عناصر الموضوع
لقمان
أولًا: اسمه ونسبه ولقبه:
اختلف المفسرون في اسم ونسب لقمان الحكيم على قولين كما يأتي:
القول الأول: هو: لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارخ، وهو آزر، وقيل: كان ابن أخت أيوب عليه السلام، وقيل: كان ابن خالته، وهذا ما ذهب إليه جمهور المفسرين، واعتمدوا في ذلك على ما ورد عن ابن إسحاق حيث قال: «وهو لقمان بن باعوراء ابن ناحور بن تارخ، وهو آزر أبو إبراهيم، وقال وهب: كان ابن أخت أيوب عليه السلام وقال مقاتل: ذكر أنه كان ابن خالة أيوب عليه السلام » 1.
وكذلك قال الإمام البيضاوي والخازن هو:«لقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارخ، وهو آزر، وقيل: كان ابن أخت أيوب عليه السلام، وقيل: كان ابن خالته، وقيل: إنه عاش حتى أدرك داود عليه السلام، وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعثه» 2.
القول الثاني: قال الإمام ابن كثير في البداية والنهاية: «هو لقمان بن عنقاء بن سدون، ويقال: لقمان بن ثاران، حكاه السهيلي عن ابن جرير والقتيبي، قال السهيلي: وكان نوبيا من أهل أيلة، قلت: وكان رجلا صالحا ذا عبادة وعبارة، وحكمة عظيمة، ويقال كان قاضيًا في زمن داود عليه السلام، فالله أعلم» 3.
وقال الإمام القرطبي: «وقيل: هو لقمان بن عنقاء بن سرون، وكان نوبيًا من أهل أيلة، ذكره السهيلي» 4.
واختلف المفسرون في اسم لقمان هل هو اسم عربي أم أعجمي؟ على قولين:
أحدهما: أنه اسم أعجمي، منع من الصرف للعجمة والعلمية، قال الفيروزآبادي: أنه اسم أعجمى ممنوع من الصرف، قيل: عبرانى، وقيل: سريانى 5.
وثانيهما: أنه اسم عربي، قال الإمام ابن عاشور:«ولقمان: اسم علم مادته مادة عربية، مشتق من اللقم، والأظهر أن العرب عربوه بلفظ قريب من ألفاظ لغتهم على عادتهم كما عربوا شاول باسم طالوت وهو ممنوع من الصرف لزيادة الألف والنون لا للعجمة والأول أولى» 6.
أما لقبه: فأثبت كثير من المفسرين للقمان لقب(الحكيم)، فيقال: لقمان الحكيم ورووا ذلك عن مجاهد وسعيد بن المسيب وغيرهم، وهذا اللقب مستمدًا من قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [لقمان:١٢]7، وسيأتي تفصيل ذلك.
ثانيًا: زمانه ومكانه:
أما زمانه: فلم تذكر المصادر الصحيحة زمان لقمان الحكيم الذي عاش فيه، ولكن اختلف المفسرون في زمان لقمان على قولين كما يأتي:
القول الأول: ذهب جمهور المفسرين إلى أن لقمان الحكيم عاش في زمن داود عليه السلام 8، قال الزمخشري: «وهو لقمان بن باعوراء ابن أخت أيوب أو ابن خالته، وقيل: كان من أولاد آزر، وأدركه داود عليه السلام وأخذ عنه العلم» 9.
وذكر الإمام ابن كثير عن مجاهد: «أن لقمان كان قاضيًا في بني إسرائيل في زمان داود عليه السلام، ولا يوجد ذكر ذلك في كتب الإسرائيليين» 10.
وقد ذكر أهل التاريخ: أن لقمان الحكيم كان في زمن داود عليه السلام11، وهذا يؤيد ما ذكره المفسرون.
القول الثاني: أنه كان فيما بين عيسى ومحمد عليهما السلام 12.
والقول الأول هو: الراجح الذي توافق عليه جمهور المفسرين والمؤرخين، وهذا ما تؤيده الأدلة الصحيحة، قال الإمام ابن حجر: «وفي المستدرك بإسناد صحيح عن أنس قال: كان لقمان عند داود عليه السلام وهو يسرد الدرع فجعل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله عن فائدته فتمنعه حكمته أن يسأل، وهذا صريح في أنه عاصر داود عليه السلام، وقد ذكره بن الجوزي في التلقيح بعد إبراهيم قبل إسماعيل وإسحاق والصحيح أنه كان في زمن داود، وقد أخرج الطبري وغيره عن مجاهد أنه كان قاضيًا على بني إسرائيل زمن داود عليه السلام .
وأغرب الواقدي فزعم أنه كان بين عيسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام، وشبهته ما حكاه أبو عبيدة البكري أنه كان عبدا لبني الحسحاس بن الأزد» 13.
وروى الحاكم عن أنس رضي الله عنه: (إن لقمان كان عند داود عليه السلام وهو يسرد الدرع فجعل يفتله هكذا بيده، فجعل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله ويمنعه حكمته أن يسأله، فلما فرغ منها صبها على نفسه فقال: نعم درع الحرب هذه، فقال لقمان: الصمت من الحكمة، وقليل فاعله كنت أردت أن أسألك فسكت حتى كفيتني)14.
وكذلك روى البيهقي عن أنس رضي الله عنه: (أن لقمان كان عند داود عليه السلام وهو يسرد الدرع، فجعل يفتله هكذا بيده، فجعل لقمان يتعجب ويريد أن يسأله فتمنعه حكمته أن يسأل، فلما فرغ منها ضمها على نفسه وقال: نعم درع الحرب هذه فقال لقمان: إن الصمت من الحكم، وقليل فاعله كنت أريد أن أسألك، فسكت حتى كفيتني)، هذا هو الصحيح عن أنس: (أن لقمان قال: الصمت حكم وقليل فاعله) 15، وبهذه الأدلة يترجح القول الأول.
وعلى هذا يمكن تقدير الزمن الذي عاش فيه لقمان عليه السلام بناءً على تقديرات المؤرخين وعلماء الآثار المعاصرين لزمن داود عليه السلام.
وعلى تلك التقديرات الحديثة لعلماء التاريخ والآثار المعاصرين: فإن لقمان الحكيم يمكن أن يكون عاش في القرن العاشر قبل الميلاد، وهذا بناء على ما تقدره المصادر الحديثة بأن داود عليه السلام عاش في القرن العاشر قبل الميلاد (١٠٠٠ -٩٦٠ ﻕ.ﻡ) 16.
وأما مكانه: فاختلف المفسرون في أصله، ومن أي البلاد هو؟ على ثلاثة أقول:
القول الأول: قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه وسعيد بن المسيب: كان لقمان أسود من سودان مصر، أي: أنه كان من أهل النوبة من سودان مصر- وهي بلدة تقع في محافظة (أسوان) بمصر - 17.
وقد روى الإمام ابن جرير عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول:«كان لقمان الحكيم أسود من سودان مصر» 18، وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس وسعيد بن المسيب رضي الله عنهم: «أن لقمان عليه السلام كان أسود من سودان مصر، ذا مشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة» 19.
القول الثاني: إنه كان عبدًا حبشيًا، قاله ابن عباس 20، وروى الإمام ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد أنه قال:«كان لقمان الحكيم عبدًا حبشيًا، غليظ الشفتين، مصفح القدمين21، قاضيًا على بني إسرائيل» 22.
القول الثالث: إن لقمان الحكيم كان من أهل أيلة 23، وهي: مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام، وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام، وتعرف اليوم باسم «العقبة» وهي ميناء المملكة الأردنية الهاشمية حاليًا 24.
والراجح: أن لقمان الحكيم من النوبة من سودان مصر؛ لكثرة الروايات الواردة في ذلك عند المفسرين 25.
واختلف المفسرون في لقمان أكان حرًا أو عبدًا؟ والأكثرون على أنه كان عبدًا 26.
واختلفوا أيضًا في مهنته على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه كان خياطًا بمصر، قاله سعيد بن المسيب.
الثاني: أنه كان راعيًا فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك فقال: ألست عبد بني فلان، الذي كنت ترعى بالأمس؟ قال بلى، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: قدر الله، وأدائي الأمانة، وصدق الحديث، وتركي ما لا يعنيني، قاله عبد الرحمن بن زيد بن جابر27.
الثالث: أنه كان نجارًا، فقال له سيده: اذبح لي شاة وأتني بأطيبها مضغتين، فأتاه باللسان والقلب فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين فسكت، ثم أمره فذبح له شاة ثم قال: ألق أخبثها مضغتين، فألقى اللسان والقلب فقال له: أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين، فأتيتني باللسان والقلب وأمرتك أن تلقي أخبثها مضغتين، فألقيت باللسان والقلب، فقال إنه ليس شيىء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا، قاله خالد الربعي 28.
لم يذكر ذكر لقمان الحكيم إلا مرتين، في سورةٍ سميت باسمه (سورة لقمان).
أولًا: صفات لقمان الخَلْقية:
روى الإمام ابن جرير، عن مجاهد قال: كان لقمان الحكيم عبدًا حبشيًا، غليظ الشفتين، مصفح القدمين 29.
قال الإمام الثعلبي والسمعاني قال سعيد بن المسيب: كان لقمان عبدا أسود عظيم الشفتين، متشقق القدمين 30.
وقال ابن كثير:«قال مجاهد: كان لقمان عبدًا أسود عظيم الشفتين، مشقق القدمين، وقال حكام بن سالم عن سعيد الزبيدي عن مجاهد: كان لقمان الحكيم عبدًا حبشيًا، غليظ الشفتين، مصفح القدمين» 31.
ثانيًا: صفات لقمان الخُلُقية:
فقد كان رجلًا مؤمنًا بالله، عابدًا شاكرًا له، آتاه الله الحكمة والعلم والفهم، وكان داعية ناصحًا حكيمًا صالحًا، قال الإمام ابن عاشور:«ولقمان اسم رجل حكيم صالح، وأكثر الروايات في شأنه التي يعضد بعضها وإن كانت أسانيدها ضعيفة تقتضي أنه كان من السود، فقيل: هو من بلاد النوبة، وقيل: من الحبشة» 32.
وفي الحقيقة أن ما هو مصرح به في القرآن هو اسمه لقمان فقط، وأما ما جاء من اختلاف في اسمه ونسبه وصفاته فليس عليه دليل من الكتاب أو السنة، فينبغي التوقف في ذلك؛ لأنه من مبهمات القرآن التي لم يقم عليها دليل، قال الألوسي بعد أن ساق هذه الاختلافات: «ولا وثوق لي بشيء من هذه الأخبار، وإنما نقلتها تأسيًا بمن نقلها من المفسرين الأخيار عن أني أختار أنه كان رجلًا صالحًا حكيمًا، ولم يكن نبيًا» 33.
ولم يفصل القرآن الحديث عن لقمان، وكل ما ذكره عنه أنه كان رجلًا مؤمنًا بالله، عابدًا شاكرًا له، آتاه الله الحكمة والعلم والفهم، وكان داعية ناصحًا، وكان له ولد، فقام بواجبه في نصحه وتوجيهه وتذكيره وتعليمه، وقال صلاح عبد الفتاح الخالدي: «ولم تضف مصادرنا الإسلامية اليقينية على ما ورد في القرآن عنه، ولذلك معظم ما يتعلق بقصته من مبهمات القرآن، التي لا نملك دليلًا على بيانها، فلا دليل على زمانه أو مكانه، ولا على القوم الذين كان يعيش معهم، ولا نعرف هل كان نبيًا أم مجرد مؤمن عالم حكيم، ولا نعرف من كلامه ومواعظه وحكمه إلا ما ورد في القرآن!.
وهذا معناه أن نتوقف في القول بما ورد عنه من أخبار وأقوال وحكم؛ لأنها من الإسرائيليات والروايات التي لم تثبت، فلا نصدقها ولا نكذبها ولا نرويها.
لم يصرح القرآن بنبوة لقمان، كما أنه لم ينف نبوته، وإنما سكت عنها، ولذلك لا نقول بنبوته؛ لأنه قد لا يكون نبيًا!! ولا ننفي عنه النبوة؛ لأنه قد يكون نبيًا، فالأسلم هو التوقف في هذا القول، والاعتراف بقصور العلم، فنحن لا نعلم إلا ما علمنا الله إياه، أو وفقنا إليه! » 34.
كان لقمان الحكيم عليه السلام من الحكماء الذين خلد الله تعالى ذكرهم في القرآن، وهذه الصفة تدل على مكانته وعظمته وشرفه وارتفاع منزلته، وهذا ما ذهب إليه جمهور المفسرين بأن الله سبحانه وتعالى آتاه الحكمة وهي الفقه والعقل والإصابة في القول من غير نبوة 35.
بل قد حكى بعض العلماء الاتفاق على أن لقمان كان حكيمًا ووليًا وصالحًا، ولم يكن نبيًا، قال الإمام البغوي: «واتفق العلماء على أنه كان حكيما ولم يكن نبيًا إلا عكرمة فإنه قال كان لقمان نبيًا وتفرد بهذا القول»36.
كما ذكر بعض المفسرين أن لقمان الحكيم كان قاضيًا في بني إسرائيل 37.
وقد سميت سورة القرآن الكريم باسمه، ووروده في كتاب الله، دليل على شرفه ومكانته ويرتبط اسمه بالحكمة في كل زمان ومكان، وبه تضرب الأمثال، قال الدكتور جواد علي: «ولقمان: شخصية ذكرت في القرآن، وفي القرآن الكريم سورة سميت باسمه، ووروده في كتاب الله دليل على وقوف الجاهليين بقصصه وشيوع خبره وأمره بينهم، ونجد في كتب التفسير والأدب والأخبار وكتب المعمرين قصصًا عنه، وقد عرف بـ لقمان الحكيم«وقد بحث عنه المستشرقون، وحاولوا تحليل القصص الوارد عنه وإرجاعه إلى أصوله، وقد بحث في ذلك المحدثون في مصر وفي غير مصر من البلاد العربية» 38.
وإن دلالة تسمية سورة (لقمان) باسمه يدل على عظمة ومكانة لقمان في القرآن، وقد ذكر في السورة مرتين، ويدل كذلك على الشرف والمكانة والتكريم عند الله تعالى والناس، وهذا التكريم والتشريف والمكانة العالية خالد بخلود القرآن الكريم.
سميت سورة لقمان به؛ لاشتمالها على قصته التي تضمنت فضيلة الحكمة، وسر معرفة الله تعالى وصفاته، وذم الشرك، والأمر بالأخلاق والأفعال الحميدة، والنهي عن الذميمة 39.
قال الإمام ابن عاشور: «سميت هذه السورة بإضافتها إلى لقمان؛ لأن فيها ذكر لقمان وحكمته وجملًا من حكمته التي أدب بها ابنه، وليس لها اسم غير هذا الاسم، وبهذا الاسم عرفت بين القراء والمفسرين، ولم أقف على تصريح به فيما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند مقبول» 40.
وقال الإمام ابن عاشور في تسمية السور: «واعلم أن أسماء السور إما أن تكون بأوصافها مثل الفاتحة وسورة الحمد، وإما أن تكون بالإضافة لشيء اختصت بذكره نحو سورة لقمان وسورة يوسف وسورة البقرة» 41.
وسورة لقمان سورة مكية كلها في قول جمهور المفسرين، واستثنى بعض المفسرين ثلاث آيات قال ابن عباس أولهن: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [لقمان:٢٧- ٢٩].
ومنهم من استثنى آيتين قال قتادة أولهما: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [لقمان:٢٧-٢٨]42.
إن حكمة لقمان عليه السلام مأثورة في أقواله الناطقة عن حقائق الأحوال والمقربة للخفيات بأحسن الأمثال، وقد عني بها أهل التربية وأهل الخير وتناقلها الحكماء والمؤرخون والعامة.
وذكر القرآن منها ما في هذه السورة: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [لقمان:١٢-١٩].
وقد ذكر الله الحكمة في مواضع كثيرة من كتابه مرادًا بها ما فيه صلاح النفوس، من النبوة والهدى والإرشاد، وقد كانت الحكمة تطلق عند العرب على الأقوال التي فيها إيقاظ للنفس ووصاية بالخير، وإخبار بتجارب السعادة والشقاوة، وكليات جامعة لجماع الآداب وذكر الله تعالى في كتابه حكمة لقمان ووصاياه في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [لقمان:١٢].الآيات 43.
وهناك حكم نسبت للقمان الحكيم غير ما ورد في القرآن ذكرها بعض المفسرين، والحكمة: المنطق الذي يتعظ به ويتنبه به، ويتناقله الناس لذلك» 44.
وقال الإمام السمعاني: «ومن حكم لقمان سوى ما ذكرنا ما روي أنه قال: لا مال كصحة البدن، ولا نعيم كطيب النفس. ومن حكمه أيضا أنه قال: أدب الوالد لولده كالسماد للزرع» 45.
وقال الألوسي: «ومن حكمته قوله لابنه: أي بني إن الدنيا بحر عميق، وقد غرق فيها ناس كثير فاجعل سفينتك فيها تقوى الله تعالى، وحشوها الإيمان وشراعها التوكل على الله تعالى؛ لعلك أن تنجو ولا أراك ناجيا، وقوله: من كان له من نفسه واعظ كان له من الله عز وجل حافظ، ومن أنصف الناس من نفسه زاده الله تعالى بذلك عزًا، والذل في طاعة الله تعالى أقرب من التعزز بالمعصية.
وقوله: ضرب الوالد لولده كالسماد للزرع. وقوله: يا بني إياك والدين فإنه ذل النهار وهم الليل. وقوله: يا بني ارج الله عز وجل رجاء لا يجرئك على معصيته تعالى، وخف الله سبحانه خوفا لا يؤيسك من رحمته تعالى شأنه.
وقوله: من كذب ذهب ماء وجهه، ومن ساء خلقه كثر غمه، ونقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم. وقوله: يا بني حملت الجندل والحديد وكل شيء ثقيل، فلم أجمل شيئًا هو أثقل من جار السوء، وذقت المرار فلم أذق شيئًا هو أمر من الفقر، يا بني لا ترسل رسولك جاهلًا فإن لم تجد حكيمًا فكن رسول نفسك، يا بني إياك والكذب فإنه شهي كلحم العصفور عما قليل يغلي صاحبه، يا بني احضر الجنائز ولا تحضر العرس فإن الجنائز تذكرك الآخرة والعرس يشهيك الدنيا، يا بني لا تأكل شبعا على شبع فإن إلقاءك إياه للكلب خير من أن تأكله، يا بني لا تكن حلوًا فتبلع ولا مرًا فتلفظ.
وقوله لابنه: لا يأكل طعامك إلا الأتقياء وشاور في أمرك العلماء، وقوله: لا خير في أن تتعلم ما لم تعلم، ولما تعمل بما قد علمت فإن مثل ذلك رجل احتطب حطبا فحمل حزمة، وذهب يحملها فعجز عنها فضم إليها أخرى.
وقوله: يا بني إذا أردت أن تؤاخي رجلًا فأغضبه قبل ذلك فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره، وقوله: لتكن كلمتك طيبة، وليكن وجهك بسطًا تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء.
وقوله: يا بني أنزل نفسك من صاحبك منزلة من لا حاجة له بك ولا بد لك منه، يا بني كن كمن لا يبتغي محمدة الناس، ولا يكسب ذمهم فنفسه منه في عناء، والناس منه في راحة، وقوله: يا بني امتنع بما يخرج من فيك فإنك ما سكت سالم، وإنما ينبغي لك من القول ما ينفعك، إلى غير ذلك مما لا يحصى» 46.
وقد أورد الإمام السيوطي كثيرًا من هذه الحكم في الدر المنثور في التفسير بالمأثور47، وكذلك الإمام ابن عاشور في التحرير والتنوير 48.
تمثل مواعظ لقمان لابنه منظومةً متكاملةً، تعالج جميع جوانب الحياة الإيمانية والعبادية والأخلاقية والسلوكية والإصلاحية، كما أنها تشتمل على معالم دعوية ترسم بعض ملامح منهج الدعوة التي يمكن أن يسير عليها الدعاة، وبيان ذلك فيما يلي:
أولًا: أنواع المواعظ:
إن مواعظ لقمان لابنه تتنوع إلى مواعظ إيمانية وعبادية وأخلاقية وسلوكية وإصلاحية، وقد جمع لقمان عليه السلام في هذه الموعظة أصول الشريعة وهي: الاعتقادات، والأعمال، وأدب المعاملة، وأدب النفس 49، ويمكن بيان ذلك في الفقرات الآتية:
١. المواعظ الإيمانية.
إن الوعظ هو نصح وتذكير الإنسان بالخير بما يلين قلبه من ثواب وعقاب، تقول: وعظته وعظا وعظة فاتعظ، أي قبل الموعظة، ويقال: السعيد من وعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره 50، والموعظة هي التذكرة للصواب والرشاد 51.
والوعظ زجر مقترن بتخويف.
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [النساء:٦٣]52.
أي: وعظهم بالزجر والإنكار وبالغ في وعظهم بالتخويف والإنذار، وقل لهم في أنفسهم قولا بليغًا، أي: مؤثرًا واصلًا إلى كنه المراد 53.
وتعتبر مواعظ لقمان لابنه مواعظ إيمانية في الجملة من حيث إنها تزيد في الإيمان، وتؤدي إلى التصديق المطلق بالله تعالى؛ ولأن الإيمان هو الأساس الذي تقوم عليه العبادات، فقد بدأ لقمان به لأنه المهم، وهو أول ما يبدأ به الواعظ الحكيم.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [لقمان:١٣].
وقد قال جمهور المفسرين: إن ابن لقمان كان مشركًا فلم يزل لقمان يعظه حتى آمن بالله وحده 54.
ثم بين له أن الشرك ظلم عظيم عند الله؛ لأن الله هو المحيي المميت الرازق المنعم وحده لا شريك له، فإذا أشرك به أحد غيره، فذلك أعظم الظلم؛ لأنه جعل النعمة لغير ربها.
وأصل الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه 55، وسماه ظلمًا؛ لأنه قد ظلم به نفسه، وليس شيء من الذنوب أعظم من الشرك بالله 56.
والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، من أشرك مع الله غيره فقد وضع الشيء في غير موضعه 57، وهذه الآية كقوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [يونس:١٠٦].
أي: ولا تدع من دون معبودك وخالقك شيئا لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة، ولا يضرك في دين ولا دنيا، يعني بذلك الآلهة والأصنام. يقول: لا تعبدها راجيا نفعها أو خائفا ضرها، فإنها لا تنفع ولا تضر فإن فعلت ذلك، فدعوتها من دون الله فإنك إذا من الظالمين من المشركين بالله الظالمي أنفسهم 58.
ولأن الشرك تسوية بين من لا نعمة إلا وهي منه ومن لا نعمة له أصلًا 59، ولأن الشرك أعظم الذنوب الموجب للعذاب والخلود في الجحيم.
قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [النساء:٤٨].
وقوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [النساء:١١٦].
وقوله سبحانه: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المائدة:٧٢].
ووجه كون الكفر والشرك ظلما، وهو أن الكافر والمشرك ظالم بذلك؛ لأن الظلم هو التعدي وتجاوز الحد، ونصر الباطل، ومجانبة الحق، وإخفاء الحقيقة، والمشرك ظالم بذلك، إن المشرك ظالم لنفسه لسيره في طريق الباطل والعذاب والنار وظالم للحقيقة لتجاوزه لها ومجانبته عنها، وظالم للمؤمنين؛ لأنه لم يكن معهم ناصر للحق محارب للباطل، وظالم للكافرين؛ لأنه كان قدوة لهم في الكفر، مساعدًا لهم على باطلهم، كل كفر ظلم وكل كافر مشرك ظالم، ولكن ليس كل ظلم كفرًا وشركًا؛ لأن القرآن قد يطلق الظلم على المعصية والذنب، فقد يكون المسلم ظالمًا لمعصيته وذنبه، ولكنه لا يكفر بمجرد ارتكاب المعصية والذنب 60.
واعتبرت الآية أن الشرك ظلم عظيم، وفسر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأنعام:٨٢].
فقد جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (لما نزلت: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [الأنعام:٨٢]. شق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟ قال: (ليس ذلك إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) 61.
ثم وعظه بمراقبة الله تعالى في أقواله وأعماله؛ لأنها وسيلة للإيمان وثمرة من ثمراته قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [لقمان:١٦].
وختم تلك الآية المصورة لعلم الله وقدرته باختيار اسمين من أسماء الله «إن الله لطيف خبير »وهو ختام يتناسق مع موضوع الآية، أي: إن الله لطيف، فعلمه شامل لكل لشيء، وهو نافذ في كل شيء، ولا يقف أمامه أي شيء، ولا يستعصي عليه أي شيء؛ لأنه علم لله المطلع على كل شيء وإن الله خبير، والخبير الذى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا تتحرك حركة إلا يعلم مستقرها ومستودعها.
والفرق بين العليم والخبير، أن الخبير بفيد العلم، ولكن العليم إذا كان للخفايا سمى خبيرًا .
ومن علم أن الله خبير بأحواله كان محترزًا في أقواله وأفعاله واثقًا أن ما قسم له يدركه، وما لم يقسم له لا يدركه فيرى جميع الحوادث من الله فتهون عليه الأمور 62.
كما وعظه بإقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على المصائب وفي ذلك يظهر أثر الإيمان.
قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [لقمان:١٧-١٩].
ثم بين له أن المرجع والمآب هو لله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [لقمان:١٥].
أي: واتبع سبيل المؤمنين في دينك ولا تتبع سبيلهما فيه- وإن كنت مأمورًا بحسن مصاحبتهما في الدنيا- ثم إلىَّ مرجعك ومرجعهما، فأجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما، ويجب على الإنسان في صحبتهما ومعاشرتهما: مراعاة حق الأبوة وتعظيمه، وما لهما من الواجب التي لا يسوغ الإخلال بها، ثم بين حكمهما وحالهما في الآخرة 63، بقوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [لقمان:١٥].
أي: إن إلي مصيركم ومعادكم بعد مماتكم، فأخبركم بجميع ما كنتم في الدنيا تعملون من خير وشر، ثم أجازيكم على أعمالكم، المحسن منكم بإحسانه والمسيء بإساءته 64.
٢. المواعظ العبادية:
لما كانت العبادة هي: «اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار، واليتيم، والمسكين، وابن السبيل، والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة.
وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف لعذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله تعالى»65.
فإن وصايا لقمان لابنه تتضمن معظم هذه المعاني الواردة في معنى العبادة بمفهومها الشامل، وعلى وجه الخصوص مايأتي:
وهذه الأمور كلها ذات أبعاد عبادية، فيصح أن تسمى عبادات، والمؤمن يعبد الله من خلال التزامه الأوامر مهما كان موضوعها، ويعبد الله من خلال اجتنابه المنهيات مهما كان موضوعها.
فإن أداء الأوامر عبادة لله، وإن ترك المحرمات عبادة لله؛ لأن العبادة شاملة لكل حياة المسلم في الشعائر التعبدية، وفي التشريعات والمعاملات، وفي الفضائل والأخلاق، وفي التعامل والصلات، وفي الخلق والسلوك إلى آخره 66.
٣. المواعظ الأخلاقية.
الخلق هو عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية، فإن كانت الهيئة بحيث تصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلًا وشرعًا سميت تلك الهيئة خلقا حسنًا، وإن كان الصادر عنها الأفعال القبيحة سميت تلك الهيئة خلقًا سيئًا 67.
والآيات التي تمثل المواعظ الأخلاقية هي قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [لقمان:١٨-١٩].
فقوله: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [لقمان:١٨].
وقرأ الجمهور(ولا تصاعر)، وقرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم وأبو جعفر ويعقوب (ولا تصعر)، يقال: صاعر وصعر، إذا أمال عنقه إلى جانب ليعرض عن جانب آخر، وهو مشتق من الصعر بالتحريك لداء يصيب البعير فيلوي منه عنقه، فكأنه صيغ له صيغة تكلف بمعنى تكلف إظهار الصعر وهو تمثيل للاحتقار؛ لأن مصاعرة الخد هيئة المحتقر المستخف في غالب الأحوال 68.
قال الإمام ابن جرير: «اختلفت القراء في قراءة قوله: (ولا تصعر) فقرأه بعض قراء الكوفة والمدنيين والكوفيين: (ولا تصعر) على مثال (تفعل). وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قراء المدينة والكوفة والبصرة (ولا تصاعر) على مثال (تفاعل) 69. .
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام: ولا تعرض بوجهك عمن كلمته تكبرًا واستحقارًا لمن تكلمه، وأصل (الصعر) داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها حتى تلفت أعناقها عن رءوسها، فيشبه به الرجل المتكبر على الناس» 70.
والمعنى: لا تعرض عن الناس تكبرًا عليهم، قال ابن عباس: لا تتعظم على خلق الله، وقال قتادة: هو الإعراض عن الناس، يكلمك أخوك وأنت عنه معرض متكبر.
أي: لا تحتقر الناس فالنهي عن الإعراض عنهم؛ احتقارًا لهم لا عن خصوص مصاعرة الخد فيشمل الاحتقار بالقول والشتم وغير ذلك فهو قريب من قوله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الإسراء:٢٣] إلا أن هذا تمثيل كنائي والآخر كناية لا تمثيل فيها 71.
وبعبارة أخرى: لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك احتقارًا منك لهم، واستكبارًا عليهم، ولكن ألن جانبك وابسط وجهك إليهم، وقال إبراهيم النخعي: يعني بذلك التشديق في الكلام، والصواب القول الأول72.
وقوله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) أي: خيلاء متكبرًا جبارًا عنيدًا، لا تفعل ذلك يبغضك الله؛ ولهذا قال: ( ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) أي: مختال معجب في نفسه، فخور أي: على غيره، وقال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [الإسراء:٣٧]73.
والمرح: فرط النشاط من فرح وازدهاء، ويظهر ذلك في المشي تبخترًا واختيالًا ؛فلذلك يسمى ذلك المشي مرحًا كما في الآية، فانتصابه على الصفة لمفعول مطلق، أي: مشيًا مرحًا، وتقدم في سورة الإسراء (٣٧) 74.
والمختال: اسم فاعل من اختال بوزن الافتعال من فعل خال إذا كان ذا خيلاء، فهو خائل.
والخيلاء: الكبر والازدهاء، فصيغة الافتعال فيه للمبالغة في الوصف فوزن المختال مختيل فلما تحرك حرف العلة وانفتح ما قبله قلب ألفا، فقوله (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) مقابل قوله: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ)، وقوله: فخور مقابل قوله (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ).
ومعنى إن الله لا يحب كل مختال فخور: أن الله لا يرضى عن أحد من المختالين الفخورين 75.
قال الإمام ابن كثير: «وقوله: (ﰉ ﰊ ﰋ) أي: امش مقتصدًا مشيًا ليس بالبطيء المتثبط، ولا بالسريع المفرط، بل عدلًا وسطًا بين بين، وقوله: (ﰌ ﰍ ﰎ) أي: لا تبالغ في الكلام، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه؛ ولهذا قال: ( ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) قال مجاهد وغير واحد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير، أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه، ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى، وهذا التشبيه- في هذا -بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)76 » 77.
ولا ترفع صوتك رفعًا شديدًا لا فائدة منه، وأخفضه، فإن شدة الصوت تؤذي آلة السمع، وتدل على الغرور، والاعتزاز المفرط بالنفس، وعدم الاكتراث بالغير، وإن اعتدال الصوت أوقر للمتكلم، وأقرب لاستيعاب الكلام ووعيه وفهمه، وإن رفع الصوت أكثر من اللازم يشبه صوت الحمير، وإن أقبح الأصوات لصوت الحمير، وذلك مما يبغضه الله تعالى؛ لأن أوله زفير وآخره شهيق. وأنكر الأصوات، أي: أقبح وأوحش وأراد بكلمة: لصوت الحمير، الصوت: اسم جنس، ولذلك جاء مفردًا.
وفي ذلك دلالة على ذم رفع الصوت من غير حاجة؛ لأن التشبيه بصوت الحمار يقتضي غاية الذم، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: (إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا) 78 .
ويلاحظ الحكمة في توجيه النصائح، فلما نهى لقمان ابنه عن الخلق الذميم، رسم له طريق الخلق الكريم الذي ينبغي له أن يستعمله من القصد في المشي وهو ألا يشتط في السرعة، ولا يرائي في الإبطاء، ولا يمشي مختالًا متبخترًا، ولا يرفع الصوت أكثر من المعتاد؛ لأن غض الصوت أوقر للمتكلم، وأبسط لنفس السامع وفهمه 79.
وتصور الوصية قيمًا خلقية سامية، يتعامل بها مع المجتمع من حوله، فلا يؤذي مشاعرهم، فيصدر عنه ما يكرهونه، أو يفرق وحدتهم، ويفسد المودة بينهم؛ فتنفره من الكبر والخيلاء، والإعجاب بالنفس، وهتك الحرمات، والخوض في أعراض الناس، وتلويث البيئة بالأفعال القبيحة، والصور المنفرة، والأصوات المزعجة، وذلك في صور يهتز لها الوجدان، وينخلع منها القلب، وتتفق مع الفطرة والعقل جميعًا.
وتؤكد الوصية أن القيم الإنسانية والخلقية تتفق مع فطرة الإنسان في كل عصر، ولكل الأجيال؛ فما أوصى به لقمان في الماضي البعيد أقره الإسلام، ولا زال يقره ويحث عليه في الحياة الدنيا؛ لأنها قيم ثابتة وحية ترتبط بوجود الإنسان وحياته 80.
والتربية الإسلامية تهتم بالتركيز على التوازن بين إشباعات النفس، ومطالبها، وبين عفتها وقناعتها، وهذا وارد في قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الإسراء:٢٩]فالوسطية الإسلامية هي التوازن في الفكر والسلوك والتطبيق.
والوصايا السابقة هي منهج الآداب السامية التي يؤدب الله عباده بها؛ لأن في امتثالها فلاحهم دنيا وآخرة من جهة، ومن جهة أخرى فإنهم يرون آثارها التربوية في توجيه وتهذيب سلوكهم، وتعمل على زيادة الألفة والمحبة بينهم كما يؤدي هذا إلى تماسك مجتمعهم 81.
٤. المواعظ السلوكية.
تتمثل المواعظ السلوكية في وصايا لقمان عليه السلام في قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [لقمان:١٥].
وقوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) وصية لجميع العالم كأن المأمور الإنسان، وأناب معناه: مال ورجع إلى الشيء، وهذه سبيل الأنبياء والصالحين 82 والمؤمنين، كما يقول سبحانه: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [النساء:١١٥]83.
واتباع سبيل من أناب هو الاقتداء بسيرة المنيبين لله، أي: الراجعين إليه، الذين رجعوا إلى الله بالتوبة والإنابة والطاعة والإخلاص، والمقلعون عن الشرك وعن المنهيات التي منها عقوق الوالدين، وهم الذين يدعون إلى التوحيد ومن اتبعوهم في ذلك 84.
وتهدي الآية إلى وجوب اتباع سبيل المؤمنين من أهل السنة والجماعة، وحرمة اتباع سبيل أهل البدع والضلالة 85.
٥. المواعظ الإصلاحية.
تتمثل المواعظ الإصلاحية في وصايا لقمان بقوله: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [لقمان:١٧].
وذلك لما كانت وصايا لقمان لابنه في إصلاح نفسه من خلال التوحيد والصلاة في حق نفسه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [لقمان:١٢].
وقوله: (ﯤ ﯥ ﯦ) [لقمان: ١٧].
وإصلاح نفسه مع والديه بقوله: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [لقمان:١٤-١٥].
أمره بإصلاح المجتمع من حوله، وذلك لأنه الغرض من الأمر بالمعرف، ليبين له أن صلاح نفسه من خلال الصلاة وغيرها غير كافٍ، بل لا بد من السعي لأجل إصلاح المجتمع أيضًا، ووسيلة ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 86.
والمعنى: أي: إذا كملت أنت في نفسك بعبادة الله فكمل غيرك، فإن شغل الأنبياء وورثتهم من العلماء هو أن يكملوا في أنفسهم ويكملوا غيرهم 87.
ثانيًا: معالم دعوية في مواعظ لقمان:
هناك معالم دعوية كثيرة في وصايا لقمان عليه السلام يمكن ذكر أهمها فيما يأتي:
١. الدعوة الى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة
يشير إلى هذا المعلم قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [لقمان:١٢-١٣].
فالحكمة التي وهبها الله تعالى للقمان كانت ظاهرة في الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك أمر من الله تعالى لنبيه الكريم والمؤمنين به باتباع هذا المنهج.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [النحل:١٢٥].
والمعنى: ادع إلى شريعة ربك التي شرعها لخلقه، وهو الإسلام بالحكمة، بوحي الله الذي يوحيه إليك وكتابه الذي ينزله عليك، والموعظة الحسنة، أي: بالعبارة الجميلة التي جعلها الله حجة عليهم في كتابه، وذكرهم بها في تنزيله، كالتي عدد عليهم في هذه السورة من حججه، وذكرهم فيها ما ذكرهم من آلائه: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) يقول: وخاصمهم بالخصومة التي هي أحسن من غيرها أن تصفح عما نالوا به عرضك من الأذى، ولا تعصه في القيام بالواجب عليك من تبليغهم رسالة ربك 88، وهذ الآية كقوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يوسف:١٠٨].
قال الإمام الرازي: «واعلم أنه تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الناس بأحد هذه الطرق الثلاثة وهي: الحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالطريق الأحسن» 89.
وقال أيضا:ً «ومن لطائف هذه الآية أنه قال: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة فقصر الدعوة على ذكر هذين القسمين؛ لأن الدعوة إذا كانت بالدلائل القطعية فهي الحكمة، وإن كانت بالدلائل الظنية فهي الموعظة الحسنة، أما الجدل فليس من باب الدعوة، بل المقصود منه غرض آخر مغاير للدعوة وهو الإلزام والإفحام؛ فلهذا السبب لم يقل ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدل الأحسن، بل قطع الجدل عن باب الدعوة؛ تنبيها على أنه لا يحصل الدعوة، وإنما الغرض منه شيء آخر، والله أعلم»90.
٢. التدرج بالدعوة.
حيث إن لقمان عليه السلام بدأ بالأهم وهو الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [لقمان:١٣].
ثم بعد ذلك المهم ومنه الدعوة إلى طاعة الوالدين والإحسان إليهما، كما في قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [لقمان:١٤-١٥].
وهكذا إلى نهاية الآيات.
فقد انتقل من تعليمه أصول العقيدة إلى تعليمه أصول الأعمال الصالحة فابتدأها بإقامة الصلاة، والصلاة التوجه إلى الله بالخضوع والتسبيح والدعاء في أوقات معينة في الشريعة التي يدين بها لقمان، والصلاة عماد الأعمال؛ لاشتمالها على الاعتراف بطاعة الله وطلب الاهتداء للعمل الصالح. وإقامة الصلاة إدامتها والمحافظة على أدائها في أوقاتها، وشمل الأمر بالمعروف الإتيان بالأعمال الصالحة كلها على وجه الإجمال؛ ليتطلب بيانه في تضاعيف وصايا أبيه، كما شمل النهي عن المنكر اجتناب الأعمال السيئة كذلك، والأمر بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يقتضي إتيان الأمر وانتهاءه في نفسه؛ لأن الذي يأمر بفعل الخير وينهى عن فعل الشر يعلم ما في الأعمال من خير وشر، ومصالح ومفاسد، فلا جرم أن يتوقاها في نفسه بالأولوية من أمره الناس ونهيه إياهم 91.
٣. صبر الداعية على الأذى.
إن الداعية إلى الله تعالى يتعرض للأذى بكل صوره وأشكاله وعند ذلك يحب أن يصبر على الأذى، وهذا ما وصى به لقمان به ابنه قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [لقمان:١٧].
وهذه الآية كقوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [المزمل:١٠].
وقوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النحل:١٢٧].
وقوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأعراف:١٢٧- ١٢٨].
وقوله: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) يقتضي حضًا على تغيير المنكر وإن نال ضررًا فهو إشعار بأن المُغَيرِّ يؤذى أحيانًا، وهذا القدر هو على جهة الندب والقوة في ذات الله، وأما على اللزوم فلا.
وقوله تعالى: ( ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ)يحتمل أن يريد مما عزمه الله وأمر به، قاله ابن جريج، ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق، وعزائم أهل الحزم ،والسالكين طريق النجاة، والأول أصوب92.
(ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)، أي: بحسب طاقتك وجهدك (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى، فأمره بالصبر، وقوله: ( ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) أي: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى فيهما من حق عزم الأمور إلى الله بها، أي: هو الذي يعزم عليها لوجوبها93.
قال سيد قطب: «ثم يتابع لقمان وصيته لابنه بتكاليف العقيدة، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ما يستتبعه هذا وذلك من مواجهة المتاعب التي لا بد أن تواجه صاحب العقيدة، وهو يخطو بها الخطوة الطبيعية، فيتجاوز بها نفسه إلى غيره: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) ومع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على المصاب الأدب الواجب،. أدب الداعي إلى الله ألا يتطاول على الناس، فيفسد بالقدرة ما يصلح بالكلام: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) والمؤثر النفسي بتحقير التصعير والنفخة ملحوظ في التعبير. وبه تنتهي هذه الجولة الثانية، وقد عالجت القضية ذاتها في مجالها المعهود، بمؤثرات جديدة وبأسلوب جديد.
وهذا هو طريق العقيدة المرسوم، توحيد لله، وشعور برقابته، وتطلع إلى ما عنده، وثقة في عدله، وخشية من عقابه، ثم انتقال إلى دعوة الناس وإصلاح حالهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر.
والتزود قبل ذلك كله للمعركة مع الشر،بالزاد الأصيل، زاد العبادة لله والتوجه إليه بالصلاة،. ثم الصبر على ما يصيب الداعية إلى الله من التواء النفوس وعنادها، وانحراف القلوب وإعراضها،. ومن الأذى تمتد به الألسنة وتمتد به الأيدي، ومن الابتلاء في المال والابتلاء في النفس عند الاقتضاء ( ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) وعزم الأمور: قطع الطريق على التردد فيها بعد العزم والتصميم» 94.
٤. فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال القاضي ابن عطية: «والناس في تغيير المنكر والأمر بالمعروف على مراتب، ففرض العلماء فيه تنبيه الحكام والولاة، وحملهم على جادة العلم، وفرض الولاة تغييره بقوتهم وسلطانهم، ولهم اليد، وفرض سائر الناس رفعه إلى الحكام والولاة بعد النهي عنه قولًا، وهذا في المنكر الذي له دوام، وأما إن رأى أحد نازلة بديهة من المنكر، كالسلب والزنى ونحوه، فيغيرها بنفسه بحسب الحال والقدرة، ويحسن لكل مؤمن أن يحتمل في تغيير المنكر، وإن ناله بعض الأذى، ويؤيد هذا المنزع أن في قراءة عثمان بن عفان وابن مسعود وابن الزبير «يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويستعينون بالله على ما أصابهم» فهذا وإن كان لم يثبت في المصحف ففيه إشارة إلى التعرض لما يصيب عقب الأمر والنهي، كما هي في قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [لقمان:١٧].
وقوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة:١٠٥].
معناه: إذا لم يقبل منكم ولم تقدروا على تغيير منكره، وقال بعض العلماء: «المعروف» التوحيد، والمنكر الكفر، والآية نزلت في الجهاد »95.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يكون بحسب الطاقة والجهد 96.
«ويشترط في الآمر بالمعروف أن يكون له علم، يعلم به أن ما يأمر به معروف، وأن ما ينهى عنه منكر؛ لأنه إن كان جاهلًا بذلك فقد يأمر بما ليس بمعروف، وينهى عما ليس بمنكر، ولاسيما في هذا الزمن الذي عم فيه الجهل وصار فيه الحق منكرا، والمنكر معروفًا، والله تعالى يقول: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يوسف:١٠٨].
فدل على أن الداعي إلى الله لا بد أن يكون على بصيرة، وهي الدليل الواضح الذي لا لبس في الحق معه، وينبغي أن تكون دعوته إلى الله بالحكمة، وحسن الأسلوب، واللطافة مع إيضاح الحق؛ لقوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [النحل:١٢٥].
فإن كانت دعوته إلى الله بقسوة وعنف وخرق، فإنها تضر أكثر مما تنفع، فلا ينبغي أن يسند الأمر بالمعروف إسنادًا مطلقًا، إلا لمن جمع بين العلم، والحكمة، والصبر على أذى الناس؛ لأن الأمر بالمعروف وظيفة الرسل وأتباعهم، وهو مستلزم للأذى من الناس؛ لأنهم مجبولون بالطبع على معاداة من يتعرض لهم في أهوائهم الفاسدة، وأغراضهم الباطلة97.
ولذا قال العبد الصالح لقمان الحكيم لولده، فيما قص الله عنه: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [لقمان:١٧].
ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم لورقة بن نوفل: (أومخرجي هم؟!) يعني: قريشا، أخبره ورقة أن هذا الدين الذي جاء به لم يأت به أحد إلا عودي) 98.
ولا يحكم على الأمر بأنه منكر، إلا إذا قام على ذلك دليل من كتاب الله تعالى، أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم أو إجماع المسلمين.
وأما إن كان من مسائل الاجتهاد فيما لا نص، فلا يحكم على أحد المجتهدين المختلفين بأنه مرتكب منكرًا، فالمصيب منهم مأجور بإصابته، والمخطئ منهم معذور كما هو معروف في محله.
ويشترط في جواز الأمر بالمعروف ألا يؤدي إلى مفسدة أعظم من ذلك المنكر؛ لإجماع المسلمين على ارتكاب أخف الضررين» 99.
لقد احتوت وصايا لقمان الحكيم على مجموعة من المضامين التربوية، نتناولها في النقاط الآتية:
أولًا: تربية النفس:
تكون تربية النفس من خلال غرس عقيدة التوحيد في نفس الطفل.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [لقمان:١٣].
لأن أعظم المسائل على الإطلاق هي عقيدة التوحيد وإفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، فمن أجلها خلق الخلق وأنزل الكتب وأرسل الرسل وجعل الجنة والنار.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الذاريات:٥٦].
وهي أساس كل شيء، فبدونها تحبط الأعمال، وبها تبدأ تربية النفس الإنسانية،؛لذا فإن أول واجب على الوالدين القيام به هو غرس عقيدة التوحيد في نفس الطفل دون كلل ولا ملل، وتوحيد الله في ذاته وصفاته وأفعاله؛ لأنه هو الواحد الأحد لا شريك له مالك كل شيء، هو الخالق المعطي والمانع النافع الضار، وأن يوجها عواطف ابنهما إلى حب الله تعالى.
فإن أدرك الطفل هذه الأمور تعلق بالله سبحانه وتعالى ولم يتخذ سواه إلها، بل يلجأ إليه في كل أموره، وإلى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يحكم إلا بحكم الله تعالى وهو المخبر عنه، ويبتعد عن كل مظاهر الشرك الذي وصفه الله تعالى بأنه ظلم عظيم.
فالعقيدة لابد أن تنعكس على الإنسان وسلوكه، فإذا آمن إيمانا يقينيًا بالله سبحانه وبعلمه ومراقبته الدائمة لعبده، كان هذا الإيمان محددا لسلوك المسلم كفرد، وسلوك الجماعة كأمة مسلمة، فالعقيدة لابد أن تترجم في حياة الفرد الذي يعلم بأن الله يطلع على سره ونجواه، وأن أفعاله مكتوبة وهو محاسب عليها، ولابد أن تترجم في حياة الجماعة فتبني نظام حياتها وفق هذه العقيدة التي آمنت بها، فلا سعادة لهذه النفس الإنسانية، ولا استقامة لها إلا اذا ارتبطت كافة جوانبها بعقيدة التوحيد، ومن هنا يجب على المربي المسلم أن يربط كل جوانب التربية بهذا الأصل الاعتقادي؛ لما له من أهمية كبرى في حياة الإنسان النفسية وتوحد نوازعه وتفكيره وأهدافه، وتجعل كل عواطفه وسلوكه وعاداته قوى متضافرة متعاونة ترمي كلها إلى تحقيق هدف واحد هو الخضوع لله وحده.
ومن تربية النفس التربية على بر الوالدين.
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [لقمان:١٤].
ويجب أن نشير إلى أنه يجب على الوالدين إعانة ولدهما على برهما، بأن يكونا متحابين متفاهمين ومتعاونين على تربيته، يعلمه أبوه كيف يبر أمه، وتعلمه أمه كيف يبر أباه، وألا يفرقا بين الأبناء في المعاملة وفي العطية، وألا يفضلا أحد الأبناء على إخوته بسبب صغر سنه أو مرضه؛ لأن هذا من شأنه أن يولد الحقد والضغائن بين الإخوة مما ينعكس سلبًا على العلاقة بين الأباء والأبناء، وألا يثقلا عليه بالأوامر، بل يجب الحديث معه حال الصفاء فيكون أجدر بتقبل النصح، لا بعد اللوم والتوبيخ والضرب؛ لأنه يولد العناد لدى الابن100.
إضافة إلى أن هذه الطاعة يجب ألا تتجاوز المباحات، فلا يطيع الولد أبويه في الكبائر والمحرمات والمنكرات؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، خاصة إذا كانا مشركين يأمرانه بالشرك، فلا طاعة لهما في ذلك، لكن لا يسقط حقهما في المعاملة الحسنة والصحبة الطيبة.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [لقمان:١٥].
من كل هذا يتقرر أن من أول الواجبات التي يجب على الطفل المسلم تعلمها الشكر للوالدين، وأن يكون هذا بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى وحده والشكر له؛ ولهذا جعل لقمان الشكر للوالدين بعد شكر الله عز وجل والإيمان به اعترافًا بحقوقهما ووفاء بمعروفهما.
ومن تربية النفس كذلك التربية على اتباع طريق الصلاح، ويدل على هذا قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [لقمان:١٥].
فقد أمر الله تعالى باتباع سبيل من أناب إليه، والمعنى: واسلك طريق من تاب من شركه، ورجع إلى الإسلام، واتبع محمدًا صلى الله عليه وسلم 101.
ويكون توجيه الطفل إلى مصاحبة ومجالسة كل شخص إن كان منيبًا إلى الله تعالى راجعًا إليه متبعًا طريقه وهديه، فهو أحق بأن يحترم ويحب ويتبع، فإن نشأ الولد على أن الميزان في اختيار الأصحاب والشيوخ أن يكونوا مطيعين لله منيبين إليه وإلا فليس لهم طاعة ولا احترام، إلا إذا أطاعوا الله ورجعوا إليه فإنه لا يتقبل ما يراه في محيطه إلا إذا كان موافقًا لأمر الله، حتى وإن أعجبه وأراد تقليده لا يفعل ذلك إلا إذا وزنه بميزان الشرع، فيصير لديه مناعة من الشر والباطل الكثير الذي انتشر في المجتمع خاصة في وقتنا هذا102.
ويدخل في تربية النفس التربية على مراقبة الله تعالى في كافة الأحوال والأعمال.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [لقمان:١٦].
وفي هذه الآية يكشف لقمان لابنه عن علم الله، وبسطة سلطانه، حتى يعبده عن علم به، ومعرفة بما ينبغي له من كمال وجلال.
فالله سبحانه، الذي يستحق أن يعبد، وأن يفرد بالعبادة، هو المالك لهذا الوجود، العالم بكل صغيرة وكبيرة فيه حتى الحبة من الخردل، وهى من الصغر بحيث لا تكاد تمسك بها الأصابع هذه الحبة، إن تكن في أي مكان في هذا الوجود إن تكن في صخرة، أي: صخرة من صخور الأرض، أو تكن في السموات التي لا حدود لها، أو تكن في الأرض، على أي عمق منها، وفي أي مكان فيها- هذه الحبة الضالة الغارقة في بحر هذا الوجود، يأتي بها الله، ويخرجها من هذه الأعماق السحيقة في أحشاء الكون ( ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) ينفذ نور لطفه إلى كل شيء، (ﯢ) متمكن من كل شيء، ويعلم كل شيء علمًا كاشفًا 103.
وهذه إشارة إلى أن الله يأتي بالحسنة والسيئة مهما كانت صغيرة مما يُوَلِّدُ لدينا الخوف منه تعالى ومراقبته في القول والعمل، وفي السر والعلن، كذلك الولد مهما حاولنا مراقبته، فإننا لا نستطيع مراقبته في كافة أحواله، لكن إن زرعنا فيه مراقبة الله تعالى، فأننا لا نحتاج إلى كثير متابعة ولا كثير تنبيه.
فإن استوعب الولد أن الله تعالى يعلم كل كبيرة وصغيرة في الجهر والخفاء فإنه سيراقب الله عز وجل في كل أقواله وأفعاله، فلا يعمل شيئا بدون إخلاص ولا يعمل شيئا لغير الله تعالى.
ومن تربية النفس التربية على أداء العبادات.
قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ) [لقمان: ١٧].
وتعتبر الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عماد الدين، أمر الله تعالى عباده بالمحافظة عليها حال السفر والحضر، حالة الصحة والسقم، والأمن والخوف، وإقامتها تعني أداءها في وقتها بأركانها وواجباتها بخشوع، على النحو المرضي، لما فيها من رضا الرب بالإقبال عليه والإخبات له، ولما فيها من النهى عن الفحشاء والمنكر، وإذا تم ذلك صفت النفس وأنابت إلى بارئها في السراء والضراء104.
فإن أداها المؤمن حق الأداء، فإنه يصل إلى قمة السمو الأخلاقي، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي غذاء الروح، تمد الإنسان بطاقة هائلة تعينه على مواجهة المشقات والمكاره في حياته ومقاومتها.
ثم بعد ذلك تأتي التربية على الصبر على الدعوة ومشاقها.
قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [لقمان:١٧].
والصلاة هي رأس العبادات في كل شريعة، وهى عمود الدين في كل دين ولهذا كان مقامها هنا هو المقام الأول: (ﯤ ﯥ ﯦ) ثم جاء بعد ذلك، ما تعطيه الصلاة من ثمر، وهو إصلاح كيان الإنسان، وتنقيته من الشوائب والأدران، فيصبح رسولا كريمًا من رسل الهدى والخير في الناس، حيث ائتمر بالمعروف، وانتهى عن المنكر، وهذا ما يدعوه إلى أن يكون داعيًا بالمعروف، ناهيا عن المنكر، إن لم يكن بلسانه، فيعمله، وبما يجد الناس فيه، من الأسوة الطيبة والقدوة الصالحة!!
فمن ائتمر بالمعروف وانتهى عن المنكر، كان أشبه بالمرآة الصقيلة يرى الناس عليها وجه الخير والإحسان، فيتمثلونه ويتخذونه قدوة لهم105.
ثانيًا: أسس التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان:
تعتبر وصايا لقمان لابنه دستورًا كاملًا في أصول التربية الإسلامية، فقائلها أب ومعلم صالح آتاه الله الحكمة، بالإضافة إلى أنها نابعة عن قناعة وصدق، ومبنية على التجربة والمعرفة، وهي تهدف أولًا وأخيرًا أن يحقق الإنسان المسلم العبودية الكاملة لله سبحانه وتعالى وحده في حياته الفردية والاجتماعية، وهذه هي غاية التربية الإسلامية.
ثالثًا: أساليب التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان:
إن وصايا لقمان الحكيم تضمنت الوسائل التربوية المهمة يمكن ذكر أهمها:
الأول: ضرورة جلوس الأب مع ابنه دائمًا للوعظ والتوجيه والتربية، وترسيخ عقيدة التوحيد في نفوس الأطفال منذ نعومة أظفارهم باستخدام كافة الوسائل والأساليب، مع مراعاة السن والنمو العقلي والإدراكي لهم.
الثاني: استخدام أسلوب الحب والشفقة وإشعار الولد بأن النصيحة نابعة من باب الخوف عليه والحرص على مصلحته (ﯤ)، وعدم استخدام الألفاظ الجارحة والكلمات التي من شأنها الإنقاص من قيمة الابن، فيزيد من تقبل الابن لنصح الأب.
ويلاحظ أن كلمة الوعظ في السياق بصيغة فعل المضارع للدلالة على تجدد الوعظ واستمراره، إننا لا نعرف شيئًا عن ابنه، لا نعرف اسمه ولا عمره عندما وعظه، ولا نعرف عقيدته، وهل كان مؤمنًا بالله أم مشركًا به؟ كما لا نعرف هل استجاب الابن لمواعظ أبيه أم لا.
وافتتاح الموعظة بنداء المخاطب الموعوظ مع أن توجيه الخطاب مغنٍ عن ندائه لحضوره بالخطاب، فالنداء مستعمل مجازًا في طلب حضور الذهن لوعي الكلام، وذلك من الاهتمام بالغرض المسوق له الكلام.
بالإضافة إلى ذلك كان الأسلوب الذي استعمله لقمان الحكيم (ﯤ)محببًا للنفس، وإشعاره بأنه يحبه، وأنه لا ينصحه إلا من باب الخوف عليه وحرصه على مصلحته، فعلى المربين كذلك عدم استخدام ألفاظ جارحة منفرة بل عليهم أن يتفننوا في استعمال الكلمات الجميلة الراقية الدالة على الاحترام والإشفاق والمحبة، ولو كان الابن يفعل الأخطاء والجريمة، مقترنة ببيان السبب والمسبب الذي يترتب عليه لاحقا .
وهذا من أسباب نجاح الداعية والمربي الواعظ أن لا ينشغل بالنتائج فقط، بل يبذر البذور ويغرس الكلمات الطيبة والتوجيهات والنصائح التي أخلص فيه لله عز وجل، والنتائج والثمرات يتركها لله عز وجل؛ فنحن لا نملكها، وهذا ما نستفيده من قول لقمان لابنه كما حكى عنه المولى (ﯤ).
الثالث: التربية بالقصة: يجب أن تكون أساليب التربية مستفادة من الوحي العظيم: الكتاب والسنة النبوية الشريفة. فهذه الشريعة جاءت بكل ما يصلح به البشر شؤونهم، ومن تلك الأساليب المستقاة منها تربية الأبناء بل المجتمع بالقصة، فالتربية بالقصة وتوصيل المعنى بالإحساس وتحقيق الهدف بالمثال من أفضل الأساليب وأنجعها نتيجة إن شاء الله تعالى.
فنحن نجد بأن الموعظة بالقصة تكون مؤثرة وبليغة في نفس الطفل، وكلما كان القاصُّ ذا أسلوب متميز جذاب؛ استطاع شد انتباه الطفل والتأثير فيه؛ وذلك لما للقصة من أثر في نفس قارئها أو سامعها، ولما تتميز به النفس البشرية من ميل إلى تتبع المواقف والأحداث رغبة في معرفة النهاية التي تختم بها- أي قصة-، وذلك في شوق ولهفة.
فمما لا شك فيه أن القصة المحكمة الدقيقة تطرق السامع بشغف وتنفذ إلى النفس البشرية بسهولة ويسر، ولذا كان الأسلوب القصصي أجدى نفعًا وأكثر فائدة؛ فالقصة أمر محبب للناس وتترك أثرها في النفوس والمعهود حتى في حياة الطفولة أن يميل الطفل إلى سماع الحكاية، ويصغي إلى رواية القصة 106.
هذه الظاهرة الفطرية ينبغي للمربين أن يفيدوا منها في مجالات التعليم خاصة، لنربط الولد بأنبياء الله عز وجل وهديهم قال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ) [الأنعام:٩٠] وتربيتهم على ما كان عليه صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام.
والقصة خير وسيلة للوصول إلى ذلك؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يقص على أصحابه قصص السابقين للعظة والاعتبار، لقد كان ما يحكيه مقدمًا بقوله: (كان فيمن كان قبلكم) 107 ثم يقص صلى الله عليه وسلم على مسامعهم القصة وما انتهت إليه، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل منهجًا ربانيًّا (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأعراف:١٧٦].
ففي القصص عبرة لمن تفكر واعتبر، قال الإمام ابن عاشور: «ما فيها من موعظة المشركين بما لحق الأمم التي عاندت رسلها، وعصت أوامر ربها حتى يرعووا عن غلوائهم، ويتعظوا بمصارع نظرائهم وآبائهم، وكيف يورث الأرض أولياءه وعباده الصالحين.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأعراف:١٧٦].
وقال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [يوسف:١١١].
وقال عز وجل: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الأنبياء:١٠٥].
وهذا في القصص التي يذكر فيها ما لقيه المكذبون للرسل كقصص قوم نوح وعاد وثمود وأهل الرس وأصحاب الأيكة»108.
وقصص القرآن تتميز بالواقعية والصدق وسمو الهدف؛ لأنها تهدف إلى تربية النفوس وتهذيبها، وليس لمجرد التسلية والإمتاع، حيث كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يأخذون من كل قصة العظة والعبرة، كما يخرجون منها بدرس تربوي سلوكي مستفاد، ينفعه وينفع من بعدهم في الدنيا والآخرة.
ولكن هل الإعلام الموجه للطفل عمومًا استفاد من هذا الأسلوب التربية بالقصة لتحصيل أسباب تربوية أم أنه إعلام هدام أو سلبي على أقل وصف؟ للأسف كثير منه سلبي، فالقصص التي تعرض في أفلام الكرتون فيها محاذير ومنكرات عديدة، منها قصص تثير الفزع والرعب والرهبة في نفوس الأطفال.
وقصص تثير العطف على قوى الشر أو تمجيدها، وأحيانًا قصص شعبية التي تحتوي على مواقف منافية للأخلاق، وقصص تعيب الآخرين وتسخر منهم 109.
موضوعات ذات صلة: |
الحكمة، داود عليه السلام، سليمان عليه السلام |
1 الكشف والبيان، الثعلبي ٧/٣١٢، معالم التنزيل، البغوي ٣/٥٨٧.
2 أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢١٣.
3 البداية والنهاية، ابن كثير ٢/١٢٣.
4 الجامع لأحكام القرآن ١٤/٥٩.
5 بصائر ذوي التمييز ٦/٩٠.
6 التحرير والتنوير ٢١/١٥١.
7 انظر: تفسير مجاهد بن جبر المكي ص ٥٤٣، جامع البيان، الطبري ٢٠/١٣٥، النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣١، تفسير السمعاني ٤/٢٢٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٩٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/١٤٨.
8 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٧/٣١٢، أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢١٣، معالم التنزيل، البغوي ٣/٥٨٧، الكشاف، الزمخشري ٣/٤٩٢، لباب التأويل، الخازن ٣/٣٩٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/١٥٠، فتح القدير، الشوكاني ٤/٢٧٣.
9 الكشاف ٣/٤٩٢.
10 تفسيرالقرآن العظيم ٦/٢٩٨.
11 انظر: المعارف، ابن قتيبة ١/٥٥، البداية والنهاية، ابن كثير ٢/١٤٦.
12 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣١، البحر المحيط، أبو حيان ٨/٤١٢، روح المعاني، الألوسي ١١/٨٢.
13 فتح الباري ٦/٤٦٦.
14 أخرجه الحاكم في المستدرك، رقم ٣٥٨٢، ٢/٤٥٨.
15 أخرجه الحاكم في المستدرك، رقم ٣٥٨٢، ٢/٤٥٨، والبيهقي في شعب الإيمان، رقم ٤٦٧١، ٧/٧٣.
قال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ولم يتعقبه الذهبي، وصححه البيهقي في شعب الإيمان، وابن حجر في فتح الباري ٦/٤٦٦.
16 انظر: سيرة مدينة القدس، خالد محمد غازي ص٢٨، القدس عربية إسلامية، سيد فرج راشد ص٥٤، القدس، هنري كتن، ترجمة إبراهيم الراهب ص ١٥، القدس عبر التاريخ، دراسة جغرافية تاريخية أثرية للمدينة المقدسة، ميخائيل مكسي إسكندر ص٢٢.
17 النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣١.
18 جامع البيان، الطبري ٢٠/١٣٥.
19 تفسير ابن أبي حاتم ٩/٣٠٩٧.
20 النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣١.
21 مصفح القدمين: عريضهما.
انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٢٩٣، لسان العرب، ابن منظور ٢/٥١٣، تاج العروس، الزبيدي ٦/٥٤٦.
22 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/١٣٥، تفسير ابن أبي حاتم ٩/٣٠٩٧.
23 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٥٩، فتح القدير، الشوكاني ٤/٢٧٣.
24 انظر: معجم البلدان، الحموي ١/٢٩٢، معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية، عاتق البلادي ص ٣٥، المعالم الأثيرة في السنة والسيرة، محمد شراب ص ٤٠.
25 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/١٣٥، تفسير ابن أبي حاتم ٩/٣٠٩٧، الكشف والبيان الثعلبي ٧/٣١٣.
26 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣١، تفسير السمعاني ٤/٢٢٩، لباب التأويل، الخازن ٣/٣٩٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٩٨، روح المعاني، الألوسي ١١/٨٢.
27 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣١، لباب التأويل، الخازن ٣/٣٩٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٩٨.
28 النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣١.
29 جامع البيان، الطبري ٢٠/١٣٥.
30 الكشف والبيان، الثعلبي ٧/٣١٣، تفسير السمعاني ٤/٢٢٩.
31 تفسيرالقرآن العظيم ٦/٢٩٨.
32 التحرير والتنوير ٢١/١٤٨.
33 روح المعاني ١١/٨٢.
34 القرآن ونقض مطاعن الرهبان، صلاح الخالدي ١/١٦٧.
35 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/١٣٤، الكشاف، الزمخشري ٣/٤٩٣.
36 معالم التنزيل، البغوي ٣/٥٨٧.
37 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/٢١٣، الكشف والبيان، الثعلبي ٧/٣١٢، غرائب القرآن، النيسابوري ٥/٤٢٤، زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٤٣٠ الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٥٩، لباب التأويل، الخازن ٣/٣٩٧، المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٤٧.
38 المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام ١٥/٣٤٣.
39 محاسن التأويل، القاسمي ٨/٢٤.
40 التحرير والتنوير ٢١/١٣٧.
41 التحرير والتنوير ١/٩١.
42 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/١٩٣، التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٤٠، المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٤٥، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١١٤، تفسيرالقرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٩٥.
43 التحرير والتنوير ٣/٦٣.
44 البحر المحيط، أبو حيان ٨/٤١٢.
45 تفسير السمعاني ٤/٢٣٥.
46 روح المعاني ١١/٨٣.
47 الدر المنثور ٦/٥١٢.
48 التحرير والتنوير ٢١/١٥١.
49 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/١٥٤.
50 انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٢/٣٣٣، تاج العروس، الزبيدي ٢٠/٢٨٩.
51 جامع البيان، الطبري ٧/٢٣٣.
52 التحرير والتنوير ٢١/١٥٤.
53 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ١/٣٦٩، محاسن التأويل، القاسمي ٣/١٩٧.
54 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/١٥٤.
55 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/١٩٦.
56 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣٣.
57 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٤٣، تفسير السمعاني ٤/٢٣٠.
58 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٢١٨، الكشاف، الزمخشري ٢/٣٧٤.
59 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/٧١٤.
60 انظر: تربية الأبناء من وصايا لقمان، محمد زمري ص٣٠.
61 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (ولقد آتينا لقمان الحكمة)، رقم ٣٤٢٩، ٤/١٦٣.
62 انظر: تربية الأبناء من وصايا لقمان، محمد زمري ص٣٥- ٣٦.
63 الكشاف، الزمخشري ٣/٤٩٤.
64 جامع البيان، الطبري ٢٠/١٣٩.
65 مجموع فتاوى ابن تيمية ١٠/١٤٩.
66 انظر: تربية الأبناء من وصية لقمان، محمد زمري ص ٣٧.
67 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٢/٧٠، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٢٥٢.
68 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٤٤.
69 تحبير التيسير في القراءات العشر، ابن الجزري ص ٥٠٨.
70 جامع البيان ٢٠/١٤٣
71 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٤٤، النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣٩، تفسير السمعاني ٤/٢٣٣.
72 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٤٤، النكت والعيون، الماوردي ٤/٣٣٩.
73 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٠٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/١٦٧
74 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/١٦٧
75 المصدر السابق ٢١/١٦٦.
76 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، رقم ٢٦٢٢، ٣/١٦٤.
77 تفسير القرآن العظيم ٦/٣٠٢.
78 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، رقم ٣٣٠٣، ٤/١٢٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الدعاء عند صياح الديك، رقم ٢٧٢٩، ٤/٢٠٩٢.
79 التفسير الوسيط، الزحيلي ٣/٢٠٢٧.
80 التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية، علي صبح ص ٢٠٠.
81 انظر: تربية الأبناء من وصايا لقمان، محمد زمري ص٤٦-٤٩.
82 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٤٩.
83 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١١/٥٦٩.
84 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/١٦١، التفسير الوسيط، طنطاوي ١١/١٢١.
85 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ٤/٢٠٦.
86 جامع البيان، الطبري ٢٠/١٤٢.
87 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١٢١، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٥/٤٤٩.
88 جامع البيان، الطبري ١٧/٣٢١.
89 مفاتيح الغيب ٢٠/٢٨٦.
90 المصدر السابق ٢٠/٢٨٧.
91 انظر: التحرير والتنوير ٢١/١٦٤.
92 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٣٥١.
93 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٤٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٠٢.
94 في ظلال القرآن ٥/٢٧٩٠.
95 المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٨٦.
96 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٠٢.
97 أضواء البيان، الشنقيطي ١/٤٦٤.
98 خرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، رقم ٦٩٨٢، ٩/٢٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم ١٦٠، ١/١٣٩.
99 أضواء البيان، الشنقيطي ١/٤٦٤.
100 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٨/٣٠، تفسير المراغي ٢١/٨٤.
101 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/١٣٩، محاسن التأويل، القاسمي ٨/٣٠.
102 تربية الأبناء من وصايا لقمان، محمد زمري ص١٨.
103 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١١/٥٧٠.
104 تفسير المراغي ٢١/٨٤.
105 التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١١/٥٧١.
106 تربية الأبناء من وصايا لقمان، محمد زمري ص١٨.
107 مثل ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم ٣٤٦٣، ٤/١٧٠.
108 التحرير والتنوير ١/٦٦.
109 تربية الأبناء من وصايا لقمان، محمد زمري ص١٨.