عناصر الموضوع

مفهوم المعية

المعية في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع معية الله تعالى لعباده

وجود آلهة أخرى مع الله

معية الرسل عليهم السلام

آثار المعية الإلهية

المعية

مفهوم المعية

أولًا: المعنى اللغوي:

المعية نسبة إلى لفظ: (مع)، وهو لفظ يقتضي الاجتماع في المكان، أو الزمان، أو الشرف أو الرتبة، كما يقتضي النصرة.

يقول الراغب الأصفهاني: «مع» يقتضي الاجتماع إما في المكان نحو هما معا في الدار، أو في الزمان نحو ولدا معا، أو في المعنى كالمتضايفين نحو الأخ والأب فإن أحدهما صار أخا للآخر في حال صار الآخر أخاه، وإما في الشرف والرتبة نحو: هما معا في العلو1.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

تستعمل مع للمصاحبة بين أمرين لا يقع بينهما مصاحبةٌ واشتراكٌ إلا في حكمٍ يجمع بينهما ولذلك لا تكون الواو التي بمعنى مع إلا بعد فعلٍ لفظًا أو تقديرًا لتصح المعية. وكمال معنى المعية الاجتماع في الأمر الذي به الاشتراك دون زمانه.

فالأول: يكثر في أفعال الجوارح والعلاج نحو دخلت مع زيدٍ وانطلقت مع عمرٍو وقمنا معًا ومنه قوله تعالى: ( )[يوسف:٣٦].

والثاني: يكثر في الأفعال المعنوية نحو آمنت مع المؤمنين وتبت مع التائبين وفهمت المسألة مع من فهمها ومنه قوله تعالى: ( )[آل عمران:٤٣]2.

المعية في الاستعمال القرآني

وردت الأداة (مع) في القرآن الكريم (١٦٤) مرة3، والمواضع التي وردت متعلقة بالمعية الإلهية بلغ عدد ورودها (٣٨) مرة.

وليس ليها إلا صيغة واحدة (مع).

وجاءت معية الله في القرآن على ثلاثة وجوه 4:

الأول: العلم والإحاطة: ومنه قوله تعالى: ( ) [النساء:١٠٨]. يعني:عالم بهم ومحيط بفعلهم.

الثاني: النصر والرعاية: ومنه قوله تعالى: ( ) [التوبة:٤٠]. يعني: ينصرنا ويحفظنا ويرعانا.

الثالث: الاقتران: ومنه قوله تعالى: ( ) [الشعراء:٢١٣].

الألفاظ ذات الصلة

الحفظ:

الحفظ لغة:

دارت كلمة الحفظ على معاني الرعاية، وعدم النسيان، والتعهد، وقلة الغفلة، وعدم الضياع أو التفلت، والضبط، والمواظبة، تقول كتب اللغة: (الحاء والفاء والظاء أصلٌ واحدٌ يدل على مراعاة الشيء. يقال: حفظت الشيء حفظًا، قال الليث: الحفظ: نقيض النسيان، وهو التعاهد وقلة الغفلة5.

الحفظ اصطلاحًا:

(يقال: تارة لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم، وتارة لضبط الشيء في النفس، ويضاده النسيان، وتارة لاستعمال تلك القوة، فيقال: حفظت كذا حفظا، ثم يستعمل في كل تفقد وتعهد ورعاية)6.

أو هو كما عرفه الجرجاني: (ضبط الصور المدركة)7.

أو هو (رعاية العمل علما وهيئة ووقتا وإقامة بجميع ما يحصل به أصله، ويتم به عمله وينتهي إليه كماله)8.

الصلة بين الحفظ والمعية:

واضح من خلال التتبع للمادة اللغوية ودوارنها في اللسان العربي العلاقة بينها وبين المعية، فالحفظ يشترك مع المعية في الرعاية والتعهد والمصاحبة والضبط، وهي معاني موجودة في المعية في جانبها الاصطلاحي.

المصاحبة:

المصاحبة لغة:

والمصاحبة والصحبة تدل على معاني الحفظ والملازمة، والموافقة والمشاركة، (فالمصاحبة: الموافقة والمشاركة في الشيء، ويقال: صحبه الله وأصحبه وصاحبه أي: حفظه. وقال أبو عبيدة: وقوله جل ثناؤه: ( )[الأنبياء:٤٣].

أي: لا يحفظون ومنه قولهم: لا صحبه الله أي: لا حفظه. ويقال: بأهله صحبة الله وصاحبه أي: حفظه. وتقول: أصحبت الرجل إذا اتبعته منقادا فأنا مصحب والرجل مصحب. وصاحبته إذا رافقته فهو مصحوب)9. كما تدل على المنعة، والحماية10.

المصاحبة اصطلاحًا:

(الموافقة والمشاركة في الشيء، فإن تتابعوا مع ملاقاة واجتماع فأصحاب حقيقة وإن لا فمجاز)11.

الصلة بين المصاحبة والمعية:

المصاحبة واضح فيها معنى المعية، كما أن المشاركة فيها شيء من الدلالة على العون والنصرة، وهي المعاني ذاتها التي دارت عليها مفردة المعية.

أنواع معية الله تعالى لعباده

الراصد لآيات القرآن الكريم في المعية والمتتبع لها يجد أنها تدور حول قطبين أساسين أو محورين رئيسين: معية عامة لعموم الخلق، ومعية خاصة يتميز بها بعض عباد الله تعالى بشروط محددة، مقرونة بصفات مبينة.

والمعية لها دلالتان، معية بالذات ومعية بالصفات، ومعية الله تعالى لعباده المقصودة معية بالصفات لإجماع المسلمين سلفا وخلفا على أن معية الذات غير مرادة، وإنما المراد معيته تعالى بصفاته اللائقة بمعنى المعية، كالعلم والحفظ والنصرة ونحوها12

ويمكننا أن نتتبع هذين النوعين على النحو الآتي:

أولًا: معية عامة:

والمعية العامة تكون لعموم الخلق وهي بالرزق والعلم والتدبير مما يليق به تعالى ويصلح للخلق عامة، وقد وردت آيات كريمة تؤكد هذا المعنى، ومنها قوله تعالى: ( ﭛﭜ ﭵﭶ ﭼﭽ ﭿ ) [المجادلة:٧].

والمعنى: (لا يتناجى ثلاثة فيما بينهم، ولا يتكلمون فيما بينهم بكلام الشر إلا هو رابعهم، لأنه يعلم ما يقولون فيما بينهم. ولا خمسة إلا هو سادسهم يعني: كان هو سادسهم، لأنه يعلم ما يقولون فيما بينهم. ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم يعني: عالم بهم وبأحوالهم أين ما كانوا في الأرض. ثم ينبئهم بما عملوا يعني: يخبرهم بما عملوا يوم القيامة من خير أو شر)13.

(يسمع سرهم ونجواهم، لا يخفى عليه شيء من أسرارهم ( ) يقول: ولا يكون من نجوى خمسة إلا هو سادسهم كذلك ( ) يقول: ولا أقل من ثلاثة ( ) من خمسة ( ) إذا تناجوا ( ) يقول: في أي موضع ومكان كانوا. وعنى بقوله: ( )بمعنى أنه مشاهدهم بعلمه، وهو على عرشه)14.

وقال أهل المعاني: (يريد: قربة بالعلم)15.

ومعنى كونه معهم: (أنه يعلم ما يتناجون به ولا يخفى عليه ما هم فيه، فكأنه مشاهدهم ومحاضرهم، وقد تعالى عن المكان والمشاهدة)16.

والسر في تخصيص الثلاثة والخمسة؛ لأنها نزلت في المنافقين وكانوا يتحلقون للتناجي مغايظة للمؤمنين على هذين العددين، وقيل: ما يتناجى منهم ثلاثة ولا خمسة ولا أدنى من عدديهم ولا أكثر إلا والله معهم يسمع)17.

أو أن السر في تخصيص العدد: (أن أهل التناجي في العادة طائفة من أهل الرأي والتجارب، وأول عددهم الاثنان فصاعدًا، إلى خمسة، إلى ستة، إلى ما اقتضته الحال)18.

ومن لطائف الشيخ السعدي رحمه الله ربطه البديع بين صدر الآية وعجزها، واستنباطه لهذا المعنى اللطيف في المعية وهي أن هذه المعية، معية العلم والاطلاع؛ ولهذا توعد ووعد على المجازاة بالأعمال بقوله: ( ) أي: هو تعالى بصير بما يصدر منكم من الأعمال، وما صدرت عنه تلك الأعمال، من بر وفجور، فمجازيكم عليها، وحافظها عليكم)19.

فمعية الله تعالى العامة للناس معية علم واطلاع وانكشاف ومشاهدة.

ثانيًا: معية خاصة:

وإذا كنا قد عرفنا المعية العامة التي تعني العلم والإحاطة، والرزق والتدبير والرعاية، فإن هناك معية أخرى خاصة يمنحها الله تعالى لعباده المؤمنين الذين استجمعوا صفات يحبها الله ويدعوهم إليها، وهي عندئذ تعني النصر، والمعونة، والتأييد، والرعاية، والرحمة، والعناية، أو رفع الدرجات أو تكفير السيئات، أو الإكرام في الحياة، ونحو ذلك مما يستحقه المؤمنون الصالحون، وتنوع ورود هذا اللون من المعية في القرآن الكريم، كما سيأتي، ويضاف إلى هؤلاء المكرمين المنعم عليهم بهذه المعية الخاصة أصناف أخرى، منها:

  1. معية الله تعالى للملائكة.

    والمعية هنا معية الإعانة والنصر والتثبيت والتأييد، كما قال تعالى: ( ) [الأنفال:١٢].

    يعني: (ألهم ربك الملائكة، ( ) أي: معينكم وناصركم، ( ) يعني: بشروا المؤمنين بالنصرة، فكان الملك يمشي أمام الصف فيقول: أبشروا فإنكم كثير وعدوكم قليل، والله تعالى ناصركم)20.

    لكن كيف يكون إيحاء الملائكة إلى المؤمنين، إما أن يكون عن طريق الظهور المباشر في صورة رجال، وإما عن طريق الإلهام، يقول القشيري في لطائفه: (قيل كانوا يظهرون للمسلمين في صور الرجال يخاطبونهم بالإخبار عن قلة عدد المشركين واستيلاء المسلمين عليهم، وهم لا يعرفون أنهم ملائكة.

    وقيل: تثبيتهم إياهم بأن كانوا يلقون في قلوبهم ذلك من جهة الخواطر، ثم إن الله يخلق لهم فيها ذلك، فكما يوصل الحق سبحانه وساوس الشيطان إلى القلوب يوصل خواطر الملك، وأيدهم بإلقاء الخوف والرعب في قلوب الكفار21.

    وإلقاء الرعب في نفوس المشركين فيه نصر للمؤمنين وتأييد لهم، فلا معونة أعظم من إلقاء الرعب في قلوب الكفرة ولا تثبيت أبلغ من ضرب أعناقهم. واجتماعهما غاية النصرة. ويجوز أن يكون غير تفسير، وأن يراد بالتثبيت أن يخطروا ببالهم ما تقوى به قلوبهم وتصح عزائمهم ونياتهم في القتال، وأن يظهروا ما يتيقنون به أنهم ممدون بالملائكة22.

    أو يكون التثبيت بحضورهم معهم الحرب وتكثير سوادهم، أو محاربتهم معهم، أو طمأنتهم وقولهم لا بأس عليكم ولا خوف من عدوكم، فكان الملك يسير أمام الصف في صورة الرجل ويقول: سيروا فإن الله ناصركم. ويظن المسلمون أنه منهم 23.

  2. معية الله تعالى للمؤمنين.

    وقد وردت آيات القرآن الكريم تبين معية الله تعالى الخاصة لعباده المؤمنين الذين لهم صفات تؤهلهم لهذه المعية مثل الصبر والإحسان والتقوى ونحو ذلك من صفات تعينهم على أن يكونوا أهلا لمعية الملك سبحانه، ومن هذه الآيات قوله تعالى: ( ) [البقرة:١٥٣].

    ومعنى المعية هنا النصر والمعونة، والمظاهرة، فإن من كان الله معه فهو ناصره وظهيره وراض بفعله، كقول القائل: «افعل يا فلان كذا وأنا معك»، يعني: إني ناصرك على فعلك ذلك ومعينك عليه24.

    وعلى الرغم من أن الله تعالى مع كل أحد معية عامة إلا أنه مع الصابرين معية خاصة، وقد خصهم بالمعية حتى يعلموا أن الله سبحانه وتعالى بمعيته لهم يفرج عنهم، وينصرهم، لقد استوجبوا نهاية الذخر، وعلو القدر حيث نالوا معية الله25.

    قال الإمام ابن تيمية (في شرح حديث النزول): لفظ المعية في كتاب الله جاء عاما كما في قوله تعالى: ( ) [الحديد:٤].

    وفي قوله: ( ) [المجادلة:٧].

    إلى قوله: ( ) وجاء خاصا كما في قوله: (ﯿ ) [النحل:١٢٨].

    وقوله: ( ) [طه:٤٦].

    وقوله: ( ) [التوبة:٤٠].

    فلو كان المراد بذاته مع كل شيء لكان التعميم يناقض التخصيص. فإنه قد علم أن قوله: ( ) أراد به تخصيص نفسه وأبا بكر دون عدوهم من الكفار.

    وكذلك قوله: (ﯿ ) خصهم بذلك دون الظالمين والفجار.

    وأيضًا فلفظ المعية ليست في لغة العرب ولا في شيء من القرآن أن يراد بها اختلاط إحدى الذاتين بالأخرى. كما في قوله ( ﭓﭔ ) [الفتح:٢٩].

    وقوله: ( ) [النساء:١٤٦].

    وقوله: ( ) [التوبة:١١٩].

    وقوله: ( ) [الأنفال:٧٥].

    ومثل هذا كثير. فامتنع أن يكون قوله ( ) يدل على أن تكون ذاته مختلطة بذوات الخلق. وقد بسط الكلام عليه في موضع آخر وبين أن لفظ المعية في اللغة، وإن اقتضى المجامعة والمصاحبة والمقارنة، فهو إذا كان مع العباد لم يناف ذلك علوه على عرشه. ويكون حكم معيته في كل موطن بحسبه. فمع الخلق كلهم بالعلم والقدرة والسلطان. ويخص بعضهم بالإعانة والنصرة والتأييد26.

    وهذه المعية المقتضية للنصر والعون والإمداد معية خاصة كما سبق، (فالله ناصرهم ومجيب دعوتهم، ومن كان الله ناصره فلا غالب له، أما الجازع فقلبه لاه عن ذكر الله، والقلب اللاهي ممتلئ بهموم الدنيا وأكدارها، وإن حاز الدنيا بحذافيرها.

    وقد جرت سنة الله أن الأعمال العظيمة لا تنجح إلا بالثبات والدأب عليها، ومدار ذلك كله الصبر، فمن صبر فهو على سنة الله والله معه، فيسهل له العسير من أمره، ويجعل له فرجا من ضيقه، ومن لم يصبر فليس الله معه، لأنه تنكب عن سنته، فلن يبلغ قصده وغايته)27.

    وكما أن الله تعالى مع الصابرين والمحسنين فهو كذلك مع المتقين.

    قال تعالى: ( )[البقرة:١٩٤].

    قال ابن عباس: «يريد مع أوليائه الذين يخافونه فيما كلفهم من أمره ونهيه»، قال الزجاج: «تأويله أنه ضامن لهم النصر»)28.

    وكما تكون المعية بالتأييد تكون كذلك من الظلم بالنصرة والظفر بالمعونة والحفظ والعلم29.

    وتبدو السننية في هذه المعية الكريمة في تركيبة الآية إذ عبر فيها بالمشتق، كما هي صور ورود السنن في القرآن الكريم.

    وجود آلهة أخرى مع الله

    تعددت أساليب القرآن الكريم في بيان نفي أن يكون مع الله آلهة أخرى، فمرة يأتي البيان في صورة النفي ومرة في صورة النهي، وثالثة في صورة الخبر التهديدي، وأخرى في صورة الشرط، وأخرى في صورة الاستفهام الإنكاري، وفي الصفحات الآتية نحاول أن نتتبع هذه الصور على النحو الآتي:

    أولًا: النفي الصريح:

    وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تنهى نهيا صريحا عن اتخاذ آلهة مع الله تعالى، ومن المواطن التي ورد فيها ذلك في مقام بيان وعد الله تعالى بالاستخلاف للمؤمنين قوله تعالى: ( ﭿ ﮅﮆ ﮋﮌ ) [النور:٥٥].

    وفيها بيان للعلاقة بين عدم الشرك بالله والاستخلاف في الأرض كما هو واضح في الآية، وورد كذلك في مقام بيان صفات المؤمنين قوله تعالى: ( ) [المؤمنون:٥٩].

    ومنها قوله تعالى: ( ﭡﭢ ) [الفرقان:٦٨].

    والمعنى: لا يشركون به شيئا، بل يوحدونه ويخلصون له العبادة والدعوة30.

    وقد ورد في السنة في هذا المعنى: عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد الله، قال: (قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك(فأنزل تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ) [الفرقان:٦٨]الآية) 31.

    كما ورد النفي في القرآن في موضع آخر في قوله تعالى: ( ﭠﭡ ﭫﭬ ) [المؤمنون:٩١].

    ونلمح في سياق الآية الكريمة مع النفي ترتيبا عجيبا يغري العقل بالتفكر، والذهن بالعمل، والمنطق بالتحرر والانطلاق، وهو ترتيب الانفصام والانفصال بين هذه الآلهة المزعومة إن وجدت وبين وجودها، وهذا ما اعتمده علماء العقيدة في أدلة وبراهين نفي الشركاء والآلهة عن الله تعالى.

    ثانيًا: النهي الصريح:

    ومن أساليب القرآن في نفي المعية عن الله تعالى: النهي الصريح، وهذا أشد في نفي المعية وأقوى، ومن هذه المواضع التي ورد فيها قوله تعالى: ( ) [الإسراء:٢٢].

    والمعنى لا تتخذ مع الله إلها آخر فتصير إلى الذم لأنك أسندت النعمة إلى غير منعمها وحمدت من لا يستحق الحمد وغمط صاحب الفضل والنعمة وساعتها تصير مذموما لاختلال النظر لديك وفساد الحكم في ناظريك، ومخذولا لأن صاحب النعمة والمنة سيكلك إلى من تألهت له وتعبدت فيه، وليس هو من ينصر ولا يعين.

    وقوله: (تقعد) من قولهم شحذ الشفرة حتى قعدت، كأنها حربة بمعنى صارت، يعنى: فتصير جامعا على نفسك الذم وما يتبعه من الهلاك من إلهك، والخذلان والعجز عن النصرة ممن جعلته شريكا له32.

    ويبين الإمام الرازي سبب هذه العقوبة الشديدة والجزاء الوفاق الذي يتناسب مع هذه الجريمة النكراء والعمل الكالح بصورة منطقية عقلية فيرى أن من أشرك بالله كان مذموما مخذولا، والذي يدل على أن الأمر كذلك وجوه:

    الأول: أن المشرك كاذب والكاذب يستوجب الذم والخذلان.

    الثاني: أنه لما ثبت بالدليل أنه لا إله ولا مدبر ولا مقدر إلا الواحد الأحد، فعلى هذا التقدير تكون جميع النعم حاصلة من الله تعالى، فمن أشرك بالله فقد أضاف بعض تلك النعم إلى غير الله تعالى، مع أن الحق أن كلها من الله، فحينئذ يستحق الذم، لأن الخالق تعالى استحق الشكر بإعطاء تلك النعم فلما جحد كونها من الله، فقد قابل إحسان الله تعالى بالإساءة والجحود والكفران فاستوجب الذم وإنما قلنا إنه يستحق الخذلان، لأنه لما أثبت شريكا لله تعالى استحق أن يفوض أمره إلى ذلك الشريك، فلما كان ذلك الشريك معدوما بقي بلا ناصر ولا حافظ ولا معين. وذلك عين الخذلان.

    الثالث: أن الكمال في الوحدة والنقصان في الكثرة، فمن أثبت الشريك فقد وقع في جانب النقصان واستوجب الذم والخذلان، واعلم أنه لما دل لفظ الآية على أن المشرك مذموم مخذول وجب بحكم الآية أن يكون الموحد ممدوحًا منصورًا33.

    ومن لطائف البيان القرآني هنا أن الأمر على الرغم من عمومه وأنه موجه إلى كل الخلائق إلا أن التكليف والتوجيه أتى بصيغة الفردية ووجه إلى المفرد ليحس كل أحد أنه أمر خاص به، صادر إلى شخصه. فالاعتقاد مسألة شخصية مسؤول عنها كل فرد بذاته، والعاقبة التي تنتظر كل فرد يحيد عن التوحيد أن «يقعد» «مذموما» بالفعلة الذميمة التي أقدم عليها، «مخذولا» لا ناصر له، ومن لا ينصره الله فهو مخذول وإن كثر ناصروه. ولفظ: () يصور هيئة المذموم المخذول وقد حط به الخذلان فقعد، ويلقي ظل الضعف فالقعود هو أضعف هيئات الإنسان وأكثرها استكانة وعجزا، وهو يلقي كذلك ظل الاستمرار في حالة النبذ والخذلان، لأن القعود لا يوحي بالحركة ولا تغير الوضع، فهو لفظ مقصود في هذا المكان34.

    وهذا التذييل هو فذلكة لاختلاف أحوال المسلمين والمشركين، فإن خلاصة أسباب الفوز ترك الشرك لأن ذلك هو مبدأ الإقبال على العمل الصالح فهو أول خطوات السعي لمريد الآخرة، لأن الشرك قاعدة اختلال التفكير وتضليل العقول35.

    ومن هذه المواضع التي نفى فيها سبحانه المعية بصورة النهي قوله تعالى: ( ﭗﭘ ) [الإسراء:٣٩].

    والمعنى: واحذر أيها المكلف أن تتخذ مع الله إلها غيره ( )[النحل:٥١].

    إن فعلت ذلك فقد حق عليك أن ترمى وتطرح في نار جهنم في مهانة وذلة، وأنت معلوم من نفسك على ما اقترفت وملوم من الملائكة خزنة جهنم حين تعنفك 36.

    ولا يحتاج إلى بيان هنا أن الخطاب وإن كان واردا للنبي صلى الله عليه وسلم إلا أن المراد به أمته لاستحالة صدور ذلك منه فهو المعصوم37.

    ويلاحظ أن الآيات الكريمة السابقة صدرت بالنهي عن الشرك وبيان أن الله تعالى قضى بأن لا يعبد إلا إياه، وكرر النهي هنا للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه، فإن من لا قصد له بطل عمله ومن قصد بفعله أو تركه غيره ضاع سعيه، وأنه رأس الحكمة وملاكها، ورتب عليه أولًا ما هو عائده الشرك في الدنيا وثانيًا ما هو نتيجته في العقبى فقال تعالى: ( ) تلوم نفسك38.

    ومن لطائف النص القرآني البديع ما ذكره الإمام الشوكاني بأن القرآن راعى في هذا التأكيد دقيقة فرتب على الأول كونه مذمومًا مخذولًا، وذلك إشارة إلى حال الشرك في الدنيا، ورتب على الثاني أنه يلقى في جهنم ملوما مدحورا وذلك إشارة إلى حاله في الآخرة، وفي القعود هناك، والإلقاء هنا، إشارة إلى أن للإنسان في الدنيا صورة اختيار بخلاف الآخرة39.

    ومنها قوله تعالى: ( ) [الشعراء:٢١٣].

    ونلاحظ هنا شدة النهي وترتب العذاب على الاتخاذ إن وجد، مع ذكرنا منهجية القرآن في خطاباته للنبي صلى الله عليه وسلم والتي غالبا ما تصدر بما يشعر بأنها ليست عتابا مثل ( ﭿ )[التوبة:٤٣].

    ومثل( )[عبس:١].

    بصيغة الغائب، والخطاب هنا وارد على تحذير غيره مبالغة بذكره هو صلى الله عليه وسلم، كأن القرآن يقول: إذا كان هذا تهديدنا ووعيدنا لك فكيف يكون لغيرك.

    كما قال الإمام القرطبي: المعنى قل لمن كفر هذا القول تهديدا له بالتعذيب. وقيل: هو مخاطبة له عليه السلام وإن كان لا يفعل هذا، لأنه معصوم مختار ولكنه خوطب بهذا والمقصود غيره. ودل على هذا قوله:(ﭿ )[الشعراء:٢١٤].

    أي: لا يتكلون على نسبهم وقرابتهم فيدعون ما يجب عليهم.40

    قال ابن عباس رضي الله عنهما يحذر به غيره، يقول: أنت أكرم الخلق علي، ولو اتخذت إلها غيري لعذبتك41.

    وورد التركيب بهذه الصورة فخوطب به النبي صلى الله عليه وسلم مع ظهور استحالة صدور المنهي عنه منه صلى الله عليه وسلم تهييجا وحثا على ازدياد الإخلاص ولطفا لسائر المكلفين ببيان أن الإشراك من القبح والسوء بحيث ينهى عنه من لا يمكن صدوره عنه فكيف بمن عداه42.

    كما حفل القرآن الكريم بآيات أخرى تنص على النهي عن المعية كقوله تعالى: ( ﭿ) [الجن:١٨].

    ثانيًا: الاستفهام الإنكاري:

    ومن أساليب القرآن في إنكار آلهة مع الله: استعمال الاستفهام الإنكاري.

    وقد ورد هذا في مواطن متعددة من القرآن الكريم، كقوله تعالى: ( ﭕﭖ ﭘﭙ ﭜﭝ ﭥﭦ ﭭﭮ ﭱﭲ ) [الأنعام:١٩].

    والمعنى: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء المشركين، الجاحدين نبوتك، العادلين بالله، ربا غيره: () أيها المشركون ( ) يقول: تشهدون أن معه معبودات غيره من الأوثان والأصنام.

    ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: () يا محمد ( ) بما تشهدون: أن مع الله آلهة أخرى، بل أجحد ذلك وأنكره فإنما هو معبود واحد، لا شريك له فيما يستوجب على خلقه من العبادة وقل: ( ) من كل شريك تدعونه لله، وتضيفونه إلى شركته، وتعبدونه معه، لا أعبد سوى الله شيئا، ولا أدعو غيره إلها43.

    إنه لما بين تعالى شهادته التي هي أكبر الشهادات على توحيده قال: قل لهؤلاء المعارضين لخبر الله والمكذبين لرسله: ( ﭭﭮ ) أي: إن شهدوا فلا تشهد معهم.

    فوازن بين شهادة أصدق القائلين ورب العالمين وشهادة أزكى الخلق المؤيدة بالبراهين القاطعة والحجج الساطعة على توحيد الله وحده لا شريك له وشهادة أهل الشرك الذين مرجت عقولهم وأديانهم وفسدت آراؤهم وأخلاقهم وأضحكوا على أنفسهم العقلاء.

    بل خالفوا بشهادة فطرهم وتناقضت أقوالهم على إثبات أن مع الله آلهة أخرى مع أنه لا يقوم على ما قالوه أدنى شبهة فضلا عن الحجج واختر لنفسك أي الشهادتين إن كنت تعقل ونحن نختار لأنفسنا ما اختاره الله لنبيه الذي أمرنا الله بالاقتداء به فقال: ( ) أي: منفرد لا يستحق العبودية والإلهية سواه كما أنه المنفرد بالخلق والتدبير44.

    وهذا تقرير لهم مع إنكار واستبعاد قل لا أشهد شهادتكم45.

    ففيه إنكار عليهم توبيخ وتقريع46.

    ثالثًا: الخبر التهديدي:

    ولقد تنوعت أساليب القرآن في نفي وجود آلهة مع الله تعالى، ومن هذه الأساليب: الخبر التهديدي، وتكرر هذا في القرآن الكريم مرات عديدة، ومن هذا قوله تعالى: ( ﭮﭯ ) [الحجر:٩٥-٩٦].

    وواضح في الآية الكريمة بلاغة التهديد، وشدة الوعيد خاصة في قوله تعالى: ( ) خاصة إذا قر في ذهن السامع والمخاطب من الذي يهدد ويتوعد، فهو رب الكون وصاحب الأمر والنهي سبحانه، فقد وعده الله تعالى كفاية هؤلاء المستهزئين.

    والمعنى أن الله تعالى يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: إنا كفيناك المستهزئين يا محمد، الذين يستهزئون بك ويسخرون منك، فاصدع بأمر الله، ولا تخف شيئا سوى الله، فإن الله كافيك من ناصبك وآذاك كما كفاك المستهزئين. وكان رؤساء المستهزئين قوما من قريش معروفين47.

    وفي الآية تسلية له عليه الصلاة والسلام. وتهوينا للخطب عليه، بأنهم أصحاب تلك الجريمة العظمى، التي هي أكبر الكبائر، التي سيخذلون بسببها. كما قال: ( ) أي: عاقبة أمرهم. وفي الآية وعيد شديد لمن جعل معه تعالى معبودًا آخر. وقد أشار كثير من المفسرين إلى أن قوله تعالى: ( ) عنى به ما عجله من إهلاكهم48.

    ومن الآيات التي حملت الخبر التهديدي لمن يجعل مع الله آلهة أخرى، قوله تعالى: ( ﯲﯳ ) [المؤمنون:١١٧].

    والمعنى: ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به، أي: لا حجة ولا بينة له، به لأنه لا حجة في دعوى الشرك ( )، جزاؤه عند ربه يجازيه بعمله 49.

    والمعنى الذي له عند ربه أنه لا يفلح ( ) فيجازيه عليه كما قال:( ) [الغاشية:٢٦]50.

    وفي الآية إنذار لكل من يدعو مع الله إلها آخر ويشركه معه في الاتجاه والعبادة بدون برهان. فحسابه عند ربه ولن يلقى فلاحًا51.

    ومن أشد الآيات التي تهدد من يتخذ مع الله إلها آخر قوله تعالى: ( ) [ق:٢٤-٢٦].

    وهذا تصوير لمآله يوم القيامة وموقف الملائكة منه، والتعبير بالإلقاء هنا مشعر بهول الموقف، والإلقاء في العذاب الموصوف بالشدة، وترتيب الجزاء على الاسم الموصول وكون صلته أنه جعل مع الله إلها آخر مشعر بضخامة العذاب وهول العقوبة لهول الذنب.

    رابعًا: أسلوب الشرط:

    ومن أساليب القرآن الكريم في النهي عن اتخاذ آلهة مع الله، وبيان أنها شرك: أسلوب الشرط، فقال تعالى في موضع: ( ﯲﯳ ) [المؤمنون:١١٧].

    وفي الآية الكريمة من التهديد والوعيد ما فيه، والتعبير القرآني البديع: ( ) غاية في التهديد والوعيد، واختيار لفظ الربوبية التي تشعر باللوم والعتاب على عدم رعاية العبد لهذه الربوبية، وخلطها بغيرها، وعدم عرفان العبد بها مبين أي بيان عن عدم توفيق هذا الذي يستجلب على نفسه غضب ربه والرب بصفاته يعم بفضله مخلوقاته، ويشمل بفيضه جميع الكائنات، فالمحروم من حرم هذه الرحمة على سعتها، والمغبون من جانبه هذا الفضل على اتساعه وعمومه، والمخذول من خلاه هذا التوفيق الرباني.

    وقوله: ( ) مع أنه معلوم أنه لا يمكن أن يكون له برهان مشعر بأنه ليس لديه أي دليل ولو كان الدليل وهميا على اتخاذ هذا مع الله تعالى، فهو لا حجة له بالكفر ولا عذر يوم القيامة. كما أن تركيب الجملة بهذه الصورة، وورود الخاتمة: ( ) هذا الورود مشعر بأنه جواب لسؤال سابق أو مستتر كأنه قيل: لم كل هذا فقيل: لأنه لا يفلح الكافرون.

    يقول الإمام البيضاوي رحمه الله: ( ) يعبده إفرادًا أو إشراكًا. ( ) صفة أخرى لـ () لازمة له فإن الباطل لا برهان به، جيء بها للتأكيد وبناء الحكم عليه تنبيها على أن التدين بما لا دليل عليه ممنوع فضلًا عما دل الدليل على خلافه، أو اعتراض بين الشرط والجزاء لذلك: ( )فهو مجاز له مقدار ما يستحقه52.

    ومن هذا الباب قوله تعالى: ( ﭿ ) [الإسراء:٤٢].

    قال ابن عباس: «قل لأهل مكة لو كان معه آلهة كما يقولون من الأوثان، إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا، أي: طريقًا وكانوا كهيئته». وقال قتادة: أي يعرفوا فضل ذي العرش ومرتبته عليهم. ويقال: ابتغوا طريقا للوصول إليه. وقال مقاتل: لطلبوا سبيلا ليقهروه كفعل الملوك بعضهم بعضا. ثم نزه نفسه عن الشريك، فقال تعالى: سبحانه، أي :تنزيها له وتعالى عما يقولون أي: عما يقول الظالمون إن معه شريكًا. علوًا كبيرًا، أي: بعيدًا عما يقول الكفار53.

    وهذا تنزيه من الله تعالى ذكره نفسه عما وصفه به المشركون، الجاعلون معه آلهة غيره، المضيفون إليه البنات، فقال: تنزيها لله وعلوا له عما تقولون أيها القوم، من الفرية والكذب، فإن ما تضيفون إليه من هذه الأمور ليس من صفته، ولا ينبغي أن يكون له صفة54.

    وهكذا تتنوع أساليب القرآن الكريم في نفي وجود آلهة مع الله تعالى وسبحان من عز عن النظير والشبيه وتعالى عن الند والمثيل.

    معية الرسل عليهم السلام

    ومن صور المعية الواردة في القرآن الكريم معية المرسلين عليهم السلام، ويقصد بها جانبان: معية الرسل للناس، ومعية الناس لهم.

    أولًا: معية الرسل للناس:

    وقد أجمل أستاذنا العلامة الدكتور عبد الستار سعيد في جمع تصور تلك المعية بصورة بديعة إذ يرى أن معية الرسل للناس جماعها في أمور منها:

  1. معية التربص والانتظار.

    وهي في جانب المدعوين بعد إقامة الحجة عليهم وتنكرهم للبرهان واعتسافهم للدليل. ومنه ما حدث مع نبي الله هود مع قومه، إذ قال الله تعالى فيهم: ( ﮑﮒ ﮞﮟ ) [الأعراف:٧١].

    والمعنى كما قال ابن عباس: وجب ونزل عليكم عذاب وسخط55.

    (وهذا تهديد ووعيد من الرسول لقومه ولهذا عقبه بقوله: ( ).

    وقد ذكر الله سبحانه صفة إهلاكهم في أماكن أخر من القرآن بأنه أرسل عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم كما قال في الآية الأخرى)56.

    ومنه ما ورد على لسان شعيب عليه السلام: ( ﮟﮠ ﮩﮪ ) [هود:٩٣].

    يعني: (اعملوا في هلاكي وفي أمري، إني عامل في أمركم ومكانتكم،ثم قال: ( ) وهذا وعيد لهم، ستعلمون من هو كاذب، ويقال: ( ) يعني: يهلكه ويهينه ( ) يعني: ستعلمون من هو كاذب.

    ويقال معناه: من يأتيه عذاب يخزيه، ويخزي أمره، من هو كاذب على الله بأن معه شريكا، () يعني: انتظروا بي العذاب ( ) يعني: منتظر بكم العذاب في الدنيا)57.

    والمعنى: اعملوا (على تؤدتكم وتمكنكم فإني على تمكني، فسوف تعلمون أينا الجاني على نفسه، والمخطئ في فعله، فذلك قوله: ( ) يذله ( ) وانتظروا العذاب إني معكم منتظر)58.

  2. معية الصبر والالتزام، مع ضعفاء المؤمنين الضعاف.

    ومنه ما ورد في أمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( ﭚﭛ ﭣﭤ ) [الكهف:٢٨].

    وفي الآية يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر مع هذه الفئة المؤمنة والصبر معها حتى يبلغهم رسالته، وألا يرفع بصره عنهم، وعدم الانشغال بمن غفل عن ذكر الله تعالى، واتبع هوى نفسه.

    يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: () يا محمد ( ) أصحابك ( ) بذكرهم إياه بالتسبيح والتحميد والتهليل والدعاء والأعمال الصالحة من الصلوات المفروضة وغيرها () بفعلهم ذلك () لا يريدون عرضا من عرض الدنيا.

    وقوله: ( ) يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: لا تعد عيناك عن هؤلاء المؤمنين الذين يدعون ربهم إلى أشراف المشركين، تبغي بمجالستهم الشرف والفخر)59.

    ومن روائع الآية الكريمة ولطائفها أنه تعالى قال: ( ) ولم يقل: «قلبك» لأن قلبه كان مع الحق، فأمره بصحته جهرا بجهر، واستخلص قلبه لنفسه سرًا بسر.

    ويقال: ( ): معناها مريدين وجهه أي في معنى الحال، وذلك يشير إلى دوام دعائهم ربهم بالغداة والعشي وكون الإرادة على الدوام60.

  3. المعية الممنوعة المحرمة.

    وتكون في حق الظالمين والمعاندين، وتقع دائما بعد نهي عنها وأمر بمفارقة أصحابها وعدم شهود مجالسهم، ومنه قوله تعالى: ( ﯿ ﰃﰄ ) [الأنعام:٦٨].

    يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإذا رأيت يا محمد المشركين الذين يخوضون في آياتنا التي أنزلناها إليك، ووحينا الذي أوحيناه إليك، و«خوضهم فيها»، كان استهزاءهم بها، وسبهم من أنزلها وتكلم بها، وتكذيبهم بها ( )يقول: فصد عنهم بوجهك، وقم عنهم، ولا تجلس معهم (ﯿ ) يقول: حتى يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بآيات الله من حديثهم بينهم وإن أنساك الشيطان نهينا إياك عن الجلوس معهم والإعراض عنهم في حال خوضهم في آياتنا، ثم ذكرت ذلك، فقم عنهم، ولا تقعد بعد ذكرك ذلك مع القوم الظالمين الذين خاضوا في غير الذي لهم الخوض فيه بما خاضوا به فيه61

    وهؤلاء المراد بهم المشركون أو اليهود أو أصحاب الأهواء كما منعه الله تعالى من شهودهم ومخالطتهم عقوبة لهم بالحرمان، وإبعادا لهم عن أسباب التوفيق جزاء فعلهم، فقال تعالى: ( ﮚﮛ ﮠﮡ ) [الأنعام:١٥٠].

    والمعنى: ( ) أي: لأنهم إنما يشهدون والحالة هذه كذبا وزورا ( ) أي: يشركون به ويجعلون له عديلا.62

    ثانيًا: معية الناس للرسل:

    والمتأمل للآيات التي تناولت معية الناس للرسل يمكن أن يقسمها إلى قسمين:

    • معية في غير أمور الدين، مثل معية صاحبي يوسف ليوسف في السجن، ومعية إسماعيل لإبراهيم عليه السلام عندما بلغ معه السعي.
    • ومعية في أمور الدين وهي التي تعني الاتباع ويعبر عنها القرآن الكريم بالاستجابة والإسلام، والطاعة، والنصرة، والجهاد، والعبادة، والتوبة، ونحوها.

      وقد سلك القرآن الكريم في بيان معية الناس للرسل مسلكين عامًا وخاصًا، فالعام هو ما ذكرت فيه المعية بصفة عامة دون تحديد صاحب المعية، وتأتي هذه الآيات في صورة سننية قاعدية مطردة، كقوله تعالى: ( ﯟﯠ ) [آل عمران:١٤٦].

      وكما نلاحظ في الآية الكريمة أن لفظة: () وردت نكرة بما يفيد عمومها وشيوعها، ومنه قوله تعالى: ( ﯟﯠ ﯭﯮ ) [البقرة:٢١٤].

      وفي هاتين الآيتين تبدو صورة المعية في أقوى مراحلها وفي أدق خصائصها إذ هي في مرحلة الابتلاء والاختبار والجهاد ومس البأساء والضراء والزلزلة.

      والمعنى وكأين من نبي قاتل معه جماعات كثيرة ربانيون علماء أتقياء، أو عابدون لربهم. فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما فتروا ولم ينكسر جدهم لما أصابهم من قتل النبي أو بعضهم. وما ضعفوا عن العدو أو في الدين. وما استكانوا وما خضعوا للعدو بل صبروا وثبتوا، وشجعوا أنفسهم، هذا تسلية للمؤمنين، وحث على الاقتداء بهم، والفعل كفعلهم، وأن هذا أمر قد كان متقدما، لم تزل سنة الله جارية بذلك63.

      ثالثًا: معية الرسل الخاصة:

      وأما المسلك الخاص فقد بدا في حديث القرآن الكريم عن الرسل عليهم السلام بذكرهم صراحة، قد حفلت آيات القرآن ببيان هذه المعية، ويمكن أن نتتبعها على النحو الآتي:

    1. معية نوح عليه السلام.

      وأول ما نلمح في الآيات التي وردت عن المعية في حق نوح والذين آمنوا معه، يبدو لنا أنها من أكثر المواطن التي تكرر فيها لفظ المعية، مع نبي من الأنبياء، فقد وردت ثماني مرات وكأن في ذلك تأسيسا لأن معية الصالحين أصل في قيام الحضارة وبقاء الإنسانية أصلا، كما أن في ذلك بيانا وإشارة إلى أن قيام الجماعة المؤمنة أصل قديم في دعوة الأنبياء عليهم السلام، كما نلاحظ أن معية نوح والإيمان بالله سبب في النجاة والفوز، فقد فصلت الآيات الكريمة بين معسكرين معسكر الخير والحق وهم من ركبوا مع نوح في الفلك، ومعسكر الشر والباطل وهم المغرقون، ولذلك دعا نوح عليه السلام ابنه ليركب معهم وقال: ( ) [هود:٤٢].

      والعجيب أن نوحا عليه السلام عبر عن غير الراكبين معه بالكافرين إشارة إلى أن سبب عدم ركوبهم هو عدم إيمانهم بنوح، وعدم ثقتهم في أوامر الله تعالى، فكأنه كما انقسم الناس في أمره إلى أهل حق وأهل باطل انقسموا في النهاية إلى ناجين ومغرقين بل مؤمنين وكافرين وكأن النجاة الأولى مقدمة للنجاة في الآخرة، والهلاك في الأولى مقدمة للهلاك في الآخرة، ولعل هذا من أسرار تعبريه عليه السلام عنهم بـ(الكافرين).

      كما تلمح من الآيات الكريمة أن من تمام نعمة الله تعالى على المؤمنين معه أن أهلك عدوهم، وتكرر هذا في آيات متعددة، ( ﯓﯔ ) [الأعراف:٦٤].

      ( ﮒﮓ ) [يونس:٧٣].

    2. معية هود عليه السلام.

      ومعية هود عليه السلام واضح منها أنها معية له بعد الإيمان به؛ لأنه في هذه المراحل الصعبة من عمر الدعوات لا يتبع الأنبياء إلا أولو العزائم، فهي فترات ابتلاء واختبار، ويبدو في الآيات الكريمة التي تحدثت عن معية هود عليه السلام أمور منها: التأكيد أن الإيمان والمعية هما سبب النجاة، ولذا ورد في الآيتين اللتين تحدثتا عن معية هود الربط بين المعية والإيمان، كما ورد أيضا النص على هلاك عدوهم، بل قطع دابرهم، وفي ذلك شفاء لصدور المؤمنين، وإراحة لنفوسهم.

    3. معية صالح عليه السلام.

      وفي حق صالح عليه السلام ما زال التأكيد أن المعية والإيمان سبب النجاة والعصمة، فقد ورد التلازم بين الإيمان والمعية كذلك، فقال تعالى: ( ﮔﮕ ) [هود:٦٦].

      فما زالت البشرية في عهد بناء الجماعة المؤمنة، وفي الآية بيان أنَّ سبب النجاة الإيمان والمعية.

    4. معية شعيب عليه السلام.

      وفي حق شعيب عليه السلام يستمر الأمر على تباعد الزمان والمكان، بل تتضح تلازمية النصر بالمؤمنين من خلال معرفة الكافرين بهذا، فلم يقتصر التهديد هنا لشعيب فقط بل هو والذين معه، وهنا ( ﭢﭣ ) [الأعراف:٨٨].

      بل تبدو سنة من سنن الله تعالى في الدعوات وأصحابها إلى الإخراج والإبعاد، وهي سنة تتكرر شأن السنن الماضية؛ فقد هددوا شعيبًا والذين آمنوا معه بالطرد والإبعاد حتى يعودوا في ملتهم مرة أخرى، والزمن يعيد نفسه وسننة الماضية، والجواب من الو الجواب على تراخي الزمن وتباعد المكان: ( ﭶﭷ ﭿ ﮂﮃ ﮈﮉ ﮌﮍ ) [الأعراف:٨٨-٨٩].

      ويستمر الجواب على نفس السؤال حتى يقضي الله بالحق وينتصر الصدق ورسالة الإسلام.

      إن الناقمين اليوم في أعصارنا التي نشهدها على المسلمين ليسوا ناقمين إلا لأنهم أصحاب دين وأرباب رسالة، تتغلل إلى نفوس الناس وتتلطف إلى قلوبهم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

    5. معية إبراهيم عليه السلام.

      وتستمر النماذج الرائدة في المعية مع الأنبياء والمرسلين على تباعد المكان وتطاول الزمان، فنصل إلى إبراهيم عليه السلام، وتستمر آيات المعية في التأكيد على أهمية الأمة الجديدة وضرورة صلابتها في مقارعة الباطل ومنازلة الشرك إلى آخر مدى، ويبدو من الآية الكريمة مصارعة الذين آمنوا للكافرين مصارعة فكرية واضحة بان فيها إعلان البراءة منهم، وكفرهم بهم، وبدو العداوة والبغضاء أبدًا حتى يؤمنوا بالله وحده، وهذه نقلة في الخطاب لم تكن من قبل، تبدو فيها المفاصلة والمباينة حتى يظهر معنى الولاء والبراء، ثم الالتجاء إلى الله تعالى والتوكل عليه والإنابة إليه، والوعي العملي بأن الكل صائر إليه.

      فيقولون في وضوح وشموخ: ( ﯰﯱ ) [الممتحنة:٤].

      ولأمر حكيم صُدِّرَت الآية بندب المؤمنين إلى التأسي بهذه الصفات التي لا بد منها في مقارع، ثم كرر القرآن الكريم لفت أنظار المؤمنين إلى هذه الأسوة الحسنة بعد آية واحدة فقال: ( ﭜﭝ ) [الممتحنة:٦].

    6. معية موسى وهارون عليهما السلام.

      ومن جمع الآيات التي تتحدث عن معية موسى عليه السلام يمكننا أن نستبين بعض المفاهيم منها:

      • المعية أمر من الله من بداية الدعوة.

        إن المعية كانت من بداية الدعوة، وهي معية هارون أخيه له.

        قال تعالى: ( ) [الأعراف:١٠٥].

        وهذا مبني على أن الأمر بالمعية كان من بداية الدعوة: ( ) [الشعراء:١٦-١٧].

        فالإرسال(مقيد بالمعية في الآيات جميعا، وليس مجرد إرسال مطلق يتحرر به بنو إسرائيل من بطش فرعون فقط، وإنما هو دخول في معية الجماعة المسلمة الجديدة، التي تتميز بها عن معية فرعون وقومه)64.

      • معية موسى وموقف أتباع فرعون منها.

        وهذه المعية كما كانت أمرًا من بداية الدعوة، وطلبا من موسى وهارون لفرعون حين طلبًا أن يرسل معهم بني إسرائيل، أدركها أتباع فرعون حين أرادوا وأد الدعوة من البداية، فاطيروا بها وبه وبهم فكانوا كما وصف القرآن الكريم: ( ﭖﭗ ﭞﭟ ) [الأعراف:١٣١].

        وكذلك كانت نظرة أتباع فرعون إلى موسى وهارون وقومهما حين ظهرت دعوتهم، وبدأ الناس يقتنعون بها، كما وصف القرآن الكريم: ( ﯷﯸ ﯿ) [غافر:٢٥].

        لقد طلبوا قتل أبناء المؤمنين، ووصفوهم بالمعية والإيمان.

      • استنقاذ بني اسرائيل من فرعون.

        كما كانت المعية واضحة في نجاة هؤلاء المؤمنين، ( ) [الشعراء:٦٥].

        والمعنى: (وأنجينا موسى مما أتبعنا به فرعون وقومه من الغرق في البحر ومن مع موسى من بني إسرائيل أجمعين)65.

    7. معية داود وسليمان عليهما السلام.

      وإذا انتقلنا إلى الحديث عن معية داود وسليمان عليهما السلام بان لنا عدد من الملامح - من خلال رصد الآيات الكريمة الخاصة بمعيتهم منها:

      • المعية هنا ليست معية البشر فقط.
      • أن الآيات الكريمة التي تحدثت عنهم لم تتحدث عن معيتهم للبشر، فقد كانا ملكين، ومعية الناس لهم ليست مستغربة ولا منكرة وهم لم يكونا بحاجة إلى دعوة الناس إلى معيتهم، بل ظهرت معية أشياء أخرى مثل معية الجبال والطير، كما قال تعالى: ( ﭥ ﭦ ﭧﭨ ) [ص:١٨-١٩]. وكما قال سبحانه: ( ﮈﮉ ﮍﮎ ) [سبأ:١٠].

        كما نصت الآيات على معية بلقيس ملكة سبأ وقومها، وهم من كانوا (مظنة امتناع عن معية سليمان؛ لما كان لهم من دولة وقوة وجيش وحضارة وغنى وسلطان، فأثبت القرآن هذه المعية على لسان الملكة نفسها حين قالت: ( ) [النمل:٤٤].

    8. معية عيسى عليه السلام.

      وأما نبي الله عيسى عليه السلام فلأنه لم يكن مؤسسا لأمة جديدة، بل متمما ما بدأه أخوه موسى عليه السلام ـ فإن الحديث عن معيته قد ورد على لسان الحواريين كما قال تعالى: ( ﯿ ) [آل عمران:٥٢-٥٣].

      أي: (نحن أنصار الله ومن ينصر الرسول فقد نصر الله ( ) [النساء:٨٠].

      نحن أنصار الله آمنا به إيمانًا صادقًا واتبعنا رسله واشهد بأنا مسلمون؛ إذ الإسلام في جوهره لا يختلف فيه دين عن دين.

      ربنا آمنا وصدقنا بما أنزلت في كتابك واتبعنا الرسول عيسى ابن مريم، فاكتبنا مع الشاهدين الذين يشهدون لأنبيائك بالصدق)66.

    9. معية محمد صلى الله عليه وسلم.

      وإذا انتقلنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبيان المعية في حقه فاجأنا أن آيات المعية في حقه هي أكثر المواطن ورودًا في القرآن الكريم، وأكثرها تفصيلًا بين خاص وعام، والخاص فيه تفصيلات دقيقة يأتي بيانها، لكن الإشارة الواضحة هنا في الآيات أنه كما أن الأمة الخاتمة تحتاج إلى جهد في تأسيسها وبنائها فهي كذلك، وبهذا القدر تحتاج إلى طول معية وصحبة للرسول صلى الله عليه وسلم، في حياته لشخص، وبعد وفاته لسنته ومنهاجه، وكلما اقتربت الأمة من سنته ودخلت في معيته كلما اقتربت من النجاة والفلاح، والعز والنجاح، وكلما ابتعدت عن منهاجه كلما ضلت سبيلها وتنكبت طريقها.

      قال تعالى: ( ﭤﭥ ﭨﭩ ) [التوبة:٨٨].

      فربط الله تعالى حصولهم على الخيرات والفلاح بالإيمان والمعية والجهاد بالأموال والأنفس.

      وإذا حصرنا الآيات التي تناولت تلك المعية المباركة وجدنا أنها سارت في محورين رئيسين، محور عام وآخر خاص.

      فالمعية العامة هي التي تناولت أمور الدين والرسالة جملة، وفيها حديث إلى المدعوين عامة من مثل: ( ) [الملك:٢٨].

      وقوله: ( ﯹﯺ ﯽﯾ ﯿ ﰅﰆ ﰋﰌ ) [الأنبياء:٢٤].

      وقد كانت هذه المعية واضحة وظاهرة حتى في أذهان المشركين إذ قالوا: ( ) [القصص:٥٧].

      والمعية الخاصة وهي التي بدا فيها معيته صلى الله عليه وسلم للمؤمنين، وتنوعت هذه المعية وكثرت صورها فمرة تكون في الجهاد، كقوله تعالى: ( ﭤﭥ ﭨﭩ ) [التوبة:٨٨].

      ومرة في عتاب المنافقين المخلفين عن الجهاد كقوله: ( ﯿ ) [التوبة:٨٦].

      ولذا أرشده الله تعالى إلى حرمانهم من هذه المعية، فقال: ( ﮤﮥ ) [التوبة:٨٣].

      ومرة في صلاة الخوف كقوله تعالى: ( ) [النساء:١٠٢].

      ومرة تكون في الهجرة، كقوله تعالى: ( ) [الأحزاب:٥٠].

      ومرة في تعليم المؤمنين منهجية التعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم وعدم تركه إلا بإذن، تربية لهم على أخلاق المدنية، وأخذًا بأيديهم إلى طرق الدولة، وسلوك الأمم والحضارات، فيقول سبحانه: ( ) [النور:٦٢].

      آثار المعية الإلهية

      للمعية أثر لا ينكر، وفضل لا يخفى، فمعية الله سر النجاح ولب الفلاح، ومدار الهداية والتوفيق، والنصر والتأييد، والحفظ والرعاية والحياطة والعناية، فمن كان الله معه فمن يكون عليه، ومن كان الله عليه فمن يكون معه.

      وقد قال قتادة: «من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب ،والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل»67.

      ومن آثار المعية ما يأتي:

      أولًا: المراقبة:

      المراقبة من أهم آثار المعية، سواء كانت المراقبة من قبل العبد لربه أم من الله تعالى لعبده، وإن كان الأغلب فيها مراقبة العبد لربه ونظره له ومشاهدته إياه في أعماله وسلوكه، والمقصود من المراقبة: (استدامة علم العبد باطلاع الرب عليه في جميع أحواله)68.

      وهو حين يتحقق بهذه الصفة ويتحلى بهذا الخلق، يصل إلى معاني تملأ عليه نفسه بالخير والرضا واليقين والثبات، فهو في معية الله تعالى يشعر بمراقبة الله له فيجله عن أن يراه على غير ما يرضيه، أو يتفقده فيما يرضيه، وهذا المعنى هو الوارد في حديث الإيمان، إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل حينما سأله عن الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)69.

      وقد غرست آيات المعية الواردة في القرآن الكريم هذا المعنى في نفوس المؤمنين بصور شتى، وألوان متعددة، ومن هذه الآيات الكريمة قوله تعالى لموسى وهارون: ( ﯟﯠ ) [طه:٤٣-٤٦].

      أي: إنني معكما بحفظي وكلاءتي ونصري وتأييدي فلا تخافا منه، فإنني معكما أسمع كلامكما وكلامه، وأرى مكانكما ومكانه، لا يخفى علي من أمركم شيء، واعلما أن ناصيته بيدي، فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني وبعد أمري، وأنا معكما بحفظي ونصري وتأييدي70.

      وفي هذا طمأنة لهما بأن فرعون ليس بالذي يصل إلى قتلهما حتى يبلغا الرسالة. وأراد بذلك سبحانه تقوية قلوبهما وأنه متولٍّ لحفظهما وكلاءتهما71.

      وقال ابن عباس في معنى الآية الكريمة: أسمع دعاءكما فأجيبه، وأرى ما يراد بكما فأمنعه72.

      ولذا قال موسى عليه السلام: الآن لا أبالى بعدما أنت معي73.

      قال: ( ) أي: من فرطه وطغيانه ( ) أي: بالحفظ والنصرة ( ) أي: ما يجري بينكما وبينه. فأرعاكما بالحفظ74.

      وقد دل الله تعالى عباده على تصور هذه المعية من خلال تعريفهم أن عليهم حافظين، كراما كاتبين، فليكرموهم وليراقبوا أنفسهم في ضوء معرفة هؤلاء الكرام بهم.

      ولذا قال صاحب لطائف الإشارات: (حشمتهم من اطلاع الحق، ولو علموا ذلك حق العلم لكان توقيهم عن المخالفات لرؤيته- سبحانه، واستحياؤهم من اطلاعه- أتم من رؤية الملائكة)75.

      ثانيًا: النصر والتأييد:

      ومن آثار المعية نصر الله تعالى لعبده الذي يكون في معيته، وتأييده له، وقد نصت آيات القرآن الكريم على هذا الأثر من آثار المعية النصر والتأييد، فالله تعالى يمد عبيده بنصره ويؤيدهم به، ومن هنا دعاهم إلى عدم الهوان أو التفريط والتسليم والتنازل والتخاذل، فهم أولو المعية وأصحاب نصر الله وتأييده.

      قال تعالى آمرًا عباده بمراعاة أثر هذه المعية من النصر والتأييد: ( ) [محمد:٣٥].

      والمعنى:(أنتم الأعلون بالنصرة. وهو تعالى معكم بالحفظ، والمعونة)76.

      والتأييد والتسديد، ومن كان الله معه بنصره فمن يغلبه، ومن كان معه بتأييده فمن يعلوه، ومن كان معه بتسديده فمن يصرفه عن طريق الهدى، أو يشغب على منهاجه المستقيم؟

      إن في ذلك لكل من غلب على حقه، وأوذي في الله أن يستصحب معية الله ويتحقق بها، ففيها بشارة عظيمة بالنصر والظفر على الأعداء، وقد قال تعالى في الآية نفسها:( )، أي: ولن يحبطها ويبطلها ويسلبكم إياها بل يوفيكم ثوابها ولا ينقصكم منها شيئا77.

      وشعورهم بأن الله معهم، بالعون، والنصر، والتأييد، موجب لقوة قلوبهم، وإقدامهم على عدوهم78.

      ولذلك رأينا رؤوس المصلحين والدعاة الصادقين على تباعد المكان وتطاول الزمان في أتون المحنة يهشون للعطاء ويستروحون نسائم المنح، فنسمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في محنته يقول: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.

      وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت لهم ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هذه النعمة، أو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا79.

      ونسمع تلميذه ابن القيم ينقل عنه قوله: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه80.

      وفي اشتداد الصراع بين الحق والباطل، وهو سنة من سنن الله الجارية، والتي لا تتبدل ولا تتحول ينبههم سبحانه على معيته لهم المقتضية للنصر والعون والتأييد والتسديد، فيقول: ( ﯦﯧ ) [التوبة:٣٦].

      وفي حلقة من حلقات الصراع بين الحق والباطل وسنة من سنن الله تعالى فيها يبين عز وجل أن معيته ونصره وتأييده مع عباده الصابرين فيقول: ( ﭨﭩ ﭮﭯ ﭼﭽ ﭿ ﮌﮍ ) [البقرة:٢٤٩].

      وهذا إعلام منه تعالى ذكره عباده المؤمنين به أن بيده النصر والظفر والخير والشر81.

      وأن هذا النصر ليس بهم بل بإذن الله، بمشيئته وعونه ونصرته، والله مع الصابرين بالنصرة والتأييد والقوة والمعونة82.

      وأعظم جالب لمعونة الله صبر العبد لله، فوقعت موعظته في قلوبهم وأثرت معهم83.

      وقد تكرر هذا المعنى في القرآن الكريم، ومنه في مقام دفع الكفار والحملة عليهم يرد قوله تعالى: ( ﭛﭜ ) [التوبة:١٢٣].

      وقد قال بعض الصحابة: إنما تقاتلون الناس بأعمالكم وأهلها هم المجدون في طرق الحق، فوعد تعالى أنه مع أهل التقوى ومن كان الله معه فلن يغلب84.

      ومن روائع صاحب المنار وبدائعه أن يربط معنى التقوى لله تعالى بالسنن فيرى أن تقواه تعني أيضا مراعاته في أحكامه وسننه، حتى يستجلب نصره وتستدعى معونته، فيرى أن المتقين هنا هم المتقون له في مراعاة أحكامه وسننه بالمعونة والنصر، وأهمها ما يجب اتقاؤه في الحرب، من التقصير في أسباب النصر والغلب التي بينها في كتابه، والتي تعرف بالعلم والتجارب، كإعداد ما يستطاع من قوة، والصبر والثبات، والطاعة والنظام، وترك التنازع والاختلاف، وكثرة ذكر الله، والتوكل عليه فيما وراء الأسباب85.

      وفي معيته تعالى للملائكة يؤيدهم وينصرهم، ويعينهم ويثبتهم، ويأمرهم بتثبيت المؤمنين ونصرهم إذ يقول: ( ﮒﮓ ﮦﮧ ) [الأنفال:١٢-١٣].

      وفي هذا تعهد من الله تعالى بإعانة أهل الإيمان الحق، وبنصرتهم على غيرهم ولو كانوا ثلة قليلة، ما تمسكوا بإيمانهم وثبتوا على دينهم، وكانت صلتهم بالله موصولة غير مقطوعة86.

      والمعنى: إني أعينكم على تنفيذ ما آمركم به من تثبيتهم على قلوبهم، حتى لا يفروا من أعدائهم على كونهم يفوقونهم عَدَدًا وعُدَدًا ومَدَدًا - إعانة حاضر معكم لا يخفى عليه ولا يعجزه شيء من إعانتكم، والوعد بالإعانة وحده لا يفيد هذا المعنى كله، ففي المعية معنى زائد على أصل الإعانة نعقل منه ما ذكر، ولا نعقل كنهه وصفته87.

      ومعنى ( )أي: بالعون والنصر والتأييد، ( ) أي: ألقوا في قلوبهم، وألهموهم الجراءة على عدوهم، ورغبوهم في الجهاد وفضله88.

      ثالثًا: التوفيق والمحبة:

      ومن ثمرات المعية: التوفيق والمحبة، والدلالة على سبل الرشاد، وطرق الهداية، وتلك لها مقدماتها التي تفضي إلى نتائجها، وأسبابها التي تعين على الوصول إليها.

      وقد قال تعالى: ( ﮤﮥ ) [العنكبوت:٦٩].

      إن هذه المعية التي أدت إلى الهداية والتوفيق والمحبة ليست من فراغ، بل بنيت على جهاد ومجاهدة، وصبر ومصابرة، ودلالة () على جهة الجهاد وصدق النية فيه وتمحض المقصود به ما فيه، ومعنى المعية هنا: بالعون والنصر والهداية89.

      وإذا تتبعنا أقوال المفسرين في دلالة المعية هنا وجدنا أكثرهم يركز على أن المقصود بها هو النصر، والمقام هنا ليس مقام صراع بين فئتين، بل صراع بين النفس البشرية ومتطلباتها، أو صراع بين المحبوب والمكروه، والنصر هنا هو نصر الهداية والتوفيق والدلالة على سلامة المنحى وصحة الطريق.

      ولذا قال الإمام الشوكاني رحمه الله: المعية هنا بالنصر والعون، ومن كان معه لم يخذل90.

      رابعًا: الحفظ والرعاية:

      ومن ثمرات المعية كذلك حفظ الله ورعايته لمن كان في معيته.

      وتبدو هذه المعية وتظهر آثارها في الحفظ والرعاية في مقام الدعوة فيبين لهم تعالى أنه حافظهم وراعيهم؛ حتى يطمئن أصحاب الدعوات والذين يكونون في معيته تعالى أنهم محفوظون ومراعون من قبل ربهم، فهو ناصرهم ومعينهم ومؤيدهم ومثبتهم، كما قال تعالى: ( ﯳﯴ ﯿ ) [النحل:١٢٧-١٢٨].

      والمقصود من معيته تعالى هنا أنه سبحانه يعينهم ويحفظهم من مكر الأعداء بهم، وينصرهم عليهم، فهي معية رعاية وحفظ91.

      ودلت آيات كثيرة على هذا المعنى منها قوله تعالى في حق النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه إذ هما في الغار: ( ﯜﯝ ﯪﯫ ﯯﯰ ) [التوبة:٤٠].

      وأي: فضل أعظم من هذه المعية التي ينال بها صاحبها السكينة والتأييد وعلو الكلمة وأصبح في جوار العزيز الحكيم، ومعنى ( ): أي: بالنصر والرعاية والحفظ والكلاءة92.

      والمعنى: ( ) أي: إن لم تنصره فسينصره الله كما نصره. ( ) ولم يكن معه إلا رجل واحد، أو إن لم تنصروه فقد أوجب الله له النصر حتى نصره في مثل ذلك الوقت فلن يخذله في غيره، ( ) وهو أبو بكر رضي الله عنه ( ) بالعصمة والمعونة93.

      وتلك سنة الله تعالى في رسله وأنبيائه، وهي ماضية مع عباده المؤمنين الذين نالوا شرف معيته عز وجل، فكما كان للمعية أثر الحفظ والرعاية مع رسولنا صلى الله عليه وسلم وصاحبه، كان لها نفس الأثر مع موسى وهارون من قبل، حينما أمرهما الله تعالى بالذهاب إلى فرعون لبلاغ الرسالة، واستخلاص بني إسرائيل من قهره وسخرته، قالا: ( ﯟﯠ ) [طه:٤٥-٤٦].

      والمراد ( ) مما عرض في قلبكما من الإفراط والطغيان؛ لأن ذلك هو المفهوم من الكلام، يبين ذلك أنه تعالى لم يؤمنهما من الرد ولا من التكذيب بالآيات ومعارضة السحرة. وقوله: ( ) عبارة عن الحراسة والحفظ، وأكد ذلك بقوله: ( ) فإن من يكون مع الغير وناصرًا له وحافظًا يجوز أن لا يعلم كل ما يناله، وإنما يحرسه فيما يعلم، فبين سبحانه وتعالى أنه معهما بالحفظ والعلم في جميع ما ينالهما، وذلك هو النهاية في إزالة الخوف.

      قال القفال: قوله: ( ) يحتمل أن يكون مقابلا لقوله: ( ) والمعنى: يفرط علينا بأن لا يسمع منا: أو أن يطغى بأن يقتلنا، فقال الله تعالى: إنني معكما أسمع كلامه معكما فأسخره للاستماع منكما، وأرى أفعاله فلا أتركه حتى يفعل بكما ما تكرهانه، واعلما أن ناصيته بيدي، فلا يتكلم ولا يتنفس ولا يبطش إلا بإذني وبعد أمري، وأنا معكما بحفظي ونصري وتأييدي94.

      وهذا ما كان، فقد تحقق وعده عز وجل سواء في بلاغ الرسالة أو في حفظ موسى وهارون من فرعون وجنده، وتيقن موسى من هذا حتى مع ما كان في قلبه في بداية الدعوة من خوف بشري فطري جعله يقول ما يقول.

      إلا أننا نراه في موقف أشد وأحد في موقف عبور النهر يقول لقومه رادعًا لهم وزاجرًا عن أوهامهم عندما قالوا: إنا لمدركون: ( ﭛﭜ ) [الشعراء:٦٢].

      فنبههم موسى أن ليس الأمر كما ذكرتم، كلا لن تدركوا إن معي ربي سيهديني، يقول: سيهديني لطريق أنجو فيه من فرعون وقومه وسيكفيني، أي: للنجاة، وقد وعدني ذلك، ولا خلف لموعوده95.

      وفي بيان موسى عليه السلام هذا البيان ورده على قومه بهذه الشدة () ما فيه من توكيد ويقين وثقة واطمئنان إلى قدرة الله الحافظ ونصرته وهو المعين() في شدة وتوكيد. كلا لن نكون مدركين.

      كلا لن نكون هالكين.

      كلا لن نكون مفتونين.

      كلا لن نكون ضائعين (ﭛﭜ ) بهذا الجزم والتأكيد واليقين.

      وفي اللحظة الأخيرة ينبثق الشعاع المنير في ليل اليأس والكرب، وينفتح طريق النجاة من حيث لا يحتسبون96.

      موضوعات ذات صلة:

      التقوى، الحفظ، الصحبة، القدر


1 المفردات ص ٤٧٠.

2 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٧٧١، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٣٧٢.

3 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٧٧٢، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الياء ص١٤٣٨ ١٤٣٩.

4 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٤٢٨ ٤٢٩، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٥٦٢ ٥٦٣.

5 انظر: العين، الفراهيدي ٣/ ١٩٩، تهذيب اللغة، الأزهري ٤/ ٢٦٥، مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/ ٨٧.

6 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٤٤.

7 التعريفات ص ٨٩.

8 التوقيف على مهمات التعاريف ص ٢٩٨.

9 انظر: جمهرة اللغة، ابن دريد ١/ ٢٨٠، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٣٠٧.

10 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٤/ ١٥٤. الصحاح، الجوهري ١/ ١٦٢.

11 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٣٠٧.

12 انظر: المدخل إلى التفسير الموضوعي، عبدالستار سعيد ص ٢٩.

13 انظر: تفسير السمرقندي ٣/ ٤١٦، تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٤/ ٣٥٩.

14 جامع البيان، الطبري ٢٢/ ٤٦٨.

15 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١/ ٢٨٤، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/ ١٩٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٤٥.

16 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/ ٤٩٠، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/ ٢٤٥.

17 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٣/ ٤٤٧.

18 البحر المديد، ابن عجيبة ٧/ ٣٣٩

19 تيسير الكريم الرحمن ص ٨٣٨.

20 تفسير السمرقندي ٢/ ١١.

21 انظر: طائف الإشارات، القشيري ١/ ٦٠٧، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/ ١٩٣.

22 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/ ٢٠٤، معالم التنزيل، البغوي ٣/ ٣٣٣.

23 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٣٧٨.

24 جامع البيان ٣/ ٢١٤.

25 انظر: تفسير السمرقندي ١/ ١٠٥، الكشف والبيان، الثعلبي ٢/ ٢١، لطائف الإشارات، القشيري ١/ ١٣٨.

26 محاسن التأويل ١/ ٤٣٧.

27 تفسير المراغي ٢/ ٢٣.

28 انظر: التفسير البسيط ١٠/ ٤١٧.

29 انظر: تفسير السمعاني ٢/ ٣٠٨، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/ ٣١، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/ ٤٣٩.

30 فتح القدير، الشوكاني ٤/ ١٠٢.

31 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب قتل الولد خشية أن يأكل معه، ٨/ ٨.

32 الكشاف، الزمخشري ٢/ ٦٥٧.

33 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/ ٣٢٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٦٤.

34 في ظلال القرآن ٤/ ٢٢٢٠.

35 التحرير والتنوير ١٥/ ٦٤.

36 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/ ٤٥٢، التفسير الوسيط، الواحدي ٥/ ٧٥٨.

37 تفسير السمعاني ٣/ ٢٤٣، معالم التنزيل، البغوي ٣/ ١٣٥.

38 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٧٧.

39 فتح القدير، الشوكاني ٣/ ٢٧٢.

40 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/ ١٤٢، مدارك التنزيل، النسفي ٢/ ٥٨٦.

41 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/ ٤٨٠، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٩٨.

42 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٢٦٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٢٠٠.

43 جامع البيان، الطبري ١١/ ٢٩٢.

44 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٥٣.

45 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/ ١١، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/ ١٥.

46 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/ ٣٩٩.

47 جامع البيان، الطبري ١٧/ ١٥٣.

48 محاسن التأويل، القاسمي ٦/ ٣٤٦.

49 معالم التنزيل، البغوي ٣/ ٣٧٨.

50 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/ ٢٥.

51 التفسير الحديث، محمد عزت ٥/ ٣٣٨.

52 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/ ٩٧، محاسن التأويل، القاسمي ٧/ ٣٠٦.

53 انظر: تفسير السمرقندي ٢/ ٣١٢.

54 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/ ٤٥٣، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/ ٤٤٧.

55 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٢/ ٢٣٤، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/ ١٣٤.

56 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٩٠.

57 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/ ٤٦٣، تفسير السمرقندي ٢/ ١٦٨.

58 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/ ١٩٧، تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٢/ ٣٠٧.

59 جامع البيان، الطبري ١٨/ ٦.

60 لطائف الإشارات، القشيري ٢/ ٣٩١.

61 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/ ٤٣٦، معالم التنزيل، البغوي ٢/ ٣٠١، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٤١.

62 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٢٢.

63 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/ ١١١، معالم التنزيل، البغوي ٢/ ١١٦.

64 المدخل إلى التفسير الموضوعي، عبدالستار سعيد ص ١٤٩.

65 جامع البيان، الطبري ١٩/ ٣٦٠.

66 التفسير الواضح، محمد حجازي ١/ ٢٣٦.

67 انظر: حلية الأولياء، أبو نعيم ٢/٣٤٠.

68 التعريفات، الجرجاني ص ٢١٠.

69 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل، ١/ ١٩، رقم ٥٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، ١/ ٣٩، رقم ٩.

70 انظر: تفسير القرآن العظيم ٦/ ١٢٤، ٥/٢٦١.

71 انظر: تفسير يحيى بن سلام ١/ ٢٦١، فتح القدير، الشوكاني ٤/ ١١١

72 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي، معالم التنزيل، البغوي ٥/ ٢٧٦.

73 لطائف الإشارات، القشيري ٢/ ٤٥٨.

74 محاسن التأويل، القاسمي ٧/ ١٢٧.

75 لطائف الإشارات ٣/ ٦٩٨.

76 انظر: تفسير السمعاني ٥/ ١٨٥، زاد المسير ٤/ ١٢٣.

77 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/ ٢٩٩.

78 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٩٠.

79 المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيمية ١/ ١٥٣.

80 المصدر السابق ١/ ١٥٤.

81 جامع البيان، الطبري ٥/ ٣١٦.

82 انظر: لطائف الإشارات، القشيري ١/ ١٩٤.

83 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٠٨.

84 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/ ٩٨، فتح القدير، الشوكاني ٢/ ٤٧٤.

85 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١١/ ٦٦.

86 التيسير في أحاديث التفسير ٢/ ٣١٤.

87 تفسير المنار ١٠/ ١٠٧.

88 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣١٦.

89 المصدر السابق ص ٦٣٦.

90 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٥/ ٣٨٠.

91 انظر: معاني القرآن، الزجاج ٣/ ٢٢٤، التفسير الوسيط، الواحدي ٥/ ٧٠٨.

92 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/ ١٤٦.

93 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٣٦، محاسن التأويل، القاسمي ٥/ ٤١٩.

94 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/ ٥٤، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٣/٢٥٨.

95 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/ ٣٥٦، فتح القدير، الشوكاني ٤/ ١١٨.

96 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/ ٢٥٩٩.