباحين، هذا هو!! قالت آسية: ( )، إنما هو صبي لا يعقل، وإنما صنع هذا من صباه، وقد علمت أنه ليس في أهل مصر امرأة أحلى مني، أنا أضع له حليًا من الياقوت، وأضع له جمرًا؛ فإن أخذ الياقوت فهو يعقل فاذبحه، وإن أخذ الجمر فإنما هو صبي، فأخرجت له ياقوتها فوضعت له طستًا من جمر؛ فجاء جبرئيل فطرح في يده جمرة؛ فطرحها موسى في فيه فأحرق لسانه فهو الذي يقول الله عز وجل: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ )»33، وهذه الرواية التي ذكرها غير واحد من المؤرخين والمفسرين، ونسبها النيسابوري إلى الصحابي الجليل عبدالله بن عباس رضي الله عنهما 34.

نصدق أن فرعون قد يزعجه ما فعله الطفل لأنه شخصية سلطوية مجنونة بالعظمة، إلا أن القصة لا يمكن أن تستقيم عقلا، فكيف لطفل أن يمسك بالجمرة المتوقدة؛ بل ويضعها في فيه؟! ولو اقتصر الاختبار على إقبال الطفل على الجمرة أو حتى على لمسها لكان ذلك أمرًا مستساغًا معقولا.

ثانيًا: قتل موسى عليه السلام للقبطي:

تدلنا الآيات على أن موسى عليه السلام ظل في بيت فرعون حتى ( ) [القصص:١٤].

ثم إن الله تعالى من عليه فآتاه ( )[القصص:١٤].

والحكم والعلم ليسا بالنبوة؛ وإنما هي من إرهاصاتها؛ لأنه عليه السلام سيتورط بعد ذلك في قتل القبطي بطريق الخطأ.

إن القرآن يصور مشهد القتل ويوجز ما دار فيه من حوار بعيدًا عن الإجمال والتفصيل، فموسى عليه السلام ( ) [القصص:١٥].

في وقت كان الناس فيه في بيوتهم كوقت القيلولة، أو بين المغرب والعشاء، أو حتى في معابدهم يوم عيدهم؛ بل قيل متنكرًا، على اختلاف بين المفسرين، كما اختلفوا حول المدينة وتعددت فيها الآراء35، لكن معلوم أن الحكام يتخذون لسكناهم بيوتًا خارج المدن على أطرافها، ليكونوا بمأمن من شعوبهم، وتلك من تدابير الطغاة والمستبدين وعاداتهم، (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ: ;> =) [القصص:١٥].

وكانت معركة تدور رحاها بين مصري وإسرائيلي، وبطبيعة الحال كان الثاني فيها أضعف الطرفين ( ) [القصص:١٥].

والتظاهر بالضعف والوهن من صفات اليهود التاريخية، فحتى اللحظة نراهم يروجون لمظلوميتهم رغم ما وصلوا إليه من قوة وتقدم، لكنها سمات ملازمة لهم أنى لها أن تبرحهم مع تعاقب الليل والنهار!

لنا أن نتخيل موسى عليه السلام في هذه اللحظة وهو يسترجع شريط الذكريات القاسية، يستحضر استضعاف قومه وتذبيح الأبناء واستحياء النساء على يد الفراعين، وكيف ألقته أمه في اليم خوفًا عليه من الذبح، وكأن البحر أرق فؤادًا من هؤلاء المستبدين ( ) [الفجر:١١-١٢].

نعم عاش عليه السلام في بيت فرعون؛ لكن قضيته كانت تعيش معه ولم تتركه، ولم تغيره النعمة كما تفعل بالكثيرين الذين يتخلون عن مبادئهم بإقبال النعمة عليهم متناسين أصولهم.

هذا أحد بني جلدته الذين طالهم ظلم الفراعين -أو هكذا ظن موسى عندئذ- يستنجد به عليه السلام لإنقاذه من أحدهم فلا يتردد في نجدته، ويبدو أن الغضب قد سيطر عليه بشكل كبير ( ) [القصص:١٥].

وأيًا كان تعريف الوكز -على النحو الذي أوردناه سلفًا- فقد كانت النتيجة قتل المصري وبسرعة تفيدها الفاءان في قوله عز وجل: (فوكزه - فقضى)، وعندها أسقط في يد موسى عليه السلام و( ﭿ ) [القصص:١٥].

وهذا يعني أنه لم يكن يقصد القتل بحالٍ من الأحوال؛ لكن نزغ الشيطان في يده، وهو ما جعله يستغفر ربه تعالى ( ) [القصص:١٦].

ثم أخذ على نفسه العهد والميثاق ( ) [القصص:١٧].

وبعض المفسرين36 على أن المقصود بالمجرمين في الآية السابقة هم فرعون وقومه الذين ساموا بني إسرائيل سوء العذاب، لكن السياق يحتمل أن يكون المقصود هو الإسرائيلي الذي استغاثه ثم تبين بعد ذلك أنه غويٌ مبينٌ، ويدل على ذلك ما حدث بعد ذلك عندما تبين موسى عليه السلام أن الإسرائيلي لم يكن مستحقًا للمساعدة وإلا لما ترك نجدته في المرة الثانية، ولو كان مستحقًا ما تردد لحظةً في إجارته.

قتل المصري في سورة غضب موسى عليه السلام ( ) [القصص:١٨].

وبينما هو كذلك إذا بالإسرائيلي نفسه ( ﮩﮪ ) [القصص:١٨].

فبالأمس تسببت في مقتل المصري، واليوم تستعديني على آخر.. ويبدو أن الإسرائيلي استمد بعض القوة من وجود موسى عليه السلام فشرع في قتل عدوه ( ) [القصص:١٩].

وتظهر الآيات أن القبطي كان على علم بما فعله موسى عليه السلام مع المصري السابق قتله وهو ما جعله يقول لموسى عليه السلام: ( ) [القصص:١٩].

اضطرب موسى عليه السلام كثيرًا وأحس أنه أصبح هدفًا لكل المصريين انتقامًا لقتيلهم، ويبدو أن خبر القتيل وصل إلى فرعون الذي أمر بإحضار ربيب نعمته بعد أن عزز شكوكه التي ساورته يومًا بعد يوم؛ فقيض الله عز وجل له رجلا جاءه ( ﯿ ) [القصص:٢٠].

فجأة وجد موسى عليه السلام نفسه بين خيارين كلاهما فيه مشقة كبيرة على نفسه:

  1. توظيف الطاقات البشرية.

    على النحو الذي ورد في المبحث السابق، فعندما كلف الله تعالى موسى عليه السلام بالرسالة طلب إليه أن يشد أزره بأخيه هارون قائلًا: ( ﯿ ) [طه:٢٩-٣٥].

    فجاءت الاستجابة الفورية من الله تعالى: ( ) [طه:٣٦].

    ( ﯹﯺ ﯿ ) [القصص:٣٥].

    ( ) [مريم:٥٣].

    ويمكننا من خلال هذه الآيات أن ندرك كيف عمل موسى عليه السلام على توظيف قدرات أخيه في الدعوة للوصول إلى أقصى استفادة ممكنة، وحسب نص الآيات فقد أراد توظيف قدرة هارون الكلامية في تبليغ الدعوة والدفاع عنها، وفي ذلك درس للدعاة الذين يجب أن يكون هناك تكامل بينهم ويقوم كل منهم على ثغرة.

  2. اللين والشدة.

    يخبرنا القرآن كيف أن الله تعالى طلب من موسى وهارون أن يعاملا فرعون بالحسنى ( ) [طه:٤٤].

    يقول البقاعي: «فقولا له قولًا لينًا لئلا يبقى له حجة، ولا يقبل له معذرة لعله يتذكر ويعلم أن الله ربه، وأنه قادر على ما يريد منه، فيرجع عن غيه فيؤمن، أو يخشى: أي أو يصل إلى حال من يخاف عاقبة قولكما لتوهم الصدق فيكون قولكما تذكرة له فيرسل معكما بني إسرائيل» 47.

    إن طبيعة المرحلة آنذاك كانت تتطلب أن يلين موسى عليه السلام قوله لفرعون عسى أن يهديه إلى ربه، كما أمرهما بأن يقولا ( ﯰﯱ ﯶﯷ ) [طه:٤٧].

    وفي حديثه تعالى عن السلام ترغيب له وطمأنة لقلبه وقلوب قومه قاطبة، كما ينقل القرآن صيغة أخرى للين في قول الله تعالى: ( ) [النازعات:١٨-١٩].

    فماذا كان رد فعل فرعون المستبد وقومه؟!

    أبى فرعون واستكبر ورمى موسى بتهمٍ منها القديم المكرر كالكذب والسحر والجنون، ومنها غير ذلك، نحو:

    • التآمر لإخراجهم من أرضهم: ( ) [الشعراء:٣٤-٣٥].
    • الكذب والتدليس: ( ) [غافر:٢٣-٢٤].
    • السحر والجنون: ( ) [الذاريات:٣٨-٣٩].
    • إضلالهم عن دين آبائهم: ( ﯿ ) [يونس:٧٨].
    • القول ببشريته: ( ) [المؤمنون:٤٧].

      لكن الحقيقة الواضحة أن الذي جعلهم يحجمون عن الإيمان بالوحدانية هو الكبر.

      وقد أشار القرآن إليها في مواضع منها:

    • ( ﯿ ) [يونس:٧٨].
    • ( ﭿ) [المؤمنون:٤٦].
    • ( ﭓﭔ ) [العنكبوت:٣٩].

      لقد شق على نفس فرعون أن يؤمن لعبدٍ من بني إسرائيل الممتهنين أن يدعي النبوة ويطلب تعبيد الناس لرب سواه، فكيف يكون مصير ملكه العريض إذا آمن بوحدانية موسى؟!

      أما الملأ فقد خافوا على مصالحهم المرتبطة بالبلاط الفرعوني؛ ومن ثم تواطأ الجميع على موسى؛ لأنه يهدد مصالحهم رغم يقينهم بنبوته!

      ولما لم يجد فرعون وسيلة ناجعة لرد موسى عليه السلام وصرفه عن الرسالة هدد قائلًا: ( ) [الأعراف:١٢٧].

      وعندما قال لموسى: ( ) [الإسراء:١٠١].

      رد عليه موسى قائلا: ( ) [الإسراء:١٠٢].

      قال أبوعبيدة: «أي: مهلكًا» 48، فمقام اللين في الدعوة يختلف عن مقام الشدة في المدافعة، ومقام الترغيب يختلف عن مقام الترهيب.

      ولما لم يجد موسى عليه السلام فائدة ترتجى من وراء فرعون وقومه بعد إصرارهم على الكفر قال: ( ﯷﯸ ﯿ ) [يونس:٨٨].

      وهنا بدأت موجات العذاب تجتاح الفراعنة على النحو الذي سيفصله المبحث التالي عن آيات موسى عليه السلام ومعجزاته.

  3. قوة الحجة والاستدلال العقلي.

    تنبئ الآيات القرآنية عن قدرة موسى عليه السلام على الجدل وقوة الحجة، كما تكشف عن صدقه مع نفسه وغيره، فلقد كان أول ما قاله فرعون لموسى حين دعاه إلى التوحيد: ( ) [الشعراء:٢٣].

    فأجاب موسى: ( ﭸﭹ ) [الشعراء:٢٤].

    ثم أمعن فرعون في الضلال فاتهم موسى بالجنون ( ﭿ ) [الشعراء:٢٥-٢٧].

    فتوجه موسى بالخطاب هذه المرة إلى الملأ بعد أن كان سجالًا مع فرعون ( ﮗﮘ ) [الشعراء:٢٨].

    وقريب من ذلك ما ورد في سورة طه ( ﭖﭗ ﭴﭵ ﭿ ) [طه:٤٩-٥٥].

    وينقل لنا القرآن أنه أراد إحراج موسى عليه السلام أمام الملأ وتذكيره بتربيته داخل قصره وهو الأمر الذي يستوجب الشكر والخضوع لا الجحود والخروج، كما ألمح إلى قتل المصري وهروبه ( ﯿ ) [الشعراء:١٨-١٩].

    فأقر موسى بفعلته ولم ينكرها:

    ( ) [الشعراء:٢٠-٢٢].

    رغم قوة حجة موسى مع فرعون إلا أن الأخير لم يجد بدًا من التهديد بالسجن، وتلك عادة أهل الباطل عندما يضيق عليهم الخناق فلا يستطيعون تبرير أفعالهم أو مواصلة المجادلة بالباطل:

    قال فرعون: ( ) [الشعراء:٢٩]

    قال موسى: ( ) [الشعراء:٣٠]

    قال فرعون: ( ) [الشعراء:٣١]

    وهنا بدأ موسى في إظهار الآيات:

    • ( ) [الشعراء:٣٢]
    • ( ) [الشعراء:٣٣]

      ثم انتهى المشهد بإيمان السحرة، وربما أيضا بإيمان امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون، فالقرآن لم يقص علينا شيئًا عن الوقت الذي آمن فيه هؤلاء برسالة موسى عليه السلام.

      مرت الأيام والفراعنة يراوغون موسى، ويعدونه بأن يؤمنوا له ويتبعوا دينه ورسالته قائلين: ( ) [الأعراف:١٣٤].

      فابتلاهم الله بالعذابات المختلفة على النحو الذي ذكرناه في المبحث الخاص بالمعجزات، لكنهم لم يؤمنوا في النهاية (ﭿ ﮌﮍ ﯣﯤ ﯷﯸ ﯿ ) [يونس:٨٣-٨٩].

      آيات موسى عليه السلام ومعجزاته

      من الناس من لا يؤمن لنبي ولا برسالة إلا برؤية آيات معجزات حسية ملموسة يراها رأي العين، فإذا جاء نبي من الأنبياء ومعه معجزة من المعجزات الباهرة فلا يملك أصحاب العقول والأفهام الحصيفة إلا أن يؤمنوا.

      يقول النيسابوري: «دعوى الرسالة إن اقترنت بظهور المعجزة على يده تحقق صدقها» 49.

      ويقول صاحب الظلال: «وكم من ملايين الذرات الميتة أو الجامدة كالعصا تتحول في كل لحظة إلى خلية حية ولكنها لا تبهر الإنسان كما يبهره أن تتحول عصا موسى حية تسعى! ذلك أن الإنسان أسير حواسه، وأسير تجاربه، فلا يبعد كثيرا في تصوراته عما تدركه حواسه. وانقلاب العصا حية تسعى ظاهرة حسية تصدم حسه فينتبه لها بشدة»50.

      لكن الحقيقة أن هناك على مر التاريخ من ينكر المعجزات والآيات استكبارًا في الأرض وعتوًا كما فعل المكذبون من قوم نوح وصالح وغيرهم. وفي القرآن الكريم ثمة إشارات إلى بعض الآيات المعجزات التي زود الله تعالى بها موسى عليه السلام في مواجهة فرعون وقومه الذين استخفهم فرعون فأعماهم عن الحق، ثم في مواجهة بني إسرائيل الذين اعتادوا تكذيب الرسل وجدالهم جدالا عقيمًا ( ) [النساء:٤٦].

      لقد ورد في موضعين بالقرآن الكريم أن الله عز وجل عزز نبيه موسى عليه السلام بتسع آيات معجزات.

      يقول تعالى: ( ﮮﮯ ) [الإسراء:١٠١].

      وقال تعالى: ( ﯷﯸ ﯾﯿ ) [النمل:١٢].

      لكنك إذا ما عددت الآيات المعجزات التي تحدث عنها المؤرخون والمفسرون لوجدتها تتعدى التسع.

      لكن تفسيرًا مغايرًا يفسر الآيات في قوله تعالى: ( ﮮﮯ ) بعيدًا عن فكرة المعجزات ويقصد بها بعض الأحكام التي جاءت بها شريعة موسى عليه السلام 51.

      ثمة خلاف في تحديد الآيات التسع، فذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أنها: «يده، وعصاه، ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم آيات مفصلات. وقال الضحاك: إلقاء العصا مرتين عند فرعون، ونزع يده، والعقدة التي كانت بلسانه، وخمس آيات في الأعراف: الطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم.

      وقال آخرون نحوا من هذا القول، غير أنهم جعلوا آيتين منهن: إحداهما الطمسة، والأخرى الحجر.

      ومنهم من جعلوا اثنتين منهن: إحداهما السنين، والأخرى النقص من الثمرات.

      ومنهم من جعلوا السنين، والنقص من الثمرات آية واحدة، وجعلوا التاسعة تلقف العصا ما يأفكون»52.

      وكلها -كما رأينا- مما ورد في القرآن ذكره.

      أما الطاهر ابن عاشور فقال إنها: «بياض يده كلما أدخلها في جيبه وأخرجها، وانقلاب العصا حية، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والرجز، والقحط»53.

      وجمعها الفيروزآبادي في قوله 54:

      عصًا، سنةٌ، بحر، جراد، وقمل

      دمٌ، ويدٌ، بعد الضفادع طوفان

      بدأت المعجزات أو الآيات المعجزة لموسى عليه السلام باثنتين كما في الآية ( ﮦﮧ ﮮﮯ ) [القصص:٣٢].

      والبرهانان هنا حسب ما ذكر القرطبي: العصا واليد55 لكن تكذيبهم فاق كل التصورات ( ) [الأعراف:١٣٢].

      وهنا أرسل الله عز وجل عليهم من الآيات ما فيه عذابهم.

      يقول تعالى: ( ﭿ ) [الأعراف:١٣٣].

      ليس هذا فحسب، لكن هناك آيات أخرى عني بها بنو إسرائيل الذين اعتادوا تكذيب الرسل، منها:

    • الموت بالصاعقة ثم الإحياء: ففي القرآن ( ) [البقرة:٥٥-٥٦].
    • الغمام والمن والسلوى: كما في قول الله تعالى: ( ﯨﯩ ﯮﯯ ) [البقرة:٥٧].
    • الابتلاء بالرجز: كما في قوله عز وجل: ( ) [البقرة:٥٩].
    • تفجير المياه: يقول تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ﮈﮉ ﮎﮏ ) [البقرة:٦٠].
    • إحياء قتيل بني إسرائيل: يقول عز وجل: ( ﭿ ﮂﮃ ﮌﮍ ﮡﮢ ﮩﮪ ﮱﯓ ﯚﯛ ) [البقرة:٧٢-٧٤].
    • رفع الجبل فوقهم: ففي القرآن ( ) [الأعراف:١٧١].

      على أن البعض قد اعتبر تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام أعظم معجزة له، والحقيقة أنه وإن كان في التكليم تكريمًا إلهيًا غير مسبوق لنبيه بيد أنه لا يعتبر معجزةً في مواجهة قومه، ذلك أن ما دار بجانب الطور أمر يخصه لم يشهده غيره، ولا يمكن تصديقه إلا ممن آمن له بالفعل، وإلا فكيف لمن كذبه أن يؤمن بتكليم ربه، في حين يكذب بالآيات الأكثر ظهورًا كالعصا واليد.

      يتجلى التأثير الإيجابي لهذه الآيات الإلهية المعجزة في قصة سحرة فرعون الذين جيء بهم لمجابهة معجزة عصا موسى عليه السلام، فجاؤوا وليس أحد أحرص منهم على إرضاء فرعون ونيل جائزته وقربه، لكن المعجزة التي رأوها -وهم من أسحر الناس- جعلتهم يقرون بنبوة موسى إذ لا قبل لهم بما جاء به من معجزة العصا الحقيقية لا التي تعتمد على إبهار الناس على غير الحقيقة، وينقل لنا القرآن كيف تحول هؤلاء السحرة في لحظات من خندق الكفر إلى خندق الإيمان ( ﮛﮜ ﮣﮤ ﮯﮰ ) [الشعراء:٤٩-٥١].

      وهكذا يفعل الإيمان بالقلوب النقية الصافية، بينما يستمر الجاحدون على جحودهم لا يؤمنون رغم وضوح الآيات وإبهارها!

      موسى عليه السلام والسحرة

      لم تثمر دعوة موسى عليه السلام فرعون إلى الإيمان بالله الخالق بعد أن تساءل الأخير بعنجهية ( ) [طه:٤٩].

      ورد موسى بثقة المؤمن بربه وخالقه ( ) [طه:٥٠].

      ( ﭸﭹ ) [الشعراء:٢٤].

      واشتد النقاش وتساءل فرعون مرة أخرى في صلف، فأجاب موسى: ( ) [طه:٥٣].

      وهنا لم يجد فرعون بدًا من اللجوء إلى سلطته وقوته الغاشمة التي لا يعرف غيرها، وتلك عادة الطغاة الذين لا يحتكمون إلى قواعد العقل والمنطق وإنما تتجاوز أحلامهم سقف المعقول ( ) [الشعراء:٢٩].

      لكن موسى عليه السلام فاجأه مرة أخرى بتحدٍ ملموس ( ) [الشعراء:٣٠].

      ولم يتوقع فرعون حجم التحدي فقال من فوره: ( ) [الشعراء:٣١].

      وهنا ألقى موسى ( ) [الأعراف:١٠٧-١٠٨].

      كانت الآيتان مبهرتين لفرعون ومن حوله؛ لكنه اعتاد الاستكبار واعتادوا المذلة والمهانة، ومن ثم ( ) [الشعراء:٣٤-٣٥].

      ففرعون هنا يبحث عن غطاء وظهير له في مواجهته مع موسى عليه السلام بعد أن اتهمه بالسحر، وتلك أول مرة يقر بأن هناك شعبًا له سيادة وقرار؛ بل يحدثهم بصيغة لا عهد لهم بها ( )؟! ولن يعدم البطانة التي تسول للحاكم كل الشرور ( ) [الأعراف:١١١-١١٢].

      اتفق الطرفان على مواجهة علنية في يوم معلوم يحشد فيها كل طرف قوته ويشحذ همته ( ) [طه:٥٩].

      وسواء أكان يوم الزينة يوم عيدٍ لهم، أم سوقا كانوا يتزينون فيه56 أم كان يوم احتفالهم بفيضان النيل57 (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ Ü ﰋﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ& ' )) [الشعراء:٣٨-٤٠].

      إن فرعون هنا يحشد الناس ويشحنهم معتمدًا على إعلامه المضلل الذي جعل من موسى النبي عليه السلام ساحرًا مجنونًا، ( ) [الشعراء:٣٨-٤٠].

      ويبدو أنه اعتاد تسخير شعبه دون مقابل في حين تكتظ خزائنه بالأموال المكدسة، ومن ثم اشترط السحرة أن يتقاضوا أجرًا عن هذا العمل ( ) [الشعراء:٤١-٤٢].

      وهكذا الحكام الجائرون لا يتركون طريقًا إلا سلكوه في سبيل تثبيت أركان ملكهم العضوض.

      وبدأ المشهد الأول من المواجهة العلنية بين موسى عليه السلام والسحرة الذين جاؤوا لإبطال سحره، وخيره السحرة ( )[الأعراف:١١٥].

      وهنا ( ) [يونس:٨٠].

      ونشط السحرة للمنازلة وكلهم ثقة أنها محسومة لا محالة لهم، ولم ينسوا أن يقسموا بفرعون أن الغلبة ستكون لهم، فليس أحب إليهم في هذا الآن من إرضاء الطاغية وإعلاء شأنه بين قومه ( ) [الشعراء:٤٤].

      ويبدو أن موسى عليه السلام هو الآخر لم يتوقع أن تظهر عصي السحرة كثعابين أو حيات، والحقيقة أنها لم تكن حيات حقيقية لكن خيل للحاضرين من السحر أنها تسعى، يحكي القرآن ( ) [الأعراف:١١٦].

      ( ) [طه:٦٦].

      يقول ابن عطية: «والظاهر من الآيات والقصص في كتب المفسرين أن الحبال والعصي كانت تنتقل بحيل السحر وبدس الأجسام الثقيلة المياعة فيها، وكان تحركها يشبه تحرك الذي له إرادة كالحيوان، وهو السعي فإنه لا يوصف بالسعي إلا من يمشي من الحيوان، وذهب قوم إلى أنها لم تكن تتحرك؛ لكنهم سحروا أعين الناس، وكان الناظر يخيل إليه أنها تتحرك وتنتقل»58.

      لكن الآيات توضح أن موسى عليه السلام قد خاف وهاله سعي العصي؛ ( ) [طه:٦٧].

      قال البيضاوي: «فأضمر فيها خوفًا من مفاجأته على ما هو مقتضى الجبلة البشرية، أو من أن يخالج الناس شكٌ فلا يتبعوه» 59.

      وهنا يأتي التثبيت الإلهي له فيزداد ثقة بربه ( ) [طه:٦٨].

      وترصد آيات سورة يونس تغير لهجة موسى عليه السلام بعد التثبيت حيث قال لهم: ( ﭶ ﭷ ) [يونس:٨١-٨٢].

      يقول صاحب الظلال: «لا تخف إنك أنت الأعلى. فمعك الحق، ومعهم الباطل. معك العقيدة، ومعهم الحرفة. معك الإيمان بصدق ما أنت عليه، ومعهم الأجر على المباراة ومغانم الحياة. أنت متصل بالقوة الكبرى، وهم يخدمون مخلوقًا بشريًا فانيًا مهما يكن طاغيةً جبارًا»60.

      ويأتي النداء مرة أخرى ( ﭾﭿ ﮃﮄ ) [طه:٦٩].

      وامتثل موسى عليه السلام للأمر فألقى عصاه ( ) [الأعراف:١١٧].

      وهنا فجأ السحرة أن الحية العظيمة قد ابتلعت حبالهم وعصيهم فلم يبق لها أثر على الأرض؛ فأيقنوا أن عدوهم ليس بالساحر العليم كما قال فرعون، لكنه نبي جاء بمعجزة باهرة واضحة، فلا يعرف السحر إلا من يمارسه، ( ﯿ ) [الأعراف:١١٨-١٢٢].

      لقد تولد لديهم إيمان يقيني لا يقبل الشك بنبوة موسى عليه السلام، فأعلنوا إيمانهم دون النظر إلى ردة فعل فرعون الذي لا يعرف الاستسلام ويأبي الهزيمة؛ لأن نفسه المتكبرة لا تستسيغ أن يؤمن لنبي، فضلا عن أن يكون من بني إسرائيل الذين يستعبدهم ويستعملهم في أشق الأعمال وأحطها، ولذلك فقد صاح فيهم متهمًا إياهم بالتواطؤ مع موسى ( ﭡﭢ ) [الأعراف:١٢٣].

      وهكذا أهل الباطل لا يسمعون إلا صوت أنفسهم.

      وإمعانًا في تضليل الجماهير المحتشدة يتهم السحرة بالتآمر عليه مع موسى ( ) [طه:٧١].

      ويتوعدهم غاضبًا ( ) [طه:٧١].

      وهو التهديد الذي كان كفيلا بإثناء هؤلاء عن الدين الجديد، أو حتى المواربة بكتم الإيمان إلى وقتٍ تقوى فيه شوكة نبي الله ومن معه؛ لكن الإيمان قد تغلغل في قلوبهم في لحظة صدق مع أنفسهم ( ﮯﮰ ) [الشعراء:٥٠-٥١].

      (ﭿ ﮈﮉ ) [الأعراف:١٢٦].

      يقول ابن قيم الجوزية: «ولما تمكن الإيمان من قلوبهم علموا أن عقوبة الدنيا أسهل من عقوبة الآخرة وأقل بقاء، وأن ما يحصل لهم في الآخرة من ثواب الإيمان أعظم وأنفع وأكثر بقاء» 61.

      إن هذا النموذج الإيماني الفريد الذي ضربه سحرة فرعون ليؤكد أن القلوب الصافية من الخصوبة بحيث ينبت فيها الإيمان ويترعرع؛ بل ويثمر في لحظات معدودات، فها هم يتحولون إلى مجابهة فرعون بجبروته وصولجانه قائلين: ( ﯛﯜ ﯠﯡ ﯲﯳ ﯿ ﰘﰙ ) [طه:٧٢-٧٦].

      قال البقاعي: «أي إنما حكمك في مدتها على الجسد خاصة، فهي ساعة تعقب راحة، ونحن لا نخاف إلا ممن يحكم على الروح وإن فني الجسد، فذاك هو الشديد العذاب، الدائم الجزاء بالثواب أو العقاب» 62.

      إن قصة موسى عليه السلام مع فرعون في كل فصولها ومراحلها تمثل صورة الصراع الأزلي بين الحق والباطل، لكن ذروته تتجلى في هذا المشهد المفعم باليقين حين يتمكن الإيمان من القلب، وسيظل سحرة فرعون مضرب المثل في الإيمان بالحق والدفاع عن العقيدة، كما سيظل فرعون مثالا حيًا للتكبر والعجب بالرأي واتباع هوى نفسه التي أوردته المهالك.

      نجاة موسى عليه السلام ومن معه

      ظل فرعون وقومه يكابرون ويجادلون رغم يقينهم بصدق موسى ودعوته ( ﭖﭗ ) [النمل:١٤].

      وبلغ بفرعون الجنون مداه حيث ادعى الألوهية فقال: ( ﭿ ) [القصص:٣٨].

      وهذا حال المهووسين بالسلطة لا ينظرون إلا في مرآة أنفسهم فلا يرون غيرها، وإن استعانوا فإنما يستعينون برؤوس جهالٍ كهامان وغيره.

      لم يقر فرعون بالهزيمة أمام موسى عليه السلام والسحرة وازداد عتوًا، وازداد الفراعنة تحريضًا على الإسرائيليين ( ﮝﮞ ) [الأعراف:١٢٧].

      وزادوا في عتوهم وتحريضهم وقرروا مواصلة الإبادة الجماعية لأبناء المؤمنين ( ) [غافر:٢٥].

      لعلهم يرجعون، فلم يجد موسى سوى مطالبة قومه بالصبر إلى يوم يفتح الله عز وجل عليهم بالتمكين والنصر ( ﮭﮮ ﯗﯘ ﯥﯦ ) [الأعراف: ١٢٨-١٢٩].

      فاض الكيل بموسى عليه السلام ومن معه من تكذيب فرعون وقومه الذين أعلنوا في تحدٍ صارخٍ لنبوته ( ) [الأعراف:١٣٢].

      فأرسل الله تعالى على الفراعنة سوء العذاب، وجاءتهم آيات العذاب الواحدة تلو الأخرى لعلهم يرجعون، ويسجل لنا القرآن الكريم صورًا شتى من هذه العذابات التي ذكرنا بعضها عند الحديث عن آيات موسى ومعجزاته.

      يقول عز وجل: ( ﭖﭗ ﭞﭟ ﭿ ) [الأعراف:١٣٠-١٣٣].

      ولما تضاعف عليهم العذاب لم يجدوا إلا أن يلجؤوا إلى موسى ليكشف عنهم الضر مع وعد منهم بأن يؤمنوا ( ﮐﮑ ) [الأعراف:١٣٤-١٣٥].

      ضاقت السبل بفرعون ولم يجد وسيلة لإيقاف الدعوة الجديدة، فالقتل والتشريد والسحل والتعذيب لم يجد مع أتباع موسى نفعًا، ومن ثم يحتاج إلى تغيير خطته، فكان التفكير في وسيلة ناجعة يتخلص بها من هذا الذي يؤرق ملكه وملك أبنائه من بعده، فكان قراره بالتخلص من موسى نفسه متناسيًا أن الفكرة لا تموت وأنه مهما تضافرت المحن سيظل هناك مؤمنون يضحون من أجل الدين بأغلى ما لديهم؛ فقال: ( ﭗﭘ ) [غافر:٢٦].

      إنه يتحدث إلى قومه كأنهم أصحاب قرار، والحقيقة أنهم لم يكونوا يومًا أصحاب قرار في هذا الحكم الاستبدادي؛ إنما أراد أن يحشد الرأي العام كله ضد النبي الجديد ومن معه ليتوقفوا عن الإيمان به رغبًا أو رهبًا.. إنه يستعدي جزءًا من الشعب على جزءٍ آخر اختار الإيمان بالرسالة الجديدة.

      ولأن الدنيا لا تعدم الخير مهما علا شأن الباطل وأهله؛ فقد انبرى رجل مؤمن في موطن الفساد ومعطن الاستبداد مدافعًا عن موسى عليه السلام ومتحدثًا بلغة العقل والمنطق، وقد قص القرآن ما كان منه.

      يقول عز وجل: ( ﭿ ﯼﯽ ﯿ )[غافر:٢٨-٣٤].

      ضاق موسى عليه السلام بفرعون وقومه فدعا قائلًا: ( ﯷﯸ ﯿ ) [يونس:٨٨].

      وفي النهاية لم يؤمن له ( ) [يونس:٨٣].

      وقد اختلف في المراد بالذرية في الآية، يقول البيضاوي: ( ) إلا أولاد من أولاد قومه بني إسرائيل دعاهم فلم يجيبوه خوفًا من فرعون إلا طائفة من شبانهم، وقيل: الضمير لفرعون والذرية طائفة من شبانهم آمنوا به، أو مؤمن آل فرعون وامرأته آسية وخازنه وزوجته وماشطته على خوفٍ من فرعون وملائهم أي: مع خوف منهم، والضمير لفرعون وجمعه على ما هو المعتاد في ضمير العظماء، أو على أن المراد بفرعون آله كما يقال: ربيعة ومضر، أو للذرية أو للقوم» 63.

      حانت ساعة النجاة فجاء الأمر الإلهي إلى موسى عليه السلام ( ) [الدخان:٢٣].

      فالليل ستر لكل من فر من عدوٍ يتربص به، وقوله تعالى () يرد الرواية القائلة إن اتفاقًا جرى على أن يترك فرعون موسى وقومه يخرجون من مصر حتى يتخلص من العذابات التي أحاطت بقومه غير أن فرعون حنث بعهده وأتبعهم هو وجنوده؛ ولو كان هذا الرأي صحيحًا لما نصحوا بالخروج ليلا كما نقل لنا القرآن الكريم، كما إن الرواية التي تذهب إلى أنه تبعهم بعد أن علم بأن نساء اليهود قد استعاروا الحلي من المصريات على أن يعيدوه ثم خرجوا به64.

      هي رواية متهافتة تستحيل عقلا فكيف يعير المصريون حليهم النفيسة اليهود الممتهنين في ذلك الوقت؟!

      وأمر موسى عليه السلام من قبل ربه ( ) [طه:٧٧].

      وهكذا يكون للعصا دور آخر جديد، فبعد أن كانت حية تسعى صار منوطًا بها شق البحر بإذن الله تعالى، لكن فرعون وقومه لم يكونوا ليذروهم يخرجون من مصر دون ملاحقة، ( ) [الشعراء:٦٠].

      ( ) [يونس:٩٠].

      ورغم أن الله عز وجل طمأن موسى بألا يخاف لحاق فرعون وجنوده إلا أن الخوف قد عاوده مرة أخرى، لكن سرعان ما ازداد ثقة بخالقه الذي كثيرًا ما لجأ إليه في ملماته؛ فصار مصدر اطمئنان لقومه بعد تسلل الرعب إليهم، ويصور القرآن هذا المشهد.

      يقول تعالى: ( ﭛﭜ ﭨﭩ ) [الشعراء:٦١-٦٣].

      وعندها مر موسى وقومه وخاطبه ربه قائلا: ( ﭸﭹ ) [الدخان:٢٤].

      «وفي () وجهان: أحدهما ساكنًا أي: لا تضربه ثانيةً واتركه على هيئته من انتصاب الماء وكون الطريق يبسًا. وذلك أن موسى أراد أن يضربه حتى ينطبق خوفًا من أن يدركهم قوم فرعون، والله تعالى أراد أن يدخل القبط البحر ثم يطبقه عليهم. وثانيهما: أن الرهو الفجوة الواسعة أي: اتركه مفتوحًا منفجرًا على حاله» 65.

      في اللحظة التي بدأ البحر ينطبق فيها على فرعون وجنوده بعد اجتياز موسى عليه السلام ومن معه وبدأت المياه في الارتفاع قال فرعون: ( ) [يونس:٩٠]؛ لكن توبته المزعومة لم تكن لتنفعه في هذا الوقت؛ لأنها لم تكن عن إيمان وقناعة وإنما كعادة قومه الذين طلبوا من موسى أن يكشف عنهم الرجز ووعدوه بالإيمان به حال كشفه، وسرعان ما عاودوا الكفر وحنثوا بالعهد، وقد أراد من وراء ذلك أن يدفع عن نفسه الغرق، ولا يلتفت إلى ما قاله البعض من أن فرعون عندما رأى البحر قرر عدم الولوج غير أن جبريل مكر به، فأقبل على فرس أنثى، فأدناها من حصان فرعون، فطفق فرسه لا يقر؛ فما ملك فرعون فرسه أن ولج على أثره66، فلو صدقت نية فرعون في عدم متابعة موسى لصحت توبته، فالله لا يظلم الناس شيئًا.

      وهنا جاءه الرد الإلهي الحاسم ( ﭿ ﮉﮊ ) [يونس:٩١-٩٢].

      قال النيسابوري: «لتكون دليلا على كمال قدرتنا وعنايتنا. وإن من اتبع خواص عبادنا نجعله من أهل النجاة والدرجات بعد أن كان من أهل الهلاك والدركات» 67.

      ونظرًا لأهمية ذلك اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه؛ فقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بصيامه ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء؛ فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يومٌ صالح نجى الله فيه بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى؛ قال: فأنا أحق بموسى منكم؛ فصامه وأمر بصيامه) 68.

      بل كان حريصًا على صيامه حرصه على صيام الفريضة ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا قال: (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء وهذا الشهر يعني شهر رمضان) 69.

      إن نهاية فرعون وهامان وجنودهما المستحقة تجعل المؤمنين يثقون بنصر ربهم وصدق موعوده لهم بأن القهر والاستبداد مهما طال بهم فسيأتي اليوم الذي يسعدون به وتقر أعينهم ( ) [القصص:٥].

      وتلك هي سنة الله تعالى في خلقه ( ﭿ ﮅﮆ ﮋﮌ ) [النور:٥٥].

      موسى عليه السلام ورؤية ربه

      واعد الله عز وجل موسى عليه السلام ثلاثين ليلة وأتمها بعشر كانت بمثابة التهيئة لتلقي التوراة.

      ففي القرآن الكريم ( ) [الأعراف:١٤٢].

      ولم يترك بني إسرائيل وحدهم فطلب من أخيه هارون أن يكون خليفة له ونائبًا عنه ( ) [الأعراف:١٤٢].

      وقد فصلنا أمر الاستخلاف ووجه استدلال الشيعة بحديث الإمام علي رضي الله عنه قبل ذلك.

      ظل موسى عليه السلام أربعين ليلة اختلف حولها المفسرون؛ فقيل: «إنها ثلاثون ليلة من ذي القعدة وعشر ليال تتمة أربعين ليلة»70.

      وقيل: إن المواعدة كانت في الأصل ثلاثين غير أنه تعجل قبل الموعد بعشرة أيام71، حتى كان اليوم الموعود الذي جاء لميقات ربه فطلب موسى من ربه أن يراه، وربما يتساءل البعض: كيف لموسى أن يتجاسر ويطلب من ربه طلبًا كهذا؟!

      يبدو -والله أعلم- أن كلام الله جل جلاله لموسى قبل ذلك وتقريبه له نجيًا جعله يطلب من ربه هذا الطلب، ويقص علينا القرآن هذا الحدث: ( ) [الأعراف:١٤٣].

      لكن جاء الرد الإلهي بأن ذلك لن يحدث، فقال سبحانه: ( ) [الأعراف:١٤٣].

      ولبى موسى نداء ربه بانتظار ما سيكون؛ ( ) [الأعراف:١٤٣] من هول الموقف.

      ( ) [الأعراف:١٤٣].

      فبمجرد أن أفاق موسى نزه ربه تعالى عن أن تحيط به الأبصار ( ﭪﭫ ) [الأنعام:١٠٣].

      وأحس موسى بالذنب عندما طلب رؤية الله فطلب التوبة، وأقر بالإيمان الكامل بربه وخالقه دون أن يراه.

      ويبدو أن هناك من ذهب إلى أن موسى عليه السلام سأل الرؤية لقومه لا لنفسه.

      وهو ما رده الفخر الرازي وقال بفساده لعدة اعتبارات:

      «الأول: أنه لو كان الأمر كذلك لقال موسى: أرهم ينظروا إليك ولقال الله تعالى: لن يروني فلما لم يكن كذلك بطل هذا التأويل.

      والثاني: أنه لو كان هذا السؤال طلبا للمحال لمنعهم عنه كما أنهم لما قالوا: ( ) [الأعراف:١٣٨].

      منعهم عنه بقوله: ( ) [الأعراف:١٣٨].

      والثالث: أنه كان يجب على موسى إقامة الدلائل القاطعة على أنه تعالى لا تجوز رؤيته وأن يمنع قومه بتلك الدلائل عن هذا السؤال فأما أن لا يذكر شيئا من تلك الدلائل البتة مع أن ذكرها كان فرضا مضيقا كان هذا نسبة لترك الواجب إلى موسى عليه السلام وأنه لا يجوز.

      والرابع: أن أولئك الأقوام الذين طلبوا الرؤية إما أن يكونوا قد آمنوا بنبوة موسى عليه السلام، أو ما آمنوا بها، فإن كان الأول كفاهم في الامتناع عن ذلك السؤال الباطل مجرد قول موسى عليه السلام، فلا حاجة إلى هذا السؤال الذي ذكره موسى عليه السلام، وإن كان الثاني لم ينتفعوا بهذا الجواب؛ لأنهم يقولون له: لا نسلم أن الله منع من الرؤية، بل هذا قول افتريته على الله تعالى، فثبت أن على كلا التقديرين لا فائدة للقوم في قول موسى عليه السلام أرني أنظر إليك»72.

      ومسألة الرؤية هنا أثارت إشكالية كبيرة ممتدة منذ قرون عديدة، وهناك جدل قديم دائر بين أهل السنة والمعتزلة حول إمكانية رؤية الله تعالى، فهي «عند الأشعرية وأهل السنة جائزة عقلا، لأنه من حيث هو موجود تصح رؤيته، قالوا: لأن الرؤية للشيء لا تتعلق بصفة من صفاته أكثر من الوجود، إلا أن الشريعة قررت رؤية الله تعالى في الآخرة نصا ومنعت من ذلك في الدنيا بظواهر من الشرع، فموسى عليه السلام لم يسأل ربه محالا وإنما سأل جائزًا»73.

      ثمة رأي يذهب إلى أن الله تعالى كلم موسى عليه السلام ومعه السبعون رجلا مصداقًا لقوله: ( ) [الأعراف:١٥٥].

      ومنهم من يذهب إلى أنهما ميقاتان وليس ميقاتًا واحدًا74.

      يقول ابن عطية الأندلسي: «معنى هذه الآية أن موسى عليه السلام اختار من قومه هذه العدة ليذهب بهم إلى موضع عبادة وابتهال ودعاء ليكون منه ومنهم اعتذارٌ إلى الله عز وجل من خطأ بني إسرائيل في عبادة العجل وطلبٌ لكمال العفو عمن بقي منهم»75.

      نادى الله نبيه موسى عليه السلام: ( ﭰﭱ ) [الأعراف:١٤٤-١٤٥].

      وبصرف النظر عن عدد الألواح ونوع مادتها؛ فقد قال القرآن إنها احتوت من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء، وهو ما فسره ابن عاشور: «أي: كل شيء تحتاج إليه الأمة في دينها... والذي كتب الله لموسى في الألواح هو أصول كليات هامة للشريعة التي أوحى الله بها إلى موسى عليه السلام»76.

      والتوراة كما وصفها القرآن تضمنت تشريعات جديدة أحلت بعض ما كان محرمًا على بني إسرائيل.

      يقول تعالى: ( ﯗﯘ ) [آل عمران:٥٠].

      كما تضمنت أحكامًا تنظم حياة الناس ( ﭻﭼ ﭿ ) [المائدة:٤٣].

      وهي كتاب هداية وإرشاد ( ﮆﮇ ) [المائدة:٤٤].

      كما تضمنت التوراة بشارة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ( ﭿ ﮑﮒ ﮜﮝ ) [الأعراف:١٥٧].

      وفي القرآن على لسان عيسى عليه السلام: ( ) [الصف:٦].

      وعاب القرآن على اليهود الذين تركوا العمل بالتوراة وما جاء فيها وشبههم أسوأ تشبيه، يقول: ( ) [الجمعة:٥].

      ومن عجيب أمر بني إسرائيل أنهم لما نجاهم الله عز وجل من فرعون مصر وأراهم المعجزات والآيات واحدة تلو الأخرى طلبوا من موسى أن يتخذ لهم إلهًا صنمًا، ويحكي القرآن هذه المأساة الحقيقية.

      يقول تعالى: ( ﭿ) [الأعراف:١٣٨-١٤٠].

      ويبدو أن غياب موسى عنهم مدة الأربعين يومًا جعلهم يتخبطون وفي غيهم يترددون.

      يقول البقاعي في تفسير قوله تعالى: ( ) [طه:٨٣]: «أي: أي شيء أوجب لك العجلة في المجيء عن قومك وإن كنت بادرت مبادرة المبالغ في الاسترضاء، أما علمت أن حدود الملوك لا ينبغي تجاوزها بتقدم أو تأخر؟!»77.

      لكن موسى كان حسن الظن أكثر مما ينبغي فقال: ( ) [طه:٨٤-٨٥].

      لقد أخبره الله تعالى بما كان من قومه الذين عبدوا العجل رغم نهي هارون لهم.

      لكن ما سبب هذه الردة العقدية؟!

      ويرجع الدكتور محمود مزروعة نزوع بني إسرائيل إلى عبادة العجل وقت غياب موسى إلى عدة أسباب أهمها: القاعدة التاريخية المعروفة بولع المغلوب بتقليد الغالب، وميل بني إسرائيل بطبيعتهم إلى تقديس المادية، وطول العهد الذي قضوه بين المصريين مما أنساهم كثيرًا من أركان دينهم 78.

      وتصور الآيات عودة موسى غاضبًا من فعلة قومه الشنيعة ( ﯠﯡ ﯨﯩ ﯿ ﭴﭵ ﭿ ) [طه:٨٦-٩١].

      والسامري هو كلمة السر التي كان لها الأثر الأكبر في قوم موسى، فهو من أقنعهم بأنهم في حاجة إلى إله يصنعونه من الذهب الذي جاؤوا به عندما خرجوا إلى سيناء، ( ﯟﯠ ) [الأعراف:١٤٨].

      وتلك آفة قديمة أن يدعي البعض احتكار الحقيقة دون غيره؛ فيسمع له من لا عقل له، ويخضع من لا حيلة له.

      ويبدو أن بعضهم قد آب إلى نفسه وأفاق من سكراته قبل أن يرجع موسى عليه السلام إليهم، ويصور لنا القرآن مشهد ندمهم على هذا الضلال المبين.

      يقول تعالى: ( ) [الأعراف:١٤٩].

      ويسجل القرآن مشهد عودة موسى عليه السلام الغاضب مما فعله قومه بجهلهم، وكيف كان عتابه على قومه وأخيه هارون شديدًا.

      يقول عز وجل: ( ﭜﭝ ) [الأعراف:١٥٠].

      ( ) [طه:٩٢-٩٣].

      وقد روج بعض من لا يجيدون التعامل مع الخطاب القرآني أن هناك تواطؤًا من جانب هارون عليه السلام بدليل غضب موسى عليه السلام على النحو الذي أشارت إليه الآيات، لكن هذا ما ينفيه القرآن في قول الله تعالى: ( ) [طه:٨٥].

      فموسى يعلم قبل أن يرجع إلى قومه أن سبب ضلال قومه هو السامري وليس هارون، وقد شرح الأخير ما حدث معه ( ) [الأعراف:١٥٠].

      ( ) [طه:٩٤].

      فالآيات هنا تشير إلى أن القوم تكالبوا عليه واستضعفوه وقت غياب أخيه، وصمموا على عبادة العجل رغم نصحه لهم ( ﭴﭵ ﭿ ) [طه:٩٠-٩١].

      إن هارون كما يبدو من قوله: ( ) [طه:٩٤].

      آثر أن يقدم النصيحة بلسانه للضالين من قومه دون أن يغير المنكر بيده ومعه بعض من رفضوا عبادة العجل حتى لا يحدث شرخًا بين بني إسرائيل، وربما اقتتلوا؛ ومن ثم آثر أن ينتظر حتى يعود أخوه.

      على أن الشيخ الطاهر ابن عاشور يقول: «وأما أخذه برأس أخيه هارون يجره إليه، أي: إمساكه بشعر رأسه، وذلك يؤلمه، فذلك تأنيب لهارون على عدم أخذه بالشدة على عبدة العجل، واقتصاره على تغيير ذلك عليهم بالقول، وذلك دليل على أنه غير معذور في اجتهاده الذي أفصح عنه بقوله: ( ) [طه:٩٤].

      لأن ضعف مستنده جعله بحيث يستحق التأديب، ولم يكن له عذرًا، وكان موسى هو الرسول لبني إسرائيل، وما هارون إلا من جملة قومه بهذا الاعتبار، وإنما كان هارون رسولًا مع موسى لفرعون خاصة، ولذلك لم يسع هارون إلا الاعتذار والاستصفاح منه. وفي هذا دليل على أن الخطأ في الاجتهاد مع وضوح الأدلة غير معذور فيه صاحبه في إجراء الأحكام عليه، وهو ما يسميه الفقهاء بالتأويل البعيد، ولا يظن بأن موسى عاقب هارون قبل تحقق التقصير»79.

      فهو يرى أن اجتهاد هارون كان في غير محله، ومن ثم استوجب تعنيف أخيه.

      وبعد أن توجه موسى بحديثه إلى قومه، ثم ما كان منه مع هارون، وحتى تتضح الصورة أكثر توجه بالخطاب إلى السامري الذي أضل بني إسرائيل وسول لهم عبادة العجل تشبهًا بالوثنيين ( ﯩﯪ ﯯﯰ ﯷﯸ ﯿ) [طه:٩٥-٩٧].

      ويفسر صاحب الظلال هذا الترتيب السليم في الاستجواب قائلا: «عندئذ يتجه موسى بغضبه وانفعاله إلى السامري صاحب الفتنة من أساسها. إنما لم يتوجه إليه منذ البدء؛ لأن القوم هم المسئولون ألا يتبعوا كل ناعق، وهارون هو المسئول أن يحول بينهم وبين اتباعه إذا هموا بذلك وهو قائدهم المؤتمن عليهم. فأما السامري فذنبه يجيء متأخرا؟ لأنه لم يفتنهم بالقوة ولم يضرب على عقولهم، إنما أغواهم فغووا، وكانوا يملكون أن يثبتوا على هدى نبيهم الأول ونصح نبيهم الثاني. فالتبعة عليهم أولا وعلى راعيهم بعد ذلك. ثم على صاحب الفتنة والغواية أخيرًا»80.

      وهكذا ينتهي موسى من مساءلة قومه وأخيه والسامري وذهب عنه الغضب حمل الألواح ثانية ( ﮯﮰ ) [الأعراف:١٥٤].

      ثم إن الله تعالى توعد الذين أضلوا بني إسرائيل بعبادة العجل، مع ترك الباب مفتوحًا أمام من غرر بهم للتوبة والرجوع إلى الله، فقال عز وجل: ( ﮔﮕ ) [الأعراف:١٥٢-١٥٣].

      وقد تاب الله على من تاب منهم وعفا عنهم كما أشارت الآيات ( ﭿ ) [البقرة:٥١-٥٢].

      موسى عليه السلام والعبد الصالح

      رغم تكرار كثير من تفاصيل حياة نبي الله موسى عليه السلام في القرآن الكريم بشكل لافت للنظر إلا أن قصته مع العبد الصالح لم تذكر إلا في موضع واحد في سورة الكهف رغم انطوائها على دروس تربوية واجتماعية ونفسية ودعوية، لكن السورة لم تورد شيئًا عن سبب هذا اللقاء الذي جمع بينهما.

      ثمة أحاديث نبوية مطهرة تكفلت بهذه الحلقة التي لم يتناولها القرآن، ففي الحديث عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينما موسى في ملإٍ من بني إسرائيل جاءه رجلٌ فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله عز وجل إلى موسى: بلى، عبدنا خضرٌ، فسأل موسى السبيل إليه)81.

      ويبدو أن حديث موسى عليه السلام كان مفعمًا بالمشاعر الرقيقة الجياشة التي جعلت العيون تدمع من صدق لهجته وصادق موعظته، ففي حديث أبى بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (موسى رسول الله ذكر الناس يومًا حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب)82.

      فسبب اللقاء كما في الحديث الشريف هو إعجاب موسى عليه السلام بعلمه عندما سئل إن كان هناك من هو أعلم منه أم لا؛ فأراد الله تعالى أن يعلم نبيه فجاء الأمر الإلهي إليه أن يتوجه إلى لقاء رجل حاز من العلم ما لم يحزه؛ فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نونٍ كما في الحديث السابق.

      ولا يعول على ما ورد عن أهل الكتاب أن موسى هنا ليس موسى بن عمران النبي عليه السلام إنما هو موسى بن ميشا بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل؛ فليس في القرآن إلا ابن عمران النبي، ولو كان الأمر خاصًا بغيره لنبه القرآن على ذلك، ومن ثم فالسياق القرآني حاكم، فضلا عن أحاديث صحيحة منها ما روي عن سعيد بن جبيرٍ، قال: «قيل لابن عباسٍ: إن نوفًا يزعم أن موسى الذي ذهب يلتمس العلم ليس بموسى بني إسرائيل، قال: أسمعته يا سعيد؟ قلت: نعم، قال: كذب نوفٌ»83.

      وفي ذلك يقول ابن كثير: «والصحيح الذي دل عليه ظاهر سياق القرآن، ونص الحديث الصحيح الصريح المتفق عليه، أنه موسى بن عمران، صاحب بني إسرائيل»84.

      واختلف المؤرخون والمفسرون حول العبد الصالح اختلافا لا يتسع له المقام حول اسمه ونسبه ونبوته؛ بل ذهب البعض إلى القول إنه حي لم يمت حتى الآن85.

      كما اختلفوا في المكان الذي سماه القرآن ( ) لكننا لن نتوقف كثيرًا أمام تفاصيل سكت عنها القرآن لحكم إلهية يعلمها الله، ونحاول ما استطعنا إلى ذلك سبيلا أن نحلق حول حزمة الآيات التي تناولت القصة والوقوف على ما تيسر من المقاصد والعبر.

      تبدأ القصة ببيان حرص موسى عليه السلام ودأبه على طلب العلم امتثالا لأمر ربه ( ) [الكهف:٦٠].

      قال الفخر الرازي: «يعني: ألزم المسير والطلب ولا أتركه ولا أفارقه حتى أبلغ كما تقول: لا أبرح المكان» 86.

      ثم يمضي موسى عليه السلام مع فتاه إلى المكان المقصود ( ﯿ ) [الكهف:٦١-٦٢].

      يقول ابن قيم الجوزية: «لما سافر موسى إلى العبد الصالح وجد في طريقه مس الجوع والنصب؛ فقال لفتاه: ( ) فإنه سفرٌ إلى مخلوق. ولما واعده ربه ثلاثين ليلة وأتمها بعشر فلم يأكل فيها لم يجد مس الجوع ولا النصب فإنه سفرٌ إلى ربه تعالى، وهكذا سفر القلب وسيره إلى ربه لا يجد فيه من الشقاء والنصب ما يجده في سفره إلى بعض المخلوقين» 87.

      كانت المفاجأة التي ينتظرها موسى عليه السلام؛ فقد قال له يوشع: ( ﭬﭭ ) [الكهف:٦٣].

      لكن موسى ( ) [الكهف:٦٤].

      وهنالك كانت اللقيا، وفي الحديث الشريف بعض تفاصيلها: (وانطلق بفتاه يوشع بن نونٍ، وحملا حوتًا في مكتلٍ، حتى كانا عند الصخرة وضعا رؤوسهما وناما، فانسل الحوت من المكتل فاتخذ سبيله في البحر سربًا، وكان لموسى وفتاه عجبًا، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، فلما أصبح قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، ولم يجد موسى مسًا من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به، فقال له فتاه:( ) قال موسى:( )).

      لقد وجد موسى عليه السلام ويوشع رجلا وصفه الله تعالى بأنه كان ( ) [الكهف:٦٥].

      فمن العلم ما يكون بالاجتهاد والتحصيل، ومنه ما يكون لدنيًا يهبه الله من يشاء من عباده، وفي كل الأحوال لابد أن يقترن العلم بالرحمة؛ بل تتقدم الرحمة على العلم؛ لأن المتعلم أسير عند معلمه، فكان الرفق به واجبًا.

      استأذن موسى عليه السلام العبد الصالح في تحصيل العلم على يديه ( ) [الكهف:٦٦].

      وهذا من آداب المتعلم أن يقدم الإذن بين يدي شيخه ومعلمه في تواضع وإخبات لا في كبر واستعلاء، لكن الرجل قال له: ( ) [الكهف:٦٧].

      وبرر ذلك بقوله متسائلا: ( ) [الكهف:٦٨].

      لكن موسى الذي جعله ربه في موضع المتعلم قال للرجل: ( ) [الكهف:٦٩].

      فأعطاه بذلك عهدًا أن يطيعه فلا يعصي أمره، وهو ما جعل الرجل يشترط عليه مرة أخرى إمعانًا في التأكيد ( )[الكهف:٧٠].

      وفي الحديث: (فلما انتهيا إلى الصخرة، إذا رجلٌ مسجًى بثوبٍ، أو قال تسجى بثوبه، فسلم موسى، فقال العبد الصالح: وأنى بأرضك السلام؟ فقال: أنا موسى، فقال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدًا قال: إنك لن تستطيع معي صبرًا، يا موسى إني على علمٍ من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ علمكه لا أعلمه، قال: ستجدني إن شاء الله صابرًا، ولا أعصي لك أمرًا).

      ثم انطلقا لتبدأ رحلة الأعاجيب التي حكاها القرآن في قالب مشوق يجعل القارئ شغوفًا بما تؤول إليه الأحداث.

      وفي الحديث (فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، ليس لهما سفينةٌ، فمرت بهما سفينةٌ، فكلموهم أن يحملوهما، فعرف العبد الصالح فحملوهما بغير نولٍ، فجاء عصفورٌ، فوقع على حرف السفينة، فنقر نقرةً أو نقرتين في البحر، فقال العبد الصالح: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في البحر).

      وهنا الدرس الأول لموسى: قصور علمه وضآلته أمام علم الله تعالى.

      كان من الطبيعي وبسبب عدم إحاطة موسى بحقيقة الأمر أن تؤرقه تصرفات الرجل المفاجئة، وكانت الصدمة الأولى عنيفة عندما ( ) [الكهف:٧١].

      فقد خان موسى عليه السلام ثباته الانفعالي ونسي عهده بعدم السؤال عن شيء؛ فاستنكر عليه خرق السفينة لإغراق أهلها رغم إكرام أصحابها لهما وحملهما بدون أجرة، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟! فذكره الرجل بالاتفاق ( ) [الكهف:٧٢].

      وسرعان ما آب موسى إلى نفسه وقدم الاعتذار بين يدي المعلم ملتمسًا: ( ﯿ ) [الكهف:٧٣].

      في الحديث: (فعمد العبد الصالح إلى لوحٍ من ألواح السفينة، فنزعه، فقال موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها؟ قال: ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا، فكانت الأولى من موسى نسيانًا).

      ثم إنهما انطلقا فقابلا غلاما فقتله العبد الصالح؛ فارتاع موسى عليه السلام وقال في استهجان: ( ) [الكهف:٧٤].

      عندها رد العبد الصالح: ( ) [الكهف:٧٥].

      تذكر موسى العهد فأعاد الاعتذار مرة أخرى طالبًا الصفح؛ بل اشترط على نفسه قائلا للخضر: ( ﭣﭤ ) [الكهف:٧٦].

      في الحديث: (فانطلقا، فإذا غلامٌ يلعب مع الغلمان، فأخذ العبد الصالح برأسه من أعلاه فاقتلع رأسه بيده، فقال موسى: أقتلت نفسًا زكيةً بغير نفسٍ؟ قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا؟).

      ثم كان الموقف الثالث الذي جعله يفارق موسى، يحكي القرآن ( ) [الكهف:٧٧].

      ويبدو أن مالهما قد نفد أو كاد، أو أن موسى أراد للخضر أن يأخذ أجرة بعد عدم تضييفهما في القرية، ومن ثم اقترح عليه قائلا: (ﭿ ) [الكهف:٧٧].

      ولكن العبد الصالح رأى في ذلك إخلالا بالاتفاق المرسوم بينهما فبادر إلى الفراق ( ﮉﮊ ) [الكهف:٧٨].

      ولم ينس أن يخبر موسى عليه السلام عن الحقائق الغائبة عنه حتى يحسن الظن به.

      وفي الحديث: (فانطلقا، حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها، فأبوا أن يضيفوهما، فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض فأقامه، قال العبد الصالح: بيده فأقامه، فقال له موسى: لو شئت لاتخذت عليه أجرًا، قال: هذا فراق بيني وبينك) قال النبي صلى الله عليه وسلم: يرحم الله موسى، لوددنا لو صبر حتى يقص علينا من أمرهما).

      بدأ العبد الصالح بيان الأسباب التي دعته إلى هذه التصرفات التي رآها موسى جرائم لا يمكن السكوت عنها، فأي عقل هذا الذي يجعله يصدق أن خيرًا خفيًا يكمن وراء خرق السفينة بدلا من الوفاء لهم جزاء إحسانهم، أو قتل الغلام الذي لم يروا منه بأسًا، أو ترميم جدارٍ دون أخذ أجرة عليه رغم سوء معاملة أهل القرية لهما؟!

      لقد نسي موسى عليه السلام أنه ذهب متعلمًا، ومن ثم أنكر عليه أفعاله؛ وهكذا النفوس المجبولة على الخيرية لا يمكنها أن تتغاضى عن إنكار المنكر مهما تكلفوا؛ لكن الواقع أثبت أن موسى لم يكن يعلم من الأمور إلا ظاهرها، لا كما العبد الصالح الذي أطلعه الله على بعض الغيبيات فتصرف على هذا الأساس.

      قال: ( ﯲﯳ ﯷﯸ ﯿ ) [الكهف:٧٩-٨٢].

      وهكذا تكشفت المقاصد الخفية وراء هذه الأحداث الغريبة التي أصابت موسى بالقلق والاضطراب طيلة الرحلة؛ فأدرك حينها قصور علمه ووجوب التواضع وعدم نسيان نعمة الله عليه.

      الدروس المستفادة من قصة موسى

    1. إن عناية الله تعالى بموسى عليه السلام تجعل العاقل في اطمئنان لقضاء الله، فمن يتخيل أن ينجو الرضيع بالإلقاء في البحر، ويربى في بيت عدوه وعدو قومه الذي سيزول ملكه على يده، ويجعل زوجة الفرعون هي مربيته وحاضنته، والمصريون هم حاشيته وخدمه، وأمه هي مرضعته، فلا امتدت يد الذبح إليه، ولا هو فارق أمه، وقد رباه حتى شب من سيقف في وجهه يومًا؛ يدعوه إلى عبادة الله الواحد، ورفع نير العبودية عن بني إسرائيل.
    2. عاش موسى عليه السلام في بيت فرعون يرفل في النعيم لكنه لم ينس أصله وقضيته، فرعاية الله تعالى له وحفظه في بيت عدوه لم تكن من أجل حفظ موسى؛ بل لرسالة سيحملها ويكلف بتبليغها إلى فرعون للخروج ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة التي كتب الله لهم.
    3. على المؤمن أن يستعين دومًا بربه ليهديه، فموسى عليه السلام كان دائمًا معتمدًا على ربه، محتاطًا في أمره، متخذًا الوسائل والأسباب المناسبة، استعان بربه وقت خروجه من مصر، وساعة دخوله مدين، وأثناء عودته، ووقت مواجهته لفرعون لما دعاه ثم آذاه وتبعه حتى أغرق، وطول مخالطته لبني إسرائيل.
    4. المروءة من أخلاق العظماء التي تتجلى حينما يبذل الإنسان من وقته وجهده وماله ولا ينتظر جزاءً أو شكورًا من أحد، ولا يجرمن النبلاء أن المروءة قد تصل بأصحابها إلى حد إهلاك المال والأنفس.
    5. للعمل قيمةٌ عظيمة أدركها الأنبياء، فموسى عليه السلام لم يرض أن يكون عالةً على أحد، فعمل أجيرًا لسنوات طويلة، وقضى من عمره عقدًا كاملًا -أو أقل قليلا- في خدمة صهره؛ لزواجه من ابنته، وهو الذي عاش في القصور لم يأنف خدمة الآخرين، ولكنه وطن نفسه لتحمل المشاق، وتغير أحوال الزمان، ودار مع أحواله جميعًا بالرضى.
    6. وفاء موسى عليه السلام مع الشيخ نموذج يحتذى به، فقد أدى ما عليه، ولم تزده الأيام إلا وفاءً لصهره ورب عمله؛ وكان من المحتمل بعد زواجه من ابنته أن يتبرم أو ينكث، ولكنه صبر على العمل حتى وفى ما عليه، وربما زاد عليه.
    7. كثيرٌ من الناس لا يؤمن إلا بما هو محسوس وملموس، وينكر ما لا يقع تحت حواسه، وهذا مجاف للواقع، وما لا يراه الإنسان أكثر بكثير مما يراه، ولو أنكر ما لا يقع تحت حسه لأنكر ضروريات، ولخسر خسرانًا مبينًا؛ فالجنة والنار غيب، والقيامة غيب، والملائكة غيب، فإذا أنكر الإنسان ما جاءت به الرسل لعدم وقوعها تحت حسه، فالخسران والبوار في انتظاره عند تحقق ما كان ينكره.
    8. فارق بين الخوف المشروع والخوف المذموم؛ فطبيعة الإنسان قد تخاف وترهب بعض الأمور، فالإنسان يخشى على نفسه التلف والهلكة، ويخشى من بعض الحيوانات المفترسة، ويخاف على أولاده وذويه فيضعف عند الضغط عليه ومساومته، فهذه فطرة في معظم البشر، ولكن أصحاب الهمم العالية يتجاوزون خوفهم، ويستمدون القوة من الله تعالى، ولا يجبنون، ويواجهون الشدائد بعزم وثبات.
    9. النسب غير مانع من الاستعانة في العمل لا سيما الدعوي طالما كان الشخص مهيئًا لذلك، فبه يكون شد العزم والتثبيت، وهو الخليفة والقائد في الغياب، وعليه يكون التعويل في الشدائد، وقد حاول موسى عليه السلام الاستفادة من قدرات أخيه في خدمة الدعوة.
    10. تحول سحرة فرعون في لحظات من خندق الكفر إلى خندق الإيمان، وهكذا يفعل الإيمان بالقلوب النقية الصافية، بينما يستمر الجاحدون على جحودهم لا يؤمنون رغم وضوح الآيات وإبهارها، ولهذا على الداعية ألا ييأس من مدعويه، فما يدريك لعل عدو الأمس يصبح صديق اليوم.
    11. لا يجد المستبدون بدًا من اللجوء إلى سلطتهم وقوتهم الغاشمة التي لا يعرفون غيرها، وتلك عادة الطغاة الذين لا يحتكمون إلى قواعد العقل والمنطق؛ وإنما تتجاوز أحلامهم سقف المعقول، فيبطشون بمن يعارضهم ولا ينزل على رأيهم، ويظنون أن قوتهم غالبة، ولكنهم يكونون في أضعف حالاتهم؛ إذ إن من يقف في وجوههم يكون أقوى منهم بإيمانه ويقينه وثباته.
    12. ضاقت السبل بفرعون ولم يجد وسيلة لإيقاف الدعوة الجديدة، فالقتل والتشريد والسحل والتعذيب لم يجد مع أتباع موسى عليه السلام نفعًا، وبالتالي يحتاج إلى تغيير خطته، فكان التفكير في وسيلة ناجعة يتخلص بها ممن يؤرق ملكه وملك أبنائه من بعده، فكان قراره بالتخلص من موسى نفسه متناسيًا أن الفكرة لا تموت، وأنه مهما تضافرت المحن سيظل هناك مؤمنون يضحون من أجل الدين بأغلى ما لديهم.
    13. الدنيا لا تعدم الخير حتى في أشد الأماكن فسادًا وعطنًا فقد انبرى رجل مؤمن في بلاط فرعون المستبد مدافعًا عن موسى عليه السلام ومتحدثًا بلغة العقل والمنطق، محاولًا الأخذ بيد قومه إلى الحق والرشد، ومحذرًا لهم من عاقبة التكذيب والعناد، وضاربًا لهم المثل بالأمم السابقة وما حدث لها جراء تجاهلهم للحق وتكذيبهم أنبياءهم.
    14. الحكام الجائرون لا يتركون طريقًا إلا سلكوها في سبيل تثبيت أركان ملكهم العضوض، فيسلكون سبيل الحوار إن كان يؤدي إلى ما يريدون، فإذا خاب سعيهم بحثوا عن وسائل أخرى تحقق مبتغاهم، حيث الترهيب والترغيب، ويكون في سيوفهم رهق دائمًا.
    15. إن نهاية فرعون وهامان وجنودهما المستحقة تجعل المؤمنين يثقون بنصر ربهم وصدق موعوده لهم بأن القهر والاستبداد مهما طال بهم فسيأتي اليوم الذي يسعدون به وتقر أعينهم ( ) [القصص:٥]. وتلك هي سنة الله تعالى في خلقه ( ﭿ ﮅﮆ ﮋﮌ ) [النور:٥٥].
    16. الطبع يغلب التطبع، فقد عاود بنو إسرائيل التمرد بدلا من شكر النعم، ويحكي القرآن ما دار بين موسى عليه السلام وقومه وكيف تبدلوا الخبيث بالطيب؛ فطلبوا عبادة العجل، واشتهاء الدون من الطعام، كأنهم يتمردون على ربهم الذي أنجاهم ممن كاد أن يهلكهم، وقد نال موسى من قومه شدائد عظامًا لا يقدر عليها إلا أمثاله من أولي العزم.
    17. أحس موسى عليه السلام بالذنب عندما طلب رؤية الله فطلب التوبة، وأقر بالإيمان الكامل بربه وخالقه دون أن يراه، وهكذا المؤمن يؤمن بالغيب إيمانًا لا يتزعزع، ويثق فيما غاب عنه كأنه يعاينه طالما جاء به الخبر الصادق. وإذ لكل حادث حديث؛ فإن هناك من الأمور ما لم يأت وقته، فلا يصح أن نعجل عليها.
    18. كان من العجب أن يتجه بنو إسرائيل إلى عبادة العجل، بعد أن رأوا إهلاك الله لعدوهم، وإنجاءه لهم، وانفلاق البحر، وكلها مشاهد عجيبة لا تحدث في تاريخ البشرية إلا مرة واحدة، ثم يكون انطماس البصائر، والحنين إلى الشرك الذي كان عليه المصريون من عبادة الأوثان وترك توحيد الديان.
    19. عصيان بني إسرائيل لموسى وعدم دخول الأرض المقدسة أوجب عليهم أن يقعوا في التيه جيلًا كاملًا؛ حتى يأتي جيل جديد يفعل ما أمره الله به، ولا يخاف أحدًا إلا الله، ويتبع أنبياءه وقادته الذين هم الأدلاء لهم إلى طريق الحق والنصر، فالعقوبة شديدة على قدر الذنب، والنصر يأتي مع الطاعة وبها.
    20. المسلم مطالب بالتأمل في مصير الأولين وأخذ العبرة والموعظة بعيدًا عن التفاصيل التي سكت عنها القرآن، وهو الأمر الذي عودنا القرآن إياه مع الأمور التي قد لا ينفع العلم بها، والجهل بها لا يضر.
    21. قد يعلو صوت الباطل مدة تطول أو تقصر، لكن يأتي اليوم الذي يتكشف فيه زيفهم، وينتصر الحق الذي كان مستضعفًا، ويندحر الباطل الذي كان منتفشًا، وعندها يفرح المؤمنون بنصر الله، ويخزى أهل الباطل لا ريب.

1 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢٠١.

2 الدين وحاجة الإنسانية إليه عبر الرسالات الإلهية، محمود مزروعة، ص ١٤٦- ١٤٧.

3 تاريخ الرسل والملوك، الطبري ١/٣٨٧.

4 تفسير القرآن العظيم ١/١١٦ بتصرف.

5 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٤٠١، الكشاف، الزمخشري ٣/٥٨٦.

6 قال فخر الدين الرازي «ولا شك أنهما وصفان مختلفان«، انظر: مفاتيح الغيب ٢١/٥٤٨.

7 يقول ابن عطية: «قال الجمهور هو تقريب التشريف بالكلام والنبوءة، وقال ابن عباس: بل أدني موسى من الملكوت ورفعت له الحجب حتى سمع صريف الأقلام، وقاله ميسرة، وقال سعيد: أردفه جبريل، و«النجي»، فعيل من المناجاة وهي المسارة بالقول، وقال قتادة: نجيًا معناه نجا بصدقة» المحرر الوجيز ٤/٢٠.

8 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء، رقم ١٨٧٤، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

9 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء، رقم ١٩١٧، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

10 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الإشخاص والخصومة، رقم ٢٢٤٥.

11 جامع البيان، الطبري ١٩/٥٤٠.

وقد اختلف المفسرون في معنى الوكز، فقيل: «الدفع بأطراف الأصابع، وقيل بجمع الكف». مفاتيح الغيب ٢٤/٢٠٠، «فوكز أي فطعن ودفع بيده العدو، وهو رجل لم يعط أحد من أهل ذلك الزمان مثل ما أعطي من القوى الذاتية والمعنوية». نظم الدرر، البقاعي ١٤/٢٥٦، وقيل إن «الوكز واللكز واللهز واللهد بمعنًى واحدٍ، وهو الضرب بجمع الكف» الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٢٦٠.

12 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب أحب الصلاة إلى الله صلاة داود وأحب الصيام إلى الله صيام داود، رقم ٣٢٠٧.

قال ابن حجر: وهم قومٌ غير غلاظ معروفون بالطول والأدمة. فتح الباري ٦/٤٢٩، ٦/٤٨٤، والأدمة هي السمرة.

13 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، رقم ٣٠١٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، من حديث ابن عباس، رقم ٢٤٥.

14 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، رقم ٣٢٠٦. ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، من حديث أبي هريرة أيضًا، رقم ٢٥٠.

15 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٧.

16 نظم الدرر ١٢/٢٨٠.

17 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث العبد الصالح مع موسى عليه السلام، رقم ٣٢٢٠.

18 الجامع لأحكام القرآن ٦/١٢٦.

19 انظر: المحرر الوجيز ٤/٢٧٦، الجامع لأحكام القرآن ١٣/٢٤٨، تاريخ الأمم والملوك ١/٣٨٧، الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/١٣١.

20 الكشاف ٣/١٤٥.

21 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٢٢٣.

22 التسهيل لعلوم التنزيل ٢/٨.

23 نظم الدرر ١٢/٢٨٩.

24 المحرر الوجيز ٤/٤٣.

25 الكشاف ٣/٣٩٣.

26 المحرر الوجيز ٤/٤٤.

27 جامع البيان ١٨/٣٠٣.

28 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، رقم ٢٩٨٨.

29 انظر: معاني القرآن، الفراء ٢/٣٠٣.

وقد ردوا على هذا بأن الوقف لو كان صحيحًا لقال تعالى «تقتلونه» بالنون. فلما جاء بغير نون علم أن الفاعل في الفعل «لا» إذ هي نهيٌ، فهو مجزوم بها، فلا يجوز أن يفصل منه». انظر: كتاب إيضاح الوقف والابتداء، أبو بكر الأنباري، ص ٨٢٢، المكتفى في الوقف والابتدا، أبو عمرو الداني، ص ٤٣٥-٤٣٦.

30 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، رقم ٤٤٦٦.

31 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٧٢.

32 نظم الدرر ١٢/٢٨٨.

33 تاريخ الأمم والملوك ١/٣٩٠.

34 غرائب القرآن، النيسابوري ٤/٥٣٧.

35 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٢٨٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٢٥٩.

36 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٥٤١، الكشاف، الزمخشري ٣/٣٩٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٢٦٢.

37 المحرر الوجيز ٤/٤٢.

38 نظم الدرر ١٤/٢٨٠.

39 غرائب القرآن ٥/٢٦٨.

40 الجامع لأحكام القرآن ٢/٣٠.

41 مفاتيح الغيب ٢٢/ ٤٣-٤٤ بتصرف.

42 أنوار التنزيل ٤/١٣٤.

43 الجامع لأحكام القرآن ١٣/٩٢.

44 منهاج السنة النبوية ٧/٣٣٠-٣٣٢.

45 التسهيل لعلوم التنزيل ٢/٨.

46 التحرير والتنوير ١٦/٢٣٠.

47 نظم الدرر ١٢/٢٩٠.

48 مجاز القرآن، أبو عبيدة ١/٣٩٢.

49 غرائب القرآن ٥/٢٦٨.

50 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٣٢.

51 جامع البيان، الطبري ١٧/٥٦٦.

52 المصدر السابق ١٧/٥٦٤.

53 التحرير والتنوير ١٥/٢٢٥.

54 القاموس المحيط، الفيروزآبادي ١/٧٠٧.

55 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٢٨٥.

56 جامع البيان، الطبري ١٨/٣٢٣.

57 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/٢٤٦.

58 المحرر الوجيز ٤/٥١.

59 أنوار التنزيل ٤/٣٢.

60 في ظلال القرآن ٤/٢٣٤٢.

61 الصواعق المرسلة، ابن القيم ٤/١٣٨٩.

62 نظم الدرر ١٢/٣١٣.

63 أنوار التنزيل ٣/١٢١.

64 انظر: قصص الأنبياء، عبد الوهاب النجار، ص ٢٥٧.

65 غرائب القرآن، النيسابوري ٦/١٠٥.

66 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٣٦٠.

67 غرائب القرآن ٣/٦١٠.

68 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب صوم يوم عاشوراء، رقم ٢٠٠٤.

69 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب صوم يوم عاشوراء، رقم ٢٠٠٦.

70 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٨٦.

71 نظم الدرر، البقاعي ١٢/٣٢١.

72 مفاتيح الغيب، الرازي ١٤/٣٥٥.

73 المحرر الوجيز ٢/٤٥٠.

74 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/١٤٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/١٢٦.

75 المحرر الوجيز ٢/٤٥٩.

76 التحرير والتنوير ٩/٩٧.

77 نظم الدرر ١٢/٣٢٢.

78 انظر: الدين وحاجة الإنسانية إليه، ص ١٥١.

79 التحرير والتنوير ٩/١١٦.

80 في ظلال القرآن ٤/٢٣٤٨.

81 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب ما ذكر في ذهاب موسى عليه السلام في البحر إلى العبد الصالح، رقم ٢٤.

82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، سورة الكهف، رقم ٤٣٨٢.

83 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب من فضائل العبد الصالح عليه السلام، رقم ٢٣٨٠.

84 البداية والنهاية ٢/١٧٠.

وانظر: صحيح البخاري، كتاب العلم، باب ما يستحب للعالم إذا سئل: أي الناس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله، رقم ١٢٢.

85 انظر:: جامع البيان، الطبري ١/٣٦٥، البداية والنهاية، ابن كثير ٢/٢٤٣، الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/١٢١.

86 مفاتيح الغيب ٢١/٤٧٩.

87 بدائع الفوائد ٣/٢٠٣.