عناصر الموضوع

مفهوم الملائكة

الملائكة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الملائكة وآدم

صفات الملائكة

وظائف الملائكة

الملائكة الوارد ذكرهم في القرآن

موقف المؤمن من الملائكة

موقف الكافرين من الملائكة

وظائف الملائكة في الآخرة

الملائكة

مفهوم الملائكة

أولًا: المعنى اللغوي:

الملائكة في اللغة: جمع ملكٍ، والملك أصله مشتق من الفعل(ألك) أي: حمل الرسالة، قال ابن فارس: «الهمزة واللام والكاف أصل واحد، وهو تحمل الرسالة»1، ومنه الألوكة والمألكة والألوك2، قال الخليل: الألوك: الرسالة، وإنما سميت الرسالة ألوكًا؛ لأنها تؤلك في الفم، مشتق من قول العرب، الفرس يألك باللجام ويعلكه 3،وسميت الملائكة ملائكةً، لتبليغها رسائل الله عز وجل إلى أنبيائه صلوات الله عليهم، ومن أرسلت إليه من عباده 4، وهو قول الجمهور5، وقيل: إن أصله من (ملك) الدال على قوة في الشيء وصحة، يقال: أملك عجينه: قَوَّى ع!جْنَهُ وشَدَّهُ، وملكت الشيء: قويته 6.

و(الملك) من (الملائكة) واحدٌ وجمعٌ، ويقال: ملائكةٌ وملائك7.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

عرفها ابن عاشور بأنها: «أجسام لطيفة نورانية أخيار ذوو قوة عظيمة، ومن خصائصهم القدرة على التشكل بأشكال مختلفة، والعلم بما تتوقف عليه أعمالهم، ومقرهم السماوات ما لم يرسلوا إلى جهة من الأرض»8.

وأما الفوزان فعرفها قائلًا: «الملائكة خلق من خلق الله في عالم الغيب، خلقهم الله لعبادته، ولتنفيذ أوامره سبحانه وتعالى في ملكه، وهم أصناف، كل صنف له عمل موكل به ويقوم به، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون9.

الملائكة في الاستعمال القرآني

وردت (الملائكة) في القرآن الكريم (٨٨) مرة10.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

اسم

٨٨

( ) [الأنعام:٨].

( ) [البقرة:١٠٢].

( ) [البقرة:٣١]

وجاءت الملائكة في القرآن بمعناها في اللغة وهي: جمع مَلَك بفتح اللام، والملك أصله: ألك، والمألكة، والمألك: الرسالة. ومنه اشتق الملائك؛ لأنهم رسل الله11.

الألفاظ ذات الصلة

الجن:

الجن لغة:

قال الجوهري: الجن: خلاف الإنس، والواحد جنيٌ. يقال: سميت بذلك؛ لأنها تتقى ولا ترى. وجن الرجل جنونًا، وأجنه الله، فهو مجنونٌ 12.

الجن اصطلاحًا:

نوع من الأرواح العاقلة المكلفة على نحو ما عليه الإنسان، مجردون عن المادة، مستترون عن الحواس، لا يرون على طبيعتهم، ولا بصورتهم الحقيقية، ولهم قدرة على التشكل13.

الصلة بين الجن والملائكة:

الملائكة معصومون عن الزلل، والجن كالإنس غير معصومين، والملائكة وإن كانت مثل الجن من حيث الخفاء، إلا أنهم أرقى المخلوقات، من حيث فضلهم وطاعتهم.

الإنس:

الإنس لغةً:

مادة (أ ن س) تدور في اللغة حول معنيين رئيسين هما: الظهور والنسيان14.

الإنس اصطلاحًا:

هم كل حيوان ناطق يرى شكله، ولا يستطيع أن يرى الجن ولا الملائكة.

وقال الجرجاني: الإنسان هو الحيوان الناطق 15.

الصلة بين الإنس والملائكة:

الإنس والملائكة من مخلوقات الله، إلا أن الإنس خلقوا من طين، وخلقت الملائكة من نور. والملائكة معصومون عن الزلل، والإنس كالجن من حيث الشهوة وأصنافهم، والملائكة غير مكلفين ولا يتناكحون ولا يأكلون ولا يشربون، بخلاف الإنس.

الملائكة وآدم

اقتضت حكمة الله وإرادته أن يخلق آدم عليه السلام، وأن يجعله وذريته خلفاء في الأرض؛ ليقوموا بعمارتها وفق منهج الله تعالى وشريعته؛ فيحققوا بذلك غاية وجودهم، توحيدًا لله تعالى وعبادة له وطاعة، وعندما أراد الله سبحانه أن يخلق آدم أعلم ملائكته بمراده، فسألوه عن الحكمة من وراء ذلك، فأخبرهم سبحانه، أن من وراء خلقه لآدم حكمًا لا يعلمونها، وعندما خلقه وسواه ونفخ فيه الروح أمر ملائكته بالسجود له، فاستجابوا لأمره سبحانه وتعالى، وسوف نتحدث عن خلافة آدم والسجود له بشيء من التفصيل في النقاط الآتية:

أولًا: خلافة آدم:

أخبر الله تعالى ملائكته الكرام بأنه سيجعل في الأرض خليفة يسكنها.

قال تعالى: ( ﭙﭚ ﭧﭨ ) [البقرة:٣٠].

قال البغوي: «والمراد بالخليفة ها هنا آدم سماه خليفة؛ لأنه خلف الجن، أي: جاء بعدهم، وقيل: لأنه يخلفه غيره، والصحيح أنه خليفة الله في أرضه؛ لإقامة أحكامه وتنفيذ قضاياه»16.

وذكر الشيخ الشنقيطي وجهين لأهل التفسير في قوله ():

أحدهما: أن المراد بالخليفة أبونا آدم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام؛ لأنه خليفة الله في أرضه في تنفيذ أوامره.

والثاني: أن المراد بالخليفة: الخلائف من آدم وبنيه لا آدم نفسه وحده، وقد دلت آيات على ذلك مثل قوله تعالى: ( ) [البقرة:٣٠].

وقوله تعالى: ( ) [فاطر:٣٩].

ونحو ذلك من الآيات، ومعلوم أن آدم عليه السلام ليس ممن يفسد فيها ولا ممن يسفك الدماء، ويمكن الجواب على ذلك:

بأن المراد بالخليفة آدم، وأن الله أعلم ملائكته بأنه سيكون من ذريته من يفعل ذلك الفساد، وسفك الدماء، فقالوا ما قالوا، وأن المراد بخلافة آدم الخلافة الشرعية، وبخلافة ذريته أعم من ذلك، وهو أنهم يذهب منهم قرن ويخلفه قرن آخر17.

وهذه الآية أصلٌ في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفذ به أحكام الخليفة، ولا خلاف في وجوب ذلك بين الأمة18.

وأما عن سؤال الملائكة لربهم ( ) فقال ابن كثير: «وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، كما قد يتوهمه بعض المفسرين، وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك»19.

وإنما قالوا هذه المقالة؛ لعلمٍ قد علموه من الله سبحانه بوجه من الوجوه؛ لأنهم لا يعلمون الغيب، قال بهذا جماعة من المفسرين20.

ويستفاد من قوله تعالى: ( )أن العبد إذا خفيت عليه حكمة الله في بعض المخلوقات والمأمورات، فالواجب عليه التسليم بها، واتهام عقله، والإقرار لله بالحكمة21.

ثانيًا: السجود لآدم:

أمر الله تعالى ملائكته الكرام بالسجود لآدم، فاستجابوا طاعة له وامتثالًا لأمره جل وعلا.

قال تعالى: ( ) [البقرة:٣٤].

اختلفوا في هذا الخطاب مع أي الملائكة كان؟ فقيل: إن هذا الخطاب كان مع الملائكة الذين كانوا سكان الأرض، والأصح أنه خطاب مع جميع الملائكة بدليل قوله تعالى: ( ) [الحجر:٣٠]22.

وأصل السجود في اللغة: الخضوع والتذلل، وكل من ذل وخضع لما أمر به فقد سجد23، وأجمع المسلمون على أن ذلك السجود ليس سجود عبادة؛ لأن سجود العبادة لغير الله كفر، والأمر لا يرد بالكفر24، ولكن اختلفوا في كيفية السجود.

قال السمعاني: «وفي قوله تعالى: ( ) قولان:

أحدهما: أن معناه اسجدوا إلى آدم، فيكون آدم كالقبلة، والسجود لله تعالى.

والأصح: أن السجود كان لآدم على الحقيقة.

وتضمن معنى الطاعة لله تعالى بامتثال أمره فيه، فعلى هذا يكون السجود لآدم على سبيل التحية له، وهو كسجود إخوة يوسف ليوسف بمعنى التحية له.

قال تعالى: ( ) [يوسف:١٠٠]»25.

وهذه كرامة عظيمة من الله تعالى لآدم امتن بها على ذريته26، ودليل على فضل آدم عليه السلام؛ إذ جعل موضع عبادة خيار خلق الله معه27.

والخلاصة في القول: إن السجود كان تعظيمًا وتحيةً؛ تكريمًا لآدم وإظهارًا لفضله، وطاعة لله تعالى لا سجود عبادة.

صفات الملائكة

إن العلم بالملائكة من الأمور الغيبية التي لا يصل إليها العقل المجرد، وإنما السبيل لمعرفتهم هو الخبر الصادق عن الله عز وجل، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت الأخبار التي تفيد بوجود الملائكة، وتذكر بعض صفاتهم، فللملائكة صفات متعددة ومتنوعة، ومن هذه الصفات ما يأتي:

أولًا: أولو أجنحة:

ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أنه اصطفى من الملائكة رسلًا.

قال تعالى: ( ﭿ ﮂﮃ ) [الحج:٧٥].

وذكر جل وعلا في موضع آخر أن أولئك الرسل من الملائكة لهم أجنحة وتلك الأجنحة متعددة.

قال تعالى: ( ﮫﮬ ﮱﯓ ) [فاطر:١].

قال البيضاوي: «( )أي: ذوي أجنحة متعددة متفاوتة بتفاوت ما لهم من المراتب ينزلون بها ويعرجون، أو يسرعون بها نحو ما وكلهم الله عليه فيتصرفون فيه على ما أمرهم به ( ) استئناف للدلالة على أن تفاوتهم في ذلك بمقتضى مشيئته ومؤدى حكمته»28.

وقال ابن كثير: « وقوله: ( ) أي: بينه وبين أنبيائه ( )أي: يطيرون بها ليبلغوا ما أمروا به سريعًا ( ) أي: منهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ومنهم من له أكثر من ذلك»29.

كما جاء في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح)30.

ولهذا قال سبحانه: ( ) قال الشوكاني: «والمعنى: أنه يزيد في خلق الملائكة ما يشاء، وهو قول أكثر المفسرين»31.

والخلاصة في القول: إن الملائكة يتفاوتون في الخلق والمقدار، وهذا يدل عظم خلقهم، فهم ليسوا على درجة واحدة، فمنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، ومنهم من له ستمائة جناح، وهذا دليل على كمال قدرته وسعه ملكه سبحانه وتعالى، وكثرة الأجنحة دليل القدرة على السرعة في تنفيذ أوامر الله وتبليغ رسالته.

ثانيًا: الطاعة المطلقة:

فالملائكة مطبوعون على طاعة الله، ليس لديهم القدرة على العصيان، فمن صفاتهم أنهم لا يعصون الله في شيء، ولا تصدر منهم الذنوب، بل طبعهم الله على طاعته، والقيام بأمره، كما قال تعالى في وصفهم: ( ) [التحريم:٦].

قال البيضاوي: «لا يعصون الله ما أمرهم فيما مضى، ويفعلون ما يؤمرون فيما يستقبل، أو لا يمتنعون عن قبول الأوامر والتزامها ويؤدون ما يؤمرون به»32.

وأما ابن كثير فيقول في تفسير هذه الآية: «أي: مهما أمرهم به تعالى يبادروا إليه، لا يتأخرون عنه طرفة عين، وهم قادرون على فعله ليس بهم عجز عنه»33، وفي الآية دليل على أن الملائكة لا يقدمون على عمل إلا بأمره تعالى وإذنه34، وفيه أيضًا مدح للملائكة الكرام، لانقيادهم لأمر الله، وطاعتهم له في كل ما أمرهم به35.

وقال تعالى في موضع آخر مبينًا الانقياد التام لطاعته حيث قال جل وعلا: ( ) [الأنبياء:٢٦- ٢٧].

قال ابن كثير: «وقوله: ( ) أي: الملائكة عباد الله مكرمون عنده، في منازل عالية ومقامات سامية، وهم له في غاية الطاعة قولًا وفعلًا ( ) أي: لا يتقدمون بين يديه بأمر، ولا يخالفونه فيما أمر به بل يبادرون إلى فعله، وهو تعالى علمه محيط بهم، فلا يخفى عليه منهم خافية»36، وفي الآية دليل على كمال طاعتهم وانقيادهم 37.

والخلاصة في القول: إن الملائكة لا يقدمون على عمل إلا بإذنه تعالى، ولا يخالفون فيما أمر به، وهم له في غاية الطاعة قولًا وفعلًا، وهذا دليل الانقياد التام لطاعته سبحانه وتعالى.

ثالثًا: لا يوصفون بالذكورة ولا بالأنوثة:

أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن سفاهة المشركين المكذبين لرسوله عليه الصلاة والسلام، حيث زعموا أن الله اتخذ ولدًا، فقالوا: الملائكة بنات الله، فرد الله عليهم تنزيهًا لملائكته الكرام بقوله تعالى: ( ﭤﭥ ﭦﭧ ) [الأنبياء:٢٦].

حيث نزلت هذه الآية في خزاعة حيث قالوا: إن الملائكة بنات الله، فنزه الله تعالى نفسه عما قالوا 38.

وفي تفسير هذه الآية، يقول السعدي: «يخبر تعالى عن سفاهة المشركين المكذبين للرسول، وأنهم زعموا - قبحهم الله - أن الله اتخذ ولدًا فقالوا: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم، وأخبر عن وصف الملائكة بأنهم عبيد مربوبون مدبرون، ليس لهم من الأمر شيء، وإنما هم مكرمون عند الله، قد أكرمهم الله، وصيرهم من عبيد كرامته ورحمته، وذلك لما خصهم به من الفضائل والتطهير عن الرذائل، وأنهم في غاية الأدب مع الله، والامتثال لأوامره»39.

فالملائكة عبيده وملكه، والعبد لا يمكن أن يكون ولدًا لسيده40.

وقد أنكر الله تعالى عليهم ما نسبوه إليه في موضع آخر، حيث قال جل علا: ( ﯖﯗ ﯙﯚ ) [الزخرف:١٩].

قال القاسمي في تفسير هذه الآية: «أي جعلوا ملائكة الله الذين هم عنده يسبحونه ويقدسونه إناثا، فقالوا: هم بنات الله جهلًا منهم بحق الله سبحانه، وجراءة منهم على قيل الكذب ( )أي: أحضروا خلق الله إياهم، فوصفوهم بذلك لعلمهم بهم وبرؤيتهم إياهم؟ وهو تجهيل لهم، وتهكم بهم( )أي على الملائكة بما هم مبرءون عنه()أي: عنها يوم القيامة، بأن يأتوا ببرهان على حقيقتها، ولن يجدوا إلى ذلك سبيلًا، وفيه من الوعيد ما فيه؛ لأن كتابتها والسؤال عنها يقتضي العقاب والمجازاة عليها، وهو المراد»41، وفى هذا دليل على أن القول بغير برهان منكر، وأن التقليد لا يغني من الحق شيئًا42.

ومن خلال هذه الآيات وغيرها يتبين لنا أن الملائكة منزهون عما قاله المشركون فيهم، فقد رد الله عليهم في هذه الآيات وغيرها في كتابه الكريم ووبخهم وعاتبهم على ذلك، وأثنى على ملائكته الكرام ووصفهم بالعبودية وهذا تشريف لهم وتكريم من الله جل وعلا، فهم عبيده وملكه، والعبد لا يمكن أن يكون ولدًا لسيده.

رابعًا: عددهم كثير جدًا:

أخبر الله جل وعلا في كتابه الكريم أن النار عذابها شديد وهي إحدى الدواهي العظيمة، ثم ذكر عدد خزنة أهل النار من الملائكة حيث قال تعالى: ( ) [المدثر:٣٠].

قال القرطبي: «والصحيح أن هؤلاء التسعة عشر، هم الرؤساء والنقباء، وأما جملتهم فالعبارة تعجز عنها، كما قال الله تعالى: ( ) [المدثر:٣١]»43.

وهذا يدل على كثرة عددهم، يقول الطبري في تفسير هذه الآية: «( ) من كثرتهم( ) يعني: الله»44.

ومما يؤكد كذلك على كثرة عددهم، ما جاء في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها)45.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البيت المعمور في السماء السابعة، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه)46.

وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن الحكمة التي جعل لأجلها عدة الملائكة الموكلين بالنار تسعة عشر، حيث قال تعالى: ( ﮏﮐ ) [المدثر:٣١].

وسبب نزول هذه الآية أن أبا جهل لما سمع قول الله تعالى: ( ) [المدثر:٣٠].

قال لقريش: ثكلتكم أمهاتكم! أسمع ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر، وأنتم الدهم- أي: العدد-والشجعان أفيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم؟!47 فأنزل الله هذه الآية.

قال المراغي في تفسير هذه الآية: «وما جعلنا المدبرين لأمر النار القائمين بعذاب من فيها إلا ملائكة، فمن يطيق الملائكة ومن يغلبهم؟ وإنما كانوا ملائكة؛ لأنهم أقوى الخلق وأشدهم بأسًا وأقومهم بحق الله والغضب له سبحانه؛ وليكونوا من غير جنس المعذبين حتى لا يرقوا لهم ويرحموهم، ثم ذكر الحكمة في اختيار هذا العدد القليل فقال:( ) أي: وما جعلنا هذا العدد إلا محنة وضلالة للكافرين، حتى قالوا ما قالوا؛ ليتضاعف عذابهم، ويكثر غضب الله عليهم، وفتنتهم به أنهم استقلوه واستهزءوا به واستبعدوه وقالوا: كيف يتولى هذا العدد القليل تعذيب الثقلين؟!»48.

والخلاصة في القول: إن من الحكم في ذكر عدد خزنة أهل النار المحنة والابتلاء للكافرين، فيكون ذلك زيادة في كفرهم وضلالهم بسبب تكذيبهم واستهزائهم، وإن كانوا تسعة عشر، فلهم من الأعوان والجنود من الملائكة ما لا يعلمه إلا الله سبحانه، فلا يعلم عدد خلقه من الملائكة وكثرة عددهم إلا الله سبحانه وتعالى.

خامسًا: لا يأكلون ولا يشربون:

لقد دلت النصوص القرآنية على عدم حاجة الملائكة إلى الطعام أو الشراب، فقد أخبرنا الله أن الملائكة جاؤوا إبراهيم في صورة بشر، فقدم لهم الطعام، فلم تمتد أيديهم إليه، فأوجس منهم خيفة، فكشفوا له عن حقيقتهم، فزال خوفه واستغرابه( ﯾﯿ ) [الذاريات:٢٤-٢٨].

وفي آية أخرى قال: ( ) [هود:٧٠].

قال ابن كثير: وفي قوله: ( ) تنكرهم (
) وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه؛ فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به، فارغين عنه بالكلية فعند ذلك نكرهم ( ﯺﯻ)49.

وقد حكى غير واحد من محققي العلم الاتفاق على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون50.

سادسًا: يعقلون ويتكلمون:

أما الأدلة على أن الملائكة متصفون بالكلام فقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله: ( ﭿ ) [النبأ:٣٨].

فهم موصوفون بالكلام بعد إذن الرحمن.

وفي المحاورة التي جرت بين الله عز وجل وبين ملائكته عليهم السلام دليل على ذلك.

قال تبارك وتعالى: ( ) الآيات[البقرة:٣٠].

وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أيضًا أن الملائكة عليهم السلام يكلم بعضهم بعضًا، وأن لهم قلوبًا يعقلون بها، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: ( ) [سبأ:٢٣]51.

وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ( ) [سبأ:٢٣])52.

وقد ذكر الشيخ ابن عثيمين أن في هذه الآية: «إثبات بأن الملائكة يتكلمون ويفهمون ويعقلون لأنهم يسألون:( ) ويجابون:( ) خلافًا لمن قال: إنهم لا يوصفون بذلك؛ فيلزم من قولهم هذا أننا تلقينا الشريعة ممن لا عقول لهم، وهذا قدح في الشريعة بلا ريب».

ثم قال: «وفي قوله تعالى:( ) إثبات القلوب للملائكة»53.

وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن المعني بالكلام في الآية الكريمة هم الكفار، وليس الملائكة وهو مردود عليهم لمخالفتهم الحديث الصحيح السابق ذكره54.

وظائف الملائكة

الملائكة خلق من خلقه تبارك وتعالى، خصهم الله جل وعلا بخصائص، ووهبهم عظم الخلقة، والقدرة على التشكيل، وأوكل إليهم القيام بأمور هذا الكون، فلهم أعمال ووظائف متعددة، يقومون بها امتثالًا لأمره تبارك وتعالى، وأعطاهم القدرة على تأديتها على أكمل وجه، وسوف نبين في المطالب التالية هذه الأعمال والوظائف التي يقومون بها، فمن ذلك:

أولًا: عبادة الله:

الملائكة عباد الله، مكلفون بطاعته، وقد جاء في الكتاب والسنة ذكر بعض العبادات التي تتعبد بها الملائكة ربها تعالى، ومن نماذج عبادتهم ما يلي:

  1. أنهم يشهدون بوحدانية الله.

    قال تعالى: ( ) [آل عمران:١٨].

  2. أنهم يشهدون على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    قال تعالى: ( ) [النساء:١٦٦].

  3. أنهم يصلون.

    وورد في النصوص تفصيل بعض صفة صلاتهم، فورد أنهم يصفون عند ربهم.

    قال تعالى: ( ) [الصافات:١].

    وقال تعالى: ( )[الصافات:١٦٥].

    ولعل المقصود بالصف هنا صف الملائكة للصلاة، وهو مروي عن عائشة والسدي55، ويؤيد ذلك ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج على أصحابه فٌال: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقلنا: يا رسول الله وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصف الأول ويتراصون في الصف)56.

    وكان ورود الحديث حال الاصطفاف للصلاة، فهي قرينة دالة أن الملائكة يتمون الصفوف ويتراصون صفوفهم في الصلاة.

    ومما جاء في صفة صلاتهم أنهم يسجدون ويركعون ويقومون: ( ) [الرعد:١٥].

    وقوله تعالى: ( ) [الأعراف:٢٠٦].

    وعن حكيم بن حزام قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ قال لهم: أتسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء، قال: إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط، ما فيها موضع شبر إلا عليه ملك ساجد أو قائم)57.

    فهذا كله بيان لصفة وهيئة من هيئات صلاتهم.

  4. أنهم يطوفون.

    للملائكة كعبة في السماء السابعة يطوفون بها، وهذه الكعبة هي التي أسماها الله تعالى: البيت المعمور، وأقسم به في سورة الطور:( ) [الطور:٤].

    قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية: يتعبدون في البيت المعمور، ويطوفون به كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم، والبيت المعمور هو كعبة أهل السماء السابعة؛ ولهذا وجد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام مسندًا ظهره إلى البيت المعمور؛ لأنه باني الكعبة الأرضية، والجزاء من جنس العمل)58.

  5. أنهم يذكرون الله.

    قال تعالى: ( ﭓ ﭔ ﭖ ﭗ ) [الصافات:١-٣].

    أي: الملائكة تتلو ذكر الله59.

    ومن أنواع ذكرهم التسبيح: ( ) [الشورى:٥].

    ( ) [البقرة:٣٠].

    ( ) [الصافات:١٦٥-١٦٦].

  6. أنهم يخافون الله ويخشونه.

    لما كانت معرفة الملائكة بربهم كبيرة كان تعظيمهم له وخشيتهم له أعظم.

    قال تعالى: ( ) [النحل:٥٠].

    وقال: ( ﭿ ) [الأنبياء:٢٨].

    ثانيًا: تنفيذ أوامر الله:

    ومن أعمال الملائكة تثبيت المؤمنين عند الموت، فحين يتعرض المؤمنون لغمرات الموت، فإن الملائكة تبشرهم بالجنة.

    قال تعالى: ( ﯘﯙ ) [النحل:٣٢].

    قال ابن كثير: «أخبر تعالى عن حالهم عند الاحتضار، أنهم طيبون، أي: مخلصون من الشرك والدنس وكل سوء، وأن الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة، كما قال تعالى: ( ) [فصلت:٣٠]» 60.

    وفي الآيتين دليل واضح على أن المؤمن يبشر بالجنة قبل موته، ومما يؤكد كذلك ما جاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة: (أن الملائكة تقول لروح المؤمن:(اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة، وابشري بروح وريحان ورب غير غضبان)61.

    وعلى النقيض مما سبق، يكون موقف الملائكة مع الكافرين الجاحدين، وذلك أن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب.

    قال تعالى: ( ﯕﯖ ) [الأنفال:٥٠].

    قال الطبري في تفسير هذه الآية: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ولو تعاين يا محمد، حين يتوفى الملائكة أرواح الكفار، فتنزعها من أجسادهم، تضرب الوجوه منهم والأستاه، ويقولون لهم: ذوقوا عذاب النار التي تحرقكم يوم ورودكم جهنم»62.

    وفي الآية دليل واضح على أن الكافر يبشر بالعذاب قبل موته.

    ومما يؤكد على ذلك ما جاء في الحديث الصحيح المذكور سابقًا عن أبي هريرة والذي جاء فيه: (أن الملائكة تقول لروح الكافر: (اخرجي أيتها النفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق، وآخر من شكله أزواج)63.

    ثالثًا: حفظ الإنسان:

    ومن الأعمال والمهام التي كلفهم الله بها حفظ الإنسان من بين يديه ومن خلفه.

    قال تعالى: ( ﭬﭭ ) [الأنعام:٦١].

    قال ابن كثير في قوله تعالى: ( )« أي: من الملائكة يحفظون بدن الإنسان، كما قال تعالى: ( ) [الرعد:١١]»64.

    وفي هذه الآية يقول السعدي: «أي: للإنسان () من الملائكة يتعاقبون في الليل والنهار( ) أي: يحفظون بدنه وروحه من كل من يريده بسوء، ويحفظون عليه أعماله، وهم ملازمون له دائمًا»65.

    وقال عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: ( ) قال: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه66.

    رابعًا: قبض الأرواح:

    ومن أعمالهم كذلك قبض أرواح العباد عندما تنتهي آجالهم.

    قال تعالى: ( ﭬﭭ ) [الأنعام:٦١].

    والمراد بالرسل هنا الملائكة الموكلون بقبض الأرواح، وقد فسرها ابن عباس بهذا المعنى حيث قال: «إن لملك الموت أعوانًا من الملائكة»67.

    وقال المراغي:« وهؤلاء الرسل هم أعوان ملك الموت الذين يتولون ذلك بأمره، كما قال تعالى: ( ﯿ ) [السجدة:١١]»68.

    قال الشنقيطي في هذه الآية:« وظاهر هذه الآية الكريمة أن الذي يقبض أرواح الناس ملك واحد معين، وهذا هو المشهور، وقد بين تعالى في آيات أخر أن الناس تتوفاهم ملائكة لا ملك واحد.

    وإيضاح هذا عند أهل العلم: أن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد هو المذكور هنا، ولكن له أعوان يعملون بأمره ينتزعون الروح إلى الحلقوم، فيأخذها ملك الموت، أو يعينونه إعانة غير ذلك»69.

    خامسًا: النزول بالوحي:

    ومن الأعمال كذلك النزول بالوحي على أنبيائه ورسله.

    قال تعالى: ( ) [النحل:٢].

    قال الشنقيطي: « وأظهر الأقوال في معنى الروح في هذه الآية الكريمة: أن المراد بها الوحي؛ لأن الوحي به حياة الأرواح، كما أن الغذاء به حياة الأجسام، ويدل لهذا قوله تعالى: ( ) [الشورى:٥٢]»70.

    وفي قوله تعالى: ( )يقول ابن كثير: هم الأنبياء، كما قال تعالى: ( ﭿ ) [الحج:٧٥].71.

    وقال أبو زهرة: «أي: من اختارهم لرسالته، ويصطفيهم الله: يختبر من يشاء من عباده، وهو أعلم حيث يجعل رسالته»72، كما قال تعالى: ( ) [الأنعام:١٢٤].

    سادسًا: الدعاء للمؤمنين:

    أخبر الله تعالى في كتابه الكريم بأن ملائكته الكرام تصلي على المؤمنين، والصلاة من الملائكة بمعنى الدعاء والاستغفار، كما ذكر أهل العلم.

    قال تعالى: ( ﰏﰐ ) [الأحزاب:٤٣].

    قال الشوكاني: والصلاة من الملائكة الدعاء لهم والاستغفار كما قال تعالى: ( ) [غافر:٧]73.

    وهذا يدل على رحمة الله ولطفه بعباده أن جعل من صلاته عليهم وثنائه، وصلاة ملائكته ودعائهم ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل إلى نور الإيمان، والتوفيق، والعلم، والعمل، فهذه أعظم نعمة أنعم بها على عباده الطائعين، تستدعي منهم شكرها، والإكثار من ذكر الله، الذي لطف بهم ورحمهم74.

    سابعًا: تبشير المؤمنين:

    ومن أعمالهم كذلك تبشير المؤمنين، فقد بشر ملائكة الرحمن إبراهيم عليه السلام بذرية صالحة.

    قال تعالى: ( ﯺﯻ ﯾﯿ ) [الذاريات:٢٨].

    قال السمعاني في تفسير هذه الآية: أي: دخل في نفسه منهم خيفة، والسبب في ذلك أن الرجل كان إذا طرقه ضيف فقدم إليه شيئًا وأكله أمن منه، وإن لم يأكل خاف شره، وقوله: ( )يعني: نحن ملائكة الله فلا تخف75.

    وفي قوله تعالى: ( )يقول القرطبي: « أي: بولد يولد له من سارة زوجته، والجمهور على أن المبشر به هو إسحاق عليه السلام»76.

    وبشرت كذلك مريم بعيسى عليه السلام.

    قال تعالى: ( ﯿ ) [آل عمران:٤٥].

    وبشرت كذلك زكريا بيحيى عليهما السلام.

    قال تعالى: ( ) [آل عمران:٣٩].

    وجاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلًا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله له، على مدرجته ملكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)77.

    ثامنًا: مناصرة المؤمنين في القتال:

    ومن أعمالهم كذلك مشاركة المؤمنين في قتالهم؛ لتثبيتهم وتقوية عزائمهم.

    قال تعالى: ( ﮒﮓ ) [الأنفال:١٢].

    قال البغوي: «( )الذين أمد بهم المؤمنين ( ) بالعون والنصرة ( ) أي: قووا قلوبهم، قيل: إن ذلك التثبيت حضورهم معهم القتال ومعونتهم، أي: ثبتوهم بقتالكم معهم المشركين»78، وهذه نعمة خفية أظهرها الله تعالى لهم، ليشكروه عليها 79.

    والحكمة في قتال الملائكة؛ لإرادة أن يكون الفضل للنبي وأصحابه، وتكون الملائكة مددًا على عادة مدد الجيوش، رعاية لصورة الأسباب التي أجراها الله تعالى في عباده، والله فاعل الجميع80.

    تاسعًا: حمل العرش:

    ومن الأعمال الموكلة إلى الملائكة حمل عرش الرحمن.

    قال تعالى: ( ﮈﮉ ) [الحاقة:١٧].

    قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «( ) أي: الملائكة على أرجاء السماء، وقوله:( ) أي: يوم القيامة يحمل العرش ثمانية من الملائكة، ويحتمل أن يكون المراد بهذا العرش العرش العظيم، أو: العرش الذي يوضع في الأرض يوم القيامة لفصل القضاء، والله أعلم بالصواب »81.

    ونحو هذه الآية قوله تعالى: ( ) [غافر:٧].

    والآيتان تدلان على أن لعرشه تبارك وتعالى حملة يحملونه اليوم ويوم القيامة، وأن حملته ومن حوله يسبحون ويستغفرون للمؤمنين82.

    عاشرًا: تنفيذ أحداث الساعة:

    ومن أعمالهم كذلك: تنفيذ أحداث الساعة، كالنفخ في الصور.

    وقد أخبر القرآن الكريم بثلاث نفخات: نفخة الفزع ذكرها في سورة النمل في قوله تعالى: ( ) [النمل:٨٧].

    ونفخة الصعق والقيام، ذكرهما في قوله تعالى: ( ﭞﭟ ) [الزمر:٦٨].83.

    حادي عشر: النزول بالأمر المقدر:

    ومن أعمال الملائكة النزول إلى الأرض في هذه الليلة بالخير والبركة والرحمة لأهل الإيمان.

    قال تعالى: ( ) [القدر:٤].

    قال ابن كثير في هذه الآية: «أي: يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن ويحيطون بحلق الذكر»84.

    والروح هو جبريل عند جمهور المفسرين أي: ومعهم جبريل، ووجه ذكره بعد دخوله في الملائكة التعظيم له والتشريف لشأنه85.

    وسميت ليلة القدر؛ لعظم قدرها وفضلها عند الله؛ ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية86.

    وقال ابن عثيمين في هذه الآية: «أي: تنزل شيئًا فشيئًا؛ لأن الملائكة سكان السموات، والسموات سبع، فتتنزل الملائكة إلى الأرض شيئًا فشيئًا حتى تملأ الأرض، ونزول الملائكة في الأرض عنوان على الرحمة والخير والبركة؛ ولهذا إذا امتنعت الملائكة من دخول شيء كان ذلك دليلًا على أن هذا المكان الذي امتنعت الملائكة من دخوله قد يخلو من الخير والبركة، فالملائكة تتنزل في ليلة القدر بكثرة، ونزولهم خير وبركة.

    وقوله تعالى: ( ) أي: بأمره القدري.

    وقوله: ( ) أي: بكل أمر مما يأمرهم الله به، وهو مبهم لا نعلم ما هو، لكننا نقول: إن تنزل الملائكة في الأرض عنوان على الخير والرحمة والبركة»87.

    الملائكة الوارد ذكرهم في القرآن

    خلق الله تعالى عددًا كبيرًا من الملائكة لا يعلم عددهم وكثرتهم إلا الله جل وعلا، كما قال تعالى في محكم كتابه: ( ) [المدثر:٣١].

    وقد ذكر القرآن الكريم الملائكة إجمالًا في مواطن كثيرة، وورد في بعض المواطن منها ذكر بعض أسماء الملائكة خصوصًا، فمن أسمائهم:

    أولًا: جبريل عليه السلام:

    وهو السفير بين الله وأنبيائه.

    قال تعالى: ( ) [البقرة:٩٧-٩٨].

    وهذه الآية نزلت جوابًا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم 88.

    ومن أسمائه وأوصافه التي ذكرت في القرآن89:

  1. الروح الأمين.

    قال تعالى: ( ) [الشعراء:١٩٢-١٩٤].

    قال ابن كثير:« وهو جبريل، عليه السلام، قاله غير واحد من السلف، وهذا ما لا نزاع فيه»90.

    وهو أمين الله فيما بين الله وبين أنبيائه، فيما استودعه الله من الرسالة إليهم91.

  2. روح القدس.

    قال تعالى: ( ) [النحل:١٠٢].

    قال السعدي: « هو جبريل الرسول المقدس المنزه عن كل عيب وخيانة وآفة»92.

    وقيل: سمي جبريل عليه السلام روحًا ؛ للطافته ولمكانته من الوحي الذي هو سبب حياة القلوب93.

    وأما عن وصفه: فقد أثنى الله سبحانه على عبده جبريل في القرآن أحسن الثناء، ووصفه بأجمل الصفات فقال: ( ) [التكوير:١٩-٢١].

    فوصفه بأنه رسوله، وأنه كريم عنده، وأنه ذو قوة ومكانة عند ربه سبحانه، وأنه مطاع في السماوات، وأنه أمين على الوحي، فمن كرمه على ربه أنه أقرب الملائكة إليه، قال بعض السلف: منزلته من ربه منزلة الحاجب من الملك94.

    قال ابن عثيمين في تفسير هذه الآية: «( ) هو جبريل عليه الصلاة والسلام، فإنه رسول الله إلى الرسل بالوحي الذي ينزله عليهم. ووصفه الله بالكرم؛ لحسن منظره، كما قال تعالى في آية أخرى: ( ) [النجم:٦].

    و( ) قال العلماء: المرة: الخلق الحسن والهيئة الجميلة، فكان جبريل عليه الصلاة والسلام موصوفًا بهذا الوصف:()، ( ) وصفه الله تعالى بالقوة العظيمة» 95.

    فإن الرسول صلى الله عليه وسلم رآه على صورته التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح 96.

    كله من عظمته عليه الصلاة والسلام.

    وقوله: ( ) أي: عند صاحب العرش وهو الله جل وعلا، فذو العرش هو الله.

    وقوله: () أي: ذو مكانة، أي أن جبريل عند الله ذو مكانة وشرف؛ ولهذا خصه الله بأكبر النعم التي أنعم بها على عباده، وهو الوحي.

    ( ) أي: هناك، فجبريل هو المطاع فمن الذي يطيعه؟ قال العلماء: تطيعه الملائكة؛ لأنه ينزل بالأمر من الله فيأمر الملائكة فتطيع، فله إمرة وله طاعة على الملائكة.

    ()على ما كلف به97.

    ثانيًا: ميكائيل عليه السلام:

    وهو الموكل بالقطر والنبات.

    قال تعالى: ( ) [البقرة:٩٨].

    قال ابن كثير في قوله تعالى: ( ): «وهذا من باب عطف الخاص على العام، فإنهما دخلا في الملائكة، ثم خصصا بالذكر؛ لأن السياق في الانتصار لجبريل وهو السفير بين الله وأنبيائه، وقرن معه ميكائيل في اللفظ؛ لأن اليهود زعموا أن جبريل عدوهم وميكائيل وليهم، فأعلمهم أنه من عادى واحدًا منهما فقد عادى الآخر وعادى الله أيضًا، وميكائيل موكل بالقطر والنبات، ذاك بالهدى وهذا بالرزق»98.

    وأما ابن عثيمين يقول في هذه الآية: «وقوله تعالى: ( ) معطوف على قوله تعالى: () من باب عطف الخاص على العام، وعطف الخاص على العام يدل على شرف الخاص؛ فجبريل موكل بالوحي من الله إلى الرسل.

    و() هو ميكائيل الموكل بالقطر والنبات وخص هذين الملكين؛ لأن أحدهما موكل بما تحيى به القلوب وهو جبريل؛ والثاني موكل بما تحيى به الأرض وهو ميكائيل» 99.

    وفي الآية دليل على مكانتهم وفضلهم، وهما من رؤساء الأملاك، كما قال ابن القيم: ورؤساؤهم الأملاك الثلاثة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل100.

    وكان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)101.

    فتوسل إليه سبحانه بربوبيته العامة والخاصة لهؤلاء الأملاك الثلاثة الموكلين بالحياة، فجبريل موكل بالوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وميكائيل موكل بالقطر الذي به حياة الأرض والنبات والحيوان، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي به حياة الخلق بعد مماتهم، فسأله رسوله بربوبيته لهؤلاء أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، لما في ذلك من الحياة النافعة102.

    ثالثًا: مالك عليه السلام:

    وهو خازن النار.

    قال تعالى: ( ﭪﭫ ) [الزخرف:٧٧].

    قال ابن كثير: « وهو خازن النار( ) أي: ليقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه، فإنهم كما قال تعالى: ( ) [فاطر:٣٦].

    فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك( )»103.

    قال ابن عباس: مكث ألف سنة، ثم قال: إنكم ماكثون104.

    قال السعدي في قوله تعالى( ): «أي: مقيمون فيها، لا تخرجون عنها أبدًا، فلم يحصل لهم ما قصدوه، بل أجابهم بنقيض قصدهم، وزادهم غمًا إلى غمهم»105.

    وفي الآية لطائف:

    الأولى: أن عذاب الآخرة ليس كعذاب الدنيا، إما أن يفني وإما أن يألفه البدن، بل هو في كل زمان شديد، والمعذب فيه دائم.

    الثانية: أن العذاب في الآخرة لا يفتر ولا ينقطع ولا بأقوى الأسباب وهو الموت، حتى يتمنوه ولا يجابون، كما قال تعالى: ( ) [الزخرف:٧٧]. أي: بالموت.

    الثالثة: ذكر في المعذبين الأشقياء بأنه لا ينقص عذابهم، ولم يقل: يزيدهم، وفي المثابين قال: ( ) [النساء:١٧٣].106.

    رابعًا: ملك الموت عليه السلام:

    وهو الموكل بقبض الأرواح.

    قال تعالى: ( ﯿ ) [السجدة:١١].

    قال الشنقيطي: « ظاهر هذه الآية الكريمة أن الذي يقبض أرواح الناس ملك واحد معين، وهذا هو المشهور»107.

    وقد سمي في بعض الآثار بعزرائيل108.

    ولم يرد في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    قال ابن عثيمين: «وقد اشتهر أن اسمه عزرائيل، لكنه لم يصح، إنما ورد هذا في آثار إسرائيلية لا توجب أن نؤمن بهذا الاسم، فنسمي من وكل بالموت بـ (ملك الموت) كما سماه الله عز وجل في قوله:( ﯿ )»109.

    قال المراغي في تفسير هذه الآية: «وأصل التوفي أخذ الشيء وافيًا كاملًا، أي: قل لهؤلاء المشركين: إن ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم يستوفي العدد الذي كتب عليه الموت منكم حين انتهاء أجله، ثم تردون إلى ربكم يوم القيامة أحياء كهيئتكم قبل وفاتكم، فيجازي المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته، وفى هذا إثبات للبعث مع تهديدهم وتخويفهم، وإشارة إلى أن القادر على الإماتة قادر على الإحياء»110.

    فإن قيل: كيف الجمع بين قوله تعالى: ( ) [الزمر:٤٢].

    وبين قوله: ( ﯿ) [السجدة:١١].

    وبين قوله تعالى: ( ) [الأنعام:٦١].

    والجواب: أن المتوفي في الحقيقة هو الله تعالى، وملك الموت هو القابض للروح بإذن الله تعالى، ولملك الموت أعوان وجنود من الملائكة ينتزعون الروح من سائر البدن، فإذا بلغت الحلقوم قبضها ملك الموت111.

    وقد جاء في حديث البراء بن عازب الطويل المشهور: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فيه: (أن ملك الموت إذا أخذ روح الميت أخذها من يده بسرعة ملائكة فصعدوا بها إلى السماء)112.

    وقد بين فيه صلى الله عليه وسلم ما تعامل به روح المؤمن وروح الكافر بعد أخذ الملائكة له من ملك الموت حين يأخذها من البدن.

    والحاصل: أن حديث البراء المذكور دل على أن مع ملك الموت ملائكة آخرين يأخذون من يده الروح حين يأخذه من بدن الميت113.

    وقال قتادة في تفسير هذه الآية:( ﯿ ) قال: ملك الموت يتوفاكم ومعه أعوان من الملائكة114.

    خامسًا: هاروت وماروت:

    وهما ملكان سماهما الله تعالى باسم هاروت وماروت115.

    قال تعالى: ( ﭗﭘ ﭨﭩ ﭴﭵ ﭽﭾ ﭿ ﮇﮈ ﮍﮎ ﮘﮙ ﮞﮟ ) [البقرة:١٠٢].

    قال الماتريدي مبينًا سبب نزول هذه الآية:« والآية في موضع الاحتجاج على اليهود؛ لأنهم ادعوا أن الذي هم عليه أخذ عن سليمان عليه السلام، فإن كان كفرًا فقد كفر سليمان، فأخبر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم: أن سليمان ما كفر، ولكن الشياطين كفروا بما علموا الناس من السحر»116.

    ويبدو من سياق الآية أن الله بعثهما فتنة للناس في فترة من الفترات، وقد نسجت حولهما في كتب التفسير وكتب التاريخ أساطير كثيرة، لم يثبت شيء منها في الكتاب والسنة، فيكتفى في معرفة أمرهما بما دلت عليه الآية الكريمة117.

    هاروت وماروت ملكان من ملائكة الله امتحن الله بهما عباده، وكانا بأرض بابل في العراق، يعلمان الناس السحر ابتلاءً من الله لعباده؛ ولهذا كانا ينصحان من يريد تعلم السحر بقولهما: ( ).

    فينصحانه بأن السحر كفر فلا تتعلمه، فينهيانه عن السحر، وتعليم الملكين امتحانًا مع نصحهما؛ لئلا يكون لهم حجة، فاليهود يتبعون السحر الذي تعلمه الشياطين، والسحر الذي يعلمه الملكان، فتركوا علم الأنبياء والمرسلين وأقبلوا على علم الشياطين، وكل يصبو إلى ما يناسبه، ثم ذكر الله مفاسد السحر ( ).

    وفي هذا دليل على أن السحر له حقيقة، وأنه يضر بإذن الله، أي: بإرادة الله، ثم ذكر الله أن علم السحر مضرة محضة، ليس فيه منفعة لا دينية ولا دنيوية، بل هو موجب للعقوبة 118.

    والله تعالى قد ييسر أسباب المعصية فتنةً للناس، أي: ابتلاءً وامتحانًا، وتعلم السحر،وتعليمه كفر إذا كان السحر عن طريق الشياطين.

    والأسباب وإن عظمت لا تأثير لها إلا بإذن الله عز وجل؛ لقوله تعالى: (ﭿ ).

    وتعلم السحر ضرر محض، ولا خير فيه؛ لقوله تعالى: ( ) فأثبت ضرره ونفى نفعه119.

    سادسًا: إسرافيل عليه السلام:

    لم يرد اسم إسرافيل بالقرآن صريحًا، وإنما ورد في السنة في أحاديث صحيحة منها حديث عائشة -السابق- وهو الملك الموكل بالنفخ في الصور، وجاء ذكره في الأحاديث النبوية منها: حديث دعاء قيام الليل السابق. وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه المتقدم هؤلاء الثلاثة من الملائكة مما يدل على فضلهم ومكانتهم وعظمة ما وكل به.

    والمشهور عند المفسرين أن إسرافيل عليه السلام موكل بالنفخ في الصور، والصور قرن ينفخ إسرافيل فيه. وقد ورد ذكر الصور في آيات كثيرة منها قوله تعالى: ( ) [المؤمنون:١٠١].

    وقال تعالى: ( ﭞﭟ ) [الزمر:٦٨].

    الأولى فيهلك من في السماوات إلا من شاء الله أن يستثنيهم من الموت بهذه النفخة، ثم ينفخ فيه النفخة الثانية للبعث إلى الحياة بعد الموت120.

    قال القرطبي: «والأمم مجمعة على أن الذي ينفخ في الصور إسرافيل عليه السلام»121.

    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنا جبهته، وانتظر أن يؤذن له. قالوا: كيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا)122.

    موقف المؤمن من الملائكة

    الإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان، لا يتم إيمان العبد إلا به، وقد أخبر الله تعالى في محكم كتابه بأن من كفر بالملائكة فقد ضل، ووصف ضلاله بأنه بعيد.

    قال تعالى: ( ) [النساء:١٣٦].

    وهذا يدل على منزلة الإيمان بالملائكة وأهميته؛ ولذا فقد كلف الله جل وعلا جميع عباده الإيمان بهم والتصديق بوجودهم وبما يقومون به؛ لأن ذلك من جملة عقائد الإيمان التي أمرهم الله بها وفرضها عليهم في محكم كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم عباد مكرمون، وهذا يدل على فضلهم وشرفهم، فكان لزامًا علينا توقيرهم وعدم أذيتهم لما يقومون به من مهام وأعمال فيها خير وسعادة الإنسان، وسوف يكون حديثنا في هذا المبحث عن الإيمان بوجودهم ووظائفهم، وواجبنا تجاه هذه المخلوقات العظيمة، وذلك في النقاط الآتية:

    أولًا: الإيمان بوجودهم ووظائفهم:

    إن موقف المؤمن من الملائكة أن يؤمن بوجودهم ووظائفهم جملة وتفصيلًا، فقد كلف الله العباد الإيمان بهم والتصديق بوجودهم؛ لأن ذلك من جملة أركان الإيمان الستة التي لا يصح إيمان العبد ولا يقبل إلا بتحقيقه.

    والقرآن مملوء بذكرهم وبأصنافهم ومراتبهم ووظائفهم، حتى إن سورة (فاطر) تسمى بسورة الملائكة123، وسميت بعض السور بصفاتهم وأعمالهم المنوطة بهم؛ كالصافات، والمرسلات، والنازعات.

    والله سبحانه تارة يقرن اسمه باسمهم في كتابه، ويجعل الإيمان به مستلزمًا للإيمان بهم، وأن البر لا ينال إلا بالإيمان بهم حيث يقول سبحانه:( ) [البقرة:١٧٧].

    وتارة يبين أن الرسول ومن آمن معه مؤمنون مصدقون بما أنزل إليهم من ربهم ومن ذلك الإيمان بالملائكة.

    قال تعالى: ( ) [البقرة:٢٨٥].

    وتارة يقرن شهادته بشهادتهم لبيان عظم شهادتهم فيقول سبحانه: ( ) [آل عمران:١٨].

    والسنة مثل القرآن مليئة بأخبارهم وأحوالهم، ومن ذلك: حديث جبريل المشهور وفيه: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر)124.

    وقد حكم الله بكفر من أنكرهم وجحدهم، وجعل الكفر بهم كفرًا به سبحانه وتعالى: ( ) [النساء:١٣٦].

    فالإيمان بهم بالتفصيل: هو أن نؤمن بمن سمي لنا منهم كجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، ومالك، وهاروت وماروت.

    ونؤمن بما ذكر من أصنافهم كحملة العرش، وخزنة الجنة والنار والزبانية، نؤمن بوظائفهم الموكلة بهم، ونؤمن بصفاتهم الحميدة وأفعالهم الرشيدة، وهذا كله دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة التي مرت معنا في المباحث السابقة.

    وأما من لم يرد ذكرهم في الكتاب والسنة الصحيحة فنؤمن بهم بصورة إجمالية، وهو معتقد أهل السنة والجماعة وسائر من ينتسب إلى الإسلام، ولم يخالف في وجودهم إلا الفلاسفة وغلاة المبتدعة125.

    ونؤمن بأن ليس لهم من علم الغيب من شيء: ( ﭦﭧ ﭿ ) [الأنبياء:٢٦-٢٨].

    وقال تعالى: ( ﯿ ) [الجن:٢٦].

    والإيمان بهم من جملة الإيمان بالغيب بالنسبة لعامة الناس، أما بالنسبة للأنبياء والمرسلين فهو غيب نسبي، غيب فيمن لم يشاهدوا من الملائكة في العالم العلوي وغيرهم، وإيمان بالشهادة فيمن شاهدوا كجبريل عليه السلام، أو غيره من الملائكة، ويقاس على الأنبياء في هذا من ورد به النص: كمريم عليها السلام حين رأت جبريل، وتمثل لها بشرًا سويًا، وهذا مثل الإيمان بالمعجزات، فهي بالنسبة لمن شاهدوها إيمان بشيء شاهدوه، وبالنسبة لغيرهم إيمان بالغيب126.

    ثانيًا: تكريمهم:

    الملائكة أهل طاعة مطلقة، وأنصح خلق الله وأنفعهم لبني آدم، وعلى أيديهم حصل لهم كل سعادة وعلم وهدى، يستغفرون لمسيئهم، ويثنون على مؤمنيهم، ويدعون لهم، ويعينونهم على أعدائهم 127.

    والمؤمن الذي يعبد الله، ويتبع رضوانه لا مناص له من أن يتولى الملائكة بالحب والتوقير، ويتجنب كل ما من شأنه أن يسيء إليهم ويؤذيهم، ومن ذلك128:

  1. البعد عن الذنوب والمعاصي.

    فأعظم ما يؤذي الملائكة الذنوب،والمعاصي، والكفر، والشرك؛ ولذا فإن أعظم ما يهدى للملائكة ويرضيهم أن يخلص المرء دينه لربه، ويتجنب كل ما يغضبه؛ ولذا فإن الملائكة لا تدخل الأماكن والبيوت التي يعصى فيها الله تعالى، أو التي يوجد فها ما يكرهه الله ويبغضه، كالأنصاب، والتماثيل، والصور، والكلاب129.

    وقد جاء ما يؤكد على ذلك في الأحاديث الصحيحة منها:

    عن أبي طلحة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب، ولا صورة تماثيل)130.

  2. الملائكة تتأذى مما يتأذى منه ابن آدم.

    ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فهم يتأذون من الرائحة الكريهة، والأقذار، والأوساخ 131، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أكل من هذه البقلة، الثوم - وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث- فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)132.

  3. النهي عن البصاق عن اليمين في الصلاة.

    نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن البصاق عن اليمين في أثناء الصلاة؛ لأن المصلي إذا قام يصلي يقف عن يمينه ملك، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه، فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكًا، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه فيدفنها)133.

    ثالثًا: موالاة الملائكة كلهم:

    وعلى المسلم أن يحب جميع الملائكة، فلا يفرق في ذلك بين ملكٍ وملك؛ لأنهم جميعًا عباد الله عاملون بأمره، تاركون لنهيه، وهم في هذا وحدة واحدة، لا يختلفون ولا يفترقون، فمن عادى واحدًا منهم فقد عادى الله وجميع الملائكة.

    قال تعالى: ( ) [البقرة:٩٨]134.

    وقد بينا فيما سبق أن سبب نزول هذه الآية كان جوابًا لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل ولي لهم 135.

    قال أبو الطيب في هذه الآية:« فالعداوة من العبد هي صدور المعاصي منه لله تعالى والبغض لأوليائه، والعداوة من الله للعبد هي تعذيبه بذنبه وعدم التجاوز عنه والمغفرة له، قال الكرماني: وقدم الملائكة على الرسل، كما قدم الله على الجميع؛ لأن عداوة الرسل بسبب نزول الكتب، ونزولها بتنزيل الملائكة، وتنزيلهم لها بأمر الله، فذكر الله ومن بعده على هذا الترتيب، وإنما خص جبريل وميكائيل بعد ذكر الملائكة؛ لقصد التشريف لهما والدلالة على فضلهما»136.

    فعلينا أن نشعر بوجود هؤلاء الملائكة الكرام الذين هم معنا يكتبون الأعمال، والأقوال ويحفظونها.

    قال تعالى: (ﭿ ) [الانفطار:١٠-١٢].

    وعلينا أن نجلهم ونوقرهم ونكرمهم ونستحي منهم، فالملك ضيف الإنسان وجاره، والإحسان إلى الجار، وإكرام الضيف من لوازم الإيمان، والملائكة المرافقون للإنسان أكرم ضيف وأعز جار137، فهم عنوان خير وبركة عند نزولهم الأرض، فلنغتنم هذه الأوقات والمناسبات بالأعمال الصالحة؛ رجاء بركتهم.

    قال تعالى: ( ) [القدر:٣-٥].

    قال المراغي: هذه الليلة تحفها الخير بنزول القرآن، وشهود ملائكة الرحمن، ليلة كلها سلامة وأمن، من مبدئها إلى نهايتها138.

    موقف الكافرين من الملائكة

    اقتضت حكمة الله تعالى في عباده أن يبعث في كل أمة رسولًا يدعوهم إلى عبادة الله وترك عبادة ما سواه، فانقسم الناس إلى فريقين، منهم من آمن وصدق، ومنهم من ضل وكفر، ومن ضلالهم وكفرهم أن طلبوا من أنبيائهم نزول الملائكة؛ ليثبتوا صحة ما جاءوا به، أو أن يكون الرسول من الملائكة زاعمين أن الرسول لا يصح أن يكون من البشر، وأن الله تعالى لو أراد دعوة الخلق لأنزل ملائكة، وبما أن الملائكة عالم غيبي لا نراه ولا نسمعه، ضل هؤلاء المشركون في عبادتهم لهذه المخلوقات العظيمة زاعمين أن الله راض بهذه العبادة، وسوف نتحدث عن هذه الأمور بشيء من التفصيل فيما يلي:

    أولًا: عبادتهم:

    انقسم الكفار في اعتقادهم في الملائكة إلى ثلاث فرق، وقد بين الله ذلك في كتابه، وهم على النحو التالي:

  1. فرقة أشركتهم مع الله بالعبادة.
  2. فرقة والت بعضهم وعادت بعضهم.
  3. فرقة كفرت بهم وأنكرتهم.

    فالأول: هو موقف بعض مشركي العرب، ولقد جادل القرآن الكريم هؤلاء المشركين في عدة مواضع، وألزمهم بالحجة البالغة، وبين سخافاتهم الوثنية، فمن عجيب كفرهم وصنعهم أنهم ينسبون لله البنات، وهم يكرهون البنات، وعندما يبشر أحدهم أنه رزق بنتًا يظل وجهه مسودًا وهو كظيم، وقد يتوارى من الناس خجلًا من سوء ما بشر به: ( ) [الزخرف:١٧].

    وفي هذه الآيات التالية تحكي هذه الخرافة وتناقش أصحابها: ( ﯿ ) [الصافات:١٤٩-١٥٦].

    قال ابن كثير عند هذه الآية: ذكر الله عن المشركين في الملائكة ثلاثة أقوال في غاية الكفر والكذب:

    فأولًا: جعلوهم بنات الله، فجعلوا لله ولدًا.

    وثانيًا: جعلوا ذلك الولد أنثى.

    ثالثًا: ثم عبدوهم من دون الله. وكل منها كاف في التخليد في نار جهنم139.

    وقد جعل الله قولهم هذا شهادة سيحاسبهم عليها، فإن من أعظم الذنوب القول على الله بغير علم: ( ) [الزخرف:١٩]140.

    وقوله تعالى: ( ) [الزخرف:١٥-١٩].

    فهذه الآيات الكريمة هي على شاكلة الآية السابقة في معالجة مفتريات المشركين في نسب الأنوثة للملائكة بالأدلة العقلية، ومناقشتهم بمنطق الحجة والبرهان.

    والآيات الكريمة تناقشهم فيما يلي141:

    • جعلهم لله جزءًا من عباده، وقد أنكر القرآن عليهم ذلك في قوله تعالى:( ) ومعنى ذلك أنهم أثبتوا لله ولدًا، فإن ولد الرجل جزء منه، ولا شك أن إثبات الولد لله تعالى محال قطعًا.
    • مناقشتهم عن سر اختيارهم للبنين، وجعلهم البنات لله رب العالمين، جاء ذلك في الإنكار عليهم في قوله:( ) وقد تقرر عند هؤلاء المشركين تفضيل البنين على البنات، فلو كان مرجع القسمة إلى العقل، لكان الله أولى بالبنين من البنات، ولو كان مرجعها إلى العدل-بصرف النظر عن استحالة ذلك أو إمكانه-لكان العدل يقتضي على أسوأ تقدير التسوية في القسمة، ولكنهم تجاوزوا في الطغيان والسذاجة حدود المألوف من الذوق والفطرة الإنسانية.

      قال تعالى: ( ﯚﯛ ) [النجم:٢١-٢٢].

      أي: قسمة جائرة، وغير عادلة.

      وقد بينت الآيات أن الأنثى محل نقص في الظاهر والباطن، في الصورة والمعنى، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه، ليجبر من نقصها142.

      ثم أتبعها بصفة نقص أخرى فقال:( ) [الزخرف:١٨].

      يعني: أن الأنثى إذا خاصمت أو تكلمت لم تقدر أن تبين حجتها لنقص عقلها، وقلما تجد امرأة إلا تفسد الكلام وتخلط المعاني، فكيف ينسب لله من يتصف بهذه النقائص143.

      ولقد افترى هؤلاء أنهم يعبدون الملائكة على حسب زعمهم، وحاشا وكلا أن ترضى ملائكة الرحمن بأن تعبد من دون الله، فضلًا عن أن تدعو إلى ذلك، وقد تبرؤوا منهم ومن عبادتهم يوم القيامة، وبينوا حقيقية عبادة هؤلاء وأنهم ما عبدوا إلا المردة من الشياطين.

      قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: «ومن تلاعبه-أي: الشيطان-بهم أن زين لقوم عبادة الملائكة فعبدوهم بزعمهم، ولم تكن عبادتهم في الحقيقة لهم، ولكن كانت للشياطين، فعبدوا أقبح خلق الله، وأحقهم باللعن والذم.

      قال تعالى: ( ) [سبأ:٤٠-٤١].

      وقال تعالى: ( ) [النساء:١١٧]»144.

      ثانيًا: موالاة بعضهم ومعادة البعض:

      وهذا موقف اليهود فقد زعموا أن لهم أولياء وأعداء من الملائكة، وزعموا أن جبريل عدو لهم، وميكائيل ولي لهم، فأكذبهم الله تعالى-في مدعاهم-وأخبر أن الملائكة لا يختلفون فيما بينهم: ( ) [البقرة:٩٧-٩٨].

      فأخبر سبحانه أن الملائكة كلهم جماعة واحدة، فمن عادى واحدًا منهم فقد عادى الله وجميع الملائكة، وهذه المقولة التي حكاها القرآن عن اليهود عذر واهٍ عللوا به عدم إيمانهم، فزعموا أن جبريل عدوهم؛ لأنه يأتي بالحرب والدمار، ولو كان الذي يأتي الرسول صلى الله عليه وسلم ميكائيل لتابعوه145.

      وجاء في سبب نزول الآية السابقة أنه: حضرت عصابة من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألوه فأجابهم ثم قالوا: (وأنت الآن حدثنا من وليك من الملائكة، فعندها نجامعك أو نفارقك. قال: فإن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبيًا قط إلا وهو وليه. قالوا: فعندها نفارقك، لو كان وليك سواه من الملائكة تابعناك وصدقناك. قال: فما منعكم أن تصدقوه؟ قالوا: إنه عدونا. فأنزل الله عز وجل: ( ) إلى قوله: ( ) [البقرة:١٠٣])146.

      وقال عبد الله بن سلام للنبي صلى الله عليه وسلم: إن جبريل عليه السلام عدو اليهود من الملائكة147.

      قال ابن حجر: «حكى الثعلبي عن ابن عباس أن سبب عداوة اليهود لجبريل أن نبيهم أخبرهم أن بختنصر سيخرب بيت المقدس، فبعثوا رجلًا ليقتله فوجده شابًا ضعيفًا، فمنعه جبريل من قتله وقال له: إن كان الله أراد هلاككم على يده فلن تسلط عليه، وإن كان غيره فعلى أي حق تقتله؟! فتركه فكبر بختنصر وغزا بيت المقدس فقتلهم وخربه فصاروا يكرهون جبريل لذلك»148.

      وهذا كذب وافتراء، وإنما أصابهم ما أصابهم من قبل أنفسهم؛ بسبب كفرهم بالله وقتلهم أنبيائه.

      ثالثًا: الكفر بهم وإنكارهم:

      وهذا موقف بعض المشركين والملحدين من الفلاسفة والدهريين ومن شاكلهم من الغلاة.

      قال تعالى: ( ) [النساء:١٣٦].

      فقد زعموا أنها مجرد أوهام وخيالات لا حقيقة ولا وجود لها في الخارج، فلا الله موجود حقيقة، ولا نبوة ولا نبي على التحقيق، ولا ملائكة، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور.

      قال ابن القيم: وأما الإيمان بالملائكة فهم لا يعرفون الملائكة، ولا يؤمنون بهم. وإنما الملائكة عندهم-أي: الفلاسفة-هي مجردات ليست داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوق السموات ولا تحتها، ولا هي أشخاص تتحرك، ولا تصعد، ولا تنزل، ولا تدبر شيئًا، ولا تتكلم، ولا تكتب أعمال العبد، ولا لها إحساس ولا حركة البتة، ولا تنتقل من مكان إلى مكان، ولا تصف عند ربها، ولا تصلي، ولا لها تصرف في أمر العالم البتة، فلا تقبض نفس العبد، ولا تكتب رزقه وأجله وعمله، ولا عن اليمين وعن الشمال قعيد، كل هذا لا حقيقة له عندهم البتة.

      وربما تقرب بعضهم إلى الإسلام، فقال: الملائكة هي القوى الخيرة الفاضلة التي في العبد، والشياطين هي القوى الشريرة الرديئة، هذا إذا تقربوا إلى الإسلام وإلى الرسل149.

      رابعًا: طلب نزولها لتصديق الرسول:

      لقد ذكر الله جل وعلا مطالب هؤلاء الكفرة في كتابه الكريم في أكثر من آية، منها:

      ما ذكره عن فرعون حيث كان من مطالبه نزول الملائكة؛ ليشهدوا بصدق موسى عليه السلام فيما يقول، حيث قال تعالى: ( ) [الزخرف:٥٣].

      وهذا من قول فرعون، أي: لو كان موسى صادقًا لجاء معه الملائكة، يمشون معه، يشهدون له بصدقه ويعينونه على أمره، فيكون ذلك أهيب في القلوب، فأوهم اللعين قومه أن الرسل لا بد أن يكونوا على هيئة الجبابرة، ومحفوفين بالملائكة، وقد أتى موسى عليه السلام من الآيات بما فيه دلالة على صدق نبوته، وكانت أبلغ من أن يكون له أسورة أو ملائكة، وليس يلزم هذا؛ لأن الإعجاز كاف، وقد كان في الجائز أن يكذب مع مجيء الملائكة، كما كذب مع ظهور الآيات، وذكر فرعون الملائكة حكاية عن لفظ موسى؛ لأنه لا يؤمن بالملائكة من لا يعرف خالقهم150.

      وكذلك طلب نزولها كفار قريش.

      قال تعالى: ( ) [الحجر:٧].

      قال ابن الجوزي:« قال المفسرون: إنما سألوا الملائكة ليشهدوا له بصدقه، وأن الله أرسله، فأجابهم الله تعالى بقوله: ( ) [الحجر:٨]»151.

      قال البغوي: «إلا بالحق أي: بالعذاب ولو نزلت يعني: الملائكة- لعجلوا بالعذاب، وما كانوا إذا منظرين أي: مؤخرين، وقد كان الكفار يطلبون إنزال الملائكة عيانًا فأجابهم الله تعالى بهذا، ومعناه: إنهم لو نزلوا عيانًا لزال عن الكفار الإمهال وعذبوا في الحال»152.

      وقد ذكر الله جل وعلا في موضع آخر أنه لو أنزل الملائكة كما طلبوا لما آمنوا.

      قال تعالى: ( ) [الأنعام:١١١].

      وسبب نزول هذه الآية: أن المستهزئين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من أهل مكة، فقالوا له: ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم: أحق ما تقول أم باطل؟ أو أرنا الملائكة يشهدون لك أنك رسول الله، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلًا153، قال الخازن: وقوله:( ) أي: ما آمنوا إلا أن يشاء الله الإيمان منهم، فأخبر الله أن الإيمان بمشيئة الله لا كما ظنوا أنهم متى شاؤوا آمنوا ومتى شاؤوا لم يؤمنوا، وفيه دليل على أن جميع الأشياء بمشيئة الله تعالى حتى الإيمان والكفر، وموضع المعجزة أن الأشياء المحشورة منها ناطق ومنها صامت، فإذا أنطق الله الكل حتى يشهدوا له بصحة ما يقول كان ذلك في غاية الإعجاز154.

      خامسًا: طلب أن يكون الرسول منهم:

      ذكر الله تعالى في محكم كتابه حال الأمم المكذبة لرسلها كعاد وثمود، وعدم استجابتها لدعوتهم، مستنكرين أن يكون الرسول من البشر، فلو أراد الله دعوة الخلق لعبادته، لأرسل ملائكة تدعوهم إلى ذلك.

      قال تعالى: ( ﭼﭽ ﭿ ) [فصلت:١٤].

      قال المراغي في تفسير هذه الآية:« أي: قالوا: إنا لا نصدق برسالتكم فما أرسل الله بشرًا، ولو أرسل رسلًا لأنزل ملائكة، وإذًا فلا نتبعكم وأنتم بشر مثلنا، وقوله:( )ليس إقرارا منهم بكونهم رسلًا، بل ذكروه استهزاءً بهم، كما قال فرعون: ( ) [الشعراء:٢٧]»155.

      فعدم استجابتهم كون الرسل من جنسهم وهذه شبهة، قال السعدي:« وهذه الشبهة لم تزل متوارثة بين المكذبين من الأمم، وهي من أوهى الشبه، فإنه ليس من شرط الإرسال أن يكون المرسل ملكًا، وإنما شرط الرسالة أن يأتي الرسول بما يدل على صدقه، فليقدحوا إن استطاعوا بصدقهم، بقادح عقلي أو شرعي، ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلا»156.

      وقد قالها من قبلهم قوم نوح.

      قال تعالى: ( ) [المؤمنون:٢٤].

      قال ابن كثير في هذه الآية: «( )وهم السادة والأكابر منهم ( ) أي: يترفع عليكم ويتعاظم بدعوى النبوة، وهو بشر مثلكم، فكيف أوحي إليه دونكم؟! ( ) أي: لو أراد أن يبعث نبيًا؛ لبعث ملكًا من عنده، ولم يكن بشرًا !( ) أي: ببعثة البشر في آبائنا الأولين، يعنون بهذا أسلافهم وأجدادهم والأمم الماضية»157.

      وكذلك كان حال كفار قريش مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فرد الله عليهم بقوله تعالى: ( ) [الإسراء:٩٥].

      قال الطبري في هذه الآية: « قل يا محمد لهؤلاء الذين أبوا الإيمان بك، استنكارًا لأن يبعث الله رسولًا من البشر: لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكًا رسولًا؛ لأن الملائكة إنما تراهم أمثالهم من الملائكة، ومن خصه الله من بني آدم برؤيتها، فأما غيرهم فلا يقدرون على رؤيتها، فكيف يبعث إليهم من الملائكة الرسل، وهم لا يقدرون على رؤيتهم، وهم بهيئاتهم التي خلقهم الله بها، وإنما يرسل إلى البشر الرسول منهم، كما لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين، ثم أرسلنا إليهم رسولًا لكان ملكًا مثلهم»158.

      وفي الآية إعلام من الله سبحانه بأن الرسل ينبغي أن تكون من جنس المرسل إليهم، فكأنه سبحانه اعتبر في تنزيل الرسول من جنس الملائكة أمرين:

      الأول: كون سكان الأرض ملائكة.

      والثاني: كونهم ماشين على الأقدام غير قادرين على الطيران بأجنحتهم إلى السماء، إذ لو كانوا قادرين على ذلك لطاروا إليها، وسمعوا من أهلها ما يجب معرفته وسماعه، فلا يكون في بعثة الملائكة إليهم فائدة159.

      ولو كان الرسل من الملائكة لما استطاع الناس التخاطب معهم، ولما تمكنوا من الفهم منهم، فلزم أن يكون بشرًا حتى يستطيعوا أداء الرسالة، كما قال تعالى: ( ) [الأنعام:٩].160.

      وظائف الملائكة في الآخرة

      سيكون الحديث في هذا المبحث عن وظائف الملائكة في الآخرة، وذلك في النقاط الآتية:

      أولًا: شفاعتها للمؤمنين:

      وحقيقة هذه الشفاعة أن الله هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص والتوحيد، فيغفر لهم بواسطة دعاء الشافع الذي أذن له أن يشفع161، ورضاه عنه، وللملائكة نصيب منها.

      قال الله عن ملائكته: ( ) [النجم:٢٦].

      قال الطبري: وفي الآية توبيخ من الله لعبدة الأوثان، والملأ من قريش، وغيرهم الذين كانوا يقولون: ( ) [الزمر:٣].

      فقال الله جل ذكره لهم: ما تنفع شفاعة ملائكتي الذين هم عندي لمن شفعوا له، إلا من بعد إذني لهم بالشفاعة له ورضاي، فكيف بشفاعة من دونهم، فأعلمهم أن شفاعة ما يعبدون من دونه لا تنفع162.

      فالملائكة مع كثرة عبادتها وكرامتهم على الله لا تشفع إلا لمن أذن أن يشفع له، قال الأخفش: الملك واحد ومعناه جمع، وهو كقوله تعالى: ( ) [الحاقة:٤٧].

      وقيل: إنما ذكر ملكًا واحدًا؛ لأن (كم) تدل على الجمع163.

      وقال أبو الطيب: «والشفاعة مشروط فيها بحسب نصوص القرآن الكريم بالإذن والرضا، والله لا يرضى عن القوم الفاسقين، ولا يأذن في الشفاعة لهم، ولا يأذن للنبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة لأهل الكبائر لخروجهم من النار إلا بعد أن تمسهم النار بذنوبهم وتطهرهم من أوزارهم، ويبقى إيمانهم وهو موضع رضا الكريم سبحانه، فشفاعة الأنبياء والصالحين لا تكون إلا بعد الإذن والرضا، وإذًا فتكون للمؤمنين لا لغيرهم، والله تعالى قد جعل هذه الشفاعات ثوابًا للإيمان وصالح العمل، فهؤلاء الذين يشفع لهم الأنبياء والصالحون في حقيقة الأمر وواقعه منتفعون بإيمانهم وأعمالهم وسعيهم وكسبهم، ولولا ذلك ما شفع لهم شافع ولا نفعتهم شفاعة الشافعين»164.

      ونحو هذه الآية، قوله تعالى: ( ﭿ ) [الأنبياء:٢٧-٢٨].

      قال السعدي: « أنهم لا يشفعون لأحد بدون إذنه ورضاه، فإذا أذن لهم وارتضى من يشفعون فيه شفعوا فيه، ولكنه تعالى لا يرضى من القول والعمل إلا ما كان خالصًا لوجهه، متبعًا فيه الرسول، وهذه الآية من أدلة إثبات الشفاعة، وأن الملائكة يشفعون»165.

      ثانيًا: التسليم على المؤمنين في الجنة:

      تستقبل الملائكة المؤمنين على أبواب الجنة بأحسن استقبال، يهنئونهم بسلامة الوصول، وبما هم قادمون عليه، فلا تخيفهم أهوال يوم القيامة.

      قال تعالى: ( ) [الأنبياء:١٠٣].

      ثم ينعم المؤمنون بتسليم الملائكة عليهم وترحيبهم بهم.

      قال تعالى: ( ) [الرعد:٢٣-٢٤].

      قال ابن كثير: تدخل عليهم الملائكة من هاهنا وهاهنا للتهنئة بدخول الجنة، فعند دخولهم إياها تفدم عليهم الملائكة مسلمين مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام، والإقامة في دار السلام، في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام166.

      وهذا الاحتفاء والترحيب والتحية من الملائكة لهم كله بما صبروا في الدنيا على طاعة الله وعبادته وعلى مشقة الجهاد والثغور، وصبروا عن الشرك و المعاصي، وصبروا على أقدار الله من فقر وترك للأوطان، ورضوا بما قسم الله لهم، فيموت أحدهم وفي صدره حاجة لا يستطيع لها قضاء.

      وأما قوله تعالى: ( ) [الزمر:٧٣].

      فالملائكة يبدؤون بفتح الأبواب إكراما لأهل الإيمان، ثم الكلام معهم بالسلام الذي هو متضمن للسلامة من كل مكروه وشر، وكأنهم يقولون لهم: سلمتم فلا يلحقنكم بعد اليوم ما تكرهون، ثم يقولون لهم: إن دخولكم الجنة كان بطيبكم إذ الجنة حرمها الله على غير الطيبين، فبشروهم بالسلامة، والطيب والدخول والخلود فيها أبدًا، وهذه النتيجة النهائية لأهل الإيمان.

      قال الرازي: أن خزنة الجنة يذكرون لأهل الثواب هذه الكلمات الثلاث فأولها: قولهم سلام عليكم وهذا يدل على أنهم يبشرونهم بالسلامة من كل الآفات. وثانيها: قولهم طبتم والمعنى طبتم من دنس المعاصي وطهرتم من خبث الخطايا. وثالثها: قولهم فادخلوها خالدين، والفاء في قوله: ()يدل على كون ذلك الدخول معللًا بالطيب والطهارة167.

      ثالثًا: الاصطفاف للرحمن جل وعلا:

      قد نص القرآن الكريم عندما يأتي الله يوم القيامة إتيانًا ومجيئًا حقيقيًا يليق بجلاله للفصل بين العباد، تصطف الملائكة صفوفًا منتظمة بين يديه؛ إجلالًا وتعظيمًا له168، وتنشق السماء بالغمام.

      قال تعالى: ( ) [البقرة:٢١٠].

      ( ) [الأنعام:١٥٨].

      ( ) [الفجر:٢١-٢٢].

      ( ) [الفرقان:٢٥].

      ففي قول الله عز وجل: ( ) [الفجر:٢٢].

      يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: «يعني: لفصل القضاء بين خلقه، وذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على الإطلاق محمد صلوات الله وسلامه عليه، بعدما يسألون أولي العزم من الرسل واحدًا بعد واحد فكلهم يقول: لست بصاحب ذاكم، حتى تنتهي النوبة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها، أنا لها، فيذهب فيشفع عند الله تعالى في أن يأتي لفصل القضاء، فيشفعه الله تعالى في ذلك، وهي أول الشفاعات، وهي المقام المحمود كما تقدم بيانه في سورة سبحان، فيجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء كما يشاء، والملائكة يجيئون بين يديه صفوفًا صفوفًا»169.

      وقد بينت الآثار كيفية اصطفاف الملائكة أنهم محيطون بالخلق صفًا من وراء صف، فتنزل ملائكة السماء الدنيا، ثم ملائكة السماء الثانية، وهلم جرًّا يحيطون بالخلق إظهارًا للعظمة، وإلا فإن الخلق لا يمكن أن يفروا يمينًا ولا شمالًا لكن إظهارًا لعظمة الله وتهويلًا لهذا اليوم العظيم، وهذا اليوم يوم مشهود يشهده الملائكة والإنس والجن والحشرات وكل شيء.

      كما جاء في الأثر: (تنزل ملائكة السماء الدنيا فيصفون، ومن ورائهم ملائكة السماء الثانية، ومن ورائهم ملائكة السماء الثالثة وهكذا)170.

      كل من وراء الآخر؛ ولهذا قال تعالى: ( ) يعني: صفًا بعد صف.

      ثم يأتي الرب عز وجل للقضاء بين عباده، وذلك الإتيان الذي يليق بعظمته وجلاله، ولا أحد يحيط علمًا بكيفيته171.

      موضوعات ذات صلة:

      الإيمان، التسبيح، الثبات، الحفظ، غزوة بدر، غزوة أحد


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/ ١٣٢

2 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٢٧/ ٤٨

3 انظر: العين، الفراهيدي ٥/ ٤٠٩.

4 انظر: جامع البيان، الطبري ١/ ٤٤٧، الزاهر في معاني كلمات الناس، الأنباري ٢/ ٢٥٤.

5 انظر: النكت في القرآن الكريم، أبو الحسن المجاشعي ص ١٢٥.

6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/ ٣٥١.

7 مختار الصحاح، الرازي ص ٢٩٨.

8 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٢/ ٢٥٠.

9 شرح الأصول الثلاثة، صالح الفوزان ص ٢٠٧.

10 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٦٧٤-٦٧٦.

11 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ١/١٣٢، المصباح المنير ١/٢٣.

12 مختار الصحاح، الجوهري ٥/٢٠٩٣.

وانظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٧/٢١٣، الكليات، الكفوي ص١٦٩.

13 الموسوعة العقدية، مجموعة من الباحثين ٨/٣٣٠.

14 مقاييس اللغة، ابن فارس ١/١٤٥، لسان العرب، ابن منظور ١/١٤٧.

15 التعريفات، الجرجـاني ص٣٨.

16 معالم التنزيل، البغوي ١/ ١٠٢.

17 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ١/ ٢٠-٢١.

18 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/ ٢٦٤.

19 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ٢١٦.

20 انظر: فتح القدير، الشوكاني ١/ ٧٤.

21 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٩.

22 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/ ٣٧.

23 الوسيط، الواحدي ١/ ١١٩.

24 مفاتيح الغيب، الرازي ٢/ ٤٢٧.

25 تفسير السمعاني ١/ ٦٧.

26 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ٢٢٧.

27 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ١/ ٤١٩.

28 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/ ٢٥٣.

29 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ٥٣٢.

30 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: (فأوحى إلى عبده ما أوحى)، رقم ٤٨٥٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى، رقم ٢٨٠.

31 فتح القدير، الشوكاني ٤/ ٣٨٨.

32 أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/ ٢٢٥.

33 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/ ١٦٨.

34 تفسير المراغي ١٤/ ٥٣.

35 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٧٤.

36 تفسير القرآن العظيم، ٥/ ٣٣٨ بتصرف يسير.

37 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٤٧٨.

38 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/ ٢٨٦.

39 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٢٢.

40 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/ ١٣٨.

41 محاسن التأويل، القاسمي ٨/ ٣٨٢ باختصار.

42 تفسير المراغي ٢٥/ ٧٨.

43 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/ ٨٠.

44 جامع البيان، الطبري ٢٤/ ٣١.

45 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب في شدة حر نار جهنم وبعد قعرها وما تأخذ من المعذبين، رقم ٢٨٤٢.

46 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٢٥٥٨، والحاكم في مستدركه، رقم ٣٧٤٢.

قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٥٨، رقم ٢٨٩١.

47 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/ ٢٨.

48 تفسير المراغي ٢٩/ ١٣٦ باختصار يسير.

49 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٣٣.

50 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١/٨١، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٦٨.

51 انظر: المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع ص٦٦٤.

52 أخرجه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين)، ٦/٨٠، رقم ٤٧٠١، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

53 انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد ص١١.

54 انظر: الفتح ١٣/٤٥٩.

55 انظر: جامع البيان ١٩/٦٥١-٦٥٤.

56 أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب الأمر بالسكون في الصلاة، والنهي عن الإشارة باليد، ورفعها عند السلام وإتمام الصفوف الأُوَلِ والتراص فيها والأمر بالاجتماع، ١/٣٢٢، رقم ٤٣٠، من حديث جابر بن سمرة.

57 أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، ١/٤٢٢، رقم ٥٩٧، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة ١/٢٥٨، رقم ٢٥٠، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ٣/١٦٧، رقم ١١٣٤، والطبراني في المعجم الكبير ٣/٢٠١، رقم ٣١٢٢، وابن أبي حاتم في تفسيره ١/٢٠٢، وأبو الشيخ في العظمة ٣/٩٨٦، ح٥٠٩.

وصححه، الألباني السلسلة الصحيحة ، رقم ١٠٦٠.

58 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٢٨، تفسير الوسيط، الواحدي ٣/٥٢١، معالم التنزيل، البغوي ٤/٢٦.

59 انظر: تفسير الوسيط، الواحدي ٣/٥٢١، معالم التنزيل، البغوي ٤/٢٦.

60 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٥٦٨.

61 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢٥٠٩٠.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ١٩٦٨.

62 جامع البيان، الطبري ١٣/ ١٥.

63 سبق تخريجه.

64 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/ ٢٦٧.

65 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤١٤.

66 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/ ٣٧١.

67 انظر: المصدر السابق ١١/ ٤١٠.

68 تفسير المراغي ٧/ ١٤٩.

69 أضواء البيان ٦/ ١٨٤ باختصار.

70 المصدر السابق ٢/ ٣٢٨.

71 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٥٥٦.

72 زهرة التفاسير، أبو زهرة ٨/ ٤١٢٩-٤١٣٠.

73 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٤/ ٣٣٠.

74 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٦٧.

75 تفسير السمعاني ٥/ ٢٥٧ بتصرف.

76 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/ ٤٦ باختصار.

77 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب في فضل الحب في الله، رقم ٢٥٦٧.

78 معالم التنزيل، البغوي ٢/ ٢٧٤.

79 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/ ٢٥.

80 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٢/ ٤٠٧.

81 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/ ٢١٢ باختصار.

82 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٦/ ٥٥٠.

83 مجموع فتاوى ابن تيمية ٤/ ٢٦٠-٢٦١ بتصرف يسير.

84 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/ ٤٤٤.

85 فتح البيان في مقاصد القرآن، صديق خان ١٥/ ٣٢٤.

86 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٣١.

87 تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، جزء عم ص ٢٧١ باختصار.

88 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/ ٣٧٧.

89 انظر: التفسير الموضوعي للقرآن الكريم ونماذج منه، أحمد الزهراني ص ٢٤-٢٥.

90 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ١٦٢.

91 التفسير الوسيط، الواحدي ٣/ ٣٦٢.

92 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٤٩.

93 معالم التنزيل، البغوي ١/ ١٤١.

94 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ابن القيم ٢/ ١٢٨.

95 تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، جزء عم ص ٧٦ باختصار.

96 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: (فأوحى إلى عبده ما أوحى)، رقم ٤٨٥٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى، رقم ٢٨٠.

97 تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، جزء عم ص ٧٧-٧٨ بتصرف واختصار.

98 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ٣٤٢ باختصار يسير.

99 تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، سورتي الفاتحة والبقرة ١/ ٣١٥.

100 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ابن القيم ٢/ ١٢٧.

101 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، رقم ٧٧٠، من حديث عائشة رضي الله عنها.

102 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ابن القيم ٢/ ١٢٨.

103 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/ ٢٤٠-٢٤١ باختصار.

104 تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١٠/ ٣٢٨٦.

105 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٧٠.

106 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٦/ ١٤٦-١٤٧ بتصرف.

107 أضواء البيان، الشنقيطي ٦/ ١٨٤.

108 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/ ٣٦٠-٣٦١، أضواء البيان، الشنقيطي ٦/ ١٨٤.

109 مجموع فتاوى ورسائل، ابن عثيمين ٣/ ١٦١.

110 تفسير المراغي ٢١/ ١٠٧.

111 لباب التأويل، الخازن ٤/ ٥٩ بتصرف يسير.

112 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ١٨٥٣٤، والحاكم في مستدركه، رقم ١٠٧.

قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ١٦٧٦.

113 أضواء البيان، الشنقيطي ٦/ ١٨٤-١٨٥.

114 جامع البيان، الطبري ٢٠/ ١٧٥.

115 عالم الملائكة الأبرار، عمر الأشقر ص ١٨.

116 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ١/ ٥٢١.

117 عالم الملائكة الأبرار، عمر الأشقر ص ١٨.

118 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦١.

119 انظر:تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، سورتي الفاتحة والبقرة ١/ ٣٣١-٣٣٣ .

120 انظر: معارج القبول بشرح سلم الوصول ٢/٦٦٠.

121 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢٠.

122 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب صفة القيامة، باب ما جاء في شأن الصور، ٤/٦٢٠، رقم ٢٤٣١، وأحمد في مسنده، ٥/١٤٤، رقم ٣٠٠٨.

قال الترمذي هذا حديث حسن.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ١٠٧٩.

123 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٦/٤٧٢، الإتقان في علوم القرآن، السيوطي ١/١٩٤.

124 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وعلم الساعة ١/١٩، رقم ٥٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإيمان ما هو وبيان خصاله، ١/٣٩، رقم ٩.

125 انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص ٢٩٧، منهج القرآن في الدعوة إلى الإيمان، علي فقيهي ص٢١.

126 انظر: المعجزات والغيبيات بين بصائر التنزيل ودياجير الإنكار والتأويل، عبد الفتاح إبراهيم سلامة ص١٦٣.

127 انظر: موسوعة فقه القلوب، محمد التويجري ١/٨٣٠ -٨٣١.

128 انظر: عالم الملائكة الأبرار، عمر الأشقر ص ٦٨-٦٩.

129 عالم الملائكة الأبرار، عمر الأشقر ص ٦٨ بتصرف يسير.

130 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين والملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه، رقم ٣٢٢٥.

131 عالم الملائكة الأبرار، عمر الأشقر ص ٦٩.

132 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب نهي من أكل ثومًا أو بصلًا أو كراثًا أو نحوها، رقم ٥٦٤.

133 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب دفن النخامة في المسجد، رقم ٤١٦.

134 عالم الملائكة الأبرار، عمر الأشقر ص ٦٩-٧٠.

135 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/ ٣٧٧.

136 فتح البيان في مقاصد القرآن، صديق خان ١/٢٣١.

137 انظر: موسوعة فقه القلوب، محمد التويجري ١/ ٨٣٥-٨٣٦.

138 تفسير المراغي ٣٠/ ٢١٠ بتصرف واختصار.

139 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٢.

140 انظر: عالم الملائكة الأبرار ص١٣.

141 انظر في ذلك: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٤٣، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٢٠٠، تفسير المراغي ٢٥/٧٦-٨١.

142 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٣٤.

143 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل ٤/٤٧.

144 انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ٢/٢٣٨.

145 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١/١٧٩، عالم الملائكة الأبرار، الأشقر ص٦٨.

146 أخرجه الإمام أحمد في المسند ٤/٣١٠، رقم ٢٥١٤.

وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.

147 أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، خلق آدم عليه السلام وذريته، ٤/١٣٢، رقم ٣٣٢٩.

148 انظر: فتح الباري، ابن حجر ٨/١٦٦.

149 انظر: إغاثة اللهفان ٢/٢٦١.

150 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/٤١٥، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي ابن أبي طالب ١٠/ ٦٦٧٨، معالم التنزيل، البغوي ٤/١٦٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/ ١٠١، فتح القدير، الشوكاني ٤/ ٦٤١.

151 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/ ٥٢٤.

152 معالم التنزيل، البغوي ٣/ ٥١.

153 زاد المسير، ابن الجوزي ٢/ ٦٧.

154 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/ ١٤٧.

155 تفسير المراغي ٢٤/ ١١٥.

156 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٤٦.

157 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٤٧٢.

158 جامع البيان، الطبري ١٧/ ٥٥٨ باختصار يسير.

159 فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٣٠٩ بتصرف يسير.

160 تفسير المراغي ١٥/ ٩٧ بتصرف يسير.

161 الإيمان، ابن تيمية ص ٦٧ بتصرف يسير.

162 جامع البيان، الطبري ٢٢/ ٥٢٩ بتصرف واختصار.

163 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/ ١٠٤.

164 فتح البيان في مقاصد القرآن، صديق خان ١١/ ٣٣٧- ٣٣٨.

165 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٢٢.

166 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٥١.

167 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٤٨٠.

168 انظر: عالم الملائكة الأبرار ٢٤.

169 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٣٩٩.

170 أخرجه الحاكم في المستدرك، ٤/٥٦٩، رقم ٨٦٩٩.

قال الذهبي إسناده قوي.

171 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، الفاتحة والبقرة ٣/١٣، وجزء عم ص٢٠١.