عناصر الموضوع

مفهوم اللعن

اللعن في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

اللاعنون في القرآن

الملعونون في القرآن الكريم

أسباب اللعن

الملاعنة بين الزوجين

آثار اللعن في الدنيا والآخرة

اللعن

مفهوم اللعن

المعنى اللغوي والاصطلاحي:

أولًا: المعنى اللغوي:

يقول ابن منظور: «اللعن: الإبعاد والطرد من الخير، وقيل: الطرد والإبعاد من الله، ومن الخلق السب والدعاء، واللعنة الاسم، والجمع لعانٌ ولعناتٌ، ولعنه يلعنه لعنًا طرده وأبعده»1.

ويقول الزمخشري: «لعنه أهله: طردوه وأبعدوه، وهو لعين طريد، ولعنت الكلب والذئب: طردتهما، ومن المجاز: أبيت اللعن، وهي تحية الملوك في الجاهلية»2.

فأصل اللعن في اللغة الإبعاد، ويطلق على التعذيب والشتم والسب، ومنه الملاعنة واللعان وهو المباهلة، والملعنة قارعة الطريق ومنزل الناس، وفي الحديث: (اتقوا الملاعن)3، يعني: عند الحدث، وتلاعنوا: لعن بعضهم بعضًا، ومنه اشتقاق ملاعنة الرجل امرأته، والحاكم يلاعن بينهما ثم يفرق4.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

قال ابن تيمية: «اللعن: الإبعاد عن الرحمة»5.

وقال الغزالي: «اللعن: عبارة عن الطرد والإبعاد عن الله تعالى »6.

اللعن في الاستعمال القرآني

وردت مادة (ل ع ن) في القرآن الكريم (٤١) مرة 7.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١٧

( ) [الأحزاب:٦٤]

الفعل المضارع

٥

( ) [النساء:٥٢]

فعل الأمر

١

( ) [الأحزاب:٦٨]

المصدر

١

( ) [الأحزاب:٦٨]

اسم مرة

١٤

( ) [هود:١٨]

اسم فاعل

١

( ) [البقرة:١٥٩]

اسم المفعول

٢

( ) [الأحزاب:٦١]

وجاء اللعن في القرآن بمعناه في اللغة وهو: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة، وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره8.

الألفاظ ذات الصلة

السب والشتم:

السب لغة:

القطع؛ يقال: سبه سبًا بمعنى قطعه، والتساب التقاطع، والسب الشتم، مصدر سبه يسبه سبًا: شتمه9.

الشتم لغة:

قبيح الكلام، والشتم السب، والشتم تقبيح أمر المشتوم بالقول، وأصله من الشتامة، وهو قبح الوجه، ورجل شتيم أي: قبيح الوجه، وسمي الأسد شتيمًا لقبح منظره10.

وبذلك فإن السب والشتم مترادفان؛ إلا أن السب أشد من الشتم؛ لأن السب هو الإطناب في الشتم، والإطالة فيه11.

السب والشتم اصطلاحًا:

«وصف الغير بما فيه نقص وازدراء»12.

الصلة بين السب واللعن:

من خلال التأمل في المعاني السابقة لكلا اللفظين يتبين أن اللعن أشد من السب والشتم؛ لأن اللعن ليس مجرد تقبيح بالكلام؛ بل هو دعاء على الملعون بالطرد من رحمة الله عز وجل، وكذلك فإن السب يشمل اللعن ويشمل الشتم والتقبيح، فالسب أعم من اللعن.

البعد:

البعد لغة:

البعد والبعاد: اللعن، يقال: أبعده الله: بمعنى نحاه عن الخير ولعنه13.

البعد اصطلاحًا:

بمعنى الهلاك والعذاب والطرد واللعن14.

الصلة بين البعد واللعن:

البعد في الأغلب يحمل نفس المعنى الذي يحمله اللعن من الطرد من رحمة الله عز وجل ؛ إلا أن البعد يأتي أحيانًا بمعنى: الهلاك، وذلك كما في قوله تعالى: ( ) [هود: ٦٠]15.

السحق:

السحق لغة:

البعد، وقد سحق الشيء فهو سحيق أي: بعيد، وسحقه الله أي: أبعده، ومكان سحيق أي: بعيد16.

السحق اصطلاحًا:

الهلاك والبعد من رحمة الله عز وجل 17.

الصلة بين السحق واللعن:

لا يظهر فرق بين بين السحق واللعن؛ فكلاهما إبعاد عن رحمة الله عز وجل وعن الخير؛ إلا أن اللعن أكثر استعمالًا في القرآن الكريم، وفي كلام الناس أيضًا، وكذلك فإن السحق هو مطلق الإبعاد، أما اللعن فهو خاص بالإبعاد عن رحمة الله عز وجل .

اللاعنون في القرآن

إنه من خلال الوقوف على الآيات التي ورد فيها اللعن في الكتاب العزيز، نجد أن أغلب الآيات في ذلك قد أخبرت بأن اللعن كان من الله عز وجل على من استحقه من خلقه، وفي بعض المواضع أخبرت الآيات بأن اللعن كان من غير الله عز وجل ؛ حيث إن بعض الآيات أخبرت عن اللعن الصادر من الملائكة، أو من بعض الأنبياء، أو من الناس، أو من المؤذن بين الجنة والنار، وسنقف في السطور الآتية بإذن الله على بيان من صدر منهم اللعن (اللاعنين) في القرآن الكريم.

أولًا: اللعن من الله تعالى:

لقد أخبر الله عز وجل في كتابه العزيز عن لعنته لبعض خلقه؛ لأنهم قد اقترفوا ما استحقوا به لعنة الله عز وجل عليهم، ومعنى لعنة الله عز وجل لهؤلاء: أنه سبحانه أقصاهم وأبعدهم، وأخزاهم وأهلكهم، وطردهم من رحمته ومن توفيقه وهدايته ومن كل خير18.

ومن خلال تتبع الآيات التي أخبر سبحانه فيها عن لعنه لبعض خلقه نجد أن الله عز وجل قد لعن من خلقه الآتي:

  1. إبليس الرجيم.

    حيث أخبر سبحانه عن لعنته لإبليس، وذلك في ثلاثة مواضع من الكتاب العزيز19، وأخبر سبحانه بأن إبليس استحق اللعن حينما عصى أمر الله عز وجل بالسجود لآدم عليه السلام.

    قال تعالى: ( ﯿ ) [الحجر: ٢٨ - ٣٥].

  2. كفار اليهود.

    وهم أكثر الملعونين نصيبًا من لعنة الله عز وجل لهم في القرآن الكريم؛ حيث أخبر الله عز وجل -في غير موضع من الكتاب العزيز- عن لعنه لطوائف من اليهود؛ وذلك بسبب ذنوبٍ عظام قد اقترفوها في حق الله سبحانه ؛ كاستكبارهم عن قبول الحق، وتعاليهم عن الاستجابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واتباع هديه، قال تعالى مخبرًا عمن فعل ذلك من اليهود: ( ﯨﯩ ) [البقرة: ٨٨].

    لقد استحق أولئك اليهود لعنة الله عليهم إذ رفضوا الحق، وكفروا بكتاب الله عز وجل ( ﭦﭧ ) [البقرة: ٨٩].

    والآيات التي أخبر الله عز وجل فيها عن لعنته لكفار اليهود كثيرة، وسيأتي ذكر تتمتها إن شاء الله تعالى.

  3. الكافرين والمنافقين.

    حيث أخبر سبحانه عن لعنته للكافرين والمنافقين في العديد من آيات الذكر الحكيم، من ذلك قوله تعالى: ( ) [البقرة: ١٦١].

    وقوله عز وجل: ( ) [الأحزاب: ٦٤].

    وقوله سبحانه: ( ﯤﯥ ﯧﯨ ﯪﯫ ) [التوبة: ٦٨].

  4. المؤذين لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

    ويدخل في هؤلاء اليهود والنصارى الذين نسبوا لله سبحانه الولد، وافتروا عليه ما لا يليق بجلاله سبحانه، ويدخل فيهم كذلك المشركون الذين افتروا على الله الكذب، ونسبوا له الشريك تعالى الله عن كذبهم علوًا كبيرًا، ويدخل فيهم أيضًا كل من افترى على الله الكذب من مدعي النبوة وغيرهم، وكل من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول أو الفعل20.

    ولقد أخبر الله عز وجل عن لعنته لأولئك المجرمين في قوله تعالى: ( ) [الأحزاب: ٥٧].

  5. من اقترفوا كبائر الذنوب.

    فقد أخبر الله سبحانه عن لعنته لقاتل النفس المؤمنة عمدًا، فقال سبحانه: ( ) [النساء: ٩٣].

    وأخبر سبحانه عن لعنته للذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات، فقال سبحانه: ( ) [النور: ٢٣].

    وكذلك أخبر سبحانه عن لعنته لقاطعي الأرحام، المفسدين في الأرض، فقال سبحانه: ( ﭿ ) [محمد: ٢٢ - ٢٣].

    ثانيًا: اللعن من الملائكة عليهم السلام:

    أخبر الله عز وجل في كتابه العزيز عن لعنة الملائكة للكافرين، وورد ذلك صريحًا في موضعين من الكتاب العزيز، وفي كلا الموضعين ورد ذكر لعنة الملائكة لأولئك الكافرين مقرونةً بلعنة الله عز وجل ولعنة الناس أجمعين لهم.

    قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٦١].

    وقال سبحانه: ( ﭿ ﮉﮊ ) [آل عمران: ٨٥ - ٨٨].

    وهناك آية أخرى في كتاب الله عز وجل ذكرت لعنة الملائكة لأشد الناس ظلمًا، وهم الذين افتروا على الله الكذب.

    قال تعالى: ( ﯫﯬ ﯷﯸ ﯿ ) [هود: ١٨، ١٩].

    فالمقصود بالأشهاد هنا -حسب أشهر أقوال المفسرين فيها- ملائكة الرحمن، يشهدون على أولئك المجرمين بأنهم كذبوا وافتروا على الله عز وجل، فاستحقوا بذلك أن تحل عليهم لعنة الله سبحانه ( ).

    ولعنة الملائكة لهؤلاء إنما تكون بالدعاء عليهم، فكما أن الملائكة يستغفرون للمؤمنين ويدعون لهم، فإنهم يلعنون الكافرين ويدعون عليهم بسخط الله عز وجل وعذابه والطرد من رحمته21.

    والملاحظ أن الملائكة في الآيات السابقة إنما كانت لعنتهم على أقوام كفار، كفروا بربهم عز وجل، وليس بعد الكفر ذنب، ولعل الحكمة من قرن لعنة الملائكة للكافرين مع لعنة الله عز وجل لهم لبيان شدة قبح صنيعهم، فهم شر الناس؛ لأنهم كفروا بعد أن آمنوا وشهدوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق من عند الله عز وجل، وجاءتهم الآيات البينات من الله عز وجل، ولكنهم -مع كل ذلك- أصروا على الكفر وماتوا وهم كفار فاستحقوا أن تجتمع عليهم لعنة الملائكة ولعنة الناس أجمعين مع لعنة الله عز وجل لهم، نعوذ بالله عز وجل من الكفر والظلم والضلال.

    ثانيًا: اللعن من الرسل عليهم السلام:

    ليس في كتاب الله عز وجل ذكرٌ صريح للعن الأنبياء والرسل لأحد من أقوامهم؛ إلا آية واحدة ذكر الله عز وجل فيها لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود عليه السلام وعيسى ابن مريم عليه السلام، وتلك الآية هي قول الله تعالى: ( ﭴﭵ ) [المائدة: ٧٨].

    قال ابن كثير: «يخبر تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل فيما أنزله على نبيه داود عليه السلام، وعلى لسان عيسى ابن مريم عليه السلام، وذلك بسبب عصيانهم لله سبحانه، واعتدائهم على خلقه، قال العوفي: عن ابن عباس رضي الله عنه: لعنوا في التوراة، والإنجيل، وفي الزبور، وفي الفرقان»22.

    فلعن داود وعيسى عليهما السلام للذين كفروا من بني إسرائيل هو ما أنزله الله عز وجل من لعنتهم في الزبور والإنجيل، فالله سبحانه لعن هؤلاء الكافرين من بني إسرائيل في هذين الكتابين المنزلين منه سبحانه على نبيين من أنبيائه الكرام23.

    والرسل والأنبياء عليهم السلام هم من الأشهاد الذين يشهدون على الخلائق يوم القيامة، ويلعنون الكفار الذين افتروا على الله عز وجل الكذب.

    قال الله سبحانه وتعالى: ( ﯫﯬ ﯷﯸ ) [هود: ١٨].

    فقد ذكر المفسرون في معنى الأشهاد أن الأنبياء يدخلون في ضمنهم.

    والملاحظ أنه ليس في كتاب الله عز وجل ما يدل على أن الرسل والأنبياء عليهم السلام كانوا يلعنون أقوامهم؛ وإنما بين كتاب الله عز وجل دعوة الرسل والأنبياء لأقوامهم بأحسن طريقة وأتم أسلوب، دعوا أقوامهم بالحكمة والموعظة الحسنة، باللين والرفق والرحمة، وفي هذا درس للدعاة جميعًا بالبعد عن اللعن والسب والشتم في مخاطبتهم لعباد الله عز وجل، فالداعي رسول رحمة وهداية، وليس فظًا لعانًا.

    ثالثًا: اللعن من الناس أجمعين:

    أخبر الله عز وجل بلعنة الناس أجمعين للكافرين، وذلك في موضعين من كتاب الله عز وجل، وفي كلا الموضعين قرنت لعنة الناس للكافرين بلعنة الله عز وجل ولعنة ملائكته لهم.

    قال تعالى: ( ) [البقرة: ١٦١].

    وقال سبحانه: ( ﭿ ﮉﮊ ) [آل عمران: ٨٥-٨٨].

    ففي الآيتين السابقتين أخبر الله عز وجل أن الناس أجمعين يلعنون أولئك الكافرين الذين كفروا بعد إيمانهم وماتوا على الكفر، فاستحقوا لعنة الله ولعنة الملائكة ولعنة الناس أجمعين.

    وللمفسرين أقوال في معنى لعنة الناس أجمعين لأولئك الكفار؛ فقال بعضهم: «إنما ذلك يوم القيامة، حيث يلعنهم جميع الناس في أرض الحساب، كقول الله تعالى: ( ﭿ ) [العنكبوت: ٢٥]»، وقال بعضهم: «إن اللعنة من أكثر الناس يطلق عليها لعنة الناس؛ تغليبًا لحكم الأكثر على الأقل»، وقال بعضهم: «إن المراد بالناس في الآية: المؤمنين منهم»، وقال بعضهم: «كل أحد يلعن الظالم، وإذا لعن الكافر الظالم فقد لعن نفسه»24.

    قال الشيخ محمد طنطاوي في تفسيره: «والآية الكريمة قد بينت أن اللعنة على هؤلاء القوم صادرة من الله عز وجل -وهى أشد ألوان اللعن-، وصادرة من الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، وصادرة من الناس أجمعين، أي أن الفطر الإنسانية تلعنهم لنبذهم الحق بعد أن عرفوه وشهدوا به، وقامت بين أيديهم الأدلة على أنه حق»25.

    رابعًا: اللعن من الأتباع:

    أخبر الله عز وجل في كتابه العزيز عن حال الكفار يوم القيامة، وكيف يتبرأ بعضهم من بعضٍ، ويلوم بعضهم بعضًا، ويتنازع الأتباع مع من اتبعوهم، ( ﯘﯙ ﯟﯠ ) [البقرة: ١٦٦- ١٦٧].

    في ذلك الموقف العصيب يعترف الكفار بجرمهم، يعترفون باتباعهم للباطل من غير تعقل، ويرمون اللوم على سادتهم وكبرائهم وأئمتهم في الكفر والشرك والضلال، فيجدوا في لعنهم والدعاء عليهم، قال تعالى مخبرًا عن حال هؤلاء: ( ﭭﭮ ﭿ ) [الأحزاب:٦٤-٦٨].

    وهذه الآيات من سورة الأحزاب هي الموضع الوحيد الذي ذكر فيه لعن الأتباع لمتبوعيهم يوم القيامة، وإنما كان اللعن من الأتباع لمتبوعيهم من باب الاستشفاء والانتقام منهم؛ لما قاموا به من إضلالهم وإغوائهم، وذلك كقول الله تعالى: ( ﭝﭞ ﭣﭤ ﭴﭵ ) [الأعراف: ٣٨]26.

    ولا شك أن في لعن هؤلاء الأتباع -يوم القيامة- لمتبوعيهم بيانًا لشدة حسرتهم وندمهم على اتباعهم في الباطل، ويوم القيامة لا ينفع الندم، فلا يجدون أمامهم إلا أن يجتهدوا في لعن من كان سببًا في ضلالهم وغوايتهم، وفي إخبار الله عز وجل عن ذلك تحذير شديد للعباد من اتباع السادة والكبراء في سبل الضلال والشر؛ فقد بين الله عز وجل أن عاقبة ذلك وخيمة، والندم عليه شديد، ( ﮰﮱ ) [الفرقان: ٢٧ - ٢٩].

    خامسًا: اللعن من عبدة الأوثان:

    إن من أحداث يوم القيامة العظام ما يكون من تخاصم أهل النار وتنازعهم وإلقاء بعضهم اللوم على غيره، ( ) [ص: ٦٤]؛ ولكن ذلك كله لا ينفعهم عند الله عز وجل شيئًا، فلا يجدون إلا أن يتلاعنوا، ويدعو بعضهم على بعض بمضاعفة العذاب من النار.

    ومن أهل النار الذين يحدث بينهم تخاصم عظيم وتلاعن: عبدة الأوثان، الذين كانوا في الدنيا يجتمعون على ضلالهم؛ يقيمون الأعياد والطقوس المزعومة، ويأكلون ويشربون حول أوثانهم؛ ولكن حالهم هذا سينقلب يوم القيامة، حينما يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضًا، قال تعالى على لسان نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام مخاطبًا قومه عبدة الأوثان: ( ﭲﭳ ﭿ ) [العنكبوت: ٢٥].

    فهذه الآية من جملة ما قاله إبراهيم عليه السلام لقومه وهو يعظهم ويرشدهم؛ فأخبرهم بحقيقة يتجاهلونها، وهي أنهم ما اتخذوا تلك الأوثان آلهة يعبدونها إلا لأجل التعارف عليها والتوادد والتحاب من أجلها، فيقيمون الأعياد لها، ويجتمعون حولها، فيأكلون ويشربون، لا أنهم حقيقة يعتقدون أنها آلهة وهي أحجار نحتوها بأيديهم، وأخبرهم نبيهم محذرًا لهم بما سيؤول إليه أمرهم يوم القيامة، حينما تنعكس الأمور فـ ( ) أي: يكفر المتبوعون وهم الرؤساء بمن اتبعوهم، وهم الأتباع وعوام الناس، ويلعن كل من الأتباع والمتبوعين بعضهم بعضًا، وذلك عند معاينة العذاب الأليم27.

    سادسًا: اللعن من المؤذن بين أهل الجنة وأهل النار:

    أخبر الله عز وجل أنه في يوم القيامة عندما يدخل أهل الجنة الجنة، ويدخل أهل النار النار، ينادي أهل الجنة أهل النار ويسألونهم: هل وجدتم ما وعدكم ربكم من الخزي والعذاب؟ -وفي ذلك تقريع وتوبيخ عظيم لأهل النار- فيجيبون: نعم وجدنا، مقرين بعذاب الله عز وجل الذي حصل لهم كما كان يوصف لهم من قبل رسل الله عز وجل .

    وحينئذ يؤذن مؤذن بين الجنة والنار معلنًا أن لعنة الله ملازمة لأهل النار، مستقرة عليهم.

    قال تعالى: ( ﭢﭣ ﭥﭦ ) [الأعراف: ٤٤].

    وذكر المفسرون أن المؤذن بين الجنة والنار ملك من الملائكة، أوكل الله عز وجل له تلك المهمة، ينادي بين أهل الجنة وأهل النار؛ فيسمع الجميع صوته28.

    ولا شك أن في أذان ذلك المؤذن تقريعًا وتوبيخًا ومزيد عذابٍ وحسرةٍ لأهل النار، إذ يبشرون بدوام اللعنة والسخط من الله عز وجل عليهم29.

    سابعًا: اللعن من الأمم التي في النار:

    إن أهل النار لما يجدوا ما فيها من بؤس وعذاب وشقاء محيط بهم، دائم عليهم يأخذون في لعن بعضهم بعضًا، ويدعو من كان منهم تابعًا على المتبوعين الذين ساقوهم إلى طرقات الغي والضلال.

    قال تعالى: ( ﭝﭞ ﭣﭤ ﭴﭵ ) [الأعراف: ٣٨].

    يخبر الله سبحانه عما يقال لهؤلاء المشركين به، المفترين عليه، المكذبين بآياته ( ) أي: من الأمم السالفة الكافرة من الجن والإنس، كلما دخلت أمة النار، وجدت من قد أدخل قبلها؛ فيلعن بعضهم بعضًا، ويسب بعضهم بعضًا، حتى إذا اجتمعوا فيها جميعًا ( )، فيرد عليهم الجبار سبحانه: ( )30.

    وسبب اللعن بين الأمم في النار: أن كل أمة إنما تدخل النار بعد مناقشة الحساب، فيتبين لهم أن ما كانوا عليه من الضلال والباطل إنما كان بسبب اتباعهم لكبرائهم ورؤسائهم من غير هدى ولا علم، وبذلك تقع في نفوسهم كراهية عظيمة لهم، فإذا دخلوا النار فرأوا من كان سببًا في غوايتهم وضلالهم أخذوا في لعنهم والدعاء عليهم31.

    إن في هذا الخبر من الله عز وجل عن أهل النار وأحوالهم وتلاعنهم داخل النار موعظة عظيمة للعباد، فلا يسمع بذلك أحد إلا ويقشعر من حالهم تلك، ويخاف على نفسه من أن يكون مع أولئك الكافرين.

    ثامنًا: اللعن من عموم اللاعنين:

    أخبر الله عز وجل عن قوم بلغوا الغاية في الفساد والإضلال وظلم العباد، إنهم أقوام يكتمون الهداية، ويحاولون إخفاء النور الذي أنزله الله عز وجل ليستنير به العباد، فكانت عقوبة هؤلاء أن عليهم لعنة الله ولعنة اللاعنين، قال عز وجل: ( ﮮﮯ ) [البقرة: ١٥٩].

    قال ابن كثير في هذه الآية: «هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرسل من الدلالات البينة على المقاصد الصحيحة، والهدى النافع للقلوب من بعد ما بينه الله تعالى لعباده في كتبه التي أنزلها على رسله، قال أبو العالية: نزلت في أهل الكتاب؛ كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أخبر أنه يلعنهم كل شيءٍ على صنيعهم ذلك، فكما أن العالم يستغفر له كل شيءٍ حتى الحوت في الماء، والطير في الهواء، فهؤلاء بخلاف العلماء، فيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون»32.

    وقد ذكر المفسرون أقوالًا في المراد باللاعنين؛ فقال بعضهم: «هم الملائكة والمؤمنون»، وقال آخرون: «هم دواب الأرض وهوامها»، وقال غيرهم: «كل ما عدا بني آدم والجن»، وغير ذلك من أقوال، ورجح الإمام الطبري القول الأول مستدلًا بآية: ( ) [البقرة: ١٦١]33.

    وقول الطبري هو الأقرب للصواب والله أعلم؛ لأن الآية التي استدل بها ظاهرة في ذلك، والقرآن الكريم يفسر بعضه بعضًا.

    الملعونون في القرآن الكريم

    إنه من خلال التدبر في الآيات التي ورد فيها اللعن في كتاب الله عز وجل نجد أن الملعونين في هذه الآيات أصناف من الخلق، يترأسهم إبليس اللعين، ومما يلفت النظر أن بعض هؤلاء الملعونين قد ذكر الله عز وجل لعنهم مرات متعددة، كما هو الحال بشأن اليهود -وهم أكثر من ورد في شأنهم لعنٌ في كتاب الله عز وجل -، وبعض الملعونين ورد لعنهم مرة واحدة فقط، وسيأتي بيان ذلك -بإذن الله تعالى-.

    كما أنه من الأمور التي تلفت الانتباه أيضًا عند التدبر في الآيات التي ورد فيها اللعن أن صيغة اللعن تختلف؛ فتارة يكون اللعن بصيغة: (لعنه الله) أي: بالفعل الماضي وفاعله الله عز وجل، وتارة يكون اللعن بصيغة: (يلعنهم الله) أي: بالفعل المضارع الذي فاعله الله عز وجل، وتارة يكون اللعن بصيغة المصدر: (لعنة الله على، عليهم اللعنة، عليك لعنتي)، وتارة يكون اللعن بالنعت باسم المفعول: (ملعونين، الملعونة)، وتارة يكون بفعل الطلب: (العنهم)، ولا شك أن في ورود اللعن بهذه الصيغ المتعددة في كتاب الله عز وجل له دلالات وحكمٌ عظيمةٌ أرادها الحكيم الخبير سبحانه ؛ فصيغة الفعل الماضي لها دلالة تختلف عن دلالة المضارع، وصيغة المصدر لها دلالة تختلف عن دلالة الفعل الماضي والفعل المضارع، وما في كتاب الله عز وجل من لفظةٍ إلا ولها مدلولاتها، كما قال ابن عطية: «وكتاب الله لو نزعت منه لفظةٌ ثم أدير لسان العرب في أن يوجد أحسن منها لم يوجد»34.

    ونحاول -بإذن الله تعالى- الوقوف على شيء من هذه الحكم.

    وباستقراء الآيات التي ورد فيها لعنٌ يمكن أن نحصر أبرز الملعونين في كتاب الله عز وجل بالآتي:

    أولًا: الشيطان:

    ذكر الله عز وجل لعنته للشيطان في ثلاثة مواضع من الكتاب العزيز؛ ورد اللعن في موضعين منها لإبليس عندما استكبر عن أمر ربه ولم يسجد لآدم عليه السلام.

    قال تعالى مخبرًا عن ذلك: ( ﯿ ) [الحجر: ٢٨ - ٣٥].

    قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات: «يذكر الله تعالى تنويهه بذكر آدم في ملائكته قبل خلقه له، وتشريفه إياه، بأمر الملائكة بالسجود له، ويذكر تخلف إبليس عدوه عن السجود له من بين سائر الملائكة؛ حسدًا وكفرًا وعنادًا واستكبارًا وافتخارًا بالباطل ولهذا قال: ( ﭞﭟ )، [الحجر: ٣٣].

    وكقوله قال: ( ﯯﯰ ) [ص: ٧٦]»35.

    ونظير هذه الآيات -في ذكر لعنة الله عز وجل لإبليس بسبب استكباره عن أمر ربه- قول الله عز وجل في سورة ص: ( ﯤﯥ ﯯﯰ ﯿ ) [ص: ٧١ - ٧٨].

    ونلاحظ أن الله عز وجل قد أخبر -في كلا الموضعين- عن لعنته لإبليس بأشد صيغ اللعن؛ حيث إنه سبحانه أخبر عن لعنته لإبليس بصيغة الاسم (المصدر) المؤكد بـ (إن) فقال سبحانه في آيات الحجر: ( )، وقال في آيات ص: ( ﯿ )، ولا شك بأن التعبير بالاسم يدل على ثبات اللعنة على إبليس واستمرارها، قال ابن الجوزي: «قوله تعالى: ( ) قال المفسرون: معناه يلعنه أهل السماء والأرض إلى يوم الحساب»36.

    ونلاحظ أيضًا التعبير بقوله: ( ) في سورة الحجر، وبقوله: (ﯿ ) في سورة ص، وفي ذلك تأكيد على شدة اللعن لإبليس، فـ(أل) التعريف في كلمة (اللعنة) إما أن تكون للعهد، وإما أن تكون عوضًا عن الضمير المضاف إليه في قوله: (ﯿ )، وإما أن المراد بقوله: ( ) أي: كل لعنة، وفي قوله: (ﯿ ) شامل أيضًا لكل لعنة؛ وذاك لأن لعنة اللاعنين من الملائكة والثقلين إنما هي من جهة الله تعالى ؛ فهم يدعون عليه بلعنة الله تعالى وإبعاده من رحمته، وبهذا فإن التعبيرين يؤديان نفس المعنى ويؤكد بعضها بعضًا37.

    وقد دل قوله تعالى في كلا الموضعين: ( ) على أن لعنة الله عز وجل لإبليس دائمة مستمرة لا تنقطع، فهي باقية ما بقيت الدنيا، فإذا كان يوم الدين اقترن له مع اللعنة صنوف المهانة والعذاب الأليم ما ينسى عنده اللعنة، فكأنها انقطعت عنه مع أنها مستمرة عليه38، ونقل ابن الجوزي عن ابن الأنباري قوله: «وإنما قال إلى يوم الدين لأنه يوم له أول وليس له آخر، فجرى مجرى الأبد الذي لا يفنى، والمعنى عليك اللعنة أبدًا»39.

    أما الموضع الثالث: الذي أخبر الله عز وجل فيه عن لعنته للشيطان فهو قوله تعالى: ( ﮐﮑ ﮧﮨ ) [النساء: ١١٦ - ١١٨].

    ففي هذه الآيات يخبر الله سبحانه عن شدة ضلال المشركين؛ إذ إنهم ما يعبدون من دون الله إلا آلهة مزعومة من الأصنام والأوثان التي كانوا يسمونها بأسماء الإناث، كاللات والعزى ونائلة ومناة وما أشبه ذلك، وهم بفعلهم هذا ما يدعون إلا شيطانًا عاصيًا متمردًا على أمر ربه، وقد أخبر سبحانه بأنه قد لعن ذلك الشيطان، فأقصاه وأخزاه وأبعده وطرده من رحمته40.

    ثانيًا: اليهود:

    قد ورد لعن الله عز وجل لليهود في مواضع كثيرة من الكتاب العزيز؛ بل إن اليهود هم أكثر من ورد بشأنهم لعن من الله عز وجل في القرآن الكريم، إذ إن المواضع التي ورد فيها لعنهم تقارب العشرة مواضع، وما ذلك إلا لشدة فسادهم وإفسادهم، وكثرة جرائمهم.

    فأول المواضع -حسب ترتيب المصحف الشريف- التي ورد فيها لعن اليهود في القرآن الكريم هو قول الله تعالى: ( ﯨﯩ ) [البقرة: ٨٨].

    حيث تخبر هذه الآية عن بعض أقوال اليهود القبيحة؛ إذ إنهم قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم -معتذرين عن عدم إيمانهم به-: ( )، أي: عليها غلاف وغطاء فلا تفقه ما تقول، وهم كاذبون في ذلك، يريدون تبرير كفرهم، فكشف الله عز وجل حقيقة الأمر، فقال سبحانه: ( ) أي: أقصاهم الله وأبعدهم وطردهم وأخزاهم وأهلكهم؛ بسبب كفرهم وجحودهم آيات الله عز وجل، وما أرسل به رسله عليهم السلام ؛ فلذلك استحقوا لعنة الله عز وجل 41.

    والموضع الثاني: الذي ورد فيه لعن اليهود هو قول الله عز وجل مخبرًا عنهم: ( ﭦﭧ ) [البقرة: ٨٩].

    فهذه الآية تبين شدة حسد اليهود للعرب؛ إذ إنهم كانوا يعلمون -من كتبهم- أن زمان قدوم النبي المكتوب عندهم قد آن، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم، وجاءهم بالقرآن الكريم، وكانوا من قبل بعثته يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهم، يقولون: إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما جاءهم الرسول، ووجدوا أنه ليس منهم، كفروا به وبالكتاب الذي معه، فلعنهم الله عز وجل لأجل كفرهم وحسدهم42.

    ومن هذه المواضع أيضًا قول الله عز وجل: ( ﮮﮯ ) [البقرة: ١٥٩].

    والمقصود بهؤلاء علماء اليهود وأحبارهم، وعلماء النصارى، وسبب استحقاقهم لتلك اللعنة المغلظة كتمانهم للحق والبينات، وكتمانهم أمر صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعدم اتباعه مع علمهم بصدقه؛ لذلك أخبر الله عز وجل عن لعنته لهم، وأخبر أنه يلعنهم أيضًا كل شيءٍ على صنيعهم ذلك؛ فكما أن العالم يستغفر له كل شيء، فهؤلاء بخلاف العلماء فيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون43.

    إن جرائم اليهود كثيرة، وأفعالهم شنيعة قبيحة، بلغوا الذروة في ذلك حينما حرفوا كلام الله عز وجل، وغيروا صفات النبي صلى الله عليه وسلم المكتوبة عندهم؛ ليحرموا الناس من اتباعه والاهتداء بهديه، واستهزؤا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطعنوا في دين الله عز وجل، قال تعالى مخبرًا عنهم: ( ﭮﭯ ﭿ ) [النساء: ٤٦]44.

    لقد بلغ من قبح اليهود وعدوانهم أنهم تجرؤا على الله عز وجل، فنسبوا إليه ما لا يليق بجلاله سبحانه، من ذلك أنهم نسبوا إليه البخل -تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا- قال تعالى: ( ﯧﯨ ﯭﯮ ) [المائدة: ٦٤].

    ومن لعن الله عز وجل لليهود لعنه سبحانه لأصحاب السبت الذين انتهكوا حرمات الله عز وجل، ولم يلتزموا حدوده، ولم ينتصحوا بنصيحة المتقين منهم، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن قصتهم في قوله سبحانه: ( ﯟﯠ ﯢﯣ ) [الأعراف: ١٦٣].

    ثم أخبر سبحانه عن العذاب الذي أصابهم حينما لم ينتفعوا بنصح الناصحين، وتمادوا في عدوانهم وغيهم.

    قال تعالى: ( ﭿ ) [الأعراف: ١٦٥- ١٦٦].

    وأما الموضع الذي ذكر الله عز وجل فيه لعنته لأولئك المعتدين المنتهكين لحدود الله فقد جاء في سياق دعوة أهل الكتاب إلى الإيمان بما أنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم، وتحذيرهم من أن تطمس وجوههم أو يصيبهم ما قد أصاب أصحاب السبت من المسخ واللعن.

    قال تعالى: ( ﮛﮜ ) [النساء: ٤٧].

    والمراد بطمس وجوههم محو آثارها حتى تصير كالقفا من غير أنف ولا عينين ولا شفاه، أو المراد جعل أبصارهم إلى قفاهم فيمشون القهقري45.

    والمراد بلعنهم كما لعن أصحاب السبت مسخهم قردة كما مسخ أصحاب السبت، قال الشنقيطي: «لم يبين هنا كيفية لعنه لأصحاب السبت؛ ولكنه بين في غير هذا الموضع أن لعنه لهم هو مسخهم قردة، ومن مسخه الله قردًا غضبًا عليه فهو ملعون بلا شك، وذلك قوله تعالى: ( ) [البقرة: ٦٥].

    وقوله: ( ﭿ ) [الأعراف: ١٦٦]»46.

    ونلاحظ في لعن اليهود أن الله عز وجل قد لعنهم بصيغة الفعل الماضي: (لعنهم الله)، وبصيغة الفعل المضارع: (يلعنهم الله)، وبصيغة المصدر: (فلعنة الله على)، ولا شك في أن لعن اليهود في القرآن الكريم قد جاء بهذه الصيغ المختلفة فيه بيان لشدة لعنتهم وغلظتها، فالفعل الماضي يدل على وقوع تلك اللعنة عليهم فيما سبق، والفعل المضارع يدل على استمرارية اللعنة عليهم، والمصدر: (الاسم) يدل على ثبات ودوام اللعنة وملازمتها لهم، وفي هذا إشارة إلى أن الصفات التي استحق اليهود عليها اللعن ستبقى موجودة فيهم، وهذا ما يدل عليه واقع الحال في أيامنا هذه.

    ثالثًا: الكافرون والمنافقون:

    إن من الأصناف الذين لعنهم الله الكفار والمنافقين، وهم شرار الخلق، رفضوا دعوة الله، وأبوا النور الذي أنزله إليهم، استحبوا العمى على الهدى، فكان لهم اللعن والعذاب الأليم.

    قال الله عز وجل: ( ﭭﭮ ﭿ) [الأحزاب: ٦٤ - ٦٦].

    والمنافقون كفار، أخفوا الكفر وأظهروا الإيمان، فكانوا إخوان الكافرين، اجتمعوا معهم على الكفر والضلال، فجمع الله عز وجل بينهم في اللعن وسوء الدار، قال الله عز وجل: ( ﯤﯥ ﯧﯨ ﯪﯫ ) [التوبة: ٦٨].

    إن اللعن للكفار لمن مات منهم على الكفر؛ أما من تاب من كفره، ودخل في الإسلام قبل موته، فهذا يتوب الله عز وجل عليه، قال سبحانه وتعالى: ( ﭿ ﮉﮊ ) [آل عمران: ٨٦ - ٨٩].

    رابعًا: المرتدون:

    إن ممن وجبت عليهم لعنة الله عز وجل من ارتدوا عن الإيمان إلى الكفر، واستحبوا العمى على الهدى، فبعد أن أبصروا نور الإيمان نكسوا أنفسهم إلى ظلمات الكفر، واستبدلوا الضلالة بالهدى، فأنى لهم الهداية؟!

    قال الله عز وجل مخبرًا عن أولئك المرتدين: ( ﭿ ﮉﮊ ) [آل عمران: ٨٦-٨٩].

    فهؤلاء قد قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم، ووضح لهم الأمر، واستنارت لهم الطريق، ثم بعد هذا الهدى ارتدوا إلى ظلمة الشرك، فكيف يستحق هؤلاء الهداية بعد ما تلبسوا به من الضلال والكفر؟!47.

    ولقد كانت لعنة الله عز وجل لهؤلاء المرتدين شديدةً مغلظةً؛ فهي لعنة من الله عز وجل ومن الملائكة، ومن الناس أجمعين، وهي لعنة عليهم، ملازمة لهم، وهم خالدون فيها، لا يخفف عنهم شيء من العذاب ولا من اللعنة، ولا يمهلون، ولا يؤجلون، فهم في اللعنة والعذاب خالدون48( ) [آل عمران: ٨٧-٨٨].

    خامسًا: المفسدون:

    لقد ذكر الله عز وجل لعنته للمفسدين في الأرض في موضعين من الكتاب العزيز؛ الموضع الأول: قوله تعالى: ( ﯘﯙ ) [الرعد: ٢٥].

    وقد جاءت هذه الآية بعد الآيات التي ذكر سبحانه فيها حال أهل الجنة من المؤمنين والمصلحين، وذكر صفاتهم وأعمالهم، فجاءت هذه الآية لتبين حال الأشقياء الذين اتصفوا بعكس صفات المؤمنين؛ فهؤلاء الأشقياء ينقضون عهد ربهم عز وجل من بعد ما أكده عليهم على أيدي رسله، وغلظ عليهم، فلم يقابلوه بالانقياد والتسليم؛ بل قابلوه بالإعراض والنقص، ويقطعون ما أمرهم ربهم بوصله، فلم يصلوا ما بينهم وبين ربهم بالإيمان والعمل الصالح، ولا وصلوا الأرحام ولا أدوا الحقوق، بل أفسدوا في الأرض بالكفر والمعاصي، والصد عن سبيل الله وابتغائها عوجًا، لذا استحق هؤلاء اللعن والبعد والذم من الله وملائكته وعباده المؤمنين، واستحقوا سوء الدار في نار الجحيم وما فيها من العذاب الأليم49.

    والموضع الثاني: الذي ذكر فيه سبحانه لعنته للمفسدين في الأرض هو قوله تعالى: ( ﭿ ) [محمد: ٢٢-٢٣].

    وهاتان الآيتان جاءتا في سياق مخاطبة الذين في قلوبهم مرض من المنافقين، الذين قال الله عز وجل فيهم: ( ﭞﭟ ﭫﭬ ﭲﭳ ) [محمد: ٢٠-٢١].

    ومعنى الآيتين: «فلعلكم إن توليتم عن تنزيل الله جل ثناؤه، وفارقتم أحكام كتابه، وأدبرتم عن محمد صلى الله عليه وسلم وعما جاءكم به أن تعصوا الله في الأرض؛ فتكفروا به، وتسفكوا فيها الدماء، وتعودوا لما كنتم عليه في جاهليتكم من التشتت والتفرق بعد ما قد جمعكم الله بالإسلام، وألف به بين قلوبكم»50.

    فهذان الموضعان قد ورد فيهما لعن المفسدين في الأرض، والمراد بالإفساد في الموضعين -كما بين المفسرون- كل ما يدخل تحت مسمى الإفساد، وأعظم ذلك الكفر والعصيان وسفك الدماء والصد عن سبيل الله عز وجل 51، وقد جمع الله عز وجل في الموضعين -مع الإفساد في الأرض- تقطيع الأرحام التي أمر الله عز وجل بأن توصل، وفي ذلك تعظيم لشأن الرحم، وبيان لعظم جرم من قطعها.

    وقد كانت صيغة اللعن للمفسدين مختلفة في الموضعين؛ ففي الموضع الأول: جاءت بصيغة: ( )، وفي الموضع الثاني: بصيغة: ( ).

    سادسًا: الذين يؤذون الله ورسوله:

    لقد أخبر الله سبحانه عن لعنته لمن آذاه وآذى رسوله صلى الله عليه وسلم، وتوعدهم سبحانه بالعذاب المهين؛ فقال سبحانه: ( ) [الأحزاب: ٥٧].

    والذين يؤذون الله عز وجل هم الذين خالفوا ما أمر به سبحانه، وعصوه، وانتهكوا ما حرم، وأصروا على ذلك، ووصفوه سبحانه بما هو منزه عنه، أما من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين طعنوا فيه صلى الله عليه وسلم، أو نالوا منه بسب أو شتم أو عيب، أو آذوه بأي نوع من أنواع الأذى52.

    والملاحظ أن لعنة الله عز وجل لهؤلاء شديدةٌ مغلظةٌ؛ حيث إنه سبحانه قد لعنهم في الدنيا والآخرة، فهم مطرودون من رحمة ربهم عز وجل في الدنيا والآخرة، وهذه اللعنة توجب زوال النصر والتوفيق عنهم من كل وجه، وتبعدهم عن أسباب الرحمة في الدارين، ومن هذه اللعنة أنهم استحقوا القتل في الدنيا، واستحقوا العذاب المهين في النار في الآخرة53.

    وكما أن لعنة هؤلاء جاءت شديدة مغلظة فإن العذاب الذي توعدهم الله عز وجل به شديدٌ أيضًا ؛ وذلك إن الله عز وجل قد أخبر بأنه أعد لهم عذابًا مهينًا، والعذاب المهين أشد وأفظع من العذاب الأليم؛ فإن العذاب المهين يشمل العذاب الأليم ويزيد عليه الإهانة، والإهانة إذلال وتحقير وخزي، وذلك قدر زائد على ألم العذاب؛ فقد يعذب الرجل الكريم ولا يهان، ولم يذكر الله عز وجل في كتابه العزيز أنه أعد عذابًا مهينًا إلا في حق الكافرين، كقوله تعالى: ( ﯥﯦ ) [النساء: ٣٧].

    وقوله سبحانه: ( ﮋﮌ ) [النساء: ١٥١]54.

    سابعًا: أقوام ملعونون:

    ذكر الله عز وجل في كتابه العزيز لعنته لأقوام معينين، أرسل إليهم سبحانه الرسل لهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولكنهم جحدوا واستكبروا وأصروا على كفرهم وعنادهم رغم ما رأوا من آيات الله عز وجل ومعجزاته التي أجراها على يد رسله عليهم السلام ؛ فاستحق هؤلاء الكافرون المكذبون لعنة الله وسخطه وعذابه.

    ومن هؤلاء الأقوام الذين لعنهم الله عز وجل في كتابه العزيز قوم عاد، الذين كذبوا رسول الله إليهم هود عليه السلام.

    قال تعالى: ( ﮯﮰ ﯚﯛ ) [هود: ٥٠].

    فلما أصروا على كفرهم وتكذيبهم، وعصوا رسول الله إليهم، واتبعوا كبراءهم وسادتهم المستكبرين المعاندين للحق أرسل الله عز وجل عليهم العذاب، واستحقوا لعنة الجبار سبحانه.

    قال تعالى: ( ﮩﮪ ﯝﯞ ﯣﯤ ) [هود: ٥٩ - ٦٠].

    ولقد كانت لعنة الله عز وجل عليهم لعنةً شديدةً مغلظةً، حيث إنهم قد لعنوا في الدنيا، ويوم القيامة لهم لعنة متبوعة باللعنة التي سبقت عليهم في الدنيا، فاللعنة مستمرة عليهم، متصلة إلى يوم القيامة55.

    ولذا فقد استحقوا الدعاء بالإبعاد عن رحمة الله عز وجل ( )، وفي هذا الدعاء عليهم تهويل لأمرهم، وتفظيع لحالهم، وبعث على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم56.

    ونظير هؤلاء في استحقاق الإبعاد واللعن الشديد في الدارين فرعون وقومه، الذين كذبوا رسول الله إليهم موسى عليه السلام، وبدلًا من طاعته واتباع هديه اتبعوا أمر فرعون، ( ﯼﯽ ﯿ ﭖﭗ ﭡﭢ ) [هود: ٩٦ - ٩٩].

    فلما كان فرعون قدوة لقومه في الكفر والضلال في الدنيا، فهو كذلك يوم القيامة، يتقدمهم وهم يتبعونه، إلى أن يدخلهم النار معه ( )57.

    ولما كان جرمهم عظيمًا، وذنبهم كبيرًا -إذ استحبوا الكفر على الإيمان، وقدموا طاعة فرعون على طاعة الرحمن- كانت عليهم اللعنة في الدارين ( ﭡﭢ ) أي أن اللعن من الله، والملائكة، والأنبياء ملتصقٌ بهم في هذه الدنيا وفي الآخرة أيضًا، لا يزول عنهم58.

    وقد ذكر الله عز وجل اللعنة التي جوزي بها فرعون وجنده في الدنيا والآخرة في موضع آخر من كتابه العزيز، وذلك في قوله تعالى عن فرعون: ( ﮤﮥ ﮰﮱ ﯜﯝ ) [القصص: ٣٩ - ٤٢].

    ثامنًا: القاتل للمؤمن عمدًا:

    إن للنفس المؤمنة عند الله عز وجل حرمة عظيمة، ومن شدة حرمتها أنه سبحانه جعل اللعن والخلود في عذاب جهنم لمن اعتدى على هذه النفس المؤمنة فقتلها، وقد ورد لعن قاتل النفس المؤمنة في آية واحدة من كتاب الله عز وجل، وذلك قوله تعالى: ( ) [النساء: ٩٣].

    لقد بينت الآية مدى حرمة النفس المؤمنة من خلال بيان شدة العقوبة وغلظها على من تجرأ على حرمة هذه النفس فقتلها عمدًا، قال ابن كثير: «وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله عز وجل ؛ حيث يقول سبحانه في سورة الفرقان: ( ) [الفرقان: ٦٨] الآية.

    والآيات والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدًا»59.

    إن الوعيد الذي ذكره الله عز وجل في شأن قاتل النفس المؤمنة عمدًا لهو وعيد عظيم، ترجف منه القلوب، وتنصدع له الأفئدة، فلم يرد في أنواع الكبائر وعيدٌ أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله؛ حيث إن الله عز وجل قد أخبر بأن من اقترف ذلك فإن جهنم هي جزاؤه، فهذا الذنب العظيم قد كفى وحده أن يجازى صاحبه بجهنم، بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، ثم إن للقاتل فوق ذلك غضب الجبار سبحانه، وزيادة على ذلك فقد لعنه الله عز وجل فأبعده وطرده من رحمته، وأخزاه، وحرمه من الفوز والفلاح، وأعد له عذابًا عظيمًا، فبئس ذلك المصير!! ونعوذ بالله عز وجل من كل سبب يبعد عن رحمته60.

    تاسعًا: الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات:

    إن من الذين ذكر الله عز وجل لعنهم في كتابه العزيز من يخوضون في أعراض المؤمنين، فيقولون الإفك، ويدعون الكذب، طاعنين أعراض المؤمنات العفيفات الغافلات عن كل رذيلة، ومن اقترف ذلك فقد استحق لعنة الله عز وجل.

    قال تعالى: ( ) [النور: ٢٣].

    وللمفسرين أقوال في بيان المقصود بالمحصنات الغافلات اللاتي ورد ذكرهن في الآية.

    وأرجح الأقوال في ذلك ما ذهب إليه شيخ المفسرين الطبري حيث قال بعد أن ذكر أقوال المفسرين: «وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: نزلت هذه الآية في شأن عائشة، والحكم بها عام في كل من كان بالصفة التي وصفه الله بها فيها؛ وإنما قلنا ذلك أولى تأويلاته بالصواب؛ لأن الله عم بقوله: ( ) كل محصنة غافلة مؤمنة، رماها رام بالفاحشة، من غير أن يخص بذلك بعضًا دون بعض، فكل رام محصنة بالصفة التي ذكر الله -جل ثناؤه- في هذه الآية فملعون في الدنيا والآخرة، وله عذاب عظيم، إلا أن يتوب من ذنبه ذلك قبل وفاته»61.

    ولعنة هؤلاء القذفة أخبر الله عز وجل بأنها في الدارين، حيث قال تعالى: ( )، قال المفسرون: «المراد باللعنة في الدنيا الإبعاد، وضرب الحد الذي شرعه الله عز وجل، واستيحاش المؤمنين منهم، وهجرهم لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة، والبعد عن الثناء الحسن والذكر الجميل على ألسنة المؤمنين، وأما لعنتهم في الآخرة فبحرمانهم من الفوز والفلاح، وطردهم من رحمة الله عز وجل، وبالعذاب العظيم الذي أعده الله لهم»62.

    عاشرًا: شجرة الزقوم:

    أخبر الله عز وجل في كتابه العزيز عن شجرةٍ تخرج في أصل الجحيم، يعذب الله سبحانه بها أهل النار؛ يأكلون من طعامها الأثيم، ويجدون من نتنها وخبثها ما يزيدون به عذابًا وألمًا، وقد جاء الخبر في القرآن الكريم عن هذه الشجرة في أربعة مواضع؛ الموضع الأول: في سورة الصافات، حيث ذكر الله عز وجل خبر هذه الشجرة عقب الإخبار عن أهل الجنة وما أعد الله عز وجل لهم من نعيم وشراب وأزواج مطهرة؛ ليكون ذكرها بعد ذلك لمقارنة حال أهل النار وما لهم من عذاب وشقاء بحال أهل الجنة وما أعد لهم من نعيم وسرور.

    قال تعالى: ( ) [الصافات: ٦٢ - ٦٨].

    والمعنى: أنعيم الجنة خير نزلًا أم شجرة الزقوم التي تبنت في أصل الجحيم وفيها من ألوان العذاب ما فيها؟، ( ) فهذا طعامهم وفاكهتهم، وذاك شرابهم بدل رزق أهل الجنة ونعيمهم وشرابهم63.

    والموضع الثاني: الذي أخبر الله عز وجل فيه عن تلك الشجرة الملعونة قوله تعالى: ( ) [الدخان: ٤٣ - ٤٦].

    فقد جعل الله عز وجل تلك الشجرة طعامًا لمن كان أثيمًا كافرًا جاحدًا، فإذا أكل منها كانت في بطنه كعكر الزيت المغلي، تغلي في بطنه كغليان الحميم وحرارته وشدته64.

    والموضع الثالث: الذي ذكرت فيه شجرة الزقوم هو قول الله تعالى: ( ) [الواقعة: ٥١-٥٦].

    وجاء ذكرها هنا في سياق الحديث عن أهل الشمال وما أعد الله لهم من سموم وحميم، فأخبر هنا عن طعامهم وشرابهم؛ فطعامهم شجر الزقوم، هو أقبح الأشجار وأخسها، وأنتنها ريحًا، وأبشعها منظرًا، قال السعدي: «والذي أوجب لهم أكلها -مع ما هي عليه من الشناعة- الجوع المفرط، الذي يلتهب في أكبادهم وتكاد تنقطع منه أفئدتهم. هذا الطعام الذي يدفعون به الجوع، وهو الذي لا يسمن ولا يغني من جوع»65.

    أما الموضع الرابع: الذي ذكرت فيه الشجرة الملعونة فهو قول الله تعالى: ( ﭯﭰ ﭼﭽ ﭿ ) [الإسراء: ٦٠].

    وهنا بين الله عز وجل أن الرؤيا التي أراها لنبيه صلى الله عليه وسلم وهي ما رآه حقيقة من آيات الله عز وجل ليلة الإسراء- وكذلك الشجرة الملعونة في القرآن -وهي شجرة الزقوم على الراجح من أقوال المفسرين- جعلهما الله عز وجل فتنة يفتن بهما الناس؛ فأما المؤمن بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم فقد صدق بما أخبر به الله سبحانه وبما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما من سبق عليه الكفر فقد كفر وأنكر ذلك.

    قال ابن عطية: «والشجرة هنا في قول الجمهور هي: شجرة الزقوم؛ وذلك أن أمرها لما نزل في سورة الصافات قال أبو جهل وغيره: هذا محمد يتوعدكم بنار تحرق الحجارة، ثم يزعم أنها تنبت الشجر، والنار تأكل الشجر، وما نعرف الزقوم إلا التمر بالزبد، ثم أمر أبو جهل جارية له فأحضرت تمرًا وزبدًا، وقال لأصحابه: تزقموا66، فافتتن. أيضًا بهذه المقالة بعض الضعفاء، فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه إنما جعل الإسراء وذكر شجرة الزقوم فتنةً واختبارًا؛ ليكفر من سبق عليه الكفر، ويصدق من سبق له الإيمان»67.

    ومعنى إخبار الله عز وجل عن شجرة الزقوم بأنها شجرة ملعونة في القرآن أي: أن ذكرها باللعن قد ورد في القرآن، وهو قول الله تعالى: ( ) [الدخان: ٤٣ - ٤٤].

    ومعنى كونها ملعونة: أي أنها مذمومة، قال الزجاج: «العرب تقول لكل طعام مكروه وضار ملعون»68، أو المراد بالملعونة الملعون آكلها، أو أن معنى الملعونة المبعدة عن منازل أهل الفضل69.

    أسباب اللعن

    لاشك في أن من ورد اللعن في حقهم في القرآن الكريم قد اقترفوا من الجرائم والآثام، وارتكبوا من الكبائر والموبقات ما استحقوا به ذلك اللعن والإبعاد، ولولا شدة قبح جرمهم لما لعنهم الله عز وجل، وهو سبحانه العفو الغفور، والحليم الصبور.

    وفي السطور الآتية نقف بإذن الله تعالى على الأسباب التي استحق بها الملعونون ذلك اللعن، وذلك من خلال تتبع الآيات القرآنية التي ورد فيها لعن لهم، وبينت سبب لعنهم:

    ١. الكفر والشرك بالله عز وجل.

    إن الكفر بالله عز وجل أو بما أرسل به رسله عليهم السلام هو أعظم ما يقترفه الإنسان من ذنب، وليس أعظم من الكفر ذنب -والشرك بالله عز وجل داخل تحت الكفر-؛ لأن من كفر أو أشرك فإنه لم يؤد حق الله عز وجل عليه، وحق الله عز وجل على عباده: -كما جاء في الحديث- (أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا)70؛ ولذلك فإن الله عز وجل قد أخبر عباده بأنه سبحانه يغفر كل الذنوب إلا الكفر والشرك، قال سبحانه: ( ﮐﮑ ) [النساء: ١١٦].

    وإن من كفر أو أشرك بربه عز وجل، فقد ظلم نفسه ظلمًا عظيمًا، ليس كمثله ظلم، ( ) [لقمان: ١٣].

    وإن الذين كفروا هم شر الخلق على الإطلاق، ( ﯖﯗ ) [البينة: ٦].

    ولقد أرسل الله عز وجل الرسل ليرشدوا الناس إلى توحيد ربهم عز وجل، وتحذيرهم من أعظم الذنوب، من الكفر والشرك، وعبادة غير الله عز وجل، ( ) [النحل: ٣٦].

    ولذا فإن من لقي الله عز وجل يوم القيامة بكفرٍ أو شركٍ لم يتب منه وفارق الدنيا عليه استحق من الله عز وجل اللعن المغلظ، والطرد من رحمته سبحانه، واستحق الخلود في نار جهنم وبئس المصير، قال الله عز وجل: ( ﯳﯴ ) [البقرة: ١٦١-١٦٢].

    لقد كان اللعن والخلود في النار جزاءً وفاقًا لمن كفر بربه، واستمر على كفره، ولم ينتفع بآيات الله عز وجل من حوله، استكبارًا عن الحق، وتعالٍ عن الهدى والنور الذي بعثه الله إليه، فما أشد عذابه! ويا لسوء مصيره! ( ﭭﭮ ﭿ) [الأحزاب: ٦٤ - ٦٦].

    وإن أشنع الكفر أن يكفر الإنسان بعد أن يهديه الله عز وجل إلى الإيمان، فهذا الذي رأى النور بعد الظلام، ففضل الظلام على النور، وانتكس على نفسه، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، واشترى الضلالة بالهدى، فليس له جزاء إلا اللعن من الله عز وجل ومن ملائكته ومن الناس أجمعين، خالدًا في العذاب لا يخفف عنه، ولا ينظر، قال الله عز وجل: ( ﯳﯴ ) [البقرة: ١٦١- ١٦٢].

    ولقد توعد الله عز وجل الكفار مع إخوانهم المنافقين -وهم كفار مثلهم- بنار جهنم وباللعن وبالعذاب المقيم، قال سبحانه: ( ﯤﯥ ﯧﯨ ﯪﯫ ) [التوبة: ٦٨].

    ٢. الظلم.

    لقد استحق الظالمون اللعن من الله عز وجل، ( ﭵﭶ ) [غافر: ٥٢].

    وقد ورد لعن الظالمين -صريحًا- في موضعين آخرين من القرآن الكريم، وقد بين الله عز وجل في كلا الموضعين صفات أولئك الظالمين؛ فقال سبحانه في الموضع الأول: ( ﭢﭣ ﭥﭦ ) [الأعراف: ٤٤-٤٥].

    وقال سبحانه في الموضع الآخر: ( ﯫﯬ ﯷﯸ ﯿ ) [هود: ١٨- ١٩].

    ونلاحظ بأن المراد بالظالمين في كلا الموضعين هم الكفار، وقد ذكر الله عز وجل -في كلا الموضعين- الصفات نفسها لأولئك الظالمين، وصفاتهم هي أنهم: يصدون عن سبيل الله، ويبغون السبيل المعوج لا الصراط المستقيم، وهم كافرون بالآخرة وبلقاء ربهم عز وجل، قال ابن كثير: «يصدون الناس عن اتباع سبيل الله وشرعه وما جاءت به الأنبياء، ويبغون أن يكون السبيل معوجة غير مستقيمة؛ حتى لا يتبعها أحد، وهم بلقاء الله في الدار الآخرة كافرون جاحدون مكذبون بذلك، لا يصدقونه ولا يؤمنون به؛ فلهذا لا يبالون بما يأتون من منكرٍ من القول والعمل؛ لأنهم لا يخافون حسابًا عليه، ولا عقابًا، فهم شر الناس أقوالًا وأعمالًا»71.

    إن أولئك الظالمين قد ظلموا أنفسهم أولًا إذ فتح الله لهم أبواب رحمته فصدوا أنفسهم عنها، وبعث إليهم الهدى والنور فاستحبوا العمى على الهدى، ثم هم بعد ذلك قد ظلموا غيرهم بأن صدوهم عن سبيل الله، ومنعوهم من الدخول في دينه والإيمان برسله، فما أشد ظلمهم إذ حرموا أنفسهم وحرموا غيرهم من رحمة الله عز وجل، ومن جنة الخلد، واستبدلوا ذلك بالخلد في نار جهنم وبئس المصير72.

    ٣. الكذب والافتراء على الله عز وجل.

    إن من أقبح الآثام وأعظم الجرائم الكذب على الله عز وجل، ووصفه سبحانه بما لا يليق بعظيم جلاله وسلطانه، وافتراء الكذب عليه سبحانه لصد الناس عن سبيله؛ ولذا استحق من فعل تلك الآثام القبيحة أن تحل عليه اللعنة، وأن يطرد من الرحمة.

    ولقد افترى اليهود على الله عز وجل كذبًا عظيمًا، وجاءوا ببهتانٍ مبين، وجرمهم هذا من أهم الأسباب التي استحقوا بها لعنة الجبار سبحانه ؛ فهم الذين نسبوا البخل لله عز وجل، وقالوا على الله عز وجل افتراءً وكذبًا: يد الله مغلولة. فكانت عليهم اللعنة بما قالوا.

    قال الله عز وجل عنهم: ( ﯧﯨ ﯭﯮ ) [المائدة: ٦٤].

    ومن افتراء اليهود على الله عز وجل تحريفهم لكتابه سبحانه، وكتمان بعض ما جاء به من الحق، وطعنهم في دين الله، واستبدالهم الضلالة بالهدى.

    قال الله عز وجل عنهم: ( ﭮﭯ ﭿ ) [النساء: ٤٦].

    لقد كانوا يبدلون معنى كلام الله الذي عندهم في التوراة ويغيرونه عن تأويله، وكانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيستمعون إلى كلامه، ويسألونه عن الأمر، فيخبرهم، فيرى أنهم يأخذون بقوله، فإذا انصرفوا من عنده حرفوا كلامه وغيروه كذبًا وافتراءً73.

    ومن افتراء اليهود وكذبهم أنهم كتموا الهدى والبينات، وكتموا صفة النبي صلى الله عليه وسلم المكتوبة عندهم؛ ليصدوا الناس عن الدخول في دين الله عز وجل، فاستحقوا اللعن من الله عز وجل، ( ﮮﮯ ﯞﯟ ) [البقرة: ١٥٩-١٦٠].

    فهذه الآية نزلت -كما ذكر المفسرون- في أحبار اليهود ورهبان النصارى الذين كتموا أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقال بعض المفسرين: المراد بها كل من كتم الحق؛ فهي عامة في كل من كتم علمًا من دين الله يحتاج إلى بثه74، قال السعدي: «هذه الآية وإن كانت نازلة في أهل الكتاب وما كتموا من شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصفاته، فإن حكمها عام لكل من اتصف بكتمان ما أنزل الله من الدالات على الحق المظهرات له، ومن العلم الذي تحصل به الهداية إلى الصراط المستقيم، ويتبين به طريق أهل النعيم من طريق أهل الجحيم»75.

    إن الكذب على الله عز وجل أشنع الكذب وأقبحه، ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من أن تقع في شيء مما وقعت فيه اليهود من الكذب على الله عز وجل، فحذر صلى الله عليه وسلم من الكذب عليه فالكذب عليه صلى الله عليه وسلم كذب على الله عز وجل فقال صلى الله عليه وسلم: (إن كذبًا علي ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)76.

    ٤. الإضلال.

    لاشك بأن من أضل غيره قد تعدى شره إلى الآخرين، فلم يكتف بأن يكون وحده في ظلمات الضلال والغواية، وإنما أرادت نفسه الخبيثة أن يشرك غيره في ضلاله وغوايته، وهو بذلك يكون قد ظلم نفسه وظلم غيره، وحرم نفسه وحرم غيره من رحمة الله عز وجل، وأي ظلم أعظم من ذلك؟!.

    ولا شك بأن إبليس اللعين على رأس أولئك المضلين؛ إذ إنه تعهد بعد أن لعنه الله عز وجل بأن يضل عباد الله إلا المخلصين منهم، ( ) [الحجر: ٣٩- ٤٠].

    وفي موضع آخر من كتاب الله عز وجل أخبر سبحانه عن قسم إبليس على سعيه لإضلال العباد، قال تعالى عن إبليس اللعين: ( ) [ص: ٨٢- ٨٣].

    ولذا فقد حذرنا الله عز وجل منه أعظم تحذير، وبين لنا مكايده وسبل إغوائه؛ لنتجنبه ونحذر منه.

    قال الله عز وجل: ( ﮧﮨ ﯚﯛ ﯩﯪ ) [النساء: ١١٧ - ١٢٠].

    ومن المضلين الذين يسعون في إضلال العباد، ويحرفونهم عن الصراط بعض السادة والكبراء، الذين استكبروا واستعبدوا الناس، ونصبوا أنفسهم على رؤوس الخلائق، يأمرون بالشر، وينهون عن المعروف، ويصدون الناس عن الهداية، ويضلونهم بأهوائهم، فما لهؤلاء المجرمين إلا اللعنة وسوء الدار.

    إن هؤلاء الأسياد المضلين يلعنهم أتباعهم الذين ضلوا بسببهم، يجتمعون في النار فيلعن بعضهم بعضًا كما أخبرنا ربنا عز وجل بذلك عنهم إذ قال سبحانه: ( ﭿ ) [الأحزاب: ٦٦ - ٦٨].

    ومن المضلين أيضًا اليهود المجرمون، الذين حاربوا النبي صلى الله عليه وسلم، وحملهم ما في قلوبهم من الكبر والحسد أن يكتموا الحق، وأن يصدوا الناس عن سبيل الله عز وجل، قال الله عز وجل عنهم: ( ) [آل عمران: ٦٩].

    قال القرطبي: «( ): أي يكسبونكم المعصية بالرجوع عن دين الإسلام والمخالفة له»77.

    ولا شك بأن كل من سعى ليضل الناس ويصدهم عن سبيل الله عز وجل وينفق أمواله في ذلك فهو مستحق للعن والإبعاد، والخلود في النار وبئس المهاد، ( ﭿﮀ ﮇﮈ ) [الأنفال: ٣٦].

    ٥. الإفساد في الأرض وقطع ما أمر الله أن يوصل.

    لقد بين الله عز وجل في كتابه العزيز أن الإفساد في الأرض سبب للوقوع في لعنة الله سبحانه فقال: ( ﭿ ) [محمد: ٢٢- ٢٣].

    فمن تولى عن شرع الله عز وجل، وفارق أحكام كتابه، وأدبر عن منهج نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ فعصى وكفر، ودعا إلى غير دين الله عز وجل، وسفك الدماء، وقطع الأرحام، وأعاد الفرقة والتشتت إلى الأمة الإسلامية كما كانوا في الجاهلية، وسعى في ظلم العباد فهذا هو المفسد في الأرض78، وهذا مستحق لأن يبعده الله عز وجل من رحمته ويلعنه، ويسلبه سمعه فلا ينتفع بما يسمع من الهدى، ويسلبه بصره وعقله فلا يهتدي للحق، ولا يتذكر ما يرى من عبر وآيات79.

    وقد قال الله عز وجل في موضع آخر من كتابه العزيز مخبرًا عن أولئك المفسدين القاطعين لما أمر سبحانه أن يوصل: ( ﯘﯙ ) [الرعد: ٢٥].

    فهذا حال الأشقياء المفسدين، وهذه صفاتهم، وقد ذكر الله عز وجل مصيرهم وما لهم في الآخرة من اللعن وسوء الدار والمآل، قال ابن كثير: «قال أبو العالية في قوله تعالى: ( ) الآية قال: هي ست خصال في المنافقين إذا كان فيهم الظهرة على الناس أظهروا هذه الخصال: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، وإذا كانت الظهرة عليهم أظهروا الثلاث الخصال: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا»80.

    وقد ذكر المفسرون أقوالًا في المراد بما أمر الله به أن يوصل في قوله تعالى: ( )، فقالوا: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قطعوه بالتكذيب والعصيان، وقالوا: التصديق بالأنبياء؛ أمروا بوصله فقطعوه بتكذيب بعض وتصديق بعض. وقالوا: الرحم والقرابة، وقالوا: إنه على العموم في كل ما أمر الله به أن يوصل. وقد رجح أبو حيان هذا القول الأخير وقال: «وهذا هو الأوجه؛ لأن فيه حمل اللفظ على مدلوله من العموم، ولا دليل واضح على الخصوص»81.

    أما الإمام الطبري فرجح أن يكون المراد بما أمر الله به أن يوصل: الرحم والقرابة، وبين أن قطعها يكون بترك أداء ما ألزم الله من حقوقها، وأوجب من برها، وأن وصلها يكون بأداء الواجب لها من حقوق الله التي أوجب لها، والتعطف عليها؛ ولم ينف رحمه الله أن تكون الآية عامة في قطع كل ما أمر الله عز وجل بوصله، فقال: «غير أنها دالةٌ على ذم الله كل قاطعٍ قطع ما أمر الله بوصله، رحمًا كانت أو غيرها»82.

    ٦. الاعتداء على الآخرين.

    لقد حرم الله عز وجل على عباده أن يعتدي بعضهم على بعض، وحرم سبحانه عليهم إيذاء العباد من غير وجه شرعي؛ فحرم القتل، والزنا، والسرقة، والغصب، وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك من الذنوب والآثام التي فيها اعتداء على الآخرين، وقد بين سبحانه في غير موضع من كتابه العزيز حرمة تلك الجرائم؛ بل قرنها سبحانه بالشرك الذي هو أعظم الذنوب، من ذلك قوله عز وجل: ( ﯘﯙ ﯝﯞ ﯠﯡ ﯦﯧ ﯪﯫ ﯳﯴ ﯼﯽ ﯿ ﭛﭜ ﭠﭡ ﭦﭧ ﭮﭯ ﭲﭳ ) [الأنعام: ١٥١- ١٥٢].

    وقد جعل الله عز وجل العقوبات الرادعة في الدنيا لمن اقترف شيئًا من تلك الجرائم، وجعل سبحانه العقاب العادل في الآخرة لمن لم يتب منها، ومات مصرًا عليها، ولم يعد الحقوق لأصحابها.

    ولا شك أن أعظم أنواع الاعتداء على الآخرين هو إزهاق أنفسهم بالقتل المتعمد؛ ولذا فقد جعل الله عز وجل العقوبة الشديدة، والعذاب الأليم لمن اقترف جريمة القتل العمد، قال عز وجل: ( ) [النساء: ٩٣].

    فقد جمع الله عز وجل للقاتل المتعمد فوق عذاب جهنم الذي يخلد فيه غضب الجبار سبحانه، واللعنة، والعذاب العظيم، قال ابن كثير: «وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله؛ حيث يقول سبحانه في سورة الفرقان: ( ) [الفرقان: ٦٨]الآية.

    والآيات والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جدًا»83.

    وكما أن الله عز وجل قد جعل اللعنة على القاتل العمد لاعتدائه على الأنفس البريئة، فإنه سبحانه قد جعل اللعنة أيضًا على من اعتدى على أعراض المسلمين الطاهرة العفيفة؛ فالاعتداء على الأعراض أمر عظيم، وأذيته للمؤمنين كبيرة، ومفسدته خطيرة؛ لذا فقد جعل الله عز وجل اللعن في الدنيا والآخرة لمن اقترف تلك الرذيلة، فقذف المؤمنات الغافلات، وخاض في أعراض المسلمين بدون حجة أو برهان، قال الله عز وجل: ( ) [النور: ٢٣].

    وقد ذكر المفسرون أقوالًا في المراد بالمحصنات الغافلات المؤمنات اللاتي ذكرهن الله عز وجل في الآية؛ فقال بعضهم: المراد عائشة رضي الله عنها . وقال آخرون: المراد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كلهن. وقال بعضهم: نزلت هذه الآية في شأن عائشة، وعني بها كل من كان بالصفة التي وصف الله في هذه الآية، قالوا: فذلك حكم كل من رمى محصنة، لم تقارف سوءًا. وهذا القول الأخير هو ما رجحه الإمام الطبري رحمه الله تعالى84.

    ٧. نقض العهود المؤكدة.

    لقد أمر الله عز وجل بالوفاء بالعهود في غير آية من كتابه العزيز، قال عز وجل: ( ) [المائدة: ١].

    وقال سبحانه: ( ) [الأنعام: ١٥٢].

    ومدح سبحانه الموفين بالعهد، قال عز وجل: ( ﭸﭹ ﭿﮀ ﮃﮄ ) [البقرة: ١٧٧].

    وبين سبحانه أن الوفاء بالعهود صفة عباده المتقين: ( ) [الرعد: ٢٠].

    وبين سبحانه أيضًا عظم العهد عند الله عز وجل، وأن العبد مسؤول عنه يوم القيامة.

    قال تعالى: ( ﯛﯜ ) [الإسراء: ٣٤].

    وفي مقابل ذلك بين سبحانه أن نقض العهود ذنب عظيم، وإثم كبير، لا يقترفه إلا المجرمون المفسدون، ( ﯗﯘ ) [البقرة: ٢٧].

    ولعظم نقض العهود فقد جعل الله عز وجل اللعنة لمن فعل ذلك، فقال سبحانه: ( ﯘﯙ ) [الرعد: ٢٥].

    وإن ممن اشتهر بنقض العهود اليهود الذين قال الله عز وجل فيهم: ( ﯜﯝ ) [البقرة: ١٠٠].

    فنقض العهود صفة لليهود، كانت من أسباب استحقاقهم للعنة الله سبحانه، ( ) [المائدة: ١٣].

    ومعنى الآية: أنه بسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعنهم الله عز وجل، وجعل قلوبهم قاسية غليظة؛ فلا تجدي فيها المواعظ، ولا تنفعها الآيات والنذر85.

    فنقض العهود سبب لاستحقاق اللعن والطرد من رحمة الله عز وجل ؛ ولذا فإن المؤمن حريص على الوفاء بالعهود كلها، سواء ما كان بينه وبين ربه عز وجل، أو ما كان بينه وبين العباد.

    ٨. الكذب ونشر الأخبار الكاذبة.

    لقد أمر الله عز وجل عباده بالصدق: ( ) [التوبة: ١١٩].

    ومدح سبحانه الصادقين: ( ﭧﭨ ) [الزمر: ٣٣].

    فالصدق خلق المؤمنين المتقين، وهو سبب للفوز بجنة النعيم، وعكسه الكذب، الذي هو صفة الكافرين والمنافقين، وسبب لاستحقاق عذاب الجحيم.

    ولقد حرم الإسلام الكذب؛ بل وعده من كبائر الذنوب التي تهلك صاحبها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب كذابًا)86، وإن المداومة على الكذب، واستمراءه، ونشره بين الناس من أسباب وقوع العبد في لعنة الله عز وجل ؛ لأن فيه مفسدة عظيمة على الأمة المسلمة.

    ولا شك أن أعظم الكذب هو الكذب على الله عز وجل، أو على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولقد أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يباهل من أصر على الكذب ورفض الانصياع للحق من نصارى وفد نجران الذين جاؤوا يحاجون في أمر عيسى عليه السلام، فأنزل الله عز وجل على نبيه الآيات البينات من مطلع سورة آل عمران تبين الحق في أمر عيسى عليه السلام، وقد قال عز وجل في خاتمتها: ( ) [آل عمران: ٦١].

    فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يباهل87 من عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور الحق؛ فإن من أصر على الكذب بعد ذلك فهو مستحق للعنة الله عز وجل 88.

    وإن من أسباب استحقاق لعنة الله عز وجل اختلاق الأخبار الكاذبة ونشرها بين الناس؛ لأجل زعزعة الأمن، ونشر الخوف والفتنة بين المسلمين -ولا يخفى ما في ذلك من خطورة شديدة على الأمة الإسلامية-، وهذا ما كان يفعله المنافقون في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أنزل الله عز وجل تهديده ووعيده لهم: ( ﯫﯬ ) [الأحزاب: ٦٠-٦١].

    والمراد بالمرجفين في المدينة: الذين ينشرون الأخبار الكاذبة بين المسلمين ليبثوا الخوف بينهم؛ فيقولوا: جاء الأعداء، وجاءت الحروب، وقتل من كان في سرية كذا، والعدو حول المدينة وغير ذلك من أخبار الكذب التي يقصد بها الإرجاف بين المسلمين، وقد توعد الله عز وجل هؤلاء المنافقين -إن لم ينتهوا عن فعلهم هذا- بأن يسلط عليهم نبيه صلى الله عليه وسلم ؛ فينفيهم من المدينة نفيًا، ملعونين مطرودين من رحمة الله عز وجل 89.

    الملاعنة بين الزوجين

    إن من متطلبات الحديث عن اللعن في سياق القرآن الكريم الحديث عن الملاعنة بين الزوجين؛ لأن تلك الملاعنة من اللعن الذي شرعه الله عز وجل لعباده كحكم شرعي يخص قضية معينة تقع بين الزوجين، وفيما يأتي بيان موجز لمعنى الملاعنة وحقيقتها:

    الملاعنة لغة: مصدر لاعن كقاتل، مشتق من اللعن، واللعان والملاعنة: اللعن بين اثنين فصاعدًا، وسمي به ما يحصل بين الزوجين؛ لأن الزوج يلعن نفسه في الشهادة الخامسة، وأطلق في جانب المرأة من مجاز التغليب90، يقال: لاعن الرجل زوجته ملاعنة ولعانا برأ نفسه باللعان من حد قذفها بالزنا91.

    الملاعنة اصطلاحًا: للفقهاء تعريفات عدة للملاعنة، وكلها تؤدي إلى المعنى ذاته، من تلك التعريفات: «شهاداتٌ أربعٌ، مؤكداتٌ بالأيمان، مقرونة شهادة الزوج باللعن، وشهادة المرأة بالغضب، قائمة شهاداته مقام حد القذف في حقه، وشهاداتها مقام حد الزنا في حقها»92.

    وحقيقة اللعان تكون في حالة رمي الرجل امرأته بالزنا، وليس معه أربعة شهداء، فيحلف أربع مرات إنه لمن الصادقين، وفي الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فإن أنكرت الزوجة ذلك، وأرادت أن تدفع عن نفسها حد الزنا فإنها تحلف أربع مرات إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن عليها غضب الله إن كان من الصادقين، فإذا تم اللعان سقط عن الزوج حد القذف، واندرأ عن الزوجة عذاب الزانية المحصنة، وحصلت الفرقة بينهما والتحريم المؤبد، وانتفى الولد إذا ذكر في اللعان93.

    وقد بين الله عز وجل أحكام اللعان في آياتٍ بيناتٍ من سورة النور، فقال سبحانه: ( ﯛﯜ ﯲﯳ ﯿ ) [النور: ٦ - ٩].

    قال السعدي: «وإنما كانت شهادات الزوج على زوجته، دارئة عنه الحد، لأن الغالب أن الزوج لا يقدم على رمي زوجته، التي يدنسه ما يدنسها إلا إذا كان صادقًا، ولأن له في ذلك حقًا، وخوفًا من إلحاق أولادٍ ليسوا منه به، ولغير ذلك من الحكم المفقودة في غيره»94.

    وقد شرع الله عز وجل للزوج أن يلعن نفسه في الشهادة الخامسة إن كان من الكاذبين فيما رمى به زوجته -وهذه هي الحالة الوحيدة في الشرع التي يؤمر فيها المسلم بلعن نفسه إن كان من الكاذبين-، ولا يخفى أن في ذلك تغليظًا شديدًا على من رمى زوجته وهو كاذب؛ إذ إنه يلعن نفسه، ويحل على نفسه لعنة الله عز وجل ؛ وهو مستحق لذلك؛ لأن فعله غاية في القبح، وجرمه غاية في البشاعة؛ إذ إنه بفعلته تلك يكون قد قبح عرض زوجته، وعرضها للعنة الناس، ونبذ الأزواج لها95.

    ولا شك بأن في ذلك التشريع الإلهي الحكيم سدًا لباب رمي الزوجة لمجرد الشك أو الشبهة؛ فلا يقدم الرجل على رمي زوجته إلا إذا كان متأكدًا بنفسه من وقوع الفاحشة منها.

    أما الزوجة إن لم تتب وتعترف بعد شهادات زوجها -إن كان من الصادقين-، وتسلم لحكم الله عز وجل، وتشهد أربع شهادات بالله - وهي كاذبة - على أن زوجها من الكاذبين فهي بذلك أعظم جرمًا منه؛ لأنها تعلم صدقه فيما رماها به، ومع ذلك تشهد بالله على خلاف ما قد علمت، فاستحقت بذلك غضب الله عليها -والغضب أشد من اللعن-، فأشبهت بفعلتها تلك فعل اليهود المغضوب عليهم، الذين يعرفون الحق ثم يكتمونه96.

    قال أبو السعود: «وتخصيص الغضب بجانب المرأة للتغليظ عليها لما أنها مادة الفجور، ولأن النساء كثيرًا ما يستعملن اللعن؛ فربما يجترئن على التفوه به لسقوط وقعه عن قلوبهن»97.

    آثار اللعن في الدنيا والآخرة

    لاشك أن للعن آثارًا عظيمةً وخطيرة في الدنيا والآخرة؛ إذ اللعن طرد من رحمة الله عز وجل، وأي خسارة أشد من الطرد من رحمة الرحمن سبحانه ؟! وأي حياة تستقيم بعد الحرمان من رحمة الرحيم الرحمن؟! وأي ملجأ يلجأ إليه العبد، وأي حصن يتحصن به إن هو طرد من الحصن الحصين والملاذ الأمين الذي يجده في رحمة الله عز وجل ؟!

    إن العبد لا غنى له عن رحمة ربه عز وجل، وإنه إن طرد من تلك الرحمة الواسعة فلا أمن له، ولا سعادة في الدنيا، وليس له منجٍ من عذاب الله عز وجل يوم القيامة، فمن ينصره؟ ومن يتولاه؟ ومن يمنعه في ذلك اليوم؟ يوم لا ينفع مال ولا بنون، ( ﮯﮰ ) [الانفطار: ١٩].

    إن من آثار اللعن في الدنيا عدم التوفيق للملعون، ونزع البركة منه ومن رزقه، وحرمانه من رعاية الله عز وجل ومعيته، وتعرضه للأذى وضيق الصدر، وغير ذلك مما يصيب العبد إذا طرد من رحمة الله عز وجل، وقد ذكر المفسرون في المراد من اللعن في الدنيا في قوله تعالى: ( ) [النور: ٢٣].

    بأنه يشمل: التفسيق، وسلب أهلية الشهادة، واستيحاش المؤمنين منهم، ووقوع حد القذف عليهم98.

    إن أثر اللعنة يحيق بالملعون؛ فيحرمه مما هو خير، ولا يبقى في نفسه إلا الشر، فلا يهتدي لطريق الهداية، ولا يوفق إلى سبيل الرشاد، وينحدر بنفسه إلى مهاوي الرذيلة والعصيان، وهذا ما أصاب اليهود لما حلت عليهم لعنة الله عز وجل، ( ﭮﭯ ﭿ ) [النساء: ٤٦]99.

    أما آثار اللعن في الآخرة فهي أشد؛ إذ العبد يوم القيامة أحوج ما يكون إلى رحمة ربه، فكيف يصير حاله إذا طرد من تلك الرحمة، وقد قال الله عز وجل: ( ) [النساء: ٥٢].

    فمن لعنه الله فلن يجد من ينصره، ولن يجد من يدفع عنه عذاب الله عز وجل، ولن يجد من يتولاه ويقوم بمصالحه، ويحفظه من المكاره، وهذا غاية الخذلان والعياذ بالله100.

    ولما كان للعنة آثار مذمومة على الملعون فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى المؤمنين عن أن يلعن بعضهم بعضًا، وحذر من ذلك تحذيرًا شديدًا، وبين صلى الله عليه وسلم عظم ذنب من لعن مؤمنًا فقال صلى الله عليه وسلم: (ولعن المؤمن كقتله)101.

    وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اللعن ليس من صفات المؤمنين فقال صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء)102.

    وأنه (لا ينبغي لصديق أن يكون لعانًا)103.

    وأن من كان كثير اللعن فسيحرم من الخير الكثير يوم القيامة، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكون اللعانون شفعاء، ولا شهداء يوم القيامة)104.

    وحذر صلى الله عليه وسلم أمته من آثار اللعنة التي يطلقها المرء، فلا يدري هل أصابت من لعن أم عادت إليه، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا لعن شيئًا صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينًا وشمالًا، فإذا لم تجد مساغًا رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلًا لذلك، وإلا رجعت إلى قائلها)105.

    بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن مخلوقات غير الإنسان، فنهى عن لعن الديك، ونهى عن لعن الريح، ونهى عن لعن الدابة، فعن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (خذوا ما عليها ودعوها؛ فإنها ملعونة)106.

    وفي ذلك كله دليلٌ على خطورة الآثار المترتبة على اللعن، سواء كانت تلك الآثار في الدنيا أم في الآخرة، والمؤمن يحذر من كل ما قد يوقعه في لعنة الله عز وجل، ويجنب نفسه كل ذنب يترتب عليه لعن أو غضب من الله سبحانه، ويحرص كل الحرص على ما يعرضه لرحمة الرحمن سبحانه، ويدخله في واسع رحمته، وجميل عفوه وستره.

    موضوعات ذات صلة:

    الحمد، الظلم، الكذب، الظلم


1 لسان العرب ٥/٤٠٤٤.

2 أساس البلاغة، ص ٥٦٦.

3 أخرجه أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنه، ١/٢٩٩، رقم ٢٧١٥، وأبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول فيها، رقم ٢٦، ١/١١.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٨٣، رقم ١١٢.

4 انظر: العين، الفراهيدي، ٢/١٤١، مختار الصحاح، الرازي، ص٦١٢، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ٤/٢٦٩.

5 الصارم المسلول على شاتم الرسول ٢/٨٧.

6 إحياء علوم الدين ٣/١٢٣.

7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٦٤٩-٦٥٠.

8 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٧٤١.

9 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٣/١٩٠٩.

10 انظر: المصدر السابق ٤/٢١٩٤.

11 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٢٩٤.

12 التعريفات، الجرجاني ص١٦٥.

13 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٣٤٢.

14 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/٣٣، مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/٢٤٤.

15 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٥٥.

16 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٣/١٩٥٦.

17 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٥١٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/٢١٣.

18 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٣٢٨، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/١٧٧، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢٦.

19 هذه المواضع هي: النساء: ١١٨، الحجر ٣٥، ص: ٧٨، وسيأتي ذكر هذه المواضع بإذن الله عند الحديث عن الملعونين في القرآن الكريم.

20 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٦/٣٧٥، فتح القدير، الشوكاني ٤/٣٤٠.

21 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري ١/٣٤٢.

22 تفسير القرآن العظيم ٥/٣٠٠.

23 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٩٦.

24 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ١/١٦٧.

25 التفسير الوسيط ٢/١٤٧.

26 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٧٢.

27 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٠/٥٠٣، أيسر التفاسير، الجزائري ٤/١٢٤.

28 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢٠٩، مدارك التنزيل، النسفي ٢/٧٩.

29 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/١٣٧.

30 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٦٤.

31 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/١٢٠.

32 تفسير القرآن العظيم ٢/١٣٦.

33 انظر: جامع البيان ٣/٢٥٨.

34 المحرر الوجيز ١/٥٢.

35 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٥٦.

36 زاد المسير ٤/٤٠١.

37 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٤/٤٧، البحر المديد ابن عجيبة ٦/٢٣٣.

38 انظر: الكشاف، الزمخشري ٥/٢٨٣، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/٧٦.

39 زاد المسير ٤/٤٠١.

40 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٢١٠-٢١٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٧٧.

41 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٣٢٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٨.

42 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٨٦.

43 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٢٤٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٣٦.

44 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٣٠.

45 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٤٤٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٩٧.

46 أضواء البيان ١/٢٤٢.

47 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٠٥.

48 انظر: تفسير السمرقندي ١/٢٥٤.

49 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤١٧.

50 جامع البيان، الطبري ٢٢/١٧٧.

51 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/١٧٧، معالم التنزيل، البغوي ٧/٢٨٧.

52 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٣٢٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١١/٢٤٠.

53 انظر: دقائق التفسير، ابن تيمية ٢/٤٥٨، زاد المسير، ابن الجوزي ٦/٤٢٠.

54 انظر: دقائق التفسير، ابن تيمية ٢/٤٥٩.

55 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٣٦٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٤٤٩.

56 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٢١٠.

57 انظر: تفسير السمرقندي ٢/١٦٩.

58 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٠/٥٥٩.

59 تفسير القرآن العظيم ٤/١٩٩.

60 انظر: تيسر الكريم الرحمن، السعدي ص١٩٣.

61 جامع البيان ١٩/١٤٠.

62 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/٢٠١، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/١٩١.

63 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٨٧.

64 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٤٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٢/٣٥١.

65 تيسير الكريم الرحمن ص٨٣٤.

66 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٥/٣١٠.

67 المحرر الوجيز ٣/٤٦٨.

68 معاني القرآن وإعرابه ٣/٢٤٨.

69 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٥/٥٥.

70 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاكٍ فيه دخل الجنة وحرم على النار، رقم ١٥٢، ١/٤٣.

71 تفسير القرآن العظيم ٥/٤٦٥.

72 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٨٩.

73 انظر: جامع البيان، الطبري ٨/٤٣٢، معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٣٠.

74 انظر: الدر المنثور، السيوطي ١/٣٩٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/١٨٤.

75 تيسير الكريم الرحمن ص٧٧.

76 أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه، باب في التحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم ٥، ١/٨.

77 الجامع لأحكام القرآن ٤/١١٠.

78 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٢٢٥، مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٣٦٠.

79 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/١٧٨.

80 تفسير القرآن العظيم ٨/١٣٩.

81 البحر المحيط ١/٢٧٣.

82 جامع البيان ١/٤١٦.

83 تفسير القرآن العظيم ٤/١٩٩.

84 انظر: جامع البيان ١٩/١٣٨-١٤٠.

85 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٣٥، تيسير الكريم الرحمن ص٢٢٥.

86 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله، رقم ٦٨٠٣، ٨/٢٩.

87 أصل الابتهال: الاسترسال في الدعاء، ويفسر الابتهال في الآية باللعن لأجل أن الاسترسال هنا إنما هو لأجل استنزال اللعنة على الكاذب.

انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٦٣.

88 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٧٣-٧٦.

89 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٣٢٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١١/٢٤٣.

90 انظر لسان العرب، ابن منظور ٥/٤٠٤٤.

91 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٨٢٩.

92 القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ص٣٣٠.

93 انظر: منهج السالكين، السعدي ص٢١٥، فقه السنة، السيد سابق ٢/٣١٦.

94 تيسير الكريم الرحمن ص٥٦٢.

95 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/١٦٦.

96 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١٠/١٧٢.

97 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/١٥٩.

98 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/١٩١.

99 انظر: المصدر السابق ٥/٧٧.

100 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٨٢.

101 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، رقم ٣١٦، ١/٧٣.

102 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب، باب ما جاء في اللعنة، رقم ١٩٧٧، ٣/٥٢٠.

قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب».

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٣٢٠.

103 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها، رقم ٦٧٧٣، ٨/٢٣.

104 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها، رقم ٦٧٧٥، ٨/٢٤.

105 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في اللعن، رقم ٤٩٠٧، ٤/٤٢٩.

وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، رقم ٤٩٠٥.

106 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب النهي عن لعن الدواب وغيرها، رقم ٦٧٦٩، ٨/٢٣.