المكر
أولًا: المعنى اللغوي:
الميم والكاف والراء أصل صحيح يدل على الالتفاف، ولذلك سمي الشجر الملتف مكرًا، وعلى هذا فإن المعنى اللغوي للمكر هو أحد أمرين: الاحتيال في خفية والخداع، والآخر: خدالة الساق، وامرأةٌ ممكورة الساقين. أي: مستديرة الساقين1.
فمادة (مكر) الواردة في معاجم اللغة تدور حول الالتفاف، والفتل، والخداع، والتدبير2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
فرق كثير من العلماء بين المكر المضاف إلى الله تعالى، والمكر الواقع من الخلق، فأما المكر المضاف إلى الله تعالى يكون تعريفه، كما ذكر العلماء: «هو إرداف النعم مع المخالفة، وإبقاء الحال مع سوء الأدب، وإظهار الكرامات من غير جهد»3، ومن المعلوم أن هذا الشرح هو توضيح لمعنىً ظاهر؛ لكن في حق الله تعالى فإن المكر صفة من صفاته، نؤمن بها بلا تكييف ولا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه.
يضاف إلى أن بعض العلماء ذكر أن إمهال الله تعالى للعبد وتمكينه من بعض أعراض الدنيا من مكره جل جلاله، ولذلك قال أمير المؤمنين رضي الله عنه: «من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن عقله»4.
وأما مكر العبد، فقد عرفه أكثر من واحد، منهم:
تعريف الراغب الأصفهاني بأنه: «صرف الغير عما يقصده بحيلة»5.
وعرفه الجرجاني بأنه: «إيصال المكروه إلى الإنسان من حيث لا يشعر»6.
وردت مادة (مكر) في القرآن على صيغ متعددة، بلغت(٤٣) مرة7.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١١ |
(ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الرعد:٤٢] |
الفعل المضارع |
١١ |
(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [يونس:٢١] |
المصدر |
١٩ |
(ﭸ ﭹ ﭺ) [الأعراف:٩٩] |
اسم الفاعل |
٢ |
(ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران:٥٤] |
وورد المكر في الاستعمال القرآني بمعنى: الاحتيال، ويكون بالقول والفعل، وهو ضربان:
الخيانة:
الخيانة لغةً:
الاحتيال والخداع. فالخيانة خلاف الأمانة9.
الخيانة اصطلاحًا:
«مخالفة الحق بنقض العهد في السر»10.
الصلة بين الخيانة والمكر:
الخيانة والمكر يشتركان في الاحتيال في الخفاء11، ويختلفان في أن المكر: صرف الغير عما يقصده بحيلة، وقد يكون محمودًا، عندما يتحرى بذلك فعل جميل، وقد يكون مذمومًا، وهو: أن يتحرى به فعل قبيح، بينما الخيانة لا تكون إلا شرًا محضًا، فلا توجد خيانة محمودة؛ لذلك لا تضاف الخيانة إلى الله تعالى بأي حال من الأحوال.
الكيد:
الكيد لغةً:
هو المكر والخبث، والحيلة، والحرب12.
الكيد اصطلاحًا:
«إرادة مضرة الغير خفية، وهو من الخلق: الحيلة السيئة، ومن الله سبحانه وتعالى: التدبير بالحق لمجازاة أعمال الخلق »13.
الصلة بين الكيد والمكر:
بينهما تشابه من حيث إن المكر مثل الكيد في أنه لا يكون إلا مع تدبر وفكر.
ويفترقان في كون الكيد أقوى من المكر، والدليل أنه يتعدى بنفسه والمكر يتعدى بحرف، وأن المكر تقدير ضرر الغير من دون أن يعلم به، والكيد: اسم لإيقاع المكروه بالغير قهرًا سواء علم أم لا 14.
الاحتيال:
الاحتيال لغةً:
(احتال) من الحيلة. واحتال عليه بالدين من الحوالة15.
الاحتيال اصطلاحًا:
استنفاذ طريقة أو طرق؛ لتحويل المرء عما يكرهه إلى ما يحبه16.
الصلة بين المكر والاحتيال:
ذكر أبو هلال العسكري فرقين بينهما:
الأول: أن من الحيل ما ليس بمكر، وهو أن يقدر نفع الغير لا من وجهه، فيسمى ذلك حيلة مع كونه نفعًا، والمكر لا يكون نفعًا.
والآخر: أن المكر تقدير ضرر الغير من غير أن يعلم به وسواء كان من وجهه أو لا، والحيلة: لا تكون من غير وجهه17.
الخديعة:
الخديعة لغةً:
«(خدع) خدعًا، تغير من حالٍ إلى حالٍ، يقال: خدع فلان، تخلق بغير خلقه»18.
الخديعة اصطلاحًا:
تخلقٌ بغير الخلق السائد بين الناس؛ لجر المخدوع لما يريده المخادع.
الفرق بين المكر والخديعة:
الممكور به لا يحتسب أن يأتي من الماكر سوء، ولكن المخدوع عداوته ظاهرة، وتربصهما معلوم، ولكنه ينتظر السوء، ويتحسب له من طريق فيفاجئه من طريق أخرى19.
يتحدث هذا العنوان عن أسباب المكر كما وردت في القرآن:
أولًا: إسناد المكر إلى الله:
جاء إضافة المكر إلى الله تعالى في العديد من الآيات، كما في قوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف ٩٩].
وقوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [آل عمران ٥٤].
وقوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأنفال ٣٠].
واختلف المفسرون في هذه الإضافة وتوجيهها على أقوال:
الأول: إن ذلك من باب المشاكلة والمقابلة.
والمشاكلة: ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته20. فإضافة المكر إلى الله من باب المشاكلة؛ لأن الله تقدس عن أن يستعمل في حقه المكر، وقد جاء هذا الأسلوب -المشاكلة- في مواضع كثيرة من القرآن.
فيكون المراد بمكر الله هو إهلاك الكفار من حيث لا يشعرون على سبيل الاستعارة المنضمة الى المشاكلة، وفيه تشبيه الإهلاك بالمكر في كونه إضرارًا في الخفاء؛ لأن حقيقة المكر هو الإيقاع بالآخرين.
قال البغوي في قوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [آل عمران ٥٤].
فالمكر من المخلوقين: الخبث والخديعة والحيلة، والمكر من الله: استدراج العبد وأخذه بغتة من حيث لا يعلم، كما قال: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأعراف ١٨٢]21.
ويشكل على هذا أن المكر قد جاء في غير المشاكلة، كما في قوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف ٩٩].
فقد ذكر الله تعالى هنا مكره وحده، ولم يذكر مكر عبده، كما قال هناك: (ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأنفال ٣٠].
ذكر مكرهم ومكره، وهنا ذكر مكره وحده22.
وقد رد على هذا الإشكال ابن عاشور، حيث قال: «وجاز إطلاق المكر على فعل الله تعالى دون مشاكلة، كما في قوله: (ﭸ ﭹ ﭺ) وبعض أساتذتنا يسمي مثل ذلك مشاكلة تقديرية23.
فيكون المكر الوراد في آية الأعراف (ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف ٩٩].
من باب المشاكلة التقديرية، وهو موافق لتعريف المشاكلة عند السيوطي، حيث يقول: المشاكلة: ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقًا أو تقديرًا24.
الثاني: إن المكر أسند إلى الله على سبيل المجازاة.
فقوله: (ﭸ ﭹ ﭺ) [الأعراف ٩٩].
أي: جزاء مكرهم، وسمي جزاء المكر مكرًا كما سمي جزاء السيئة سيئة، وجزاء الاعتداء اعتداء، وإن لم يكن الثاني اعتداء ولا سيئة، فعلى ذلك تسمية جزاء المكر مكرًا وإن لم يكن الثاني مكرًا.
قال الماتريدي: «ألا ترى أنه لم يجز أن يسمى مكارًا ولو كان على حقيقة المكر لسمي بذلك؛ فدل أنه جزاء، وجائز أن يكون المراد من مكره جزاء مكرهم سمي الجزاء باسم المكر لأنه جزاؤه؛ كقوله: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الشورى ٤٠].
والثانية ليست بسيئة25.
وقال الزجاج: مكر الله عز وجل مجازاته على مكرهم، فسمى الجزاء باسم الابتداء لأنه في مقابلته؛ كقوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ) [البقرة ١٥].
وقوله: (ﭼ ﭽ) [النساء ١٤٢]26. وكما قال عمرو بن كلثوم27:
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
والمقصود أن من الوجوه في إطلاق المكر على الله أن يكون ذلك من باب الجزاء؛ لأنه لا يجوز إضافة المكر والخداع والاستهزاء مبتدأً إلى الله؛ لأنه مذموم من الخلق إلا على المجازاة، فكيف من الله عز وجل ؟!28.
الثالث: إن إضافة المكر إلى الله من باب إضافة المخلوق إلى خالقه.
قال ابن عطية: إضافة (مكر) إلى الله في قوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ) [الأعراف ٩٩].
إضافة مخلوق إلى الخالق، كما تقول: ناقة الله، وبيت الله29.
وكذا قال الحلبي: «ومعنى (مكر الله) أي إضافة المخلوق إلى الخالق؛ كقولهم: ناقة الله وبيت الله، والمراد به فعل يعاقب به الكفرة، وأضيف إلى الله لما كان عقوبة الذنب، فإن العرب تسمي العقوبة على أي جهة كانت باسم الذنب الذي وقعت عليه العقوبة، وهذا نص في قوله: (ﭛ ﭜ ﭝ) [آل عمران ٥٤]. قاله ابن عطية. قلت: وهو تأويل حسن»30.
الرابع: إن إضافة المكر إلى الله من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
قال الشنقيطي بعد أن ذكر قول من قال إن ذلك من باب المشاكلة: «والتحقيق: أن المكر صفة أطلقها الله على نفسه، ولا يجوز إطلاقها على الله إلا في الموضع الذي يطلقها هو على نفسه، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع جميع العلماء أنه لا يجوز أن يشتق له منها اسم، فلا تقل: من أسمائه الماكر؛ لأن ذلك لا يجوز إجماعًا.
ومعنى (مكر الله): أنه جل وعلا يستدرجهم، ويغدق عليهم النعم والصحة والعافية، حتى يكونوا أغفل ما كانوا، ثم يأخذهم بغتة، ويهلكهم في غاية الغفلة، وهذا فعل أحسن ما يكون وأبلغ ما يتصور، وقد ضربوا مثلًا -ولله المثل الأعلى- قالوا: لو فرضنا أن هنالك رجلًا شديد البلية على الناس، يقتل هذا، ويظلم هذا، وجميع الناس في غاية التأذي منه، ثم إن رجلًا صالحًا كريمًا طيبًا احتال عليه بحيلة شريفة حتى قتله، وأراح الناس منه، فكلهم يقول: جزاك الله خيرًا، والله إن قتلك له في صورة خفاءٍ إنه أحسن ما يكون، وعلى كل حال فالله لا يصف نفسه إلا بما هو في غاية الحسن والجمال واللياقة، فوصف نفسه هنا بأنه يهلك الكافرين بمكره، وأن كيده متين، كما قال: (ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأعراف ١٨٣]»31.
والمقصود أن المكر وصف لله، وصفات الله تعالى كلها صفات كمال، دالة على أحسن المعاني وأكملها.
قال الله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ) [النحل ٦٠].
وقال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽﭾ ﭿ ﮀ) [الروم ٢٧].
ومعنى المثل الأعلى أي: الوصف الأكمل، قال السعدي: «المثل الأعلى هو كل صفة كمال»32.
فلا يجوز إذن وصف الله بالمكر على سبيل الإطلاق، أما وصف الله بالمكر في موضعه في مقابلة أولئك الذين يمكرون به وبرسله فإن هذا جائز؛ لأنه في هذه الحال يكون صفة كمال.
فعلى المسلم أن يعتقد بأن الله عز وجل منزه عن كل ما لا يليق به سبحانه من النقائض، وصفات المخلوقين، كما قال: (ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الشورى ١١].
وتنزيه الله تعالى يكون وفق المنهج الرباني الذي ورد في النصوص الشرعية، بحيث لا يثبت الإنسان لله تعالى ما لم يثبته لنفسه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا ينفي عنه ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يقف مع النصوص الشرعية إثباتًا ونفيًا مع اعتقاد كمال الله.
ومن هذا القبيل لفظ: (المكر) حيث أضيف في القرآن إلى الله تعالى: ويتمثل الموقف الصحيح فيما قرره ابن القيم حيث قال: «وأما ما ورد بلفظ الفعل كقوله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [آل عمران ٥٤].
(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [النمل ٥٠].
فهذا يطلق على الله كما ورد، ولا يجوز أن يشتق لله منه اسم، فلا يقال: من أسمائه (الماكر) ولا الكائد؛ لأنه لم يرد».
وقال: «وأما المكر الذي وصف به نفسه فهو مجازاته للماكرين بأوليائه ورسله فيقابل مكرهم السيئ بمكره الحسن، فيكون المكر منهم أقبح شيء ومنه أحسن شيء لأنه عدل ومجازاة، وكذلك المخادعة منه جزاء على مخادعة رسله أوليائه فلا أحسن من تلك المخادعة والمكر»33.
والحاصل أن هذه الأفعال أطلقها الله تعالى على نفسه على سبيل الجزاء العدل والمقابلة، وهي فيما سيقت فيه مدح وكمال، لكن لا يجوز أن يشتق منها أسماء ولا تطلق عليه عز وجل في غير ما سيقت له من آيات.
قال صاحب المنار: «ولما كان المكر في الأصل: التدبير الخفي المفضي بالممكور به إلى ما لا يحتسب؛ وكان الغالب أن يكون ذلك في السوء؛ لأنه من العباد مراوغة وخداع للوصول إلى أهدافهم الخبيثة، غلب استعمال المكر في التدبير السيئ وإن كان في المكر الحسن والسيئ جميعًا.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [فاطر٤٣].
ووجه الحاجة إلى المكر الحسن أن من الناس من إذا علم بما يدبر له من الخير أفسد على الفاعل تدبيره لجهله، فيحتاج مربيه أو متولي شئونه إلى أن يحتال عليه، ويمكر به ليوصله إلى ما لا يصح أن يعرفه قبل الوصول؛ إذ يوجد في الماكرين الأشرار والأخيار والله خير الماكرين، فإن تدبيره الذي يخفى على عباده إنما يكون لإقامة سننه، وإتمام حكمه، وكلها خير في نفسها، وإن قصر كثير من الناس في الاستفادة منها بجهلهم، وسوء اختيارهم»34.
وهذه الأقوال كلها صواب، سواء من قال: إن ذلك من باب المشاكلة والمقابلة، أو إن المكر أطلق على الله على سبيل المجازاة، أو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه أو إن إضافة المكر إلى الله من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.
ثانيًا: أسباب المكر:
المكر نوعان، مكر محمود، ومكر مذموم، ولكل نوعٍ أسباب.
١. أسباب المكر الحسن.
من يتتبع أسباب المكر الحسن في القرآن الكريم يجدها على النحو الآتي:
مكر الله تعالى بأعداء دينه ورسله -بعد أن يستفرغوا كل أنواع الكيد والمكر في الصد عن دينه ومحاربة أوليائه- يأتي نصرة لأوليائه، وتأييدًا لعباده المؤمنين.
وقد وصف الله تعالى شدة مكر الأعداء بالمؤمنين، فقال: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [إبراهيم ٤٦].
قال ابن عطية: «تعظيم مكرهم وشدته، أي: أنه مما يشقى به، ويزيل الجبال عن مستقراتها لقوته، ولكن الله تعالى أبطله، ونصر أولياءه، وهذا أشد في العبرة»35.
ومع أن مكرهم بالمؤمنين شديد إلا أن الله قد جعل مكرهم كأن لم يكن؛ إذ أضاف المكر كله له، فقال: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [الرعد ٤٢].
ومعنى مكره تعالى: عقوبته إياهم، سماها مكرًا إذ كانت ناشئة عن المكر؛ وذلك على سبيل المقابلة36.
ومن المهم معرفته في هذه القضية أن تحذير الله المؤمنين من الماكرين ليس من التخويف؛ وإنما لأخذ الحيطة، وبذل الأسباب في دفع مكر الماكرين؛ وللعلم في المقابل بأن مكرهم محدودٌ، ولن يبلغ مبلغه.
فالمسلم يعلم يقينًا أن سنة الله في الماكرين لا بد لها من أسباب، ومن أهم هذه الأسباب أن يعمل المسلمون الأعمال التي تمنع وقوع مكر المجرمين، أو تبطل وتزيل مكر المفسدين، أو تخفف ضرر مكر الماكرين، وكذلك سنن الله في نصر المؤمنين، والتمكين لهم، والدفاع عنهم، وحفظهم وتأييدهم وإظهارهم على عدوهم لا تحصل للمؤمنين إلا بالأعمال المحققة والجالبة لوجود هذه السنن بفضل الله ورحمته وإحسانه، ولن تحصل هذه السنن للبطالين، أو المقصرين في الأعمال الصالحة المناسبة لهذه السنن الربانية، كما بينها الله لنا في كتابه، وربط السنن بأسبابها.
ولهذا قال: (ﰅ ﰆ ﰇ) أي: أن مكر جميع الماكرين له ومنه، أي: هو حاصل بتخليقه وإرادته؛ لأنه ثبت أن الله تعالى هو الخالق لجميع أعمال العباد، وأيضًا فذلك المكر لا يضر إلا بإذن الله تعالى، ولا يؤثر إلى بتقديره، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وأمان له من مكرهم، كأنه قيل له: إذا كان حدوث المكر من الله، وتأثيره من الممكور به أيضًا من الله، وجب أن لا يكون الخوف إلا من الله تعالى، وأن لا يكون الرجاء إلا في الله تعالى، وذهب بعض الناس إلى أن المعنى: فلله جزاء المكر؛ وذلك لأنهم لما مكروا بالمؤمنين بين الله تعالى أنه يجازيهم على مكرهم37.
وقد أخبر الله تعالى في القرآن أنه أبطل مكر الماكرين، وكيد الكائدين بأوليائه، حيث قال عن كيد الكفار بإبراهيم: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأنبياء ٧٠ -٧١].
وقال تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الرعد ٤٢].
فحذر الله تعالى هؤلاء الكفار من سوء عاقبة مكرهم، وتكذيبهم للرسل، وعدم اعتبارهم بمن سبقهم، وبين أن هذا المكر سيجدون عاقبته مهما كان شديدًا ومحكمًا، فهو لا يساوي شيئًا أمام مكر الله الذي أعده لهم، انتصارًا لرسله، ووفاء بعهده لهم بالنصر والتمكين.
ومما يؤيد ذلك قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [إبراهيم ٤٧].
بنجاتهم ونجاة أتباعهم وسعادتهم وإهلاك أعدائهم وخذلانهم في الدنيا، وعقابهم في الآخرة، فهذا لا بد من وقوعه؛ لأنه وعد به الصادق، قولًا على ألسنة أصدق خلقه وهم الرسل، وهذا أعلى ما يكون من الأخبار، خصوصًا وهو مطابق للحكمة الإلهية، والسنن الربانية، وللعقول الصحيحة، والله تعالى لا يعجزه شيء فإنه (ﮝ ﮞ ﮟ) [إبراهيم ٤٧]38.
وهكذا سنة الله في الماكرين، فقد أهلك الله قريشًا حين مكرت بنبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، ونصره الله عليهم، ومن قبلها مكر فرعون فكان مكره وبالًا عليه، وحاق به العذاب في الدنيا بالغرق، وفي الآخرة بالحرق.
قال تعالى في قصة الرجل المؤمن بموسى من قوم فرعون: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [غافر ٤٥-٤٦].
وصدق الله تعالى بالقائل: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [فاطر ٤٣].
ثم ذكر بعد ذلك في الآيات اللاحقة أن الله ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فقال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [غافر ٥١].
فهذه سنة الله قديمًا وحديثًا، نصرة الحق وأتباعه، وإزهاق الباطل وأشياعه، وهذا الحكم وهذه السنة مما تقتضيه الحكمة الإلهية، وهو شأن الله المستمر بنصرة رسله وأتباعهم في الدنيا بالحجة والظفر، والانتقام لهم من الكفرة بالاستئصال والقتل والسبي، وغير ذلك من العقوبات، فضلًا عن عذاب الآخرة.
ومن أسباب المكر الحسن أن الله يمكر بالمتكبرين الظلمة، ويوقع بهم في شر أعمالهم، من حيث لا يشعرون، وحقيقة مكر الله جل وعلا أنه يستدرج العبد، ويملي له، حتى إذا أخذه لم يفلته، فييسر له الأمور حتى يظن أنه في غاية المأمن، فيكون ذلك استدراجًا في حقه، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيت الله يعطي العبد ما يحب، وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك له منه استدراج)39.
وهذا ظاهر من معنى المكر؛ لأن في المكر والكيد وأمثالهما معنى الاستدراج.
والاستدراج من أكثر أنواع المكر الإلهي حيلة، فالله سبحانه وتعالى بحكمته يفتح على أهل المكر من نعيم الدنيا ما يشغلهم عن توقع العقوبة، ويمهلهم طويلًا، حتى إذا اطمأنوا، وفرحوا بما أوتوا، أخذهم بالعقوبة على حين غرة، فالاستدراج دنو من العقوبة شيئًا فشيئًا.
وأصل الاستدراج اغترار المستدرج بلطف من استدرجه، حيث يرى المستدرج أن المستدرج إليه محسنٌ، حتى يورطه مكروهًا40.
وقد قال الجرجاني: الاستدراج: هو أن تكون بعيدًا من رحمة الله تعالى، وقريبًا إلى العقاب تدريجيًا، أو هو: الدنو إلى عذاب الله بالإمهال قليلًا قليلًا41. وهذا هو مكر الله بالعبد، نسأل الله السلامة والعافية.
وعرفه المناوي بقوله: الاستدراج: تلوين المنة بغير خوف الفتنة، وقيل: انتشار الذكر بدون خوف المكر، وقيل: تعليل برجاء، وتأصيل بغير وفاء42.
وقال الكفوي: الاستدراج: هو أن يعطي الله العبد كل ما يريده في الدنيا ليزداد غيه وضلاله، وجهله وعناده، فيزداد كل يوم بعدًا من الله تعالى43.
وسنة الاستدراج من المكر الذي يحل بالظالمين، يستدرجهم الله بالنعم التي ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب والنقمة، يستدرج بها الله تعالى المسرفين والظالمين، فتلهيهم النعمة وتبطرهم، فينخر بنيانهم من الداخل فينهار، وذلك هو المـحق والسقوط في حياة هذه الأمم، وهذا السقوط يتم عادة بغتة، وبصورة مفاجئة.
فبعض من أغدق الله جل جلاله عليهم بالصحة في الأبدان، والسعة في الرزق، والأمن في الأوطان، مع ما يرتكبون من المعاصي والآثام، والتكبر والظلم، والتجرؤ على ما حرم الله يظنون أن تتابع هذه النعم، وتزايد هذه المنن هو دليل على حب المنان، ورضا الرحمن! فأصابهم بسبب ذلك العجب، وتسلط عليهم الغرور، والحقيقة أن هذا ما هو إلا مكر من الله بهم واستدراج! انخدع به من كان قبلهم! فأخذهم رب العزة -جل وعلا- أخذ عزيز مقتدر، فتركهم لمن خلفهم عبرة، ولغيرهم آية!
قال سبحانه: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الأنعام ٤٤].
قال ابن كثير رحمه الله: «(ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ)أي: أعرضوا عنه وتناسوه، وجعلوه وراء ظهورهم (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) أي: فتحنا عليهم أبواب الرزق من كل ما يختارون، وهذا استدراج منه تعالى، وإملاء لهم عياذًا بالله من مكره؛ ولهذا قال: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) من الأموال والأولاد والأرزاق (ﰇ ﰈ) أي: على غفلة (ﰉ ﰊ ﰋ) أي: آيسون من كل خير»44.
وقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [القلم ٤٤-٤٥].
ويستفاد من الآيات السابقة وآيات أخرى، وبعض الأحاديث الشريفة الواردة في شأن الاستدراج، أو العذاب الاستدراجي أن الله لا يتعجل بالعذاب على الطغاة والعاصين المتجرئين، وفقًا لسنته في عباده، بل يفتح عليهم أبواب النعم، فكلما ازدادوا طغيانًا زادهم نعمًا، وهذا الأمر لا يخلو من إحدى حالتين:
فإما أن تكون هذه النعم مدعاة للتنبيه والإيقاظ، فتكون الهداية الإلهية في هذه الحال عملية، أو أن هذه النعم تزيدهم غرورًا وجهلًا؛ فعندئذٍ يكون عقاب الله لهم في آخر مرحلة أوجع؛ لأنهم حين يغرقون في نعم الله وملذاتهم ويبطرون، فإن الله سبحانه يسلب عندئذٍ هذه النعم منهم، ويطوي سجل حياتهم، فيكون هذا العقاب صارمًا وشديدًا.
والآية الثانية وهي قوله تعالى: (ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [القلم ٤٥].
تؤكد الموضوع ذاته، وتشير بأن الله لا يتعجل بالعذاب عليهم، بل يمهلهم لعلهم يحذرون ويتعظون، فإذا لم ينتبهوا من نومتهم ابتلوا بعذاب الله، فتقول الآية: (ﭪ ﭫ) [القلم ٤٥].
لأن الاستعجال يتذرع به من يخاف الفوت، والله قوي ولا يفلت من قبضته أحد (ﭭ ﭮ ﭯ) [القلم ٤٥].
و(المتين) معناه: القوي المحكم الشديد، وأصله مأخوذ من المتن، وهو العضلة المحكمة التي تقع في جانب الكتف (في الظهر)45.
وهذه السنة هي نفسها سنة الإملاء في القرآن، وإنما يسميها القرآن بالاستدراج؛ لأن الله تعالى يستدرج بها المسرفين الى السقوط، ويسميها القرآن بـ«الاملاء» لأن الله يملي فيها للمسرفين، والإملاء هو الإمداد، كما قال الله: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الرعد ٣٢].
وكما يقول الراغب في المفردات في قوله: (ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأعراف ١٨٣].
قال بعضهم: أراد بالكيد العذاب، والصحيح أنه هو الإملاء والإمهال المؤدي إلى العقاب، كقوله: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [آل عمران ١٧٨].
وقوله: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [يوسف ٥٢].
فخص الخائنين تنبيهًا أنه قد يهدي كيد من لم يقصد بكيده خيانة، ككيد يوسف بأخيه، وقوله: (ﯺ ﯻ) [الأنبياء ٥٧].
أي: لأريدن بها سوءًا، وقال: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الصافات ٩٨].
وقوله: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [المرسلات ٣٩].
وقال: (ﮂ ﮃ)[طه ٦٩]46.
والمقصود أن معنى مكر الله سبحانه وخدعته هو جزاؤه الإنسان الماكر والخادع على مكره وخديعته، فالله عز وجل لا يسخر، ولا يستهزئ، ولا يمكر، ولا يخادع؛ ولكنه عز وجل يجازيهم جزاء السخرية، وجزاء الاستهزاء، وجزاء المكر والخديعة، فمكر الله سبحانه وتعالى نوع من العقوبة والانتقام والقهر، يجري على العباد لمواجهة أعمالهم السيئة.
ومكر الله يجري على المسيء بأسلوب خفي دون أن يعرف به، أو يطلع عليه في مقام الانتقام؛ لما قام به من أعمال سيئة، ومظالم مشينة، ومكر الله في خفائه يتمثل بالإملاء حينما يمهل الله سبحانه وتعالى الكفار والفاسقين؛ ليزدادوا في ظلمهم وطغيانهم، ويملي لهم لتزداد عقوبتهم (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)[آل عمران ١٧٨].
ومن أسباب المكر الحسن المكر في الحرب؛ فليس في الحرب لين ولا هوادة، إما نصر وغلبة، وإما ذل وهزيمة، وقد أباح الله تعالى المكر والخديعة في الحرب لنصر دينه، وإعلاء كلمته، وللإيقاع بالكفار أعداء الله ودينه، ونصر المستضعفين الذين فتنهم الجبابرة، ومنعوا الدين الحق من الوصول إليهم؛ لذلك كان التهديد بغضب الله والوعيد بعذاب النار لمن فر يوم الزحف؛ لأن ذلك يؤدي إلى كشف ظهور المسلمين وهزيمتهم، والحرب ليست بالأمر الهين، بل تحتاج إلى إعمال عقل، وتدبير محكم، وتخطيط جيد، وصبر على مشاقها، يقول صاحب العقد الفريد: «الحرب رحى ثقالها الصبر، وقطبها المكر، ومدارها الاجتهاد، وثقافتها الأناة، وزمامها الحذر، ولكل شيء من هذه ثمرة، فثمرة الصبر التأييد، وثمرة المكر الظفر، وثمرة الاجتهاد التوفيق، وثمرة الأناة اليمن، وثمرة الحذر السلامة، ولكل مقام مقال، ولكل زمان رجال، والحرب بين الناس سجال، والرأي فيها أبلغ من القتال47.
لذلك كانت الحيلة والمكر مباحة في الحرب لحقن دماء المسلمين، وقد جاء الإذن بالتحرف للقتال، واستعمال الحيلة في الحرب في قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ) [الأنفال ١٦].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحرب خدعة)48.
ومن دواعي المكر الإلهي الانتقام ممن حاد الله ورسوله.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [النمل ٥١].
ومكرهم ما روي أن هؤلاء التسعة الذين عقروا الناقة لما كان في صدر الثلاثة الأيام بعد عقر الناقة، وقد أخبرهم صالح بمجيء العذاب اتفقوا وتحالفوا على أن يأتوا دار صالح ليلًا، ويقتلوه وأهله المختصين به، قالوا: فإذا كان كاذبًا في وعيده أوقعنا به ما يستحق، وإن كان صادقًا كنا عجلناه قبلنا، وشفينا نفوسنا49.
فهذا هو مكرهم الذي أشار الله إليه في قوله: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النمل ٤٩].
وقال تعالى في آية أخرى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [إبراهيم ٤٦].
والمعنى: أن الله محيط بهم وبمكرهم، وإن كان مكرهم من القوة والتأثير حتى ليؤدي إلى زوال الجبال، أثقل شيء وأصلب شيء، وأبعد شيء عن تصور التحرك والزوال، فإن مكرهم هذا ليس مجهولًا، وليس خافيًا، وليس بعيدًا عن متناول القدرة، بل إنه لحاضر (عند الله) يفعل به كيفما يشاء (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [إبراهيم ٤٧].
فما لهذا المكر من أثر، وما يعوق تحقيق وعد الله لرسله بالنصر، وأخذ الماكرين أخذ عزيز مقتدر (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) لا يدع الظالم يفلت، ولا يدع الماكر ينجو، وكلمة الانتقام هنا تلقي الظل المناسب للظلم والمكر، فالظالم الماكر يستحق الانتقام، وهو بالقياس إلى الله تعالى يعني تعذيبهم جزاء ظلمهم، وجزاء مكرهم، تحقيقًا لعدل الله في الجزاء، وسيكون ذلك لا محالة (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [إبراهيم ٤٨].
ولا ندري نحن كيف يتم هذا؟ ولا طبيعة الأرض الجديدة وطبيعة السماوات، ولا مكانها، ولكن النص يلقي ظلال القدرة القادرة التي تبدل الأرض، وتبدل السماوات في مقابل ذلك المكر الذي مهما اشتد فهو ضئيل عاجز حسير.
وفجأة نرى ذلك قد تحقق (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) وأحسوا أنهم مكشوفون لا يسترهم ساتر، ولا يقيهم واق، ليسوا في دورهم، وليسوا في قبورهم، إنما هم في العراء أمام الواحد القهار، ولفظة (القهار) هنا تشترك في ظل التهديد بالقوة القاهرة التي لا يقف لها كيد الجبابرة، وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، ثم ها نحن أولًاء أمام مشهد من مشاهد العذاب العنيف القاسي المذل، يناسب ذلك المكر، وذلك الجبروت50.
٢. أسباب المكر السيِّئ.
الاستكبار طلب الكبر من غير استحقاق51. والكبرياء: اسم للتكبر والعظمة»52.
وقد أشار الله سبحانه وتعالى أن من دواعي مكر الماكرين الاستكبار في الأرض، حيث قال: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [فاطر ٤٣].
فقوله: (ﯝ)أي: طلبًا لإيجاد الكبر لأنفسهم (ﯞ ﯟ) أي: التي من شأنها السفول والتواضع والخمول، فلم يكن نفورهم لأمر محمود ولا مباح، ويجوز أن يكون استكبارًا بدلًا من نفورًا، وأن يكون حالًا، أي: حال كونهم مستكبرين53.
وقوله تعالى: (ﯠ ﯡ) هذا من إضافة الموصوف إلى صفته في الأصل؛ إذ الأصل (والمكر السيِّئ) أي: الذي من شأنه أن يسوء صاحبه وغيره، وهو إرادتهم لإهانة أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإطفاء نور الله عز وجل 54.
والمقصود أن سبب النفور هو الاستكبار ومكر السيئ، أي: الحامل لهم على الابتعاد من الحق هو الاستكبار والمكر السيئ، وهو الخداع الذي ترومونه برسول الله صلى الله عليه وسلم، والكيد له55.
(ﯣ) أي: والحال أنه لا (ﯢ ﯣ ﯤ) أي: يحيط إحاطة لازمة خسارة (ﯥ ﯦ) أي: الذي هو عريق في السوء (ﯧ ﯨ) أي: وإن أذى غير أهله، لكنه لا يحيط بذلك الغير، فإن قيل: كثيرًا ما نرى الماكر يمكر ويفيده المكر، ويغلب الخصم بالمكر، والآية تدل على عدم ذلك، أجيب بأجوبة:
أحدها: أن المكر في الآية هو المكر الذي مكروه مع النبي صلى الله عليه وسلم، من العزم على القتل والإخراج، ولم يحق إلا بهم، حيث قتلوا يوم بدر وغيره.
ثانيها: أنه عام، وهو الأصح.
ثالثها: أن الأعمال بعواقبها، ومن مكر بغيره ونفذ فيه المكر عاجلًا في الظاهر فهو في الحقيقة هو الفائز، والماكر هو الهالك، كمثل راحة الكافر ومشقة المسلم في الدنيا، ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: (ﯪ ﯫ) أي: ينتظرون (ﯬ ﯭ ﯮ) أي: سنة الله تعالى فيهم من تعذيبهم56.
ومما يدل على أن من دواعي المكر الكبر والاستكبار قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنعام ١٢٣].
أي: (ﮱ) أي: مثل ما زينا للكافرين سوء أعمالهم، فكان أكابر أهل مكة يمكرون فيتبع غيرهم مكرهم (ﯓ)أي: بما لنا من العظمة في إقامة الأسباب لما يعلي كلمة الإنسان، أو يجعله حقير الشأن (ﯔ ﯕ ﯖ) أي بلد جامع، ولما كان الكبر مختلف الأنواع باختلاف أشخاص المجرمين، طابق بأفعال التفضيل المقصودين لها في الجمع على إحدى اللغتين، وعبر بصيغة منتهى الجمع دلالة على تناهيهم في الكثرة، فقال: (ﯗ ﯘ) أي: القاطعين لما ينبغي أن يوصل؛ ولما كان من شأن الإنسان استجلاب أسباب الرفعة لنفسه، وكان لا يصل إلى ذلك في دار ربط المسببات بحكمة الأسباب إلا بالمكر، وكان الأكابر أقدر على إنفاذ المكر، وترويج الأباطيل بما لأغلب الناس من السعي في رضاهم طمعًا فيما عندهم، وكان الإنسان كلما تمكن من ذلك أمعن فيه، وكان الكبير إنما يصل إلى ما قدر له من ذلك57.
ومن دواعي المكر السيِّئ: الإفراط في حب الشهوات الذي يؤدي إلى المكر والطغيان، والمتأمل في حياة الكفار وأرباب الشهوات يجد أن من الأخلاق البارزة في حياتهم المكر والخداع من أجل الحفاظ على شهواتهم ومصالحهم؛ إذ لا رادع لهم عن ذلك؛ لأنهم فقدوا الإيمان، ودوره في محاسبة النفس.
ومن الشواهد القرآنية على هذا المنحى المنحرف ما قصه الله تعالى من مكر زليخا امرأة العزيز بالنسوة، عندما علمت بمكرهن بها، حيث قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [يوسف ٣١].
فإن قيل: فما كان مكر النسوة اللاتي مكرن به وسمعته امرأة العزيز، فإن الله سبحانه لم يقصه في كتابه؟
قيل: بلى؛ قد أشار إليه بقوله: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [يوسف ٣٠].
وهذا الكلام متضمن لوجوه من المكر:
أحدها: قولهن: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [يوسف ٣٠].
ولم يسمينها باسمها، بل ذكرنها بالوصف الذي ينادى عليها بقبيح فعلها بكونها ذات بعل؛ فصدور الفاحشة منها أقبح من صدورها ممن لا زوج لها.
الثاني: أن زوجها عزيز مصر ورئيسها وكبيرها، وذلك أقبح لوقوع الفاحشة منها.
الثالث: أن الذي تراوده مملوك لا حر، وذلك أبلغ في القبح.
الرابع: أنه فتاها الذي هو في بيتها، وتحت كنفها؛ فحكمه حكم أهل البيت، بخلاف طلب ذلك من الأجنبي البعيد.
الخامس: أنها هي المراودة الطالبة.
السادس: أنها قد بلغ بها عشقها له كل مبلغ، حتى وصل حبها له إلى شغاف قلبها.
السابع: أن في ضمن هذا أنه أعف منها وأبر وأوفى؛ حيث كانت هي المراودة الطالبة، وهو الممتنع عفافًا وكرمًا وحياء، وهذا غاية الذم لها.
الثامن: أنهن أتين بفعل المراودة بصيغة المستقبل الدالة على الاستمرار، والوقوع حالًا واستقبالًا، وأن هذا شأنها، ولم يقلن: راودت فتاها، وفرق بين قولك: فلان أضاف ضيفًا، وفلان يقري الضيف، ويطعم الطعام، ويحمل الكل؛ فإن هذا يدل على أن هذا شأنه وعادته.
التاسع: قولهن: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [يوسف ٣٠].
أي: إنا لنستقبح منها ذلك غاية الاستقباح، فنسبن الاستقباح إليهن، ومن شأنهن مساعدة بعضهن بعضًا على الهوى، ولا يكدن يرين ذلك قبيحًا، كما يساعد الرجال بعضهم بعضًا على ذلك، فحيث استقبحن منها ذلك، كان هذا التسليم بأنه من أقبح الأمور، وأنه مما لا ينبغي أن تساعد عليه، ولا يحسن معاونتها عليه.
فقد جمعن لها في هذا الكلام واللوم بين العشق المفرط، والطلب المفرط، فلم تقتصد في حبها، ولا في طلبها، أما العشق فقولهن: (ﰅ ﰆ ﰇ) [يوسف ٣٠].
أي: وصل حبه إلى شغاف قلبها، وأما الطلب المفرط فقولهن: (ﰀ ﰁ) [يوسف ٣٠].
والمراودة: الطلب مرة بعد مرة، فنسبوها إلى شدة العشق، وشدة الحرص على الفاحشة.
فلما سمعت بهذا المكر منهن: هيأت لهن مكرًا أبلغ منه، فهيأت (ﭗ ﭘ) [يوسف ٣١].
ثم أرسلت إليهن فجمعتهن، وخبأت يوسف عليه السلام عنهن، وقيل: إنها جملته وألبسته أحسن ما تقدر عليه، وأخرجته عليهن فجأة، فلم يرعهن إلا وأحسن خلق الله، وأجملهم قد طلع عليهن بغتة؛ فراعهن ذلك المنظر البهي، وفي أيديهن مدىً يقطعن بها ما يأكلنه، فدهشن حتى (ﯛ ﯜ) [يوسف ٥٠]، وهن لا يشعرن، وقد قيل: إنهن أبن أيديهن، والظاهر خلاف ذلك، وإنما تقطيعهن أيديهن: جرحها وشقها بالمدى؛ لدهشهن بما رأين، فقابلت مكرهن القولي بهذا المكر الفعلي، وكانت هذه في النساء غاية في المكر58.
والمقصود أن سبب هذا المكر منها ومنهن هو حب الشهوات، والتنافس عليها، الذي دفع إليه الترف الذي تعيشه هؤلاء النسوة.
فالمترفون هم أشد الناس بطرًا في المعيشة، وهم أكثر الناس تجاوزًا في الإسراف في الملذات والشهوات، بحكم مناصبهم، وكثرة ما في أيديهم من أموال؛ لأن الاستمرار والمداومة على هذه الملذات، والتوسع فيها يورث البلادة والغلظة، وظلمة في القلب، بحيث لا يتسرب إليها نور الإيمان، وبالتالي الوقوع في المكر، والأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف؛ لأجل البقاء على ملذاتهم وملاهيهم، وقد يتجاوز هذا البطر إلى الفقراء والمستضعفين، فيقلدون أهل الترف، إما بالتكبر على الحق، أو ببطران النعم، في ملاهيهم ومعيشتهم.
ولا شك أن الانغماس في الشهوات والملذات ينسي الآخرة وأهوالها، والموت وسكراته، ويظن المترف بأن الدنيا ما وجدت إلا للمتاع الذي هو فيها، ويظن أيضًا أنه سوف يعيش آجالًا، ويحقق آمالًا.
قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [المؤمنون ٣٣].
وقال: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الأنبياء ١٢-١٣].
قال سيد قطب: والترف لا بد أن يؤدي إلى المنكر؛ لأن الطاقة الفائضة لا بد لها من متصرف، فهناك مال فائض، وهو طاقة، وهناك حيوية جسد فائضة كذلك، وهي طاقة، وهناك فضلة زمن فائضة بلا عمل، ولا تفكير، وهي طاقة، والفتية المترفون، والفتيات المترفات، وهم يجدون الشباب، والفراغ، والجدة، لا بد أن يفسقوا، ولا بد أن يبحثوا عن مصارف أخرى لطاقة الجسد، وطاقة المال، وطاقة الوقت، وغالبًا ما تكون مصارف تافهة، تأخذ طابعها من الزمن والبيئة، ولكنها تلتقي عند حد التفاهة، والميوعة، والقذارة الحسية والمعنوية، وفي الجانب الآخر المستغلون، والمستربحون، والمحتاجون من تجار الرقيق، والمهرجين، والذيول، وحواشي المترفين، ينشرون الدعارة، والترهل، ويرخصون كل قيم الحياة الجادة، التي لا تروق للمترفين والمترفات59.
فالغلو في حب الدنيا هو رأس كل خطيئة، والتنافس عليها أساس كل بلية، وهذا المعنى -أعني به أثر الشهوات في الصد عن دين الله- قد أدركته شياطين الإنس والجن، فعملوا ولا يزالون يعملون على إثارة الشهوات بكل أنواعها وفنونها في كل درب ووادٍ من أجل اصطياد الناس وجذبهم إلى باطلهم وشركهم ومجونهم، وصدهم عن طريق الهداية والحق!
قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [سبأ ٣٣].
فهو ليس مكر الليل وحسب ثم يستريح في نهاره، أو مكر النهار وحسب ثم يستريح في ليله، لا، بل هو مكر الليل والنهار، مكر على مدار الساعة والوقت، وهدفه وغايته:أن نكفر بالله تعالى، ونجعل له الأنداد والشركاء من الآلهة المزيفة التي يصطنعونها بأيديهم وأهوائهم!
ومن أعظم دواعي المكر عند أعداء الله محاربة الإسلام وأهله؛ فمنذ فجر التاريخ الإسلامي والأعداء يمكرون ويخططون لقمع هذا الدين، والصد عن سبيله، وفتنة معتنقيه، وفي سبيل ذلك يجمعون أموالهم ويبذلونها بطريقة هستيرية لمحاربته والكيد لأهله، واجتثاثهم من بلدانهم، وقتلهم وسجنهم، ورغم ذلك لم يكلل سعيهم بالنجاح إلا بشكل نسبي، فكلما سددوا ضرباتهم إلى الإسلام ازداد قوة وانتشارًا في ربوع العالم، رغم أنه قد تمر بالإسلام فترات يعاني فيها من حالات ضعف أو انزواء، إلا أنه يعاود الخروج للعالم بقوة، ينشر تعاليمه، ويفرض احترامه حتى على غير المؤمنين به.
وقد ذكر الله تعالى في كتابه ما قام به أهل الكتاب من مكر وكيد لصد المسلمين عن دينهم، فقال: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [آل عمران ٩٩].
أي: لأى سبب تصرفون من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم واتبعه عن الإيمان الذي يرتقى بعقل المؤمن بما فيه من طلب النظر في الكون، ويرتقى بروحه بتزكيتها بالأخلاق الطيبة، والأعمال الصالحة، وتكذبون بذلك كفرًا وعنادًا، وكبرًا وحسدًا، وتلقون الشبهات الباطلة في قلوب الضعفاء من المسلمين بغيًا وكيدًا للنبي صلى الله عليه وسلم، تبغون لأهل دين الله، ولمن هو على سبيل الحق عوجًا وضلالًا وزيغًا عن الاستقامة، وعلى الهدى والمحجة، وأنتم عارفون بتقدم البشارة به، عالمون بصدق نبوته، ومن كان كذلك فلا يليق به الإصرار على الباطل والضلال والإضلال.
(ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [آل عمران ٩٩].
من هذا الصد وغيره من الأعمال، فمجازيكم عليه، وغير خاف ما في هذا من تهديد ووعيد، كما يقول الرجل لعبده وقد أنكر عليه اعوجاج أخلاقه: لا يخفى علي ما أنت عليه، وما أنا بغافل عن أمرك، وإنما ختم هذه الآية بنفي الغفلة؛ لأن صدهم عن الإسلام كان بضرب من المكر والكيد، ووجوه الحيل60.
فالمكر وسيلة شيطانية يسلكها شياطين الإنس والجن ليكون ذلك هو منطلق الصد عن سبيل الله.
قال تعالى على لسان فرعون: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ) [الأعراف ١٢٣].
وهذه الآية تقرر أن المكر هو وسيلة لإخراج أهل المدينة منها، ولكن هذا زعم وافتراء من فرعون على نبي الله موسى عليه السلام.
وقال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأنفال ٣٠].
والمكر في هذه الآية من كفار قريش لأجل أن يسجنوا النبي صلى الله عليه وسلم، أو يقتلوه، أو يخرجوه من بلده مكة، وهذا هو غاية الصد عن سبيل الله؛ ولذلك رتب الله الصد على المكر في آية الرعد.
قال تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الرعد ٣٣].
فزين الشيطان لهم المكر وزين لهم أن يصدوا عن سبيل الله مما يؤكد أن المكر طريق من طرق الصد، وأداة من أدواته، ووسيلة فاعلة من وسائله.
بين القرآن الكريم عاقبة المكر والماكرين وسوف نتناولها بالبيان فيما يأتي:
أولًا: عواقب المكر في الدنيا:
أخبر الله سبحانه وتعالى أن عاقية الماكرين بالحق وأهله الخزي والهلاك والدمار في الدنيا قبل الآخرة، فقال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [النمل ٥١].
فقوله: (ﮟ) أي: ففكر كيف آل أمرهم؟! وكيف كانت عاقبة مكرهم؟! فقد أهلكناهم وقومهم الذين لم يؤمنوا على وجهٍ يقتضي النظر، ويسترعي الاعتبار، ويكون عظة لمن غدر كغدرهم في جميع الأزمان61.
والخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكل من كان أهلًا للنظر والاعتبار، وفي هذا النظر إلى مكر هؤلاء الرهط، وإلى ما أعقب هذا المكر، وما نزل بهم من نقم الله، وما حل بهم وبقومهم جميعًا من هلاك لهم، وتدمير لديارهم! يورث الخوف من الوقوع فيما وقعوا فيه.
وهكذا يصيب الشر أهله، ثم يمتد فيشمل من كان معهم ممن لم يشاركوا في هذا الشر، ولكنهم لم يتصدوا للأشرار، ولم يأخذوا على أيديهم، والله سبحانه وتعالى يقول: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الأنفال ٢٥].
ويقول سبحانه: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الإسراء ١٦].
وهكذا أرادوا الهلاك لصالح عليه السلام وأهله فأهلكهم الله، وأهلك أهلهم جميعًا، فقال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [النمل ٥٢]62.
فالاعتبار بمكر الله بهم هو المقصود من سوق القصة تعريضًا بأن عاقبة أمره مع قريش أن يكف عنه كيدهم وينصره عليهم، وفي ذلك تسلية له على ما يلاقيه من قومه، والنظر: نظر قلبي، وقد علق عن المفعولين بالاستفهام، فتكون الجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا لما يثيره الاستفهام في قوله: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النمل ٥١].
من سؤال عن هذه الكيفية، والتأكيد للاهتمام بالخبر63.
فالذين كانوا يمكرون السيئات لمقاومة إصلاح الرسل حرصًا على رياستهم وفسقهم وفسادهم لم يكونوا يشعرون بأن عاقبة مكرهم تحيق بهم؛ لجهلهم بسنن الله تعالى في خلقه، وهم جديرون بهذا الجهل، وأما أكابر المجرمين في هذا العصر فهم لا يعذرون بالجهل بعد هذا الإرشاد 64.
وقد مكر الذين من قبلهم من كفار الأمم الماضية بأنبيائهم كعاد وثمود وفرعون وإخوان لوط، واستنفدوا جهدهم وطاقتهم في إطفاء نور الحق، أو لم يعلموا أن لله وحده المكر جميعًا، وقد أبى الله إلا إتمام نوره، ولو كره الكافرون، والله وحده يعلم ما تكسب كل نفس في كل حركة تتحركها، وسيعلم الكفار -يوم لا يغني عنهم ذلك شيئًا- لمن عقبى الدار؟! وفي هذا سلوى للنبي صلى الله عليه وسلم حيث يعلم أن ديدن الناس قديمًا مع إخوانه الرسل، وحديثًا معه لم يتغير ولم يتبدل، وفي هذا تقوية لعزمه ببيان أن النصر في النهاية له، وأن الدائرة على الكفار65.
يقول سيد قطب رحمه الله: «كذلك دبروا، وكذلك مكروا، ولكن الله كان بالمرصاد، يراهم ولا يرونه، ويعلم تدبيرهم، ويطلع على مكرهم، وهم لا يشعرون (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [النمل ٥٠].
وأين مكر من مكر؟ وأين تدبير من تدبير؟ وأين قوة من قوة؟ وكم ذا يخطىء الجبارون، وينخدعون بما يملكون من قوة ومن حيلة، ويغفلون عن العين التي ترى ولا تغفل، والقوة التي تملك الأمر كله، وتباغتهم من حيث لا يشعرون (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [النمل ٥١-٥٢].
ومن لمحة إلى لمحة إذا التدمير والهلاك، وإذا الدور الخاوية، والبيوت الخالية، وقد كانوا منذ لحظة واحدة في الآية السابقة من السورة يدبرون ويمكرون، ويحسبون أنهم قادرون على تحقيق ما يمكرون! وهذه السرعة في عرض هذه الصفحة بعد هذه مقصودة في السياق؛ لتظهر المباغتة الحاسمة القاضية، مباغتة القدرة التي لا تغلب للمخدوعين بقوتهم ومباغتة التدبير الذي لا يخيب للماكرين المستعزين بمكرهم66.
والمقصود أن عاقبة المكر الهلاك؛ ولهذا قال الله: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [النمل ٥١].
أي: فانظر يا محمد بعين قلبك إلى عاقبة غدر الغادرين، ومكر الماكرين، كيف كانت؟ وما الذي أورثها اعتداؤهم وطغيانهم وتكذيبهم؟ فإن ذلك سنتنا فيمن كذب رسلنا، وطغى علينا من سائر الخلق، فحذر قومك من قريش أن ينالهم بتكذيبهم إياك ما نال هؤلاء من المثلات، إنا دمرناهم وقومهم أجمعين، فلم نبق منهم أحدًا.
إن الله تعالى يدافع عن المظلوم، ويدفع عنه ظلم ظالمه، وخداع مخادعه، ومكر ماكره، خاصة حينما يلجأ إليه، ويستعين به، ويتحصن بحصونه وقواه ومعوناته، ويبدأ في اتخاذ أسباب دفع المكر والظلم عنه ما استطاع، يدفعه عز وجل سريعًا عند بدئه، وقبل أن يمسه! فيضعف تأثيره أو ينعدم، على قدر لجوئه لربه، واستخدامه للأسباب الممكنة المتاحة أمامه.
يقول الله تعالى تأكيدًا لهذا: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [يونس ٢١].
يقول البغوي في تفسيره: «عذابه في إهلاككم أسرع إليكم مما يأتي منكم في دفع الحق»67.
ويقول العز بن عبد السلام في تفسيره لقوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الحج ٣٨].
يدفع الكفار عن المؤمنين، والعصاة عن المطيعين، والجهال عن العلماء، أو يدفع عنهم وساوس الشيطان، أو يدفع بنور السنة ظلمات البدعة»68.
ويضيف الإمام ابن عادل في تفسيره اللباب: لم يذكر ما يدفعه حتى يكون أفخم وأعظم وأعم، وهذه بشارة للمؤمنين بإعلائهم»69.
قال سيد قطب رحمه الله: «فالله أقدر على التدبير بإبطال ما يمكرون، ومكرهم مكشوفٌ لديه ومعروف، والمكر المكشوف إبطاله مضمون (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) فلا شيء منه يخفى، ولا شيء منه ينسى»70.
فمكر الماكر، وخداع المخادع، والتواء الملتوي، وظلم الظالم، وشر الشرير يعود مكره وخداعه والتوائه وظلمه وشره على فاعله أولًا أكثر من غيره!
فإذا كان الماكرون يمكرون فهو سبحانه له أيضًا مكره! (ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأنفال ٣٠].
وعلى كل مظلوم أن يوقن بذلك الوعد من ربه، وأن له ناصرًا هو خالقه سبحانه وتعالى، وهو على أعلى مستوىً من فنون النصر والمكر بشتي صوره، والتي لا تقارن بخلقه، ولا تخطر ببالهم! وشتان ما بين المكرين!
يقول إسماعيل حقي في تفسيره للآية السابقة: إن للخلق مكرًا، وللحق مكرًا، فمكر الخلق من الحيرة والعجز، ومكر الخالق من الحكمة والقدرة، فمكر الخلق مع مكر الحق باطل زاهق، ومكر الحق حق ثابت71.
وذلك مهما كان سوء وشدة وإحكام مكر الماكرين (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [إبراهيم ٤٦].
فهو نسبةً لمكر المنتقم الجبار أوهن من بيت العنكبوت (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [العنكبوت ٤١].
إنه تعالى لا يدفع فقط عن المظلوم، وإنما لا بد من أن ينصره! كما وعد في آيات كثيرة، كقوله تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [غافر ٥١].
قال القرطبي في تفسيره: «هو عام، نصرهم بإعلاء الحجج وإفلاحها، بالانتقام من أعدائهم»72.
ويقول الله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الروم ٤٧].
قال الرازي في تفسيره: «وفي قوله تعالى: (ﮫ ﮬ) وجهان:
أحدهما: فانتقمنا، وكان الانتقام حقًّا، واستأنف وقال: (ﮭ ﮮ ﮯ) وعلى هذا يكون هذا بشارة للمؤمنين الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، أي: علينا نصركم أيها المؤمنون.
والوجه الثاني: (ﮫ ﮬ ﮭ) أي: نصر المؤمنين كان حقًّا علينا، وعلى الأول لطيفة، وعلى الآخر أخرى، أما على الأول فهو أنه لما قال (ﮩ) بين أنه لم يكن ظلمًا، وإنما كان عدلًا حقًّا؛ وذلك لأن الانتقام لم يكن إلا بعد كون بقائهم غير مفيد إلا زيادة الإثم وولادة الكافر الفاجر، وكان عدمهم خيرًا من وجودهم الخبيث، وعلى الثاني تأكيد البشارة؛ لأن كلمة (على) تفيد معنى اللزوم، يقال: على فلان كذا ينبئ عن اللزوم، فإذا قال: حقًّا أكد ذلك المعنى، وقد ذكرنا أن النصر هو الغلبة التي لا تكون عاقبتها وخيمة»73.
والمتأمل في سيرة الإسلام وأهله يجد أن الماكرين قد حاولوا كثيرًا المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين سابقًا ولاحقًا، فانقلب المكر والظلم عليهم، وفي نحورهم، وتساقطوا وهلكوا وتعسوا، بينما انتصر الذين تمسكوا بربهم وإسلامهم وارتفعوا وارتقوا وسعدوا.
يقول تعالى مؤكدًا هذا: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأحزاب ٢٥].
وفسره الإمام ابن عجيبة في تفسيره البحر المديد بقوله: «هذه عادة الله مع خواصه، يجعل دائرة السوء على من ناوأهم، ويكفيهم أمرهم من غير محاربة ولا قتال، ثم يكون لهم التصرف في الوجود بأسره، والله غالب على أمره»74.
فكن أيها المسلم على يقين من نصر الله لأوليائه، وانتظر حينئذ ٍعون ربك ونصره، واستبشر بسرعة مكره بأعدائه إن لم ينتهوا عن مكرهم، ويعودوا لرشدهم، مهما كانت ضخامة مكرهم؛ فالله تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، (ﮅ ﮆ ﮇ) [النحل ٤٦].
ومهما ينفقون من جهود وأموال وأفكار سيعود وباله عليهم حسرة وخسرانًا وانهزامًا (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنفال ٣٦].
والمقصود أن الله وعد بنصر أوليائه، وإبطال مكر أعدائهم، ووعده الحق الأكيد الذي لا يمكن لأحدٍ منعه أو تبديله أو تغييره، كما يقول تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [فاطر ٤٣].
قال النيسابوري في تفسيره لهذه الآية: «عاقبة الماكر وخيمة، يصل إليه جزاؤه عاجلًا أو آجلًا»75.
وقال السعدي: «فعاد مكرهم في نحورهم، ورد الله كيدهم في صدورهم، فلم يبق لهم إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، الذي هو سنة الله في الأولين التي لا تبدل ولا تغير، أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد أن يحل به نقمته، وتسلب عنه نعمته، فليترقب هؤلاء ما فعل بأولئك»76.
خسر من أمن مكر الله، وجهل بقدرته، وسرعة مكره وتدبيره، وقد أنذر سبحانه وتعالى الجاحدين بآياته، المكذبين لرسله، الماكرين بالخلق، الصارفين لهم عن اتباع الحق، بأنهم ليسوا بمأمن من مكر الله، وضرب لهم أمثلة على ما سيحل بهم إن استمروا على ضلالهم، فقال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأعراف ٩٧ - ٩٩].
وفي الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله»77.
فهذه أمثلة على أساليب الله في المكر بأعدائه، فالله قادر على أن يخسف بهم الارض «كما خسف بقارون من قبلهم، أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، يعني: إن العذاب يأتيهم بغتة، فيهلكهم فجأة، كما أهلك قوم لوط وغيرهم (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) بمعنى: في تصرفهم في الأسفار، فإنه سبحانه وتعالى قادر على إهلاكهم في السفر، كما هو قادر على إهلاكهم في الحضر»78.
«وكان ذكر وقت البيات ووقت اللعب تهديدًا لهم بأن يصيبهم العذاب بأفظع أحواله؛ إذ يكون حلوله بهم في ساعة دعتهم وساعة لهوهم نكايةً بهم»79.
وقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الملك ١٧].
أي: أن يمطر عليكم حصباء من السماء، فستعلمون كيف إنذاري إذا شاهدتم المنذر به، ولكن لا ينفعكم العلم حينئذٍ80.
وهذه العقوبات حلت بمستحقيها دون أن يتوقعوها، أو يشعروا بها قبل وقوعها، فلم يسبقهم بها أحد من قبل.
قال الطبري في قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [النمل ٥٠]: فأخذناهم بعقوبتنا إياهم، وتعجيلنا العذاب لهم (ﮛ ﮜ ﮝ)بمكرنا، وأنه أخذه من أخذه منهم على غرة، أو استدراجه منهم من استدرج على كفره به ومعصيته إياه، ثم إحلاله العقوبة به على غرة وغفلة81.
منذ بزغ الإسلام بنوره والماكرون يدبرون المكائد، ويحيكون الدسائس لإطفاء نور الله، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون، ويأبى الله إلا أن يفضح أهل المكر والغدر؛ ولهذا تولى الله فضح مكر الماكرين، وكيد الكائدين، وعرى حالهم، وكشف أمرهم، وفضح مخازيهم، وأظهر قبائحهم؛ قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [محمد ٢٩].
وقال: (ﮖ ﮗ ﮘ) [الأعراف ١٥٢].
أي: ومثل هذا الجزاء في الدنيا نجزي المفترين على الله في كل زمان؛ إذ فضحوا بظهور افترائهم كما فضح هؤلاء82.
«ولقد كان ما صنعه الله بالمنافقين في عهد الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- وفي فضح من فضح منهم- حماية للمجتمع الإسلامي الأول من هذا الداء الخبيث، ووقاية للمؤمنين من أن يطوف بهم طائف منه، حتى لقد كان صحابة رسول الله -وهم من هم- يضعون أنفسهم تحت مراقبة دقيقة منهم لكل خاطرة تخطر لهم، ولكل وسواس يطوف بهم83.
ولهذا يوصي القرآن الرسول صلى الله عليه وسلم وهي وصية لكل داعية من بعده ألا يأخذه الحزن إذا رأى الناس لا يهتدون، فإنما عليه واجبه يؤديه، والهدى والضلال بيد الله، وفق سنته في فطرة النفوس واستعداداتها واتجاهاتها ومجاهدتها للهدى أو للضلال، وألا يضيق صدره بمكرهم، فإنما هو داعية لله، فالله حافظه من المكر والكيد، لا يدعه للماكرين الكائدين، وهو مخلص في دعوته، لا يبتغي من ورائها شيئًا لنفسه، ولقد يقع به الأذى لامتحان صبره، ويبطئ عليه النصر لابتلاء ثقته بربه، ولكن العاقبة مظنونة ومعروفة (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [النحل ١٢٨].
ومن كان الله معه فلا عليه ممن يكيدون وممن يمكرون، هذا هو دستور الدعوة إلى الله كما رسمه الله، والنصر مرهون باتباعه، كما وعد الله، ومن أصدق من الله؟»84.
وقد أخبر الله في كتابه أن الماكرين بالحق وأهله مهما يمكرون من مكر، ويكيدون من كيد، فإن الله يجعل وبال ذلك عليهم، بإهلاكهم، وإزالة سلطانهم، فقال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [النحل ٢٦].
أي: إن حال من قبلهم وقد دبروا الحيل، ونصبوا الحبائل ليمكروا بها رسل الله، فأبطلها الله، وجعلها سبيلًا لهلاكهم، كحال قوم بنوا بنيانًا، وعمدوه بالأساطين، فضعضعت أساطينه، وسقط عليهم السقف، فهلكوا تحته من حيث لا يشعرون بسقوطه- فما نصبوه من الأساطين، وظنوه سبب القوة والتحصين في البنيان صار سبب الهلاك، كذلك هؤلاء كانت عاقبة مكرهم وبالًا عليهم، ونحو الآية قولهم في المثل: من حفر لأخيه جبًّا، وقع فيه منكبًّا، وخلاصة ذلك- إن الله أحبط أعمالهم، وجعلها وبالًا عليهم، ونقمة لهم85.
وهذا التعبير القرآني في غاية الروعة؛ إذ صور هذا المكر في صورة بناء ذي قواعد وأركان وسقف، إشارة إلى دقته وإحكامه ومتانته وضخامته، ولكن هذا كله لم يقف أمام قوة الله وتدبيره: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [النحل ٢٦].
وهو مشهد للتدمير الكامل الشامل، يطبق عليهم من فوقهم، ومن تحت أرجلهم، فالقواعد التي تحمل البناء تتحطم وتتهدم من أساسها، والسقف يخر عليهم من فوقهم، فيطبق عليهم ويدفنهم.
(ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [النحل ٢٦].
فإذا البناء الذي بنوه وأحكموه واعتمدوا على الاحتماء فيه إذا هو مقبرتهم التي تحتويهم، ومهلكتهم التي تأخذهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، وهو الذي اتخذوه للحماية، ولم يفكروا أن يأتيهم الخطر من جهته! إنه مشهد كامل للدمار والهلاك وللسخرية من مكر الماكرين، وتدبير المدبرين، الذين يقفون لدعوة الله، ويحسبون مكرهم لا يرد، وتدبيرهم لا يخيب، والله من ورائهم محيط!
وهو مشهد مكرر في الزمان قبل قريش وبعدها، ودعوة الله ماضية في طريقها مهما يمكر الماكرون، ومهما يدبر المدبرون، وبين الحين والحين يتلفت الناس فيذكرون ذلك المشهد المؤثر الذي رسمه القرآن الكريم (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [النحل ٢٦]86.
والمقصود أن الله يمكر بأهل المكر، ويفضحهم، وليس ذلك في الدنيا فحسب، بل يفضحهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة؛ ولهذا قال الله بعد ذلك: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [النحل ٢٧].
أي: يفضحهم على رءوس الأشهاد، ويهينهم بإظهار فضائحهم، وما كانت تجنه ضمائرهم، فيجعله علانية، وبين هذا المعنى في مواضع أخر، كقوله: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [العاديات ٩-١٠].
أي: أظهر علانية ما كانت تكنه الصدور، وقوله: (ﭸ ﭹ ﭺ) [الطارق ٩]87.
ثانيًا: عواقب المكر في الآخرة:
أخبر الله سبحانه وتعالى أن عاقبة المكر سوء العذاب يوم القيامة، فقال مخبرًا عما حل بفرعون وجنوده جزاء مكرهم: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [غافر ٤٥].
والضمير: في (فوقاه) يحتمل أن يعود على موسى عليه السلام، ويحتمل أن يعود على مؤمن آل فرعون، وقال قائلو ذلك: إن ذلك المؤمن نجا مع موسى عليه السلام في البحر، وفر في جملة من فر معه من المتبعين88.
فعندما قال هذه الأقوال، ونصح هذه النصيحة، وأعلن إيمانه، وتحدى فرعون، وخرج عن سلطانه، منحازًا إلى جبهة موسى، طلبه فرعون ليقتله، فهرب، فوقاه الله من شرهم، أي: حفظه مما أرادوا به من المكر السيئ في الدنيا؛ إذ نجاه مع موسى عليه السلام، وأحاط بفرعون وقومه سوء العذاب في الدنيا بالغرق في اليم، وفي الآخرة بدخول جهنم، وبئس القرار89.
ولما قيل: (ﮒ ﮓ) وكان المؤمن من أمة موسى، وتابع له، علم منه أن موسى وسائر قومه قد نجوا أيضًا من باب أولى، وغلبوا على فرعون وقومه، وقد صرح بذلك، فقال: (ﭥ ﭦ ﭧ) [غافر ٥١].
ونصرتهم في الدنيا بإظهار كلمة الحق، وحصول الذكر الجميل، واقتداء الناس بسيرتهم إلى مدة ما شاء الله، وقد ينصرون بعد موتهم، وأما نصرهم في الآخرة: فمن رفع الدرجات، والتعظيم على رؤوس الأشهاد من الحفظة والأنبياء والمؤمنين90.
وهذا التعبير: (ﮒ ﮓ) مؤذن بأنهم أضمروا مكرًا به، وتسميته مكرًا مؤذن بأنهم لم يشعروه به، وأن الله تكفل بوقايته؛ لأنه فوض أمره إليه91.
و(ما) مصدرية، والمعنى: سيئات مكرهم، وإضافة سيئات إلى (مكر) إضافة بيانية، وهي هنا في قوة إضافة الصفة إلى الموصوف؛ لأن المكر سيِّئ، وإنما جمع السيئات باعتبار تعدد أنواع مكرهم التي بيتوها.
وقوله: (ﮘ) أي: نزل محيطًا بعد إحاطة الإغراق92.
والمراد بآل فرعون: فرعون وقومه، وترك التصريح به للاستغناء بذكرهم عن ذكره؛ لكونه أولى بذلك منهم، أو المراد بآل فرعون فرعون نفسه، والأول أولى؛ لأنهم قد عذبوا في الدنيا جميعًا بالغرق، وسيعذبون في الآخرة بالنار93.
و(ﮛ ﮜ) أي: الغرق، والتعريف للعهد؛ لأنه مشهور معلوم، وإنما كان الغرق سوء عذاب لأن الغريق يعذب باحتباس النفس مدة وهو يطفو على الماء ويغوص فيه، ويرعبه هول الأمواج، وهو موقن بالهلاك، ثم يكون عرضة لأكل الحيتان حيًا وميتًا؛ وذلك ألم في الحياة، وخزي بعد الممات، يذكرون به بين الناس94.
ولعل الأولى أن يكون المراد من سوء العذاب: الغرق في الدنيا، والنار في الآخرة.
قال الطبري: وعني بقوله: (ﮛ ﮜ) ما ساءهم من عذاب الله، وذلك نار جهنم95.
وقوله تعالى: (ﮞ) قال القرطبي: يقول تعالى ذكره مبينًا عن سوء العذاب الذي حل بهؤلاء الأشقياء من قوم فرعون ذلك الذي حاق بهم من سوء عذاب الله (ﮟ ﮠ) [غافر ٤٦].
إنهم لما هلكوا وأغرقهم الله جعلت أرواحهم في أجواف طير سود، فهي تعرض على النار كل يوم مرتين (ﮡ ﮢ) إلى أن تقوم الساعة96.
ثم يوم القيامة هو يوم الفصل والقضاء بين الخلق وربهم، وبين الخلق مع بعضهم البعض، وهو يوم الجزاء والعقوبة، ونشر الصحف، وانكشاف السرائر، وفي هذا اليوم تتجلى رحمة الله بعباده المؤمنين، وعدله مع أعدائه، بكشف أهل المكر وأعمالهم التي أحصاها عليهم، وكتبها الحفظة في سجل أعمالهم، فتكون المفاجأة الكبرى، والطامة العظمى عليهم من حيث لم يحتسبوا، لما قابلوا نعمة الله بالمكر، قابل مكرهم بمكر أشد منه، وهو أنه أمهلهم إلى يوم القيامة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [يونس ٢١].
وأطلق على تأجيل الله عذابهم اسم المكر على وجه الاستعارة التمثيلية؛ لأن هيئة ذلك التأجيل في خفائه عنهم كهيئة فعل الماكر، وحسنته المشاكلة97.
ومن العقوبات التي تحل بالماكرين -وهي أعظم العقوبات- خلودهم في النار.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [فاطر ١٠].
قال ابن جرير: «وقوله: (ﯮ ﯯ ﯰ) يقول تعالى ذكره: والذين يكسبون السيئات لهم عذاب جهنم، عن قتادة قوله: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) قال: هؤلاء أهل الشرك98.
وقد ذكر ابن كثير في المراد بالذين يمكرون السيئات قولين: أنهم المراؤون بأعمالهم، يعني: يمكرون بالناس، يوهمون أنهم في طاعة الله، وهم بغضاء إلى الله عز وجل، يراؤون بأعمالهم (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [النساء ١٤٢].
أو أنهم: هم المشركون. ثم قال: والصحيح أنها عامة، والمشركون داخلون بطريق الأولى؛ ولهذا قال: (ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [فاطر ١٠].
أي: يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى، فإنه ما أسر عبد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم، بل يكشف لهم عن قريب، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية99.
والسئيات هنا: صفة لمصدر محذوف؛ لأن الفعل لازم ليس بمتعدٍ الى مفعول به، قيل: بأن معناه الذين يمكرون المكرات السيئات، فهو وصف مصدر محذوف، ويحتمل أن يقال: استعمل المكر استعمال العمل فعداه تعديته، كما قال: (ﯞ ﯟ ﯠ) [العنكبوت ٤].
وفي قوله: (ﯞ ﯟ ﯠ) يحتمل ما ذكرناه أن يكون السيئات وصفًا لمصدر تقديره: الذين يعملون العملات السيئات، وعلى هذا فيكون هذا في مقابلة قوله: (ﯪ ﯫ ﯬ) [فاطر ١٠].
إشارة إلى بقائه وارتقائه (ﯵ ﯶ) أي: العمل السيء، وهو يبور إشارة إلى فنائه100.
وعنى بهن -السيئات- مكرات قريش حين اجتمعوا في دار الندوة، وتداوروا الرأي في إحدى ثلاث مكرات يمكرونها برسول الله صلى الله عليه وسلم: إما إثباته، أو قتله، أو إخراجه، كما حكى الله سبحانه عنهم: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الأنفال ٣٠].
ومكر أولئك الذين مكروا تلك المكرات الثلاث هو خاصة يبور، أي: يكسد ويفسد، دون مكر الله بهم حين أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب بدر، فجمع عليهم مكراتهم جميعًا، وحقق فيهم قوله: (ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأنفال ٣٠].
وقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [فاطر ٤٣]101.
وقيل: إن (يمكرون) هنا مضمنة معنى (يدبرون) ولكنه عبر بها لغلبة استعمالها في السوء، فهؤلاء لهم عذاب شديد فوق أن مكرهم وتدبيرهم يبور، فلا يحيا ولا يثمر، من البوار ومن البوران سواء.
والذين يمكرون السيئات يمكرونها طلبًا للعزة الكاذبة، والغلبة الموهومة، وقد يبدو في الظاهر أنهم أعلياء، وأنهم أعزاء، وأنهم أقوياء، ولكن القول الطيب هو الذي يصعد إلى الله، والعمل الصالح هو الذي يرفعه إليه، وبهما تكون العزة في معناها الواسع الشامل، فأما المكر السيئ قولًا وعملًا، فليس سبيلًا إلى العزة، ولو حقق القوة الطاغية الباغية في بعض الأحيان، إلا أن نهايته إلى البوار وإلى العذاب الشديد، وعد الله، لا يخلف الله وعده، وإن أمهل الماكرين بالسوء حتى يحين الأجل المحتوم في تدبير الله المرسوم102.
وفي الآية الأخرى قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [سبأ ٣٣].
أي: قال المستضعفون: بل كفرنا بمكركم بنا بالليل والنهار، وأضاف المكر إلى الليل والنهار من حيث هو فيهما؛ ولتدل هذه الإضافة على الدؤوب والدوام، وهذه الإضافة كما قالوا: ليل نائم، ونهار صائم، وكأن معنى هذه الآية الإحالة على طول الأمل، والاغترار بالأيام، مع أمر هؤلاء الرؤساء بالكفر بالله103.
والضمير في قوله: (ﭴ ﭵ) راجع إلى الفريقين104. المستكبرين والمستضعفين.
والندامة من المعاني القلبية لا تظهر، وإنما يظهر ما يدل عليها، وما يدل عليها غيرها105. وهي التحسر في أمر فائت، أي: أضمر الفريقان الندامة على ما فعلا من الضلال والإضلال حين ما نفعتهم الندامة، وأخفاها كل منهما عن الآخر مخافة التعيير106.
وقيل: المراد بأسروا هنا: أظهروا؛ لأنه من الأضداد، يكون تارة بمعنى: الإخفاء، وتارة بمعنى: الإظهار، ومنه قول امرئ القيس107:
تجاوزت أحراسًا وأهوال معشرٍ
علي حراصًا لو يسرون مقتلي
فالإسرار: الإظهار والإضمار جميعًا، وهو من الأضداد، ويروى: لو يشرون مقتلي، بالشين المعجمة، وهو الإظهار لا غير. وقيل معنى: (ﭴ ﭵ): تبينت الندامة في أسرة وجوههم108.
وقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ) أي: وافوه، وتيقنوا حصولهم فيه. أي: زال عنهم ذلك الاحتجاج الذي احتج به بعضهم على بعض لينجو من العذاب، وعلم أنه ظالم مستحق له، فندم كل منهم غاية الندم، وتمنى أن لو كان على الحق، وأنه ترك الباطل الذي أوصله إلى هذا العذاب سرًّا في أنفسهم لخوفهم من الفضيحة في إقرارهم على أنفسهم. وفي بعض مواقف القيامة وعند دخولهم النار يظهرون ذلك الندم جهرًا109.
موضوعات ذات صلة: |
الخسران، الخشية، الخيانة، العذاب، الكتمان، النجوى |
1 انظر: العين، الفراهيدي ٥/٤٧٠، تهذيب اللغة، الأزهري ١٠/١٣٥، مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٢٦٣، ٣٤٥، المحيط في اللغة، الصاحب بن عباد ٥/٦، لسان العرب، ابن منظور ٥/١٨٤.
2 انظر: لسان العرب ٥/١٨٣، الفروق اللغوية، العسكري ص٢٦٠.
3 التعريفات، الجرجاني ص٢٢٧.
4 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٧٧٢.
5 المصدر السابق.
6 التعريفات ص٢٢٧.
7 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الميم٢، ص١٢١٨-١٢١٩.
8 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٤٣٢-٤٣٣، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٤/٥١٦.
9 انظر: المغرب في ترتيب المعرب، الخوارزمي ص ١٥٦.
10 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٠٥.
11 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١٤/٤٤٠.
12 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٣١٦.
13 التعريفات، الجرجاني ص١٨٩.
14 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٢٥٩.
15 مختار الصحاح، الرازي ص٨٤.
16 انظر: التعريفات، الجرجاني ص٩٤.
17 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٢٦٠.
18 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٢٢٠.
19 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/١٨٣.
20 معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم، السيوطي ص١٠١.
21 معالم التنزيل، البغوي ٢/ ٤٤.
22 انظر: العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير٤/٧.
23 التحرير والتنوير ٣/ ٢٥٧.
24 معجم مقاليد العلوم في الحدود والرسوم، السيوطي ص١٠١.
25 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٤/٥١٢.
26 معالم التنزيل، البغوي ١/٤٤٦.
27 ديوانه ص٧٨.
28 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي ١/٣٨٧.
29 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٤٣٣.
30 الدر المصون ٥/٣٩٣.
31 العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير ٤/٧.
32 تيسير الكريم الرحمن ص٧١٨.
33 الفوائد، ابن القيم ص٢١٣.
34 تفسير المنار ٣/ ٢٥٩.
35 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٣٤٦.
36 البحر المحيط ٦/٤٠١.
37 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/٥٤.
38 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٢٨.
39 أخرجه الطبراني في الأوسط ٩/ ١١٠، رقم ٩٢٧٢.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٤١٤.
40 انظر: جامع البيان، الطبري ١٣/٢٨٧.
41 التعريفات ص ٢٠.
42 التوقيف على مهمات التعاريف ص ٤٨.
43 الكليات ص١١٣.
44 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٣٣.
45 تهذيب اللغة، الأزهري ١٤/٢١٧.
46 المفردات، الراغب ص ٧٢٨.
47 العقد الفريد، ابن عبدربه ١/٨٦ بتصرف يسير.
48 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الحرب خدعة، ٤/٦٤، رقم ٣٠٣٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب جواز الخداع في الحرب، ٣/١٣٦١، رقم ١٧٣٩.
49 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٢١٧.
50 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢١١٢.
51 الفروق اللغوية، العسكري ص ٤٩.
52 العين، الفراهيدي ٥/٣٦١.
53 السراج المنير ٣/٣٣٣.
54 المصدر السابق.
55 البحر المحيط، أبو حيان ٩/٤١.
56 السراج المنير ٣/٣٣٣.
57 نظم الدرر، البقاعي ٧/٢٥٤.
58 إغاثة اللهفان، ابن القيم ٢/١٥٤-١٥٧.
59 انظر: العدالة الاجتماعية، سيد قطب ص١٢٩.
60 تفسير المراغي ٤/١٣.
61 تفسير المراغي ١٩/١٤٨.
62 انظر: التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١٠/٢٥٥.
63 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٢٨٥.
64 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٨/٣١.
65 التفسير الواضح، محمد حجازي ٢/٢٤١.
66 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٦٤٦.
67 معالم التنزيل، البغوي ٢/٤١٥.
68 تفسير العز بن عبد السلام ٢/٣٥٧.
69 اللباب في علوم الكتاب ١٤/ ٩٩.
70 في ظلال القرآن ٣/ ١٧٧٣.
71 روح البيان ٣/ ٣٣٩.
72 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/ ٣٢٢.
73 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١٠٨.
74 البحر المديد ٤/ ٤٢٤.
75 غرائب القرآن ٥/٥٢٠.
76 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٩١.
77 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ٩/١٥٦، رقم ٨٧٨٣، والبيهقي في شعب الإيمان ١/٤٦١، رقم ٢٨٧.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ١/١٠٤: إسناده صحيح.
وقال ابن كثير في التفسير ٢/٢٧٩: وهو صحيح إليه -أي إلى ابن مسعود- بلا شك.
78 لباب التأويل، الخازن ٣/٧٩.
79 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٢٣.
80 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٢٣٠.
81 جامع البيان، الطبري ١٨/٩٢.
82 تفسير المراغي ٩/ ٧٤.
83 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٥/ ٨٢٩.
84 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢٠٣ بتصرف.
85 تفسير المراغي ١٤/٧١.
86 في ظلال القرآن ٤/٢١٦٨ بتصرف.
87 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٣٦٦.
88 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٦٢.
89 انظر: تفسير المراغي ٢٤/٧٧.
90 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٦/٤١.
91 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/١٥٧.
92 السراج المنير، الشربيني ٣/٤٨٦.
93 فتح القدير، الشوكاني ٤/٥٦٧.
94 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/١٥٧.
95 جامع البيان، الطبري ٢١/٣٩٥.
96 المصدر السابق.
97 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/١٣٤.
98 جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٤٦.
99 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٣٨.
100 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٢٢٧.
101 الكشاف، الزمخشري ٣/٦٠٣.
102 انظر: في ظلال القرآن ٥/٢٩٣١.
103 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٤٢١.
104 فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٧٧.
105 البحر المحيط، أبو حيان ٨/٥٥٢.
106 روح البيان، حقي ٧/٢٩٨.
107 ديوانه ص١٠٢.
108 فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٧٧.
109 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٨١.