عناصر الموضوع
مكة
أولًا: موقع مكة:
إن مكة المكرمة هي: قبلة المسلمين، والحرم الآمن، وأم القرى، ومهبط الوحي، ومبعث خير البشر صلى الله عليه وسلم، وهي أشهر من أن تعرف، أو يكتب عنها باحث، فهي معروفة لكل المسلمين، ولكن يقتضي البحث العلمي عن مكة المكرمة التعريف بها وبمعالمها، وقد ذكر المؤرخون والجغرافيون المسلمون تعريفًا ووصفًا لمكة قديمًا بقولهم:
ومكة المكرمة هي: مدينة مقدسة لدى المسلمين، بها المسجد الحرام، والكعبة التي تعد قبلة المسلمين في صلاتهم، تقع غرب المملكة العربية السعودية، تبعد عن المدينة المنورة حوالي (٤٠٠) كيلو مترًا في الاتجاه الجنوبي الغربي، وعن مدينة الطائف حوالي (١٢٠) كيلو مترًا في الاتجاه الغربي، وعلى بعد (٧٢) كيلو مترًا من مدينة جدة وساحل البحر الأحمر، وأقرب الموانئ لها هو ميناء جدة، وأقرب المطارات الدولية لها هو مطار الملك عبد العزيز الدولي، وتقع مكة المكرمة عند تقاطع درجتي العرض (٢٥/ ٢١) شمالًا، والطول (٤٩/٣٩) شرقًا، ويعتبر هذا الموقع من أصعب التكوينات الجيولوجية، فأغلب صخورها جرانيتية شديدة الصلابة، وتبلغ مساحة مدينة مكة المكرمة حوالي (٨٥٠ كم٢)، منها (٨٨ كم٢) مأهولة بالسكان، وتبلغ مساحة المنطقة المركزية المحيطة بالمسجد الحرام حوالي (٦ كم٢)، ويبلغ ارتفاع مكة عن مستوى سطح البحر حوالي (٢٧٧) مترًا.
وكانت مكة في بدايتها عبارة عن قرية صغيرة تقع في وادٍ جافٍ تحيط بها الجبال من كل جانب، ثم بدأ الناس في التوافد عليها والاستقرار بها في عصر النبي إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وذلك بعدما ترك النبي إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وابنه إسماعيل عليه السلام في هذا الوادي الصحراوي الجاف، وذلك امتثالًا لأمر الله، فبقيا في الوادي حتى تفجر بئر زمزم، وقد بدأ خلال تلك الفترة رفع قواعد الكعبة على يد النبي إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام.
ويبلغ عدد سكان مكة بحسب إحصائيات عام (٢٠١٠ م) حوالي (١٦٧٥٠٠٠) نسمة، موزعين على أحياء مكة القديمة والجديدة، وتضم مكة العديد من المعالم الإسلامية المقدسة، لعل أبرزها المسجد الحرام، وهو أقدس الأماكن في الأرض؛ ذلك لأنه يضم الكعبة المشرفة قبلة المسلمين في الصلاة، كما أنه أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، وذلك حسب قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى)1، بالإضافة إلى ذلك، تعد مكة مقصد المسلمين في موسم الحج والعمرة إذ إنها تضم المناطق التي يقصدها المسلمون خلاله وهي مزدلفة، منى وعرفة2.
ثانيًا: أسماء مكة في القرآن:
كثرت أسماء مكة المكرمة في كتاب الله، وكثرة الأسماء دليل على شرف المسمى، والمتدبر في آيات القرآن الكريم يجد أن مكة المكرمة ورد ذكرها بأسمائها وصفاتها في مواضع عديدة، وتضمنت كتب التفسير والتاريخ عددًا كبيرًا من أسمائها، وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة منها: مكة، وبكة، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين، والمأمون، وأم رحم، وأم القرى؛ والبلدة والبنية والكعبة3، وسيكون الحديث موجزًا عن أسمائها في كتاب الله تعالى فمن ذلك:
١. مكة.
وهو أشهر أسمائها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الفتح:٢٤].
وفي سبب تسميتها أقوال:
الأول: سميت مكة؛ لأنها تجذب إليها خيرات الدينا أو لأنها عبدت الناس فيها فيأتونها من جميع الأطراف، من قولهم: امتك الفصيل أخلاف الناقة إذا جذب جميع ما فيها جذبًا شديدًا فلم يبق فيها شيئًا4.
الثاني: لازدحام الناس فيها 5.
الثالث: سميت مكة لقلة الماء بها، كأن ماءها قد امتك، وذلك أنهم كانوا يمتكون الماء فيها أي: يستخرجونه 6.
الرابع: سميت مكة؛ لأنها كانت تمك من ظلم فيها وألحد، أي: تهلكه»7.
الخامس: قيل: إن مكة وسط الأرض، والعيون والمياه تنبع من تحت مكة، فالأرض كلها تمك من ماء مكة»8.
السادس: إنما سميت مكة بذلك؛ لأنها قبلة أهل القرى ومحجهم ومجتمعهم وأعظم القرى شأنًا، وقيل: لأن الأرض دحيت من تحتها، أو لأنها مكان أول بيت وضع للناس»9.
٢. بكة.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [آل عمران:٩٦].
وسميت بذلك؛ لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة، إذا ألحدوا فيها بظلم10، بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها، وقيل: لأن الناس يتباكون فيها، أي: يزدحمون، وبكة بمعنى مكة والعرب تبدل الميم باء، كما في لازم ولازب 11.
٣. أم القرى.
قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنعام:٩٢].
وقال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الشورى:٧].
وأم القرى هي مكة باتفاق المفسرين، أي: أصل القرى؛ وسميت بذلك؛ لأنها أول بيت وضع بها ومنها دحيت12؛ ولأنها كانت أعظم القرى شأنًا وأقدمها وأشهرها 13.
قال الإمام السمعاني: «وأم القرى مكة: وسميت أم القرى؛ لأن سائر القرى يقصدونها ويأتونها، وقيل: لأن الأرض دحيت من تحتها، وقيل: لأنها معظمة تقصد بالتعظيم، ومنه سميت الأم أمًا؛ لأنها تعظم»14.
٤. البلد الأمين.
وهذا الاسم ثبت لمكة بقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [التين:١-٣].
والمعنى: وهذا البلد الآمن من أعدائه أن يحاربوا أهله، أو يغزوهم، وقيل: الأمين، ومعناه: الآمن، أي: هما بمعنى واحد، والعرب تقول للآمن: أمين، وهذا كقوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [العنكبوت:٦٧]وإنما عني بقوله: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [التين:٣]يعني: البلد الحرام مكة، يأمن فيه الخائف في الجاهلية والإسلام15.
٥. البلدة.
وهذا الاسم ورد في قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النمل:٩١] والبلدة، مكة التي حرمها أن يسفكوا فيها دمًا حرامًا، أو يظلموا فيها أحدًا، أو يصيدوا صيدها، أو يقطعوا شجرها16.
قال الإمام الماوردي في تفسير قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النمل:٩١]«فيها قولان: أحدهما: مكة، قاله ابن عباس. الثاني: منى، قاله أبو العالية، وتحريمها هو تعظيم حرمتها والكف عن صيدها وشجرها»17.
وقال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [النمل:٩١] « يعني: مكة التي عظم الله حرمتها، أي: جعلها حرمًا آمنًا، لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصاد فيها صيد، ولا يعضد فيها شجر»18.
٦. الكعبة.
هي من أسماء مكة؛ لقوله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ) [المائدة:٩٥].
أي: واصلًا إلى الكعبة، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح هناك، ويفرق لحمه على مساكين الحرم، كقوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الحج:٣٣]19.
والكعبة جزء من مكة، وإطلاقها على مكة من إطلاق الجزء على الكل.
قال الإمام ابن الجوزي: « (ﯲ ﯳ ﯴ) المراد: الحرم كله؛ لأنه لا يذبح في الكعبة، ولا في المسجد الحرام»20.
والكعبة هي: بيت الله الحرام الذي في وسط المسجد الحرام، مربع الشكل، بابها مرتفع عن الأرض، قيل: سميت بذلك لتربيعها21.
٧. الحرم الآمن.
قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [القصص:٥٧].
وقال سبحانه: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [العنكبوت:٦٧].
فالثمرات تجبى لمكة شرفها الله من كل مكان في حاضر الزمان وغابره، وإنما سماه الله حرمًا آمنًا؛ لأنه كان في الجاهلية معاذًا لمن استعاذ به، وكان الرجل منهم لو لقي به قاتل أبيه أو أخيه، لم يهجه ولم يعرض له حتى يخرج منه22.
٨. المسجد الحرام.
اسم من أسماء مكة، وله عدة إطلاقات، فهو اسم لمكة، واسم لمسجد الكعبة وقد يمتد إلى حدود الحرم.
وقد تكرر ورود لفظ المسجد الحرام في القرآن الكريم في خمسة عشر موضعًا، منها:
قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [البقرة:١٤٤].
وقوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [المائدة:٢].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الإسراء:١].
وقوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الحج:٢٥].
والمسجد الحرام في هذه الآيات يراد به مكة وجميع الحرم فيه23.
ضمت مكة المكرمة مع الكعبة المشرفة آيات بينات ومشاعر معظمة وأهم مواضع مكة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم هي:
١. المسجد الحرام.
هو أول مسجد وضع في الأرض، وأعظم المساجد وأفضلها، وأهم موضع في مكة، وهو اسم لمسجد الكعبة، وقد يمتد إلى حدود الحرم.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [البقرة:١٤٤].
والمسجد الحرام في هذه الآية يراد به مكة، وجميع الحرم فيه24.
٢. مقام إبراهيم.
وهو الحجر الذي كان يقف عليه إبراهيم أثناء بناء الكعبة، حين كان يرفع القواعد من البيت هو وابنه إسماعيل عليهما السلام، والمقام آية من آيات الله في الحرم المكي، وذلك أن أثر قدم إبراهيم ظاهر في الحجر.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [آل عمران:٩٧].
وقد أمر الله تعالى بالصلاة عنده قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة:١٢٥].
أي: واتخذوا من مقام إبراهيم مكانًا للصلاة فيه، أي: تصلى فيه ركعتي الطواف25.
٣. الصفا والمروة.
هما في الأصل جبلان صغيران قرب الكعبة من جهة الشرق، وهما إحدى مشاعر الحج والعمرة، ويكون السعي بينهما سبعة أشواط يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة:١٥٨].
فالصفا رأس المسعى الجنوبي، والمروة رأس المسعى الشمالي، وهما من معالم دين الله الظاهرة التي تعبد الله عباده بالسعي بينهما، فمن قصد الكعبة حاجًا أو معتمرًا، فعليه أن يسعى بينهما26.
والصفا: الحجارة البيض، والمروة: الحجارة السود، واشتقاق الصفا من قولهم: صفا يصفو إذا خلص، وهو جمع واحده صفاة، أو أن الصفا: الحجارة الصلبة التي لا تنبت شيئا، والمروة: الحجارة الرخوة، وهذا أظهر القولين في اللغة27، والصفا والمروة: منسكان من مناسك الحج، والسعي فيهما واجب في الحج والعمرة28.
٤. عرفات.
ذكرها الله تعالى في قوله: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [البقرة:١٩٨].
أي: إذا دفعتم بعد غروب الشمس راجعين من عرفات، وهي المكان الذي يقف فيه الحجاج يوم التاسع من ذي الحجة، والوقوف في عرفة: ركن لا يدرك الحج إلا به، فمن فاته الوقوف في وقته وموضعه فقد فاته الحج، ووقت الوقوف يدخل بزوال الشمس من يوم عرفة، ويمتد إلى طلوع الفجر من يوم النحر، وذلك نصف يوم وليلة كاملة29.
وعرفة هو: جبل يقع علي بعد (٢٠) كيلو متر شرقي مكة، تقام عنده أهم مناسك الحج، والتي تسمى بوقفة عرفة وذلك في يوم التاسع.
واختلف المفسرون في سبب تسمية المكان بعرفة على أقوال: أحدها: أن آدم عرف فيه حواء بعد أن أهبطا من الجنة، والثاني: أن إبراهيم عرف المكان عند الرؤية، لما تقدم له في الصفة، والثالث: أن جبريل عرف فيه الأنبياء مناسكهم، والرابع: أنه سمي بذلك لعلو الناس فيه، والعرب تسمي ما علا عرفة وعرفات، ومنه سمي عرف الديك لعلوه30.
٥. المزدلفة.
وهي المشعر الحرام، والمشعر المعلم لأنه معلم العبادة، ووصف بالحرام لحرمته، وسميت المزدلفة: جمعًا؛ لأن آدم عليه السلام اجتمع فيها مع حواء وازدلف إليها، أي: دنا منها، أو لأنه يجمع فيها بين الصلاتين هنالك بين المغرب والعشاء أو لأن الناس يزدلفون إلى الله تعالى أي: يتقربون بالوقوف فيها31.
وسميت مشعرًا؛ لأنه معلم للحج والصلاة والمقام، والمبيت به والدعاء عنده32، وسمى: مزدلفة، من الازدلاف، وهو: الاجتماع، والمزدلفة: موضع بين جبلين، يسمى أحدهما: قزح يقف عليه الإمام، وهو من جملة الحرم، ولذلك سمى المشعر الحرام33.
ومزدلفة هي: ثالث المشاعر المقدسة التي يمر بها الحجيج في رحلة إيمانية يؤدون فيها مناسك الحج حيث تقع بين مشعري منى وعرفات، ويبيت الحجاج بها بعد نفرتهم من عرفات ثم يقيمون فيها صلاتي المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا، ويجمعوا فيها الحصى لرمي الجمرات بمنى ويمكث فيها الحجاج حتى صباح اليوم التالي يوم عيد الأضحى ليفيضوا بعد ذلك إلى منى، والمبيت بمزدلفة واجب، ومن تركه فعليه دم34.
٥. منى.
هي مشعر من المشاعر المقدسة، تبعد عن شرق مكة بحوالي خمس كيلومترات في الطريق بين مكة وجبل عرفة، تعرف المنطقة كموضع أداء إحدى شعائر الحج إذ يبيت فيها العديد من الحجاج كما أنها موقع رمي الجمرات الذي يؤدى بين شروق وغروب الشمس في آخر أيام الحج.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة:٢٠٣].
واذكروا الله تسبيحًا وتكبيرًا في أيام قلائل، وهي أيام منى، أي: أيام التشريق وهي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة، فمن أراد التعجل وخرج من منى قبل غروب شمس اليوم الثاني عشر، فلا حرج عليه، ومن تأخر بأن بات بـمنى حتى يرمي الجمار في اليوم الثالث عشر واتقى الله في حجه، فهو أفضل؛ لأنه تزود في العبادة واقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم 35.
٦. غار ثور.
وهو الغار الذي اختبأ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق قبل خروجهما
من مكة المكرمة مهاجرين إلى المدينة المنورة، وهو الوارد في قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [التوبة:٤٠].
وغار ثور هو المراد في الآية قال المفسرون: الغار: ثقب في الجبل، وهذا الجبل هو جبل ثور، وهو جبل قريب من مكة36، ويقع على بعد نحو أربعة كيلو مترات في الجهة الجنوبية من المسجد الحرام.
تظهر حكمة اختيار مكة مهبطًا للوحي من خلال النقاط الآتية:
إن حكمة اختيار مكة مهبطًا للوحي هي الوسطية في المكان والموقع بين بلدان العالم، فقد خص الله مكة المكرمة وشرفها بكونها وسط الأرض ومركزها، وكذلك لوسطية الأمة، فقد امتن تبارك وتعالى على هذه الأمة بأن جعلها أمة وسطًا، كما جعل قبلتها وسطًا37.
قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [البقرة:١٤٣].
أي: جعلناكم خيارًا عدولًا38.
ويؤيد الفهم المتقدم ماتضمنه قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الشورى:٧].
فقد جعل نزول الوحي بالقرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم معللًا بإنذار مكة المكرمة ومن حولها من القرى، وخاصة أن النذارة عامة لكل القرى وليست لقرى الحجاز وحدها، ولا قرى الجزيرة فقط بل للعالم أجمع بدليل قوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأعراف:١٥٨].
وقوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأنعام:١٩].
ومعنى هذا الكلام: لأنذركم بالقرآن، أيها المشركون، وأنذر من بلغه القرآن من الناس كلهم من العرب والعجم إلى قيام الساعة39.
قال الإمام الشوكاني: «أي: أوحى الله إلي هذا القرآن الذي تلوته عليكم لأجل أن أنذركم به وأنذر به من بلغ إليه، أي: كل من بلغ إليه من موجود ومعدوم سيوجد في الأزمنة المستقبلة»40.
وهذا يرجح أن يكون ما حولها: يراد به جميع القرى.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [آل عمران:٩٦- ٩٧].
فقد روى عبد الله بن عدي بن حمراء رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفًا على الحزورة41 فقال: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت)42.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الجمعة:٢].
فقد اختار الله العرب لوظيفة عالمية عامة؛ لما فيهم من شرف متأصل، واستعداد كامل، وصفات مهيأة، ولهذا كان منبع الرسالة بمكة، وشأنها عند العرب هو شأنها!! فهم مجمعون على تقديسها. ولأنها في وسط الجزيرة وصميمها، ووسط الجزيرة بعيد كل البعد عن المؤثرات الخارجية في الطباع والألسنة، تلك المؤثرات التي يجلبها الاحتكاك بالأجانب والاختلاط بهم.
وكل أطراف الجزيرة لم تخل من لوثة في الطباع، وعجمة في الألسنة جاءت من الاختلاط بالأجنبي، ولا أضر على مقومات الأمم من العروق الدساسة.
فاليمن دخلتها الدخائل الأجنبية من الحبشة والفرس على طباع أهلها وألسنتهم، والشام ومشارفه كانت مشرفة على الاستعجام، والعراق والجزيرة لم يسلما من التأثر بالطباع الفارسية، فكانت هذه الأطراف تنطوي على عروبة مزعزعة للمقومات، ولم يحافظ على الطبع العربي الصميم إلا صميم الجزيرة ومنه مكة التي ظهر فيها الإسلام.
وهذا الوسط وإن كان عريقًا في الصفات التي تسمى العصر لأجلها جاهليًا؛ ولكنه كان بعيدًا عن الذل الذي يقتل العزة والشرف من النفوس؛ والجاهل يمكن أن تعلمه، والجافي يمكن أن تهذبه.. ولكن الذليل الذي نشأ على الذل يعسر أو يتعذر أن تغرس في نفسه الذليلة المهينة عزة وإباء وشهامة تلحقه بالرجال، هذا توجيه موجز مقرب لاختيار الله تعالى العرب للنهوض بالرسالة العامة.
وشيء آخر يرتبط بهذا: وهو أن الله كما اختار العرب للنهوض بالعالم كذلك اختار لسانهم ليكون لسان هذه الرسالة، وترجمان هذه النهضة، ولا عجب في هذا؛ فاللسان الذي اتسع للوحي الإلهي لا يضيق أبدًا بهذه النهضة العالمية مهما اتسعت آفاقها وزخرت علومها43.
وسيأتي بيان وسطية مكة المكرمة وكونها وسط الأرض ومركزها بالتفصيل.
إن لمكة المكرمة فضائل كثيرة ومتعددة يمكن ذكر أهمها في النقاط الآتية:
أولًا: قبلة المسلمين:
جعل الله تعالى مكة المكرمة قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويعتبر استقبال الكعبة من أهم عوامل وحدة المسلمين، يستقبلها المسلمون في كل صلاة فرضًا أو نفلًا، فلا تصح صلاة بدون استقبالها وقد ادخره الله للمسلمين آية على أن الإسلام هو القائم على أساس الحنيفية، وفيه تذكير بشعائر الله بمكة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [البقرة:١٤٢-١٤٥].
وقال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة:١٤٨-١٥٠].
وروى الإمام ابن جرير: عن قتادة قال: « كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص، صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبي الله صلى الله عليه وسلم، وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة مهاجرًا نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرًا، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام، فقال في ذلك قائلون من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ لقد اشتاق الرجل إلى مولده! قال الله عز وجل:(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)، فقال أناس لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام: كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى؟ فأنزل الله عز وجل:(ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) وقد يبتلي الله العباد بما شاء من أمره، الأمر بعد الأمر، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، وكل ذلك مقبول، إذ كان في ذلك إيمان بالله، وإخلاص له، وتسليم لقضائه»44.
والكعبة قبلة المسلمين أحياءً وأمواتًا لما رواه عبيد بن عمير، عن أبيه أنه حدثه، وكانت له صحبة أن رجلا سأله، فقال: (يا رسول الله ما الكبائر؟ فقال: (هن تسع)، فذكر معناه زاد: (وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتًا)45.
ثانيًا: يحج المسلمون إليها:
إن من فضائل مكة المكرمة أن جعلها الله تعالى مكانًا لإقامة شعائر الحج ومناسكه، وأوجب على العباد الحج إليها.
قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [آل عمران:٩٧].
والمعنى: ولله على من استطاع من الناس حج البيت، أي: فرض واجب لله على من استطاع من أهل التكليف السبيل إلى حج بيته الحرام46.
والحج الذي هو: قصد لمكة من أجل النسك حق واجب لله تعالى في رقاب الناس لا ينفكون عن أدائه والخروج من عهدته بإجماع المسلمين، وهذا الواجب مقيد بالاستطاعة.
قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)47.
وقد اختلف المفسرون والفقهاء في معنى الاستطاعة اختلافًا كثيرًا، «فقال بعضهم: إنها القدرة على الزاد والراحلة مع أمن الطريق، وقال بعضهم: إنها صحة البدن والقدرة على المشي، وقال آخرون هي: صحة البدن وزوال الخوف من عدو أو سبع مع القدرة على المال الذي يشترى منه الزاد والراحلة، وقضاء جميع الديون والودائع، ودفع النفقة التي تكفى لمن تجب عليه نفقته حتى العودة من الحج، وخلاصة ذلك:
إن هذا الإيجاب مشروط بالاستطاعة وهي تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان»48.
والراجح من أقوال المفسرين والفقهاء أن الاستطاعة على الحج تتحقق بما يأتي:
وحث الله تعالى على تعظيم مكة المكرمة في قوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الحج:٣٢-٣٤].
وشعائر الله هي: معالم ومناسك الحج التي فرضها الله تعالى أو ندب إليها وأمر بالقيام بها، فالصفا والمروة والركن، والبيت، والبدن وتعظيمها استسمانها واستحسانها من شعائر الله تعالى 50.
ثالثًا: يحرم القتال فيها:
لا يجوز القتال في مكة بعد أن حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعالى إلى يوم القيامة، فقد وردت أحاديث تدل على أن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، كما جاء في الصحيحين عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها) فقال العباس: يا رسول الله: إلا الإذخر، فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال: (إلا الإذخر)51.
ومنع القتال في مكة المكرمة مما خص به البلد الحرام، قال الإمام النووي: «قوله صلى الله عليه وسلم: (فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة).
وفي رواية (القتل) بدل (القتال)، وفي الرواية الأخرى:(لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب)52.
هذه الأحاديث ظاهرة في تحريم القتال بمكة قال الإمام أبو الحسن الماوردي صاحب الحاوي من أصحابنا في كتابه الأحكام السلطانية من خصائص الحرم: أن لا يحارب أهله، فإن بغوا على أهل العدل، فقد قال بعض الفقهاء: يحرم قتالهم بل يضيق عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ويدخلوا في أحكام أهل العدل، قال: وقال جمهور الفقهاء: يقاتلون على بغيهم إذا لم يمكن ردهم عن البغي إلا بالقتال؛ لأن قتال البغاة من حقوق الله التي لا يجوز إضاعتها فحفظها أولى في الحرم من إضاعتها هذا كلام الماوردي وهذا الذي نقله عن جمهور الفقهاء هو الصواب»53.
رابعًا: من دخلها أمن:
استجاب الله دعوة خليله إبراهيم عليه السلام فجعل مكة المكرمة بلدًا آمنًا.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [البقرة:١٢٦].
فجعل الله مكة المكرمة بلدًا آمنًا من الظلم والإغارات الواقعة على غيره، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه فيه فلا يهيجه، ويكرر إبراهيم طلب الأمن بعد أن استقر إسماعيل وأمه فيه (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [إبراهيم:٣٥].
معناه: اجعله من البلدان الكاملة في الأمن54.
فجعل الله عز وجل أمن مكة آية لإبراهيم عليه السلام وكان الناس يتخطفون حول مكة.
قال الله: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [العنكبوت:٦٧].
فكان الجبار إدا أراد مكة قصمه الله55.
وفي الآية تقرير من الله تعالى أهل مكة بنعمة الأمن: بمعنى أولم يشاهد كفار مكة أن الله جعل مكة لهم حرمًا آمنًا يأمن فيه أهله على أنفسهم وأموالهم، والناس من حولهم خارج الحرم يتخطفون غير آمنين؟ أفبالشرك يؤمنون، وبنعمة الله التي خصهم بها يكفرون، فلا يعبدونه وحده دون سواه؟56.
قال ابن عباس رضي الله عنه: «يريد: حراما محرما لا يصاد طيره، ولا يقطع شجره، ولا يختلى خلاه، والحكم في هذا أن صيد مكة لا ينفر، ولا يتعرض له بنوع أذى، ومن قتل صيد مكة فعليه جزاؤه، ولا يجوز قطع أشجار الحرم على جهة الإضرار بها»57.
وقال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [آل عمران:٩٧].
أي: وأمن من دخله، والعرب جميعًا قد اتفقوا على احترامه وتعظيمه، فمن دخله أمن على نفسه من الاعتداء والإيذاء، ومن أن يسفك دمه أو تستباح حرماته مادام فيه، وقد مضوا على ذلك الأجيال الطوال في الجاهلية على كثرة ما بينهم من الأحقاد والضغائن، واختلاف المنازع والأهواء، وقد أقر الإسلام هذا، وكل ذلك بفضل دعوة إبراهيم عليه السلام (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:١٢٦]»58.
والمعنى: ومن دخله كان آمنًا يعني: حرم مكة إذا دخله الخائف يأمن من كل سوء، وكذلك كان الأمر في حال الجاهلية، كما قال الحسن البصري وغيره: كان الرجل يقتل فيضع في عنقه صوفة ويدخل الحرم، فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج، وعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى:(ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) قال: من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى، فإذا خرج أخذ بذنبه، وقال الله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [العنكبوت:٦٧].
وقال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [قريش:٣-٤].
وحتى إنه من جملة تحريمها حرمة اصطياد صيدها وتنفيره عن أوكاره، وحرمة قطع شجرها59.
خامسًا: يحرم على الكافر دخولها:
حرم الله تعالى دخول المشركين والكفار مكة المكرمة.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [التوبة:٢٨].
فإنه تعالى أمر المؤمنين بأن يمنعوا من دخول المسجد الحرام كل مشرك ومشركة؛ لأن المشرك نجس الظاهر والباطن، فلا يحل دخولهم إلى المسجد الحرام، وهو مكة والحرم حولها، ومن يومئذ لم يدخل مكة مشرك60.
والمسجد الحرام: لفظ يطلق على جميع الحرم، فإذا يحرم تمكين المشرك من دخول الحرم أجمع، ولو دخل مشرك الحرم مستورا ومات نبش قبره وأخرجت عظامه، فليس لهم الاستيطان ولا الاجتياز61.
(ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) نص على منع المشركين، وهم عبدة الأوثان من المسجد الحرام، فأجمع العلماء على ذلك، وذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم دخول أهل الكتاب إلى المسجد الحرام خلافا لأبي حنيفة62.
ومذهب الجمهور القائلين بتحريم دخول المشركين الذميين أو المستأمنين المسجد الحرام، هو الراجح من أقوال الفقهاء وذلك للأسباب الآتية:
سادسًا: يحرم قتل صيدها:
حرمة مكة وتحريم صيدها وشجرها وخلاها، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها.
قال تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النمل:٩١]يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا محمد قل: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) وهي مكة الذي حرمها على خلقه أن يسفكوا فيها دمًا حرامًا، أو يظلموا فيها أحدًا، أو يصاد صيدها، أو يختلى خلاها دون الأوثان التي تعبدونها أيها المشركون64.
وبعبارة أخرى (ﭫ ﭬ) يعني يقول الله تعالى لرسوله: قل: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) يعني: أمرت أن أخص بعبادتي وتوحيدي الله الذي هو رب هذه البلدة يعني مكة، وإنما خصها من بين سائر البلاد بالذكر؛ لأنها مضافة إليه وأحب البلاد وأكرمها عليه، وأشار إليها إشارة تعظيم؛ لأنها موطن نبيه ومهبط وحيه (ﭲ ﭳ) أي: جعلها الله حرما آمنا لا يسفك فيها دم ولا يظلم فيها أحد ولا يصاد صيدها ولا يختلى خلاها ولا يدخلها إلا محرم، وإنما ذكر أنه هو الذي حرمها لأن العرب كانوا معترفين بفضيلة مكة، وأن تحريمها من الله لا من الأصنام وله كل شيء أي خلقا وملكا وأمرت أن أكون من المسلمين لله المطيعين له65.
وإنما صارت حرامًا شرعًا وقدرا بتحريمه لها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها)6667.
سابعًا: تحريم الإلحاد والظلم فيها:
حرم الله الإلحاد والظلم في البلد الحرام.
قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الحج:٢٥].
أي: ومن يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار عامدًا قاصدًا أنه ظلم ليس بمتأول، عن ابن عباس بظلم هو أن تستحل من الحرم ما حرم الله عليك من إساءة أو قتل فتظلم من لا يظلمك، وتقتل من لا يقتلك فإذا فعل ذلك فقد وجب له العذاب الأليم وقال مجاهد: (ﭰ)(يعمل فيه عملًا سيئًا وهذا من خصوصية الحرم أنه يعاقب البادي فيه بالشر إذا كان عازمًا عليه وإن لم يوقعه68.
قال الإمام الرازي: «الإلحاد العدول عن القصد وأصله إلحاد الحافر، وذكر المفسرون في تفسير الإلحاد وجوها:
أحدها: أنه الشرك، يعني من لجأ إلى حرم الله ليشرك به عذبه الله تعالى، وهو إحدى الروايات عن ابن عباس وقول عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وقتادة ومقاتل.
وثانيها: قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في عبد الله بن سعد حيث استسلمه النبي صلى الله عليه وسلم فارتد مشركا، وفي قيس بن ضبابة، وقال مقاتل: نزلت في عبد الله بن خطل حين قتل الأنصاري وهرب إلى مكة كافرًا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله يوم الفتح كافرًا.
وثالثها: قتل ما نهى الله تعالى عنه من الصيد.
ورابعها: دخول مكة بغير إحرام وارتكاب ما لا يحل للمحرم.
وخامسها: أنه الاحتكار عن مجاهد وسعيد بن جبير.
وسادسها: المنع من عمارته.
وسابعها: عن عطاء قول الرجل في المبايعة: لا والله وبلى والله. وعن عبد الله بن عمر أنه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل، فقيل له فقال: كنا نحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل لا والله وبلى والله.
وثامنها: وهو قول المحققين: أن الإلحاد بظلم عام في كل المعاصي، لأن كل ذلك صغر أم كبر يكون هناك أعظم منه في سائر البقاع حتى قال ابن مسعود رضي الله عنه: لو أن رجلا بعدن هم بأن يعمل سيئة عند البيت أذاقه الله عذابا أليما. وقال مجاهد: تضاعف السيئات فيه كما تضاعف الحسنات، فإن قيل كيف يقال ذلك مع أن قوله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) لائق بكل المعاصي قلنا: لا نسلم، فإن كل عذاب يكون أليما، إلا أنه تختلف مراتبه على حسب اختلاف المعصية»69.
والملحد في الحرم أبغض الخلق إلى الله تعالى: فعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه) 70.
أولًا: دعاء إبراهيم لمكة وأهلها:
تضمن القرآن الكريم آيات عديدة تخبرنا عن عناية إبراهيم عليه السلام بهذا البلد واهتمامه به ودعائه له ولأهله وقد خصه بدعوات مباركات كما يأتي:
١. دعا إبراهيم عليه السلام ربه بأن يجعله بلدًا آمنًا.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:١٢٦].
فهذا دعاء من أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام للوادي الذي لازرع فيه ولا أنيس أن يجعله الله بلدًا آمنا، ثم دعا له بعد أن صار بلدًا مأهولًا وآمنًا.
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [إبراهيم:٣٥].
قال أبو جعفر الطبري: «يعني: آمنًا من الجبابرة وغيرهم، أن يسلطوا عليه، ومن عقوبة الله أن تناله، كما تنال سائر البلدان، من خسف، وغرق، وغير ذلك من سخط الله ومثلاته التي تصيب سائر البلاد غيره»71.
والمراد من الآيات دعاء إبراهيم عليه السلام للمؤمنين من سكان مكة بالأمن والتوسعة بما يجلب إلى مكة؛ لأنها بلد لا زرع ولا غرس فيه، فلولا الأمن لم يجلب إليها من النواحي وتعذر العيش فيها، ثم إن الله تعالى أجاب دعاءه وجعله آمنا من الآفات من القحط والخسف والمسخ من القتل، فلم يصل إليه جبار إلا قصمه الله كما فعل الله تعالى بأصحاب الفيل.
قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الفيل:١-٥]72.
ودعاء إبراهيم للبلد الحرام بالأمن كان السبب في التمدن بمكة، فإن البلد إذا كان ذا أمن، أمكن الإقامة فيه ووفود التجار إليه لطلب الربح 73.
والدعاء لمكة بالأمن مختص بها دون غيرها، قال السمعاني: «أجمعوا أن البلد هو مكة»74؛ لأن «ال» للعهد، واسم الإشارة يفيد التعيين والاختصاص، وإن كان إبراهيم قد دعا له منكرًا، فإن ذلك ربما يكون قبل أن يصير بلدًا، الفرق بينهما أنه سأل في الأول أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها فيها ولا يخافون وسأل في الثاني أن يخرج هذا البلد من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن75.
٢. دعا إبراهيم عليه السلام ربه بأن يرزق أهله من الثمرات.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [البقرة:١٢٦].
وإنما سأل ربه ذلك؛ لأنه أسكن فيه ذريته، وهو غير ذي زرع ولا ضرع، فاستعاذ ربه من أن يهلكهم بها جوعا وعطشا، فسأله أن يؤمنهم مما حذر عليهم منه76.
(ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) أي: وارزق أهله من أنواع الثمار، إما بزرعها بالقرب منه، وإما بأن تجبى إليه من الأقطار الشاسعة، وقد حصل كلاهما استجابة لدعوة إبراهيم كما هو مشاهد، وقد جاء في سورة القصص: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [القصص:٥٧]77.
وخص إبراهيم بدعائه المؤمنين، وإن كان سبحانه لواسع رحمته جعل رزق الدنيا عامًا للمؤمنين والكافرين.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الإسراء:٢٠] لأن تمتيع الكافرين قصير محدود بذلك العمر القصير، ثم إلى النار وبئس المصير، وهذا ما بينه عز اسمه بقوله: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ) [البقرة:١٢٦].
أي: قال يا إبراهيم قد أجبت دعوتك، ورزقت مؤمني أهل هذا البلد من الثمرات، ورزقت كفارهم أيضًا، وأمتعهم بهذا الرزق أمدا قليلا وهو مدة وجودهم في الدنيا، ثم أسوقهم إلى عذاب النار سوقًا اضطراريًا لا اختيار لهم فيه، ولا يعلمون أن عملهم ينتهى بهم إليه78.
٣. دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يجعل في قلوب بعض خلقه ميلًا إليهم فيسعدوا بجوارهم.
قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [إبراهيم:٣٧].
أي: تريدهم وتسرع إليهم، وتحن إليهم، وقال قتادة: تنزع إليهم، وقال مجاهد: لو قال أفئدة الناس، لازدحمت عليه فارس والروم والترك والهند، وقال سعيد بن جبي: لو قال أفئدة الناس، لحجت اليهود والنصارى والمجوس، ولكنه قال: أفئدة من الناس فهم المسلمون، قال عكرمة: هو أنهم يحجون إلى مكة79.
وفي معنى قوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) أربعة أوجه:
أحدها: أنه بمعنى تحن وتهواهم وتنزل إليهم، لأن مكة في واد والقاصد إليها نازل إليها، وأن يجعل الله الناس يهوون السكنى بمكة، فيصير بيتا محرما يحج الناس إليه، فليس أحد من أهل الإسلام إلا وهو يحن إلى رؤية الكعبة والطواف، فالناس يقصدونها من سائر الجهات والأقطار80.
٥. دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يبعث الله فيهم رسولًا منهم.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [البقرة:١٢٩].
فاستجاب الله دعاءه فبعث فينا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم81.
فقد جاء في حديث أبي أمامة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: (يا رسول الله أخبرنا عن نفسك فقال: (دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى)82.
ثانيًا: بناؤه الكعبة مع إسماعيل عليهما السلام:
أخبر الله في القرآن أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام هما اللذان بنيا الكعبة.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة:١٢٥- ١٢٧].
فالآيات تدل على أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام هما اللذان بنيا بيت الله الحرام، وكانا يدعوان الله وهما يرفعان قواعد البيت، والقواعد: أساطين البناء التي تعمده واحدتها قاعدة، وهي كالأساس لما فوقها 83.
وهناك من المفسرين من يقول بأن البيت أول من بناه آدم عليه السلام، وقيل: الملائكة، قال الإمام الرازي: «الأكثرون من أهل الأخبار على أن هذا البيت كان موجودًا قبل إبراهيم عليه السلام وأن أول من بناه آدم على ما روينا من الأحاديث فيه واحتجوا بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ)،فإن هذا صريح في أن تلك القواعد كانت موجودة متهدمة إلا أن إبراهيم عليه السلام رفعها وعمرها84.
ولكن الظاهر من الآية أن الذي بناه هو إبراهيم، قال الإمام الرازي:« اتفقت الأمم على أن باني هذا البيت هو الخليل عليه السلام، وباني بيت المقدس سليمان عليه السلام، ولا شك أن الخليل أعظم درجة وأكثر منقبة من سليمان عليه السلام فمن هذا الوجه يجب أن تكون الكعبة أشرف من بيت المقدس»85.
وقال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية: «ولم يجئ في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليه السلام ومن تمسك في هذا بقوله مكان البيت فليس بناهض ولا ظاهر؛ لأن المراد مكانه المقدر في علم الله المقرر في قدرته المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم، وقد ذكرنا أن آدم نصب عليه قبة وأن الملائكة قالوا له: قد طفنا قبلك بهذا البيت وأن السفينة طافت به أربعين يوما أو نحو ذلك، ولكن كل هذه الأخبار عن بني إسرائيل وقد قررنا أنها لا تصدق ولا تكذب فلا يحتج بها فأما إن ردها الحق فهي مردودة»86.
وقال محمد رشيد رضا في تفسير قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ): «ظاهر في أنهما هما اللذان بنيا هذا البيت لعبادة الله تعالى في تلك البلاد الوثنية، ولكن القصاصين ومن تبعهم من المفسرين جاءونا من ذلك بغير ما قصه الله تعالى علينا، وتفننوا في رواياتهم عن قدم البيت، وعن حج آدم ومن بعده من الأنبياء إليه، وعن ارتفاعه إلى السماء في وقت الطوفان، ثم نزوله مرة أخرى.
وهذه الروايات يناقض أو يعارض بعضها بعضًا، فهي فاسدة في تناقضها وتعارضها، وفاسدة في عدم صحة أسانيدها، وفاسدة في مخالفتها لظاهر القرآن، ولم يستح بعض الناس من إدخالها في تفسير القرآن وإلصاقها به وهو برئ منها.
ومن ذلك زعمهم أن الكعبة نزلت من السماء في زمن آدم، ووصفهم حج آدم إليها وتعارفه بحواء في عرفة، بعد أن كانت قد ضلت عنه بعد هبوطهما من الجنة، وحاولوا تأكيد ذلك بتزوير قبر لها في جدة، وزعمهم أنها هبطت مرة أخرى إلى الأرض بعد ارتفاعها بسبب الطوفان وحليت بالحجر الأسود، وأن هذا الحجر كان ياقوتة بيضاء.
وقيل: زمردة من يواقيت الجنة أو زمردها، وأنها كانت مودعة في باطن جبل أبي قبيس فتمخض الجبل فولدها، وأن الحجر إنما أسود لملامسة النساء الحيض له.
وقيل: لاستلام المذنبين إياه، وكل هذه الروايات خرافات إسرائيلية بثها زنادقة اليهود في المسلمين ليشوهوا عليهم دينهم وينفروا أهل الكتاب منه»87.
[انظر: إبراهيم: إبراهيم عليه السلام وبناء الكعبة]
ثالثًا: مقام إبراهيم عليه السلام:
ذكر الله تعالى مقام إبراهيم عليه السلام في موضعين من كتابه:
الموضع الأول: أخبر الله تعالى أن مقام إبراهيم آيات بينات.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [آل عمران:٩٦- ٩٧].
وقد اختلف المفسرون بالمراد بالمقام على أقوال ذكرها الإمام الرازي وغيره:
الأول: أنه الحجر الذي قام عليه إبراهيم؛ لأنه لما ارتفع البنيان وضعف إبراهيم عليه السلام عن وضع الحجارة قام على حجر، وهو مقام إبراهيم عليه السلام.
القول الثاني: أن مقام إبراهيم عليه السلام الحرم كله وهو قول مجاهد.
الثالث: أنه عرفة والمزدلفة والجمار، وهو قول عطاء.
الرابع: الحج كله مقام إبراهيم، وهو قول ابن عباس.
ثم رجح القول الأول، وقال: «واتفق المحققون على أن القول الأول أولى، ويدل عليه وجوه:
الأول: ما روى جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم لما فرغ من الطواف أتى المقام، وتلا قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ)فقراءة هذه اللفظة عند ذلك الموضع تدل على أن المراد من هذه اللفظة هو ذلك الموضع ظاهر.
وثانيها: أن هذا الاسم في العرف مختص بذلك الموضع، والدليل عليه أن سائلًا لو سأل المكي بمكة عن مقام إبراهيم عليه السلام لم يجبه ولم يفهم منه إلا هذا الموضع.
وثالثها: ماروي أنه صلى الله عليه وسلم مر بالمقام ومعه عمر رضي الله عنه فقال: (يا رسول الله أليس هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: بلى، قال: أفلا نتخذه مصلى؟ قال: لم أومر بذلك، فلم تغب الشمس من يومهم حتى نزلت الآية)88.
ورابعها: أن الحجر صار تحت قدميه في رطوبة الطين حتى غاصت فيه رجلا إبراهيم عليه السلام، وذلك من أظهر الدلائل على وحدانية الله تعالى ومعجزة إبراهيم عليه السلام فكان اختصاصه بإبراهيم أولى من اختصاص غيره به، فكان إطلاق هذا الاسم عليه أولى.
وخامسها: أنه تعالى قال: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) وليس للصلاة تعلق بالحرم ولا بسائر المواضع إلا بهذا الموضع، فوجب أن يكون مقام إبراهيم هو هذا الموضع.
وسادسها: أن مقام إبراهيم هو موضع قيامه، وثبت بالأخبار أنه قام على هذا الحجر عند المغتسل ولم يثبت قيامه على غيره فحمل هذا اللفظ، أعني: مقام إبراهيم عليه السلام على الحجر يكون أولى»89.
وكذلك رجح هذا القول الإمام أبو جعفر الطبري حيث قال: «وأولى هذه الأقوال بالصواب عندنا، ما قاله القائلون: إن مقام إبراهيم، هو المقام المعروف بهذا الاسم، الذي هو في المسجد الحرام90، لما ورد عن جابر رضي الله عنه قال: (استلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن، فرمل ثلاثا، ومشى أربعا، ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) فجعل المقام بينه وبين البيت، فصلى ركعتين)»91.
كما اختلف المفسرون في الآيات البينات المذكورة في الآية بسبب اختلافهم في القراءات بالإفراد والجمع، فقرأ الجمهور: (ﮢ ﮣ) على الجمع، وقرأ أبيٌ وعمر وابن عباس ومجاهد وأبو جعفر في رواية قتيبة: (آية بينة) على التوحيد92، فمن قرأ على الإفراد فمراده أن مقام إبراهيم عليه السلام آية وحده وهو أثر قدميه في المقام وهو حجر صلد آية بينة 93.
وعلى قراءة الجمهور بالجمع (ﮢ ﮣ) أي: أنه وحده آيات بينات وفيه توجهين:
أحدهما: أن يجعل وحده بمنزلة آيات كثيرة لظهور شأنه وقوة دلالته على قدرة الله ونبوة إبراهيم عليه السلام من تأثير قدمه في حجر صلد كقوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النحل:١٢٠].
والثاني: اشتماله على آيات؛ لأن أثر القدم في الصخرة الصماء آية، وغوصه فيها إلى الكعبين آية، وإلانة بعض الصخرة دون بعض آية، وإبقاؤه دون سائر آيات الأنبياء لإبراهيم خاصة آية، وحفظه مع كثرة أعدائه من المشركين وأهل الكتاب والملاحدة ألوف سنين آية أيضًا94.
الثاني: أن مقام إبراهيم آية من الآيات البينات في البيت ومعه آيات أخرى.
قال أبو بكر الجصاص: « الآية في مقام إبراهيم عليه السلام أن قدميه دخلتا في حجر صلد بقدرة الله تعالى؛ ليكون ذلك دلالة وآية على توحيد الله وعلى صحة نبوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ومن الآيات فيه ما ذكرنا من أمن الوحش، وأنسه فيه مع السباع الضارية المتعادية، وأمن الخائف في الجاهلية فيه: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ)[العنكبوت:٦٧]. وإمحاق الجمار على كثرة الرامي من لدن إبراهيم عليه السلام إلى يومنا هذا مع أن حصى الجمار إنما تنقل إلى موضع الرمي من غيره، وامتناع الطير من العلو عليه وإنما يطير حوله لا فوقه، واستشفاء المريض منها به، وتعجيل العقوبة لمن انتهك حرمته، وقد كانت العادة بذلك جارية، ومن إهلاك أصحاب الفيل لما قصدوا لإخرابه بالطير الأبابيل، فهذه كلها من آيات الحرم سوى ما لا نحصيه منها، وفي جميع ذلك دليل على أن المراد بالبيت هنا الحرم كله؛ لأن هذه الآيات موجودة في الحرم، ومقام إبراهيم عليه السلام ليس في البيت إنما هو خارج البيت»95.
قال الإمام الرازي: «مقام إبراهيم وهو الحجر الذي وضع إبراهيم قدمه عليه فجعل الله ما تحت قدم إبراهيم عليه السلام من ذلك الحجر دون سائر أجزائه كالطين حتى غاص فيه قدم إبراهيم عليه السلام، وهذا مما لا يقدر عليه إلا الله ولا يظهره إلا على الأنبياء، ثم لما رفع إبراهيم قدمه عنه خلق فيه الصلابة الحجرية مرة أخرى، ثم إنه تعالى أبقى ذلك الحجر على سبيل الاستمرار والدوام فهذه أنواع من الآيات العجيبة والمعجزات الباهرة أظهرها الله سبحانه في ذلك الحجر»96.
الموضع الثاني: أن الله تعالى أمر بالصلاة عنده قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة:١٢٥].
أجمع العلماء على مشروعية صلاة ركعتين بعد الطواف، والمستحب أن يقرأ في الأولى من ركعتي الطواف: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [الكافرون:١].
وفي الثانية: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الإخلاص:١].
كما هو ثابت في حديث جابر رضي الله عنه. وجمهور أهل العلم على أن ركعتي الطواف لا يشترط في صحة صلاتهما أن تكون خلف المقام، بل لو صلاهما في أي موضع غيره صح ذلك97.
«ولو طاف في وقت نهي، فأحد قولي أهل العلم: إنه يؤخر صلاتهما إلى وقت لا نهي عن النافلة فيه، ومما يدل على هذين الأمرين أعني صحة صلاتهما في موضع آخر، وتأخير صلاتهما إلى وقت غير وقت النهي الذي طاف فيه ما ذكره البخاري في صحيحه تعليقا بصيغة الجزم، قال: باب الطواف بعد الصبح والعصر، وكان ابن عمر رضي الله عنهما: يصلي ركعتي الطواف ما لم تطلع الشمس، وطاف عمر بعد الصبح، فركب حتى صلى الركعتين بذي طوى98.
وفعل عمر رضي الله عنه هذا الذي ذكره البخاري يدل على عدم اشتراط كون الركعتين خلف المقام، بل تصح صلاتهما في أي موضع صلاهما فيه، وأن تأخيرهما عن وقت النهي هو الصواب، وممن قال به: أبو سعيد الخدري، ومعاذ بن عفراء، ومالك، وأصحابه: وعزاه بعضهم إلى الجمهور، وقد قدمنا مرارا قول من يقول من أهل العلم: إن ذوات الأسباب الخاصة من الصلوات لا تدخل في عموم النهي في أوقات النهي، إلا أن القاعدة المقررة في الأصول: أن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح»99.
والصحيح من اتخاذ مقام إبراهيم مصلى معناه: موضعا للصلاة المعهودة، كما بان في سبب نزول الآية السابق ذكره عن عمر رضي الله عنه، واتضح منه أربعة أمور: وهي أن ذلك الموضع هو المقام المراد في الآية، وأن المراد به الصلاة المتضمنة للركوع والسجود، لا مطلق الدعاء، وأن الصلاة عقب الطواف، وأن ركعتي الطواف مطلوبتان، وهما عند المالكية: واجبتان، فمن تركهما، فعليه دم100.
وقوله تعالى: « (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) هو أمر ظاهره الإيجاب، والمراد بالآية فعل الصلاة بعد الطواف، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاهما عند البيت، فدلت هذه الآية على وجوب صلاة الطواف، ودل فعل النبي صلى الله عليه وسلم لها تارة عند المقام، وتارة عند غيره على أن فعلها عنده ليس بواجب »101.
والصحيح من هذه الأقوال إن المراد من قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) مكانًا للصلاة فيه، أي: تصلى خلفه ركعتي الطواف102.
جعل الله تعالى واجبات ساكني الحرم وقاصديه.
قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الحج:٢٥]والعاكف هو: المقيم في مكة، والبادي وهو: الطارئ الذي ينتابه من غير أهله في قول الجميع، سواء فيه: ليس المقيم فيه بأولى من النازح إليه103.
والمراد باستواء العاكف والبادي فيه هو: استواؤهما في تفضيله، وتعظيم حرمته، وإقامة المناسك به، وهذا مذهب مجاهد، والحسن، وقول من أجاز بيع دور مكة، وكان المشركون يمنعون المسلمين عن الصلاة في المسجد الحرام والطواف به، ويدعون أنهم أربابه وولاته104.
وقوله: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) أي: يمنعون الناس عن الوصول إلى المسجد الحرام، وقد جعله الله شرعًا سواء لا فرق فيه بين المقيم فيه والنائي عنه البعيد الدار منه سواء العاكف فيه والباد، ومن ذلك استواء الناس في رباع مكة وسكناها، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: سواء فيه أهله وغير أهله105.
قال سيد قطب في الظلال قوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الحج:٢٥].
«وكان ذلك فعل المشركين من قريش: أن يصدوا الناس عن دين الله- وهو سبيله الواصل إليه، وهو طريقه الذي شرعه للناس، وهو نهجه الذي اختاره للعباد- وأن يمنعوا المسلمين من الحج والعمرة إلى المسجد الحرام- كما فعلوا عام الحديبية- وهو الذي جعله الله للناس منطقة أمان ودار سلام، وواحة اطمئنان.
يستوي فيه المقيم بمكة والطارئ عليها، فهو بيت الله الذي يتساوى فيه عباد الله، فلا يملكه أحد منهم، ولا يمتاز فيه أحد منهم: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ).
ولقد كان هذا النهج الذي شرعه الله في بيته الحرام سابقًا لكل محاولات البشر في إيجاد منطقة حرام. يلقى فيها السلاح، ويأمن فيها المتخاصمون، وتحقن فيها الدماء، ويجد كل أحد فيها مأواه لا تفضلا من أحد، ولكن حقا يتساوى فيه الجميع وهكذا سبق الإسلام سبقا بعيدًا بإنشاء واحة السلام، ومنطقة الأمان، ودار الإنسان المفتوحة لكل إنسان! والقرآن الكريم يهدد من يريد اعوجاجا في هذا النهج المستقيم بالعذاب الأليم: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الحج:٢٥]»106.
وأما واجبات ساكني مكة وقاصديه فيمكن بيانها في النقاط الآتية:
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الحج:٢٥].
وهذه الآية تدل على أن الإنسان يجب عليه العقاب بنيته لفعل الشر في الحرم، ألا ترى إلى قوله: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) ولم يقل: من يفعل ذلك، وإنما ذكر العقوبة على الإرادة فقط، فهو ظاهر الآية، وذلك لعظيم حرمة الحرم وجلالة قدره، وكذلك يضاعف فيه الحسنات أكثر مما يضاعف في غيره107.
فقد روى ابن جرير بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: «ما من رجل يهم بسيئة فتكتب عليه، ولو أن رجلا بعد أن بين هم أن يقتل رجلا بهذا البيت، لأذاقه الله من العذاب الأليم» عن الضحاك بن مزاحم، قال: إن الرجل ليهم بالخطيئة بمكة وهو في بلد آخر ولم يعملها، فتكتب عليه»108.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الحج:٣٠].
والحرمة: مكة والحج والعمرة، وما نهى الله عنه من معاصيه كلها109.
قال الزجاج: «وحرمات الله الحج والعمرة وسائر المناسك، وكل ما فرض الله فهو من حرمات الله، والحرمة ما وجب القيام به وحرم تركه والتفريط فيه»110.
وقال الواحدي: «وهي في هذه الآية ما نهي عنها، ومنع من الوقوع فيها، وتعظيمها: ترك ملابستها، وكثير من الناس اختاروا في معنى الحرمات ههنا إنها المناسك، لدلالة ما يتصل بها من الآيات، وقال ابن زيد: المراد بالحرمات ههنا البيت الحرم، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، والإحرام»111.
قال الإمام الزمخشري في تفسير قوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النمل:٩١].
«والبلدة: مكة حرسها الله تعالى: اختصها من بين سائر البلاد بإضافة اسمه إليها؛ لأنها أحب بلاده إليه، وأكرمها عليه، وأعظمها عنده، وهكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج في مهاجره، فلما بلغ الحزورة استقبلها بوجهه الكريم فقال: (إني أعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت)112 وأشار إليها إشارة تعظيم لها وتقريب، دالا على أنها موطن نبيه ومهبط وحيه، ووصف ذاته بالتحريم الذي هو خاص وصفها، فأجزل بذلك قسمها في الشرف والعلو، ووصفها بأنها محرمة لا ينتهك حرمتها إلا ظالم مضاد لربه ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، واللاجئ إليها آمن وجعل دخول كل شيء تحت ربوبيته وملكوته كالتابع لدخولها تحتهما »113.
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الحج:٢٦].
والمراد بالطهارة ما يشمل الحسية والمعنوية أي: وطهر بيتي من الأوثان والأقذار لمن يطوف به ويصلي عنده114.
والإلحاد في الحرم هو الميل بالظلم فيه.
قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الحج:٢٥].
وقد سبق بيان معنى الإلحاد، وقد عظم الله الذنب في الحرم، وبين أن الجنايات تعظم على قدر عظم الزمان كالأشهر الحرم، وعلى قدر المكان كالبلد الحرام، فتكون المعصية معصيتين: إحداهما المخالفة، والثانية إسقاط حرمة الشهر الحرام أو البلد الحرام.
فالشرك وعبادة غير الله وكل شيء كان منهيا عنه، وحتى شتم الخادم ودخول مكة بغير إحرام، وأذى حمام مكة، واستحلال محظورات الإحرام وركوبها، وأشياء كثيرة لا يجوز للمحرم أن يفعلها115.
قال أبو جعفر: « أنه معني بالظلم في هذا الموضع كل معصية لله، وذلك أن الله عم بقوله: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) ولم يخصص به ظلم دون ظلم في خبر ولا عقل، فهو على عمومه، فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: ومن يرد في المسجد الحرام بأن يميل بظلم، فيعصي الله فيه، نذقه يوم القيامة من عذاب موجع له»116.
الإعجاز العلمي في موقع مكة المكرمة
خص الله مكة المكرمة وشرفها بكونها وسط الأرض ومركزها، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة:١٤٣].
ولعل في الآية امتنانًا بجعل هذه الأمة في أوسط مكان في الأرض، خاصة وأن الآية تضمنت ذكر القبلة بعد الإخبار عن وسطية الأمة، في قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [البقرة:١٤٣-١٤٥].
وقد أشار المفسرون وأكدوا قديمًا إلى أن مكة المكرمة تقع في وسط الأرض قبل أن تأتي الاكتشافات الحديثة المؤكدة لذلك، قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) «المعنى: وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطًا، أي: جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم، والوسط: العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها»117.
وقال الإمام أبو حيان:« والمعنى كما جعلنا الكعبة وسط الأرض، كذلك جعلناكم أمة وسطًا، دون الأنبياء، وفوق الأمم»118.
وقال السمين الحلبي: «والمعنى كما جعلنا قبلتكم متوسطة جعلناكم أمة وسطًا، أو كما جعلنا القبلة وسط الأرض جعلناكم أمة وسطًا»119.
وقال الإمام النيسابوري: «وقيل: إن مكة وسط الأرض، والعيون والمياه تنبع من تحتها، فكأن الأرض كلها تمك من ماء مكة، ثم إنه تعالى وصف البيت بكونه مباركا وهدى للعالمين، أما انتصابه فعلى الحال من الضمير المستكن في الظرف؛ لأن التقدير للذي ببكة هو والعامل فيه معنى الاستقرار»120.
وقال الإمام البقاعي: «أي: ومثل ما جعلنا قبلتكم وسطًا؛ لأنها إلى البيت العتيق الذي هو وسط الأرض وهو بناء إبراهيم عليه السلام، وهو أوسط الأنبياء وهو مع ذلك خيار البيوت، فهو وسط بكل معنى»121.
وقال الإمام ابن عطية: «أم القرى مكة سميت بذلك لوجوه أربعة:
منها: أنها منشأ الدين والشرع.
ومنها: ما روي أن الأرض منها دحية.
ومنها: أنها وسط الأرض وكالنقطة للقرى.
ومنها: ما لحق عن الشرع من أنها قبلة كل قرية.
فهي لهذا كله أم وسائر القرى بنات، وتقدير الآية: لتنذر أهل أم القرى، ومن حولها يريد أهل سائر الأرض، وحولها ظرف العامل فيه»122.
وقال الإمام الرازي:« وقيل: إن مكة وسط الأرض، والعيون والمياه تنبع من تحت مكة، فالأرض كلها تمك من ماء مكة»123.
وكذلك كان لعلماء اللغة العربية دورًا في إثبات وسطية مكة بين بلدان العالم.
قال الراغب: «اشتقاق مكة من: تمككت العظم: أخرجت مخه، وامتك الفصيل ما في ضرع أمه، وعبر عن الاستقصاء بالتمكك، وتسميتها بذلك؛ لأنها كانت تمك من ظلم بها، أي: تدقه وتهلكه، قال الخليل: سميت بذلك؛ لأنها وسط الأرض كالمخ الذي هو أصل ما في العظم»124.
قال الزبيدي: «وقيل: إن مكة مأخوذة من المكاكة، وهي اللب والمخ الذي في وسط العظم، سميت بها؛ لأنها وسط الدنيا ولبها وخالصها»125.
وكذلك الجغرافيون المسلمون ذكروا إن مكة تقع وسط الأرض، قال ياقوت الحموي: «وقد جاء في الأخبار: أن أول ما خلق الله في الأرض مكان الكعبة ثم دحا الأرض من تحتها فهي سرة الأرض ووسط الدنيا وأم القرى أولها الكعبة وبكة حول مكة وحول مكة الحرم وحول الحرم الدنيا»126.
وقال زكريا القزويني: «وأما الكعبة زادها الله شرفًا فإنها بيت الله الحرام، إن أول ما خلق الله تعالى في الأرض مكان الكعبة، ثم دحا الأرض من تحتها، فهي سرة الأرض ووسط الدنيا وأم القرى»127.
ويشير إلى وسطية مكة بين بلدان العالم قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الشورى:٧].
فقد جعل نزول الوحي بالقرآن على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم معللًا بإنذار مكة المكرمة، ومن حولها من القرى إشارة إلى توسط هذه البلدة بين مستقبليها، وخاصة أن النذارة عامة لكل القرى وليست لقرى الحجاز وحدها ولا قرى الجزيرة عامة بدليل قوله جل وعلا: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأعراف:١٥٨].
وقوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأنعام:١٩].
وما حولها: يراد به جميع القرى128.
وفي قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة:١٤٣].
توافق لطيف وهو أن هذه الآية من سورة البقرة برقم(١٤٣) فإذا علمنا أن عدد آي السورة كاملة (٢٨٦) آية وأن هذه الآية وسطها وفيها ذكر الأمة الوسط أدركنا أن الأمة وسط في منهجها ومكانها ومكانتها129.
أما الإعجاز العلمي في موقع مكة المكرمة: فقد قامت دراسات علمية حديثة تثبت أن مكة هي مركز اليابسة على الأرض (وسط الأرض):
الدراسة الأولى: أجريت في منتصف القرن العشرين حيث لاحظ الدكتور حسين كمال الدين (الذي شغل درجة الأستاذية لمادة المساحة في عدد من الجامعات والمعاهد العليا في مصر والرياض) تمركز مكة في قلب دائرة تمر بأطراف جميع القارات، أي: أن اليابسة على سطح الأرض موزعة حول مكة المكرمة توزيعا منتظما، وأن هذه المدينة المقدسة تعتبر مركزا لليابسة130.
قال الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين: « ومن الواضح أنه يمكن بيان حدود القارات الأرضية والممالك والدول، بعد رسم خطوط الطول والعرض، حيث إنها ترتبط بها ارتباطًا ثابتًا على سطح الكرة الأرضية، وعندما تم توقيع حدود القارات الأرضية السبعة على خريطة الإسقاط، وجدنا أن الحدود الخارجية لهذه القارات يجمعها محيط دائرة واحدة مركزها عند مدينة مكة المكرمة، أي: مكة المكرمة تعتبر مركزا وسطا للأرض اليابسة على سطح الكرة الأرضية، وكذلك إذا أخذنا في الاعتبار القارات الثلاث أوربا وآسيا وإفريقيا، التي تمثل العالم القديم عند ظهور الرسالة الإسلامية، نجدها كذلك تكاد تحيط بمدينة مكة المكرمة»131.
ويروي العالم المصري حسين كمال الدين قصة الاكتشاف الغريب فيذكر أنه بدأ بحثه وكان هدفه مختلف تماما حيث كان يجري بحثا ليعد وسيلة تساعد كل شخص في أي مكان في العالم على معرفة وتحديد مكان القبلة لذلك فكرفي عمل خريطة للكرة الأرضية لتحديد اتجاه القبلة وبعد أن وضع الخطوط الأولى في البحث التمهيدي لإعداد هذه الخريطة ورسم عليها القارات الخمس ظهر فجأة له هذا الاكتشاف الذي أثار دهشته فقد وجد أن موقع مكة المكرمة وسط العالم، وأن اليابسة على سطح الكرة الأرضية موزعة حول مكة المكرمة توزيعا منتظما132.
ويؤيد ما توصل إليه الباحث الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين أحمد إبراهيم، الهندسية، ما توصل إليه كذلك الباحث د. سعد المرصفي إلى أن مكة المكرمة هي مركز لدائرة تمر بأطراف جميع القارات، بمعنى أن سطح الكرة الأرضية موزع حول مكة المكرمة توزيعًا منتظمًا، وأن هذه المدينة المقدسة تعتبر مركزًا للأرض اليابسة133.
الدراسة الثانية: قام بها العالم الأستاذ الدكتور مسلم شلتوت في التسعينيات من القرن العشرين، وقد كان يعمل أستاذًا لبحوث الشمس والفضاء بمعهد البحوث الفلكية والجيوفزيائية بمصر، وقد اقتصرت دراسته على استخدام برنامج أعد خصيصًا لذلك باستخدام الحاسب الآلي لحساب المسافة بين مكة ونقاط قياس محددة على اليابسة بالنسبة للعالم القديم والجديد.
فقد تم إجراء حسابات على الحاسب الآلي بقسم بحوث الشمس والفضاء بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر تحت إشراف، د. مسلم أحمد مسلم شلتوت في عام (١٩٩٤م) وخلص من هذه الحسابات إلي: أن مكة المكرمة تكاد تكون مركز لدائرة نصف قدرها حوالي ثمانية آلاف كيلو مترًا تمر بأطراف القارات القديمة (آسيا، أفريقيا، أوروبا) وهي أيضًا مركز لدائرة نصف قطرها حوالي ثلاثة عشر ألف كيلو مترًا بأطراف القارات الجديدة (أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية، استراليا، المتجمدة الجنوبية)134.
الدراسة الثالثة: إثبات توسط مكة لليابسة من خلال القياسات وصور الأقمار الصناعية وهذه الدراسة أكثر دقة من الدراستين السابقتين.
وقد أثبتت هذه الدراسة العلمية التي تمت بواسطة القياسات الدقيقة وصور الأقمار الصناعية باستخدام برامج معروفة يتم الاعتماد على نتائجها في الأبحاث العلمية أن مكة المكرمة تتوسط اليابسة، وقد تأكد للباحثين أن مكة المكرمة الموقع الوحيد على الكرة الأرضية الذي يحقق تلك النتائج والقياسات.
مما يؤكد أن لمكة المكرمة موقعًا فريدًا ومتميزًا لا ينافسها في ذلك مدينة أخرى ومن هنا وصفت بأنها أم القرى135.
وحديثًا استطاع العلماء أن يتحققوا من وسطية مكة المكرمة بواسطة الصور الحقيقية التي يصورها القمر الصناعي عندما يلتقط صورا للكرة الأرضية مبتعدًا عن سطحها بما لا يقل عن مائة كيلومترًا في الفضاء، وهو البعد الذي تستطيع أجهزة التصوير بالقمر الصناعي أن تلتقط صورًا للكرة الأرضية مشتملة على القطبين، وباستعمال أجهزة التكبير في فحص هذه الصور الحقيقية تتضح وسطية مكة بين أقصى يابسة في القطب الشمالي، وأقصى يابسة في القطب الجنوبي.
وبهذا يكون القرآن الكريم والأبحاث العلمية يؤكدان أن مكة المكرمة هي مركز الكرة الأرضية، ونقطة تجمع الطاقة الكونية الإيجابية في الأرض.
موضوعات ذات صلة: |
إبراهيم عليه السلام، البيوت، الحج، المسجد |
1 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، رقم ١١٨٩، ٢/٦٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، رقم ١٣٩٧، ٢/١٠١٤، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
2 تاريخ مكة يملأ عشرات المجلدات، مثل: أخبار مكة للأزرقي، وتاريخ مكة للفاكهي، وشفاء الغرام للفاسي، والعقد الثمين له أيضًا، وبلوغ المرام، وتاريخ مكة للسباعي، وعشرات الكتب ما زالت محفوظة في مكتبة الحرم وغيرها.
انظر: معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، غيث البلادي ص ٣٠١.
3 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٨/٢٨٥.
4 مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٩٩.
وانظر: معجم البلدان، ياقوت الحموي ٥/١٨٢، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، البكري ١/٢٦٩.
5 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٠/٤٩١، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٩٩.
6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٢٧٥.
7 انظر: معاني القرآن، النحاس ١/٤٩، جامع البيان، الطبري ١/١٠٨، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٤٤٤، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٩٩.
8 مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٩٩.
9 انظر: معاني القرآن، النحاس ١/٤٩، جامع البيان، الطبري ١/١٠٨، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٤٤٤.
10 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٣٩.
وانظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٢٦٦.
11 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٢٢.
12 انظر: المصدر السابق ١١/٥٣١.
13 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٢/٢٧١، التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٢٩٩.
14 تفسير القرآن، السمعاني ٢/١٢٥
15 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٥٠٥، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/٣٤٣، النكت والعيون، الماوردي ٦/٣٠١.
16 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٣٨٨.
17 النكت والعيون ٤/٢٣١.
18 الجامع لأحكام القرآن ١٣/٢٤٦.
19 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٢٢٩، معالم التنزيل، البغوي ٢/٨٤.
20 زاد المسير، ابن الجوزي ١/١٠٩.
21 انظر: البلد الحرام فضائل وأحكام، إعداد كلية الدعوة وأصول الدين، جامعة أم القرى ص٤٩.
22 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٢٩، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٤٤٦، التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٠٤.
23 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٣/١١٥، معالم التنزيل، البغوي ١/٤٧٢، الكشاف، الزمخشري ٣/١٥١.
24 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٣/١١٥، معالم التنزيل، البغوي ١/٤٧٢، الكشاف، الزمخشري ٣/١٥١.
25 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٤/٤٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/١١٢، البحر المحيط، أبو حيان ١/٦١٠.
26 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٢٢٦، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٢٣٣، التفسير الوسيط، الواحدي ١/٢٤١.
27 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٢١١، تفسير القرآن، السمعاني ١/١٥٨.
28 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١/١٧٧.
29 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٥/٣٢٧، أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٣١.
30 النكت والعيون، الماوردي ١/٢٦١.
31 مدارك التنزيل، النسفي ١/١٧١.
32 التفسير الوسيط، الواحدي ١/٣٠٤.
33 تفسير القرآن، السمعاني ١/٢٠٢.
34 معالم مكة التاريخية والأثرية، عاتق البلادي ص٢٢٦.
35 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١ /٢٦٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢ /٢٦١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٣.
36 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٢/٣١٠، التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٤٩٧.
37 انظر: مكة المكرمة في ضوء القرآن الكريم، عبد الله القرني وإسماعيل القريشي، من موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي.
38 المصدر السابق.
وانظر: جامع البيان، الطبري ٣/١٤١، تفسير القرآن، السمعاني ٦/٢٥.
39 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/٢٩٢، تفسير القرآن، السمعاني ٢/٩٣.
40 فتح القدير ٢/١٢٠
41 الحزورة بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي هي سوق مكة، ودخلت فى المسجد لما زيد، وباب الحزورة معروف من أبواب المسجد الحرام، وهي ما يعرف اليوم باسم القشاشية، مرتفع يقابل المسعى من مطلع الشمس كان ولا يزال سوقًا من أسواق مكة، وهي كذلك اليوم غير أن ظهرها معمور بشوارع تجارية كشارع الصوغ ومبيعات الحقائب والحرم ونحوها.
انظر: معجم البلدان، الحموي ٢/٢٥٥، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، عاتق البلادي ص ٩٨، المعالم الأثيرة في السنة والسيرة، محمد حسن شراب ص ١٠٠.
42 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب في فضل مكة، رقم ٣٩٢٥، ٥/٧٢٢، وابن ماجه في سننه، كتاب المناسك، باب في فضل مكة، رقم ٣١٠٨، ٢/١٠٣٧.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٧٠٨٩، ٢/١١٩٢.
43 انظر: تفسير ابن باديس ص ٣٩٢.
44 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/١٥٧.
45 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الوصايا، باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم، رقم ٢٨٧٥، ٣/١١٥، والحاكم المستدرك على الصحيحين، رقم ٧٦٦٦، ٤/٢٨٨.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٤٦٠٢، ٢/٨٤٤.
46 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٣٧، التفسير الوسيط، الواحدي ١/٤٦٧.
47 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٢/٧١، الكشاف، الزمخشري ١/٣٩٠، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٧٧، مدارك التنزيل، النسفي ١/٢٧٧.
48 تفسير المراغي ٤/٩.
وانظر: جامع البيان الطبري ٦/٣٧ التفسير الوسيط، الواحدي ١/٤٦٨ تفسير القرآن، السمعاني ١/٣٤٣، مفاتيح الغيب الرازي ٨/٣٠٣.
49 الموسوعة الفقهية الكويتية ٣٢/٣٤٨.
50 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٢٦.
وانظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٦٢١، تفسير القرآن، السمعاني ٣/٤٣٧، النكت والعيون، الماوردي ٤/٢٣.
51 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب لا يحل القتال بمكة، رقم ١٨٣٤، ٣/١٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد على الدوام، رقم ١٣٥٣، ٢/٩٨٦.
52 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، رقم ١٠٤، ١/٣٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام، رقم ١٣٥٤، ٢/٩٨٧، من حديث أبي شريح العدوي رضي الله عنه.
53 شرح النووي على مسلم ٩/١٢٤.
وانظر: شرح صحيح البخارى، ابن بطال ٤/٥٠٤، عمدة القاري، العيني ١٠/١٩٠.
54 مفاتيح الغيب، الرازي ٤/٤٩.
55 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٤٤٦.
56 التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص٤٠٤.
57 التفسير الوسيط، الواحدي ١/٢٠٩.
58 تفسير المراغي ٤/٨.
59 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٨.
60 أيسر التفاسير، الجزائري ٢/٣٥٦.
61 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٠٤.
62 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٣٣٥.
63 اختلاف الدارين وآثاره في أحكام الشريعة الإسلامية، عبد العزيز الأحمدي ١/٣٨٠.
64 جامع البيان، الطبري ١٩/٥١٠.
65 لباب التأويل، الخازن ٣/٣٥٥.
66 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجزية، باب إثم الغادر للبر والفاجر، رقم ٣١٨٩، ٤/١٠٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها، إلا لمنشد على الدوام، رقم ١٣٥٣، ٢/٩٨٦.
67 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٩٦.
68 المصدر السابق ٥/٣٦١.
69 مفاتيح الغيب ٢٣/٢١٧.
70 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب من طلب دم امرئ بغير حق، رقم ٦٨٨٢، ٩/٦.
71 جامع البيان، الطبري ٢/٤٤.
72 مفاتيح الغيب، الرازي ٤/٤٨.
73 البحر المحيط، أبو حيان ١/٦١٣.
74 تفسير السمعاني ٣/١١٩.
75 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/١٧٥، لباب التأويل، الخازن ٣/٣٩، التفسير البياني للقرآن الكريم، عائشة بنت الشاطئ ١/١٦٩.
76 جامع البيان، الطبري ٢/٤٧.
77 النكت والعيون، الماوردي ٣/١٣٩.
78 تفسير المراغي ١/٢١٢.
79 التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٣٤.
80 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٣/١٣٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٣٧٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٦٤.
81 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٨٦، النكت والعيون، الماوردي ١/١٩١، معالم التنزيل، البغوي ١/١٨٢.
82 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٢٢٦١، ٣٦/٥٩٥، والحاكم في المستدرك، رقم ٤١٧٤، ٢/٦٥٦.
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ١٥٤٦، ٤/٦٢.
83 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٩٧، تفسير القرآن، السمعاني ١/١٣٩، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٢٩، معالم التنزيل، البغوي ١/١٦٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٠٢.
84 مفاتيح الغيب، الرازي ٤/٥١.
85 المصدر السابق ٨/٢٩٧.
86 البداية والنهاية ١/١٨٨.
87 تفسير المنار ١/٣٨٣.
88 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في القبلة، ومن لم ير الإعادة على من سها، فصلى إلى غير القبلة، رقم ٤٠٢، ١/٨٩.
89 مفاتيح الغيب ٤/٤٤.
وانظر: جامع البيان، الطبري ٦/٢٨، أحكام القرآن، ابن العربي ١/٣٧٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٩٠.
90 جامع البيان ٢/٣٦.
91 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، رقم ١٢١٨، ٢/٨٨٦.
92 انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ٢/٣٥٢.
93 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٤٤٦، الكشف والبيان، الثعلبي ٣/١٥٠، التفسير الوسيط، الواحدي ١/٤٦٧، النكت والعيون، الماوردي ١/٤١١.
94 البحر المحيط، أبو حيان ٣/٢٧١.
95 أحكام القرآن ٢/٢٦.
وانظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٤٤٦، الكشف والبيان، الثعلبي ٣/١٥٠، التفسير الوسيط، الواحدي ١/٤٦٧، النكت والعيون، الماوردي ١/٤١١.
96 مفاتيح الغيب ٨/٢٩٧.
97 أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٤١٠.
98 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب الطواف بعد الصبح والعصر، ٢/١٥٥.
99 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٤١١.
100 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٤/٤٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/١١٢، البحر المحيط، أبو حيان ١/٦١٠.
101 أحكام القرآن، ابن العربي ١/٦٠.
102 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١/٢٠٥، لباب التأويل، الخازن ١/٧٩.
103 انظر: غريب القرآن، ابن قتيبة ص ٢٩١، المفردات، الراغب ص٥٧٩.
104 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٢٦٥، تفسير القرآن، السمعاني ٣/٤٣٢.
105 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٦٠.
106 في ظلال القرآن ٤/٢٤١٧.
107 الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٧/٤٨٦٩.
108 جامع البيان، الطبري ١٨/٦٠١.
وانظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٢٦٦.
109 جامع البيان، الطبري ١٨/٦١٧.
110 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/٤٢٤.
111 التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٢٦٩.
112 سبق تخريجه.
113 الكشاف ٣/٣٨٨.
114 انظر: روح المعاني، الألوسي ٩/١٣٦، محاسن التأويل، القاسمي ٧/٢٤٠، تفسير المراغي ١٧/١٠٧.
115 التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٢٦٥.
116 جامع البيان، الطبري ١٨/٦٠٢.
117 الجامع لأحكام القرآن ٢/١٥٣.
118 البحر المحيط ٢/١٢.
119 الدر المصون ٢/١٥١.
120 غرائب القرآن ورغائب الفرقان ٢/٢١٣.
121 نظم الدرر ٢/٢٠٦.
122 المحرر الوجيز ٢/٣٢٢.
123 مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٩٩.
124 المفردات ص ٧٧٢.
125 تاج العروس ٢٧/٣٤٦.
126 معجم البلدان ٤/٤٦٣.
127 آثار البلاد وأخبار العباد ص ١١٤.
128 انظر بحث: مكة المكرمة في ضوء القرآن الكريم، عبد الله القرني وإسماعيل القريشي، منشور في موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي.
129 المصدر السابق.
130 إثبات توسط مكة المكرمة، دراسة باستخدام القياسات وصور القمار الصناعية للدكتورالمهندس يحي وزيري ص ١٠٢.
131 انظر: الإسقاط المكي للعالم، حسين كمال الدين أحمد، منشور في مجلة البحوث الإسلامية، العدد ٦ ص ٢٤٣.
132 المصدر السابق.
133 انظر: الكعبة مركز العالم، سعد المرصفي ص ١٤٨.
134 إثبات توسط مكة المكرمة، دراسة باستخدام القياسات وصور الأقمار الصناعية، يحي وزيري ص ١٠٢.
135 المصدر السابق.