اللغة العربية
أولًا: المعنى اللغوي:
اللغة: هي ما يعبر بها كلُّ قوم عن أغراضهم1.
والعربية مشتقة من الفعل (عَرَبَ)، والعين والراء والباء لها ثلاث معانٍ، منها: الإبانة والإفصاح؛ كقولهم: أعرب الرجل عن نفسه: إذا بين وأوضح، ومنه الحديث: (الثيب تعرب عن نفسها)2، فأما الأمة العربية فسميت بذلك؛ لأن لسانها أعرب الألسنة، وبيانها أجود البيان.
والأعراب منهم: سكان البادية بخاصة، والنسبة إليهم أعرابي، وليس الأعراب جمعًا لعرب، بل هو اسم جنس، والعرب العاربة الخلص منهم، وتعرب فلان: تشبه بالعرب، والعرب المستعربة: الذين ليسوا بخلص، وكذا المتعربة بكسر الراء وتشديدها، والعربية هي لغة العرب3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
اللغة العربية هي ما نطق به العرب، أو هي لغتهم4.
وعلى هذا فاللغة العربية اصطلاحًا: هو اللسان الذي تكلمه العرب، ونزل به القرآن الكريم5.
الأعراب:
الأعراب لغة:
جمع أعرابي، وهو ساكن البادية، صاحب ارتيادٍ للكلإ، وتتبعٍ لمساقط الغيث6.
الأعراب اصطلاحًا:
الأعراب هم أهل البدو، سواءٌ كان من العرب أو من مواليهم، ويعرفون بالغلظة والجفاء7.
الصلة بين العربية والأعراب:
العربية هي اللسان الذي تكلم به العرب، والأعراب هم سكان البادية.
الأعجمي:
الأعجمي لغةً:
الأعجم: الذي لا يفصح، سواء كان من العرب أو من العجم، ويجمع الأعجم على عجم، أما العجمي: فمن ينسب إلى العجم وإن كان فصيحًا بليغًا، ونظيره: عربي وعرب، وكلامٌ أعجمٌ وأعجميٌ: بين العجمة8.
الأعجمي اصطلاحًا:
الأعجمي الذي يمتنع لسانه من العربية، ولا يفصح، وإن كان نازلًا بالبادية، والعجمي فهو منسوب إلى العجم، وإن كان فصيحًا9.
الصلة بين العربية والأعجمية:
الفرق بينهما واضح فالعربية هي اللغة الفصيحة البليغة التي نزل بها القرآن الكريم، أما الأعجمية فهي اللغة غير الفصيحة.
ذكر القرآن الكريم أشياء وصفت بالعربية منها: اللسان، والقرآن، والحكم، وسوف نتناول ذلك بالتوضيح فيما يأتي:
أولًا: اللسان العربي:
وصف الله تعالى اللسان الذي أنزل به القرآن بأنه عربي، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل: ١٠٣].
والإشارة في قوله: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ): إلى القرآن، أو أراد باللسان البلاغة، فكأنه قال: وهذا القرآن ذو بلاغة عربية، وبيان واضح، فكيف تزعمون أن بشرًا يعلمه من العجم، وقد عجزتم أنتم عن معارضة سورة منه، وأنتم أهل اللسان العربي، ورجال الفصاحة، وقادة البلاغة؟!10.
وقال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الشعراء: ١٩٣ - ١٩٥].
والمراد باللسان في هذه الآية: اللغة، فهو أحد معانيها، كما في قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [إبراهيم: ٤ ]. أي: بلغتهم.
وهذا الوصف للسان الذي أنزل به القرآن بأنه عربي جاء في سياق المدح، ففيه دلالة على أن الله اصطفى هذه اللغة؛ لتكون لغة البيان المبين، والتعبير الأمين، ولسان الإسلام، ولغة القرآن؛ وذلك لشرفها، ولأنها أفصح اللغات وأصفاها، وأرقاها وأكثرها قدرة على استيعاب أحاديث الوحي ومضامينه، وقيمه وتعاليمه، بما تمتلكه من خصائص ومميزات، وبما تمتاز به من ثراء ومقومات، حيث بلغت أعلى مستوياتها اللفظية والتعبيرية، مما جعلها أرقى اللغات وأقدرها على التلقي والبيان والاستيعاب والتأثير.
ومما لا شك فيه أن لسان العرب قد بلغ الغاية في الفصاحة والبيان، فلا يماثله غيره من الألسنة، ولا يقاربه ولا يدانيه، فهو مختص بأنواع الفصاحة والجزالة التي لا توجد في سائر الألسنة؛ والعرب العرباء قد بلغت من البلاغة في الكلام مبلغًا لم يذكره التاريخ لواحدة من الأمم المتقدمة عليهم، والمتأخرة عنهم، ووطئوا موطئًا لم تطأه أقدام غيرهم في كمال البيان، وجزالة النظم، ووفاء اللفظ، ورعاية المقام، وسهولة المنطق.
وقد قال بعض الحكماء: حكمة العرب في ألسنتهم، بحلاوة ألفاظهم، وعذوبة عباراتهم11.
وهو أيضًا لسان سالم من العيوب، ومنزه من النقائص، وخالٍ من كل ما يستهجن ويعاب، قال الفارابي عن هذا اللسان: «وهو المنزه من بين الألسنة من كل نقيصة، والمعلى من كل خسيسة، والمهذب مما يستهجن أو يستشنع، فبنى مبانٍ بَايَنَ بها جميع اللغات من إعراب أوجده الله له، وتأليف بين حركة وسكون حلاه به، فلم يجمع بين ساكنين، أو متحركين متضادين، ولم يلاق بين حرفين لا يأتلفان، ولا يعذب النطق بهما، أو يشنع ذلك منهما في جرس النغمة وحس السمع، كالغين مع الحاء، والقاف مع الكاف، والحرف المطبق مع غير المطبق، مثل تاء الافتعال، والصاد مع الضاد في أخوات لهما، والواو الساكنة مع الكسرة قبلها، والياء الساكنة مع الضمة قبلها، في خلال كثيرة من هذا الشكل لا تحصى»12.
ومع وصف اللسان بأنه عربي وصفه أيضًا بأنه مبين، فقال: (ﮣ ﮤ ﮥ) [الشعراء: ١٩٥ ].
فَوَصْفُهُ بـ(المبين) تأكيد لما يفيده (ﮤ) وزيادة تقتضيها المغايرة، فكونه مبينًا يعني أنه أفصح ما يكون من العربية، وأنه يقع من التفاضل في العربية ما لا يقع في غيرها من اللغات.
وبَيَّنَ سبحانه وتعالى علة هذا الوضوح والبيان، وعلة نزول القرآن بالعربية، فقال: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الزمر: ٢٨ ].
قال ابن كثير: «أي: هو قرآن بلسان عربي مبين لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس، بل هو بيان ووضوح وبرهان، وإنما جعله الله تعالى كذلك، وأنزله بذلك: (ﯨ ﯩ) »13. فلما كان البيان الكامل لا يحصل إلا باللسان العربي، قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ) [الشعراء: ١٩٥ ].
فدل ذلك على أن سائر الألسنة دونه في البيان.
والمقصود أن الله تعالى وصف اللسان الذي أنزل به القرآن، ولسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولسان أصحابه بوصفين اثنين:
فهو لسان عربي في غاية الإعراب والوضوح، فنزهه أن يكون أعجميًّا؛ لأن العجمة خلاف الإبانة، والإعجام الإبهام، والأعجم من في لسانه عجمة عربيًّا كان أو غير عربي، ومنه قيل للبهيمة: عجماء، من حيث إنها لا تبين عن نفسها بالعبارة إبانة الناطق، واللسان الأعجمي هنا لا يعني لسانا بعينه، وإنما هي كلمة تطلق على كل لسان غير اللسان العربي الفصيح.
وهو كذلك لسان مبين كامل البيان والاستقامة والوضوح، ظاهر المعنى، وواضح المدلول، لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس، بل هو في غاية البيان والوضوح والبرهان، حيث تخلص -بفضل القرآن- من حوشي الكلام ومستهجنه، وارتقى بالمعجم القرآني في أسماع الناطقين به وأذواقهم، في حسن النظم، وتنوع الأنساق، وانضباط التراكيب، وسلامة الأساليب.
وقد شاء الله تعالى؛ لحكمةٍ أن يحمل العرب رسالة الإسلام، وأن ينزل القرآن بلسانهم، وأن يكون الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم منهم عربي الأصل واللسان، وأن يخاطب البشرية خطابه الأخير بهذا اللسان العربي؛ ليصبح لسانًا عالميًّا.
فاللسان العربي باقٍ ببقاء القرآن وخالد بخلوده؛ لأنه سبيل اتصال العبد المسلم بربه ولا سبيل غيره، وهو محفوظ -إن شاء الله-، كما قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجر: ٩ ].
والحفظ يشمل الحافظ والمحفوظ، وهذه من أعظم المؤكدات على حفظ القرآن العربي واللسان العربي.
والأمة اليوم مطالبة بالعناية بهذا اللسان، والاجتهاد في تعلمه وتعليمه؛ لأنه مفتاح الأصلين العظيمين؛ (الكتاب والسنة)، ووسيلة إلى الوصول إلى أسرارهما، وفهم دقائقهما؛ ولهذا لابد من النظر إلى اللسان العربي على أنه لسان القرآن الكريم والسنة المطهرة، ولسان التشريع الإسلامي، بحيث يكون الاعتزاز به اعتزازًا بالإسلام وتراثه الحضاري العظيم، فهو عنصر أساسي من مقومات الأمة الإسلامية، والشخصية الإسلامية.
والنظر إليه كذلك على أنه وعاء للمعرفة والثقافة بكل جوانبها، ولا يكون مجرد مادة مستقلة بذاتها للدراسة؛ لأن الأمة التي تهمل لغتها أمة تحتقر نفسها، وتفرض على نفسها التبعية الثقافية، يقول الرافعي رحمه الله مبينًا ذلك: «ما ذلت لغة شعبٍ إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضًا على الأمة المستعمرة، ويركبهم بها، ويشعرهم عظمته فيها، ويستلحقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكامًا ثلاثةً في عملٍ واحدٍ:
أما الأول: فحبس لغتهم في لغته سجنًا مؤبدًا.
وأما الثاني: فالحكم على ماضيهم بالقتل محوًا ونسيانًا.
وأما الثالث: فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرهم من بعدها لأمره تبعٌ»14.
فعلى المسلم إذن أن يعرف أهمية هذه اللغة ومكانتها، وأنه لا غنى له عنها، كما يجب أن يعتز بها لا بغيرها من اللغات، بل ينبغي لمن يعرف العربية ألا يتكلم بغيرها، كما ينبغي لمن دخل الإسلام من الأعاجم أن يتعلم العربية، بل قد قيل: إن اعتياد التكلم باللغة العربية يؤثر في العقل والخلق والدين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «اعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قويًّا بينًا، ويؤثر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق»15.
وكان يقول الشافعي: «من نظر في اللغة رق طبعه»16.
وانطلاقًا من هذا المفهوم نقول: إن تعلم اللغة العربية والاهتمام بها ليس مهنة تعليمية، أو قضية تعليمية فحسب، وإنما هي قضية عقدية، ورسالة سامية يعتز بها المسلم؛ لأنها خصيصة هذه الأمة؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ثم منها ما هو واجب على الأعيان، ومنها ما هو واجب على الكفاية»17.
ويقول السيوطي׃ «ولا شك أن علم اللغة من الدين؛ لأنه من فروض الكفايات، وبه تعرف معاني ألفاظ القرآن والسنة»18.
وتزداد أهمية تعلم اللسان العربي حين بعد الناس عن الملكة والسليقة اللغوية السليمة؛ مما سبب ضعف الملكات في إدراك معاني الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، مما جعل من الأداة اللغوية خير معين على فهم معاني القرآن الكريم والسنة المطهرة، وقد نبه ابن خلدون على ذلك بقوله: «فلما جاء الإسلام، وفارقوا الحجاز -أي: العرب-، وخالطوا العجم، تغيرت تلك الملكة بما ألقى إليها السمع من المخالفات التي للمستعربين من العجم -والسمع أبو الملكات اللسانية-، ففسدت بما ألقي إليها مما يغايرها لجنوحها إليه، باعتبار السمع، وخشي أهل الحلوم منهم أن تفسد تلك الملكة رأسًا بطول العهد؛ فينغلق القرآن والحديث على الفهوم، فاستنبطوا من مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردة، شبه الكليات والقواعد، يقيسون عليها سائر أنواع الكلام، ويلحقون الأشباه منها بالأشباه»19.
ومما يدل كذلك على أهمية هذا اللسان أن العلم به مما يحصل به إقامة الحجة على الناس، وهو داخل في عموم قول الله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [النساء: ١٣٥ ].
فلا يمكن أن يكون الإنسان شاهدًا لله إذا لم يكن فاهمًا لما يشهد به؛ لأن العلم شرط في الشهادة؛ لقول الله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [يوسف: ٨١ ].
ولقوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الزخرف: ٨٦ ].
فلا يمكن أن يشهد الشاهد بما لا يعلمه ولا يفهمه، ولا بد أن يكون الإنسان فاهمًا لما يشهد به حتى تقبل شهادته على ذلك، والله تعالى جعل هذه الأمة شاهدة على الناس، كما قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة: ١٤٣].
ولا يمكن أن تتم الشهادة على الناس إذا كنت لا تفهم ما تشهد به، وليس هناك وسيلةٌ للاطلاع من خلالها على أحوال الناس، وما كذبوا به أنبياءهم إلا القرآن، والقرآن بلسان عربي مبين، فإذا لم تفهم هذا فلا يمكن أن تكون شاهدًا على الناس، فإذا جاء نوح يوم القيامة يخاصمه قومه، فقالوا: ما جاءنا من بشير ولا نذير، فقال: بلى، قد مكثت فيكم ألف سنة إلا خمسين عامًا، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فإذا كنت لا تفهم الآيات التي جاءت في قصة نوح فكيف تكون من الشهداء على هذا؟! لأن الشهادة من شرطها العلم.
ولهذه الأهمية الكبيرة للسان العربي نجد أن السلف قد اعتنوا بعلوم اللغة العربية، وحثوا على تعلمها، والنهل من عبابها، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «تعلموا العربية، فإنها من دينكم»، وكتب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: «أما بعد: فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي»20، وفي توجيه عمر هذا دعوة إلى فقه اللسان العربي وفقه الشريعة معًا. وقد بين شيخ الإسلام سبب قول عمر: «تفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية» حيث قال: «لأن الدين فيه فقه أقوال وفقه أعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه الأقوال، وفقه الشريعة هو الطريق إلى فقه الأعمال»21. ومما يدل على أهمية معرفة اللسان العربي قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «كنت لا أرى ما (ﮣ ﮤ ﮥ) [الأنعام: ١٤]؟ حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، قال: ابتدأتها»22. وقال: «إذا خفي عليكم شيء من القرآن، فابتغوه في الشعر؛ فإنه ديوان العرب»23.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلغًا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به، ولم يكن سبيلٌ إلى ضبط الدين، ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، صارت معرفته من الدين، وأقرب إلى إقامة شعائر الدين»24. وفي الكلام السابق لشيخ الإسلام ما يدل على أن بين اللسان العربي والعقيدة الإسلامية ارتباطًا وثيقًا لا يماثله رباط آخر في أي من المجتمعات القديمة والمعاصرة؛ لأن اللغة العربية هي لغة الإسلام، ولغة كتابه العزيز، ولغة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ؛ ولذا فإن الاهتمام والعناية بها، إنما هو استكمال لمقوم من مقومات العقيدة الإسلامية التي نجتمع جميعًا على إعزازها والدعوة إليها.
ثانيًا: القرآن:
وصف الله تعالى أيضًا القرآن بأنه عربي، فقال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [يوسف: ٢ ].
وقال: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [طه: ١١٣].
وقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الزمر: ٢٨ ].
وقال: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [فصلت: ٣ ].
وقال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الشورى: ٧].
وقال: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الزخرف: ٣].
ومعنى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [يوسف: ٢ ].
أي: أنزلنا هذا الكتاب باللسان العربي الذي هو لسان العدنانيين والقحطانيين سواء.
والمقصود أن هذه منة على العرب؛ إذ نزل القرآن بلغتهم، وقد قال الله تعالى ممتنًّا على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى العرب، (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الزخرف: ٤٤ ].
أي: لشرف لك ولقومك يا محمد أن نزل عليك هذا القرآن، وأن نزل بلغتك ولغة قومك.
فشرفٌ إذن للعرب أن القرآن نزل بلغتهم؛ ولهذا شكر لابد أن يقدم، فكل من أنعم الله عليه بنعمة فإنه يلزمه أن يقدم لها شكرًا موازيًا.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [إبراهيم: ٧ ].
فعلى العرب أن يشكروا نعمة الله عليهم؛ إذ أنزل القرآن بلغتهم، فلزامًا عليهم أن يحملوا عبء الدعوة إلى الله أكثر من غيرهم، فهي نعمة أسداها الله إليهم ولم تُسَدَ إلى غيرهم؛ فجدير بهم أن ينهضوا إلى حمل دعوة الإسلام، وبثها ونشرها في العالم، وقد قال الله تبارك وتعالى محذرًا إياهم من التخاذل عن هذه المهمة: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأنعام: ٨٩ ].
ومن هنا ينشأ اعتزازنا بلغة العرب، لا لأنها لغة لجنسنا ولبني جلدتنا، ولكن لأنها اللغة التي نزل بها كتاب ربنا، والتي تحدث بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن ثم لزمنا التمسك بها، ولزمنا بثها، ونشرها من غير استحياء ولا استنكاف25.
ولما كان الله قد أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى قومه العرب وجب أن يكون الوحي بلسانهم المفهوم بينهم.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [إبراهيم: ٤].
قال الأزهري: «وجعل الله عز وجل القرآن المنزل على النبي المرسل محمد صلى الله عليه وسلم عربيًّا؛ لأنه نسبه إلى العرب الذين أنزله بلسانهم، وهم النبي والمهاجرون والأنصار الذين صيغة لسانهم لغة العرب في باديتها وقراها العربية»26.
ومن الحكم من كونه أنزل عربيًًّا: أن يعقلوه.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [يوسف:٢ ].
أي: لكي يفهموه ويفقهوه ويعقلوه، ولا يخفى عليهم لفظه ولا معناه، قال الطبري في تفسيره لهذه الآية: «يقول تعالى ذكره: إنا أنزلنا هذا الكتاب المبين قرآنًا عربيًا على العرب؛ لأن لسانهم وكلامهم عربي، فأنزلنا هذا الكتاب بلسانهم؛ ليعقلوه ويفقهوا منه؛ وذلك قوله عز وجل: (ﮭ ﮮ)»27.
ولأن العرب كما قال ابن خلدون: «هم أسرع الناس قبولًا للحق والهدى؛ لسلامة طباعهم من عوج الملكات، وبراءتها من ذميم الأخلاق إلا ما كان من خلق التوحش القريب المعاناة المُتَهيِّئ لقبول الخير ببقائه على الفطرة الأولى، وبعده عما ينطبع في النفوس من قبيح العوائد، وسوء الملكات»28.
ومن الحكم من نزول القرآن باللسان العربي أن هذا اللسان قد بلغ الغاية في الفصاحة والبيان، فصار أهلًا لنزول القرآن به. يقول ابن كثير في قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [يوسف: ٢]: وذلك؛ لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس، أنزل أشرف الكتب بأشرف اللغات، على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتدئ إنزاله في أشرف شهور السنة، وهو رمضان، فكمل من كل الوجوه29.
قال الشافعي بعد أن ساق الآيات السابقة: «فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه، فقال تبارك وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل: ١٠٣ ].
وقال: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ) [فصلت: ٤٤]»30.
وقال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [يوسف: ٢ ].
وقال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الزمر: ٢٨ ].
وقال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الزخرف: ٣ ].
ويؤخذ من هذه الآيات أن القرآن كله عربي، نزل بلسان العرب، وما من لفظ فيه إلا وهو عربي أصلًا، أو معرب خاضع لموازين اللغة العربية وقوالبها ومقاييسها، ولا يشكل على هذا اشتماله على بعض كلمات قيل: إنها من أصل أعجمي (غير عربي) مثل (سندس) و(إستبرق) و(قسورة) وغيرها؛ لأن هذه الكلمات إما أن تكون مشتركة بين العرب وغيرهم، أو أن العرب قد استعملوها وعربوها، فصارت تنسب إليهم لا باعتبار أصلها، بل باعتبار استعمالها وتعريبها.
قال الطبري: «ولم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد، فكيف بجنسين منها، كما قد وجدنا اتفاق كثير منهم فيما قد علمناه من الألسن المختلفة؛ وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس»31.
فلا مجال للطعن في كون القرآن كله عربي بمثل هذه الشبهة، وهي وجود بعض الألفاظ غير عربية أو مشتركة، وأنه لو كانت مجالًا للطعن في القرآن لما تركها أسلاف هؤلاء من مشركي مكة ومن بعدهم، وهم أهل اللغة، ولم يتركوا مجالًا لأحدٍ للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن إلا قالوه، ولو أنهم وجدوا هذه الشبهة قائمة لقالوها.
والمقصود أن القرآن كله عربي جملة وتفصيلًا، وأنه نزل بلسان العرب قوم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من مزية عربية القرآن وفضله على العرب أمران عظيمان، هما:
الأول: أن تعلم القرآن والنطق به على أصوله يُقَوِّمُ اللسان، ويفصح المنطق، ويصحح الكلام، ويساعد على فهم لغة العرب، فليس هناك شيء يشبه القرآن في تقويم الألسنة، حين تتأثر باللهجات العامية المختلفة.
الثاني: كان للقرآن الفضل الأكبر في الحفاظ على اللغة العربية في مسيرة القرون الأربعة عشر الغابرة، بما اشتملت عليه من فترات ضعف وتخلف.
ولعل التنويه بكون القرآن عربيًّا المقصود به بيان إعجاز القرآن الذي نزل بلغة العرب، وقد تحداهم بما هم بارعون فيه أن يأتوا بمثله فعجزوا، وهم أهل اللغة والفصاحة والبلاغة، وقد مضى من القرون والأحقاب ما يبلغ أربعة عشر قرنًا ولم يأت بما يناظره آتٍ، ولم يعارضه أحد بشيء إلا أخزى نفسه، وافتضح في أمره، وإنما تعذر على البشر الإتيان بمثله لأمور:
منها: أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف المعاني والحوامل لها، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ، ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباطها بعضها ببعض، فيتوصلوا باختيار الأفضل عن الأحسن من وجوهها إلا أن يأتوا بكلام مثله.
وإنما يقوم الكلام بأشياء ثلاثة:
وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة، حتى لا ترى شيئًا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظمًا أحسن تأليفًا وأشد تلاؤمًا وتشاكلًا من نظمه، وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقديم في أبوابه، والرقي في أعلى درجاته.
وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام، وأما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه، فلم توجد إلا في كلام العليم القدير، فخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزًا؛ لأنه جاء بأفصح الألفاظ، في أحسن نظوم التأليف، مضمنًا أصح المعاني، جامعًا في ذلك بين الحجة والمحتج له، والدليل والمدلول عليه؛ ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا إليه، وإنباءً عن وجوب ما أمر به ونهى عنه.
ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق أمرٌ تعجز عنه قوى البشر، ولا تبلغه قدرتهم، فانقطع الخلق دونه، وعجزوا عن معارضته بمثله، ومناقضيه في شكله، ثم صار المعاندون له يقولون مرة: إنه شعر لما رأوه منظومًا، ومرة إنه سحر لما رأوه معجوزًا عنه، غير مقدور عليه، وقد كانوا يجدون له وقعًا في القلب وقرعًا في النفس، يريبهم ويحيرهم، فلم يتمالكوا أن يعترفوا به نوعًا من الاعتراف؛ ولذلك قالوا: إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وكانوا مرة لجهلهم وحيرتهم يقولون: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الفرقان: ٥].
مع علمهم أن صاحبهم أمي، وليس بحضرته من يملي أو يكتب شيئًا، ونحو ذلك من الأمور التي أوجبها العناد، والجهل والعجز، وقد حكى الله عن بعض مردتهم -وهو الوليد بن المغيرة المخزومي- أنه لما طال فكره في القرآن، وكثر ضجره منه، وضرب له الأخماس من رأيه في الأسداس، فلم يقدر على أكثر من قوله: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [المدثر: ٢٥ ]32 عنادًا وجهلًا به، وذهابًا عن الحجة، وانقطاعًا دونها.
وقد اقترن وصف القرآن الكريم بكونه عربيًّا كونه بيِّنًا غير ذي عوج.
قال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الزمر: ٢٨ ].
ووصفت آياته بأنها مبينات.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [النور: ٣٤ ].
ولبيانه وصفه الله عز وجل بأنه ميسر للفهم والحفظ والاتعاظ، فقال: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [القمر: ١٧ ].
بل عد بعض العلماء من وجوه إعجاز القرآن يسر تناوله وسهولة حفظه وفهمه، وأنه قادر على مخاطبة جميع فئات الناس على مختلف ثقافاتهم وعصورهم؛ إذ إن معانيه مصوغة بحيث يصلح أن يخاطب بها الناس كلهم على اختلاف مداركهم وثقافاتهم، وعلى تباعد أزمنتهم وبلدانهم، ومع تطور علومهم واكتشافاتهم.
ومعنى أنه (ﯥ ﯦ ﯧ) أي: هو قرآن بلسان عربي مبين، لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس، بل هو بيان ووضوح وبرهان33.
وهذا التعبير أبلغ من التعبير بـ(مستقيم)؛ لأن عوجًا نكرة، وقعت في سياق النفي؛ لما في (ﯥ) من معناه34.
ولما كان القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فمن المؤكد أن يكون غير ذي عوج، واللغة العربية هي الأنسب لقرآن غير ذي عوج.
وأخبر الله تعالى بأن آياته قد فصلت، فقال: (ﭘ ﭙ ﭚ) [فصلت: ٣ ].
أي: بينت آياته بالعربية حتى يفهم. ولا يرد على كونه مفصلًا مجيء بعض الحروف في أوائل السور، مثل: (ﭑ) و(ﭑ)و(ﭑ) و(ﮝ) وغيرها؛ فهذه الحروف التي في أوائل السور وإن كان الظاهر أنها غير معروفة المعنى، إلا أن الصواب أن هذه الحروف جاءت لمعنى وهو تحدي العرب، وكأنه يقول لهم: هذا القرآن مكون من حروف جاءت من جنس كلامكم الذي تتكلمون به، فكيف عجزتم عن الإتيان بمثل سورة منه؟! ولهذا غالب السور التي جاءت في مطلعها هذه الحروف المقطعة يعقبها ذكر القرآن، أو ما يدل على الوحي إلا في سورتين، وهاتان السورتان أيضًا قد تضمنتا ذكر القرآن.
والمقصود أن عروبة القرآن أحد أهم أوصافه التي ذكرها الله في مقام الثناء على كتابه، وبهذا اللسان العربي الفصيح ارتفع عن أن يكون أعجميًّا، وأن يكون فيه عوج، بل هو في أعلى درجات البلاغة، وهي درجة الإعجاز التي اختص بها، ويشهد لذلك أن الله تعالى وصفه بأنه قرآن نزل بلسان عربي مبين، وكرر ذلك في مواضع كثيرة، وبين أنه رفعه عن أن يجعله أعجميًّا، وتحدى به البشر في أكثر من موضع على أن يأتوا بمثله.
ولما كان القرآن عربيًا تُوَجَّبَ على من يريد فهمه وتدبره أو تفسيره أن يعرف اللسان الذي نزل به، وأن يهتم بهذه اللغة كونها لغة القرآن الكريم والسنة المطهرة، وكونه جزءًا من الدين، بل لا يمكن أن يقوم الإسلام إلا به؛ إذ لا يصح أن يقرأ المسلم القرآن إلا بالعربية، وقراءة القرآن ركن من أركان الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام، كما أنه لا يتم فهم الكتاب العزيز إلا بمعرفة اللسان العربي؛ ولهذا ندرك حرص العلماء في العصور المتقدمة على التأليف في إعراب القرآن ومعانيه؛ بل إن بعض هذه الكتب منها ما يسمى بـ(معاني القرآن) مما يوحي بأهمية الإعراب في فهم المعاني.
فمن أراد الكلام على كتاب الله فعليه أولًا معرفة اللغة التي نزل بها وإلا لم يدرك مراد الله من كلامه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «لابد في تفسير القرآن والحديث من أن يعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يفهم كلامه؟ فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني، فإن عامة ضلال أهم البدع كان بهذا السبب، فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدعون أنه دالٌّ عليه، ولا يكون الأمر كذلك»35.
وهناك أمثلة عديدة تدل على أن من جهل لسان القرآن وأراد أن يتكلم فيه وقع في الخطأ والضلال، فهذا أبو عمرو بن العلاء لما ناظر عمرو بن عبيد في مسألة خلود أهل الكبائر في النار، واحتج ابن عبيد أن هذا وعد الله، والله لا يخلف وعده -يشير إلى ما في القرآن من الوعيد على بعض الكبائر بالنار والخلود فيها-، فقال له ابن العلاء: من العجمة أتيت، هذا وعيد لا وعد36.
قال الشاعر37:
وإني وإن أوعدته أو وعدته
لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وكذلك قول من زعم أنه يجوز للرجل نكاح تسع حرائر مستدلًّا بقوله تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء: ٣ ].
فالمجموع تسع نسوة، قال الشاطبي: «ولم يشعر بمعنى فعال ومفعل، وأن معنى الآية: فانكحوا إن شئتم اثنتين اثنتين، أو ثلاثًا ثلاثًا، أو أربعًا أربعًا»38.
ومن ذلك قول من قال: إن المحرم من الخنزير إنما هو اللحم وأما الشحم فحلال؛ لأن القرآن إنما حرم اللحم دون الشحم، ولو عرف أن اللحم يطلق على الشحم بخلاف الشحم فلا يطلق على اللحم لما قال ما قال39.
قال الشاطبي رحمه الله بعد أن ذكر الأمثلة السابقة: «فقد ظهر بهذه الأمثلة كيف يقع الخطأ في العربية في كلام الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك يؤدي إلى تحريف الكلم عن مواضعه، والصحابة رضوان الله عليهم برآء من ذلك؛ لأنهم عرب لم يحتاجوا في فهم كلام الله تعالى إلى أدوات ولا تعلم، ثم من جاء بعدهم ممن هو ليس بعربي اللسان تكلف ذلك حتى علمه»40.
ولهذا نجد أن العلماء اشترطوا فيمن أراد تفسير كتاب الله معرفته عدة أمور، منها:
وهو أمر ضروري في اختيار ما يناسب النص، وقصر المعنى على الوجه المراد، ومن ذلك على سبيل المثال قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ) [الضحى: ٧ ].
فإن لفظة: (الضلال) تقع على معان كثيرة، فتوقع البعض أنه أراد بالضلال الذي هو ضد الهدى، وزعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان على مذهب قومه أربعين سنة، وهذا خطأ فاحش؛ فقد طهره الله تعالى لنبوته، وارتضاه لرسالته، ومن سيرته صلى الله عليه وسلم ما يرد على مزاعمهم؛ إذ سمي في الجاهلية الأمين، وكانوا يرتضونه حكمًا لهم وعليهم، والله سبحانه وتعالى إنما أراد بالضلال: الغفلة، كما قال في موضع آخر: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [طه: ٥٢ ].
فالمراد: الغفلة41 أي: لا يغفل سبحانه وتعالى . وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «هو ضلاله وهو في صغره في شعاب مكة، ثم رده إلى جده عبد المطلب، أو هو ضلاله من حليمة السعدية مرضعته، أو يكون المراد: أنه ضل في طريق الشام حين خرج به عمه أبو طالب»42.
لئلا يؤدي ذلك إلى تفسير القرآن الكريم بما لا يليق، أو فهم المعنى غير المراد، ومن ذلك على سبيل المثال: (ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ) [فصلت: ٤٦ ].
وغير ذلك من الآيات التي ورد فيها نفي الظلم عن الله سبحانه وتعالى بصيغة (فعَّال)، ففي هذه الآية وما أشبهها وردت لفظة (ظلام) بصيغة المبالغة، ومعلوم أن نفي المبالغة لا يستلزم نفي الفعل من أصله، مثال ذلك قولك: زيد ليس بنحَّار للإبل، لا ينفي إلا مبالغته في النحر ولا ينفي أنه ربما نحر بعض الإبل، ومعلوم أن المراد بنفي المبالغة في الآيات هو نفي الظلم من أصله عن الله سبحانه وتعالى .
وأجيب عن ذلك بناءً على فهم اللغة العربية وهو أن المراد نفي نسبة الظلم إليه سبحانه ؛ لأن صيغة (فعَّال) قد جاءت في اللغة العربية مرادًا بها النسبة، فأغنت عن ياء النسب، ومثاله في لغة العرب قول امرئ القيس43:
وليس بذي رمحٍ فيطعنني
وليس بذي سيفٍ وليس بنبال
أي: ليس بذي نبلٍ، وعلى هذا أجمع المحققون من المفسرين واللغويين44.
فمما يجب معرفته للمفسر معرفة أوجه الإعراب؛ لأن المعنى يتغير بتغير الإعراب، ويختلف باختلافه، وعلى سبيل المثال لو أن قارئًا قرأ: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الإخلاص: ٤ ].
برفع (كفو) ونصب (أحد) لكان قد أثبت كفوًا لله، تعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا، بل إن الحركة لها دور في المعنى ولو لم تكن إعرابًا، ويدل على ذلك لزوم كسر الخاء في قوله تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ) [الحديد: ٣].
وكسر الواو في قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الحشر: ٢٤].
فإن فتحها يؤدي إلى معنى اعتقاده الكفر.
وكذلك فإن الإعراب له تأثير بَيِّنٌ في الأحكام الفقهية وتوجيهها؛ فالمعاني تختلف باختلاف وجوه الإعراب، ويختلف الحكم تبعًا لذلك، وعلى سبيل المثال لو قال شخص: فلان له عندي مائةٌ غير درهم، برفع (غير) لكان مقرًّا بالمائة كاملة؛ لأن غير هنا صفة للمائة، وصفتها لا تنقص شيئًا منها45، ولو قال: له عندي مائةٌ غير درهم، بنصب (غير) لكان مقرًّا بتسعة وتسعين درهمًا؛ لأنه استثناء، والاستثناء إخراج ما بعد حرف الاستثناء من أن يتناول ما قبله.
ولو قال لزوجته: أنت طالق إن دخلت الدار، بكسر همزة (إن) لم تطلق حتى تدخل الدار؛ لأن (إن) للشرط، ولو قال: أنت طالق أن دخلت الدار بفتح همزة (أن) وقع الطلاق في الحال؛ لأن معنى الكلام: أنت طالق لأنك دخلت الدار؛ أي: من أجل أنك دخلت الدار؛ فصار دخول الدار علة طلاقها، لا شرطًا في وقوع طلاقها46.
بل إن الحكم يختلف باختلاف تصاريف الكلمة؛ فلو أن رجلًا حلف ألا يلبس مما غزلته فلانة، فلا يحنث إلا بما غزلته قبل اليمين، ولو قال: مما تغزله فلا يحنث إلا بالذي تغزله بعد اليمين، فلو قال: من غزلها دخل فيه الماضي والمستقبل47.
إذ من المعلوم أن لكل قبيلة لغتها، وأفصح اللغات لغة قريش، إلا أن هناك بعض الكلمات في القرآن جاءت على غير لغة قريش، فقد أشكل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه معنى قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [النحل: ٤٧ ].
فقام في المسجد فسأل عنها، فقام إليه رجل من هذيل فقال معناها: «على تنقص»48 أي: شيئًا فشيئًا.
بل إن تحديد الدلالة اللفظية قد يتوقف عليها تقرير الحكم الشرعي؛ لأن الأسلوب العربي في لغة القرآن الكريم يتميز بالتصرف في فنون القول، وتكثر فيه الألفاظ التي تمثل أكثر من معنى، ومن ذلك على سبيل المثال:
والمقصود أن القرآن قد وصف بأنه عربي؛ لأنه نزل بلغة العرب، وخوطب الناس بالعربية؛ لأن أمة العرب أفصح الأمم لسانًا، وأسرعهم أفهامًا، وأقدرهم بيانًا، وألمعهم ذكاءً، وأحسنهم استعدادًا لقبول الهدى والرشاد؛ ولأن اللسان العربي أفصح الألسنة، وأنفذها في نفوس السامعين، وأحب اللغات للناس، فإنها أشرف وأبلغ وأفصح من اللغة التي جاء بها كتاب موسى عليه السلام، ومن اللغة التي تكلم بها عيسى عليه السلام ودونها أتباعه أصحاب الأناجيل؛ ولأنها لسان سهل وبين؛ ولهذا جعلت وسيلة لتبليغ الخير للناس ودعوتهم إلى الله، وقد ذكر جل وعلا أنه يسر هذا القرآن بلسان هذا النبي العربي الكريم؛ ليبشر به المتقين، وينذر به الخصوم الألداء، وهم الكفرة، فقال: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [مريم: ٩٧ ].
وقال: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الدخان: ٥٨ ].
فالله تعالى هنا يخبر عن نعمته وهي أنه يسر هذا القرآن الكريم بلسان النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ليحصل المقصود منه، والانتفاع به (ﭞ ﭟ ﭠ) بالترغيب في المبشر به من الثواب العاجل والآجل52.
وفي قوله: (ﯧ ﯨ ﯩ) إشارة إلى أهمية اللسان الذي هو لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كذلك لسان قومه، يفهمون به ما يقوله لهم، ويحيط هو كذلك علمًا بما يقولون له، مما يفهم منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بلغ القمة في فصاحة الكلام، ووضوح الخطاب، وقوة الحجة.
ومعنى تيسير القرآن تيسير ألفاظه ومعانيه وفهمه دون كلفة على السامع ولا إغلاق، كما يقولون: يدخل للأذن بلا إذن، وهذا اليسر يحصل من جانب الألفاظ وجانب المعاني؛ فأما من جانب الألفاظ فذلك بكونها في أعلى درجات فصاحة الكلمات وفصاحة التراكيب، أي فصاحة الكلام، وانتظام مجموعها بحيث يَخِفُّ حفظها على الألسنة.
وأما من جانب المعاني فبوضوح انتزاعها من التراكيب، ووفرة ما تحتوي عليه التراكيب منها من مغازي الغرض المسوقة هي له، وبتولد معان من معان أخر، كلما كرر المتدبر تدبره في فهمها، ووسائل ذلك لا يحيط بها الوصف53. ومن أهمها إيجاز اللفظ؛ ليسرع تعلقه بالحفظ، وإجمال المدلولات؛ لتذهب نفوس السامعين في انتزاع المعاني منها كل مذهب يسمح به اللفظ والغرض والمقام، ومنها الإطناب بالبيان، إذا كان في المعاني بعض الدقة والخفاء، ويتأتى ذلك بتأليف نظم القرآن بلغة هي أفصح لغات البشر، وأسمح ألفاظًا وتراكيب، ووفرة المعاني، وبكون تراكيبه أقصى ما تسمح به تلك اللغة، فهو خيار من خيار من خيار.
ووصف الله القرآن بأنه أنزل حكمًا عربيًّا، فقال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الرعد: ٣٧].
أي: بلسان العرب؛ لتحكم به بينهم.
أو المراد بـ (ﮉ ﮊ) أي: محكمًا متقنًا بأوضح الألسنة وأفصح اللغات؛ لئلا يقع فيه شك واشتباه؛ وليوجب أن يتبع وحده، ولا يداهن فيه، ولا يتبع ما يضاده ويناقضه من الأهواء54.
ففي هذه الآية الكريمة ذكر فضيلتين للقرآن الكريم:
فضيلة من جهة معانيه ومقاصده وهداياته وحكمه وأحكامه وتشريعاته، وهو المعبر عنها بكونه (ﮉ).
وفضيلة من جهة ألفاظه ومفرداته وتراكيبه، وهى المعبر عنها بكونه (ﮊ)أي: نزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات وأغناها وأجملها.
فحصل لهذا الكتاب كمالان؛ كمال من جهة معانيه ومقاصده، وهو كونه (ﮉ)، وكمال من جهة ألفاظه، وهو المكنى عنه بكونه (ﮊ)، وذلك ما لم يبلغ إليه كتاب قبله؛ لأن الحكمة أشرف المعقولات فيناسب شرفها أن يكون إبلاغها بأشرف لغة وأصلحها للتعبير عن الحكمة55.
ثم في كونه (عربيًا) امتنان على العرب المخاطبين به ابتداءً، حيث إنه نزل بلغتهم، فكان من الواجب عليهم أن يقابلوه بالفرح والتسليم لأوامره ونواهيه، فهو الكتاب الذي فيه شرفهم وعزهم.
وكأن في هذا تعريض بغباء مشركي العرب، حيث لم يشكروا الله تعالى على هذه النعمة، بل قابلوا من أنزل عليه هذا القرآن بالعناد والعصيان56.
وإنما سمي القرآن حكمًا؛ لأن مشتمل على جميع التكاليف والأحكام والحلال والحرام، والنقض والإبرام؛ أو لأنه لما كان القرآن سببًا للحكم جعل نفس الحكم على سبيل المبالغة، أو لأن الله تعالى لما حكم على جميع الخلق بقبول القرآن، والعمل بمقتضاه سماه حكمًا لذلك المعنى57.
أو يكون الحكم هنا بمعنى: الحكمة، كما في قوله: (ﭖ ﭗ ﭘ) [مريم: ١٢].
وجعل نفس الحكم حالًا منه مبالغة، والمراد: أنه ذو حكم، أي: حكمة58. أي: يحكم في القضايا والوقائع بما تقتضيه الحكمة، مترجمًا بلسان العرب؛ ليسهل عليهم فهمه وحفظه. وقيل: أراد بالحكم العربي القرآن كله؛ لأنه يفصل بين الحق والباطل ويحكم59.
أو المراد بـ(ﮉ) أي: مفصحًا عن الأحكام، نحو: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الأنفال: ٨ ].
أو: ناسخًا لما قبله من الأحكام60 أي: إن القرآن مع أنه خوطب به العرب ونزل بلسانهم إلا أن حكمه لزم الثقلين كافة عربًا وعجمًا، فكل أهل دين قبله عليهم اتباع دينه، وكل حكم تبع لحكمه، وكل لسان تبع للسانه.
وفي وصف الحكم بأنه (ﮊ) أيضًا إشارة إلى أن الشريعة بأحكامها لا تفهم إلا إذا فهم اللسان العربي، والإخلال في ذلك قد يؤدي إلى انحراف الأحكام عن استقامتها إلى البدعة والضلال.
وكذلك في وصف الحكم بأنه (ﮊ)تكريمًا وتشريفًا للسان العربي وأهله، وكيف لا يكون خطاب رب العالمين إلى كافة المكلفين -عربًا وعجمًا- شرفًا للعرب، وقد جاء بلغتهم دون سواهم؟! وعلى قدر التشريف يأتي التكليف؛ فمن قام بهذا التكليف استحق الذكر والتشريف، وبالمقابل من نبذ الرسالة وضيع الأمانة عاد عليه القعود عن التكليف بالتوبيخ والتعنيف، وكان معرضًا للوعيد والتهديد، فواجب على العرب أن ينهضوا بحضارتهم، وألا يغفلوا عن تبليغ رسالات ربهم، فمن ينهض بالتكليف يناله حظه من التشريف.
والمقصود أن الله تعالى جعل الحكم والدين عربيًا نسبة إلى العرب؛ لأنه منزل بلغتهم على محمد صلى الله عليه وسلم وهو عربيٌّ، فنسب الدين إليه إذ عليه أنزل61.
وجاءت رسالة الإسلام ونزل الوحي الأمين باللغة العربية؛ ليخاطب القرآن الكريم شعوب الأرض كلها بمختلف أجناسها وأعراقها ولغاتها بهذا اللسان العربي المبين، فانتقلت اللغة العربية مع أول آية نزل بها الوحي نقلة واسعة هائلة تملأ العصور والأقطار والشعوب.
أولًا: الحكمة من اختيار العربية لغة القرآن:
اختار الله تعالى أن يكون اللسان العربي مظهرًا لوحيه، ومستودعًا لمراده، وأن يكون العرب هم المتلقين أولًا لشرعه، وإبلاغ مراده، لحكم علمها، منها:
ولما تتمتع به اللغة العربية من مقومات اللغات الحية، وعناصر قوتها واستمرارها؛ وذلك من حيث وفرة مفرداتها بالأصالة والاشتقاق، أو بالحقيقة والمجاز، أو من حيث قبولها للتطور والتقدم الحضاري، أو من حيث مرونة أساليبها، وصلاحيتها لكل ما يراد منها، أو من حيث فصاحة ألفاظها، وبلاغة تراكيبها.
أضف إلى ذلك أن خصائص اللغة العربية وقابليتها الحيوية، ومرونة تعبيراتها وسعتها، وما إليها من مميزات من حيث الاشتقاق الصرفي والإيجاز، والخصائص الصوتية، وإمكانية تعريب الألفاظ الواردة تجعل اختيارها لغة للقرآن الكريم هو الخيار الصحيح.
فمثلًا: موسى عليه السلام جاء بمعجزة إبطال السحر؛ لأنهم كانوا بارعين في السحر، وعيسى عليه السلام جاء بالطب، وإحياء الموتى؛ لأنهم كانوا بارعين في الطب، وكذلك العرب هم أمهر الناس في اللغة من بين الأمم في وقتهم، فجاء القرآن إعجازًا لهم في معانيه وألفاظه وتشبيهاته وإحالاته وإعجامه وتصريفاته.
ومن هنا كانت معجزة الرسول الكبرى القرآن الكريم من جنس ما اشتهر به قومه من الفصاحة والبلاغة، فجاء يتحداهم في نفيس بضاعتهم، وأبرز أسباب شهرتهم وتفوقهم.
ليتمكن من التعامل معه بصورة طبيعية، ومن هذا المنطلق كان من الطبعي اختيار اللغة العربية دون غيرها من اللغات، حيث إنها اللغة التي كان يتحدث بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن أي رسول لابد وأن يتحدث بلسان القوم المرسل إليهم أو المبعوث فيهم، ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الأمر، حيث قال: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [إبراهيم: ٤].
فكان من الطبعي أن يتم نزول القرآن باللغة العربية، التي هي لغة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ولغة قومه الذين يعيش معهم؛ لكن اختيار لغة قوم الرسول لا يدل على انحصار الدعوة في من يتكلم بتلك اللغة، خاصة وأن الأدلة القاطعة تثبت خلاف ذلك.
فهذه الشبهة كان يمكن طرحها لو جاء على أي لغة أخرى -غير العربية-، وحينئذٍ لقالوا: لماذا نزل القرآن بهذه اللغة؟ ومن أين تعلم اللغة وهو أمي لا يكتب؟ وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ) [فصلت: ٤٤].
ولا شك أن اللسان العربي مختص بأنواع الفصاحة والجزالة التي لا توجد في سائر الألسنة62.
ولتطرق التحريف إلى الكتاب المنزل، بل يقرب من المحال أن يتحد هذا المنزل مع تعدد اللغات، وتنوع اللهجات، وتعدد الخصائص والدلالات بالنسبة لاستنباط الأحكام، ورسم المنهج، ومعرفة الحدود، وإحكام جميع العبادات والتشريعات.
فيكون نزول القرآن باللسان العربي نعمة عظيمة، وآية حكيمة، فالحمد لله على إزالة هذا التناكر والتدابر باختيار اللغة العربية الراقية؛ لتنال شرف نزول الوحي الإلهي بها، ولترتقي وحدها إلى تحمل إعجازه الذي لا يتسع له غيرها، وإنها لمسئوولية وفخار للأمة صاحبة اللغة واللسان، وقد حددها الله سبحانه بقوله: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ) [الزخرف: ٤٤].
وليس المراد من خطاب العرب بالقرآن أن يكون التشريع قاصرًا عليهم أو مراعيًا لخاصة أحوالهم، بل إن عموم الشريعة ودوامها وكون القرآن معجزة دائمة مستمرة على تعاقب السنين ينافي ذلك، نعم إن مقاصده تصفية نفوس العرب الذين اختارهم لتلقي شريعته وبثها ونشرها، فهم المخاطبون ابتداءً قبل بقية أمة الدعوة، فكانت أحوالهم مرعية لا محالة، وكان كثير من القرآن مقصودًا به خطابهم بخاصة، وإصلاح أحوالهم.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [هود: ٤٩].
وقال: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الأنعام: ١٥٦ - ١٥٧].
لكن ليس في ذلك دليل على الاقتصار على أحوالهم فقط63.
والمقصود أننا لا نشك في أن نزول القرآن باللغة العربية دون غيرها من اللغات لم يكن عفويًّا، بل كان لأسباب دقيقة، وهو بكل تأكيد اختيار حكيم؛ لأنه من قبل رب العالمين، ونحن نؤمن بوجود الحكمة في هذا الاختيار، سواءً تبينت لنا أسبابه أم لم تتبين! وسواء علمنا الحكمة من اختيار الله للغة العربية لتكون هي لغة الإسلام الدين العالمي أم لم نعلمها، فلابد أن نجزم ونوقن أنها أفضل اللغات مطلقًا؛ ولهذا اختارها الله من بين اللغات؛ ليخاطب الله بها الناس جميعًا، فالقرآن الكريم هو معجزة الله الخالدة في كل شيء حتى في اللغة التي أنزل بها.
ثانيًا: أثر القرآن على اللغة العربية:
لقد تأثرت اللغة العربية بالقرآن الكريم تأثرًا كثيرًا، ويمكن إجمال هذا الأثر في العناصر الآتية:
حفظ القرآن الكريم اللغة العربية من الضياع والاندثار كغيرها من اللغات الأخرى التي تفرقت، واختلفت بمرور الزمن، فالمتأمل للتاريخ يرى بوضوح لغات كثيرة قد اندثرت بموت أهلها، أو ضعفت بضعفهم، لكن ارتباط اللغة العربية بالقرآن جعلها محفوظة بحفظه، وباقية ببقائه، وسبحان الله القائل: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجر: ٩].
والذي يدقق النظر في العربية المعاصرة يجد الكثير من الألفاظ التي هجرت، وظل بقاؤها حية على الألسنة، قاصرًا على الاستخدام الديني لها، وهو الاستخدام المرتبط بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
بنزول القرآن ودخول الناس في دين الإسلام أفواجًا من شتى بقاع الأرض اتجه المسلمون من غير العرب إلى تعلم العربية؛ رغبة في أداء العبادات والشعائر الدينية بها، وقراءة القرآن بالعربية؛ لأن قراءة القرآن الكريم تعبد لله تعالى لا يصلح إلا باللسان العربي، وبالتالي انتشرت اللغة العربية انتشارًا ما كان يتحقق لها بدون القرآن الكريم.
فنزول القرآن باللسان العربي حَوَّلَها من لغة محلية إلى إنسانية، وذلك عن طريق الموجات البشرية التي خرجت من الجزيرة العربية إلى البلاد المجاورة؛ داعية للإسلام حاملة معها قرائنها وعقيدتها وأخلاقها، وبقيت معلقة بموطنها الأصلي مادي ومعنوي، وهو ما دعا سكان البلاد الأصليين إلى الإسلام واعتنائهم؛ لما رأوه من أخلاق المسلمين وعدلهم؛ ولما أسلموا كان عليهم أن يؤدوا الصلاة وهي عمود الدين، والصلاة لا تكون إلا بقراءة الفاتحة على الأقل، فأدى ذلك إلى تعلمهم اللغة العربية.
كما أن اعتناقهم لهذا الدين وقبولهم به يعني التزامهم بأخلاقه ومبادئه، وهذا دعاهم إلى ضرورة التفقه في الدين، ومعرفة أحكامه وقراءة القرآن؛ لنيل الأجر والثواب على قراءته؛ كل هذا دعا المسلمين من غير العرب إلى تعلم العربية ومعرفتها، إلا أن ما يلفت النظر هو أن هؤلاء لم يتعلموا العربية فقط، بل أتقنوها فألفوا فيها المؤلفات التي ما تزال من أمهات المصادر العربية حتى يومنا هذا، ككتاب سيبويه وهو فارسي الأصل، ودلائل الإعجاز وأسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني وغيرهم.
رغم أن التطور سنة جارية في كل اللغات، وأكثر مظاهره يكون في الدلالات، إلا أن العربية ظلت محتفظة بكل مستوياتها اللغوية (صوتية - صرفية - نحوية - دلالية)، وما تطور منها كان في إطار المعاني الأصلية وبسبب منها، والمحافظة على الأصل الدلالي للفظ على تطور الزمن له فائدة لا يستهان بها، فتواصل الفهم بين الأجيال للنصوص القديمة وتراث الأمة أمر من الأهمية بمكان، ويزداد إدراك أهمية الاستقرار اللغوي الذي تتميز به العربية إذا ما تأملنا التعبير السريع الذي يلحق اللغة الإنكليزية (لغة الحضارة المعاصرة)، فنصوص الإنجليزية القديمة (التي مر عليها قرابة ثلاثة قرون) أصبحت عصية على الفهم بالنسبة للإنجليزية المعاصرة.
ولعل هذا التغير السريع هو الذي دفع علماء هذه اللغة إلى إعادة صياغة النصوص الأدبية المهمة عندهم -مثل نصوص شكسبير- بإنجليزية حديثة يفهمها المعاصرون بدلًا من الإنجليزية القديمة.
فرغم مرور أربعة عشر قرنًا على وجود الإسلام إلا أن الإنسان العربي لا يكاد يجد صعوبة في فهم هذه النصوص، ولا تصادفه غرابة في الألفاظ، وما يصادفنا من ألفاظ صعبة، فإن أبسط المعاجم يمكن أن يبدد هذه الصعوبة، وهكذا الشأن مع باقي المستويات اللغوية (الصوتية، والصرفية، والنحوية) وهذه مزية عظيمة أن تكون الأمة موصولة بتراثها الزاخر تفيد منه وتنتفع به.
فقد نَحَّى القرآن الكريم عن اللغة التقعير في الكلام، والألفاظ الغريبة الثقيلة على السمع، وإن من يتأمل النثر أو الشعر الجاهلي يرى كثيرًا من هذه الكلمات، ومن ذلك: (جحيش): يقال للرجل: إذا كان يستبد برأيه ولا يشاور الناس64، و(البخصات): جمع بخصة وهي لحم باطن القدم، و(الملطاط): وهو كل شفير نهر أو وادٍ65، وغير ذلك كثير.
كما نحَّي القرآن الكريم أيضًا كثيرًا من الألفاظ التي تعبر عن معان لا يقرها الإسلام، ومن ذلك:
ومن أثر القرآن بالعربية أيضًا:
ثانيًا: حكمة ورود ألفاظ غير عربية في القرآن الكريم:
اتفق أهل العلم على أنه ليس في القرآن كلام مركب من أساليب أعجمية، كما اتفقوا على أن في القرآن أسماء أعلام أعجمية مثل: نوح، ولوط، وإسرائيل، وجبريل، قال القرطبي رحمه الله في مقدمة تفسيره: «لا خلاف بين الأئمة أنه ليس في القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب، وأن في القرآن أسماء أعلامًا لمن لسانه غير لسان العرب، كإسرائيل وجبريل وعمران ونوح ولوط»66.
واختلفوا: هل فيه ألفاظ أعجمية مفردة؟
فذهب الجمهور إلى عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن، وذهب آخرون إلى وجودها، وتوسط طرف ثالث فتأول وجودها على أنها مشتركة بين العرب وغيرهم، وعلى أن العرب استعملوها وعربوها، فصارت تنسب إليهم لا باعتبار أصلها، بل باعتبار استعمالها وتعريبها.
وممن نصر القول الأول -وهو عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن- الإمامان الجليلان الشافعي67 والطبري68 ووافقهما أبو عبيدة69 وابن فارس70 وأكثر أهل اللغة، وهو الذي نصره وأيده: بدر الدين الزركشي في كتابه (البرهان في علوم القرآن) واستدلوا بالآيات القرآنية الكثيرة التي تدل على عربية القرآن الكريم، منها: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [يوسف: ٢].
وقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الزمر: ٢٨].
قال الإمام الشافعي -بعد أن ساق الآيات السابقة-: «فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه -جل ثناؤه- كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه، فقال تبارك وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النحل: ١٠٣].
وقال: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ) [فصلت: ٤٤]»71.
وذهب الإمام المفسر ابن عطية إلى القول الثاني: وهو أن في القرآن بعض ألفاظ أعجمية72، ووافقه بعض الفقهاء، وقد روي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة73. وهو الذي نصره وأيده جلال الدين السيوطي في كتابه (الإتقان في علوم القرآن) وفي كتابه: (المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب) ومن أدلتهم: ما وجد من ألفاظ أعجمية كـ(إستبرق، وسندس) وغيرها، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم بعث للناس كافة، فلا يمتنع وجود أكثر من لغة في القرآن، بل هو أبلغ في الإعجاز.
وقد رد الإمام الشافعي رحمه الله بكلامه الفصيح، وحجته القوية على هذا الزعم، مبينًا أنه ليس في كتاب الله شيء إلا بلسان العرب، مفندًا حجج هؤلاء الزاعمين، وأهمها اثنتان:
الأولى: أن في القرآن خاصًّا يجهل بعضه بعض العرب.
والثانية: أن في القرآن ما ينطق به غير العرب. فقام الشافعي بالرد على هاتين الشبهتين في كتابه الرسالة74.
والمذهب الثالث هو لبعض الباحثين -وهو يجمع بين القولين- فهو يقول: إن وجود بعض الألفاظ الأعجمية لا يخرجه عن كونه عربيًّا؛ لأنها قليلة والعبرة للأكثر، كما أن من يعرف كتابة اسمه فقط لا يخرجه عن كونه أميًّا، وأن هذه الألفاظ هي أعجمية في الأصل عربية بالاستعمال والتعريب.
وبعد هذا التحقيق يتبين أنه لا مجال للطعن في كتاب الله تعالى بمثل هذه الشبهة، وأنه لو كانت مجالًا للطعن في القرآن لما تركها أسلاف هؤلاء من مشركي مكة ومن بعدهم، وهم أهل اللغة، وهم الذين لم يتركوا مجالًا لأحدٍ للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب ربه إلا قالوه، ولو أنهم وجدوا هذه الشبهة قائمة لقالوها.
وقد يقول قائل: ما الحكمة من استعمال القرآن لهذه الكلمات الأجنبية مهما قلت مع وجود مرادفات في اللغة العربية؟!
وقد أبان السيوطي شيئًا من تلك الحكم بعد أن نقل بعض الآثار في كتابه المهذب عن أبي ميسرة قال: «في القرآن من كل لسان»، وعن بعضهم قال: «ليس لغة في الدنيا إلا وهي في القرآن»، قائلًا: «فهذه إشارة إلى أن حكمة وقوع هذه الألفاظ في القرآن أنه حوى علوم الأولين والآخرين، ونبأ كل شيء، فلا بد أن تقع فيه الإشارة إلى أنواع اللغات والألسن؛ لتتم إحاطته بكل شيء، فاختير له من كل لغة أعذبها وأخفها وأكثرها استعمالًا للعرب».
ثم رأيت ابن النقيب صرح بذلك فقال في تفسيره: «من خصائص القرآن على سائر كتب الله المنزلة أنها نزلت بلغة القوم الذين أنزلت عليهم، لم ينزل فيها شيء بلغة غيرهم، والقرآن احتوى على جميع لغات العرب، وأنزل فيه بلغات غيرهم من الروم والفرس والحبشة شيء كثير».
و أيضًا فالنبي صلى الله عليه وسلم مرسل إلى كل أمة، وقد قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [إبراهيم: ٤].
فلا بد وأن يكون في الكتاب المبعوث به من لسان كل قوم، وإن كان أصله بلغة قومه هو»75.
ولعل من الحكم في ذلك؛ ليكون دلالة على عالمية القرآن، وكأنما يشير الله سبحانه وتعالى بهذه الكلمات إلى شعوب ودول على المسلمين أن يصلوا إليها؛ لنشر هداية القرآن، وتعاليم الإسلام، كأنما يقول: تذكروا فارس، والحبشة، والدولة الرومية وغيرها، وانشروا فيها علمكم، ونور دينكم ولغتكم؛ وهذا ما فعله المسلمون.
موضوعات ذات صلة: |
القرآن، القراءة، الكتابة، اللسان |
1 التعريفات، الجرجاني ص ١٩٢.
2 أخرجه ابن ماجه، كتاب النكاح، باب ما جاء في فضل النكاح، ٣/٧٢، رقم ١٨٧٢، وأحمد في مسنده، ٢٩/٢٦٠، رقم ١٧٧٢٢.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٩١، رقم ٣٠٨٤.
3 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٤٦٧.
4 انظر: الكليات، الكفوي ص ٧٩٨، المصباح المنير، الفيومي ٢/٤٠٠.
5 انظر: القاموس الفقهي، سعدي أبو جيب ١/٢٤٦.
6 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٥٨٦، تاج العروس، الزبيدي ٣/٣٣٣.
7 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/٩٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٢٣١.
8 انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ١/٣٤٢، مشارق الأنوار، القاضي عياض ٢/٦٨.
9 انظر: الفروق الفردية، العسكري ١/٥٨.
10 فتح القدير، الشوكاني ٣/٢٧٩.
11 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٨/٣٤٩.
12 انظر: مقدمة ديوان الأدب للفارابي، ١/٨٠، تحقيق: دكتور أحمد مختار عمر.
13 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٩٦.
14 وحي القلم ٣/٣٣-٣٤.
15 اقتضاء الصراط المستقيم ١/٤٢٤.
16 المجموع، النووي ١/٢٠.
17 اقتضاء الصراط المستقيم ص٢٠٧.
18 المزهر ٢/٣٠٢.
19 مقدمة ابن خلدون ص ٤٢٦.
20 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ١٠/٤٥٦-٤٥٧، رقم ٩٩٦٣، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، ٢/١١٣٢، رقم ٢٢٢٨.
21 اقتضاء الصراط المستقيم ١/٤٢٥.
22 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/٢٨٣، تفسير ابن أبي حاتم في ١٠/٣١٧٠.
23 أخرجه الحاكم في المستدرك، ٢/٥٤٢،- ٣٨٤٥، وابن أبي حاتم في تفسيره، ١٠/٣٣٦٦، رقم ١٨٩٥٣.
24 مجموع فتاوى ابن تيمية ٨/٣٤٣.
25 انظر: سلسلة التفسير، مصطفى العدوي ٢٤/٦.
26 تهذيب اللغة ٢/٢١٩.
27 جامع البيان، الطبري ١٥/٥٥١.
28 مقدمة ابن خلدون ص٧٥.
29 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٦٥.
30 الرسالة ص ٤٦- ٤٧.
31 جامع البيان، الطبري ١/١٥.
32 أخرجه الحاكم في المستدرك، ٢/٥٥٠، رقم ٣٨٧٢، والطبراني في الكبير، ١١/١٢٥، رقم ١١٢٥٠، وهو في صحيح السيرة النبوية ١/١٥٨.
33 توفيق الرحمن، فيصل آل مبارك ٤/٢٣٠.
34 روح المعاني، الألوسي ٢٣/٢٦١.
35 الإيمان ص ١١١.
36 معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٦٧.
37 البيت منسوب لعامر بن الطفيل، انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٦٣.
38 الاعتصام، الشاطبي ٢/٥٦.
39 انظر: الكشاف ١/١٥٦، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٢/٢٧٦.
40 الاعتصام، الشاطبي ٢/٥٨.
41 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٥/٦٥٠.
42 البحر المحيط، أبو حيان ٨/٤٨٦.
43 انظر: ديوان امرئ القيس ص ٤٩.
44 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٣/١٣١، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٢/١٢١، روح المعاني، الألوسي ٤/١٤٣، أضواء البيان، الشنقيطي ٧/١٤٠.
45 شرح المفصل، ابن يعيش ص١١.
46 انظر: معاني الحروف، الرماني ص ١٧٤، شرح المفصل، ابن يعيش ص١٢.
47 الكوكب الدري، الإسنوي ص ٣٠٨.
48 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٩.
49 انظر: المجموع، النووي ٢/٢٨٢، المغني، ابن قدامة ١/٢١٩.
50 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها، رقم ٢٤٥٢.
51 انظر: إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، للقاضي عياض ٧/٢٤٢.
52 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٠١.
53 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٢٢٦.
54 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤١٩.
55 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/٢٥٣.
56 انظر: الوسيط، طنطاوي ٦/ ٣٩٤.
57 لباب التأويل، الخازن ٤/ ٩٥.
58 التحرير والتنوير ٦/ ٢٢٥.
59 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/ ٣٢٦.
60 بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٦/١٠٣.
61 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/ ٤٧٥.
62 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٨/٣٤٩.
63 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/ ١٨.
64 انظر: مجمل اللغة، ابن فارس ص ١٧٧، مختار الصحاح، الرازي ص ٥٣.
65 انظر: المزهر، السيوطي ٢/٤٣١، تاج العروس، الزبيدي ٢٠/٦٨.
66 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٦٨.
67 الرسالة، الشافعي ص٤٢.
68 جامع البيان، الطبري ١/١٥.
69 نقله عنه تلميذه القاسم بن سلام في غريب الحديث ٤/٢٤٢.
70 حيث قال: «كما سمي الديباج، وهو منقول من الفارسية، وقال غيره: هذه حروف عربية وقع فيها وفاق بين ألفاظها في العجمية والعربية، وهذا عندي هو الصواب».
انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٩/٣١٣.
71 الرسالة ص٤٦-٤٧.
72 وقد جمع بعض العلماء الكلمات المعربة المذكورة في القرآن، ومن هؤلاء تاج الدين السبكي حيث قام بذكر سبع وعشرين كلمة معربة في القرآن على شكل نظم، وأضاف إليها ابن حجر العسقلاني أربع وعشرين كلمة أخرى، ومن ثم قام السيوطي بإضافة ستين كلمة إلى هذه الكلمات.وهكذا فاق عددها المائة وخمس وعشرين كلمة.
73 انظر: حاشية الجمل على الجلالين ٢/٤٣٢.
74 انظر: الرسالة ص٤٢.
75 المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب، السيوطي ص ٦١- ٦٢.