عناصر الموضوع
النار
أولًا: المعنى اللغوي:
النار: «النون والواو والراء، أصلٌ صحيحٌ يدل على إضاءةٍ واضطرابٍ وقلة ثباتٍ، ومنه النور والنار، سميا بذلك من طريقة الإضاءة؛ ولأن ذلك يكون مضطربًا سريع الحركة»1.
ونار نورًا وأنار واستنار ونور، بمعنًى واحدٍ، أي: أضاء، والتنوير: الإنارة، يقال: نورت الشجرة تنويرًا، وأنارت: أي: أخرجت نورها. والنار مؤنثةٌ وهي من الواو؛ لأن تصغيرها نويرةٌ، وجمع النار على(أنيارٍ)، وأصلها(أنوارٌ)؛ لأنها من الواو، و(نورٌ) و(نيرانٌ) انقلبت الواو ياءً لكسرة ما قبلها، و(نيرةٌ)، و(نيارٌ)، وبينهم(نائرةٌ) أي: عداوةٌ وشحناء، وتنور النار من بعيدٍ: تبصرها2. ونار الحرب ونائرتها: شرها وهيجها. ونرته وأنرته: نفرته، وامرأة نوار: نافرة عن الشر والقبيح3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قيل: «الدار التي أعدها الله للكافرين به، المتمردين على شرعه، المكذبين لرسله، وهي عذابه الذي يعذب به أعداءه، وسجنه الذي يسجن فيه المجرمين، وهي الخزي الأكبر، والخسران العظيم الذي لا خزي فوقه، ولا خسران أعظم منه»4.
وقيل: «هي دار العذاب والإهانة، أعدها الله لأعدائه الكافرين الذين كفروا به وعصوا رسله»5.
وهذه أقوال وتعاريف متقاربة، وبينهما نوع اشتراك في بعض، وعلاقة المعنى الاصطلاحي بالمعنى اللغوي ظاهر في الإضاءة.
وردت مادة (نور) في القرآن الكريم(١٩٤) مرة، يخص موضوع البحث منها (١٤٥) مرة6.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الاسم |
١٤٥ |
(ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [البقرة:٢٤] |
وجاءت النار في الاستعمال القرآني على ستة أوجه7:
الأول: العداوة: ومنه قوله تعالى: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [المائدة: ٦٤] يعني: عداوة.
الثاني: الحرام: ومنه قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النساء: ١٠] يعني: حرامًا.
الثالث: جهنم: ومنه قوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [البقرة: ٢٤].
الرابع: الكفر: ومنه قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [البقرة: ٢٢١] أي: إلى الكفر بالله.
الخامس: النار التي لا دخان لها تنزل من السماء فتأكل القربان: ومنه قوله تعالى: (ﭐﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [آل عمران: ١٨٣] يعني: بنار تأكل القربان.
السادس: النار المعروفة: ومنه قوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الواقعة: ٧١] يعني: النار التي تقدحون من الزند.
جهنم:
جهنم لغةً:
اسم من أسماء النار التي يعذب بها الله عز وجل عباده، وهو ملحق بالخماسي بتشديد الحرف الثالث منه، ولا يجرى للمعرفة والتأنيث، ويقال: هو فارسي معرب8.
وجهنم: من الجهنام، بئرٌ جهنمٌ وجهنامٌ، بكسر الجيم والهاء: أي: بعيدة القعر، وبه سميت جهنم لبعد قعرها، ولم يقولوا: جهنام فيها9.
جهنم اصطلاحًا:
جهنم: «اسم النار الآخرة، من الجهامة، وهي كراهة المنظر»10.
الصلة بين النار وجهنم:
النار: هي الملتهبة الحراقة، وأما جهنم: اسم من أسماء النار فيفيد من قولك: بئر جهنام إذا كانت بعيدة القعر11.
اللهب:
اللهب لغةً:
اللام والهاء والباء أصل صحيح، وهو ارتفاع لسان النار، ثم يقاس عليه ما يقاربه، من ذلك اللهب: لهب النار، تقول: التهبت التهابا، وكل شيء ارتفع ضوؤه ولمع لمعانًا شديدًا فإنه يقال فيه ذلك، واللهب واللهاب: اشتعال النار12.
اللهب اصطلاحًا:
«اشتعال النار إذا خلص من الدخان»13.
الصلة بين النار واللهب:
النار: هي المشتعلة بحد ذاتها، واللهب: ما يظهر ويمكن رؤيته بوضوح عند اشتعال النار.
الإضاءة:
الإضاءة لغةً:
ضوء: الضاد والواو والهمزة أصل صحيح يدل على نور، من ذلك: الضوء، وهو بمعنى: الضياء والنور، قيل: أضاءت النار وأضاءت غيرها14.
الإضاءة اصطلاحًا:
«فرط الإنارة، من الضوء الذي هو النور البالغ القوي»15.
الصلة بين النار والضوء:
النار: لابد من اشتعالها حتى تنتج عنها الإضاءة، أما الضوء فهو فرع النور، وهو الشعاع المنتشر.
تحدث القرآن الكريم عن أسماء النار وصفاتها، وهذا ما سنبينه في النقاط الآتية.
أولًا: أسماء النار:
تعددت أسماء النار في القرآن الكريم تعددًا يؤذن بعظم شأنها، وأهمية أمرها، وكثرة أسماء النار توجب على العبد الأخذ بأسباب النجاة منها، وشدة الاحتياط والحذر؛ رغبة في توقي شرها.
وفيما يأتي عرض لما ورد في القرآن من أسماء للنار:
قال عز وجل: (ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [المعارج: ١٥-١٦].
وهذا الاسم لم يرد إلا في هذه الآية وسميت به لتلظيها وتلهبها16 وللزوقها بالجلد، فـ «التلظلظ واللظلظة من قولك: حيةٌ تتلظلظ، وهو تحريك رأسها من شدة اغتياظها، وحيةٌ تتلظى من خبثها وتوقدها، والحر يتلظى كأنه يلتهب مثل النار»17.
وهي تسمية تشعر بعظم ما عليه النار من الاشتعال والتوهج والتغيظ، وشدة الإحراق والتلهب.
قال تعالى: (ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الهمزة: ٤-٦].
وهذا الاسم لم يرد إلا في هاتين الآيتين.
وسميت النار بالحطمة؛ لأنها تحطم كل ما ألقي فيها18.
وفي هذه التسمية إشعار بشدة هذه النار وقوتها، وأنه لا يستعصي عليها أحد ولا شيء، فهي كفيلة بتحطيم كل ما يلقى فيها.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الملك: ١٠].
وهذا الاسم ورد في القرآن معرفًا ثمان مرات، ومنكرًا سبع مرات.
وسميت بذلك؛ لأنها توقد وتهيج، فهي (فعيل) بمعنى (مفعول)19.
وهذا الاسم يدل على شدة اشتعال النار واتقادها وارتفاع ألسنة لهبها، فـ «السين والعين والراء أصلٌ واحدٌ، يدل على اشتعال الشيء واتقاده وارتفاعه»20.
وفي اللفظة إيماء أيضًا لشدة هيجان النار على أهلها، حيث يقال: ناقة مسعورة، نحو موقدة ومهيجة21. والسعير: اسم لأشد النار اشتعالًا، يقال: سعر فلان النار: إذا أوقدها بشدة22.
قال تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [القمر: ٤٨].
ورد هذا الاسم في القرآن أربع مرات.
وسميت بذلك؛ لأنها تذيب الأجسام من قولهم: سقرته الشمس إذا أذابته23.
وهذه التسمية توحي بشدة إحراق النار، فـ «السين والقاف والراء، أصل يدل على إحراقٍ أو تلويح بنار»24.
وفي هذا ما يشعر بهول العذاب، وبسخونة هذه النار، واشتداد حرها الذي لا يحرق فحسب، بل يبلغ من درجة قوته أن يذيب الأجساد، وتتلاشى فيه اللحوم والأبدان.
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الصافات: ٦٤-٦٥].
ورد هذا الاسم في القرآن ثلاثًا وعشرين مرة.
وسميت النار بذلك؛ لشدة تأجج نارها25.
وفي تسمية النار بالجحيم إشارة إلى عظمتها، وشدة توقدها وحرها، وأنها نار جمع بعضها فوق بعض حتى اشتد حرها، وكل نار عظيمة في مهواة فهي جحيم26.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [القارعة: ٨-١١].
وهذا الاسم ورد في القرآن مرة واحدة في سورة القارعة.
وسميت بهذا الاسم؛ لأن المعذب يهوى فيها مع بعد قعرها27؛ أو لأنه يهوى فيها من علوٍ إلى سفل28.
وهي تسمية تشي بحال المعذبين، وتصور حجم الإذلال والهوان الذي يعانونه ويكابدونه، فهي هاوية، يلقى الناس فيها مهانين، فيهوون فيها كما تهوي الحجارة.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران: ١٦٢].
وهذا الاسم ورد في القرآن في اثنين وسبعين موضعًا، وجاء مضافًا إلى النار في تسعة مواضع، وسميت نار الآخرة بجهنم؛ لبعد قعرها29.
وفي هذه التسمية إشعار بعظم هذه النار، وبعد قعرها، ومدى عمقها، وهي تسمية تملأ القلب رعبًا والنفس فزعًا، وتستحث العبد نحو فعل ما ينجيه منها.
فائدة المغايرة بين أسماء النار وأوصافها:
بالتأمل في أسماء النار وصفاتها ومغايرة القرآن في التعبير عنها بأسماء مختلفة وصفات متنوعة يظهر لنا أن من أسباب تلك المغايرة، وفوائدها:
الصلة بين هذه الأسماء المتعددة:
للنار عدد من الأسماء، ولكل منها مدلول خاص يظهره، وجانب من جوانب العظمة يبرزه، ووجه من وجوه الشدة يصوره، وهذا لا شك يدل على عظمة النار، وكأن عظمتها مما يعجز الاسم الواحد عن تصويره، والصفة الواحدة عن الإحاطة به -كما مر، فيتحصل من مجموع تلك الأسماء تصور كثير من جوانب عظمتها وهولها.
فاسم (السعير) يصور شدة التوقد، واسم (الحطمة) يبين القوة التي تمكنها من حطم كل ما يلقى فيها، واسم (الهاوية) يرسم صورة لعمقها وبعد قعرها، وهكذا في بقية الأسماء.
ومجموع هذه الأسماء يوقع في حس المتلقي شدة هولها، ويظهر له عظيم خطرها، كما تتكامل أمامه مختلف ألوان عذابها، وترتسم في مخيلته صور المعذبين فيها، وصنوف آلامهم.
وبالتأمل في أسماء النار نجد أن ثمة روابط وقواسم مشتركة، وهي كالآتي:
ثانيًا: فناء النار:
تمثل مسألة (فناء النار وبقائها) أهمية خاصة؛ لما لها من أهميةٍ في تكوين معتقد المسلم؛ ولما لها من تعلقٍ بإيمان المسلم بالآخرة. وذكر الآخرة من الأمور المركزية في القرآن الكريم، وحق لما كان من أمورها أن يدرس ويبحث، ويظهر فيه الحق من الباطل؛ ليكون المسلم في ذلك على بينة من أمره.
وسنتناول مسألة (فناء النار) من خلال الاختلاف الواقع فيها، وبيان أدلة المختلفين، ومناقشتها، وذكر الراجح من الأقوال في ذلك.
اختلف الناس حول بقاء النار في الآخرة وفنائها على أقوال كثيرة، أهمها ثلاثة:
الأول: القول ببقائها، وهو ما عليه جمهور أهل السنة والجماعة، ونقل بعضهم الإجماع عليه.
الثاني: القول بفنائها، وهو محكي عن الجهم بن صفوان وأتباعه وغيرهم، ونسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية30.
الثالث: الإمساك عن ذلك31.
وسنعرض أدلة القائلين ببقاء النار، وأدلة القائلين بفنائها، دون الفريق الثالث؛ لأنهم أمسكوا عن الخوض في المسألة.
أدلة القائلين ببقاء النار في الآخرة:
استدل القائلون ببقاء النار بأدلة كثيرة نذكر بعضها بحسب طبيعة البحث، فمنها:
قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة: ٨١].
قال الطبري: «وإنما هذه الآية إخبار من الله عباده عن بقاء النار، وبقاء أهلها فيها»32.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [المائدة: ٣٧].
فقد صرحت الآية بكون الكافرين غير خارجين من النار، وأن لهم فيها عذابًا مقيمًا لا يخرجون منه، قال القرطبي مبينًا معنى العذاب المقيم: «و(ﭝ) معناه دائم ثابت، لا يزول ولا يحول»33.
وقوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [فاطر: ٣٦]34.
فالآية مصرحة بكون العذاب لا يخفف عن الكفار، وفي هذا دليل على بقاء النار، وعدم فنائها.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزنًا إلى حزنهم)35.
أدلة من قال بفنائها:
استدل بقوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [هود: ١٠٦-١٠٧].
ووجه الاستدلال من الآية: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [هود: ١٠٧].
فالله جعل خلودهم في النار موقوفًا على مشيئته، فهذا يدل على أن عذاب الكفار منقطع، وله نهاية.
الرد على هذا الاستدلال:
أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد، ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين، كما رجحه بعض المفسرين36.
ومن الأدلة قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ) [النبأ: ٢٣].
ووجه الدلالة من الآية: أن أهل النار يمكثون فيها أحقابًا، والحقب لها نهاية، فهذا يدل على أن النار تفنى، ولا بقاء لها37.
الرد على هذا الاستدلال:
أن الذي حدد بالأحقاب ليس هو العذاب، بل هو نوع من العذاب، وهو ما جاء بعد هذه الآية من قوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النبأ: ٢٤ -٢٥].38.
روى الطبري بسنده عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الأنعام: ١٢٨].
أنه كان يتأول في هذا الاستثناء: «أن الله عز وجل جعل أمر هؤلاء القوم في مبلغ عذابه إياهم إلى مشيئته»، وقال: «إنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه، ولا ينزلهم جنة ولا نارًا»39.
وروى عبد بن حميد في تفسيره بسنده عن الحسن البصري عند قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ) [النبأ: ٢٣].
قال: قال عمر رضي الله عنه: «لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج40 لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه»41.
قال الطبري: قال ابن مسعود رضي الله عنه: «ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد؛ وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا»42.
الرد على استدلالهم بهذه الآثار:
الآثار السابقة التي استدل بها القائلون بفناء النار ضعيفة لا تقوم بها حجة، كما بينا ذلك في الحاشية.
ومما استدلوا به قولهم: إن معصية الظلم متناهية، فالعقاب عليها بما لا يتناهى ظلم43.
الرد على هذا الاستدلال:
أن الله علم في سابق علمه أن الخبث قد تأصل في هؤلاء الخبثاء، بحيث إنهم لو عذبوا القدر من الزمن الذي عصوا الله فيه، ثم عادوا إلى الدنيا لعادوا لما يستوجبون به العذاب، لا يستطيعون غير ذلك، قال الله: (ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الأنعام: ٢٧ -٢٨]44.
الرأي الراجح:
الذي يترجح مما سبق من الأقوال هو القول ببقاء النار في الآخرة، وهو قول جمهور أهل السنة والجماعة؛ لصراحة الأدلة من الآيات والأحاديث، وعدم قوة الأدلة التي استدل بها المعارضون.
ومن قرأ ما كتبه ابن القيم رحمه الله تعالى يظن أنه يرجح أن النار تفنى، وأن أهلها يخرجون منها، لكن في الحقيقة أن ابن القيم رحمه الله تعالى يكاد يميل إلى التوقف؛ لأنه بعد أن ذكر الخلاف الطويل، وذكر الأقوال في ذلك والأدلة، قال: «فهذا نهاية أقدام الفريقين في هذه المسألة؛ ولعلك لا تظفر به في غير هذا الكتاب؛ فإن قيل: فإلى أين أنتهى قدمكم في هذه المسألة العظيمة الشأن التي هي أكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة؟ قيل: إلى قوله تبارك وتعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [هود: ١٠٧].
وإلى هنا انتهى قدم أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه فيها، حيث ذكر دخول أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، وما يلقاه هؤلاء وهؤلاء، وقال: ثم يفعل الله بعد ذلك ما يشاء، بل وإلى ها هنا انتهت أقدام الخلائق»45.
ثالثًا: عظم النار وشدة حرها:
١. عظم النار.
النار مخلوق من مخلوقات الله عز وجل العظيمة، التي يذهب العقل في تصور عظمتها وسعتها كل مذهب، وينتاب القلب الحي خوفٌ ووجلٌ مما يرد عليه من وصفها في القرآن والسنة، وقد أفصحت الآيات والأحاديث عن ذلك إفصاحًا يزجر كل من كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، ويمكن أن نستلمح شيئًا من عظمتها من خلال ما يأتي:
الحديث عن عظم النار له أصل يقوم عليه، وهو أن الذي خلقها هو الله، وهذا هو الأصل الذي من عقله وانتفع به انتفع بوصف الله للنار، وذكره لأهوالها وحرها وعذابها، ومن غفل عنه فلن يقوم في قلبه خوفٌ ولا فزعٌ من النار وأهوالها وعذابها، فالخوف من النار في حقيقته خوفٌ من خالقها، وتعظيم له وتقديس؛ وذلك هو أعظم ما يطبع النفس بطابع الفزع من النار، ويلقي في أعماقها الخوف الرهيب من النار، والفرار الجاد عن مسالكها.
وقد جاءت آيات كثيرة في القرآن مؤكدة لتلك الحقيقة الكبرى، حقيقة أن الذي خلق النار وأعدها للظالمين هو الله، منها قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الكهف: ٢٩].
وقوله عز وجل: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [النساء: ٥٦].
وغير ذلك من الآيات.
الحديث عن سعة النار في القرآن حديث يطول، ولكننا نكتفي هنا بالإشارة إلى بعض الآيات والأحاديث التي تبين عظمتها وعمقها واتساعها بما يتناسب مع البحث، من خلال عدة عناصر على النحو الآتي:
جهنم تطلب المزيد:
قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [ق: ٣٠].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيدٍ حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعضٍ وتقول: قط قط، بعزتك وكرمك)46.
قال ابن كثير معلقًا على هذه الآية: «يخبر تعالى أنه يقول لجهنم يوم القيامة: هل امتلأت؟ وذلك أنه وعدها أن سيملؤها من الجنة والناس أجمعين، فهو سبحانه يََأْمُرُ بمن يُأْمَرُ به إليها، ويلقى وهي تقول: (ﯽ ﯾ ﯿ) أي: هل بقي شيء تزيدوني؟»47.
سعة قعرها وشدة عمقها:
مما يدل على عظم جهنم وسعتها ما أخبر به رب العالمين بقوله: (ﮀ ﮁ) [القارعة: ٩].
وسميت النار هاوية؛ لأن أهلها يهوون فيها مع بعد قعرها48، وهذا الوصف لجهنم يبين لنا أن هذه النار عميقة القعر لا يعرف لها قرار ولا نهاية، يهوي أهل النار فيها مهوى بعيدًا.
وقعر هذه النار يتبين لنا إذا علمنا أن الحجر إذا ألقي فيها احتاج إلى فترة زمنية طويلة حتى يصل إلى قعرها، كما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ سمع وجبةً49، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تدرون ما هذا؟) قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: (هذا حجرٌ رمي به في النار منذ سبعين خريفًا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها)50.
فما أعظم هذه النار التي احتاج حجر سبعين خريفًا حتى انتهى إلى قعرها!.
جهنم تجر ولا تحمل:
جهنم لعظمتها وشدة اتساعها تجر ولا تحمل، فقد بين الله عز وجل أن جهنم يؤتى بها يوم القيامة إلى أرض المحشر، فقال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ) [الفجر: ٢٣].
وهذا المجيء بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم كيفيته، فقال: (يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمامٍ، مع كل زمامٍ سبعون ألف ملكٍ يجرونها)51. ثم قرأ الآية.
وإيثار (يجرونها) دون (يحملونها) أو غيره من الألفاظ، ليدل على عظم جهنم ومدى اتساعها؛ إذ من المعلوم أن الشيء كلما عظم واتسع صعب حمله فيجر.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن للزمام الواحد سبعين ألف ملك، وهو دليل على أن الزمام الواحد متعلق بشيء عظيم يحتاج إلى آلاف من الملائكة حتى يجروه.
وإضافة إلى ما ذكر فإن من يتأمل هذه الآية يجد أنها جاءت في سياق التهويل لموقف القيامة، وتوضيح مشاهد الرعب والفزع فيه، حيث: دك الأرض، ومجيء الرب، واصطفاف الملائكة، ثم مجيء جهنم.
وهذا يوحي لنا أن مجرد حضور النار ورؤيتها لهو هولٌ من أهوال هذا الموقف، فكيف بهول السوق إليها ودخولها؟!
عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الزمر: ٦٧].
قالت: قلت: فأين الناس يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: (على جسر جهنم)52.
فسبحان الله العظيم! إذا كان جسر جهنم قد اتسع لحمل الناس جميعًا، فكيف بجهنم نفسها؟!
وصف الله تعالى جهنم بأن لها سرادقًا، قال الله عز وجل: (ﮂ ﮃ ﮄ) [الكهف: ٢٩].
والسرادق «هو كل ما أحاط بشيء من حائطٍ، أو مضرب، أو خباء»53.
وقد بين الله تعالى عظم هذا السرادق، فوصفه بأنه يحيط بأهل النار على كثرة عددهم، وضخامة حجمهم، فلا يستطيعون خروجًا ولا فرارًا.
قال تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [التوبة: ٤٩].
أخبر الله تعالى أن النار لعظمها تقوم عليها ملائكة وصفهم الله عز وجل بالغلظة والشدة.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [التحريم: ٦].
هؤلاء الخزنة من شدتهم وغلظتهم أن قلوبهم لا تلين لكافرٍ ولا ظالم، فحين يشتد العذاب بالمجرمين في النار، ويضجون منه ينادون: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الزخرف: ٧٧].
فيجيبهم مالك مقنطًا: (ﭬ ﭭ ﭮ) ويكفي للدلالة على أن غلظتهم وشدتهم بلغت الغاية في الغلظة والشدة أن الله هو الذي وصفهم بذلك الوصف، وأنهم لا يخرجون عن طاعة الله، بل يبادرون إلى مرضاته، وامتثال أمره، فغلظتهم وشدتهم على العصاة هي في حقيقتها تنفيذ وامتثال وإذعان لله.
إن هذه النار ليس وقودها الحطب والخشب كحال وقود نار الدنيا، وإنما وقودها الناس والحجارة، قال عز وجل: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ) [البقرة: ٢٤].
«إنها نار فظيعة متسعرة، وقودها الناس والحجارة، الناس فيها كالحجارة سواء في مهانة الحجارة، وفي رخص الحجارة، وفي قذف الحجارة، دون اعتبارٍ ولا عناية، وما أفظعها نارًا هذه التي توقد بالحجارة! وما أشده عذابًا هذا الذي يجمع إلى شدة اللذع المهانة والحقارة!»54.
وهذه الحجارة التي تكون في جهنم ليست كأي حجارة، فقد ورد عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما أن المراد بالحجارة حجارة الكبريت توقد بها النار، ويقال: «إن فيها خمسة أنواع من العذاب ليس في غيرها من الحجارة: سرعة الإيقاد، ونتن الرائحة، وكثرة الدخان، وشدة الالتصاق بالأبدان، وقوة حرها إذا أحميت»55.
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزءٌ من سبعين جزءًا من حر جهنم) قالوا: (والله إن كانت لكافيةً يا رسول الله)، قال: (فإنها فضلت عليها بتسعةٍ وستين جزءًا، كلها مثل حرها)56.
من أعجب ما يمكن الاستدلال به على عظم النار ما جاء وصفًا لأدق ما فيها وهو الشرر، يقول تعالى عن جهنم: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [المرسلات: ٣٢-٣٣].
فهذا وصف الشرر الذي هو أدق النار وأصغرها، يوضح لنا ربنا صفته فيبين أنه في عظمته كالقصر، أي: «كالبناء المشيد في العظم والارتفاع»57 وأنه في هيئته ولونه وتتابعه كـ (ﮗ ﮘ) أي: «إبل سود يميل لونها إلى الصفرة»58، فهو إذًا ليس الشرر المتبادر ذكره، أو المستحضرة صورته في الذهن، إنه شرر عظيم، غير مألوف لنا نحن البشر، شررٌ عظيم بقدر عظمة جهنم.
٢. شدة حرها.
جاء الإخبار عن حر النار وشدته وأثره الشديد في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، فمن ذلك:
رابعًا: دركات النار:
١. دركات النار.
بين الله عز وجل في كتابه أن أهل النار متفاوتون في عذابهم، وأنهم ليسوا على منزلة واحدة؛ لأن النار ليست على دركة واحدة، بل هي على دركات، ويتبين هذا من قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النساء: ١٤٥].
إذ بين الله أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، مما يعني أنها «أدراك بعضها فوق بعض، طبقة على طبقة»70.
قال ابن فارس: «درك: الدال والراء والكاف أصل واحد، وهو لحوق الشيء بالشيء ووصوله إليه، ومن ذلك: الدرك، وهي منازل أهل النار»71.
فدركات النار هي: منازل النار وطبقاتها التي ينزل فيها أهلها، ويلحقون بها، ولم تخرج آراء المفسرين واللغويين عن هذا المضمون72.
وقد بين العلماء الفرق بين الدركات والدرجات:
قال الضحاك: الدرج إذا كان بعضها فوق بعض، والدرك إذا كان بعضها أسفل من بعض73.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: «درجات الجنة تذهب علوًا، ودرجات النار تذهب سفلًا»74.
وقال الراغب الأصفهاني: «الدرك كالدرج، لكن الدرج يقال اعتبارًا بالصعود، والدرك اعتبارًا بالحدور؛ ولهذا قيل: درجات الجنة، ودركات النار»75.
وعلى ذلك: فدرجات الجنة: منازل ومراقٍ بعضها فوق بعض.
ودركات النار: منازل بعضها تحت بعض.
ويرجع هذا إلى أن الدرج في اللغة: مراتب بعضها فوق بعضٍ76؛ فالشيء الذي يقصد أعلاه تكون منازل الرقي إليه درجات77.
وقد ورد في السنة الصحيحة أن درجات الجنة مائة درجة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في الجنة مائة درجةٍ، ما بين كل درجتين مائة عامٍ)78.
والدرك في اللغة: أقصى قعر الشيء79.
فالدركة: المنزلة في الهبوط، فالشيء الذي يقصد أسفله تكون منازل التدلي إليه دركات80.
فلذلك الدركات لأسفل.
فنخلص من ذلك أن الدركات والدرجات يتفقان في أنهما منازل وطبقات.
ويختلفان في أن الدركات لأسفل، والدرجات لأعلى.
فائدة مهمة:
ورد في الاستعمال القرآني إطلاق لفظ الدرجات على منازل الجنة والنار، وذلك في ثلاث آيات من كتاب الله، في قوله: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [آل عمران: ١٦٢-١٦٣].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «أهل الخير وأهل الشر درجات، يعني: متفاوتون في منازلهم ودرجاتهم في الجنة، ودركاتهم في النار»81.
وفي قوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الأنعام: ١٣٢].
قال الطبري في تفسير هذه الآية: «ولكل عامل في طاعة الله أو معصيته منازل ومراتب من عمله يبلغه الله إياها، ويثيبه بها، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر»82.
وفي قوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأحقاف: ١٩].
قال الشوكاني في تفسير هذه الآية: «أي: لكل فريقٍ من الفريقين المؤمنين والكافرين من الجن والإنس مراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم»83.
وعلى ذلك فيكون المقصود بالدرجات في الآيات الثلاث: هي المنازل دون اعتبارٍ لما توصف به من ارتقاءٍ أو هبوط، فإذا أضيفت إلى أصحابها صارت درجات الجنة، ودركات النار.
أسماء الدركات وعددها وسكانها بين القرآن والسنة الصحيحة:
لم يرد في القرآن ولا في السنة الصحيحة تسمية دركات النار ولا عددها، ولا تحديد أصناف أهل النار الذين يسكنون هذه الدركات إلا فيما ذكره القرآن عن الدرك الأسفل من النار، وبيان أن هذا الدرك منزل المنافقين، وهذا في قوله: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النساء: ١٤٥].
ولكن ورد في السنة ما يدل على أن الدرك الأسفل فيه أشد العذاب.
فعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك، ويغضب لك؟ قال: (هو في ضحضاحٍ من نارٍ، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)84.
ففي هذا الحديث ما يدل على أن الدرك الأسفل فيه أشد العذاب؛ لجعله صلى الله عليه وسلم إياه ضدًا للضحضاح أو كالضد له «والضحضاح أريد به القليل من العذاب، مثل الماء الضحضاح»85.
وقد ورد عن الضحاك بيان عدد دركات النار وأسمائها والأصناف التي تسكن هذه الدركات.
قال الضحاك: للنار سبعة أبواب، وهي سبعة أدرك بعضها على بعض، فأعلاها فيه أهل التوحيد يعذبون على قدر أعمالهم وأعمارهم في الدنيا، ثم يخرجون منها، وفي الثانية اليهود، وفي الثالثة النصارى، وفي الرابعة الصابئون، وفي الخامسة المجوس، والسادسة فيه مشركو العرب، وفي السابعة المنافقون، وهو قوله: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النساء: ١٤٥]86.
وهذا التقسيم المروي عن الضحاك لم يصح عنه، كما لم يصح تسمية دركات النار على النحو الذي ذكر، والصحيح أن كل واحد من هذه الأسماء التي ذكرت: جهنم، لظى، الحطمة... إلخ، اسم علمٍ للنار كلها، وليس لجزءٍ من النار دون جزء، وصح أن الناس متفاوتون على قدر كفرهم وذنوبهم.
وهذا الترتيب الذي ذكره الضحاك وغيره يحتاج إلى إعادة نظر، فالمجوس عباد النيران ليسوا بأقل جرمًا من مشركي العرب، ومع ذلك فالمجوس في طبقةٍ أقل من العذاب، والأولى أن نسكت فيما سكتت عنه النصوص87.
وبهذا يتبين أنه لم يرد في القرآن ولا في السنة ما يبين لنا عدد دركات النار، ولا سكان هذه الدركات.
علة تخصيص الدرك الأسفل بالمنافقين:
أخبرنا القرآن أن مصير المنافقين في الدرك الأسفل من النار، أي: في أذل منازل العذاب وأسفلها؛ وذلك يرجع لأسباب:
الأول: لأن كفرهم أسوأ الكفر؛ لما حف به من الرذائل88.
الثاني: أنهم جمعوا مع الكفر الاستهزاء بالإسلام وبأهله89.
الثالث: أنهم كانوا يطلعون على بعض أسرار المسلمين بما كانوا يظهرونه من الإسلام، وكانوا يخبرون الكفار بهذه الأسرار، فكانت تتضاعف المحنة من هؤلاء المنافقين؛ فلهذه الأسباب جعل الله عذابهم أزيد من عذاب الكفار90.
خامسًا: أبواب النار:
أخبر الله عز وجل أن للنار أبوابًا سبعة.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الحجر: ٤٣-٤٤].
قال ابن كثير: «أي: قد كتب لكل باب منها جزء من أتباع إبليس يدخلونه لا محيد لهم عنه -أجارنا الله منها- وكلٌ يدخل من بابٍ بحسب عمله، ويستقر في درك بقدر فعله»91.
وهذه الأبواب تفتح عندما يرد الكفار النار ليدخلوها.
قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [الزمر: ٧١].
فإذا فتحت أبوابها ورأوا أنهم داخلوها قال لهم خزنتها موبخين: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الزمر: ٧١].
فيقرون مذعنين: (ﮠ) [الزمر: ٧١].
فيقال لهم بعد هذا الإقرار: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الزمر: ٧٢].
فإذا دخلوها وقضي الأمر بأنهم ماكثون فيها تغلق هذه الأبواب عليهم، فلا مطمع لهم في الخروج منها بعد ذلك، كما قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البلد: ١٩-٢٠].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: مؤصدة: مغلقة الأبواب، وقال مجاهد: أصد الباب -بلغة قريش- أي: أغلقه9293.
هل أبواب النار تغلق في الدنيا؟
أخبرنا القرآن أن أبواب جهنم تغلق على أصحابها يوم القيامة، وأخبرتنا السنة الصحيحة أن هذه الأبواب تغلق في الدنيا عند قدوم شهر رمضان.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)94.
أسماء أبواب النار:
أخبر القرآن أن أبواب النار سبعة، لكن القرآن لم يعين لنا أسماء هذه الأبواب، ولا بينتها السنة الصحيحة.
وقد ورد في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أسماء هذه الأبواب السبعة، لكنه ضعيف لا يثبت95.
وقد وردت بعض الآثار عن السلف فيها تسمية هذه الأبواب السبعة، وعينت الأصناف التي تدخل من هذه الأبواب96.
صفة أبواب النار:
لم يرد في القرآن ولا في السنة الصحيحة ما يصف لنا أبواب النار السبعة، ولكن ورد في الآثار الواردة عن بعض الصحابة وصف هذه الأبواب:
فقد ورد عن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه أنه قال: إن أبواب جهنم أطباق بعضها فوق بعض، فيمتلئ الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، حتى تملأ كلها97.
أخبر القرآن الكريم عن ألوان العذاب في النار منها الطعام والشراب واللباس والسكن، وسوف نبين ذلك فيما يأتي:
أولًا: الطعام:
ذكر الله تعالى أن أهل النار يطعمون فيها طعامًا لا يشبه الطعام إلا في اسمه، ثم يفارقه بعد هذا في كل شيء، فهو لا يسمن ولا يغني من جوع، لا يزيدهم إلا ضعفًا، ولا يزدادون به إلا عذابًا وألمًا، قد خبث مذاقه، وأنتن ريحه، ولا فائدة منه.
وقد بين الله في كتابه صنوفًا من طعام أهل النار، نذكر منها:
وهو شجرة تنبت في النار.
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الصافات: ٦٤].
قال الطبري: «وثمرتها كالرصاص أو الفضة، أو ما يذاب في النار إذا أذيب بها، فتناهت حرارته، وشدة حميته في شدة السواد»98.
وهذه الشجرة ثمرتها قبيحٌ منظرها، كأنها في قبحها رؤوس الشياطين، قال الله عنها: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الصافات: ٦٥].
وشجرة الزقوم هي الشجرة الملعونة التي ذكرها الله بقوله: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الإسراء: ٦٠].
فالحاصل أن شجرة الزقوم لها من الصفات أقبحها وأبشعها: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الدخان: ٤٣-٤٦].
يقول الرازي: «ومآل الأقوال في الزقوم كونه في الطعم مرًا، وفي اللمس حارًا، وفي الرائحة منتنًا، وفي المنظر أسود، لا يكاد آكله يسيغه فيكره على ابتلاعه»99.
وقد توعد الله بالزقوم أصحاب النار، وبين أنهم يطعمون منه حتى تمتلئ به بطونهم.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الدخان: ٤٣-٤٦].
وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الواقعة: ٥١-٥٣].
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الحاقة: ٣٥-٣٦].
والغسلين: هو ما يسيل من صديد أهل النار، وما يخرج من لحومهم100.
«فساكن النار لا يجد له طعامًا فيها إلا ما يخرج من جلود أهل النار من الدم والصديد، وهو شيءٌ كريه المذاق كريه الرائحة، لا فائدة فيه، ولا يرجى منه إشباعًا»101.
قال قتادة عن الغسلين: هو شر طعام أهل النار102.
فطعام أهل النار طعام منتنٌ ريحه، مقززٌ تناوله، يشي بسوء الحال، وقبح المآل.
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الغاشية: ٦-٧].
والضريع: نوعٌ من الشوك لا تأكله الدواب لخبثه، وهو من شر الطعام، وأبشعه وأخبثه103.
فأهل النار إذا طلبوا الطعام جيء لهم بالضريع، وهو كالشوك، مرٌ منتن، لا خير فيه، ولا فائدة منه، فلا يقوي بدنًا، ولا يسد رمقًا، ولا يدفع جوعًا.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الغاشية: ٧]104. قال أبو الجوزاء: وكيف يسمن من كان يأكل الشوك؟!105.
ومما ذكر عن طعام أهل النار في القرآن ما ورد في قول الله: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [المزمل: ١٢-١٣].
أي: «طعام لا يستساغ أكله، ينشب في الحلق، فلا يدخل ولا يخرج»106.
«والغصة عارضٌ في الحلق سببه الطعام أو الشرب الذي لا يستساغ؛ لبشاعةٍ أو يبوسةٍ»107. فطعام الدنيا قد يحدث غصة -أحيانًا- فيؤذي، لكن هذا الطعام تلازمه الغصة دائمًا وأبدًا، غصة تمزق حلوقهم كلما طعموه.
فهذه الآية نفت عن طعام النار كل نفع يرجى من ورائه؛ لأن «المقصود من الطعام أحد أمرين: إما أن يسد جوع صاحبه، ويزيل عنه ألمه، وإما أن يسمن بدنه من الهزال، وهذا الطعام ليس فيه شيء من هذين الأمرين، بل هو طعام في غاية المرارة والنتن والخسة»108.
ولهذه الأنواع أوصاف، هي:
ثانيًا: شراب أهل النار:
ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أربعة أنواعٍ من شراب أهل النار، وكل نوع من هذه الأنواع شديدٌ ألمه، عظيمٌ أثره، عديمٌ نفعه، طويلٌ أمده، وهذه الأنواع هي:
قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [محمد: ١٥].
والحميم: الماء الشديد الحرارة109، الذي بلغ من حرارته أنه يقطع الأمعاء ويمزقها، يشربه أهل النار رغمًا وقهرًا، لا يملكون عنه امتناعًا ولا ابتعادًا، بل يشربون منه كما تشرب الإبل العطاش التي تشرب ولا ترتوي لداءٍ أصابها.
يقول تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الواقعة: ٥٤-٥٥].
يقول الرازي معلقًا: «فيه بيان لزيادة العذاب، ومعناه: أي: لا يكون أمركم أمر من شرب ماءً حارًا منتنًا فيمسك عنه، بل يلزمكم أن تشربوا منه مثل ما تشرب الهيم، وهي الجمال التي أصابها العطش فتشرب ولا ترتوي»110.
وهذا الحميم من شدته وعظمته أفرد كأنه عذاب وحده، يرد عليه أهل النار بعد تعذيبهم في جهنم.
يقول تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الرحمن: ٤٣-٤٤].
والمعنى: «يمشون بين مكان النار وبين الحميم، فإذا أصابهم حر النار طلبوا التبرد، فلاح لهم الماء فذهبوا إليه، فأصابهم حره فانصرفوا إلى النار، وهكذا يكون عذابهم بهذه الصورة الفظيعة»111.
وتتأكد شدة هذا الحميم وعظم ما فيه من العذاب حين نعلم أنه ينبع من عينٍ شديدة الحرارة والغليان، قال تعالى في سورة الغاشية عن الوجوه الخاشعة: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الغاشية: ٥].
أي: «قد انتهى حرها وغليانها»112.
وكل هذا يدلنا على قبح هذا النوع من الشراب وشدة عذابه وألمه عافانا الله منه.
قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [ص: ٥٧].
والغساق: هو ما يسيل من جلد الكافر ولحمه، وقيل: الزمهرير البارد لا يستطيعون أن يذوقوه من شدة برده113.
وقد جمع الحافظ ابن كثير بين المعنيين بقوله: «الغساق: هو ما اجتمع من صديد أهل النار وعرقهم ودموعهم وجروحهم، فهو بارد لا يستطاع من برده، ولا يواجه من نتنه»114.
وقد بين الله عز وجل في كتابه أن أهل النار يستبدلون بالشراب الطيب والنسيم البارد حميمًا وغساقًا؛ جزاء لهم على أعمالهم.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النبأ: ٢٤-٢٥].
وعلى ما ذكر من أن الغساق بارد لا يستطاع من برده نجد أن الله قد جمع عليهم عذاب الحر الشديد بالحميم، وعذاب البرد الشديد بالغساق، «فالحميم يحرق بحره، والغساق يحرق ببرده»115.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [إبراهيم: ١٦-١٧].
والصديد: «هو ما يسيل من الدمل والجروح من القيح»116. وهذا الماء يكون في نفسه صديدًا؛ لأن كراهته تصد عن تناوله117.
وقد اشتملت هذه الآية على بيان قبح هذا الشراب وشدة إيذائه بوجوه بليغة، منها118:
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ) [الكهف: ٢٩].
والمهل هو عكر الزيت المغلي شديد الحرارة، وتشبيه هذا الماء بالمهل في سواد اللون وشدة الحرارة، فلا يزيدهم إلا حرارة119. فهو كالمهل في سواده ونتنه وغلظته وحرارته120.
وقد بينت الآية من آثار هذا الشراب أنه يشوي الوجوه شيًا والتعبير بالوجه؛ لأنه «أشد الأعضاء تألمًا من حر النار.
قال تعالى: (ﰃ ﰄ ﰅ) [المؤمنون: ١٠٤]»121.
وإذا كان يشوي الوجوه عند الاقتراب منه «فكيف بالحلوق والبطون التي تتجرعه؟!»122.
ومما يجلي لنا أثر هذا الماء في أهل النار ما ذكره سعيد بن جبير قال: «إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم، فأكلوا منها فاختلست جلود وجوههم، فلو أن مارًا مر بهم يعرفهم، لعرف جلود وجوههم فيها، ثم يصب عليهم العطش فيستغيثون، فيغاثون بماء كالمهل، وهو الذي قد انتهى حره، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره لحوم وجوههم التي قد سقطت عنها الجلود»123.
كما حكم الله على هذا الشراب بأنه (ﮎ ﮏ) [الكهف: ٢٩].
فيا لله ما أقبح هذا الشراب! وما أقبح وصفه ونعته! وهل هناك شراب أقبح من شرابٍ وصفه الله بالقبح والسوء؟!
وذكر لهذه الأنواع من الشراب أوصافًا، وهي:
ثالثًا: اللباس:
مما ذكره الله تعالى في القرآن من ألوان العذاب للكفار والمجرمين في النار اللباس، حيث بين تعالى أنه أعد للمعذبين في النار لباسًا، هذا اللباس لا يقيهم بردًا ولا حرًا، وإنما لباسٌ يحرق أبدانهم، ويأكل جلودهم، ويذيب لحومهم.
وقد جاء الإخبار عن هذا اللباس في قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الحج: ١٩].
قال ابن كثير رحمه الله: «(ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) أي: فصلت لهم مقطعات من نار، قال سعيد بن جبير: من نحاس، وهو أشد الأشياء حرارة إذا حمي»124.
وكان إبراهيم التيمي يقول: «(ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) سبحان من قطع من النيران ثيابًا»125.
وقد جاء في الحديث أن أول من يكسى من حلل النار إبليس، فعن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول من يكسى حلةً من النار إبليس فيضعها على حاجبه، ويسحبها وهو يقول: يا ثبوراه، وذريته خلفه، وهم يقولون: يا ثبورهم، حتى يقف على النار، ويقول: يا ثبوراه، ويقولون: يا ثبورهم، فيقال: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الفرقان: ١٤])126.
وجاء بيان مادة هذا اللباس في قوله تعالى: «(ﯕ ﯖ ﯗ) [إبراهيم: ٥٠].
أي: ثيابهم التي يلبسونها عليهم من قطران127، وهو الذي تطلى به الإبل، وهو ألصق شيء بالنار...»128.
وقد جعل ثيابهم من قطران؛ لأنه «شديد الحرارة يؤلم الجلد الواقع عليه»129؛ ولأن «النار إذا لفحته قوي اشتعالها»130.
والقطران تجتمع فيه صفات أربع: أنه يحرق الجلد؛ ولذا تطلى به الإبل الجرب، وأنه يسرع فيه اشتعال النار، وأنه أسود اللون، منتن الريح، فإذا طليت به جلود أهل النار عاد طلاؤه لهم كالسرابيل -وهي القمص-؛ لتجتمع عليهم الأربع: لذع القطران وحرقته، وإسراع النار في جلودهم، واللون الوحش، ونتن الريح131.
«فمشهد المجرمين اثنين اثنين مقرونين في الوثاق، يمرون صفًا وراء صف، مشهد مذل دال كذلك على قدرة القهار، ويضاف إلى قرنهم في الوثاق أن سرابيلهم وثيابهم من مادةٍ شديدة القابلية للالتهاب، وهي في ذات الوقت قذرة سوداء من قطران، ففيها الذل والتحقير، وفيها الإيحاء بشدة الاشتعال بمجرد قربهم من النار»132.
رابعًا: سكن أهل النار:
النار هي الدار التي أعدها الله للكافرين والمجرمين، فهي سكنهم ومستقرهم، وهي مأواهم الذي لا مأوى لهم سواها، ولا مولى لهم إياها، جعلها الله سجنًا لهم، لا يجدون لهم منه مفرًا ولا مخرجًا.
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [يونس: ٨].
وقال: (ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [آل عمران: ١٥١].
وقال أيضًا: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ) [إبراهيم: ٢٨-٢٩].
وقال: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [النازعات: ٣٧-٣٩].
وإذا كان السكن غايته تحصيل معاني الطمأنينة والسكينة والراحة، فإن سكن أهل النار ليس فيه شيء من ذلك ألبتة، ففيه يعذبون أشد العذاب، ويلاقون من أنواع المهانة والصغار ما تعجز عن وصفه أكثر أقلام الكاتبين تشاؤمًا، فهو سكنٌ لا راحة فيه، ولا نوم فيه، طعامهم فيه عذاب، وشرابهم فيه عذاب، وثيابهم فيه عذاب، وفرشهم فيه عذاب. وصدق الله العظيم إذ يقول: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الفرقان: ٦٦].
ويمكننا أن نستخرج من آيات القرآن أهم صفات هذا المسكن من خلال ما يأتي:
لما كانت جهنم سجنًا لساكنيها فقد جعلها الله محيطة بهم إحاطة السوار بالمعصم.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الكهف: ٢٩].
والمراد من ضرب هذا السرادق «ألا يكون لهم مخلص منها ولا فرجة يتفرجون بالنظر إلى ما وراءها من غير النار، بل هي محيطةٌ بهم من كل الجوانب»133.
فلا فرجة لهم ينظرون منها إلى ما وراءها من غير النار، ولا هي تطال أحدًا غيرهم، فقد اجتمع عذابها بكامل لهبها ودخانها وشررها عليهم، لا يضيع منه شيء في هواء أو فضاء؛ لأنها محيطة بهم، مغلقة عليهم.
جهنم مسكن لمن قدر الله عليه أن يكون من أهلها، وهذا المسكن على سعته واتساعه إلا أنهم فيها في ضيق، ضيقٌ يحيط بأبدانهم زيادة على الضيق الذي يملأ صدورهم.
قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الفرقان: ١٣].
وقد ذكر بعض العلماء في قوله: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الهمزة: ٨-٩].
أن العمد بمعنى القصبة المجوفة تضيق عليهم134.
وإذا كان من «جمع في مكانٍ يجمع بين ضيق المكان وتزاحم السكان، وتقرينهم بالسلاسل والأغلال»135، فهل بعد هذا عذاب؟!
أهل النار مقيمون فيها إقامة جبرية لا خيار لهم في الخروج منها إلى غيرها؛ لأنها مغلقة عليهم، فلا يجدون سبيلًا للخروج، ولا طريقًا للخلاص.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ) [الهمزة: ٨]. ومعناه: مطبقة أو مغلقة136.
و«معنى إيصادها عليهم: ملازمة العذاب واليأس من الإفلات منه، كحال المساجين الذين أغلق عليهم باب السجن»137.
وبهذا يسد عليهم كل طريقٍ للفرار إلا طريقًا واحدًا وهو الفرار إلى وادٍ من الحميم.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الرحمن: ٤٤].
يقول ابن عاشور رحمه الله: «يمشون بين مكان النار وبين الحميم، فإذا أصابهم حر النار طلبوا التبرد، فلاح لهم الماء، فذهبوا إليه فأصابهم حره، فانصرفوا إلى النار دواليك»138. ففرارهم من عذابٍ إلى عذاب.
بين القرآن الكريم سبل الوقاية من النار حتى يسلكها العبد للنجاة من النار وعذابها، وسوف نتناولها بالبيان فيم يأتي:
أولًا: توحيد الله:
التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وتنزيهه عن كل ند وشريك ومثيل، وهو أشرف المقامات وأعلاها على الإطلاق، وهو رأس الأمر، وأصل الدين الذي لا يقبل الله من الأولين والآخرين دينًا غيره، ولأجله أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأنبياء: ٢٥].
وهو أعظم حقٍ لله تعالى على عبيده، ففي الصحيحين من حديث معاذٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا)139.
ولما كان توحيد الرب جل جلاله بهذه القيمة وذاك الشرف كان -لا شك- أعظم أسباب النجاة من النار، ويتبين ذلك من خلال ما يأتي:
باب مغفرة الذنوب والطمع في تجاوز الله عنها مفتاحه واحد هو توحيد الله، ولا يغلق هذا الباب إلا بقفل واحد هو بالموت على الشرك، وقد جاء بيان هذه الحقيقة في القرآن في كثير من الآيات، أظهرها قوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء: ٤٨].
وقوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء: ١١٦].
«فالمشرك قد سد على نفسه أبواب المغفرة، وأغلق دونه أبواب الرحمة فلا تنفعه الطاعات من دون التوحيد، ولا تفيده المصائب شيئًا؛ ولهذا قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء: ٤٨].
وفي الحديث القدسي قال رب العزة: (ومن لقيني بقراب الأرض خطيئةً لا يشرك بي شيئًا لقيته بمثلها مغفرةً)»140.
إذا كان التوحيد مفتاح المغفرة فلازم ذلك أنه مفتاح الجنة، فالجنة مفتوحة أبوابها للموحدين مهما كثرت ذنوبهم، مغلقة أبوابها أمام المشركين مهما كثرت فضائلهم، فالجنة محرمة عليهم؛ لأنهم اخترقوا حرمة التوحيد، وتنكروا لنعم الله وأفضاله عليهم.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المائدة: ٧٢].
وقال صلى الله عليه وسلم: (من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار)141.
فالتوحيد من أعظم الأمور التي تكفل له النجاة يوم أن يلقى خالقه، ويقبل على ربه ومولاه، وقد أمر الله كل من يرجو لقاءه ويخاف عقابه بالتخلص من الشرك قال تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ) [الكهف: ١١٠].
يقول ابن عاشور: «المعنى: يوحي الله إلي توحيد الإله، وانحصار وصفه في صفة الوحدانية دون المشاركة، وتفريع (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الكهف: ١١٠].
هو من جملة الموحى به إليه، أي يوحى إلي بوحدانية الإله، وبإثبات البعث، وبالأعمال الصالحة، فجاء النظم بطريقة بديعة في إفادة الأصول الثلاثة؛ إذ جعل التوحيد أصلًا لها، وفرع عليه الأصلان الآخران، وأكد الإخبار بالوحدانية بالنهي عن الإشراك بعبادة الله تعالى »142.
وهكذا يظهر ما للتوحيد من أثرٍ عظيم في نجاة العبد يوم القيامة، ووقايته من الجحيم.
الآخرة فيها أهوال جسام وشدائد عظام يشيب من هولها الولدان، والناس فيها سيكونون في فزعٍ عظيم، ورعبٍ شديد.
قال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النمل: ٨٧].
وتوحيد الرب جل وعلا ونفي الشريك عنه من أعظم ما ينجي العبد ويؤمنه في الدنيا قبل الآخرة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام: ٨٢].
(ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ)، أي: «لم يخلطوا إيمانهم بشرك»143.
(ﭘ ﭙ)، أي: «الأمن من عذاب الدنيا بالاستئصال ونحوه، ومن عذاب الآخرة»144.
فلا أمن ولا أمان من النار إلا لمن وحد ربه وأفرده وأخلص له عمله، وكلما كان العبد أكثر تحققًا بمقام التوحيد كان أكثر أمانًا يوم القيامة ولا شك.
ولما كان التوحيد هو سبب الأمن كان الشرك على نقيضه، يقول جل جلاله: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الحج: ٣١].
«هذه هي صورة من تزل قدماه عن أفق التوحيد، فيهوي إلى درك الشرك، فإذا هو ضائع ذاهب بددًا، كأن لم يكن من قبل أبدًا، إنه الهوي من أفق الإيمان السامق إلى حيث الفناء والانطواء؛ إذ يفقد القاعدة الثابتة التي يطمئن إليها، قاعدة التوحيد، ويفقد المستقر الآمن الذي يثوب إليه فتتخطفه الأهواء تخطف الجوارح، وتتقاذفه الأوهام تقاذف الرياح، وهو لا يمسك بالعروة الوثقى، ولا يستقر على القاعدة الثابتة التي تربطه بهذا الوجود الذي يعيش فيه»145.
وهكذا يظهر أن التوحيد هو أعظم أسباب الوقاية من النيران، جعلنا الله من أهل توحيده وطاعته.
ثانيًا: اتباع الرسل:
اتباع الرسل وطاعتهم من أعظم أسباب نجاة العبد من النيران وإسكانه الجنان؛ ولذا حض الله في القرآن على لزوم طاعة الأنبياء والرسل، وبين أنه من أعظم أسباب النجاة في الآخرة.
قال عز وجل: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النساء: ١٥٢].
فالإيمان بالله تعالى وبرسله واتباعهم، وعدم التفريق بين أحد منهم في أصل الإيمان بهم، يوجب أجرًا عظيمًا بقدر عظمة الواعد سبحانه.
ولاشك أن الإيمان بالرسل عامة واجب لا ينجو الإنسان يوم القيامة إلا بتحقيقه، وقد دلت الآيات الكثيرة على ذلك -كما سبق بيانه- غير أنه من الضروري أن ننبه على أهمية الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم خاصة؛ لأنه خاتم الأنبياء، وتكذيبه يعني: تكذيب كل الأنبياء والمرسلين، ومن كفر به وبما جاء به فقد بين الله تعالى في غير آية أنه من أهل النار، كما بين سبحانه أن طاعته تورث صاحبها جنات النعيم.
وقد اتخذت صور الإثابة المترتبة على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم صورًا عدة، منها:
الخلود في الجنة لاشك من أرفع ما تشرئب إليه الأعناق، ومنتهى ما تصل إليه الهمم، وقد وعدها الله من اتبع الرسول وأطاعه.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [النساء: ١٣].
«فهذا الجزاء الحسن قد أعده الله تعالى لمن أطاعه وأطاع رسوله صلى الله عليه وسلم الذي حمل إليه ما أمر الله به وما نهى عنه، إنه جنات تجرى من تحتها الأنهار، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وإنه الخلود في هذه الجنات والعيش الدائم في نعيمها»146.
وقال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الحديد: ٢١].
فهذه الجنة العظيمة، الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض، أعدها الله لمن آمن واتبع الرسل (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) وتأمل كيف أنه خص جل جلاله العرض بالذكر؛ «ليكون أبلغ في الدلالة على فرط اتساع طول الجنة؛ لأنه إذا كان عرضها كعرض السماء والأرض فإن العقل يذهب كل مذهب في تصور طولها، فقد جرت العادة أن يكون الطول أكبر من العرض»147.
فالإيمان بالرسل واتباعهم وطاعتهم إذًا من أعظم ما ينجي العبد يوم القيامة من النار، ويجعله من سكان جنة الأبرار.
صحبة الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين من أعظم الأمور التي قد يتطلع إليها الإنسان، فهي صحبة لأعظم ركب ميمون، ولأجل موكب ظهر في هذا الوجود، وهذه الصحبة الكريمة جعلها الله لمن أطاع النبي صلى الله عليه وسلم، وتقفى خطاه.
يقول تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [النساء: ٦٩].
فأنعم به من جزاء! فهل هناك صحبة أعظم من هذه الصحبة؟ بل إن صحبة الفريق الواحد من أعظم ما يبهج النفوس، ويشرح الصدور، فكيف بالمجموع؟!
وهذا من الخير العظيم والبركة الكبيرة لطاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه.
يقول تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الأحقاف: ٣١].
فقد بينت هذه الآية الكريمة أن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم وطاعة أمره، وتلبية دعوته، مما تغفر به الذنوب، ومما يجير العبد من عذاب الله، وهذا من الخير العظيم، فإنه متى «أجارهم من العذاب الأليم، فما ثم بعد ذلك إلا النعيم، فهذا جزاء من أجاب داعي الله»148.
فطاعة الرسول إذًا سبيل الوقاية من النيران، ونيل السعادة في الدنيا والآخرة.
وكما أن طاعة الرسول خلفها خير عظيم فإن عصيانه والكفر به يهلك العبد، ويجعله من أهل النار، وقد جاءت العديد من الآيات التي تحذر من مغبة الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو تكذيبه وعدم اتباعه.
ومن ذلك: قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [النساء: ١٤].
وهذه الآية تبين مغبة عصيان النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها مع عصيان الله تدخل صاحبها النار، وتورثه العذاب الأليم فيها.
وقوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الفرقان: ٢٧-٢٨].
فهذه الآية تبين حسرة من أعرض وخسرانه عن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم لما عاين أهوال القيامة، وأنه يتمنى ساعتها أن لو عاد إلى الدنيا؛ ليتخذ مع الرسول سبيلًا «فهي حالة تكشف عن سبب الحسرة التي تملأ قلب الظالم في هذا اليوم، وهو أنه قد كان على طريق مخالف لطريق النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه دعي إلى الإيمان فأبى، ولم يتخذ مع الرسول سبيلًا، بل اتخذ سبيله مع الضالين والظالمين من أمثاله الذين أغووه وأغواهم، فكانوا حزبًا على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وهذا ما يشير إليه قوله جل جلاله على لسان هذا الظالم: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ)»149.
وقال سبحانه أيضًا مبينًا ما يتمناه أهل النار وهم يعذبون فيها: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأحزاب: ٦٦].
«إنهم يتمنون أن لو أطاعوا الرسول لكنها أمنية ضائعة، لا موضع لها ولا استجابة، فقد فات الأوان، وإنما هي الحسرة على ما كان»150.
فهذه الآيات وغيرها تبين جميعًا سوء عاقبة من كذب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به، ولم يتبعه فيما أمر به ونهى عنه، فكان مرده إلى خسران مبين كما أوضحت الآيات الكريمات.
ولما كانت طاعة الرسل وحسن اتباعهم سبيل عظيم للوقاية من النيران، كان تكذيبهم من أكثر ما يورد الإنسان النار، ولقد توعد الله المكذبين للرسل بعقوبات أخروية.
قال سبحانه: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [غافر: ٧٠-٧٤].
ففي هذه الآيات بين سبحانه العاقبة الوخيمة لمن كذب بالكتاب وكذب الرسل، وتأمل كيف أن الله قال: (ﮓ ﮔ) ففي «هذا تهديدٌ شديدٌ، ووعيدٌ أكيدٌ من الرب -جل جلاله -لهؤلاء»151.
والمعنى: أنهم سوف يعلمون «سوء عاقبة تكذيبهم لأنبياء الله تعالى، ولكتبه التي أنزلها عليهم»152.
وشرعت الآيات بعد ذلك في بيان عاقبتهم وكيف أنها إلى جهنم، حيث تجعل السلاسل في أعناقهم وأرجلهم، ويسحبون في الحميم، أي: «الماء الذي اشتد غليانه وحره»153. ومما يظهر شدة إهانتهم وإذلالهم ذكر الآيات أنهم يسجرون في النار، أي: «يوقد عليهم اللهب العظيم، فيصلون بها، ثم يوبخون على شركهم وكذبهم، ويقال لهم: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [غافر: ٧٣]»154 إنها -كما يقول صاحب الظلال-: «الإهانة والتحقير في العذاب، لا مجرد العذاب»155. وهكذا تظهر شؤم عاقبة التكذيب بالرسل، وأنها سبب العذاب والخزي في الدنيا والآخرة.
فعل الخيرات والإكثار من الصالحات من أكثر الأمور التي تقي العبد من النيران، وأما اقتراف المنكرات والسيئات فمن أكثر ما يزج به في السعير.
قال تعالى مرغبًا في فعل الخير: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الحج: ٧٧].
وقال جل جلاله آمرًا بالاحتراز من بعض المنكرات: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحج: ٣٠].
وقد ذكر عز وجل في كتابه الكثير من الخيرات، ورغب في فعلها؛ لتقود العبد إلى جنة ربه، كما ذكر العديد من المنكرات وحذر منها؛ لأنها تقود العبد إلى النار.
وفيما يلي إشارة إلى بعض هذه المنكرات وتلك الخيرات دون استقصاء لها؛ لأن استقصاءها يطول، ويخرجنا عن المقصود، وإنما هي شارات على منارات.
إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيمان بالرسل ونصرتهم، والتصدق.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [المائدة: ١٢].
(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) «وعد عظيم، فمن كان الله معه فلا شيء إذن ضده، ومهما يكن ضده من شيء فهو هباء لا وجود -في الحقيقة- له ولا أثر، ومن كان الله معه فلن يضل طريقه، فإن معية الله جل جلاله تهديه كما أنها تكفيه، وعلى الجملة فمن كان الله معه فقد ضمن وقد وصل، وما له زيادة يستزيدها على هذا المقام الكريم.
ولكن الله جل جلاله لم يجعل معيته جزافًا ولا محاباة ولا كرامة شخصية منقطعة عن أسبابها وشروطها عنده، إنما هو عقد، فيه شرط وجزاء، شرطه: إقامة الصلاة، لا مجرد أداء الصلاة، إقامتها على أصولها التي تجعل منها صلة حقيقية بين العبد والرب، وعنصرًا تهذيبيًا وتربويًا وفق المنهج الرباني القويم، وناهيًا عن الفحشاء والمنكر، حياء من الوقوف بين يدي الله بحصيلة من الفحشاء والمنكر.
وإيتاء الزكاة اعترافًا بنعمة الله في الرزق وملكيته ابتداء للمال، وطاعة له في التصرف في هذا المال وفق شرطه، وهو المالك والناس في المال وكلاء.
والإيمان برسل الله كلهم دون تفرقة بينهم، فكلهم جاء من عند الله، وكلهم جاء بدين الله، وعدم الإيمان بواحد منهم كفر بهم جميعًا، وكفر بالله الذي بعث بهم جميعًا.
وليس هو مجرد الإيمان السلبي إنما هو العمل الإيجابي في نصرة هؤلاء الرسل، وشد أزرهم فيما ندبهم الله له، وفيما وقفوا حياتهم كلها لأدائه، فالإيمان بدين الله من مقتضاه أن ينهض المؤمن لينصر ما آمن به، وليقيمه في الأرض، وليحققه في حياة الناس.
وبعد الزكاة إنفاق عام يقول عنه الله تعالى إنه قرض لله، والله هو المالك وهو الواهب، ولكنه فضلًا منه ومنة يسمي ما ينفقه الموهوب له -متى أنفقه لله- قرضًا لله.
ذلك كان الشرط، فأما الجزاء: تكفير السيئات، والإنسان الذي لا يني156 يخطئ، تكفير السيئات بالنسبة إليه جزاء ضخم، ورحمة من الله واسعة، وتدارك لضعفه وعجزه وتقصيره.
وجنة تجري من تحتها الأنهار، وهي فضل خالص من الله، لا يبلغه الإنسان بعمله، إنما يبلغه بفضل من الله، حين يبذل الجهد، فيما يملك وفيما يطيق»157.
الولاء والبراء من أعظم الأعمال وأجلها، وهو الرابطة التي يجتمع عليها المسلمون في شتى البقاع والأنحاء، وهو من لوازم الإيمان بالله ورسوله، بل ما يكون العبد خالص الإيمان بالله ورسوله حتى يوالي في الله، ويعادي في الله، ويحب في الله، ويبغض في الله، ويعطي لله، ويمنع لله.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [المجادلة: ٢٢].
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) أي: لا يجتمع هذا وهذا، فلا يكون العبد مؤمنًا بالله واليوم الآخر حقيقة إلا كان عاملًا على مقتضى الإيمان ولوازمه، من محبة من قام بالإيمان وموالاته، وبغض من لم يقم به ومعاداته، ولو كان أقرب الناس إليه.
وهذا هو الإيمان على الحقيقة الذي وجدت ثمرته والمقصود منه، وأهل هذا الوصف هم الذين كتب الله في قلوبهم الإيمان، أي: رسمه وثبته وغرسه غرسًا لا يتزلزل، ولا تؤثر فيه الشبه والشكوك.
وهم الذين قواهم الله بروح منه، أي: بوحيه ومعونته ومدده الإلهي، وإحسانه الرباني.
وهم الذين لهم الحياة الطيبة في هذه الدار، ولهم جنات النعيم في دار القرار التي فيها من كل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين وتختار158.
«وأما من يزعم أنه يؤمن بالله واليوم الآخر وهو مع ذلك موادٌ لأعداء الله، محبٌ لمن ترك الإيمان وراء ظهره، فإن هذا إيمان زعمي لا حقيقة له، فإن كل أمر لا بد له من برهان يصدقه، فمجرد الدعوى لا تفيد شيئًا، ولا يصدق صاحبها»159.
فتأمل -رحمك الله- كيف جمع لهم هذا العمل هذه الجزاءات العظيمة: كتب في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروحٍ منه، ويدخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، رضي الله عنهم ورضوا عنه، أولئك حزب الله، فما أعظمه من عمل وما أجله!
من خلال النظر في مواضع ورود النار في القرآن، وتتبع أسمائها وأوصافها تبين أن هناك العديد من المعاصي التي تكون سببًا في دخولها، منها:
أولًا: الكفر والشرك:
الكفر والشرك أعظم الأسباب التي تورد الإنسان الخلود في الجحيم، وقد جاءت العديد من الآيات في القرآن التي تحدثت عن سوء عاقبة الكفر، وشناعة مصير المشركين.
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأحزاب: ٦٤-٦٦].
(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [غافر: ٤٩-٥٠].
وقال: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [فاطر: ٣٦].
وتأمل كيف «وقع الإخبار عن نار جهنم بأنها (ﮨ) بلام الاستحقاق؛ للدلالة على أنها أعدت لجزاء أعمالهم»160. جهنم بما فيها أعدت لتكون جزاء لكفرهم، فما أخبثها من عاقبة! وما أبشعها من نهاية!
وبين سبحانه أن الكفار والمشركين في نار جهنم خالدين، وأنهم شر البرية.
قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البينة: ٦].
كما أخبر سبحانه أن المشرك يحرم الجنة، وأن مأواه النار، وبئس المصير.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المائدة: ٧٢].
فالمشرك بالله شركًا أكبر مقطوع بحرمانه من الجنة، وخلوده في النار أبدًا؛ إذ قضى الله عز وجل بجواز غفرانه كل الذنوب إلا الشرك، فإنه لا يغفره أبدًا، قال جل جلاله: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء: ٤٨].
ثانيًا: النفاق:
من أكثر أسباب الهلاك التي تورد صاحبها النار؛ ليذوق فيها أشد ألوان الهوان وأخبثها -النفاق.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [التوبة: ٦٨].
هذا هو الجزاء الذي أعده الله لأهل النفاق والكفر، نار جهنم خالدين فيها، لا يتحولون عنها أبدًا، هي حسبهم، أي: هي كل ما لهم عند الله، لا شيء لهم غيرها، ثم من وراء جهنم وعذابها، لعنة الله القائمة عليهم، وعذاب مقيم لا يفتر عنهم، وهم فيه مبلسون161.
وقال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النساء: ١٤٥].
«إنه مصير يتفق مع ثقلة الأرض التي تلصقهم بالتراب، فلا ينطلقون ولا يرتفعون، ثقلة المطامع والرغائب، والحرص والحذر، والضعف والخور. الثقلة التي تهبط بهم إلى موالاة الكافرين، ومداراة المؤمنين، والوقوف في الحياة ذلك الموقف المهين، مذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، فهم كانوا في الحياة الدنيا يزاولون تهيئة أنفسهم وإعدادها لذلك المصير المهين، في الدرك الأسفل من النار»162. «وتأكيد الخبر بـ (ﮪ) لإفادة أنه لا محيص لهم عنه، وإنما كان المنافقون في الدرك الأسفل، أي: في أذل منازل العذاب؛ لأن كفرهم أسوأ الكفر لما حف به من الرذائل»163.
ثالثًا: أكل الربا:
أكل الربا من أعظم الذنوب التي توبق صاحبها وترديه، قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [البقرة: ٢٧٥].
فمع محق أموال المرابين وسحقها توعدهم ربهم يوم القيامة بهذه الحال العجيبة.
قال تعالى: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) التي هي أشبه ما يكون بحال المجانين، ثم هم من الخالدين في جهنم، عياذًا بالله.
رابعًا: أكل أموال اليتامى:
من الأسباب التي تجعل المرء وقودًا لجهنم أكل أموال اليتامى.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ) [النساء: ١٠].
«وهذا أعظم وعيد ورد في الذنوب يدل على شناعة أكل أموال اليتامى وقبحها، وأنها موجبة لدخول النار، فدل ذلك أنها من أكبر الكبائر»164.
إن مال اليتيم هو نارٌ تحرق كل من يمد إليه يدًا خائنة، أو يدسه في بطنٍ شرهةٍ، فمن أكل منه احترق به في الدنيا، وصلى به عذاب جهنم في الآخرة165.
خامسًا: أكل أموال الناس بالباطل:
أكل أموال الناس بالباطل من أعظم الذنوب وأخطرها، وهو ذنب يأخذ بناصية صاحبه إلى النار وبئس القرار.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [النساء: ٢٩ -٣٠].
قال ابن كثير: «أي: ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه متعديًا فيه ظالمًا في تعاطيه، أي: عالمًا بتحريمه، متجاسرًا على انتهاكه (ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد، فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد»166.
سادسًا: قتل المؤمن عمدًا:
قتل المؤمن بغير حق من أقبح الجرائم وأفحشها؛ لأنها ليست مجرد جريمة قتل لنفس بغير حق «ولكنها كذلك جريمة قتل للوشيجة العزيزة الحبيبة الكريمة العظيمة التي أنشأها الله بين المسلم والمسلم، إنها تنكر للإيمان ذاته، وللعقيدة نفسها»167.
ولذا توعد الله مرتكبها بعقاب أليم، قال جل جلاله: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء: ٩٣].
ولجرم هذه الفعلة وشناعتها رتب الله عليها جزاءات قلما جمعها في فعلة غيرها في آية واحدة، فقد توعد الله قاتل المؤمن بالخلود في جهنم، وبالغضب عليه، وباللعن له، وبالعذاب العظيم.
«وعلى قدر ما كانت رحمة الله وعفوه عن القاتل خطأ، بقدر ما كانت نقمة الله وغضبه ولعنته على القاتل عمدًا؛ ولهذا كان إهلاك هذه النفس المجرمة والقصاص منها في الدنيا هو الحكم الذي يؤخذ به قاتل النفس المؤمنة عمدًا، وإنه لا وجه لاستبقائه في هذه الحياة، ولا داعية لاستصلاحه، فقد وقع عليه غضب الله ولعنته، منذ أول قطرة دم سفكها من دم هذا المؤمن البريء (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [النساء: ٥٢]»168.
سابعًا: التولي يوم الزحف:
والتولي يوم الزحف من أكبر الكبائر التي تزج بصاحبها في جهنم.
قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ) [الأنفال: ١٥-١٦].
والتولي يوم الزحف يستحق هذا التشديد؛ «لضخامة آثاره الحركية من ناحية، ولمساسه بأصل الاعتقاد من ناحية، إن قلب المؤمن ينبغي أن يكون راسخًا ثابتًا لا تهزمه في الأرض قوة، وهو موصول بقوة الله الغالب على أمره، القاهر فوق عباده، وإذا جاز أن تنال هذا القلب هزة -وهو يواجه الخطر- فإن هذه الهزة لا يجوز أن تبلغ أن تكون هزيمة وفرارًا، والآجال بيد الله، فما يجوز أن يولي المؤمن خوفًا على الحياة»169.
و«في التعبير عن الصد عن العدو والفرار منه بتولية الدبر، تشنيعٌ على من يأتي هذا الفعل وفضحٌ له؛ إذ كان كأنما يكشف سوأته لعدوه أو يعطيه دبره»170.
ثامنًا: الركون إلى الظالمين:
حذر الله جل جلاله من موالاة الظالمين أو الركون إليهم، وبين سبحانه أن من فعل هذا يعرض نفسه لمس النار، قال عز وجل: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [هود: ١١٣].
وذلك لأن الركون إليهم يعني: إقرارهم على ما هم عليه من الباطل والمنكر، وهذا مما يعرض العبد للفحات جهنم، كما بينت الآية الكريمة، «وأما مداخلتهم لدفع ضرر أو اجتلاب منفعة عاجلة فغير داخل في الركون»171.
تاسعًا: عدم النهوض بالتكاليف الشرعية:
وهذا ما بينه تعالى في حوار بين أهل الجنة وأهل النار، حين يسأل أهل الجنة أهل النار عن أسباب صليهم الجحيم.
قال تعالى: (ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ ﰥ ﰦ ﰧ ﰨ ﰩ ﰪ ﰫ ﰬ ﰭ ﰮ ﰯ ﰰ ﰱ ﰲ) [المدثر: ٤٢-٤٧].
وهذا الحوار يبين «أن الذي سلكهم في سقر هو أنهم لم يكونوا من المصلين، أي: لم يكونوا مؤمنين؛ لأنهم لو كانوا مؤمنين لكانوا من المصلين، وأنهم لم يكونوا يؤدون حق عباد الله فيما خولهم الله من نعم، فلم يطعموا المساكين، ولم يخرجوا زكاة أموالهم التي منها يطعم المسكين، وأنهم يخوضون مع الخائضين، فلم يتأثموا من منكر، ولم يتحرجوا من فاحشة، بل كانوا مع كل جماعة ضالة، وعلى كل مورد آثم، وأنهم كانوا يكذبون بيوم الدين، أي: يوم القيامة، فلم يؤمنوا بالبعث والحساب والجزاء»172.
هذه جملة من الأسباب التي تورد الإنسان الهاوية، وتنتهي بصاحبها في السعير، وبئس المصير، وبما أنها كذلك فإن الحذر منها والبعد عنها يحفظ الإنسان من النيران، ويقيه شرها، فالله توعد الكفرة والمشركين بالجحيم -كما سبق- ولكنه أيضًا وعد المؤمنين بالجنان، والخير العظيم، قال عز وجل: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [التوبة: ٧٢].
وتوعد المكدسين للأموال والمانعين حق الله فيها بالسعير، ولكنه وعد المنفقين المتصدقين بالخير العميم: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [البقرة: ٢٧٤].
وهكذا.. فكل ما هو سبب لدخول الجحيم فالبعد عنه يقرب من الجنان والنعيم.
موضوعات ذات صلة: |
الثواب، الجزاء، الجنة، الحساب، القبر |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٣٦٨.
2 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٣٢١، المصباح المنير، الفيومي ٢/ ٦٢٩، لسان العرب، ابن منظور ٥/ ٢٤٠- ٢٤٢، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ١/ ٤٨٨.
3 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٥/ ١٢٦.
4 الجنة والنار، عمر الأشقر ص١١.
5 رسالة في أسس العقيدة، محمد السعوي ص٧٤.
6 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب النون، ص١٣٥٢-١٣٥٥.
7 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٤٣٩-٤٤٠.
8 انظر: الصحاح، الجوهري ٥/ ١٨٩٢، شمس العلوم، نشوان الحميري ٢/١٢٠١، مختار الصحاح، الرازي ص ٦٣.
9 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/١١٢.
10 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص١٢٣.
11 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص٣١١.
12 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٢١٣.
13 لسان العرب، ابن منظور ١/٧٤٣.
14 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٣٧٥.
15 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٥٤.
وانظر: الكليات، الكفوي ص١٣٧.
16 انظر: المفردات، الراغب ص٧٤٠، مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٦٤٢، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٥/١١٧٢.
17 انظر: العين، الفراهيدي ٨/١٥١.
18 أضواء البيان، الشنقيطي ٩/١٠١.
19 انظر: المفردات، الراغب ص٤١١، وإرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/١٤٨.
20 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٧٥.
21 الموسوعة القرآنية، إبراهيم الأبياري ٨/٢٦١.
22 التفسير الوسيط، طنطاوي ١٥/١٤.
23 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٢٠٣.
24 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٨٦.
25 المفردات، الراغب الأصفهاني ص١٨٧، وإرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/١٥٢.
26 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣٠٥، تفسير ابن أبي حاتم ٨/٢٧٨٤، البحر المحيط، أبو حيان ١/٥٧٠.
27 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/١٦٧.
28 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٨٤٩.
29 مفاتيح الغيب، الرازي ٥/٣٤٩.
وانظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/١٢٢.
30 والراجح أن نسبته له غير صحيحة، والصحيح عنه القول بأبديتها.
انظر: كشف الأستار لإبطال ادعاء فناء النار المنسوب لشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، علي الحربي ص٥٨.
31 انظر في الأقوال الثلاثة: الرد على من قال بفناء الجنة والنار، ابن تيمية ص٤٢، حادي الأرواح، ابن القيم ص٣٢٩-٣٣٢، شرح الطحاوية، ابن أبي العز ٢/٦٢٤، فتح الباري، ابن حجر ١١/٤٢١-٤٢٢، كشف الأستار في إبطال قول من قال بفناء النار، الشوكاني ٢/٧٨٩.
32 جامع البيان، الطبري ٢/٢٨٧.
33 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/١٥٩.
34 شرح الطحاوية، ابن أبي العز ٢/٦٢٩، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار، الصنعاني ١/١١٧.
35 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، ٨/١١٣، رقم ٦٥٤٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، ٤/٢١٨٩، رقم ٢٨٥٠.
36 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٤٨١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٥١-٣٥٢، شرح الطحاوية، ابن أبي العز ص٤٢٠.
37 انظر: شرح الطحاوية، ابن أبي العز ٢/٦٢٦، رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار، الصنعاني ص٨٧.
38 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/١٦٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٠٦.
39 قال الألباني في تعليقه على رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار ص٧١: «قلت: هذا أثر منقطع، لأن علي بن أبي طلحة لم يسمع عن ابن عباس، وإن كان معناه صحيحًا، على ما سيبينه المؤلف رحمه الله تعالى، ثم أن في الطريق إليه عبد الله بن صالح، وفيه ضعف، رواه عنه ابن جرير ١٣٨٩٢، وابن أبي حاتم أيضًا كما في تفسير ابن كثير، والأثر في الحادي ٢/١٧٣ غير معزو لابن تيمية صراحة، ولم يذكره الناقل عن ابن تيمية في مخطوطة المكتب».
40 عالج: رمال معروفة بالبادية، وتطلق على ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض.
انظر: لسان العرب، ابن منظور ٢/٣٢٦، معجم البلدان، ياقوت الحموي ٤/٧٠.
41 ضعيف: للانقطاع بين الحسن البصري وبين عمر رضي الله عنه.
وانظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة، الألباني ٢/٧٣، رفع الأستار، الصنعاني ص٦٥ مع تعليق الألباني عليه.
42 جامع البيان، الطبري ١٣/١٨.
وانظر: الرد على من قال بفناء الجنة والنار ص٦٩.
43 جلاء العينين في محاكمة الأحمدين، الألوسي ص٤٧٩.
44 رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار، الصنعاني ص١٢٦.
45 حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ص٣٨٧.
46 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء ٤/٢١٨٨، رقم ٢٨٤٨.
47 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٠٣.
48 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/١٦٧.
49 الوجبة: صوت سقوط الشيء.
انظر: النهاية، ابن الأثير ٥/١٥٤.
50 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدة حر نار جهنم ٤/٢١٨٤، رقم ٢٨٤٤.
51 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدة حر نار جهنم، ٤/٢١٨٤، رقم ٢٨٤٢.
52 أخرجه أحمد في مسنده، ٤١/٣٤٩، رقم ٢٤٨٥٦، والترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة الزمر، ٥/٣٧٢، رقم ٣٢٤١.
قال الترمذي: «هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه».
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ٢/١٠٤.
53 النهاية، ابن الأثير ٢/٣٥٩.
54 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٦١٨.
55 جامع البيان، الطبري ١/٣٨١-٣٨٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٠١-٢٠٢، التخويف من النار، ابن رجب ص١٣٦.
56 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدة حر نار جهنم، ٤/٢١٨٤، رقم ٢٨٤٣.
57 التفسير الميسر ص٥٨١.
58 المصدر السابق.
59 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٢٩٦.
60 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/٣٣٦.
61 التفسير الميسر ص٥٦٩.
62 الهامة: أعلى الرأس، وفيه الناصية.
انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٦/٢٤٧.
63 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٦٤٣.
64 مفردات القرآن، الفراهي ص٢٠٠.
65 التفسير الميسر ص ٥٧٦.
66 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٥٤٠.
67 التفسير الميسر ص٥٧٦.
68 السموم: الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن، واليحموم: دخانٌ أسود شديد السواد، والحميم: ماء متناهي الحرارة.
انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/ ٢١٣، محاسن التأويل، القاسمي ٩/١٢٤.
69 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٤٠٩ بتصرف يسير.
70 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٢٨.
وانظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٥١.
71 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٢٦٩.
72 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٣٣٧، مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٥١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٢٤٤، لسان العرب، ابن منظور ١٠/٤٢٢.
73 مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٥١.
74 التخويف من النار، ابن رجب ص٦٩.
75 المفردات، الراغب ١/٣١١.
76 لسان العرب، ابن منظور ٢/٢٦٦.
77 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٢٤٤.
78 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة درجات الجنة، ٤/٦٧٤، رقم ٢٥٢٩.
قال الترمذي: «هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ».
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٧٨١، رقم ٤٢٤٥.
79 لسان العرب، ابن منظور ١٠/٤٢٢.
80 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٢٤٤.
81 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٥٨.
82 جامع البيان، الطبري ١٢/١٢٥.
83 فتح القدير، الشوكاني ٥/٢٥.
84 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب قصة أبي طالب، ٥/٥٢، رقم ٣٨٨٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي، ١/١٩٤، رقم ٢٠٩.
85 لسان العرب، ابن منظور ١٠/٤٢٢.
86 هذا الأثر ضعيف، لأنه من طريق سلام المدائني، وهو ضعيف الحديث، كما في ميزان الاعتدال ٢/١٧٥.
انظر: التخويف من النار، ابن رجب ص٧٤.
87 الجنة والنار، عمر سليمان الأشقر ص١٢٥.
88 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٢٤٤.
89 مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢٥١ بتصرف.
90 المصدر السابق بتصرف.
91 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٣٦.
92 المصدر السابق ٨/٤٠٩.
93 الجنة والنار، عمر سليمان الأشقر ص١٢٥.
94 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب فضل شهر رمضان، ٢ /٧٥٨، رقم ١٠٧٩.
95 عن الخليل بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ تبارك وحم السجدة، وقال: [الحواميم سبعٌ، وأبواب جهنم سبعٌ: جهنم، والحطمة، ولظًى، وسعيرٌ، وسقر، والهاوية، والجحيم، قال: تجيء كل حم منها يوم القيامة، أحسبه قال: تقف على بابٍ من هذه الأبواب، فتقول: اللهم لا يدخل هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرؤني].
أخرجه البيهقي في البعث والنشور ١/٢٦٨-٤٦١، وقال: «هذا منقطعٌ، والخليل بن مرة فيه نظرٌ»، وأخرجه البيهقي في الشعب ٤/١٠٥-٢٢٥٠ بدون تسمية هذه الأبواب، وقال: هكذا بلغنا بهذا الإسناد المنقطع.
96 ورد عن ابن عباس أنه قال: (ﮬ ﮭ) أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم سعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.
انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٣٦، والدر المنثور ٥/٨٠. والأثر لا يصح عن ابن عباس؛ لأنه من رواية الضحاك، ورواية الضحاك عن ابن عباس منقطعة كما في الميزان ٢/٣٢٥، ووردت تسمية الأبواب أيضًا عن ابن جريج والأعمش، كما في الدر المنثور ٥/٨١-٨٢ وقولهما يحتاج إلى دليل.
وعن الضحاك في قوله: ( ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) قال: باب لليهود، وباب للنصارى، وباب للصابئين، وباب للمجوس، وباب للذين أشركوا -وهم كفار العرب- وباب للمنافقين، وباب لأهل التوحيد، فأهل التوحيد يرجى لهم ولا يرجى للآخرين أبدًا.
انظر: الدر المنثور ٥/٨٢، والأثر لا تصح نسبته إلى الضحاك؛ لأنه من رواية جويبر، وجويبر متروك الحديث كما في ميزان الاعتدال ١/٤٢٧.
وانظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٣٧.
97 الدر المنثور، السيوطي ٥/٨١.
98 جامع البيان، الطبري ٢٢/٤٣ باختصار وتصرف.
99 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٤١٤ بتصرف.
100 جامع البيان، الطبري ٢٣/٥٩١.
101 نعيم الجنة وعذاب النار، علي بن نايف الشحود ١/٧٣ بتصرف.
102 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢١٧.
103 نعيم الجنة وعذاب النار ١/٧٣.
104 صفة النار في القرآن والسنة ١/١٣٩ بتصرف.
105 مفاتيح الغيب، الرازي ٣١/١٤٠.
106 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٥٦.
107 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٢٧١.
108 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٢١.
109 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٥٤.
110 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٤١٥ بتصرف.
111 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٢٦٤.
112 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٨٥.
113 جامع البيان، الطبري ٢١/٢٢٦.
114 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٠٧.
115 الكشاف، الزمخشري ٤/١٠١.
116 المفردات، الراغب ص٤٧٧.
117 مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٧٩-٨٠ بتصرف.
118 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٢١١، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٠٩٣.
119 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٣٠٨، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٦٩.
120 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٥.
121 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٣٠٩.
122 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٦٩.
123 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٥٥.
124 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٤٠٦.
125 البعث والنشور، البيهقي ص٢٩٦.
126 أخرجه أحمد في مسنده، ٢١/٢١٩، رقم ١٣٦٠٣.
وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، ٣/٢٨٠، رقم ١١٤٣.
127 القطران: مادة سائلة تطلى بها الإبل الجرباء، وهو ألصق شيء بالنار.
انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٢٥٦، لسان العرب، ابن منظور ٥/١٠٥.
128 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٢٢.
129 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/ ٢٥٣ بتصرف.
130 غريب الحديث، ابن الجوزي ٢/ ٢٥٢.
131 الكشاف، الزمخشري ٢/ ٥٦٧.
132 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤ /٢١١٣.
133 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/٤٥٩.
134 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٩/١٠٢.
135 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٧٩.
136 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٥٢٢.
137 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٥٤١.
138 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/ ٢٦٤.
139 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستئذان، باب من أجاب بلبيك وسعديك، ٨/٦٠، رقم ٦٢٦٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان، ١/٥٨، رقم ٣٠.
140 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر، باب فضل الذكر والدعاء والتوبة، ٤/٢٠٦٨، رقم ٢٦٨٧.
141 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات مشركًا دخل النار، ١/٩٤، رقم ١٥٢.
142 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/١٩.
143 أيسر التفاسير، الجزائري ٢/ ٨٣.
144 التحرير والتنوير ٧/٣٣٣.
145 في ظلال القرآن ٤/٢٤٢١-٢٤٢٢ بتصرف.
146 التفسير القرآني للقرآن ٢/٧١٥.
147 المصدر السابق ٢٩/٢٠٥.
148 تيسير الكريم الرحمن ص٧٨٣.
149 التفسير القرآني للقرآن ١٠/١١ بتصرف.
150 في ظلال القرآن ٥/٢٨٨٣ بتصرف.
151 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٥٧.
152 التفسير الوسيط، سيد طنطاوي ١٢/٣١١.
153 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٤٢.
154 المصدر السابق.
155 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥ /٣٠٩٦.
156 الونى: الفترة في الأعمال والأمور والتواني، تقول: فلانٌ لا يني في أمره، أي: لا يفتر ولا يعجز.
انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٥/ ٣٩٨.
157 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢ /٨٥٧-٨٥٨ باختصار.
158 تيسير الكريم الرحمن ص٨٤٨.
159 المصدر السابق.
160 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/٣١٧.
161 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ٥/٨٣٨-٨٣٩.
162 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٧٨٥.
163 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٢٤٤ بتصرف.
164 تيسير الكريم الرحمن ص١٦٦.
165 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٢/٧٠٨.
166 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٧٠-٢٧١.
167 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٧٣٦.
168 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٣/٨٦٩.
169 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٤٨٩-١٤٩٠.
170 التفسير القرآني للقرآن ٥/٥٨١.
171 مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/ ٤٠٧.
172 التفسير القرآني للقرآن ١٥/١٣٠٤.