عناصر الموضوع
المال
أولًا: المعنى اللغوي:
المال: ما ملكته من جميع الأشياء، ومال الرجل يمول مولًا ومؤولًا إذا صار ذا مال، وتصغيره مويل1.
ويجمع على أموال، وهو مذكر ومؤنث . يقال هو المال وهي المال2.
وفي المعجم الوسيط: «المال: كل ما يملكه الفرد أو تملكه الجماعة من متاع، أو عروض تجارة، أو عقار، أو نقود، أو حيوان »3.
قال ابن الأثير: «المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم»4.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
المال: كل ما يتمول به الناس من جميع الأصناف، كالذهب والفضة والأنعام والحرث وغيرها5.
ورد (المال) في القرآن الكريم (٨٦) مرة6.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
اسم مفرد |
٢٥ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الكهف:٤٦] |
اسم جمع |
٦١ |
(ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [النساء:٢] |
وجاء المال في القرآن بمعناه في اللغة وهو ما يملك من الأعيان7.
القنطار:
القنطار لغة:
اسم لمعيار يوزن . ويقال لما بلغ ذلك الوزن: هذا قنطار، أي: يعدل القنطار . والقنطار: جملة كثيرة مجهولة من المال 8 .
القنطار اصطلاحًا:
المال الكثير والعقدة المحكمة الكبيرة منه 9.
قال ابن عطية: «وقد اختلف الناس في تحرير حده كم هو ؟ وروي عن أبي بن كعب أنه ألف ومائتا أوقية، وقال به جماعة، وهو أصح الأقوال، لكن القنطار على هذا يختلف باختلاف البلاد في قدر الأوقية » 10.
وجاء عند ابن جرير: أن العرب لا تحد القنطار بمقدار معلوم من الوزن، ولكنها تقول: هو قدر وزنٍ، واختار هذا القول؛ لأنه لو كان محددًا قدره عندها لم يكن بين متقدمي أهل التأويل فيه خلاف 11.
الصلة بين القنطار والمال:
القنطار هو المال الكثير الجزيل، بعضه على بعض 12 .
النقود:
النقد لغة:
تمييز الدراهم، وإخراج الزيف منها وإعطاؤها، والانتقاد: قبضها. ويقال: الدرهم نقدٌ، أي: وازن جيد 13.
النقد اصطلاحًا:
العملة من الذهب أو الفضة أو غيرهما مما يتعامل به . ويعبر به عن العملة التي تكون بين أيدي الناس ويتعاملون بها.
والنقود:كل ما يدفع من أجل الحصول على السلع أو الخدمات، فيشمل ذلك العملات وتبادلها أو ما يقوم مقامها كالشيكات.
الصلة بين النقود والمال:
النقود هي الأموال المضروبة والتي صارت دنانير ودراهم، وتستعمل كوسيلة تبادل في البيع والشراء.
الذهب والفضة:
الذهب لغة:
الذهب مذكر عند العرب، وربما أنث، فقيل: هي الذهب، ويقال: ذهبة . وهو مكيال لأهل اليمن14.
الفضة لغة:
أما الفضة فجمعها فضض، وقد اختصت بأدون المتعامل به من الجواهر 15.
قال القرطبي: «الذهب مأخوذ من الذهاب، والفضة مأخوذة من انفض الشيء إذا تفرق، وهذا الاشتقاق يشعر بزوالهما وعدم ثبوتهما كما هو مشاهد في الوجود » 16.
وهما من الجواهر النفيسة والمعادن الثمينة والتي تستخدم في سك النقود.
الذهب اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي.
الفضة اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي.
الصلة بين الذهب والفضة والمال:
الذهب والفضة هما أصل المال . يقول ابن الأثير: «المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة »17.
دلت نصوص القرآن الكريم على مكانة المال وأهميته الكبيرة في حياة الإنسان فردًا أو جماعة، كما أشارت إلى تأثيره في جميع أموره الدنيوية والأخروية وتظهر أهمية المال في القرآن في الآتي:
١. وصف المال بأنه قوام الحياة.
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النساء:٥].
وصف الله تعالى المال في الآية الكريمة بأنه (قيامًا) أو(قوامًا)، فالأموال هي الوسيلة التي جعلها الله للناس لتقوم بها معايشهم وتستقيم بها مصالحهم الدنيوية والأخروية «فلا يستطيع المرء أن يحافظ على حياته المادية إلا بالمال، فبه يأكل، وبه يشرب، وبه يلبس، وبه يبني مسكنه، وبه يصنع سلاحه الذي يدافع به عن نفسه وحرماته، وبه يطور حياته ويرقيها»18.
وبالمال أيضًا يستطيع المرء القيام بكثير من فرائض الدين كالزكاة والحج والجهاد والعلم ونشره، وأعمال البر والإحسان والصلة والصدقة .
«فالأموال قوام الحياة، وسبب إصلاح المعاش، وانتظام الأمور، فبالمال تتقدم الأمم، وتبني صرح الحضارة، وبالمال يسعد الفرد والجماعة، وبه يتحقق النصر على الأعداء.
وكان السلف يقولون: المال سلاح المؤمن، ولأن أترك مالًا يحاسبني الله عليه خير من أن احتاج إلى الناس . وعن سفيان وكانت له بضاعة يتاجر بها، وقيل له: إنها تدنيك من الدنيا . فقال: لئن أدنتني من الدنيا لقد صانتني عنها » 19.
٢. تسمية المال خيرًا.
سمى الله تعالى المال «خيرًا » في كتابه العزيز - كما تقدم - وهذا مما يدل على مكانة المال وفضله، فهو ليس مذمومًا في ذاته، بل هو خير، وإنما المذموم هو فعل الإنسان فيه إن أساء استعماله، أو جعله غايةً ومقصودًا في ذاته فصار فكره وقلبه معلقًا به، وصارت أعماله ظاهرةً وباطنة من أجله، فشغله عما خلق لأجله، فأصبح لا يبالي من أي وجه حصل ذلك المال، ولا فيما أنفقه وصرفه، فذاك هو المذموم.
أما من طلبه من وجوهه المشروعة، ووضعه في مواضعه المشروعة، وشكر الله عليه، وجعله وسيلةً وطريقًا للتزود للآخرة والاستعانة به على مرضاة الله تعالى فهذا خيرٌ ولا شك.
يقول صلى الله عليه وسلم لعمرو ابن العاص: (نعم المال الصالح للمرء الصالح)20.
وقد دعا صلى الله عليه وسلم خادمه أنس رضي الله عنه: (اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته)21.
وقد وصف الله تعالى كثير من الأنبياء بالغنى والمال، كالأنبياء الذين أتاهم الله الملك، مثل يوسف عليه السلام، وداود وسليمان عليهما السلام.
قال تعالى في قصة سليمان: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [النمل:٣٦].
٣. الامتنان بالمال وجعله من المثوبة العاجلة لعباد الله الصالحين في الدنيا.
وهذا مما يدل على فضل المال وأهميته ومكانته كما قال سبحانه في معرض الامتنان على بني إسرائيل: (ﮦ ﮧ ﮨ) [ الاسراء:٩].
وكذا امتن سبحانه على المؤمنين بما حصل يوم الأحزاب، فقال عز وجل: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الأحزاب:٢٧].
وقال سبحانه وتعالى على لسان نوح إبان دعوته لقومه وتذكيره إياهم بنعم الله عليهم: (ﭖ ﭗ ﭘ) [نوح:١٢].
وامتن سبحانه على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الضحى: ٨].
وقال عز وجل: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الطلاق:٢-٣].
٤. الأمر بالمحافظة على المال.
لأهمية المال جاءت الأوامر والتوجيهات القرآنية والنبوية بالمحافظة عليه، فكان تحريم التبذير والإسراف في الاستهلاك، والأمر بالاعتدال والتوسط فيه.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الاسراء:٢٦-٢٧].
وقال عز وجل: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأعراف:٣١].
وقال سبحانه: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الفرقان:٦٧].
وقال صلى الله عليه وسلم: (كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير إسرافٍ ولا مخيلة)22.
ونهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فقال: (إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)23.
ونحن نعيش اليوم في مجتمعٍ يوصف بالمجتمع الاستهلاكي، وتوصف حياتنا بـ(نمط الحياة الاستهلاكية)، أي: إن الاستهلاك المفرط أصبح من سماتها البارزة .ولا يليق بالمسلم المهتدي بنور الشرع، ولا يجوز له أن يكون أسيرًا مستسلمًا للاستهلاك والسلبية، لا يفعل سوى أن يستهلك حتى يستهلك.بل لابد من التحكم العقلاني في أبواب الاستهلاك، وإغلاق ما يجب إغلاقه منها.
ومن المحافظة على المال الحجر على السفهاء .
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النساء:٥].
وهو حجر لصالح المجتمع، وكذلك الحجر على الصغار والمجانين وكل من لا يحسن التصرف لصغر سن أو ضعف عقل.
كما أن أطول آية في القرآن الكريم نزلت في حفظ المال بكتابته والإشهاد عليه وهي آية المدانية في سورة البقرة24 .
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [البقرة:٢٨٢].
٥. جعل المال من الضرورات الخمس التي أمر الشرع بحفظها.
أجمع الفقهاء على أن المحافظة على المال من المقاصد أو المصالح الكلية الضرورية الخمس للشريعة الإسلامية، لذلك حرم السرقة وأوجب فيها الحد .
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ)[المائدة:٨٣].
وفي الحديث: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه) 25 .
٦. تقديم ذكر المال على الولد في أكثر الآيات التي قرن فيها الأموال بالأولاد.
بل تقديمه على النفس في مواضع ذكر الجهاد - كما سيأتي لاحقًا - فهذا مما يدل على مكانة المال ومنزلته حتى قدم على النفس حال الجهاد، وعلى الولد في أكثر المواضع
أولًا: المال زينة محببة:
أخبر الله تعالى في آياتٍ من كتابه الكريم عما بثه في الأرض للناس من أنواع المتع وأصناف الزين والمنافع والملاذ، وما جعل فيها من المحاسن التي تكون سببًا لتعلق قلوبهم بها وميل نفوسهم إليها، وتسخيرها للخلق وتذليلها لخدمتهم؛ لتكن عونًا لهم على الطاعة والامتثال؛ وسبيلًا لشكر المنعم الواهب، وحذرهم من الاغترار بها والركون إليها، أو الانشغال بها عن الطاعة والواجب، والتشاغل بتحصيلها عن الحياة الحقيقية الباقية، التي لها يكون العمل ولأجلها يسعى الإنسان وإليها المصير وفيها المستقر.
ومن جملة تلك المتع والمنافع: (المال) الذي جبل الإنسان على حبه، وفطر على التعلق به، والحرص على اقتنائه؛ لأنه زينة من زين الحياة، تهفو إليه القلوب، وترغب فيه النفوس، وتطمع في تحصيله الهمم، وتبذل لحيازته وجمعه الجهود والأوقات، وتضيع من أجله وفي سبيله - أحيانًا - أهم الواجبات.
وقد جاء تأكيد هذا المعنى في القرآن الكريم بثلاثة أساليب:
الأسلوب الأول: التصريح بكون المال زينة محببة للإنسان:
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [آل عمران:١٤].
قال الألوسي: «عبر عنها بالشهوات للإشارة إلى ما ركز في الطباع من محبتها والحرص عليها، حتى لكأنهم يشتهون اشتهاءها، أو تنبيهًا على خستها؛ لأن الشهوات خسيسة عند الحكماء والعقلاء، وفي ذلك تنفير منها »26.
وقد فصل الشهوات المحببة للإنسان في آية آل عمران فبدأ بذكر النساء ثم البنين ثم ذكر المال، ولما ذكر المال فصل فيه فعدد أنواعه وأصنافه فأفاد ذلك أن المال من أعظم الشهوات والزين المحببة للإنسان، وأن كل نوع من أنواعه زينة قد تعلقت بها قلوب طائفة من البشر.
بدأ بالذهب والفضة فقال سبحانه: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) والمراد: المال الكثير الجزيل، بعضه على بعض27، فهو إشارة إلى كثرة المال وحضوره28؛ ولذلك عبر عنه بقوله: (ﮧ ﮨ).
والمقصود أن الإنسان يحب المال الكثير حبًا شديدًا ويرغب فيه؛ ولذا جاء التعبير عن هذا المعنى بذلك الأسلوب المبالغ فيه (ﮧ ﮨ).
وقد صرح عزوجل بهذه الفطرة الإنسانية في مواضع أخرى من كتابه الكريم كما في قوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)[الفجر:٢٠].
وقوله عزوجل (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [العاديات:٨].
وفي هذا المعنى يقول صلى الله عليه وسلم: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)29.
ويقول عليه الصلاة والسلام:(يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان: حب المال وطول العمر)30.
وإنما كان الذهب والفضة محبوبين «لأنهما - كما يقول الرازي - جعلا ثمنًا لجميع الأشياء، فمالكها كالمالك لجميع الأشياء »31.
وقال ابن عاشور: «الذهب والفضة شهوتان بحسب منظرهما، وما يتأخذ منهما من حلي الرجال والنساء، والنقدان منهما الدنانير والدراهم، فهو شهوة لما أودع الله في النفوس منذ العصور من حب النقود التي بها دفع أعواض الأشياء المحتاج إليها »32.
ثم ثنى بذكر الصنف الثاني من المال وهو (ﮬ ﮭ) والمقصود بها الخيل الحسان الرائعة المعلمة المعدة الراعية33.
فالخيل بهذا الوصف محبوبة مرغوبة في العصور الماضية وما بعدها، فقد كانت وما زالت زينة محببة للإنسان، فلم ينسها ما تفنن فيه البشر من صنوف المراكب برًا وبحرًا وجوًا، فمع كل ما لديهم من وسائل، مازال للخيل قيمتها وقدرها وعشاقها، وما زال الناس يعتنون بركوب ظهور الخيل، وجر العربات بالأفراس ويقيمون المسابقات بين الخيول34.
ثم ذكر الصنف الثالث من المال وهو (ﯣ) والمقصود بها المواشي من الإبل والبقر والغنم . فإن قيل: «نَعَمُ » فهو للإبل خاصة 35.
والأنعام بأنواعها زينة محببة للإنسان؛ لأنه في حاجة شديدة إليها في المركب والمطعم وغير ذلك من أمور المعاش.
قال تعالى: (ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [النحل:٥-٦].
والأنعام - كما يقول ابن عاشور - زينة لأهل الوبر، فقد لا تتعلق شهوات أهل المدن بشدة الإقبال على الأنعام، لكنهم يحبون مشاهدتها، ويعنون بالارتياح إليها إجمالًا 36.
ثم ذكر سبحانه الصنف الرابع من المال وهو (ﮉ) والمقصود به حرث الأرض وشقها للزرع، فيشمل أنواع الفلاحة من زرع الحبوب أو الجنات.
فهذه أصناف المال التي نصت عليها الآية الكريمة . قال القرطبي: «قال العلماء: ذكر الله تعالى أربعة أصنافٍ من المال، كل نوع من المال يتمول به صنف من الناس، أما الذهب والفضة فيتمول بها التجار، وأما الخيل المسومة فيتمول بها الملوك، وأما الأنعام فيتمول بها أهل البوادي، وأما الحرث فيتمول بها أهل الرساتيق، فتكون فتنة كل صنف في النوع الذي يتمول به » 37.
وقد ختم الله تعالى آية عمران بعد ذكر أصناف الزين والمشتهيات بقوله:(ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) أي:كل ما تقدم ذكره من أنواع الشهوات المحببة إلى النفوس إنما هو متاع يستمتع به في الدنيا أهلها ما داموا أحياء، فيتبلغون به فيها، ويجعلونه من وسائل معاشهم، وأسباب قضاء حوائجهم دون أن تكون عدة لمعادهم وقربة إلى ربهم، إلا ما أسلك في سبيله وأنفق منه فيما أمر به38.
الأسلوب الثاني: تقديم المال على الولد في عدة مواضع من القرآن الكريم:
قرن الله تعالى في كتابه الكريم بين الأموال والأولاد في أربعة وعشرين موضعًا، قدمت فيها الأموال على الأولاد، وفي موضعين قدم الأولاد على الأموال.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الكهف: ٤٦].
إضافة إلى التصريح في هذه الآية الكريمة بأن المال زينة، جاء المال فيها مقدمًا على الولد، فدل ذلك على مكانة المال في نفس الإنسان ومنزلته عنده وحبه له وتعلق قلبه به، ولا غرو في ذلك فهو زينة كما سماه الله تعالى.
قال القرطبي: «إنما كان المال زينة الحياة؛ لأن في المال جمعًا ونفعًا»39.
وقال القاسمي:«تقديم المال على البنين لعراقته فيما نيط به من الزينة والإمداد؛ ولكون الحاجة إليه أمس؛ ولأنه زينة بدونهم، من غير عكس »40.
وقال وهبة الزحيلي: «تقديم المال على البنين مع كونهم أعز منه؛ لأنه أهم وأخطر، وأكثر تحقيقًا للحاجة والرغبة والهوى، فقد يكون البنون دون مال، ويكون البؤس والشقاء » 41.
الأسلوب الثالث: الامتنان بالإمداد بالمال:
ولا يكون الامتنان إلا بما هو مرغوب محبوب للنفس، ذو مكانةٍ ومنزلة وفضل عند الناس، لذلك امتن الله تعالى في عدد من آيات القرآن الكريم على عباده الصالحين بالإمداد بالمال.
ثانيًا: أقسام الناس تجاه شهوة المال:
وصف الله تعالى المال بأنه شهوة، وفطر الناس على حبه، وهو شهوة وزينة ليست خسيسة أو مذمومةً في ذاتها، ولا يقصد الشرع التنفير منها، إنما يريد من الناس أن يقتصدوا في طلبها، ويطلبوها من وجوهها المشروعة، ويضعوها في مواضعها المشروعة، وأن يشكروا الله عليها، وألا يجعلوها غاية مقصدهم في هذه الحياة، فالشرع لا يحارب الفطرة الإنسانية التي تشتهي المال وتحبه، إنما يهذبها ويضبطها ويرشدها لوضع المال في موضعه المناسب، حتى لا يطغى على غيره، ولا يستعمل في غير ما أراد الله تعالى له، وبذلك يسعد الإنسان في دينه ودنياه وآخرته.
قال ابن كثير: «وحب المال تارةً يكون للفخر والخيلاء والتكبر فيكون مذمومًا، وتارةً يكون للنفقة في وجوه البر فيكون محمودًا» 42.
وقال السعدي في تفسيره: «انقسم الناس بحسب الواقع تجاه هذه الشهوات إلى قسمين:
قسمٌ: جعلوها هي المقصود، فصارت أفكارهم وخواطرهم وأعمالهم الظاهرة والباطنة لها، فشغلتهم عما خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها ويتناولون شهواتها، ولا يبالون على أي وجه حصلوها، ولا فيما أنفقوها وصرفوها، فهؤلاء كانت لهم زادًا إلى دار الشقاء والعناء والعذاب.
والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها وأن الله جعلها ابتلاءً وامتحانًا لعباده؛ ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلةً لهم وطريقًا يتزودون منها لآخرتهم ويتمتعون بما يتمتعون به على وجه الاستعانة به على مرضاته، قد صحبوها بأبدانهم وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها كما قال الله فيها: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) فجعلوها معبرًا إلى الدار الآخرة ومتجرًا يرجون بها الفوائد الفاخرة، فهؤلاء صارت لهم زادًا إلى ربهم »43.
ثالثًا: المال فتنة وابتلاء:
كما وصف الله تعالى المال بأنه (زينة) وصفه عزوجل بأنه (فتنة)، ووصفه بـ(الزينة) جاء مخصوصًا بالحياة الدنيا فقال: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [آل عمران: ١٤].
وقال: (ﭡ ﭢ ﭣ) [الكهف: ٢٨].
فوصفه بكونه زينة مخصوص بالحياة الدنيا؛ ولذلك أرشد الله تعالى في الآيتين لما هو خير وأبقى للإنسان فقال: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) وقال: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ).
والمراد بالباقيات الصالحات:كل عملٍ صالحٍ من قولٍ أو فعل يبقى للآخرة44.
فالمال زينة خاصة بالدنيا، فإن أحسن الإنسان استعماله وجعله عونًا على الطاعة ووسيلةً وطريقًا للآخرة فقد نال ثواب الله الأبقى، بينما إذا انشغل بهذا المال عن الآخرة وصارت هذه الشهوة مقصده وغايته، أصبح ذلك المال بلاءً ونقمةً عليه، ومن هنا وصف الله تعالى المال بأنه (فتنة) قال عز وجل: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأنفال:٢٨ ].
وقال سبحانه وتعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [التغابن: ١٥].
قال ابن جرير: «اعلموا أيها المؤمنون أنما أموالكم التي خولكموها اللهاختبار وبلاء،أعطاكموها ليختبركم بها ويبتليكم، لينظر كيف أنتم عاملون من أداء حق الله عليكم فيها والانتهاء إلى أمره ونهيه فيها»45.
وقال ابن كثير: «أي: اختبار وابتلاء منه لكم، إذا أعطاكموها ليعلم أتشكرونه عليها وتطيعونه فيها، أو تشتغلون بها عنه وتعتاضون بها منه»46.
وفي وجه وصف المال بأنه فتنة يقول الشوكاني: «لأنه سبب الوقوع في كثير من الذنوب فصار من هذه الحيثية محنة يختبر الله بها عباده، وإن كان من حيثية أخرى زينة الحياة الدنيا » 47.
وقال القاسمي: «سموا فتنة اعتبارًا بما ينال الإنسان من الاختبار بهم، ويجوز أن يراد بـ (الفتنة) الإثم والعذاب، فإنهم سبب الوقوع في ذلك »48.
وقال السمرقندي: «إنما ذكر الأموال والأولاد؛ لأن أكثر الناس يدخلون النار لأجل الأموال والأولاد» 49.
وعلى ذلك فمعنى (الفتنة): إما الاختبار والابتلاء؛ ليتبين الشاكر لهذه النعمة من الجاحد لها، المشتغل بها عما خلقه الله من أجله.وإما أن يكون معنى الفتنة العذاب والإثم فسمى المال فتنة؛ لأنه سبب للوقوع في الإثم والعذاب.
فالمال من الفتن العظيمة التي يبتلى بها المؤمن، وقل من يصبر عليها، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال)50.
قال المناوي: «أي: الالتهاء به؛ لأنه يشغل البال عن القيام بالطاعة وينسي الآخرة » 51.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من فتنة المال فقال: (أبشروا وأملوا ما يسركم، فو الله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم) 52.
قال الشيخ ابن عثيمين: «لما كان الناس إلى الفقر أقرب، كانوا لله أتقى وأخشع وأخشى، ولما كثر المال، كثر الإعراض عن سبيل الله، وحصل الطغيان، وصار الإنسان يتشوف لزهرة الدنيا وزينتها ويعرض عما ينفعه في الآخرة » 53.
يقول المراغي في تفسيره: «فتنة المال عظيمة لا تخفى، إذ أموال الإنسان عليها مدار معيشته، وتحصيل رغائبه وشهواته، ودفع الكثير من المكاره عنه، من أجل ذلك يتكلف في كسبها المشاق، ويركب الصعاب، ويكلفه الشرع فيها التزام الحلال واجتناب الحرام، ويرغبه في القصد والاعتدال، ويتكلف العناء في حفظها وتتنازعه الأهواء في إنفاقها، ويفرض عليه الشارع فيها حقوقًا معينة وغير معينة » 54.
وفتنة المال قديمة، لكنها اشتدت هذا الزمان مع بعد الناس عن دينهم ولهثهم وراء الحياة، وانبساط الدنيا، وتنوع وسائل الكسب، وتفنن المصارف والبنوك في استجلاب واستقطاب الناس لكسب أموالهم بطرق مختلفة ووسائل متنوعة
رابعًا: من صور الافتتان بالمال:
الصورة الأولى: أن يكون المال سببًا في الإعراض عن الإيمان وقبول الحق.
وهو أعظم صور الافتتان بالمال وأخطرها على الإنسان، حين يصده ماله عن متابعة الحق والإذعان إليه؛ لذلك ندد الله تعالى بالمشركين والكفار كالوليد بن المغيرة وغيره؛ لما صدتهم أموالهم بكثرتها عن الإيمان بالله ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم .
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [القلم:١٤].
أي: لأجل كثرة ماله وولده طغى واستكبر عن الحق، ودفعه حين جاءه، وجعله من جملة الأساطير التي يمكن صدقها وكذبها55.
وقال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [المدثر:١١-١٦].
فهذا تقريع وتوبيخ لأولئك الكفرة على مقابلة ما أنعم الله به عليهم من المال بالكفر بآيات الله تعالى والإعراض عنها.
والآيات وإن كانت في سببٍ خاص إلا أنها عامة في كل من اتصف بهذا الوصف أو سار على هذا النهج، فكان ماله سبب كفره وجحوده وإعراضه عن الحق؛ لأن القرآن نزل لهداية الخلق كلهم،فيدخل فيه أول الأمة وآخرها؛ ولأن العبرة في آيات الكتاب العزيز بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
الصورة الثانية: أن يكون المال سببًا للبطر والطغيان.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [العلق:٦-٧].
وقال عز وجل: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الاسراء:٨٣].
قال القاسمي: «فيما يورث البطر مثل الغنى، وبه تستجمع أسباب السؤود والرئاسة والمجد والتفاخر»56
الصورة الثالثة: أن يكون المال سببًا في التشاغل عن الطاعات وذكر الله تعالى.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المنافقون:٩].
فهذا نداء من الله تعالى لعباده المؤمنين وتنبيهٌ لهم بألا تشغلهم أموالهم وتدبيرها، والعناية بشؤونها، واستثمارها، وتنميتها، وتحصيلها، عن القيام بذكر الله تعالى وطاعته من التسبيح، والتحميد والتهليل، وقراءة القرآن، وأداء فروض الإسلام، وحقوق الله تعالى . ثم علق الخسران الكامل بالتلهي عن الذكر وطاعة الله بالدنيا وزينتها ومتاعها 57 حيث قال سبحانه: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [المنافقون:٩].
وقد حذر الله تعالى من الانشغال بالأموال فقال عز وجل: (ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)[التوبة:٢٤].
وفي آية أخرى ذم الله تعالى وندد بالمتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد في سبيله، من الأعراب الذين تعللوا واحتجوا بانشغالهم بأموالهم.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الفتح:١١].
الصورة الرابعة: صيرورة المال غاية في ذاته وبذل الوقت في جمعه وتنميته.
وقد ذم الله تعالى من كانت هذه صفته فقال سبحانه: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الهمزة:١-٣].
والمقصود كل من لا هم له سوى جمع المال وتعديده، ولارغبة له في إنفاقه، وجهلًا منه يحسب أن ذلك المال سببًا للخلود في الدنيا؛ ولذلك كان كده وسعيه في تنمية ماله الذي يظن أنه ينمي عمره58.
وذم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عبد المال فقال سبحانه: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [التوبة:٥٨].
فهؤلاء جعلوا الرضا والغضب تبعًا لأهواء أنفسهم الدنيوية، وأغراضهم الفاسدة، ومن ذلك حب المال والحرص عليه59.
وقال صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض) 60.
قال ابن حجر رحمه الله: «(عبد الدينار) أي: طالبه الحريص على جمعه القائم على حفظه، فكأنه لذلك خادمه وعبده.قال الطيبـي:خص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها، كالأسير الذي لا يجد خلاصًا،ولم يقل مالك الدينار ولا جامع الدينار؛ لأن المذموم من الملك والجمع الزيادة على قدر الحاجة » 61.
وجاء في رواية أخرى: (تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش) .
قال ابن حجر: «وفيه إشارة إلى الدعاء عليه بما يثبطه عن السعي والحركة، وسوغ الدعاء عليه كونه قصر عمله على جمع الدنيا واشتغل بها عن الذي أمر به من التشاغل بالواجبات والمندوبات » 62.
الصورة الخامسة: عدم التحري في كسب المال والحصول عليه.
وهو ناتجٌ عن الصورة السابقة من صيرورة المال غاية في ذاته، فلا يأبه أمن حلالٍ جمعه أم من حرام، ولا يسأل ولا يتحرى في كسبه مشروع هو أم ممنوع، وينسى أو يتناسى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس) وذكر منها: (وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه63.
والذي يتأمل حال الناس اليوم، يرى انكبابهم على كسب المال بأي وسيلة، سواء كانت مساهمات مشبوهة، أو معاملات فيها مخالفات، أو طرق محرمة أصلًا كالربا والغش وأكل المال بالباطل .فطاشت عقول الناس- إلا من رحم ربي- مع الأسهم والمساهمات وصنوف المعاملات، بالرغم من وجود البدائل المباحة، وجهود أهل العلم من المختصين في بيان أحكام المعاملات والأسهم والمساهمات، وكل ما يستجد من صنوف المعاملات المالية، فصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام) 64 .
الصورة السادسة: منع الحقوق فيه، سواءً كانت حقوقًا لله تعالى أم للخلق.
فمن الافتتان بالمال البخل، والشح به ،ومنع حقوق الله تعالى فيه وعلى رأسها الزكاة .
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النساء:٣٧].
أي: يمنعون ما عليهم من الحقوق الواجبة65.
وقال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [التوبة:٣٤].
قال السعدي: «وهذا هو الكنز المحرم، أن يمسكها عن النفقة الواجبة، كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات، أو الأقارب، أو النفقة في سبيل الله إذا وجبت»66.
وكذا الإمساك وكراهة الإنفاق في سبيل الله تعالى، قال عز وجل: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [التوبة:٨١].
ومثله منع حقوق الخلق كالإمساك عن النفقة الواجبة، أوالتهاون في رد الحقوق كالديون والأقساط لأصحابها.
الصورة السابعة: التفاخر بالمال والتكاثر فيه واعتباره معيارًا للأفضلية.
فمن صور الافتتان بالمال التفاخر به والتكاثر فيه والتنافس في تحصيله وجمعه، وهذا ما سيأتي بيانه في المطلب القادم بإذن الله تعالى.
خامسًا: النجاة من فتنة المال:
إذا علم الإنسان فتنة المال وخطره، فعليه التوقي من تلك الفتنة والحذر منها ومما يعين الإنسان على النجاة من فتنة المال ما يلي:
سادسًا: الابتلاء في المال:
كل ما تقدم كان في التحذير من فتنة المال وصور الافتتان به، وكما تكون الفتنة بالمال فإنها قد تكون فيه، ويكون ذلك بنزول البلاء والمحن على العبد في ماله امتحانًا من الله وتمحيصًا وتمييزًا وتبيانًا للمؤمن الصادق الصابر الشاكر، من الكافر أو المنافق الكاذب الجاذع .
قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة:١٥٥].
وقال سبحانه: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [آل عمران:١٨٦].
فهذا قسم من الله تعالى بأنه سيصيب أهل الإيمان بشيءٍ من نقص الأموال، ويكون ذلك بما يعتريها من جوائح سماوية، أوغرق أو ضياع، أو أخذ الظلمة للأموال سواء كان ذلك الظالم صاحب سلطة ورئاسة كالملوك، أو من قطاع الطرق، أو ما يعتري الأموال من خسارة وكساد أو تعرضها للسرقة.أو غير ذلك.
فالمؤمن يصبر ويسترجع ويستسلم لقضاء الله وقدره، ويرضى بحكمه، ويسلم لأمره، فذاك الذي يؤجر على المصيبة، فيعوضه الله خيرًا منها، ويؤتيه ثواب صبره في الدنيا والآخرة؛ لذلك قال سبحانه: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [البقرة:١٥٥-١٥٧].
أما الكافر أو المنافق فإن الدنيا تضيق عليه إذا نزلت به المصيبة، مع الجزع والتسخط وعدم الرضا، بل قد يؤدي به حزنه إلى الاعتداء على الآخرين، والتفوه بما لا يليق من الألفاظ مع الاعتراض الكامل على قضاء الله وقدره.
سابعًا: المال مجال للتفاخر والتكاثر:
سمى الله تعالى المال (خيرًا)، ووصفه بأنه (زينة)، ووصفه بأنه (فتنة)، ومن أوجه كونه فتنة، أنه وسيلة لما يكون سببًا في الوقوع في الإثم واستيجاب العذاب من التنافس على الدنيا، والتكاثر في تحصيل متعها ومتاعها وزينتها وزخرفها، والتفاخر به، والتعالي على الناس بجمعه وتكثيره وحيازته، حتى ينشغل القلب بهذا التكاثر والتفاخر فيغفل ويلهى عن حقيقة الدنيا، وزوالها وهوانها وسرعة انقضائها وفنائها، وينسى الحياة الحقيقية والدار الآخرة الباقية فيقصر في العمل والاستعداد لها.
قال عز وجل في وصف الدنيا وحال الناس فيها: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الحديد:٢٠].
وأخبر سبحانه عن حال الناس وانشغالهم بالتنافس والتكاثر والتفاخر فيها مدة حياتهم فقال عز وجل: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [التكاثر:١-٢].
والتكاثر: التباهي بكثرة المال والولد والجاه والمناقب70. ويقع على أحد وجوه ثلاثة:
الأول: أن يكون بين الاثنين فيكون من باب المفاعلة.
الثاني: أن يكون من فاعل واحد لكن على سبيل التكلف، كما تقول: تكارهت على كذا، إذا فعلته وأنت كاره . وتقول:تباعدت عن الأمر، إذا تكلفت البعد عنه.
الثالث: أن يراد به مطلق الفعل، كما تقول: تباعدت عن الأمر، أي: بعدت عنه.
والتكاثر الوارد في الآيتين يحتمل الوجهين الأولين، فيحتمل التكاثر بمعنى المفاعلة؛ لأنه كم من اثنين يقول كل واحد منهما لصاحبه: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الكهف:٣٤].
ويحتمل تكلف الكثرة، فإن الحريص يتكلف جميع عمره تكثير ماله71.
وفي آية الحديد جاء التكاثر مبينًا فيما يكون حيث قال سبحانه: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) فهذا تصريحٌ بأن المكاثرة تكون في المال والولد، أما في سورة التكاثر فجاء الخبر مطلقًا(ﮋ ﮌ) ولم يعين المتكاثر به بل ترك ذكره، إما لأن المذموم هو نفس التكاثر بالشيء، لا المتكاثر به، وإما لإرادة العموم72، وذهب بعض أهل التفسير إلى أن المتكاثر به هو المال والولد73، حملًا للعام على الخاص الوارد في آية الحديد.
وذهب آخرون إلى بقاء العموم على عمومه، فيشمل ذلك كل ما يتكاثر فيه الناس من مالٍ وولد وجاه ورئاسة ومسكن ومركب إلخ 74.
قال الرازي: «وجاء في المراد بالآية أن المنهي عنه هنا والمذموم هو التكاثر بالمال،واستدلوا عليه بما ورد في الحديث،عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ سورة التكاثر، وقال: (يقول ابن آدم:مالي . مالي. قال: وهل لك، يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت ؟)75 76.
قال ابن جرير: «ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم وعما ينجيكم من سخطه عليكم، حتى متم ودفنتم في المقابر » 77.
والعموم والإطلاق أبلغ في الذم؛ لأنه يشمل كل ما يتكاثر به المتكاثرون، ويتفاخر به المتفاخرون سوى طاعة الله تعالى، ومن جملة ذلك بل وفي مقدمتها الأموال.
قال ابن القيم رحمه الله: «التكاثر في كل شيء، فكل من شغله وألهاه التكاثر بأمرٍ من الأمور عن الله والدار الآخرة فهو داخل في حكم هذه الآية، فمن الناس من يلهيه التكاثر بالمال، ومنهم من يلهيه التكاثر بالجاه أو بالعلم، فيجمعه تكاثرًا وتفاخرًا، وهذا أسوء حالًا عند الله ممن يكاثر بالمال والجاه، فإنه جعل أسباب الآخرة للدنيا، وصاحب المال والجاه استعمل أسباب الدنيا لها وكاثر بأسبابها » 78.
وعلى ذلك فالتكاثر في المال مذموم، لا سيما إن قصد به المفاخرة والمباهاة وهو دليلٌ على حب الدنيا والتعلق بها والغفلة من الآخرة والعمل لها.
قال ابن الجوزي: «وأما من قصد جمعه -أي: المال- والاستكثار منه من الحلال، نظرنا في مقصوده، فإن قصد نفس المفاخرة والمباهاة فبئس المقصود، وإن قصد إعفاف نفسه وعائلته وادخر لحوادث زمانه وزمانهم، وقصد التوسعة على الإخوان وإغناء الفقراء وفعل المصالح أثيب على قصده»79.
وقال النووي رحمه الله في شرح حديث:(لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديًا ثالثًا) قال: «فيه ذم الحرص على الدنيا وحب المكاثرة بها والرغبة فيها»80.
لكن قد تحصل الكثرة من غير تكاثر فهذا لا يضر، وقد كان بعض الصحابة أهل كثرة في المال ولم تضرهم، لكونها حاصلة من غير تكاثر 81.
فالمذموم هو التكاثر الملهي عن الآخرة، والتكاثر الواقع في متاع الدنيا الزائل، أما التكاثر في أسباب السعادة الأخروية فهو أمرٌ مطلوب شرعًا 82.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [المطففين:٢٦].
والمتأمل اليوم في حال الناس يرى التسابق المحموم، والتنافس المسموم، والتكاثر المذموم، في كل غرضٍ من أغراض الحياة، لا سيما مع الانفتاح اللا محدود، والدور الكبير الذي تقوم به وسائل الاتصال والإعلام، ووسائل التواصل المختلفة في نشر مبدأ التكاثر والتنافس في متع الدنيا.
فقد يحصل الإنسان على كفايته ومطلوبه في الدنيا، فيجد رزقه ويتيسر له قوته وقوت ولده وأهله، ويملك مسكنه، لكنه ينـزلق إلى الجمع والتكاثر؛ حبًا في التملك والاستئثار وطمعًا في الدنيا وحرصًا على متعها.
ومن التكاثر بالمال: التكاثر والتفاخر بالدور وأثاثها وزينتها، والمزارع والضياع، والسيارات، والهواتف المحمولة وأنواع الكماليات التي أصبحت من سمات هذا العصر، وأضحت المفاخرة بها واضحة للعيان، وتعدت الضرورة والحاجة إلى الكماليات بل إلى السرف المذموم، ويخشى أن يدخل ذلك في الأشر والبطر والظلم والكبر، ويخشى على الناس أن يسلبوا ما أنعم الله به عليهم بسبب سوء استخدام هذه النعم.
ولعل من أسباب التكاثر في المال والتنافس في جمعه والسعي في تكثيره، كونه من أسباب السعادة الدنيوية العاجلة؛ إذ به يتحصل الإنسان على ما يريده فيها. ومن الأسباب كذلك اعتبار كثرة المال معيارًا للأفضلية ودليلًا على الخيرية في مقاييس البشر المغلوطة.
وقد ضرب الله تعالى في كتابه الكريم أمثالًا، وقص قصصًا، وحكى أخبارًا عمن اغتر بماله وكثرته، وظن أنه دليل على الخير، وحب الله تعالى له، ووافر حظه في الدنيا والآخرة، وكيف كانت عاقبة أمره في الدنيا مع ما له في الآخرة من جزاء؟!
فحكى سبحانه عن بني إسرائيل اعتراضهم أن يكون طالوت ملكًا وقائدًا حربيًا فقال: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [البقرة:٢٤٧].
فتوهموا أن الغنى والمال شرطٌ أساسي في الملك؛ ولأنه كان فقيرًا لا مال له فإنه حسب زعمهم لا يستطيع الحكم83.
وفي سورة الكهف قص الله تعالى خبر صاحب الجنتين ومحاورته لصاحبه المؤمن حيث قال:(ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الكهف:٣٤].
وهذا غاية الجهل؛ لأنه افتخر بأمرٍ ليس فيه فضيلة ولا صفة تميزه عن صاحبه، فإن النعمة الحقيقية هي نعمة الإيمان والإسلام ولو مع قلة المال، أما ما عداها فهو معرض للزوال والبوار84؛ لذلك قال له صاحبه المؤمن:(ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الكهف:٣٧-٣٩].
وفي سورة مريم أخبر الله تعالى عن المكذبين بالبعث المنكرين للحياة بعد الموت فقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [مريم:٧٧].
فهذا الكافر جمع بين كفره بآيات الله تعالى ودعواه الكبيرة أنه سيؤتى في الآخرة مالًا وولدًا، أي يكون من أهل الجنة؛ لأنه كان صاحب مال في الدنيا، وهذا من أعجب الأمور85.
وفي موضع آخر يذكر الله تعالى اغترار الكفار فيقول عز وجل: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [سبأ:٣٥].
لما كان أولئك الكفار مترفون قد أنعم الله عليهم بفضله في الدنيا، عيروا المؤمنين الفقراء، وظنوا أن ذلك سبب لتميزهم وتفاخرهم، ودليلٌ على محبة الله لهم ورضاه عنهم، وعن ما هم عليه من الكفر، وقالوا: ما كان الله ليعطينا هذا في الدنيا، ثم يعذبنا في الآخرة 86.
فرد الله عليهم وأبان لهم خطأهم بقوله عز وجل: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) أي: إن الله يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب، فيغني من يشاء، ويفقر من يشاء، لا لمحبة لمن وسع عليه، ولا لبغض لمن ضيق عليه، وإنما له في ذلك حكمة تامة بالغة؛ ولأن الدنيا لا تساوي شيئًا في ميزان الله، كما قال صلى الله عليه وسلم:(لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء) 87 .
(ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) أي: إن أكثر الناس لا يعلمون حقيقة سنن الله في الكون، فقياس الدار الآخرة على الدار الأولى في مسألة الرزق غلطٌ بين، أو مغالطة واضحة، فقد يعطي الله العاصي والكافر استدراجًا وإمهالًا، ويمنع الطائع والمؤمن ابتلاءً واختبارًا؛ ليصبر فتكثر حسناته عند الله.
وبذلك يتبين أن ما يزعمه المترفون من أن مدار التوسعة هو الشرف والكرامة، ومدار التضييق هو الهوان والذل، لا حقيقة له ولا أصل في تقدير الله تعالى 88.
فهذه النظرة خطأ محض وقياس باطل؛ لأن الإمداد بالأموال - كما تقدم - غالبًا ما يكون للاستدراج، كما قال عزوجل:(ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [المؤمنون:٥٥-٥٦].
أي: أيظن هؤلاء المغرورون أن ما نعطيهم من الأموال والأولاد؛ لكرامتهم علينا ومعزتهم عندنا، أو دليل على أنهم من أهل الخير والسعادة وأن لهم خير الدنيا والآخرة ؟ كلا ليس الأمر كما يزعمون في قولهم: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [سبأ:٣٥].
لقد أخطؤوا في ظنهم، وخاب رجاؤهم، بل نفعل ذلك استدراجًا وإملاءً لهم؛ لهذا قال:(ﯶ ﯷ ﯸ) أي: لا يحسون أنما نفعل ذلك بهم استدراجًا وأخذًا بأيديهم إلى العذاب إن لم يتوبوا 89، كما قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ)[آل عمران: ١٧٨].
وقال عز وجل: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [القلم:٤٤-٤٥].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [التوبة:٥٥].
وقال سبحانه: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [التوبة:٨٥].
أي: لا تعجبك أموال الكفار وأهل النفاق، ولا أولادهم، ولا سائر نعم الله التي آتاهم، فإنما هي من أسباب المحن والآفات والعذاب عليهم. فأموالهم في الدنيا سبب لتعذيبهم، والمراد بالعذاب هنا ما ينالهم من المشقة في تحصيلها والسعي الشديد في جمعها، حيث يتعبون في ذلك، ويصحبهم الهم والقلق والخوف الشديد عليها، ثم هي في الآخرة عذابٌ عليهم، حيث يموتون على الكفر والنفاق الموجب لدخول النار 90.
والآيتان في التوبة مع تفاوت في بعض الألفاظ «وفائدة التكرار التأكيد والتحذير من الاشتغال بالأموال والأولاد، مرة بعد أخرى، بسبب شدة تعلق النفوس بها، حتى لا تحجب عن طلب ما هو أولى وهو الاشتغال للآخرة، فهي تحذيرٌ ونهيٌ صريح عن الاغترار بالأموال والأولاد »91.
وقد أبان سبحانه ميزان القربى عنده، والنجاة والأمن من عذابه وأنها ليست بكثرة المال، وإنما بالإيمان والعمل الصالح فقال سبحانه: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [سبأ:٣٧].
وقال عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران:١٠].
وقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [آل عمران:١١٦].
وقال عز وجل: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الشعراء:٨٨-٨٩].
فدل ذلك على أن المال لا ينفع صاحبه يوم القيامة ولو افتدى نفسه بملء الأرض ذهبًا إلا من آمن بالله وأحسن، واستعمله في طاعة الله تعالى، وأنفقه في سبيله.
وقد حكى سبحانه تحسر ذلك المغتر بماله يوم القيامة فقال:(ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ) [الحاقة:٢٨].
وقال سبحانه تنديدًا بالكافر:(ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)[الليل:١١] أي: إذا مات وهلك وسقط في جهنم.
وقال عز وجل عن أبي لهب: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [المسد:٢].
وخلاصة القول في ذلك:أن الكرامة والمكانة للعبد عند الله ليست بالمال وكثرته، بل بالإيمان والتقوى والعمل الصالح.
كسب المال بين المشروع والممنوع
أولًا: كسب المال المشروع:
الإنسان في هذه الحياة لا غنى له عن المال، الذي هو عصب الحياة وقوامها؛ لذلك نجد الإنسان يميل بطبعه وفطرته للكسب وحيازة المال وتحصيله، إذ يرى أن قوام حياته وتلبية حاجاته وتوفير قوته وقوت من يعوله متعلق بذلك، وبه يغني نفسه ويعفها عن السؤال والذل والحاجة.
وهذا الميل الفطري لا يدخل في الافتتان بالمال مادام أن الإنسان التزم العدل والحق في السعي لكسبه، ومادام أن تحصيله وفق ضوابط الشرع من الكسب الطيب الحلال، الذي ليس به اعتداء، ولا ظلم، ولا ضرر على الغير، ومادام أن المال عنده وسيلة لتحقيق غاية، وليس غاية يبذل كل وسيلة في سبيل الحصول عليه.
فالقرآن الكريم كما يحذر من الافتتان بالمال والالتهاء بجمعه وتكثيره وتحصيله، ويبين عاقبة من كانت هذه حاله، فإنه لا يرضى بالرهبنة والإعراض عن الدنيا وزينتها بالكلية ومن جملة ذلك المال .
يقول تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [القصص:٧٧].
والآيات التي وصفت المال بأنه (زينة) و(فتنة) وسبب للهو وما فيها من المفاضلة بين الدنيا والآخرة، والتنبيه على أن كل ذلك متاع الحياة الدنيا وما عند الله (الباقيات الصالحات) خيرٌ وأبقى أجرًا وثوابًا، إنما هي في المفاضلة بين المال الفاني الزائل بزوال الدنيا، وبين الأجر الثابت الباقي الدائم عند الله في الآخرة.
ويخطيء من يظن أن المفاضلة هنا بين كسب المال وترك كسبه وجمعه، فإن ذلك مخالف للفطرة والطبع البشري الإنساني، إنما المفاضلة بين تعظيم المال وتقديسه حتى يصبح عند صاحبه معبودًا، وبين من رعى حق الله تعالى فيه وابتغى رضاه وأنفقه في سبيله، وجعله طريقًا له إلى الجنة.
وليس في الآيات ما يدل على نبذ الدنيا ورفض العمل والكسب نفورًا من المال وإيثارًا لما عند الله، فهذا فهمٌ سقيم خاطئ يتناقض مع روح الإسلام وجمعه بين الدنيا والدين.
بل القرآن يقر جمع المال وتحصيله، ويشرع ويبين السبل الصحيحة في كسبه، ويدعو إلى التماس أبواب الرزق المتنوعة، ويبيح أنواعًا من الاكتساب، ويفتح أصنافًا من وسائل طلب الرزق، ويلفت النظر إلى ما في هذا الكون من منابع الثروات، ومصادر الخيرات، ويحثهم على الاستفادة منها واستغلالها .
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) واعلمهم أن الأرض بكل ما عليها خلقت لانتفاع الإنسان بها، وجعلت مجال عمله وكسبه بكل ثرواتها ظاهرًا وباطنًا.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الملك:١٥].
وحثهم سبحانه على ابتغاء فضله والضرب في الأرض طلبًا للرزق والتكسب.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [البقرة:١٩٨].
وقال سبحانه: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الجمعة:١٠].
قال الشوكاني: «(ﭫ ﭬ ﭭ) للتجارة والتصرف فيما تحتاجون إليه من أمر معاشكم (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) أي: من رزقه الذي يتفضل به على عباده بما يحصل لهم من الأرباح في المعاملات والمكاسب »92.
وفيه إباحة لطلب الرزق بالتجارة، يعني: اطلبوا الرزق من الله تعالى بالتجارة والكسب.
قال السعدي: «(ﭫ ﭬ ﭭ) لطلب المكاسب والتجارات »93.
وقال الزحيلي: «أباح لهم عقب الفراغ من الصلاة الانتشار في الأرض للتجارة والتصرف في الحوائج »94.
وقال عز وجل: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [المزمل:٢٠].
قال ابن كثير: «أي: مسافرون يبتغون من فضل الله في المكاسب والمتاجر »95.
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على الكسب فقال: (ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يديه وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)96.
وضرب الله تعالى الأمثلة على الكسب والعمل وطلب الرزق بأفضل الخلق وهم الأنبياء والرسل، فآدم كان فلاحًا يحرث الأرض ويزرعها، وإبراهيم الخليل كان بناءً، وقد بنى البيت، وإلياس كان نساجًا، وداود كان حدادًا يصنع الدروع، وموسى كان راعيًا للغنم، وعيسى كان يعمل بالطب، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم عمل في صغره برعي الغنم ثم في شبابه بالتجارة، فكل نبي كانت له حرفة يبتغي من خلالها فضل الله ورزقه؛ لأن من الدين أن يقوم الإنسان بأداء ما تتطلبه هذه الحياة من زراعة وصناعة وتجارة وحرفة ومهنة، بالطريقة التي يرشدنا إليها القرآن؛ لهذا نراه يأمر الناس باستخدام وسائل الإنتاج المتاحة لهم في جميع المجالات على هذه الأرض.
وكسب المال بالأوجه المشروعة والوسائل المباحة إما أن يكون عن طريق العمل والجد والكد كالتكسب بأنواع المهن والحرف من تجارة وزراعة وصناعة وصنوف المعاملات، وإما أن يكون تحصيلًا للمال وكسبًا له من غير عمل أو بذل جهد كالمال الذي يتحصل عليه الإنسان من وصية، أو هبةٍ، أو ميراث.
قال الحافظ ابن حجر في بيان معنى (الكسب الطيب) الوارد في بعض نصوص الحديث: «ومعنى (الكسب) المكسوب، والمراد به ما هو أعم، من تعاطي التكسب أو حصول المكسوب من غير تعاطٍ كالميراث، وكأنه ذكر الكسب؛ لأنه الغالب في تحصيل المال، والمراد بـ(الطيب) الحلال؛ لأنه صفة الكسب »97.
وقال في شرحه لـ(باب كسب الرجل وعمله بيده): «عطف العمل باليد على الكسب من عطف الخاص على العام؛ لأن الكسب أعم من أن يكون عملًا باليد أو بغيرها »98.
ثانيًا: كسب المال الممنوع:
كما فتح الله تعالى لعباده وسائل الكسب الحلال من أصناف المعاملات والحرف والمهن والمزاولات، وكما أمرهم بالسعي في الأرض وابتغاء فضله في شتى المجالات، وفصل لهم ما أحل لهم من الطيبات والتعاملات، فإنه كذلك بين لهم ما حرم عليهم من الكسب، حفاظًا على الأمة ووحدتها، وحمايةً لها من الفساد بأنواعه.
فإنَّ حبَّ الإنسان للمال إذا استشرى في النفس، وجاوز حده الطبيعي،انقلب من كونه غريزة وفطرة في الطبع البشري، ليكون مرضًا عضالًا؛ لأنه يصير المال غاية لا وسيلة، فيسلك كل طريق لتحصيله وجمعه وتكثيره، ويتفنن في وسائل كسبه، دون التفريق بين الحلال والحرام، بل يعتقد أنه متى حل المال بيده صار حلالًا، وقد يخوض في المعاملات المحرمة ووسائل الكسب الممنوعة والمشبوهة، كلُّ ذلك من أجل كسب المال
لذا فقد كشف القرآن العظيم عن المعاملات الممنوعة، وحرمها ونفر منها ورهب من تناولها، ومن الوسائل المحرمة في كسب المال وتحصيله التي جاء التحذير منها في القرآن ما يلي:
١. الربا.
ومعنى الربا في اللغة: مأخوذ من الزيادة99.
وفي الشرع: هو الزيادة في أشياء مخصوصة، والزيادة على الدَّيْنِ مقابل الأجل مطلقًا100 . ويطلق على شيئين: ربا الفضل وربا النسيئة 101.
وقد وردت عدة نصوص في القرآن الكريم تحذر من الربا، وتنهى عنه، بل غلظ الله تعالى في عقوبة هذا الكسب،والذي أفرط فيه كثير من الناس- وبخاصة في هذه العصور-حتى قل أن يسلم أحد من الربا أو غباره.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:٢٧٥-٢٧٦].
ثم قال: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة:٢٧٨-٢٧٩].
وقال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ)[آل عمران:١٣٠].
فهذا خبرٌ من الله تعالى عن أَكَلَةِ الربا وسوء حالهم ومآلهم وشدة منقلبهم، حيث إنهم يقومون من قبورهم لنشورهم، كالذي يصرعه الشيطان، فيقومون حيارى مضطرين، أحوالهم أحوال المجانين.
وقيل: المعنى: لما انسلبت عقولهم في طلب المكاسب الربوية خفت أحلامهم، وضعفت آراؤهم، وصاروا في هيئتهم كالمجانين.
ثم بين سبحانه شؤم الربا على صاحبه بأنه يمحق ويذهب بركة المال، فيكون سببًا في وقوع الآفات فيه ونزع البركة عنه، وفي مقابل ذلك تكون البركة والنماء والزيادة في المال الذي أخرجت منه الصدقات 102.
وبعد أَنْ بَيَّنَ الله تعالى لهم حال أَكَلَةِ الربا وعقابهم وأثره عليهم، خاطب أهل الإيمان، ونهاهم عن الربا؛ لأن الإيمان هو الوازع الأقوى والدافع الحقيقي للبعد عن كل ما حرمه الله تعالى.
فمن كان مؤمنًا وجب عليه الامتثال بالابتعاد عن الربا، فإنَّ أَكْلَ الربا والتعامل به دلالة عدم الإيمان.
وقد نَدَّدَ الله تعالى باليهود وبين عاقبة أمرهم لما استحلوا الربا فقال سبحانه:(ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النساء:١٦٠-١٦١].
وقد كان الربا منتشرًا بشكل كبير في الجاهلية، فجاء الإسلام وحرمه ومنعه، وكان التحذير الإلهي من التعامل به وأكله، وكذا حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه)103 .
واعتبره النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات كما في حديث: (اجتنبوا السبع الموبقات) وذكر منها: أكل الربا104.
فالربا أخبث الكسب وأكبر الكبائر، وأعظم الجرائم، يهلك الأموال قليلها وكثيرها، ويستوجب صاحبه اللعن ما لم يتب، وهو حرب لله ورسوله، كما في الآيات السابقة، وأين التوفيق والبركة والخير لمن حارب الله ورسوله ؟
ومع كل هذا التحريم والتهديد لآكل الربا والمتعامل به، فإن فئات من المسلمين قد تجرَّؤوا على حدود الله تعالى، وأكلوا الربا، وخالفوا أمر الله تعالى ورسوله الكريم، وكان للبنوك النصيب الأكبر في خوض الناس في هذا الكسب الباطل، بتضليلهم، وتنميق المسميات، وتزييفها، إضافةً إلى الإعلانات عبر وسائل الإعلام، تحت شعارات مضللة، وانتشار الأسهم والمساهمات المشبوهة، كل هذا مع جهود العلماء في التبيين والتعليم والتذكير والتحذير وإصدار الفتاوى.
لكن اللهث وراء المادة والمال، والتعلل بأتفه الأسباب، والانسياق خلف إعلانات البنوك والشركات والمساهمات، أوقع كثيرًا من الناس في الربا؛ فخالفوا أمر الله تعالى وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [النور:٦٣].
وقال عز وجل في المتعاملين بالربا: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النساء:١٤].
فكل من تعامل بالربا فقط عرض نفسه للوعيد والعقاب الشديد في الدنيا والآخرة، بل إن آكل الربا يعذب من وقت موته، كما في الحديث (رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة، فانطلقا حتى أتينا على نهر من دم، فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان، فقلت:ماهذا ؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا) 105.
٢. الرشوة.
والمقصود بها ما يعطي من مالٍ لإبطال حقٍّ أو لإحقاق باطل.
قال القرضاوي: «هي ما يدفع من مال إلى ذي سلطان، أو وظيفة عامة، ليحكم له أو على خصمه بما يريد هو، أو ينجز له عملًا أو يؤخر لغريمه عملًا» 106.
وقال الصنعاني: «الراشي هو الذي يبذل المال ليتوصل به إلى الباطل، مأخوذ من الرشا وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء في البئر»107.
وقد جاء في نصوص الشرع النهي عن الرشوة وأخذها وبيان عقوبة فاعلها.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)[البقرة:١٨٨].
جاء في معنى الإدلاء بها إلى الحكام أنه الدفع والإعطاء، أي: لا تعطوا الحكام وترشوهم بالأموال ليقضوا لكم بما هو أكثر منها، هذا المعنى على القول بأن مرجع الضمير في (ﮠ ﮡ) عائد على الأموال108. وفي الحديث: (لعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش) 109.
والراشي: دافع المال، والمرتشي: آخذه، والرائش: الذي يسعى بينهما. وكلهم في الذنب والعقوبة سواء.
والرشوة من وسائل أكل أموال الناس بالباطل، وقد أصحبت ديدنًا لكثير من الناس في هذا الزمان، نتيجة الفساد الإداري المالي الذي فشا في المجتمع، فصار البعض لا يتورع عن قبض الرشوة، ولا يتحرز من دفعها، وهذا من التهاون بكبيرة من كبائر الذنوب، وأكل للحرام والسحت الذي نهى الله عنه، قال ابن مسعود في تفسير (ﭓ ﭔ): «السحت أن يستعينك الرجل على مظلمة فيهدي لك، فإن أهدى لك فلا تقبل»110.
وكذا فسره ابن عباس وابن مسعود وقتادة ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير، بأن السحت: الرشوة111. وعند الراغب: «سميت الرشوة سحتًا »112.
٣. أكل أموال الناس بالباطل.
وهذا يعم كل كسب حرام، فكل ما أخذ بالباطل فهو حرام، فيدخل فيه ماتقدم من الربا والرشوة ويدخل فيه غيره من أبواب الكسب المحرم،الذي هوأكل لأموال الناس بالباطل.
وقد نهى الله تعالى عن أكل أموال الناس بالباطل في أكثر من موضع في كتابه العزيز.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [البقرة: ١٨٨].
قال الشوكاني في تفسير الآية: «هذا يعم جميع الأمة وجميع الأموال، لا يخرج عن ذلك إلا ما ورد دليل الشرع بأنه يجوز أخذه، فإنه مأخوذ بالحق لا بالباطل، ومأكول بالحل لا بالإثم، وإن كان صاحبه كارهًا كقضاء الدَّيْنِ إذا امتنع منه من هو عليه، وتسليم ما أوجبه الله من الزكاة ونحوها، ونفقة من أوجب الشرع نفقته . والحاصل أن ما لم يبح الشرع أخذه من مالكه فهو مأكول بالباطل، وإن طابت به نفس مالكه كمهر البغي وحلوان الكاهن وثمن الخمر.
وقوله: (ﮠ) المعنى: إنكم لا تجمعوا بين أكل أموال الناس بالباطل وبين الإدلاء بها إلى الحكام بالحجج الباطلة . وفي هذه الآية دليلٌ على أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام ولا يحرم الحلال، فمن حكم له القاضي بشيء مستندًا في حكمه إلى شهادة زور أو يمين فجور فلا يحل له أكله، فإن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، وكذا إذا أرشى الحاكم فحكم له بغير الحق فإنه من أكل أموال الناس بالباطل » 113.
قال القرطبي: «الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى:لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، فيدخل في هذا: القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق وما لا تطيب به نفس مالكه، أوحرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه كمهر البغي وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك»114. فتفسير (الباطل) على وجهين:
أحدهما: أن يأخذه من غير طيب نفسٍ من مالكه كالسرقة والغصب والخيانة.
والثاني: أن يأخذه بطيب نفسه كالقمار والغناء وثمن الخمر115.
وقال السعدي في تفسير الآية: «يدخل في ذلك أكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة أو عارية أو نحو ذلك، ويدخل فيه أيضًا أخذها على وجه المعاوضة بمعاوضة محرمة كعقود الربا والقمار كلها، فإنها من أكل المال بالباطل؛ لأنه ليس في مقابلة عوض مباح، ويدخل في ذلك أخذها بسبب غش في البيع والشراء ونحوها، ويدخل في ذلك استعمال الأجراء وأكل أجرتهم، وكذلك أخذهم أجرة على عمل لم يقوموا بواجبه، ويدخل في ذلك أخذ الأجرة على العبادات والقربات التي لا تصح حتى يقصد بها وجه الله تعالى، ويدخل في ذلك الأخذ من الزكوات والصدقات والأوقاف والوصايا لمن ليس له حقًٌ منها أو فوق حقه، فكل هذا ونحوه من أكل المال بالباطل، فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه، حتى ولو حصل فيه النزاع، والارتفاع إلى حاكم الشرع، وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة غلبت حجة المحقِّ، وحكم له الحاكم بذلك، فإن حكم الحاكم لا يبيح محرمًا ولا يُحِلُّ حرامًا»116.
وعليه فتناول الحرام محرم من أي وجه كان، سواء أكان رشوة أو سرقة أو ربا أو غلولًا أو قمارًا أو غصبًا، أو اختلاسًا من وراء وظيفة، أو قيمة شيء محرم أو أجرته، كثمن آلات اللهو والصور المحرمة والكتب والمجلات والصحف المشتملة على الإلحاد أو الخلاعة، وكثمن الخمر والدخان، وكالأجرة على الرقص والغناء والعزف، وعلى شهادة الزور، وما اقتطع بيمين كاذبة أو أخذ بغير حقًّ، وإن كان حكم به القاضي، إلى غير ذلك من طرق الكسب الحرام.
ومما ورد في النهي عن أكل أموال الناس بالباطل، قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النساء:٢٩].
وخص الله تعالى اليتيم بالنهي عن أكل ماله لضعفه، فقال عز وجل: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النساء:٦].
وفي التشنيع على آكل مال اليتيم يقول سبحانه: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء:١٠].
وفي الأمر بحفظ مال اليتيم وعدم التعرض له إلا بما فيه صلاحه ونفعه، يقول تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأنعام:١٥٢ والإسراء:٣٤].
وأكل أموال الناس بالباطل من صفات اليهود، فقد ذكر الله تعالى أن أكل الحرام من صفات اليهود المغضوب عليهم فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [المائدة:٤٢].
وقال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)[المائدة:٦٢].
وأخبر سبحانه أنه حرم على اليهود كثيرًا من الطيبات عقوبةً لهم على ظلمهم وإعتدائهم، وأكلهم أموال الناس بالباطل، فقال سبحانه: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)[النساء:١٦٠-١٦١].
قال شيخ الإسلام: «والأصل في ذلك أن الله حرم في كتابه أكل أموالنا بيننا بالباطل، وذم الأحبار والرهبان الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، وذم اليهود على أخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل، وهذا يعم كل ما يؤكل بالباطل في المعاوضات والتبرعات وما يؤخذ بغير رضا المستحق والاستحقاق، وأكل المال بالباطل في المعاوضة نوعان ذكرهما الله في كتابه: هما الربا والميسر، فذكر تحريم الربا الذي هو ضد الصدقة في آخر سورة البقرة وسورة آل عمران والروم والمدثر، وذم اليهود عليه في سورة النساء، وذكر تحريم الميسر في المائدة » 117.
وأكل أموال الناس بالباطل باب واسع، وصوره كثيرة ومتعددة ومما جاء التنبيه إليه في القرآن ما يلي:
إضافة لما ورد في السنة من بيانٍ للمعاملات المحرمة كالغصب والنهب والغش والاحتكار وأصناف البيوع التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فالتعامل بأحدها هو أكل لأموال الناس بالباطل.
من أعظم مميزات وسمات الدين الإسلامي:الوسطية، فهو يأمر بالوسطية والاعتدال، ويقيم جميع الأوامر والنواهي والتوجيهات والتشريعات على هذا المبدأ العظيم، فيأمر بالتوسط في كل أمر، وينبذ الإفراط أو التفريط، ويرشد إلى أقوم الطرق وأسدها وأعدلها في كل شؤون الحياة.
ومن ذلك أمره بالاعتدال في الإنفاق واتخاذ المنهج القويم بين الإسراف والتبذير والبخل والتقتير.
والناس في الإنفاق طرفان ووسط:
وقد جاءت آيات الكتاب العزيز تحذر من الضدين - الإسراف والبخل - وتأمر بالطريق الوسط المعتدل بينهما وتقرر سلامة هذا المنهج الشرعي وتؤيده .
فنهى عن البخل، وحذر من هذا المسلك، وبين انحراف هذا المنهج فقال سبحانه وتعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [آل عمران:١٨٠].
وقال عز وجل: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الحديد:٢٣-٢٤].
وقال مبينًا خصلة من خصال المنافقين: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [التوبة:٧٦].
وقال سبحانه: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [محمد:٣٨].
وقال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ) [الإسراء:١٠٠].
قال ابن كثير: «يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهم يا محمد لو أنكم أيها الناس تملكون التصرف في خزائن الله لأمسكتم خشية الإنفاق، قال ابن عباس وقتادة: أي: الفقر خشية أن تذهبوها، مع أنها لا تنفد ولا تفرغ أبدًا، لأن هذا من طباعكم وسجاياكم، ولهذا قال: (ﮥ ﮦ ﮧ) .
قال ابن عباس وقتادة: أي: بخيلًا مَنُوعًا، وقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) أي: لو أن لهم نصيبًا في ملك الله لما أعطوا أحدًا شيئًا ولا مقدار نقير »120.
وقال القرطبي في تفسير قوله:(ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ): «هذه الآية نزلت في البخل بالمال، والإنفاق في سبيل الله، وأداء الزكاة المفروضة » 121.
وكما جاءت الآيات محذرة من عاقبة البخل والتقتير، فقد جاءت ناهية عن الطرف المقابل وهو الإسراف والتبذير.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الاسراء:٢٦-٢٧].
وقال جل وعلا: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الانعام:١٤١].
وقال سبحانه: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الأعراف:٣١].
والإسراف: مجاوزة الحد في كل فعل يفعله الإنسان، وهو في الإنفاق أشهر 122.
وقد فسر التبذير بالإسراف، قال ابن منظور: «بَذَّرَ ماله أفسده وأنفقه في سرف، والتبذير: إفساد المال وإنفاقه في السرف والمُبَذِّرُ: المسرف في النفقة » 123.
قال ابن كثير: «التبذير إفساد المال وإنفاقه في السرف(ﯵ ﯶ ﯷ) نهى عن الإسراف » 124 .
وعلى ذلك فالتبذير والإسراف بمعنى واحد.
وفسر التبذير كذلك بإنفاق المال في غير حقِّه، من الإنفاق في المعاصي والمحرمات.
قال ابن جرير: «(ﯵ ﯶ ﯷ) لا تفرق يا محمد ما أعطاك الله من مالٍ في معصيته تفريقًا . قال قتادة: التبذير: النفقة في معصية الله، وفي غير الحق وفي الفساد»125.
وقال القرطبي: «التبذير: الإسراف في غير حق»126.
وقال القاسمي: «(ﯵ ﯶ ﯷ) أي: بوجه من الوجوه، بالإنفاق في محرم أو مكروه، أو على من لا يستحق، فتحسبه إحسانًا إلى نفسك أو إلى غيرك »127.
وعلى ذلك يكون التبذير مقيدًا بما كان في غير الحق، لذلك قال ابن جريج ومجاهد: «لو أنفق إنسان ماله كله في الحق ما كان تبذيرًا، ولو أنفق مدًّا في باطل كان تبذيرًا »128.
وقال الشافعي: «التبذير إنفاق المال في غير حقِّه، ولا تبذير في عمل الخير، وهذا قول الجمهور»129.
وعليه فالإنفاق في وجوه البر والخير،لاسيما الصدقة،لايدخل في باب الإسراف والتبذير المنهي عنه.
وكما نهى الله تعالى وحذر من الطرفين (الإسراف والبخل) فإنه سبحانه وتعالى وجه إلى طريق الاستقامة، وسبيل الوسط، ومنهج السلامة، فقال سبحانه في وصف أهل الإيمان: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الفرقان:٦٧].
قال ابن القيم «أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلًا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا »130.
وقال سبحانه في توجيهه لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ)[الاسراء:٢٩].
وفي بيان هذه الوسطية يقول الراغب: «الإنفاق ضربان: ممدوح ومذموم.
فالممدوح منه: ما يكسب صاحبه العدالة، وهو بذل ما أوجبت الشريعة بذله، كالصدقة المفروضة والإنفاق على العيال.
والمذموم ضربان: إفراط وهو التبذير والإسراف، وتفريط وهو التقتير والإمساك، وكلاهما يراعى فيه الكمية والكيفية.
فالأول: من جهة الكمية أن يعطي أكثر مما يحتمله حاله . ومن جهة الكيفية بأن يضيعه في غير موضعه.
أما الثاني: وهو التقتير فهو من جهة الكمية أن ينفق دون ما يحتمله حاله، ومن حيث الكيفية، أن يمنع من حيث يجب، ويضع حيث لا يجب»131.
أولًا: وجوه الإنفاق المشروع:
كما بين الله تعالى وأرشد إلى وجوه كسب المال المشروعة، وأمر بطلب الرزق، ووجه للكسب الطيب الحلال، ورتب عليه الأجر العظيم والثواب الجزيل، فإنه كذلك بين سبحانه وفصل في وجوه إنفاق هذا المال ونبه إلى أبواب الإنفاق المشروعة، وحث على البذل والعطاء في كل بابٍ من أبواب الصرف والإنفاق المحمودة والمشروعة، سواءً كانت الواجبة أو المندوبة . ومن وجوه الإنفاق المحمود والمشروع في القرآن الكريم ما يلي:
١. الإنفاق في الواجبات:
ومن ذلك:
أوجبها الله عزوجل في المال بشروطٍ معينة محددة، وجعلها ركن من أركان هذا الدين العظيم، وبين مصارفها ووجوه إنفاقها، وحدد المستحقين لها دون غيرهم من فئات المجتمع.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة:١٠٣].
قال السعدي: «(ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) وهي الزكاة المفروضة »132.
وقال عز وجل: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الذاريات:١٩].
وقال سبحانه: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [المعارج:٢٤-٢٥].
ذكر الله ذلك ضمن أوصاف أهل الإيمان، ووصفهم هنا بأداء الزكاة والبر والصلة، بجعل جزءٍ مقسومٍ ونصيب مفروض من أموالهم مقررًا لذوى الحاجات133.
وفي بيان مصارف الزكاة يقول سبحانه: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة:٦٠].
قال ابن قدامة: «فلا يجوز صرف الزكاة إلى غير من ذكر الله تعالى في الآية، من بناء المساجد والقناطر وإصلاح الطرق وما شابه ذلك من القرب التي لم يذكرها الله تعالى، لقوله:(ﮡ ﮢ) و(ﮡ) للحصر والإثبات، تثبت المذكور وتنفي ما عداه »134 .
لأن الإنسان مأمور بحفظ نفسه ووقايتها مما يتلفها أو يهلكها، وإنما يكون ذلك بالطعام والشراب والملبس وكل ما دعت له حاجة أو ضرورة تقتضيها حفظ النفس.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [النساء:٣٤].
وقال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الطلاق:٧].
فنفقة الزوجة واجبة على زوجها، وهي من آكد حقوقها عليه، فيلزمه توفير كل ما تحتاج إليه، سواءً كان موسرًا أو معسرًا، فيجب عليه نفقتها حتى ولو كانت غنية ذات مال.
قال القرطبي في تفسير آية الطلاق:«أي: لينفق الزوج على زوجته، وعلى ولده الصغير، على قدر وسعه، حتى يوسع عليهما إذا كان موسعًا عليه، ومن كان فقيرًا فعلى قدر ذلك»135.
ومما جاء في نفقة الزوجة والولد قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)[البقرة:٢٣٣].
إن كان الإنسان غنيًّا موسرًا قادرًا على الإنفاق، وكان ذوي قرابته فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به، فهنا تجب النفقة على المحتاجين إليها من قرابته كأصوله وفروعه، وإخوته وأخواته، ونحوهم .
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الإسراء: ٢٦].
والمعنى: «أعط أيها الإنسان المكلف القريبَ حقَّهُ، من صلة الرحم والود، والزيارة، وحسن المعاشرة، والنفقة إذا كان محتاجًا إليها»136.
٢. رد الحقوق إلى أصحابها.
ومن ذلك:
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [النساء:٢].
وقال سبحانه: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النساء:٦].
وقد أمر سبحانه بكتابة الدين صغيرًا كان أم كبيرًا إلى أجله، ودعا فيه للعدل، والتوثيق والإشهاد، حفاظًا على الحقوق، واثباتًا لها، لتيسير ردها لأصحابها متى حل الأجل وطالب صاحب المال بالدين . كما في آية المداينة .
[انظر: الدَين: كتابة الدين]
٣. الإنفاق في تلبية حاجات الإنسان وضروراته.
كالإنفاق في تحصين النفس وإعفافها.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [النساء:٢٤].
٤. الانفاق في المباحات.
كالعطايا والهدايا، وما يقتنيه الإنسان من كماليات زائدة على ضرورياته.
قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الروم:٣٩].
قال ابن كثير: «أي: من أعطى عطية يريد أن يرد الناس عليه أكثر مما أهدى لهم، فهذا لا ثواب له عند الله - بهذا فسره ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وعكرمة، ومحمد بن كعب، والشعبي - وهذا الصنيع مباح وإن كان لا ثواب فيه، إلا أنه نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، قاله الضحاك، واستدل بقوله: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [المدثر:٦].
أي: لا تُعْطِ العطاء تريد أكثر منه.
وقال ابن عباس: الربا رباءان، فربا لا يصح -يعنى: ربا البيع- وربا لا بأس به، وهو هدية الرجل يريد فضلها وأضعافها.ثم تلا هذه الآية:(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) »137.
فالإنفاق إذا كان في غير معصية فهو مباحٌ، ما تجنب الإسراف فيه، كالإنفاق على ملاذ النفس، فإنه إذا كان على وجه يليق بحال المنفق وقدره فهو مباح وليس بإسرف138.
وكذا إنفاق الإنسان على أصناف ما يحتاجه من غير الضرورات في الملبس والسكن والمركب، فإنه مباح مالم يصل حد الإسراف.
٤. الإنفاق في الجهاد في سبيل الله.
من أعظم وجوه الإنفاق المحمودة والممدوح فاعلها، الإنفاق على الجهاد في سبيل الله تعالى، نشرًا للدين، ودفاعًا عنه، وحمايةً وعونًا للمسلمين، ودحرًا للأعداء والمحتلين.
فالجهاد بالمال نوع من أنواع الجهاد المأمور بها شرعًا، وقد قرنه الله تعالى مع الجهاد بالنفس في القرآن الكريم، بل قدم ذكر المال على النفس في معظم الآيات.
ولعل من أسباب تقديم الجهاد بالأموال على الأنفس أن نفع الأموال متعدٍّ ومتنوع، بخلاف الجهاد بالنفس، فإن نفعه مقتصر على ذاته في الأعم والأغلب.
وكذا فإن كل إنسان باستطاعته الجهاد بماله بقدر طاقته، وليس كل إنسان قادرًا على الجهاد بالنفس، كما أن المجاهد لا يتمكن من الجهاد بالنفس مالم يتوفر له المال الذي يعد به نفسه ويشتري به سلاحه، ولعل ذلك من أسباب تقديم المال على النفس في آيات الجهاد.
والجهاد بالمال هو التجارة الرابحة مع الله تعالى في ميدان الأعمال الصالحة التي تقرب إلى رضوان الله، وتكون سببًا للنجاة من العذاب.
قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [التوبة:١١١].
وقال سبحانه: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الصف:١٠-١١].
قال الشوكاني: «جعل العمل المذكور بمنزلة التجارة؛ لأنهم يربحون فيه كما يربحون فيها، وذلك بدخولهم الجنة ونجاتهم من النار »139.
وصفة أهل الإيمان المبادرة إلى بذل أموالهم في الجهاد لا التردد أو الشك أو الحيرة الذي هو سلوك أهل النفاق.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [التوبة:٤٤-٤٥].
وقال سبحانه: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)[الحجرات:١٥].
وقد فاضل الله تعالى بين القاعد والمجاهد بماله ونفسه، وفارق بينهما في الدرجات، وقرر عدم المساواة بينهما.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [النساء:٩٥].
وقال سبحانه: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [التوبة:٢٠].
فصاحب الضرر والعذر لما عجز عن الجهاد بالنفس فتح الله تعالى له باب الجهاد بالمال، وفي هذا فرصة لكل مسلم وسع الله عليه في الرزق، ولا يمكنه الجهاد بالنفس - لأي سببٍ من الأسباب - أن ينال ثواب الجهاد وشرفه، بماله وإنفاقه على الجهاد، سواءً في تجهيز الغزاه والمجاهدين، أو توفير العدد والآلات وما يحتاج إليه من سلاح، أو بقيامه على مصالح أهل المجاهد فيخلفه في أهله . وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا)140.
ويتأكد شرف وفضل الجهاد بالمال حال الشدة والضيق والحاجة، كما هو حاصل اليوم للمسلمين في فلسطين وبلاد الشام، فالإنفاق هذا الوقت أعظم درجةً من الإنفاق في أوقات أخرى، لأنه وقت حاجة، كما كان الإنفاق قبل فتح مكة وقت حاجة الأمة وضرورتها أعظم من الإنفاق بعد الفتح والتمكين، وفي كلٍ خير.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الحديد:١٠].
والجهاد بالمال في هذه الأيام من أعظم الأعمال، لا سيما مع تسلط أعداء المسلمين عليهم، وجهودهم في التضييق على أهل الإسلام بالحصار، والمصادرة، وإتلاف المزارع، وهدم البيوت، والاعتقال، والقتل. كما هو واقع في كثير من بلاد الإسلام اليوم.
فالواجب على المسلمين تجاه إخوانهم المجاهدين في كل مكان، البذل والعطاء والإنفاق قدر المستطاع، وقد تيسر اليوم بفضل الله تعالى الجهاد بالمال لكل من يريد، عن طريق الجمعيات والهيئات والمؤسسات الحكومية والخيرية، إضافةً إلى الحملات التي تقوم بها تلك الجهات المعتمدة، وعلينا الثقة بمؤسساتنا وجمعياتنا وهيئاتنا، وعدم الانسياق أو تصديق ما يثار من شبهات أو تشكيكٍ أو شائعات حول عدم وصول هذه الأموال لمستحقيها؛ لأن هذا من إرجاف أهل النفاق.
فالواجب الإنفاق وابتغاء الأجر والثواب من الله، وتأمل حصول الفلاح الذي جعل الله تعالى أحد أسبابه الجهاد بالمال.
قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [التوبة:٨٨].
ويتحقق بجهاد المال معنى التكافل والتعاون والولاء لأهل الإيمان، والتضامن بين المسلمين ضد أعدائهم، فتتقارب قلوبهم وإن تباعدت بينهم المسافات.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأنفال:٧٢].
ولأهمية الجهاد بالمال - إضافةً على تقديمه على جهاد النفس في أكثر المواضع - فإن كل آية ورد فيها الحث على الإنفاق في سبيل الله عامة، يكون الإنفاق على الجهاد من أوائل ما تشمله الآيات وتدل عليه، كما في قوله تعالى: (ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة:٢٦١].
قال مكحول: «يعنى به الإنفاق في الجهاد من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك »141.
وقال الطبري: «مثل الذين ينفقون أموالهم على أنفسهم في جهاد أعداء الله بأنفسهم وأموالهم»142.
بل جعل الإنفاق على الجهاد، أحد مصارف الزكاة الثمانية، لأهميته وعظيم أثره.
قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة:٦٠].
قال السعدي: « (ﮬ ﮭ ﮮ) الغازي في سبيل الله، وهم: الغزاة المتطوعة، الذين لا ديوان لهم، فيعطون من الزكاة ما يعينهم على غزوهم، من ثمن سلاح أو دابة، أو نفقة له ولعياله، ليتوفر على الجهاد ويطمئن قلبه » 143.
وقال الزحيلي: «(ﮬ ﮭ ﮮ): هم في رأي الجمهور الغزاة المجاهدون الذين لا حق لهم في ديوان الجند، يعطون ما ينفقون في غزوهم، كانوا أغنياء أو فقراء، لأن السبيل عند الإطلاق الغزو، وهو المستعمل في القرآن والسنة 144»
٦. الإنفاق في وجوه الخير المتنوعة:
من وجوه الإنفاق المشروعة، والتي دعا إليها القرآن العظيم وحث على البذل في سبيلها، الإنفاق في أنواع التطوعات والقربات وأبواب البر المتعددة.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)[البقرة:١٧٧].
دلت هذه الآية على أنواع البر كلها، كما قال الثوري145.
وفسر سبحانه البر بالإيمان والتصديق التام بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ثم ثنى بذكر الصدقة (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) أي:تصدق وأعطى من ماله مع حبه له تقربًا لله تعالى وطلبًا لرضاه عزوجل . ومن إيتاء المال على حبه، أن يتصدق وهو صحيح شحيح، يأمل الغنى ويخشى الفقر، وكذلك إذا كانت الصدقة عن قلة، كانت أفضل، لأنه في هذه الحال، يحب إمساكه، لما يتوهمه من العدم والفقر 146.
كما في الحديث: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم ؟ قال:(أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى)147.
وكذلك إخراج النفيس من المال يعتبر من إيتاء المال على حبه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [آل عمران:٩٢].
وقال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الإنسان:٨-٩].
ثم ذكر سبحانه أصنافًا ممن ينفق عليهم، فذكر الأقارب وهم أولى الناس بالبر والإحسان، ثم (اليتامى) وهم من لا كاسب لهم ممن فقد أباه، ولا قوة له يستغني بها، فمن رحمة الله تعالى بعباده أن أوصى عباده بالإحسان إليهم، ثم (المساكين) الذين أذلهم الفقر، فلهم حقٌّ على الأغنياء بما يخفف عنهم هذه المسكنة، ثم ذكر (ابن السبيل) وهو الغريب المنقطع، في غير بلده، فحث الله على إعطائه من المال، ما يعينه على سفره، وييسر عليه حياته في غربته، (والسائلين) الذين تعرض لهم حاجة من الحوائج، توجب السؤال . ويدخل فيه من يسأل لتعمير المصالح العامة كالمساجد والمدارس، فهذا له حق، وإن كان غنيًا، (وفي الرقاب) يدخل فيه العتق والإعانة عليه، وفداء الأسرى عند الكفار أو الظلمة148.
ومثل ذلك ما جاء في آية المكاتبة: (ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [النور: ٣٣].
وفيه حثٌّ للناس على الإنفاق والبذل للملوك بما يعينه على عتق رقبته، يستوي في ذلك مولاه ومن سواه من الناس، ولهذا جعل سبحانه للمكاتبين (الرقاب) نصيبًا مفروضًا من الزكاة.
فاشتملت الآية على أبواب البر، ونبهت على أصنافٍ ممن تدفع إليهم الصدقات، وينجم عن الإحسان إليهم خيرات ومصالح عظيمة.
وقد رغب سبحانه وتعالى في الإنفاق في سبيل الله تعالى، وضرب لذلك مثلًا يشوق النفوس للبذل والعطاء، ويدفعها للتصدق بسخاء، في تمثيل بديع يصف ثواب المتصدق وعظم أجره .
قال تعالى: (ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [البقرة:٢٦١].
أي: ينفقون أموالهم في طاعة الله.
قال ابن كثير: «هذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف . قال سعيد بن جبير: في طاعة الله . وقال مكحول: يعنى به الجهاد، من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك . وهذا المثل أبلغ في النفوس، من ذكر عدد سبعمائة، فإن في هذا إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عزوجل لأصحابها، كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة»149.
وقال السعدي في تفسير الآية: «هذا بيانٌ للمضاعفة التي ذكرها الله في قوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ).
وهنا قال: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) أي: في طاعته ومرضاته، وأولاها إنفاقها في الجهاد في سبيله.
وهذا إحضار لصورة المضاعفة بهذا المثل، الذي كأن العبد يشاهده ببصره، فيشاهد المضاعفة ببصيرته، فيقوى شاهد الإيمان مع شاهد العيان، فتنقاد النفس مذعنةً للإنفاق،سامحة بها، مؤملة لهذه المضاعفة الجزيلة والمنة الجليلة (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) أي:بحسب حال المنفق وإخلاصه وصدقه، وبحسب حال النفقة وحلها ونفعها ووقوعها موقعها»150.
ثم ذكر سبحانه شرط الإنفاق المقبول وثوابه فقال عز وجل: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة:٢٦٢].
لما ذكر سبحانه في الآية السابقة الإنفاق في سبيل الله وفضله، بين في هذه الآية أن ذلك الثواب إنما هو لمن لا يتبع إنفاقه منًّا ولا أذى، لأن المن والأذى مبطلان للصدقة، وإنما على المرء أن يريد وجه الله تعالى وثوقه . والمن: هو ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها.
وهو من الكبائر، كما في الحديث، أن المنان أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم151.
والأذى: السب والتشكي، وهو أعم من المن، لأن المن جزء من الأذى، لَكِنْ نَصَّ عليه لكثرة وقوعه 152.
قال الطبري: «وإنما شرط ذلك في المنفق في سبيل الله، وأوجب الأجر لمن كان غير مانٍّ ولا مؤذٍ من أنفق عليه في سبيل الله؛ لأن النفقة التي هي في سبيل الله: ما ابتغى به وجه الله وطلب به ما عنده»153.
ثم عقب الله تعالى بقوله: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة:٢٦٣].
فقرر سبحانه أن القول الطيب والكلمة بالمعروف،والمغفرة،خيرٌ وأفضل من تلك الصدقة المتبوعة بالمن والأذى، وتنفيرًا من ذلك الفعل - المن والأذى - شبه الله تعالى بعض المتصدقين الذين يتصدقون طلبًا للثواب ويعقبون صدقاتهم بالمن والأذى، بالمنفقين الكافرين الذين ينفقون أموالهم لا يطلبون من إنفاقها إلا الرياء والمدحة، إذ هم لا يتطلبون أجر الآخرة، فقال عزوجل: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [البقرة:٢٦٤].
ثم ضرب الله تعالى مثلًا رائعًا، للمنفق المبتغي بإنفاقه وجه الله تعالى وثوابه الجزيل، فقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة:٢٦٥ ].
ثم عقب بمثلٍ آخر،فيه تمثيل لنهاية المن والأذى، وكيف يمحق الله آثار الصدقة المتبوعة بالمن والأذى محقًا في وقت لا يملك صاحبها قوةً ولا عونًا، ولا يستطيع لذلك المحق دفعًا ولا منعًا، فقال تعالى:(ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [البقرة:٢٦٦].
وقد امتدح الله تعالى أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأثنى عليه بقوله: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)[الليل:١٧-٢١].
أي: ينفق ويطلب بإنفاقه تزكيه نفسه، وتطهيرها من العيوب والذنوب،قاصدًا بذلك وجه الله تعالى،مبتغيًا رضاه 154.
والإنفاق في سبيل الله باب واسع يدخل فيه عموم الإحسان والصدقات والمعونات والمساعدات التي تقدم، سواءً للأفراد من ذوي القربى وغيرهم، أو للمؤسسات والهيئات والجمعيات، كتلك التي تهتم بكفالة الأيتام، أو الأرامل، أو تقوم على تحفيظ القرآن، أو تدعم مشاريع الخير من الإسكان وحفر الآبار، وبناء المساجد، وإنشاء المدارس، أو إغاثة المحتاجين سواءً داخل البلاد أو خارجها.
وقد تيسر بفضل الله تعالى للإنسان الإنفاق في جميع وجوه الخير، بوجود المكاتب التوعوية لتلك الهيئات والمؤسسات المعتمدة، والتي تقوم على استلام الأموال وإيصالها إلى أصحابها ومن ينتفع بها، لا سيما في مواسم الخير كشهر رمضان وموسم الحج، كذلك الحسابات البنكية المعلنة لتلك الجمعيات أو الهيئات أو الجهات، مما ييسر على الإنسان البذل والعطاء في أبواب البر المتعددة.
فلم يبق للإنسان إلا نفس راضية سخية تبذل في سبيل الله، وتبتغي فضله، وتطلب ثوابه، وتقصد وجهه الكريم.
وأبواب إنفاق المال في الخير كثيرة، وكلما كان الإنفاق أنفع لعمومه، أو شدة الحاجة إليه، أو جلبه لمصالح أخرى، كان أفضل وأجدى.
ثانيًا: ثمرات الإنفاق المشروع:
أولًا: وجوه الإنفاق الممنوع:
كما بين الله تعالى وجوه الكسب الممنوعة، وحرم كل كسبٍ خبيثٍ ونهى عن تحصيل المال وجمعه بطريقة من الطرق المذمومة التي سبق بيانها، فإنه كذلك نبه عباده إلى وجوه من الإنفاق محظورة، ومصارف للمال ممنوعة، وأبواب من الدفع محرمة وغير مشروعة، حفاظًا على هذا المال، وحتى لا يكون المال - وإن كان من كسب حلال - سببًا في حصول الوزر والإثم، بإنفاقه فيما لا ينبغي . ومن وجوه صرف المال وبذله الممنوعة ما يأتي:
تقدم الأمر بإخلاص النية في الإنفاق لله تعالى، وقد ضرب الله تعالى مثلًا بمن ينفق ماله طلبًا للمحامد فقال عز وجل: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [البقرة:٢٦٤].
في الآية تشبيه بعض المتصدقين الذين يتصدقون طلبًا للثواب، غير أنهم يتبعون صدقاتهم بالمن والأذى، بالمنفقين المرائين الذي ينفقون أموالهم لا يطلبون من إنفاقها إلا السمعة والرياء والمفاخرة بين الناس . ثم شبه تعالى من أنفق ماله رياءً - وهو المقصود هنا - بالحجر الذي لا خصب فيه ولا ليونة، يغطيه تراب خفيف يحجب قسوته عن العين، فإذا نزل مطر غزير على هذا الحجر، ذهب بالتراب، وانكشفت حقيقته وظهرت قسوته ولم ينبت زرعه، ولم يثمر ثمره، فكذلك القلب الذي أنفق طلبًا للظهور بين الخلق، فإن إنفاقه هذا لا يثمر خيرًا، ولا يكسبه أجرًا؛ لأنه يذهب ويضحمل عند الله وإن ظهر له عمل فيما يرى الناس، كالتراب.
ولا شك أن من عمل عملًا مما يراد به الله تعالى والدار الآخرة، وقصد به الدنيا فلا شك أن عمله باطل مردود، وسعيه غير مشكور، لأن شرط العمل أن يكون لله تعالى وحده، فالمرائي في الحقيقة كان عمله للناس، وقصده المدح والشهرة بالخصال والصفات الجميلة، ليشكر بين الناس، ويمدح، فيقال: هو كريم، مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى، لهذا قال عزوجل:(ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)157.
فالإنفاق في وجوه الخير والبذل والإحسان إن خالطه الرياء وطلب الحمد والمدح والثناء والظهور عند الناس، فإنه لا أجر لصاحبه فيما أنفق ولا ثواب، لأن الرياء مبطل للعمل . والواجب الإنفاق لله تعالى وابتغاء فضله ورضاه، حتى تقبل النفقة ويجزى عليها بالأجر العظيم في الآخرة.
ومما يشاهد من حال الناس اليوم الإنفاق بإسرافٍ وترف ومخيلة، في المناسبات والاجتماعات، بل والتكلف أحيانًا فوق الطاقة والسعة، كل ذلك مراءةً واستجلابًا للمدح والثناء من الناس.
وليعلم مَنْ هذه حاله، أنه مهما عمل فإنه لن ينال رضا جميع الناس ومدحهم، بل سيجد من ينتقده وينتقص ويعيب فعله . وليعلم أنه لو أثنى عليه أهل الأرض جميعًا، فإن ذلك لن يقربه من الله تعالى إذا كان هو بعيدًا بعمله ونيته وقصده.
فالمرائي خاسر في الدنيا والآخرة؛ لأنه لا يستطيع إرضاء جميع الناس في الدنيا، ثم في الآخرة لا يجد له عمل عند الله تعالى مهما بذل من ماله وأعطى؛ لأن ذلك الرياء أحبط العمل وأذهب فضله.
أخبر الله تعالى عن الكفار بأن دأبهم وديدنهم الإنفاق المستمر للصد عن سبيل الله تعالى.
قال عز وجل: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأنفال:٣٦].
والمعنى: «إن الذين كفروا ينفقون أموالهم لا في وجوه الخير، وإنما ينفقونها ليصدوا عن سبيل الله، أي: ينفقونها ليمنعوا الناس عن الدخول في الدين الذي يوصلهم إلى رضا الله وإلى طريقه القويم »158.
وفي هذا بيان لعداوة الكفار وكيدهم ومكرهم، ومبارزتهم لله ولرسوله، وسعيهم في إطفاء نوره، وإخماد كلمته، فهم ينفقون أعز الأشياء لديهم للصد عن الإسلام، وهذه صفة في جميع الكفار في كل عصر وزمان، فإنفاقهم حصل في الماضي، ويحصل في الحال والاستقبال، ولذلك جاء التعبير بصيغة المضارع (ﭺ)159.
والآية وإن كانت في الكفار، وكان لها سبب نزول خاص، إلا أنها عامة في كل من يبذل ماله للصد عن دين الله، أو في تأييد الباطل ومعارضة الحق160.
ثم قال سبحانه: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) أي: سيفعلون ذلك ثم تذهب أموالهم ندامة عليهم، حيث لم يجدوا شيئًا، لأنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق، والله متم نوره ولو كره الكافرون، ومظهر دينه على كل دين، فهذا الخزي لهم في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب النار 161.
ولم يكن هذا حال أهل الكفر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فحسب، بل هو طريقة أهل الضلال في كل زمان، فقد قال سبحانه حكاية عن موسى في بيان حال فرعون وقومه: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [يونس:٨٨].
قال ابن جرير: «(ﯵ ﯶ ﯷ) بمعنى: ليضلوا الناس عن سبيلك، ويصدوهم عن دينك »162.
وقال السعدي: «المعنى: إن أموالهم لم يستعينوا بها إلا على الإضلال في سبيلك، فيضلون ويضلون » 163.
ويبقى هذا حال كل من أبغض الدين القويم، من الكفار والمنافقين وأشياعهم، فهم يبذلون من المال الكثير لهدم الدين، وتصديع أركانه وزلزلة ثوابته، وبث الشكوك والشبهات في نفوس أبنائه، فسينفقون أموالهم وتكون عليهم حسرة وندامة في الدنيا والآخرة.
والصد عن سبيل الله قد يكون عامًّا، وذلك بالصد عن الدين كلية - كما يفعل أهل الكفر - وقد يكون الصد جزئيًّا، وذلك بالصد عن بعض تشريعات الإسلام، ومحاربتها ومنعها، والتضييق على أهلها، كالحجاب والنقاب، والأذان وحلقات التحفيظ.
وبذل المال في ذلك بطريقٍ مباشرٍ أو غير مباشر، هو من الإنفاق الممنوع، كمن يتولى فتح القنوات الصارفة عن ذكر الله تعالى أو القادحة في دينه وشريعته، أو المخالفة لتعاليمه، وكذا الإعانة فيها بأي نوع من أنواع العون، ومثله بذل المال في إيجاد المقاهي والملاهي، والتي تمارس فيها كثير من المحرمات، إضافةً إلى صدها الناس عن ذكر الله وشغلهم عما يصلحهم في أمر دينهم ودنياهم.
ويلحق بهم من يستغل التقنية ووسائل التواصل الحديثة في الصد عن سبيل الله، بنشر الكذب أو البدع أو الضلال، أو الاستهزاء بالدين وشعائره وأهله المنتسبين إليه.
والواجب على أهل الإيمان بذل أموالهم في نشر الدين وخدمته، إزاء ما يبذله أعداء الدين على مختلف المستويات حكومات وهيئات ومؤسسات وأفراد، من أموال طائلة ومبالغ عظيمة للصد عن سبيل الله تعالى، ونشر الكفر والفساد، لا أن يكون أبناء الإسلام معاول هدم في بنائه العظيم، أو أيدٍ خفية يشاركون بأموالهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون في الصد عن سبيل الله.
ومهما تآمر المتأمرون، أو علت أصواتهم، أو ظهروا وغلبوا في بعض الأحيان، سيبقى الحقُّ ما بقى الليل والنهار، وسيتم الله نوره ولو كره الكافرون؛ لأن هذا هو وعد الله (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأنفال:٣٦].
وهذا يشمل دفع الأموال في تحصيل ما لا يحل من المحرمات، كما في المعاملات المحرمة التي نهى عنها الشارع الحكيم والبيوع الممنوعة كالربا، والرشوة فقد قال عزوجل: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [البقرة:١٨٨].
والإدلاء بالأموال للحكام هو دفعها لهم وإعطاؤهم إياها مقابل أن يحكموا للدافع ضد غريمه، وقد تقدم في الرشوة . وكذا دفع المقترض للزيادة، هو من الإنفاق في المحرمات لأنه ربا.
ومثله إنفاق الأموال أثمانًا للمحرمات، كدفع ثمن الخمر والدخان والمخدرات، والآت اللهو، واللعب المحرم كالقمار، أو المسابقات الممنوعة شرعًا، أو دعمًا لقنوات الشر والفساد.
بل إن التبذير المنهي عنه فسر بأنه ما كان نفقةً في المحرمات، ولو كان شيئًا يسيرًا . كما تقدم.
والإنفاق فيما حرم الله تعالى، دليل تسلط الشيطان على الإنسان.
قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الاسراء:٦٤].
ومشاركة إبليس للعباد في أموالهم هو ما يأمرهم به من إنفاقها في المعاصي والمحرمات 164.
قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الاسراء:٢٧].
«يعني: إن المفرقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشياطين»165.
فمن وجوه الإنفاق المذمومة والممنوعة الإنفاق في أصناف الشهوات، لا سيما المحرمة منها، فقد حكى الله تعالى عن الكافر تفاخره بإنفاق المال الكثير في سبيل تحصيل شهواته، فقال عزوجل: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [البلد:٦].
ومعنى (لبدًا): أي كثيرًا 166.
ففي قول الكافر تفاخر وتمدح بإتلاف المال في غير صلاح، وقد كان أهل الجاهلية يتبجحون بإتلاف المال ويعدونه منقبة، لإيذانه بقلة اكتراث صاحبه به 167.
قال السعدي:«سمى الله تعالى الإنفاق في الشهوات والمعاصي إهلاكًا، لأنه لا ينتفع المنفق بما أنفق، ولا يعود عليه من إنفاقه إلا الندم والخسارة والتعب والقلة، لا كمن أنفق في مرضاة الله في سبيل الخير، فإن هذا قد تاجر مع الله، وربح أضعاف ما أنفق»168.
وإنفاق المال في الشهوات - حتى وإن كانت مباحة - إذا بالغ فيه الإنسان وجاوز الحد كان ذلك من التبذير والإسراف المنهي عنه، قال القرطبي:«من أنفق ماله في الشهوات زائدًا على قدر الحاجات وعرضه بذلك للنفاد فهو مبذر »169.
وهو ضربٌ من إضاعة المال وإتلافه، وصرفه فيما لا نفع فيه غالبًا . وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، فقال: (إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا... .ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)170.
قال النووي: «وأما إضاعة المال فهو صرفه في غير وجوهه الشرعية، وتعريضه للتلف، وسبب النهي أنه إفساد، والله لا يحب المفسدين، ولأنه إذا ضاع ماله تعرض لما في أيدي الناس»171.
ومن إضاعة المال ما يبذله الناس اليوم من أموالٍ طائلة، ومبالغ كبيرة في سبيل حيازة المباحات والتفاخر والتنافس في نيل أعراض الدنيا، وأغراضها من مساكن ومراكب ومقتنيات وأجهزة واتصالات ولباس وأثاث ومناسبات، أو شراء ما لا يستفاد منه، أو إنفاق المال في السياحات والتنـزه والسفر، كل ذلك من الإنفاق في الشهوات التي تذهب المال ولا نفع فيها غالبًا للفرد ولا للمجتمع.
والواجب على المسلم حفظ ماله، بتنظيم استهلاكه والاعتدال في نفقته، وصرفه فيما ينبغي، والبعد عن مجالات تضييع الأموال، لأنه مما نهى عنه الشارع الحكيم وحذر من مغبته.
وقد نهى الله تعالى عن دفع الأموال للسفهاء فقال سبحانه: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النساء:٥].
فهذا نهيٌ للأولياء عن دفع الأموال لكل من لا يحسن التصرف في ماله؛ لعدم وضعف عقله كالمجنون والمعتوه، أو لصغر سنه وعدم رشده كالصغير وغير الراشد، فهؤلاء لا يحسنون حفظها والتصرف فيها والقيام عليها، فلا تدفع لهم إنما يبذل منها ما يتعلق بضروراتهم وحاجاتهم الدينية والدنيوية172.
والمتأمل في حال الناس اليوم، يرى مخالفة هذا التوجيه الإلهي وعدم المبالاة بالأموال، وبذلها لصغار السن ممن لا يدرك مصلحته، ولا يحسن التصرف في غالب شؤونه، فتترك الأموال في يده بلا حساب، ويدفع له دون تردد، وأكثر صرفه يكون فيما لا فائدة فيه ولا نفع منه، من البذل في الشهوات، والإسراف والتبذير في المقتنيات من سيارات وأجهزة وتجهيزات، وقد تكون سببًا في انحرافه ببذلها في المسكرات والمخدرات والدخان، فيكون ذلك المال وبالًا عليه وهلاكًا له.
ومثله دفع الأموال لمن لا تحسن التصرف والتدبير من النساء، أو توليتها على شؤون النفقة في البيت، فيدفع المال غالبًا فيما لا ينفع الأسرة، بل يضيع عليها أكثر منافعها.
والواجب حفظ المال، ومنع السفيه من التصرف فيه حتى لو كان ماله، ودفع ما يحتاج إليه في النفقة والكسوة وسائر متطلبات حياته من قبل وليه والقائم عليه . كما أرشدت إلى ذلك الآية الكريمة . قال ابن عباس في الآية:«لا تعمد إلى مالك وما خولك الله، وجعله معيشة، فتعطيه امرأتك أو بنيك، ثم تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه، وكن أنت الذي تنفق عليهم من كسوتهم ومؤنتهم ورزقهم173».
ثانيًا: عواقب الإنفاق الممنوع:
من خلال ما تقدم من وجوه الإنفاق غير المشروع، تتبين عواقب وآثارًا للإنفاق الممنوع ولعل أهمها:
موضوعات ذات صلة: |
الإسراف، الاقتصاد، الإنفاق، البخل، الجهاد، الدَّين، الزكاة، السعة، الشهادة، العطاء، الكسب |
1 لسان العرب، ابن منظور ١١/٦٣٥.
2 العناصر المكونة لصفة المالية عند الفقهاء، صالح بن عبد الله اللحيدان، مجلة البحوث الإسلامية، العدد ٧٣، ص١٦٧.
3 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٢٥٣.
4 النهاية في غريب الحديث والأثر ٤/٣٧٣.
5 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٤/٢٤.
6 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله إبراهيم جلغوم، ص ١٠٢٣-١٠٣٣.
7 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١١/٦٣٥.
8 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/١١٨.
9 انظر: لسان العرب ٥/١١٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٢١.
10 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٠٨.
11 انظر: جامع البيان ٣/٢٠١.
12 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٣٢.
13 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٣/٤٢٥.
14 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص١٨١، لسان العرب، ابن منظور ١/٣٩٤.
15 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٨١.
16 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٤/٢٢.
17 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ٤/٣٧٣.
18 انظر: مقاصد الشريعة المتعلقة بالمال، يوسف القرضاوي، ص ٥.
19 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٤/٢٤٩.
20 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٩/٢٩٩، رقم ١٧٧٦٣.
وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص١٢٧.
21 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب الدعاء بكثرة الولد مع البركة، رقم ٦٣٨٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب فضائل أنس بن مالك رضي الله عنه، رقم ٢٤٨٠.
22 أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا، كتاب اللباس، ووصله أحمد في مسنده، ١١/٢٩٤، رقم ٦٦٩٥.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٣٠، رقم ٤٥٠٥.
23 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستقراض، باب ما ينهى عن إضاعة المال، رقم ٢٤٠٨.
24 انظر: مقاصد الشريعة المتعلقة بالمال، القرضاوي ص ٨.
25 سبق تخريجه.
26 روح المعاني ٢/٩٦.
27 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٢٠١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/ ٢٣٢.
28 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢١.
29 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، ٨/٩٢، رقم ٦٤٣٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثًا، ٢/٧٢٥، رقم ١٠٤٩.
30 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب من بلغ ستين سنة، ٨/٩٠، رقم ٦٤٢١، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب كراهية الحرص على الدنيا، ٢/٧٢٥، رقم ١٠٤٧.
31 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٧/١٧١.
32 انظر: التحرير والتنوير ٣/١٨١.
33 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٢٠٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٣.
34 انظر: التحرير والتنوير ٣ /١٨٢.
35 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٤/٢٣.
36 انظر: التحرير والتنوير ٣/١٨٢.
37 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٤.
38 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٢٠٦.
39 انظر: الجامع لأحكام القرآن ١٠/٢٦٩.
40 انظر: محاسن التأويل ٥/٣٤.
41 انظر: التفسير المنير، ١٥/٢٦.
42 انظر: تفسير القرآن العظيم ١/٣٣٢.
43 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٠٢.
44 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٢٣٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٦٩.
45 انظر: جامع البيان ٦/٢٢٢.
46 انظر: تفسير القرآن العظيم ٢/٢٨٨.
47 انظر: فتح القدير ٢/٣٨٦.
48 انظر: محاسن التأويل ٤/٢٩.
49 انظر: تفسير السمرقندي ١/٢٢١.
50 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٩/١٥، رقم ١٧٤٧١.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٣٠، رقم ٢١٤٨.
51 انظر: فيض القدير ٢/٥٠٧.
52 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب ١٢، رقم ٤٠١٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، رقم ٢٩٦١.
53 شرح رياض الصالحين ٣/٣٦١.
54 انظر: تفسير المراغي ٩/١٩٦.
55 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٥٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤٠٥.
56 انظر: محاسن التأويل ٢/٤٢.
57 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٨/٣١٤.
58 انظر: المصدر السابق ٣٠/٣٩٩.
59 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٠١.
60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب، ما يتقى من فتنة المال، رقم ٦٤٣٥.
61 فتح الباري، ١٤/٣٠٦.
62 المصدر السابق ١٤/٣٠٧.
63 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة، باب في القيامة، ٤/١٩٠، رقم ٢٤١٦.
قال الترمذي: هذا حديث غريب.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٢٢٠، رقم ٧٢٩٩.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافًا مضاعفة)، ٣/٥٩، رقم ٣٠٨٣.
65 انظر: تيسير الكريم الرحمن ص١٤٣.
66 انظر: المصدر السابق ص٢٩٧.
67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب التعوذ من المأثم والمغرم، رقم ٦٣٦٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر، باب التعوذ من شر الفتن، رقم ٥٨٩.
68 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، رقم ٦٤٦٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الزهد، رقم ١٠٥٥.
69 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب الورع والتقوى، ٢/١٤١٠، رقم ٤٢١٧.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٤٠، رقم ٤٥٨٠.
70 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣٢/٧٢.
71 انظر: المصدر السابق ٣٢/٧٥.
72 انظر: بدائع التفسير، ابن القيم ٥/٣٠٧.
73 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٦٧٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/١١٥.
74 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/١١٥، فتح القدير، الشوكاني ٥/٦١٦.
75 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد، رقم ٢٩٥٨.
76 انظر: مفاتيح الغيب ٣٢/٧٤.
77 جامع البيان ١٢/٦٧٩.
78 انظر: بدائع التفسير ٥/٣٠٨.
79 انظر: تلبيس إبليس، ابن الجوزي ص٢٢١.
80 انظر: شرح صحيح مسلم ٧/١٢٥.
81 انظر: عدة الصابرين، ابن القيم ص١٩١.
82 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٦/٤١٤.
83 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٨٥، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٩، التفسير المنير، الزحيلي ٢/ ٤٢٢.
84 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٢٧.
85 انظر: المصدر السابق ص ٤٤٩.
86 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٢/١٩٥.
87 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب ما جاء في هوان الدينا على الله، ٤/١٣٨، رقم ٢٣٢٠، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا، ٢/١٣٧٦، رقم ٤١١٠.
قال الترمذي: حديث صحيح غريب من هذا الوجه.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٣٧، رقم ٥٢٩٢.
88 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٢٢/١٩٥.
89 انظر: المصدر السابق ١٨/٥٩.
90 انظر: المصدر السابق ١٠/٢٥٠.
91 انظر: المصدر السابق ١٠/٣٣٨.
92 انظر: فتح القدير ٥/٢٨٢.
93 انظر: تيسير الكريم الرحمن ص٨٠٠.
94 انظر: التفسير المنير ٢٨/٢٠٧.
95 انظر: تفسير القرآن العظيم ٤/٤٦٨.
96 أخرجه رواه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، رقم ٢٠٧٢.
97 انظر: فتح الباري ٣/٣٢٧.
98 انظر: المصدر السابق ٥/٣٨١.
99 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٤/٣٠٤، النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٢/١٩١.
100 انظر: الشرح الممتع، ابن عثيمين ٨/٣٨٧.
101 انظر: فتح القدير، ١/٢٩٤.
102 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٧.
103 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب لعن آكل الربا، ٣/١٢١٩، رقم ١٥٩٨.
104 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا)، رقم ٢٧٦٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم ١٤٥.
105 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب آكل الربا وشاهده وكاتبه، رقم ٢٠٨٥.
106 انظر: الحلال والحرام ص ٢٤.
107 انظر: سبل السلام شرح بلوغ المرام، الصنعاني، ٢/٤٣.
108 انظر: التفسير المنير ٢/ ١٦٥.
109 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٧/٨٥، رقم ٢٢٣٩٩.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ص٦٧٥، رقم ٤٦٨٤.
110 انظر: نيل الأوطار، الشوكاني ٤/١٧٢.
111 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/٥٧٩.
112 انظر: المفردات ص٢٢٥.
113 انظر: فتح القدير ١/٢٤٤.
114 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٢/٣٣٨.
115 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ١/١٨٨.
116 انظر: تيسير الكريم الرحمن ص٧٠.
117 انظر: القاعدة النورانية، القاعدة الثانية.
118 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٣٢/٣٣٧.
119 انظر: التفسيرالمنير، الزحيلي ٦/٢٩، ١٠/١٩١.
120 تفسير القرآن العظيم ٣/٦٥.
121 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/١٨٦.
122 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٣٠.
123 لسان العرب ٤/٥٠.
124 تفسير القرآن العظيم ٣/٣٦.
125 جامع البيان ٨/٦٨.
126 الجامع لأحكام القرآن ١٠/١٦١.
127 محاسن التأويل ٤/٥٨٥.
128 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٦٩.
129 انظر: الجامع لأحكام القرآن ١٠/١٦١.
130 انظر: بدائع التفسير ٣/٣٠٣.
131 انظر: المفردات ص٥٠٢.
132 تيسير الكريم الرحمن، ص ٣٠٨.
133 انظر: تفسير القرآن العظيم ٤/٤٢٢.
134 المغني ٤/١٢٥.
135 الجامع لأحكام القرآن ١٨/١١٢.
136 التفسير المنير، الزحيلي ١٥/٥٧.
137 تفسير القرآن العظيم ٣/٤١٩.
138 انظر: فتح الباري، ابن حجر ١٠/٤٢٢.
139 فتح القدير ٥/٢٧٥.
140 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب فضل من جهز غازيًا أو خلفه بخير، رقم ٢٨٤٣.ومسلم في صحيحه، كتاب الأمارة، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركب، وخلافته في أهله بخير، رقم ١٨٩٥.واللفظ له.
141 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٩٩.
142 جامع البيان ٣/٦١.
143 تيسير الكريم الرحمن ص٣٠١.
144 التفسير المنير ١٠/٢٧٣.
145 انظر: تفسير القرآن العظيم ١/١٩٧.
146 انظر: تيسير الكريم الرحمن ص٦٥.
147 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح، رقم ١٠٣٢.
148 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/١٩٧، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٥.
149 تفسير القرآن العظيم ١/٢٩٩.
150 تيسير الكريم الرحمن ص٩٤.
151 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب ٤٦، رقم ١٠٦.
152 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٣/٢٠٢.
153 جامع البيان ٣/٦٣.
154 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/٥٩، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٥٧.
155 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولوبشق تمرة، رقم ١٤١٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة، رقم ١٠١٦.
156 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الإيمان، باب ماجاء في حرمة الصلاة، رقم ٢٦١٦.
وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ٣/٤٢.
157 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٠١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٥.
158 تفسير الوسيط، طنطاوي ٦/٩٥.
159 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٨٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٣٤٠.
160 انظر: الوسيط، طنطاوي ٦/٩٦.
161 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٩٤.
162 جامع البيان ٦/٥٩٨.
163 تيسير الكريم الرحمن ص٣٢٨.
164 انظر: جامع البيان ٨/١٠٩.
165 المصدر السابق ٨/٦٩.
166 انظر: جامع البيان ١٢/٥٨٩.وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد.
167 انظر: التحرير والتنوير ٣٠/٣٥٢.
168 تيسير الكريم الرحمن ص٨٥٥.
169 الجامع لأحكام القرآن ١٠/١٦٢.
170 سبق تخريجه.
171 شرح صحيح مسلم ١٢/١١.
172 انظر: تيسير الكريم الرحمن ص١٣٠.
173 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٢٩.
174 جامع البيان ٨/٦٩.