عناصر الموضوع

التعريف بلوط عليه السلام

لوط مع إبراهيم عليهما السلام

لوط عليه السلام مع قومه

لوط عليه السلام مع زوجه

لوط عليه السلام مع بناته

لوط عليه السلام مع الملائكة

نجاة لوط وبناته وهلاك امرأته

صنوف العذاب التي حلت بقوم لوط

فوائد وعبر من قصة لوط عليه السلام

أحكام متعلقة بالقصة

لوط عليه السلام

التعريف بلوط عليه السلام

لوط عليه السلام نبي من الأنبياء، الذين بعثهم الله عز وجل لهداية الناس وإصلاحهم، ولقد عاش في زمن الخليل إبراهيم عليه السلام، وذهب كثيرٌ من أهل العلم إلى أن لوطا عليه السلام: ابن أخي إبراهيم عليه السلام آمن به وهاجر معه فكان غراسا طيبا لدعوة إبراهيم عليه السلام1.

قال الله تعالى: ( ﭬﭭ ) [الأنبياء: ٧٤].

فبعد الحديث عن رعاية الله لنبيه إبراهيم عليه السلام ومنحه له جاء الحديث عن لوط عليه السلام وما وهبه الله من نعم وما حباه من رعاية، فقد آتاه آلة الحكم وهو الفصل بين الناس والتمييز بين الأمور والحكم عليها والعلم النافع الذي ينير لصاحبه ويرشده، فقد وهبه الله عقلا راجحا وفطرة نقية وبصيرةً نافذةً وميزانا قويما، وفي تنكير ( )مع التنوين تعظيمٌ وتفخيمٌ لهذه المنحة الربانية، فهو ثمرةٌ طيبةٌ لدعوة خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ونتاجٌ طيب لغرسه المبارك، ولا أدل على حكمته وعلمه من عيشه وسط أولئك الغوغاء الشذاذ ينهاهم ويزجرهم عن فسوقهم وتماجنهم ويعظهم فلا يجد آذانا صاغيةً.

وقد جاء الحديث عن لوط في شجرة الأنبياء الواردة في سورة الأنعام تلك الشجرة المباركة التي تمتد إلى أرومة واحدة قال تعالى: ( ﭱﭲ ﭴﭵ ﭿ ﮂﮃ ﮋﮌ ﮔﮕ ﮞﮟ ﮮﮯ ﯞﯟ ﯯﯰ ﯲﯳ ﯸﯹ ﯿ) [الأنعام: ٨٤-٩٠].

فلقد هداهم الله واجتباهم وجعلهم ذرية طيبة بعضها من بعض، وآتاهم الكتاب والحكم والنبوة، وجعلهم مصابيح هدى، تقتدي بها الإنسانية .

لوط مع إبراهيم عليهما السلام

يظل الأنبياء عليهم السلام على الفطرة النقية التي فطر الله الناس عليها، يحفظهم ربهم ويهديهم ويتعهدهم بالرعاية والتربية، فهذا لوطٌ عليه السلام ينشأ في مجتمع يسوده الكفر ويعمه الضلال، لكن الله تعالى يعصمه ويحفظه، فينشأ على التوحيد، في كنف عمه إبراهيم عليه السلام، ويعاين الآية الكبرى حين ألقوا به عليه السلام في النار فنجاه الله تعالى وجعلها بردا وسلاما فيزداد إيمانا وتسليما .

قال تعالى: ( ﮇﮈ ﮍﮎ ) [العنكبوت: ٢٦].

وقال تعالى في سياق الحديث عن إبراهيم: ( ) [الأنبياء: ٧١].

والآية الأولى تبين انقياده واستجابته لعمه عليه السلام، آمن له أي: انقاد واستجاب عن إيمان ويقين، كذلك تعني الآية أنه آمن بنبوته واستجاب لدعوته وصدق برسالته مع إيمانه الفطري بالله تعالى وحده لا شريك له، وفي الآية الثانية بيان لنعمة الله عليه إذ أنجاه إلى الأرض المباركة، كما آمن به فقد هاجر معه من العراق إلى أرض الشام المباركة، وهي بيت المقدس وما حوله، فهي بركة للعالمين بما فيها من كنوز وخيرات، وبما فيها من عيون وأنهار، وزروع وثمار، مع خصب تربتها، ونقاء هوائها، وطيب العيش فيها، وبما سطع فيها من أنوار النبوات، مباركة بمن عاش على ثراها ودفن في تربتها من الأنبياء والصالحين، مباركة بشعبها الحر الأبي الذي ضرب ولا يزال أروع الأمثلة في الصبر والثبات والتضحية والفداء، والتصدي والتحدي للطغاة المستبدين .

هاجر لوط عليه السلام مع عمه إبراهيم إلى الشام، وهى الأرض المباركة، وظل لوطٌ في صحبة عمه إبراهيم - عليهما السلام - حتى استقر به المقام في قرية سدوم بالأردن، حيث أرسله الله إلى أهل هذه القرية2.

لوط عليه السلام مع قومه

أولًا: دعوته لقومه:

أرسل الله تعالى لوطا عليه السلام إلى قرية سدوم وما حولها، وقد راعه ما هم عليه من شذوذ وانحراف وجهالة وإسراف، فدعاهم إلى الله تعالى، وبدأ بالعقيدة، ثم عرج إلى الأخلاق والآداب .

ولقد جاء الحديث عن رسالة لوط عليه السلام في مواضع متفرقة.

قال تعالى في سورة الشعراء: ( ﭫﭬ ﭿﮀ ) [الشعراء: ١٦٠ - ١٦٦].

بدأت الآيات ببيان تكذيب قوم لوط عليه السلام للمرسلين، كذبوا لوطا عليه السلام كما كذبوا بمن سبقه من الرسل فالتكذيب فيهم متأصلٌ، وبعض المفسرين يكتفي بقوله هنا مراعاة للفاصلة وتلك إجابةٌ صائبةٌ لكنها ليست كافية، وأقول: إن من كفر برسول فقد كفر بسائر الرسل، لأنها دعوة واحدة ورسالة واحدة، وإن كثر حملتها من الأنبياء والرسل، ولقد كذبوا بدعوات الرسل التي بلغتهم قبل إرسال لوطٍ إليهم، وحين جاءهم لوطٌ بادروا إلى تكذيبه .

حثهم عليه السلام على تقوى الله عز وجل فهي سبيل كل خير والعصمة من كل شرٍ، وبين لهم أنه مرسل من عند الله عز وجل، أمين في دعوته.

( ) لوط من بلاد العراق وهم في بلاد الشام والأخوة هنا هي أخوة المصاهرة، أو أخوة المواطنة لأنه عاش فيهم وتزوج منهم.

حث لوطٌ على تقوى الله تعالى، بهذا الأسلوب الرائع الذي ينم عن حرصه على هدايتهم، وإشفاقه عليهم، وترفقه بهم، كلماتٌ تنسل من قلبٍ يذوب كمدا ويتفطر ألما على حال قومه.

( ) أكد لهم رسالته وأمانته، فهو أمين في دعوته، أمين في نصحه.

( ) لخص دعوته في هذين الأصلين العظيمين تقوى الله تعالى بالخوف منه واجتناب محارمه وامتثال أوامره، وطاعة النبي فيما يدعوهم إليه من الخير والصلاح في دينهم ودنياهم .

( ﭫﭬ ) لا أنتظر منكم أجرا على دعوتي، لأن أجري على من أرسلني وهو رب العالمين، وفي هذا إعلان التجرد والإخلاص في هذه الدعوة، فهذه المهمة الجليلة الثقيلة لم يتقاض عليها الأنبياء أجرا من البشر وإنما الأجر كله من الله الذي بعثهم.

( ﭿﮀ ) [الشعراء: ١٦٠ - ١٦٦]: يتركون نساء الدنيا كلها، ويضيقون على أنفسهم وقد وسع الله عليهم ؛ ففي الحلال الطيب ما يسع الجميع، ودائرة الحلال واسعةٌ، بينما اختاروا طريق الغواية والشذوذ.

أنكر عليهم هذا الفعل القبيح وتلك العادة المستهجنة المخالفة للفطرة السليمة وللطبائع المستقيمة، تلك العادة التي شذوا بها عن سائر الخلق، وكانوا أول من فعلها، فتجاوزوا بذلك الحد في الفساد والإجرام والضلال والانحلال وسنوا سنة سيئةً قبحهم الله.

قال ابن كثير: «بعث الله لوطا عليه السلام إلى أهل سدوم وما حولها من القرى يدعوهم إلى الله عز وجل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم والمحارم والفواحش التي اخترعوها ؛ فلم يسبقهم بها أحد من بني آدم ولا غيرهم وهو إتيان الذكور دون الإناث وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ولا تألفه، ولا يخطر ببالهم حتى صنع ذلك أهل سدوم - عليهم لعائن الله - قال الوليد بن عبد الملك - الخليفة الأموي، باني جامع دمشق -: لولا أن الله عز وجل قص علينا خبر قوم لوط ما ظننت أن ذكرا يعلو ذكرا » 3.

وفي سورة الأعراف: ( ﯩﯪ ) [الأعراف: ٨٠-٨١].

أنكر عليهم إتيانهم لتلك الرذيلة المنكرة، التي لم يسبقهم إليها أحد والتي تدل على إسرافهم في الفساد وتماديهم في الفجور والانحلال، والتعبير بالفاحشة، لقبحها واستهجانها وكونها من أفحش الكبائر وأشنع الذنوب إذ هي خروجٌ عن الفطرة ومجافاةٌ للطبيعة وشذوذٌ وانحرافٌ، مع ما فيها من إفسادٍ وأضرار، ونعى عليهم كونهم أول من ابتدعها.

قال أبو حيان الأندلسي: «والفاحشة هنا :إتيان ذكران الآدميين في أدبارهم، ولما كان هذا الفعل معهودا قبحه ومركوزا في العقول فحشه أتى معرفا بالألف واللام 4، أو تكون (أل) فيه للجنس على سبيل المبالغة كأنه لشدة قبحه جعل جميع الفواحش » 5 .

قال صاحب الظلال: «والإسراف الذي يدمغهم به لوط هو الإسراف في تجاوز منهج الله الممثل في الفطرة السوية، والإسراف في الطاقة التي وهبهم الله إياها، لأداء دورهم في امتداد البشرية ونمو الحياة، فإذا هم يريقونها ويبعثرونها في غير موضع الإخصاب . فهي مجرد ()شاذ، لأن الله جعل لذة الفطرة الصادقة في تحقيق سنة الله الطبيعية . فإذا وجدت نفس لذتها في نقيض هذه السنة، فهو الشذوذ إذن والانحراف والفساد الفطري، قبل أن يكون فساد الأخلاق ولا فرق في الحقيقة ؛ فالأخلاق الإسلامية هي الأخلاق الفطرية، بلا انحراف ولا فساد . إن التكوين العضوي للأنثى - كالتكوين النفسي - هو الذي يحقق لذة الفطرة الصادقة للذكر في هذا الالتقاء، الذي لا يقصد به مجرد() إنما هذه اللذة المصاحبة له رحمة من الله ونعمة، إذ يجعل القيام بتحقيق سنته ومشيئته في امتداد الحياة، مصحوبا بلذة تعادل مشقة التكليف ! فأما التكوين العضوي للذكر - بالنسبة للذكر - فلا يمكن أن يحقق لذة للفطرة السليمة، بل إن شعور الاستقذار ليسبق، فيمنع مجرد الاتجاه عند الفطرة السليمة»6.

وفى سورة النمل يقول عز وجل: ( ﯬﯭ ) [النمل: ٥٤ - ٥٥].

أنكر عليهم لوط عليه السلام فعلهم لتلك الفاحشة مع علمهم بقبحها وشناعتها ( ) أي: تعلمون بقبحها، تبصرون ذلك بعقولكم وبصائركم، بل وحواسكم، وقيل :( ) أي: يبصر بعضكم بعضا أي: ينظر إليه تلذذا واستمتاعا حيث كانوا يرتكبون الفاحشة في العلن، وقيل: ( ) آثار العصاة المنتهكين للحرمات ممن قبلكم فاعتبروا بهم.

( ) [النمل: ٥٤ - ٥٥].

وصفهم بالجهل، والمقصود به هنا الجهل: ضد الحلم، وهو الطيش والسفه الذي يدفع صاحبه إلى ارتكاب هذا المنكر، دون إدراكٍ لأخطاره أو تحسبٍ لأضراره، كذلك الجهل المنافي للعلم ؛ إذ لا يفعل هذه الموبقات إلا الجهال بخطرها وعاقبتها، أو نفي العلم عنهم وإن علموا بقبحها وسوء عاقبتها لأن علمهم لم ينفعهم ولم يدفعهم عن هذا الجرم، فأضحى لا قيمة له، فهو بمثابة الجهل.

وفي سورة العنكبوت يقول عز وجل: ( ) [العنكبوت: ٢٨ - ٢٩].

أنكر عليه السلام على قومه تلك الفعلة المنكرة القبيحة التي لم يسبقهم إليها أحد، وهذا مما يزيد في شناعتها وقبحها كونهم أول من قارفها، وأول من سنها، كما أنكر عليهم قطعهم للسبيل على السابلة والمسافرين وترويعهم وسلب أموالهم وسفك دمائهم، ومجاهرتهم بالمنكرات في المجالس والنوادي دون خجل أو وجل، ودعاهم عليه السلام إلى عبادة الله عز وجل، والامتثال لما أمر به واجتناب كل ما نهى عنه، وحذرهم من سخط الله تعالى، وأليم عقابه، فقابلوا تلك الدعوة الصادقة بالتكذيب والإعراض والسخرية والاضطهاد والعداء والإيذاء، والتهديد والوعيد.

وقال الإمام ابن كثير: «وكانوا مع ذلك - أي: مع إتيانهم الفاحشة - يقطعون الطريق، ويخونون الرفيق، ويأتون في ناديهم - وهو مجتمعهم ومحل حديثهم وسمرهم - المنكر من الأقوال والأفعال على اختلاف أصنافه، حتى قيل: إنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، ولا يستحيون من مجالسيهم، وربما وقعت منهم الفعلة العظيمة في المحافل ولا يستنكفون ولا يرعوون لوعظ واعظ، ولا نصيحة من عاقل، وكانوا في ذلك وغيره كالأنعام بل أضل سبيلا ولم يقلعوا عما كانوا عليه في الحاضر ولا ندموا على ما سلف من الماضي ولا راموا في المستقبل تحويلا فأخذهم الله أخذا وبيلا»7.

قال عبد الكريم الخطيب: «كانوا من الفجور وجفاف ماء الحياء من وجوههم، بحيث لا يجدون حرجا في أن يأتوا هذا المنكر علانية، وهم في مجتمعهم الذي يجتمعون فيه وهذا غاية ما يتردى فيه الإنسان، في طريق الانحدار إلى عالم الحيوان»8.

وقد وصف قوم لوطٍ بأوصافٍ ذميمةٍ منها:

  1. التكذيب.

    قال تعالى في سورة الحج: ( ﮧﮨ ﮮﮯ ) [الحج: ٤٢ - ٤٤].

    وفي سورة الشعراء: ( )، وفي سورة ص: ( ﯳﯴ ﯿ) [ص: ١٢ - ١٤].

    وفي سورة القمر: ( ﭿ ﮁﮂ ) [القمر: ٣٣-٤٠].

    كذبوا بنبي الله لوطٍ عليه السلام وصدوا عن دعوته وجاهروا بالمعاصي مستحلين لها، واجتمعت كلمتهم على إخراج لوطٍ وبناته لأنهم متطهرون، وكأن التطهر جرمٌ يعاقب صاحبه بالطرد والإبعاد، دون أن يلقوا بالًا بما عاينوه من آياتٍ وقرع مسامعهم من نذر، ولا عجب فهذا منطق أهل الكفر والضلال في كل زمان.

  2. الإسراف.

    قال تعالى: ( ﯩﯪ ) [الأعراف:٨٠ - ٨١].

    «أي: متجاوزون لما حده الله متجرئون على محارمه»9 وإسرافهم بإتيان تلك الفاحشة من مجاوزة الحد وإهدار الطاقات وتبديد الأوقات، وإذا كان الإسراف في المباح مذموم فما بالك بمن يسرف في الحرام ! والتعبير باسم الفاعل ؛ لبيان ملازمتهم للإسراف فهو طبعهم وحالهم لا ينفك عنهم.

  3. الجهل.

    قال تعالى: ( ﯬﯭ ) [النمل: ٥٥].

    قال الرازي رحمه الله: «تفعلون فعل الجاهلين بأنها فاحشة مع علمكم بذلك أو تجهلون العاقبة أو أراد بالجهل السفاهة والمجانة التي كانوا عليها»10.

    وقال عبد الكريم الخطيب:«وانظر كيف تبلغ السفاهة بالقوم إنهم ليأتون الفاحشة في غير مبالاة، ولا ستر من حياء ! يأتونها جهرة وفى صورة جماعية، دون أن يجد أحدهم حرجا أو استحياء! وهذا غاية التدلي والإسفاف في عالم الإنسان، إلى درجة لا ينزل إليها كثير من عالم الحيوان حيث تأبى على بعض الحيوان طبيعته أن يتصل بأنثاه على مرأى من بني جنسه! بله اتصاله بذكر! الأمر الذي لم تعرفه الكائنات الحية، إلا في هذا الصنف الرذل الخسيس من الناس!» 11.

    والتعبير بالفعل المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار، فالأيام والآيات لا تزيدهم إلا سفاهة وجهالة، وهم مصرون على جهلهم مقيمون عليه .

  4. الفسق.

    قال تعالى: ( ﭬﭭ ) [الأنبياء: ٧٤].

    وقال تعالى: ( ) [العنكبوت: ٣٤].

    فتلك الفعلة القبيحة هي أشد ألوان الفسق، ففيها خروج عن الطاعة، خروجٌ عن الشريعة، خروجٌ على العرف المستقيم، تمردٌ على الفطرة فليس هناك أسوأ مما كانوا عليه، فقد أضيفوا إلى السوء إضافة تدل على ملازمة، ورجل السوء هو الذي يسوء ويفسد كل من يخالطه، ووصفوا بالفسق صفة ملازمة لهم لا تنفك عنهم، وأصل الفسق من فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرتها التي تصونها وتحفظها، كذلك قوم لوط خرجوا عن منهج الله الذي يصونهم ويحميهم، وقد جلبوا الخزي والعار لأنفسهم واستوجبوا سخط الله وأليم عقابه

  5. الفساد.

    قال تعالى: ( ) [العنكبوت: ٣٠].

    وأي إفساد أشد مما كانوا عليه من الكفر والفسوق، والتحلل والعري، وفساد الأمزجة وانتكاس الفطرة، وقطع السبيل، والخلل الاجتماعي، والانقلاب على الحق، وإخراج أهل الطهر، فساد روحي وفساد اجتماعي وفساد سياسي واقتصادي، فالفساد داء عضال يستشري في أبدانهم ومنتدياتهم ويلوث مجالسهم، صفةٌ من صفاتهم التي لا تنفك عنهم، والفساد باض وأفرخ فيهم وتغلغل في مجتمعاتهم وبيوتهم، وهم إلى جانب فسادهم مفسدون أشد الإفساد، يسعون جاهدين لإفساد كل ما حولهم، ولا يقع إفسادهم عند حدٍ.

    وحين دعا لوطٌ ربه استحثه على الإجابة ببيان ما هم عليهم من إفسادٍ قال ابن عجيبة: «وصفهم بذلك ؛ مبالغة استنزال العذاب، وإشعارًا بأنهم أحقاء بأن يعجل لهم العذاب»12.

    وقال ابن عادل: «ثم إن لوطًا لما يئس منهم طلب النصرة من الله وذكرهم بما لا يحب الله فقال: ( ) (فإن الله لا يحب المفسدين) حتى ينجز النصر»13.

  6. العدوان.

    قال تعالى: ( ﭿﮀ ) [الشعراء: ١٦٤ - ١٦٦].

    فقد اعتدوا على حرمات الله وانتهكوا محارم الله وتجاوزوا الحد، واعتدوا على الغير، فإن من وضع الشهوة في غير موضعها عادٍ آثمٍ.

    قال الله تعالى: ( ) [المؤمنون: ٥ - ٧].

  7. السبق إلى السوء.

    قال تعالى: ( ) [الأعراف: ٨٠].

    وقال تعالى: ( ) [العنكبوت: ٢٨].

    لقد حازوا قصب السبق لا في الخيرات ولا إلى المغفرة والرحمات، بل سبقوا في الفجور والشذوذ، فكانوا أول من ابتدع هذه الفاحشة التي انتشرت فيهم انتشار النار في الهشيم .

  8. الإجرام.

    قال تعالى في بيان ما حل بهم من عقاب: ( ﭪﭫ ) [الأعراف: ٨٤].

    وقال تعالى: ( ) [الحجر: ٥٨-٥٩].

    وأي جريمة أشد مما كانوا عليه من فاحشة، فوق أنهم كانوا يقطعون السبيل على المارة والمسافرين ويتعرضون لهم بالأذى ويتحرشون بهم مع عزمهم على إخراج لوط وأهله المؤمنين الطاهرين من القرية بدون جريرة أو ذنب سوى أنهم مؤمنون طاهرون، ومن قبل هددوا لوطا عليه السلام بالرجم إن لم يكف عن دعوته .

  9. الامتراء.

    فلقد جمعوا مع كفرهم وتكذيبهم الامتراء وهو التشكيك واللغط والاستخفاف والاستبعاد، والجدل المذموم، تشغيبا على لوطٍ وتشويشا على دعوته، وسعيا لقلب الحقائق وتزيين الأباطيل وتحسين القبائح.

    قال تعالى: ( ﭿ ﮁﮂ ﮈﮉ ) [القمر: ٣٣ - ٣٦].

    وقال تعالى: ( ) [الحجر: ٦٣].

    ومن ذلك المراء قولهم كما أخبر القرآن: ( ) [العنكبوت: ٢٩].

  10. الظلم.

    فقد وضعوا الأمور في غير موضعها، وعاثوا في الأرض ظلما يقطعون الطريق وينتهكون المحارم، وبلغ بهم الظلم إلى أن هددوا لوطا وافتروا عليه وأخرجوه من القرية، قال تعالى: ( ﭛﭜ ) [العنكبوت: ٣١].

    فلقد بلغوا من الظلم هذا المبلغ فاستحقوا العذاب.

  11. السكرة والعمه.

    فلقد كانوا في غفلة سادرين، وفي عمه عن الحق لا يبصرون قال تعالى: ( ) [الحجر: ٧٢].

    فما تجدي الموعظة مع من غرق في بحار السكر، فهو في عمى وحيرة يتخبط خبط عشواء ويتردد بلا وعيٍ، والله تعالى يلتفت لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم مقسما بحياته العامرة، ليرى صورة من صور الانحراف الإنساني عن سنن الهدى، وصفاء الفطرة، وارتكاسها إلى مستنقعات الرذيلة ومزالق الهوى، وركوبها متن النزق متوغلة في أوحال الفاحشة لا تلوي على موعظةٍ ولا تستجيب لنصح ولا تلتفت لنداء الحق،كيف وقد استبدت بهم النزوات واستعرت في نفوسهم الغلمة والشهوات.

    قال السعدي: وهذه السكرة هي سكرة محبة الفاحشة التي لا يبالون معها بعذل ولا لوم14.

    وقد وصفت تلك الفعلة بثلاثة أوصاف:

    ١. الفاحشة: ( ) [الأعراف: ٨٠].

    ( ) [النمل: ٥٤].

    ( ) [العنكبوت: ٢٨].

    فهي من أكبر الفواحش وأفحش الكبائر، وفيها ما فيها من فحش وبذاءة وفجورٍ وخلاعةٍ .

    ٢. الخبائث: ( ﭬﭭ ) [الأنبياء: ٧٤].

    وهي جميع خبيثة فتدخل فيها اللواط دخولا أوليا، وتشمل سائر ما كانوا عليه من فحش وبذاء وخلاعة ومجون وعريٍ، والتعبير بقوله: ( ) لبيان سبب هلاك تلك القرية، وهو استمرارهم في عمل الخبائث، أي: ممارستها وابتداعها وامتهانها، وهل هناك أخبث من إتيان الرجل للرجل ! ومن خبائثهم إتيانهم المنكرات في نواديهم دون تورع ولا حياء، ومنها قطعهم للطريق، ومنها إهانتهم للأضياف، ومنها التعري، إضافة إلى كفرهم وتكذيبهم.

    ٣. عمل السيئات: ( ﮩﮪ) [هود: ٧٨].

    فجرائمهم كثيرة ومن أفظعها وأشنعها جريمة اللواط، قال ابن عاشور: «فقد صارت لهم دأبا لا يسعون إلا لأجله » 15.

    وقال عبد الكريم الخطيب: «عرض لسيرة هؤلاء القوم، وفضح لمخازيهم، وأن هذا الذي جاءوا إليه ليس ابن يومه، وإنما هو داء تعاطاه القوم من قبل، فكان طبيعة غلبت عليهم، حتى لقد صار عادة مألوفة عندهم، وأمرا مستقرا فيهم، ليس فيه ما يثير أي إحساس عندهم بالخزي أو الاستحياء » 16.

    وجمع السيئات في مقابلة جمع من يعملها، ولتكرارها وتشنيعها لأنها ليست سيئةً واحدة بل سيئات شتى، فقد اعتادوا المنكرات وألفوها بلا حياءٍ يمنعهم ولا ضميرٍ يردعهم، فهرعوا من منكر إلى منكر ومن سيءٍ إلى أسوء.

    ثانيًا: جواب قوم لوط:

    ماذا كان موقف قوم لوط عليه السلام من دعوته كيف أجابوه ؟ هل كان لمواعظه أثرٌ في نفوسهم ؟ كلا والله بل لجوا في طغيانهم وتمادوا في غيهم، وأصروا على مقارفة جرائمهم، وكان ردهم عنيفا قاسيًا ينم عن مراءٍ وتشغيبٍ.

    وفي سورة الشعراء يقول عز وجل: ( ) [الشعراء: ١٦٧].

    هددوه أولًا بالإخراج إن لم يكف عن إنكاره عليهم ومواعظه، ثم قرروا إخراجه من قريتهم، قال تعالى في سورة الأعراف: ( ﭚﭛ ) [الأعراف: ٨٢].

    كذبوا بالنذر، واستخفوا بها بل وتعجلوها، قال عز وجل: ( ) [القمر: ٣٣].

    وقال: ( ) [العنكبوت: ٢٩].

    ومن جملة هذه الآيات يتضح لنا موقف قوم لوط من دعوته، فلقد كذبوا به وأعرضوا عنه وسخروا منه، وتعجلوا وقوع العذاب، وهددوا بإخراجه ومن آمن به من آله من قريتهم لأنهم أطهارٌ أعفاء، وكأن الطهر والعفاف ظلم وإجحاف وجرم وانحراف وكأن الشذوذ والخنا هو العادة والإلف الذي ينكر على من يهجره وينتزع حق العيش ممن آثر الطهر والعفاف فلا مقام له بين ظهراني الملوثين بأخبث الأقذار، ولا يخفى ما في هذا القول من سخريةٍ وتهكمٍ بالفضائل وكراهيةٍ لها، وتضييق على أهلها.

    يقول صاحب الظلال: «ويتجلى لنا انحراف قوم لوط في جوابهم لنبيهم، ( ﭚﭛ ) [الأعراف: ٨٢].

    يا عجبا !! أومن يتطهر يخرج من القرية إخراجا ليبقى فيها الملوثون المدنسون ؟ ! ولكن لماذا العجب ؟ وماذا تصنع الجاهلية الحديثة ؟ أليست تطارد الذين يتطهرون، فلا ينغمسون في الوحل الذي تنغمس فيه مجتمعات الجاهلية، وتسميه تقدمية وتحطيما للأغلال عن المرأة وغير المرأة، أليست تطاردهم في أرزاقهم وأنفسهم وأموالهم وأفكارهم وتصوراتهم كذلك، ولا تطيق أن تراهم يتطهرون، لأنها لا تتسع ولا ترحب إلا بالملوثين الدنسين الأقذار، إنه منطق الجاهلية في كل حين !! » 17.

    وقال تعالى: ( ) [العنكبوت: ٢٩ - ٣٠].

    لقد مكث لوط عليه السلام في قومه مدة طويلة، يدعوهم إلى العقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضلة والشريعة القويمة الحكيمة، التي جاء بها من عند الله تعالى، ولكنهم صموا آذانهم وعموا أبصارهم عن الحق، وقابلوا الحجج الساطعة والأدلة القاطعة بالجحود والإنكار وأصروا على كفرهم وتمادوا في غيهم وضلالهم، بل وتعجلوا العذاب حتى يئس لوط من إيمانهم، فدعا الله عز وجل أن ينجيه هو ومن آمن معه ويخلصهم من أولئك المفسدين الذين دنسوا الأرض ولوثوا العرض.

    وقال سبحانه: ( ) [الشعراء: ١٦٧ - ١٦٨ ].

    بين لهم بغضه لعملهم القبيح وتبرأه منه، قال صاحب الكشاف: «(ومن القالين) أبلغ من أن يقول: إني لعملكم قالٍ، كما تقول: فلان من العلماء، فيكون أبلغ من قولك: فلان عالم ؛ لأنك تشهد له بكونه معدودا في زمرتهم، ومعروفة مساهمته لهم في العلم، والقِلَى: البغض الشديد ؛ كأنه بغض يقلى الفؤاد والكبد، وفى هذا دليل على عظم معصيتهم، والمراد: القلى من حيث الدين والتقوى، وقد تقوى همة الدين حتى تقرب كراهته للمعاصي من الكراهة الجبلية » 18.

    كذلك التعبير بقوله: ( ) كأنه عليه السلام يشير إلى أنه ليس وحده قاليا لهذا العمل فكل عاقل لبيب سوي النفس مستقيم الفطرة لا بد وأن يقلى هذا العمل ويبرأ منه.

    هكذا كان رد فعلهم، وموقفهم المعاند من دعوة لوط عليه السلام هددوه إن لم يتوقف عن مواعظه البليغة أن يخرجوه من القرية، وكان منطقهم في ذلك كما أخبر القرآن ( ) كأن الطهر في عرفهم السقيم صار جريمة تستوجب العقوبة، أما الشذوذ والمجون فهو حقٌ لهم يدافعون عنه ويسعون إلى إسكات كل من يعارضهم وينفرهم شأن الشذاذ في عصرنا هذا، فقد كافحوا من أجل الدفاع عن فسادهم وانحرافهم وحققوا نجاحا في بلاد الغرب، حيث ارتفعت أصواتهم المنكرة، وكثرت تجمعاتهم الفاجرة، وانتشرت منتدياتهم المستهترة، وروجوا لتلك الفاحشة بتسميتها بغير اسمها المعهود على مر العهود، فسمي من يفعلون ذلك بالمثليين، حتى يهدموا الأسوار ويحطموا الحواجز أمام ذلك المرض الخبيث، بينما كان لوط عليه السلام محقًا وكان صريحا في مناصحته وإنكاره، فوصفهم بالإسراف والجهل والفسق والفساد والعدوان، ووصفت تلك الفعلة بثلاثة أوصاف: الفاحشة، الخبائث، والسيئات، فينبغي أن ينتبه العقلاء إلى ما يرمي إليه الشواذ من ترويج لفاحشتهم وتمرير لها وكسر القيود أمامها.

    لوط عليه السلام مع زوجه

    قال تعالى في سورة التحريم: ( ﮗﮘ ) [التحريم: ١٠].

    والخيانة هنا هي: خيانة كفر لا خيانة زنا، خيانة في الدين لا في العرض ؛ إذ نساء الأنبياء معصومات من الوقوع في خيانة العرض.

    قال ابن كثير: «() أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقتاهما في الرسالة فلم يجد ذلك كله شيئا ولا دفع عنهما محذورًا، ولهذا قال تعالى: ( ) أي: لكفرهما () للمرأتين ( ).

    وليس المراد بقوله: () في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما بغت امرأة نبي قط، كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوحٍ تطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وأما امرأة لوط فكانت إذا أضاف لوط أحدا أخبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء » 19.

    لقد كذبت امرأة لوط بزوجها، وكان الأولى بها أن تكون أول من آمن به وأن تكون عونا له على دعوته ؛ لأنها أعلم الناس بأحواله، وأقرب الناس منه، ولكنها آثرت ما عليه قومها من الكفر والضلال ؛ فكان عاقبتها الخسران والنكال.

    ولم ينفعها زواجها من نبي الله لوط عليه السلام، وما أجمل قول القشيري في اللطائف: «إن الجسارة على الزلة وخيمة العاقبة، ولو بعد حين، ولا ينفع المرء اتصاله بالأنبياء والأولياء إذا كان في الحكم والقضاء من جملة الأشقياء » 20 .

    وسيأتي الحديث عن هلاكها .

    لوط عليه السلام مع بناته

    ورد الحديث عن بنات لوط عليه السلام حين جاءه قومه يهرعون إليه، ليراودوه عن ضيفه المكرمين، فتزاحموا على بابه، ولم تكن لديه القوة على دفعهم وحماية ضيفه فعرض عليهم بناته للزواج، ردًا لهم إلى الفطرة النقية وإلى الغريزة الطبيعية، وصرفا لهم عن الشذوذ والانحراف الذي استهواهم، لكنهم عزفوا عن الزواج بل وتبجحوا ولمحوا ببغيتهم الخبيثة.

    قال تعالى: ( ﮩﮪ ﮱﯓ ﯙﯚ ) [هود: ٧٨-٨٠].

    وقد وصف لوط ما عليه بناته من طهر وعفاف، كما مدح الله جل وعلا لوطا ومن آمن به من آل بيته بكونهم شاكرين لله تعالى.

    قال سبحانه: ( ﭿ ﮁﮂ ﮈﮉ )، نجى الله تعالى لوطا ومن آمن به من أهل بيته ويظهر لي والله أعلم أنه لم يؤمن به إلا بناته ولقد جاء الحديث عن نجاتهن معه عليه السلام في سورة هود والحجر والذاريات، قال تعالى في سورة هود: ( ﯿ ﰁﰂ ﰍﰎ ﰒﰓ ﰖﰗ ) .

    وفى سورة الحجر يقول تعالى: ( ).

    وقال تعالى في سورة الذاريات يقول عز وجل: ( ) فجمعوا بين الإيمان والإسلام، الإيمان بكل ما يعنيه من معانٍ وصفاتٍ، والإسلام الانقياد التام لله تعالى.

    لوط عليه السلام مع الملائكة

    أولًا: الملائكة في طريقها إلى قوم لوط:

    في صورة من أبهى وأجمل الصور البشرية جاءت الملائكة الكرام إلى إبراهيم عليه السلام وبادروه بالتحية فحياهم بأحسن منها.

    قال تعالى في سورة هود: ( ﯛﯜ ﯞﯟ ﯰﯱ ﯿ ) [هود: ٦٩ - ٧١].

    وقال سبحانه في سورة الحجر: ( ﭿ ﮓﮔ ) [الحجر: ٥١ - ٦٠].

    وفى سورة الذاريات يقول جل وعلا: ( ﯤﯥ ﯺﯻ ﯾﯿ ﰑﰒ ) [الذاريات: ٢٤ - ٣٢].

    وفى هذه الآيات الكريمة يخبر المولى عز وجل عن نزول الملائكة في صورة بشرية ومجيئهم إلى الخليل إبراهيم عليه السلام حيث حياهم عليه السلام بأفضل مما حيوه، وبادر عليه السلام إلى إعداد الطعام لضيوفه وقربه إليهم إثر فراغه من إعداده، فلم يمدوا إليه يدا ؛ فأنكر ذلك منهم ووجده على غير ما يعهد من الضيف، فإن الضيف لا يمتنع من طعام المضيف إلا لريبة، أو قصد سيئ، وأحس في نفسه خيفة منهم، فلما رأوا منه ذلك بادروا إلى تهدئة روعه وطمأنة قلبه، فأظهروا حقيقتهم وكشفوا عن مهمتهم التي من أجلها جاءوا، وهى إهلاك قوم لوط وقطع دابرهم بعد أن تمادوا في الكفر والطغيان وأصروا على الفسوق والعصيان، وهنا يتجلى موقف الزوجة المؤمنة سارة رضي الله عنها حيث فرحت واستبشرت بهذه البشارة قال تعالى: ( ﯰﯱ ﯿ ) [هود: ٦٩ - ٧١].

    كانت قائمة من وراء الستر من أجل خدمة الضيفان، وقيل كانت قائمة تخدمهم بنفسها، وهى عجوز لا يخشى عليها ولا منها الفتنة .

    والضحك هنا على حقيقته، وسببه الفرح والتعجب، فرحت حين سمعت الملائكة الكرام يخبرون إبراهيم عليه السلام بأمر نجاة لوط عليه السلام ومن آمن معه وهلاك المكذبين به المعرضين عن دعوته وتعجبت من حال الهالكين، كيف يتمادون في الضلال ويصرون على الانحلال مع قرب هلاكهم ؛ فالأولى بهم أن يتوبوا إلى الله قبل فوات الأوان.

    وهذا يدل على قوة إيمانها وحبها وولائها للإيمان وأهله، وبغضها وبرائها من الكفر وأهله .

    قال ابن كثير: «(فضحكت) استبشارا بهلاكهم لكثرة فسادهم وكفرهم وعنادهم، فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس » 21 .

    وفى غمرة هذه المشاعر الإيمانية جاءتها البشارة بالذرية الصالحة لتكتمل فرحتها وتتم سعادتها، جاءتها البشارة وهي في هذا الموقف المحمود، كما جاءت البشارة لزكريا عليه السلام بالولد بعد طول انتظار -جاءته البشارة وهو قائم يصلى في المحراب - وكما أن الصلاة هي من أسمى العبادات: فموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، من أعظم القربات، وفى مجيء الملائكة بالبشارة أعظم تكريم لها عليها السلام.

    ثانيًا: الملائكة في ضيافة لوط عليه السلام:

    حق على قوم لوط العذاب، وجاءت الملائكة الكرام إليه في صورة بشرية، كما جاءوا إلى إبراهيم عليه السلام، وظن لوط عليه السلام أنهم بشر كما وقع في ظن إبراهيم عليه السلام ؛ فخاف لوط عليهم من تحرش قومه بهم وتعرضهم لهم بالإيذاء، ولولا حق الضيافة وآدابها لطلب منهم عليه السلام أن يغادروا القرية في الحال، ولكنه استحيا من مواجهتهم بالواقع المرير.

    قال تعالى: ( ) [هود: ٧٧].

    قال ابن كثير: «قال المفسرون: لما فصلت الملائكة من عند إبراهيم وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل أقبلوا حتى أتوا أرض سدوم في صورة شبان حسان، اختبارا من الله تعالى لقوم لوط، وإقامة للحجة عليهم، فاستضافوا لوطا عليه السلام وذلك عند غروب الشمس، فخشي إن لم يضفهم أن يضيفهم غيره، وحسبهم بشرا من الناس، ( ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: شديد بلاؤه، وذلك لما يعلم من مدافعته الليلة عنهم، وكانوا قد اشترطوا عليه أن لا يضيف أحدًا » 22.

    والظاهر أنه قاله مع نفسه تخوفا مما يترقبه من طيش قومه وعدوانهم على ضيفه مع قلة حيلته أمام قوتهم وكثرتهم واندفاعهم الذي يتوقعه.

    وقوله تعالى: ( ﯿ ) [الحجر: ٦٧ - ٧٢].

    «وهذه عادة أهل الغفلة، إن جاءهم من يجدون فيه موافقة هواهم، هرعوا إليه مستبشرين، وإن جاء من ينصحهم ويأمرهم بالخروج عن أهوائهم أدبروا عنه، ومقتوه، وربما أخرجوه من بلدهم » 23، وقوم لوط جاءوا يطيرون فرحا واهمين أنهم سينالون مرادهم الخبيث ويحققون بغيتهم الدنيئة على عادتهم الرديئة.

    ثالثًا: موقف قوم لوط عليه السلام من ضيفه:

    قال تعالى: ( ﮩﮪ ﮱﯓ ﯙﯚ ) [هود: ٧٨ - ٨٠].

    لما سمع قوم لوط بقدوم ضيف عليه جاءوا مهرولين إلى بيته، يحث بعضهم بعضا، ويتدافعون صوب بيته . ( ) فسجلهم حافل بالذنوب والآثام التي صارت لهم ديدنا حتى أدمنوها وهو عليه السلام يعرف ذلك منهم، فهم لا يتورعون عن معصية ولا يتحرجون من منكرٍ ؛ مما زاد من خوف لوطٍ عليه السلام وقلقه على ضيفه، فكانت هذه البادرة القبيحة مما ينضاف إلى رصيدهم السابق في الذنوب والعصيان بما جعلها القاصمة وعجل بهلاكهم .

    قال ابن كثير: «أي هذا مع ما سلف لهم من الذنوب العظيمة الكبيرة الكثيرة » 24 .

    رابعًا: حوار بين لوط وقومه

    ( ﮱﯓ ﯙﯚ ) [هود: ٧٨].

    أدرك عليه السلام الغرض الخبيث الذي جاء من أجله القوم، ورأى أنهم عازمون على هذا الأمر فعرض بناته على قومه لكي يتزوج بعض رجال القوم بهن حلالا طيبا، ويهجروا عادتهم القبيحة المنكرة وهى إتيان الرجال في أدبارهم، فإذا تزوج بعض الرجال بهن فسوف يسير جميع القوم على هذا السنن القويم والنهج المستقيم .

    أدرك عليه السلام ذلك فأراد أن يوقظ فيهم داعي الفطرة قبل فوات الأوان، ويبعث فيهم روح النخوة والمروءة والطهارة والكرامة، ويحيي ضمائرهم الميتة ويعمر قلوبهم الخربة، يعمرها بتقوى الله عز وجل التي هي جماع كل خير وأساس كل بر وهى العصمة من كل سوء فقال لهم ( ﮱﯓ ﯙﯚ ) [هود: ٧٨].

    عودوا إلى الفطرة السليمة، وأقبلوا على الزواج وانشدوا الحلال الطيب، وأنا أول من يعرض بناته عليكم للزواج .

    عرض عليهم أن يتزوجوا ببناته، ولكنهم أبوا وآثروا الفاحشة المنكرة على الحلال الطيب، آثروا الشذوذ والانحراف على الطهر والعفاف، وقالوا: ( ) [هود: ٧٩].

    قال الإمام الألوسي: «عنوا به قضاء الشهوة: أي ما لنا حاجة في بناتك، يجوز أن يكون المعنى: ما لنا في بناتك نكاح حق؛ لأنك لا ترى جواز نكاحنا للمسلمات وقيل: إنما نفوا أن يكون لهم الحق في بناته؛ لأنهم كانوا قد خطبوهن فردهم وكان من سنتهم أن من رد في خطبة امرأة لم تحل له أبدا، وقيل: إنهم لما اتخذوا إتيان الذكور مذهبا كان عندهم هو الحق وأن نكاح الإناث من الباطل فقالوا ما قالوا » 25، ( ) أي:تعلم أن بغيتنا ونهمتنا في الرجال لا في النساء .

    خامسًا: تمني القوة والمنعة والاعتذار للضيف الكرام

    ( ) [هود: ٨٠].

    ماذا يصنع نبي الله لوط عليه السلام في هذا الموقف العصيب ؟ ماذا يفعل ؟ ومنطق الحق وحلاوة الإيمان لم تجد الطريق إلى تلك القلوب القاسية والعقول المتحجرة والنفوس الداعية للرذيلة ؟ كيف يحمي ضيفه من ذلك الهجوم الغاشم ؟ كيف يحفظ كرامتهم ؟ ويحميهم من قومه الذين عدموا المروءة والكرامة وانغمسوا في أوحال الشذوذ والانحلال ؟

    أين يلقى القوة التي تردهم والمنعة التي تصدهم ! وهم وراء الباب يتزاحمون عليه ويرومون فتحه بالدفع أو بالكسر ؟

    ولم يكن عليه السلام يعلم أن هؤلاء الضيوف الذين يذود عنهم بشتى الطرق هم الذين جاءوا ليدافعوا عنه وينزلوا بقومه أشد صنوف العذاب والنكال !

    لقد استفرغ لوط عليه السلام ما في وسعه وبذل أقصى جهده في دفع قومه، وصرفهم عن هدفهم الخبيث، ولم يعد في وسعه عليه السلام إلا أن يعتذر لضيفه الكرام ويقول لهم (( ).

    وفى هذه اللحظة العصيبة تكشف الملائكة عن حقيقتها ومهمتها، قال الإمام القُشيري: «لما ضاق به الأمر كشف الله عنه الضر، فعـرف إليه الملائكة »26.

    ( ﯿ ) بَشَّروه عليه السلام وطمأنوه . ( ) أي بجزء من الليل وهو آخره ( ) لا يلتفت أحد منكم حتى يرى العذاب المروع الذي ينزل بالمكذبين، وقيل: حتى لا يتعلق قلبه بتلك البلدة، وربما حدثته نفسه بالرجوع إليها والبقاء فيها فيهلك مع الهالكين، وقيل: ليسرعوا في السير؛ لأن من يكثر الالتفات لا يسرع في سيره .

    وقال تعالى في سورة الحجر ( ) أمره عليه السلام بأن يسير خلفهم، وأن يمضوا جميعا في الطريق الذي أمروا بالسير فيه وبذلك أخبرت الملائكة لوطا بزمان السير ومكانه وكيفيته ومن يسير معه، وعاقبة المكذبين من قومه وعاقبة امرأته التي تهلك كما يهلك جميع المكذبين ( ﰒﰓ ﰖﰗ ) .

    وفى الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم (ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد) 27.

    والآية تفيد أنه تمنى وجود القوة والمنعة التي تمكنه من الدفاع عن الحق ومحاربة الباطل والقضاء على الانحراف والذود عن الأضياف .

    أما الحديث فإنه يدل على أنه عليه السلام كان يأوي إلى ركن شديد، وهذا هو المناسب لحال الأنبياء - عليهم السلام - الذين وصلوا إلى أعلى درجات المعرفة و أسمى مقامات التوكل واليقين برب العالمين، وطلبه عليه السلام للقوة والمنعة لا يتنافى مع الأخذ بالأسباب؛ لأنه لا بد للحق من قوة تحميه.

    يقول ابن حزم الظاهري في الفصل «ولا جناح على لوط عليه السلام في طلب قوة من الناس فقد قال تعالى: ( ) [البقرة: ٢٥١].

    وقال تعالى: ( ﭸﭹ ﭽﭾ ﭿ ) [الحج: ٤٠].

    ولقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنعة من الأنصار حتى يبلغ كلام ربه28 .

    وإنما أخبر صلى الله عليه وسلم أن لوطا كان يأوي إلى ركن شديد، يعنى الملائكة الكرام الذين أرسلهم الله تعالى لحمايته ونصرته ولم يكن لوط عليه السلام يعلم بذلك، ومن اعتقد أن لوطا كان يعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد فقد كفر ؛ إذ نسب إلى نبي من الأنبياء هذا الكفر، وهذا أيضا ظن سخيف ؛ إذ من الممتنع أن يَظُنَّ برب أراه المعجزات وهو دائب يدعو إليه هذا الظن»29.

    وقال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم: «وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ويرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد) فالمراد بالركن الشديد هو الله سبحانه وتعالى، فإنه أشد الأركان وأقواها وأمنعها ومعنى الحديث - والله أعلم - أن لوطا عليه السلام لما خاف على أضيافه ولم يكن له عشيرة تمنعهم من الظالمين ضاق ذرعه واشتد حزنه عليهم فغلب ذلك عليه فقال في ذلك الحال: لو أن لي بكم قوة في الدفع بنفسي، أو آوي أي: إلى عشيرة تمنع لمنعتكم، وقصد لوط عليه السلام إظهار العذر عند أضيافه، وأنه لو استطاع دفع المكروه عنهم بطريق ما لفعله، وأنه بذل ما في وسعه فى إكرامهم والمدافعة عنهم ولم يكن ذلك إعراضا منه عليه السلام عن الاعتماد على الله تعالى، وإنما كان لِما ذكرناه من تطييب قلوب الأضياف .

    ويقال: إن قوم لوط لم يكن منهم أحد يجتمع معه في نسب لأنهم من سدوم، وهو من الشام، وكان أصل إبراهيم ولوط من العراق، فلما هاجر إبراهيم إلى الشام هاجر معه لوط فبعث الله لوطا إلى أهل سدوم فقال: لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة لكنت أستنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفانى»30.

    نجاة لوط وبناته وهلاك امرأته

    كشفت الملائكة الكرام للوط عليه السلام عن حقيقتهم ومهمتهم التي أرسلوا من أجلها فقالوا للوط - عليه السلام كما أخبر القرآن الكريم في سورة هود: ( ﯿ ﰁﰂ ﰍﰎ ﰖﰗ ).

    وفى سورة الحجر يقول تعالى: ( ).

    بَشَّروه عليه السلام بنجاته هو ومن آمن به من أهل بيته وهلاك قومه الذين كذبوا به وأعرضوا عنه، وخرج لوط عليه السلام في جنح الظلام مع أهل بيته، وسار من ورائهم حتى لا يتخلفَ منهم أحد فينالَه العذاب، وسار الجميعُ في الطريق الذي أمروا بالسير فيه، ولم يتلفت منهم أحدٌ إلا امرأة لوط التي التفتت نحو القرية فأصابها ما أصاب قومها من العذاب.

    قال عز وجل: ( ) [الأعراف: ٨٣].

    ( ) [الحجر: ٥٨ - ٦٠].

    ( ) [الشعراء: ١٧٠ - ١٧١].

    أي: في الهالكين، لما كانت منهم نالت مصيرهم الذي قدره الله تعالى لها.

    وفي سورة الأنبياء في سياق الحديث عن مِنَنِ الله على أنبيائه ورعايته لهم قال تعالى: ( ﭬﭭ ﭶﭷ ) [الأنبياء: ٧٤-٧٥].

    عصمه الله تعالى بما آتاه من حِكَمٍ وعلم وثبته أمام هذا الابتلاء العظيم، ثم خلصه من تلك القرية التي غلب عليها الخبث وطغى عليها الفساق، وأدخله الله في رحمته لينال جزاء صبره وثباته سعادةً وفلاحًا في الدنيا وصلاح بال وقرة عين وعيش هنيءٍ .

    قال الرازي: إنه عليه السلام لما آتاه الله الحكم والعلم وتخلص عن جلساء السوء فُتِحت عليه أبواب المكاشفات، وتجلت له أنوار الإلهية وهي بحر لا ساحل له وهي الرحمة في الحقيقة 31.

    وقال البقاعي: «()أي دونهم بعظمتنا( ) أي في الأحوال السنية، والأقوال العلية، والأفعال الزكية، التي هي سبب الرحمة العظمى ومسببة عنها ، ثم علل ذلك بقوله: ( ) أي: لما جلبناه عليه من الخير » 32.

    وقال القشيري: «أكمل له الأنعام بعصمته من مثل ما امتحن به قومه، ثم بخلاصه منهم بإخراجه إياه من بينهم، فميزه عنهم ظاهرا وباطنا » 33.

    وقال السعدي: «( )التي من دخلها كان من الآمنين، من جميع المخاوف، النائلين كل خير وسعادة وبر، وسرور وثناء، وذلك لأنه من الصالحين، الذين صلحت أعمالهم وزكت أحوالهم، وأصلح الله فاسدهم، والصلاح هو السبب لدخول العبد برحمة الله، كما أن الفساد سبب لحرمانه الرحمة والخير، وأعظم الناس صلاحا الأنبياء عليهم السلام34.

    وفى سورة الذاريات يقول عز وجل: ( ) هو بيت لوط عليه السلام، قال مجاهد: لوط وابنتاه، وصفوا بالإيمان والإسلام لتصديقهم الباطني والتزامهم وانقيادهم الظاهري، فجمع الله تعالى لهم بين الإيمان والإسلام، وعلى هذا فإنه لم يؤمن بلوط عليه السلام سوى بناته وقد نجاهن الله مع أبيهن نبي الله عليه السلام.

    صنوف العذاب التي حلت بقوم لوط

    تحدث القرآن الكريم حديثا مفصلا عن صنوف العذاب التي حلت بقوم لوط عليه السلام، فلقد طَمِسَتْ أعينًهم حين راودوا لوطا عليه السلام عن ضيفه، وقًلبت قراهم فجعل عاليها سافلها، وأمطروا بحجارة من سجيل منضود، وأخذتهم الصيحة فهلكوا جميعًا.

    يقول المولى عز وجل في سورة القمر: ( ) [القمر: ٣٧ - ٣٩].

    قال القرطبي في تفسيره: «قال ابن عباس وأهل التفسير: أغلق لوط بابه والملائكة معه في الدار وهو يناظر قومه ويناشدهم من وراء الباب وهم يعالجون تسور الجدران، أو كسر الباب أو دفعه بالقوة، فلما رأت الملائكة ما لقي من الجهد والكرب والنصب بسببهم قالوا: يا لوط إن ركنك لشديد، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود، وإنا رسل ربك، فافتح الباب ودعنا وإياهم، ففتح الباب فضربهم جبريل بجناحه وقيل: أخذ جبريل قبضة من تراب فأذراها في وجوههم» 35.

    قلبت قراهم فصار عاليها سافلها كما قال عز وجل: ( ) [هود: ٨١].

    قال الحافظ ابن حجر: «أهلكهم الله عز وجل على يد جبريل فقلب مدائنهم بعد أن خرج عنهم لوط بأهل بيته إلا امرأته فإنها تأخرت مع قومها، أو خرجت مع لوط فأدركها العذاب فقلب جبريل المدائن بطرف جناحه، فصار عاليها سافلها، وصار مكانها بحيرة منتنة لا يُنتفع بمائها ولا بشيء مما حولها » 36.

    ويقول عز وجل: (ﭿ ) [النجم:٥٣-٥٤].

    والمؤتفكة هي: قرى قوم لوط، سدوم وما حولها: وسميت بالمؤتفكة؛ لأنها انقلبت رأسا على عقب، والإفك هو صرف الشيء عن وجهه، (ﭿ ): قيل دفعها جبريل بيده بعد أن اقتلعها ثم أهواها إلى الأرض: أي أسقطها ( ) تهويل وتعظيم لما أصابها وعَمَّها وغمرها من عذاب مهين أليم.

    وقال تعالى: ( ) [الحاقة: ٩- ١٠].

    () أي: قرى قوم لوط () أي بالخطايا الشنيعة، ( ) أخذة شديدة زائدة في الشدة كما زادت قبائحهم في القبح، يقال: ربا الشيء يربو: إذا ازداد ومن بدائع اللطائف القرآنية قوله تعالى ( )فهُم قد عصوا رسلا كثيرا، ولكن لما كانت دعوة الرسل واحدة ومصدرهم واحد وهو الوحي وغايتهم واحدة كانوا جميعا كرسول واحد يمثل حقيقة واحدة .

    ويقول المولى عز وجل عن عذاب قوم لوط: ( ) [العنكبوت:٣٤-٣٥].

    والرجز هو العذاب من قولهم: ارتجز إذا اضطرب، وذلك لِما يلحق المعذب من قلق واضطراب وجزع وهلع، وفى هذه الآية إشارة إلى الحالة النفسية التي لازمت قوم لوط حين عاينوا العذاب وحل بهم ؛ بسبب ما كانوا عليه من الفسق، فالعذاب الذي حاق بهم عذاب حسي ومعنوى.

    ويقول تعالى: ( ﭠﭡ ) [هود: ٨٢ - ٨٣].

    والسجيل: الحجارة الصلبة، قال قتادة وعكرمة: السجيل: الطين بدليل قوله تعالى: ( ) فهو الطين الذي جف وأصبح صلبا شديد الصلابة، وقال الحسن: والسجيل عند العرب كل شديد صلب 37 .

    (والمنضود) هو المتواصل المتتابع كطلقات المدافع، قد أعد لعذابهم، والمسومة: هي مالها علامة مميزة، وقيل: مكتوب على كل حجر اسم من يرمى به، فهي مصوبةٌ موجهةٌ بدقةٍ متناهية.

    ويقول سبحانه: ( ﭿ ﮁﮂ ) [القمر:٣٤].

    وقال القرطبي: «أي: ريحا ترميهم بالحصباء وهى الحصى » 38.

    ويحتمل أن تكون الحصباء هي الحجارة المشار إليها في قوله تعالى: ( ) وهذه الحجارة قذفتها الملائكة وحملتها الرياح حتى بلغت أهدافها، والرياح جند من جنود الله عز وجل، ويحتمل أن تكون الحصباء غير الحجارة المشار إليها، وبهذا يكون قد اجتمع على قوم لوط صنفان من العذاب: إرسال الحصباء عليهم بواسطة الرياح التي تثيرها وتحملها، وإمطار السماء عليهم بحجارة من سجيل منضود سريعة متتابعة مسومة لا تخطئ أهدافها .

    ويقول عز وجل في سياق الحديث عن عذابهم في سورة الحجر: ( ) أي: وقت الشروق، وفي ذلك مباغتةٌ لهم، بين المولى عز وجل صنفا آخر من صنوف العذاب التي حقت بهم وهي صيحة مدوية مزعجة كالرعد القاصف.

    وخلاصة ما سبق ذكره: أن قوم لوط عذبوا بأنواع شتى من العذاب طمست أعينهم، وقلبت قراهم وأمطروا بحجارة من سجيل منضود، كما أخذوا بالصيحة المخيفة المرعبة التي تدوي في الآذان فيهتز منها الكيان ويشيب من هولها الولدان.

    قال الإمام ابن تيمية «وعذب قوم لوط بأنواع من العذاب لم يعذب بها أمة غيرهم، فجمع لهم بين الهلاك والرجم بالحجارة من السماء وطمس الأبصار وقلب الديار بأن جعل عاليها سافلها» 39.

    وقال الإمام ابن القيم «جمع الله أنواع العقوبات بين الإهلاك وقلب ديارهم عليهم والخسف بهم ورجمهم بالحجارة من السماء فنكل بهم نكالا لم ينكله بأمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها حين تعمل عليها»40.

    لقد صموا آذانهم وأعموا أبصارهم عن صوت الحق ونوره، واختلطت مفاهيمهم وانقلبت موازينهم واستباحوا اللواط وهو أشنع وأفحش من الزنا وأعظم منه جرما وإثما، فعاقبهم الله بطمس أبصارهم التي عمت عن نور الحق، وأخذتهم الصيحة تدوي في آذانهم التي صمت عن الحق، وقلبت قراهم فجعل عاليها سافلها ؛ فلقد انقلبت موازينهم واختلطت مفاهيمهم، فاقترفوا تلك الفاحشة وهى إتيانهم الرجال من دون النساء، وفى هذا انقلاب في ميزان الفطرة، واعتبروا الطهر والعفاف إثما وجرما يستحق صاحبه العقاب والطرد ( ﭝﭞ ) [النمل:٥٦].

    أما الشذوذ والانحراف فهو حق لهم يجاهرون به ويتباهون بفعله ويطالبون به كما يطالب الإنسان بحقه المشروع ( ) [هود: ٧٩].

    ( ) [القمر: ٣٧].

    واستعجلوا وقوع العذاب وكان واجبهم طلب الهداية والنجاة، قال تعالى: ( ﯠﯡ ) [العنكبوت: ٢٩].

    فكان حالهم في استعجال العذاب كحال كفار قريش حين قالوا كما أخبر القرآن الكريم ( ) [الأنفال: ٣٢].

    وكان الأولى بكفار قريش أن يقولوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه وحببنا فيه وثبتنا عليه .

    ومن مظاهر انقلاب موازين قوم لوط أنهم اعتبروا واجب الضيافة أمرا منكرا يجب اجتنابه فقالوا للوط عليه السلام ( ﯿ )، هو ينهاهم عن الفحشاء والمنكر وما فيها من إهانةٍ وهم ينهونه عن البر والخير وإكرام الضيف .

    لم يراعوا حق الضيافة ولا حرمة الضيف بل هرعوا إلى بيت لوط وراودوه عن ضيفه، وبسبب هذه الأفعال المنكرة التي تدل على انقلاب موازينهم واختلاط المفاهيم عندهم استحقوا العذاب الأليم المهين، حيث قلبت قراهم فأصبح عاليها سافلها، ورجموا بالحجارة وأخذوا بالصيحة، أصناف مختلفة من العذاب لتنوع جرائمهم وكثرة مفاسدهم وذنوبهم.

    لقد حل بقوم لوط أشد وأنكى صنوف العذاب بسبب كفرهم وفسقهم وفى ذلك عبرة لمن يعتبر قال تعالى بعد أن ذكر ما حل بقوم لوط من العذاب الشديد ( ) [الحجر:٧٥-٧٧].

    وقال سبحانه: ( ﮆﮇ ) [الصافات:٧٣١-٨٣١]. وقال عز وجل ( ﭠﭡ ) [هود:٨٢-٨٣].

    وفي سورة العنكبوت قال تعالى: ( ).

    وقال تعالى: ( ﭿ ) [الذاريات: ٣٢ - ٣٧].

    بينت الآيات الكريمة مجيء الملائكة لإبراهيم أولًا وإبلاغه بمهمتهم التي وكلوا بها وهي إهلاك قوم لوط، ونجاة لوط ومن آمن به من أهل بيته، وهلاك امرأته مع الهالكين، وتحرج لوط من مجيء الملائكة في صورة بشرية ؛ خوفا عليهم من قومه وحين اشتد عليه الأمر أخبروه بحقيقتهم ومهمتهم، حيث حل العذاب على أولئك الفساق، وجعلهم الله عبرة واضحة وموعظة بليغة لكل عاقل .

    فوائد وعبر من قصة لوط عليه السلام

    في قصة لوط عليه السلام كما وردت في القرآن الكريم الكثير من الدروس المستفادة نذكر منها ما يأتي:

  1. جعل الله تعالى قوم لوط عبرة لمن يعتبر، عبرة لكل مكذبٍ عبرة لكل ظالم وفاسق، عبرة لكل مسرف عادٍ، فهذا شعيب عليه السلام يحذر قومه من مصير من سبقهم على طريق الكفر والضلال فيقول كما أخبر القرآن: ( ) [هود: ٨٩]. وقد ضرب الله بهم المثل في أمم هالكة وقرون غابرة قال تعالى: ( ﯬﯭ ) [ق: ١٢-١٤]. وقال جل وعلا: ( ﮧﮨ ﮮﮯ ﯰﯱ ) [الحج: ٤٢-٤٦]. وقال تعالى: ( ) [الحجر:٣٧-٧٧]. وقال جل وعلا: ( ﮆﮇ ) [الصافات:١٣٧-١٣٩].
  2. درسٌ في التربية والدعوة: إعداد الله تعالى لأنبيائه هؤلاء الأنبياء وهم أعلم الخلق بربهم وأعظمهم خشية له وهم المثل العليا في الأخلاق والآداب والسلوك والتعامل: كيف تربوا ؟ وفي أي مدارس تخرجوا ؟ إنها تربيةٌ خاصةٌ وإعدادٌ رشيد، فالله تعالى يعده لهذه المهمة الجليلة التي لا يقوم بها ولا ينهض لها إلا رجالٌ من طراز خاصٍ.فهذا لوطٌ عليه السلام يتربى في كنف عمه إبراهيم ويعاين تلك الآية الكبرى كيف ألقي في النار فكانت له بردا وسلامًا .
  3. التوحيد هو أساس دعوة جميع الأنبياء، ولقد استهل لوط عليه السلام دعوته بعرض العقيدة الصحيحة الخالصة، عقيدة التوحيد .
  4. العقيدة أولًا: بدأ بها لوط لأنها الأساس الذي تقوم عليه المكارم والفضائل، الأصل الذي تقوم عليه القيم والأخلاق. بدأ بالعقيدة قبل أن ينكر على قومه ما هم فيه من الفاحشة والمنكرات، وذلك لأن الطريق إلى الإصلاح المنشود، الإصلاح الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، لا بد أن يبدأ من إصلاح العقيدة وإخلاص العبادة، فإذا صحت العقيدة ورسخت في قلوب المؤمنين، وخلصت العبادة لله رب العالمين كان الطريق إلى الإصلاح والتغيير طريقا سهلا ممهدا، وبدون العقيدة الصحيحة لن تفلح أي محاولة للإصلاح أو التغيير. فالعقيدة هي الحصن الحصين والأساس المتين والنبراس المبين للدعاة والمصلحين، وفي قول لوط عليه السلام لقومه: ( ) [الشعراء:١٦٢] بيان لأهمية الأمانة للدعاة، أمانة الكلمة، أمانة النصيحة، أمانة التبليغ.
  5. تجرد الأنبياء وإخلاصهم في الدعوة إذ لم يتقاضوا عليها أجرا من البشر، وإنما الأجر كله من الله الذي بعثهم .
  6. ضرب لوط عليه السلام أروع الأمثلة في الصبر والثبات على الحق، والحكمة في الدعوة إلى الله عز وجل والثقة بالله تعالى واليقين بوعده سبحانه الذي لا يتخلف، كما ضرب عليه السلام أروع الأمثلة في إكرام الضيف ورعاية حقوقهم والترحيب بهم حتى في أصعب الأحوال، فلقد استضافهم عليه السلام رغم أن قومه نهوه عن ضيافة الغرباء وحذروه من عاقبة ذلك، وحين هرع قومه إلى بيته وراودوه عن ضيفه نجده يدافع عن ضيفه، ويذود عنهم بكل ما يملك حتى وصل به الأمر إلى عرض بناته على قومه - ليتزوجوا بهن - في مقابل عدم تعرضهم للضيف الكرام وفى هذا درس هام في إكرام الضيف، ولنا في أنبياء الله الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة .
  7. في موقف لوط عليه السلام من قومه حين هرعوا إلى بيته وراودوه عن ضيفه، وحاول بكل السبل منعهم، وصدهم حتى ضاقت به السبل فالتفت إلى ضيفه واعتذر لهم، ( ) في هذا الموقف إشارة إلى أهمية القوة في نصرة الحق وفي نشر الدعوة وفي مواجهة أهل الباطل، فالحق لا بد له من قوة تحميه . ولذلك كان الجهاد في سبيل الله للقضاء على النظم الجاهلية التي تحول دون وصول الحق وتكره الإنسان على عبادة غير الله وتقف للمسلمين بالمرصاد فلا بد إذا من الجهاد لإزالة وإزاحة هذه النظم المتسلطة الجائرة، حتى يكون الطريق ممهدا لدعوة الله، لتجد طريقها إلى القلوب الصادقة والنفوس المتشوقة والعقول المتعطشة لدين الله، دين الحق والرشاد . ولا بد من الجهاد لحماية المؤمنين المستضعفين المضطهدين . قال تعالى: ( ﯝﯞ ) [الأنفال:٣٩]. ولقد حثنا الإسلام على إعداد القوة في مواجهة أعداء الله الذين يصدون عن سبيله ويبغونها عوجا قال تعالى: ( ) [الأنفال: ٦٠]. فالقوة في الإسلام وسيلة لا غاية، وسيلة نبيلة إلى غاية سامية هي إرهاب أعداء الله؛ لأنهم متى استهانوا بالمؤمنين قهروهم . قال تعالى: ( ) [الممتحنة:٢].
  8. ويستفاد من هذه القصة أن الكافر يعاقب على كفره ولا تنفعه قرابته من أهل الإيمان في النسب أو المصاهرة، كما أن المؤمن يثاب على إيمانه ولا يضره قرابته من الكافرين في النسب أو المصاهرة. قال تعالى: ( ﮗﮘ ) [التحريم:١٠]. وامرأة لوط رغم أنها أقرب الناس إليه وأعلمهم بأحواله وأفعاله إلا أنها كذبت به وآثرت ما عليه قومها من الكفر والضلال على ما جاء به لوط عليه السلام من الإيمان والهدى والفلاح والصلاح، فلم تنفعها قرابتها له وقربها منه. قال تعالى: ( ) [الأعراف: ٨٣]. وقال تعالى ( ﮓﮔ ) [الحجر: ٦٠]. نجا الله لوط عليه السلام ومن آمن به من أهل بيته وأهلك زوجته، تلك العجوز التي شبت على الكفر وشابت عليه، وكان الأولى بها وقد أصابها الكبر فبدل قوتها ضعفا وهوانا وشبابها شيبا، فكان بلوغها الكبر: من أبلغ النذر، ومن أعظم العبر. ومنطق الحق يقول: إن الإنسان كلما كبر سنه كلما نضج عقله وصفا ذهنه وجادت قريحته وزادت خبرته وفراسته، ولكن امرأة لوط تلك العجوز على النقيض من ذلك فهي ما زادتها أحداث الليالي وتتابع الأعوام إلا غفلة على غفلة وضلالا على ضلال.
  9. كما يعاقب الكافر على جميع جرائمه، وفي مقدمتها الكفر وهو أكبر الذنوب، فإنه يعاقب على سائر الذنوب كبيرها وصغيرها. التناسب بين الجريمة والعقاب ؛ فقوم لوط كانوا يحذفون عابري السبيل بالحجارة فأيهم أصابه استأثر به واعتدى عليه، وقد انقلبوا وتمردوا على الفطرة السليمة والطبيعة المستقيمة، فصار الشذوذ عندهم معروفا ومألوفا وصارت الفاحشة عندهم حقًا مشروعًا، وصار الطهر والعفاف جريمةً يؤاخذ بها أصحابها، فكان الجزاء من جنس العمل، قلب الله قراهم فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من جهنم، وسلط عليهم الريح، ترجمهم بالحجارة، وأخذتهم الصيحة وغير ذلك من ألوان العذاب التي كثرت لكثرة جرائمهم.
  10. وصف الله لوطا ومن آمن به من أهل بيته بالشكر. قال تعالى: ( ﭿ ﮁﮂ ﮈﮉ ) وقد يتساءل البعض ويقول: أي شكرٍ وقد ابتلوا بأرذل قومٍ، قوم لوطٍ الذين جمعوا بين الكفر والفسوق والعصيان والانحلال والتبجح والدناءة وسائر ما يعد من مساوئ الأخلاق ؟ لكن أقول: إن أمر المؤمن كله خير فهو بين الصبر والشكر، يحمد الله تعالى على الضراء، كما يحمده على السراء، يشكره تعالى في زمان الفتن وأوقات المحن كما يشكره في سائر الأوقات، يستنشق نسيم النعم ويتذوق حلاوة الهداية ويعتز بالحق ويستعصم بالعفاف والطهر، سيما إذا رأى المجتمع من حوله يتردى في ظلمات الكفر، أو يتمرغ في أوحال الرذيلة، أو يكتوي بلهيب المعاصي، ويتقلب على جمرها الحار، فيحمد الله تعالى على أن هداه وعصمه وطهره ونجاه من حمأة الرذيلة، فيشعر بجنة الرضا وبرد اليقين وحلاوة الإيمان، ولذة الطاعات، فهلاك الظالمين ونجاة المتقين نعمة من الله تعالى تستوجب الشكر.
  11. سنن الله تعالى ثابتة لا تتغير فهؤلاء قوم لوط توعدوه بإخراجه من قريته؛ لأنه كان ينكر عليهم عبثهم ومجونهم وقد جاءهم بالحق ولكنهم كانوا كارهين له، ونبينا صلى الله عليه وسلم أخرجه قومه؛ لأنه جاءهم بالتوحيد ومكارم الأخلاق ونقض ما كان عليه أهل الجاهلية من كفر وطغيان، وقد روت عائشة رضي الله عنها في حديث كيف كان بدء الوحي ؟: (فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعًا، ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجي هم)، قال: نعم، لم يأت رجلٌ قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا)41.
  12. ذم اللواط وعقوبة فاعله: اللواط من أكبر الفواحش، ومن أفحش الكبائر، وهو مرض خطير وشر مستطير وجرم كبير، عاقبته وخيمة ونهايته مفزعة مفجعة أليمة، وهو شذوذ وانحراف، وفسوق وإسراف وضلال وانحلال، ومذلة للرجال ؛ لأنه يقتل فيهم الرجولة والمروءة والشهامة، ويصيروا بارتكابه مخنثين معقدين أذلاء صاغرين، في حالة قلق واضطراب . واللواط مفسدة للنساء ؛ إذ ينصرف الرجال عنهن، وقد تلجأ المرأة إلى الزنا لإشباع رغبتها وقد تلجأ إلى السحاق، كما روي أن نساء قوم لوط فعلن ذلك حين انشغل الرجال عنهن بالرجال، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: (إنما حق القول على قوم لوط حين اشتغل الرجال بالرجال والنساء بالنساء)42. واللواط جناية على الفطرة السليمة ومفسدة للشباب، حيث ينصرفون عن الزواج الحلال وينغمسون في أوحال تلك الفاحشة، كما يترتب على اللواط قلة النسل بسبب الانصراف عن الزواج، وبذلك تتقوض أركان الأسرة وينفرط عقد المجتمع وتنهار الحضارات، فاللواط عامل كبير من عوامل الفساد، ومعول ثقيل من معاول الهدم للنفس والمجتمع، وهو سبب أساسي في انتشار كثير من الأمراض الفتاكة المزمنة كالزهري والسيلان والهربس، ومرض الايدز الذي لم يعرف إلا سنة ١٩٨١م، ومن ذلك الحين وحتى وقتنا هذا لم يعرف له علاج رغم التقدم العلمي الكبير.
  13. في استئصال قرى قوم لوط إشارة إلى أن المريض بهذا الشذوذ إن لم يتب فلا بديل عن استئصاله من المجتمع .
  14. ربط العلماء بين جعل قرى قوم لوط عاليها سافلها ليطمروا في التراب، وبين ضرورة دفن المصابين بالإيدز بعد موتهم، حيث يوصى بحرق الجثة وطمرها في التراب على أعماق بعيدة لأن مرض الإيدز ينتقل عن طريق دم المريض ولعابه ومنيه. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (يا معشر المهاجرين ! خصالٌ خمسٌ إن ابتليتم بهن ونزلن بكم أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم ويأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بينهم بكتاب الله إلا جعل بأسهم بينهم)43. فالأمراض الجنسية السالفة الذكر عقوبة إلهية للزناة واللوطيين الذين تعدوا حدود الله وانتهكوا محارمه. انتشار اللواط في المجتمعات الكافرة: وما يؤسف له أن اللواط قد انتشر انتشارًا واسعًا في المجتمعات الكافرة، مع كثرة النساء وانتشار البغاء، ففي الدول الغربية قوانين وتشريعات تبيح اللواط وتشجع عليه طالما كان بين بالغين دون إكراه. وفى دائرة المعارف البريطانية 44 أن الشواذ جنسيا خرجوا من دائرة السرية إلى العلنية وأصبح لهم منتدياتهم - نوادي العرى - وحدائقهم، ومراحيضهم الخاصة بهم، وتعرف الشرطة هذه الأماكن وتقوم على حمايتها ورعايتها. وهناك آلاف الجمعيات في الغرب ترعى شئون الشواذ جنسيًا وتطالب لهم بمزيد من الحقوق، ولقد أصبحوا قوة لا يستهان بها، وورقة رابحة ناجحة في الانتخابات العامة والرئاسية، ولقد وجدنا كبار الساسة والقادة يخطبون ود الشواذ ويغرقونهم بالوعود إن هم وقفوا بجانبهم في حملاتهم الانتخابية، فإذا حقق هؤلاء الساسة والقادة بغيتهم وفازوا بالمناصب فإنهم يسارعون إلى تحقيق ما وعدوا به من تنازلات للشواذ جنسيًا، ولو نظرنا على سبيل المثال للحملات الانتخابية لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لوجدنا كيف يتبارى المرشحون ويتنافسون على كسب أصوات الشواذ، بل إن نسبة كبيرة من الشواذ تتبوأ مقاعد حساسة ومناصب هامة في الحكومات الغربية بل وفى الجيوش، وفى أمريكا وأوروبا كنائس مخصصة للشواذ يباح فيها للرجل أن يتزوج بالرجل، وللمرأة أن تتزوج من المرأة، بل إن بعض الجامعات في الولايات المتحدة تخصص منحا دراسية للشواذ فقط، ومن هذه الجامعات جامعة سير جورج وليامز، ولا يمكن للطالب أن يحصل على منحة بتلك الجامعات إلا إذا ثبت أنه شاذ جنسيا. وفي إحدى المجلات الصادرة في انجلترا والخاصة باللوطيين نجد هجوما متتابعا على موقف الكنيسة من الشذوذ ولقد قام أحد الكرادلة بالرد على هذا الهجوم فقال: إن الكنيسة البروتستانتية هي في حالة مخاض الآن، وأنه عما قريب ستعترف الكنيسة بالشذوذ الجنسي وأنه شخصيا يرى أنه أمر عادى مألوف، ولا مانع في نظره من أن يصبح الشاذ قسيسًا. وفي اجتماع مجلس الكنائس الإنجليزية وافق المجلس بأغلبية الأصوات على إباحة الشذوذ الجنسي بشرط حدوثه بين بالغين مختارين، وكان كبير الأساقفة في كانتربري هو الذي قاد الحملة التي تهدف إلى إباحة الشذوذ، ولقد صرح قائلًا: «إنه يشعر بالقلق لما يصيب الشخص المصاب بالشذوذ الجنسي من ظلم القانون، في حين يستطيع أي شخص آخر أن يدمر أسرة ويشردها بدون عقاب يوقع عليه » . فأي منطق هذا وأي عدالة يسعى إليها كبير الأساقفة !! إن كلامه هذا يعنى أنه يجب إباحة كل الجرائم وعدم توقيع العقاب على مرتكبيها طالما أن هناك من يتمكنون من الإفلات بجرائمهم! ولقد ذكرت إحدى الإحصائيات أن نسبة كبيرة من القساوسة في انجلترا شواذ جنسيًا45. ومجمل القول فيما سبق: أن الزنا واللواط قد انتشر في المجتمعات الغربية المنحلة كانتشار النار في الهشيم وما ذلك إلا بسبب بعدهم وضلالهم عن الحق، وترفهم وإسرافهم، واستغلالهم التقدم العلمي الهائل والغنى المادي الفاحش في إشباع الشهوات والنزوات. يقول الأستاذ فتحي يكن: «إن انحراف التربية وانعدام الحس الديني، وفساد الأخلاق من شأنها جميعا أن تهيئ الأجواء والمناخات المناسبة للانحراف والشذوذ، وإن الفراغ والترف وتميع مواقف القوانين الوضعية من الجرائم الأخلاقية والجنسية من الأسباب الرئيسية الكامنة وراء ظاهرة الشذوذ الجنسي 46.
  15. الحلال هو الطيب الذي يتلاءم مع الفطرة بينما الحرام هو الخبيث الذي يجافي الفطرة وينافي الذوق وتعافه النفوس السوية وتأباه القلوب السليمة، وأبواب الحلال كثيرة وواسعة وميسورة، والزواج حصن للشباب وعصمة من الانحراف، هذا لوط عليه السلام عرض بناته على قومه عرضًا حقيقيًا، ومقصده من ذلك أن يرغبهم في الحلال الطيب ويصرفهم عن الفاحشة، وأن يردهم إلى الفطرة السليمة والطبيعة المستقيمة ويبعدهم عن الشذوذ والانحراف، وأن ينقلهم من مستنقعات الرذائل ودنس الفواحش، ويأخذ بأيديهم إلى واحة الطهر والعفاف، والزواج هو الحصن الحصين من جميع الانحرافات الجنسية، فإذا قبلوا وتزوجوا من بنات لوط عليه السلام كان الزواج الحلال الطيب سنة ماضية في سائر القوم وبذلك ينصرف الجميع عن الفاحشة.
  16. تعاطي المحرمات عدوانٌ وانحرافٌ وجهلٌ وإسراف.
  17. ذم المراء بالباطل، بل يجدر بالمؤمن ترك المراء ولو كان محقا.
  18. أسلوب لوط عليه السلام في دعوة قومه يجلو لنا حكمته وفطانته وأدبه وبلاغته، حيث براعة الاستهلال، والإيجاز والبيان، والبساطة والوضوح، وتقديم الأهم، وحسن التشويق ودقة الوصف، وبلاغة الإنكار والتنفير .
  19. أثنى الله تعالى على من آمن بلوط عليه السلام ولم يؤمن به إلا أهل بيته ولم يذكر القرآن سوى بناته، ولقد وصف الله أهل بيته بالإسلام والإيمان، وأثنى على شكرهم ووصفهن لوط بالطهر بل وصف قوم لوطٍ آل بيته بالطهر، وفي جمعهم بين الإيمان والإسلام والطهر والشكر أبلغ رد على مفتريات اليهود في العهد القديم واتهامهم لبنات لوط بأبشع التهم وهن المؤمنات الطاهرات الشاكرات الناجيات . قال تعالى: ( ﮱﯓ) [هود: ٧٨]. وقال تعالى: ( ) [الذاريات: ٣١-٣٦]. وقال سبحانه: ( ﭝﭞ ) [النمل: ٥٦]. وقال عز وجل: ( ﭿ ﮁﮂ ﮈﮉ ) [القمر: ٣٣ - ٣٥]. قال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه «إغاثة اللهفان »: قد وسم الله سبحانه الشرك والزنى واللواطة بالنجاسة والخبث في كتابه، دون سائر الذنوب، وإن كان مشتملًا على ذلك، لكن الذي وقع في القرآن قوله تعالى: ( ) [التوبة: ٢٨].
  20. وقوله تعالى في حق اللوطية: ( ﭬﭭ ) [الأنبياء: ٧٤]. وقالت اللوطية: ( ﭚﭛ ) [الأعراف: ٨٢]. فأقروا مع شركهم وكفرهم، أنهم هم الأخباث الأنجاس، وأن لوطًا وآله مطهرون من ذلك باجتنابهم له. وقال تعالى في حق الزناة: ( ﯞﯟ) [النور: ٢٦]. وأما نجاسة الشرك فهي نوعان: نجاسة مغلظة، ونجاسة مخففة . فالمغلظة: الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز وجل، فإن الله عز وجل لا يغفر أن يشرك به، والمخففة: الشرك الأصغر، كيسير الرياء، و التصنع للمخلوقات والحلف به، وخوفه ورجائه . ثم قال: ونجاسة الزنى واللواطة أغلظ من غيرها من النجاسات، من جهة أنها تفسد القلب، وتضعف توحيده جدًا . ولهذا أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركًا، فكلما كان الشرك في العبد أغلب، كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر، وكلما كان أعظم إخلاصًا، كان منها أبعد، كما قال تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام: ( ﭼﭽ ﭿ ) [يوسف: ٢٤].

    أحكام متعلقة بالقصة

    أولًا: عقوبة اللواط في الشريعة الإسلامية:

    اختلف الفقهاء في عقوبة اللوطي، وذلك على ثلاثة مذاهب:

    المذهب الأول: وهو مذهب الإمام مالك والإمام أحمد وقول للشافعي وهو أن حد اللوطي القتل فاعلا كان أو مفعولا، محصنا كان أو غير محصن، وهذا القول مروى عن أبى بكر وعمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم ونقل بعض الحنابلة إجماع الصحابة على ذلك 47.

    واستدل أصحاب هذا الرأي بما يلي:

    ١- الحديث الذي رواه الخمسة إلا النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول) 48.

    ٢- كما استدل أصحاب هذا المذهب بما روى عن أبى بكر رضي الله عنه أنه جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن رجل ينكح كما تنكح النساء فكان أشدهم يومئذ قولا على بن أبى طالب رضي الله عنه قال: هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أن نحرقه بالنار، فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرق بالنار من فعل هذا الفعل49.

    قال ابن القيم في زاد المعاد: «ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قضى في اللواط بشيء؛ لأن هذا لم يكن معروفا عند العرب ولم يرفع إليه صلى الله عليه وسلم ولكنه ثبت عنه أنه قال: (اقتلوا الفاعل والمفعول به) رواه أهل السنة الأربعة و إسناده صحيح وقال الترمذي: حديث حسن، وحكم به أبو بكر الصديق وكتب به إلى خالد بن الوليد بعد مشاورة الصحابة وكان على رضي الله عنه أشدهم في ذلك . وقال ابن القصار وشيخنا: أجمعت الصحابة على قتله، وإنما اختلفوا في كيفية قتله، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يرمى من شاهق. وقال على رضي الله عنه: يهدم عليه حائط،. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يقتلان بالحجارة. فهذا اتفاق منهم علي قتله وإن اختلفوا في كيفيته »50.

    أقول وورد عن على كما ذكرنا آنفا أنه أمر بحرق من فعل هذا الفعل، وإنما ذكر الصحابة الكرام هذه الكيفيات المختلفة؛ لأن الله تعالى عذب قوم لوط بصنوف مختلفة من العذاب .

    المذهب الثاني: أن اللواط في حكم الزنا، يرجم المحصن ويجلد غير المحصن فاعلا كان أو مفعولا، وهذا هو مذهب الشافعية، وقد استدلوا على مذهبهم بالنص والمعقول .

    أما النص: فالحديث الذي رواه البيهقي في السنن والطبراني في الكبير عن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان، وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان) 51.

    وأما المعقول: فلقد قالوا إن الزنا عبارة عن إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعا محرم شرعا، والدبر أيضا فرج لأن القبل إنما سمي فرجا لما فيه من الانفراج، وهذا المعنى حاصل في الدبر فيكون حكم اللواط كحكم الزنا 52 .

    المذهب الثالث: وهو مذهب الأحناف53: الذين قالوا بأن في اللواط التعزير، إذ أن اللواط غير الزنا، فاللواط يقع بين الرجل والرجل، أما الزنا فهو اسم لوطء الرجل للمرأة التي لا تحل له، والزنا تشتهيه النفس ويميل إليه الطبع، أما اللواط فإن الطباع السليمة والفطرة المستقيمة تأباه وتستهجنه وتستقذره، والزنا أعظم ضررا لما يترتب عليه من فساد الأنساب .

    والذي أرجحه في هذه المسألة أن اللوطي يقتل محصنا كان أو غير محصن، فاعلا كان أو مفعولا به، وهذا هو مذهب الإمام مالك وأحمد وقول للشافعي وهو المروي عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث الذي استندوا إليه (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول) صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال ابن القيم: حديث صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن، وقال الشوكاني معلقا على روايات الحديث: وهى بمجموعها تنهض للاحتجاج بها، أما الحديث الذي استدل به الشافعية (إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان) فهو حديث ضعيف الإسناد كما ذكرنا في تخريجنا له، وعلى فرض صحته فإنه لا يصرح بأن حكم اللواط هو حكم الزنا، وإنما يفيد الترهيب من اللواط وأنه محرم وكبيرة من الكبائر كالزنا.

    يقول الإمام الشوكاني: «واحتجوا بأن اللواط نوع من أنواع الزنا، إيلاج فرج في فرج؛ فيكون اللائط والملوط به داخلين تحت عموم الأدلة الواردة في الزاني المحصن والبكر، ويؤيد ذلك حديث (إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان) وعلى فرض عدم شمول الأدلة المذكورة لهما فهما لاحقان بالزاني بالقياس، ويجاب عن ذلك بأن الأدلة الواردة بقتل الفاعل والمفعول به مطلقا مخصصة لعموم أدلة الزنا الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها للوطي ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمول ؛ لأنه يصير فاسد الاعتبار كما تقرر في علم الأصول، وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارف هذه الرذيلة أن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ويعذب تعذيبا يكسر شهوة الفسقة المتمردين، فحقيق بمن أتى فاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يصلى من العقوبة بما يكون فى الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم، وقد خسف الله بهم واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم » 54 .

    ثانيًا: حرمة إتيان النساء في أدبارهن:

    قال تعالى: ( ﯧﯨ ﯪﯫ ﯰﯱ ) [البقرة: ٢٢٣].

    وفى هذه الآية بيان لحرمة إتيان النساء في أدبارهن ؛ لما في ذلك من الأذى والضرر وسبب نزول هذه الآية الكريمة ما ورد عن جابر رضي الله عنه قال: «كانت اليهود تقول: من أتى امرأته في قبلها من دبرها كان الولد أحول فنزلت: ( )55.

    فإتيان المرأة في دبرها فإنه أمر تنفر منه النفوس وتأباه العقول، وهو مخالف للطبيعة السليمة والفطرة المستقيمة، ( ) أي: موضع حرث، وفى هذا إشارة إلى أن موضع الجماع هو الحرث وهو الفرج؛ لأنه موضع الولد كما أن الأرض موضع الزرع.

    فالمرأة كالأرض والنطفة كالبذرة والولد كالنبات ( ﯧﯨ) أي: كيف شئتم، يباح لكم الاستمتاع بالنساء، وإتيانهن في موضع الحرث مقبلات كن أو مدبرات.

    ومن الأضرار الناتجة عن إتيان النساء في أدبارهن: تهتك الشرج والمستقيم وعدم التحكم في الغائط، لذلك فإنه معرض للنزول بصورة لا إرادية، هذا إلى جانب ماينتج عن هذا الفعل القبيح من عقد نفسية للرجل والمرأة ومن تنافر وتباغض بينهما، بالإضافة إلى الانصراف عن موضع الحرث كما أنه لا يشبع الرغبة الجنسية للمرأة والرجل، ويفتح الباب إلى الزنا، وهذا الفعل القبيح يساعد على نقل الأمراض الجنسية التي سبق الإشارة إليها56.

    موضوعات ذات صلة:

    إبراهيم عليه السلام، العذاب، الفواحش، النبوة، النساء


1 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/١٢٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣.

2 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٣.

3 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٣.

4 وعلى هذا تكون ال للعهد الذهنى.

5 البحر المحيط ٤/٣٣٢.

6 في ظلال القرآن ٣/١٣١٥.

7 قصص الأنبياء ص ١٩٢.

8 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٤/١٨٦.

9 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٩٦.

10 مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٣٨.

11 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٢/٣٢٩

12 البحر المديد، ابن عجيب ٥/٧.

13 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٥/٣٤٣.

14 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٣٣.

15 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/٣.

16 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٢/٣٢٩.

17 في ظلال القرآن ٣/١٣١٦.

18 الكشاف، الزمخشري ٣/٣٣١.بتصرف.

19 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٩٣ بتصرف.

20 لطائف الإشارات، القشيري ٣/١٤٩.

21 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٥٢ بتصرف.

22 قصص الأنبياء، ابن كثير ص ١٩٣، ١٩٤ باختصار.

23 البحر المديد، ابن عجيب ٣/٥٧.

24 قصص الأنبياء، ابن كثير ص ١٩٤.

25 روح المعاني، الألوسي ١٢/١٠.

26 لطائف الإشارات، القشيري ٣/١٤٩.

27 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: (ونبئهم عن ضيف إبراهيم)، رقم ٣٣٧٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، بابزيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة، رقم ١٥١.

28 روى الإمام أحمد في مسنده ٣/٣٢٢، رقم ٣٢٩، من حديث جابر بن عبد الله في بيعة العقبة الثانية، وفيه قال جابر قلنا يا رسول الله على ما نبايعك ؟ قال على السمع والطاعة في النشاط والكسل.....وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم...

قال ابن كثير في السيرة النبوية ٢/١٩٦: هذا إسناد جيد على شرط مسلم.

29 الفصل في الملل والنحل، ابن حزم ٤/٩.

30 شرح صحيح مسلم ٦/٤٧٨.

31 مفاتيح الغيب ١/٣١٥٤.

32 نظم الدرر ٥/٩٩.

33 لطائف الإشارات ٢/٥١..

34 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٢٧.

35 الجامع لأحكام القرآن ٩/٧٨، ٨.بتصرف.

36 فتح البارى ٦/٤٧٨.

37 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٨١.

38 المصدر السابق ١٧/١٤٣.

وانظر: البحر المحيط، أبو حيان ٨/١٨١، روح المعاني، الألوسي ٢٧/٩.

39 مجموع فتاوى ابن تيمية ١٦/٢٥.

40 الجواب الكافي، ابن القيم ص ٢٥١.

41 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم ٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ١/١٣٩، رقم ٢٥٢.

42 مختصر تاريخ دمشق ٢١/٢٤.

43 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب العقوبات، رقم ٤٠١٩، ٢/١٣٣٢.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣٢١، رقم ٧٩٧٨.

44 دائرة المعارف البريطانية ١٢/٦.

45 انظر: مجلة المجتمع الكويتية، سنة ١٣ عدد ٦٤٩.

46 الإسلام والجنس ص ٤٩.

47 انظر: المغني، ابن قدامة ٨/١٨٧.

48 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب فيمن عمل عمل قوم لوط، رقم ٤٤٣٨، والترمذي في سننه، كتاب الحدود، باب ما جاء في حد اللوط، رقم ١٤٥٦، ٤/٤٧.

قال الترمذي: حديث حسن.

وصححه ابن القيم في زاد المعاد ٣/٢٩.

49 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحدود، باب ما جاء في حد اللوطي ٨/٢٣٢.

50 زاد المعاد ٣/٢٩.

51 أخرجه البيهقي فى السنن الكبرى، كتاب الحدود باب ما جاء في اللوطي، ٨/٢٣٣.

قال الحفاظ ابن حجر فى التلخيص الحبير ٤/٥٥ بعد أن عزاه للبيهقي: وفيه محمد بن عبد الرحمن القشيري، كذبه أبو حاتم، وأخرجه أبو الفتح الأزدي في الضعفاء، والطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبى موسى وفيه بشر بن الفضل البجلي وهو مجهول.

52 انظر: مفاتيح الغيب، الرازى ٢٣/١٣٢، آيات الأحكام، السايس ٣/١١٤، روائع البيان في تفسير آيات الأحكام، الصابوني ٢/٤٣.

53 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٧/٤٥.

54 نيل الأوطار ٧/١١٨بتصرف .

55 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير باب (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم)، رقم ٤٥٢٨.

56 انظر: مع الطب في القرآن الكريم، عبدالحميد دياب، وأحمد قرقوز ص ٤٧.