عناصر الموضوع

مفهوم اللسان

اللسان في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

اللسان آية ونعمة

اللسان أداة وخاصية

آفات اللسان

دلالة اللسان على قدرة الله وعظمته

اللسان

مفهوم اللسان

أولًا: المعنى اللغوي:

اللام والسين والنون: أصل صحيح يدل على طول لطيف غير واضح، في عضو أو غيره، ومن ذلك اللسان1.

فاللسان: جارحة الكلام، وقد يكنى بها عن الكلمة، فتؤنث حينئذٍ2.

ويطلق اللسان على اللغة، والمتكلم عن القوم، وأرض بظهر الكوفة3.

وتجمع (اللسان) على ألسن وألسنة ولسن (مثل: كتاب وكتب) فمن ذكر جمعه على (ألسنة) ومن أنث جمعه على (ألسن) والتذكير أكثر، وهو في القرآن كله مذكر4.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

قال الجرجاني: «اللسان الجارحة وقوتها، فإن العقدة لم تكن في الجارحة، وإنما كانت في قوته التي هي النطق به، ولكل لسان نغمة مخصوصة يميزها السمع، كما أن له صورة مخصوصة يميزها البصر»5.

وقال الرازي: «هو الآلة في إعطاء المعارف؛ فوجب أن يكون أشرف الأعضاء»6.

وبالنظر إلى التعريفين يتبين أن تعريف الجرجاني أجمع وأشمل؛ إذ إنه يتحدث عن كل ما يستوعبه التعريف المراد من جهة وهو يمنع ما عداه من جهة أخرى.

اللسان في الاستعمال القرآني

ورد (اللسان) في القرآن الكريم (٢٥) مرة7.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

المفرد

١٥

( ) [النحل:١٠٣]

الجمع

١٠

( ) [الأحزاب:١٩]

وجاء اللسان في الاستعمال القرآني على أربعة أوجه8:

الأول: اللسان بعينه: ومنه قوله تعالى: ( ) [البلد: ٩]. وهذا كثير.

الثاني: اللغة: ومنه قوله تعالى: ( ) [الشعراء: ١٩٥]. أي: بلغة العرب.

الثالث: الدعاء: ومنه قوله تعالى: ( ) [المائدة: ٧٨]، يعني: في دعاء داود وعيسى.

الرابع: الثناء الحسن: ومنه قوله تعالى: ( ) [الشعراء: ٨٤]. يعني: ثناءً حسنًا.

الألفاظ ذات الصلة

النطق:

النطق لغة:

هو التكلم بأصواتٍ وحروفٍ تعرف من خلالها المعاني المرادة9.

النطق اصطلاحًا:

التكلم بما يعرف من خلاله المعاني المراد إيصالها إلى الآخر، وهو مختص بالإنسان دون غيره من الكائنات الحية10.

الصلة بين النطق واللسان:

اللسان هو الآلة الجارحة التي من خلالها يتم النطق فيعرف من خلال ذلك المعاني المراد إيصالها، وعلى هذا فإن اللسان أعم وأشمل؛ لأن النطق مختص بالإنسان، واللسان أعم من ذلك، كما أن اللسان يضاف إلى استعماله في النطق استعمالات أخرى، منها: التذوق، والبلع، وغير ذلك.

القول:

القول لغةً:

ما كان جزءًا من النطق أثناء التحدث، والمقول: اللسان. ورجلٌ قولةٌ وقوالٌ: كثير القول11.

القول اصطلاحًا:

هو الكلمة المركبة في القضية المنطوقة، أو المفهوم المركب العقلي في القضية المعقولة12.

الصلة بين القول واللسان:

اللسان هو الآلة الجارحة التي من خلالها يقول المتحدث، والنطق والقول أعم منه.

الكلام:

الكلام لغةً:

ما أفاد معنىً أثناء التحدث من اللسان، ويقال: قد يكون قلة الكلام كثرةً في القول؛ لأن القول كلمة أفادت معنىً، والكلام أعم من ذلك وأوسع13.

الكلام اصطلاحًا:

هو ما تضمن كلمتين أو أكثر بالإسناد، ومكان إخراجها من اللسان14.

الصلة بين الكلام واللسان:

اللسان هو الآلة الجارحة التي من خلالها يتكلم الإنسان بكلمتين أو أكثر بالإسناد، وإن كان الكلام أعم من القول إلا أن النطق أعم منهما، واللسان أعم من الجميع؛ لأنه الآلة التي من خلالها يكون التحدث من جهة وللسان استعمالات أخرى من جهة أخرى.

الرأس:

الرأس لغةً:

هو ما دل على تجمع وارتفاع، كأن يقال عن أعلى الإنسان: رأسه15.

الرأس اصطلاحًا:

ما يجمع فيه الخلقة من إنسان أو غيره من كل المخلوقات، ومجتمع كل شيء رأسه16، وبالتالي فهو يجمع كثيرًا من الجوارح.

الصلة بين الرأس واللسان:

اللسان هو جزء لا يتجزأ من الرأس، بل إن اللسان من أخص خصوص الرأس.

اللسان آية ونعمة

أولًا: اللسان والإنسان:

امتن الله جل وعلا على الإنسان بأنه جعل له آلة البيان التي هي اللسان والشفتان؛ وذلك في قوله تعالى: ( ) [البلد: ٨- ٩].

وذكر الله ذلك؛ تعليلًا للإنكار والتوبيخ في قوله: ( ) [البلد:٥].

أو قوله: ( ) [البلد:٧].

أي: هو غافل عن قدرة الله تعالى وعن علمه المحيط بجميع الكائنات الدال عليهما أنه خلق مشاعر الإدراك التي منها العينين، وخلق آلات الإبانة، وهي اللسان والشفتان، فكيف يكون مفيض العلم على الناس غير قادر وغير عالم بأحوالهم؟!

قال تعالى: ( ) [الملك:١٤].

والاستفهام يجوز أن يكون تقريريًا وأن يكون إنكاريًا، والاقتصار على العينين؛ لأنهما أنفع المشاعر، ولأن المعلل إنكار ظنه أن لم يره أحد، وذكر الشفتين مع اللسان؛ لأن الإبانة تحصل بهما معًا، فلا ينطق اللسان بدون الشفتين ولا تنطق الشفتان بدون اللسان.

فمن دقائق القرآن أنه لم يقتصر على اللسان ولا على الشفتين خلاف عادة كلام العرب أن يقتصروا عليه، يقولون: ينطق بلسان فصيح. ويقولون: لم ينطق ببنت شفة أو لم ينبس ببنت شفة؛ لأن المقام مقام استدلال، فجيء فيه بما له مزيد تصوير لخلق آلة النطق، وأعقب ما به اكتساب العلم، وما به الإبانة عن المعلومات، بما يرشد الفكر إلى النظر والبحث؛ وذلك قوله: ( ) [البلد:١٠].

فاستكمل الكلام في سياق الآيات أصول التعلم والتعليم، فإن الإنسان خلق محبًا للمعرفة، محبًا للتعريف بمشاعر الإدراك، يكتسب المشاهدات، وهي أصول المعلومات اليقينية، وبالنطق يفيد ما يعلمه لغيره، وبالهدى إلى الخير والشر يميز بين معلوماته ويمحصها17.

فذكر اللسان ومعه الشفتين للدلالة على أن النطق السليم لا يتأتى إلا بوجودهما معًا، فاللسان لا ينطق نطقًا صحيحًا بدون الشفتين، وهما لا ينطقان بدونه؛ ولهذا جاء في الأثر: «ابن آدم، إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق، وإن نازعك بصرك إلى بعض ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق، وإن نازعك فرجك إلى ما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقين فأطبق»18.

و أيضًا من حكمة اقتران اللسان بالشفتين أنهما العضوان الناطقان، فأما الهواء والحلق والنطع واللهوات والأسنان فمتصلة حركة بعضها مرتبطة بحركة البعض بمنزلة غيرها من أجزاء الحنك، فأما اللسان والشفتان فمنفصلة، ثم الشفتان لما كانا النهاية حملا الحروف الجوامع: الباء والفاء والميم والواو19.

وذكر الله هذه النعم تذكيرًا للإنسان؛ ليشكرها، فهي ثلاث نعم من أكبر النعم على الإنسان:

النعمة الأولى: ( ) [البلد:٨].

يعني: يبصر بهما، ويرى فيهما، وهاتان العينان تؤديان إلى القلب ما نظر إليه الإنسان، فإن نظر نظرة محرمة كان آثمًا، وإن نظر نظرًا يقربه إلى الله كان غانمًا، وإذا نظر إلى ما يباح له فإنه لا يحمد ولا يذم، ما لم يكن هذا النظر مفضيًا إلى محظور شرعي فيكون آثمًا بهذا النظر.

والنعمة الثانية: ( ) [البلد:٩].

لسانًا ينطق به، وشفتين يضبط بهما النطق، وهذه من نعم الله العظيمة؛ لأنه بهذا اللسان والشفتين يستطيع أن يعبر عما في نفسه، ولولا هذا ما استطاع، فلو كان لا يتكلم فكيف يعبر عما م في قلبه؟ وكيف يعلم الناس بما في نفسه؟ اللهم إلا بالإشارة ،والإشارة متعبة، تتعب المشير وتتعب الذين أشير إليهم، ولكن من نعمة الله أن جعل له لسانًا ناطقًا، وشفتين يضبط بهما النطق، وغير ذلك من المنافع الضرورية فيها، فهذه نعم الدنيا20.

ثم قال في نعمة الدين: ( ) [البلد:١٠].

أي: طريقي الخير والشر، بينا له الهدى من الضلال، والرشد من الغي، فهذه المنن الجزيلة تقتضي من العبد أن يقوم بحقوق الله، ويشكره على نعمه، وأن لا يستعين بها على معاصيه.

وهذه الأعضاء الثلاثة -العينان واللسان والشفتان- هي الأعضاء الدائمة الحركة والكسب، إما للإنسان وإما عليه، بخلاف ما يتحرك من داخل فإنه لا يتعلق به ثواب ولا عقاب، وبخلاف بقية الأعضاء الظاهرة فإن السكون أغلب، وحركتها قليلة بالنسبة إلى هذه21.

ثانيًا: اللسان أداة للبيان والتبليغ:

امتن الله عز وجل على الإنسان بنعمة النطق التي يحصل بها إبانة الإنسان عما يريده، فقال سبحانه: ( ﭿ ) [الرحمن:٣-٤].

وفسر البيان بالنطق.

ونلحظ أنه لم يقل: وعلمه البيان بالواو؛ لأنه لو عطفه عليه لكان مغايرًا له، أما إذا ترك الحرف العاطف صار قوله: (ﭿ ) كالتفسير لقوله: ( ) كأنه إنما يكون خالقًا للإنسان إذا علمه البيان22.

فيكون في قوله تعالى: ( ﭿ ) [الرحمن:٣-٤]، بيانٌ لنعمتين من نعمه سبحانه، والمراد بالإنسان جنسه، والمراد بالبيان الفهم والنطق والإفصاح عما يريد الإفصاح عنه، بالكلام الذي أداته اللسان.

أي: إنه سبحانه وتعالى خلق الإنسان على أجمل صورة وأحسن تقويم، ومكنه من الإفصاح عما في نفسه عن طريق المنطق السليم والقول الواضح، كما مكنه من فهم كلام غيره له، فتميز بذلك من الأجناس الأخرى، وصار أهلًا لحمل الأمانة التي عجزت عن حملها السموات والأرض والجبال، وأصبح مستعدًّا لتلقي العلوم والخلافة في الأرض23. والإنسان لا يقدر على إقامة مصالحه إلا بإفهام غيره أغراضه، وذلك بواسطة اللسان التي هي أداة للكلام، وكل هذه المصالح تفوت بزوال اللسان أو بقطعه.

ويعد النطق فضيلة عظيمة، ويدل على فضله أن في مناظرة آدم عليه السلام مع الملائكة ما ظهرت الفضيلة إلا بالنطق، حيث قال: ( ﮑﮒ ) [البقرة:٣٣]24.

لما كان العلم أفضل الأشياء و كانت آلة إعطائه اللسان وجب أن يكون أشرف الأعضاء 25.

والبيان بيانان كما قال العلماء، وهما الأشهر، وإن كانت ثم أنواع أخر من أنواع البيان، فالبيانان الأشهران أحدهما بيان باللسان، والآخر بيان بالقلم.

وأصل البيان إظهار ما في نفس الشخص للآخرين، وهذا يكون إما عن طريق اللسان، وإما عن طريق القلم، فالامتنان بالتعليم بالقلم ذكر في سورة العلق: ( ﭿ ﮋﮌ ) [العلق:١-٥].

فامتن الله علينا بتعليمنا البيان بكل أنواعه، وبهذا يفارق بنو آدم سائر العجماوات من البهائم وسائر الدواب.

ولأن البيان بالنطق هو أعظم أنواع البيان امتن الله به علينا، مع أنه ثم أنواع أخر من أنواع البيان -كما سبق- كالإشارات وكالنظرات، لكنها ليست بتلك الشهرة؛ إذ كتاب الله يذكر الغالب الأشهر.

ومن المعلوم أن هذه النعمة إنما تكون نعمة حقًا إذا استعمل النطق بما هو خير، أما إذا استعمل بشر فهو وبال على صاحبه، ويكون من فقد هذه النعمة أحسن حالًا منه، فاللسان مع أهميته آلة ذات حدين، حيث يستعمل للخير كالصدق في القول والإرشاد والتعليم والذكر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدفاع عن الحق، كما أنه يستعمل للشر من إيذاء الناس بالشتم أو بالنميمة والدفاع عن الباطل ومساندته26.

ويأتي أهمية البيان من كونه قوة مؤثرة في تحريك النفوس وتوجيه الناس، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرًا)27. يقول ابن حبان البستي معلقًا على هذا الحديث: «وشبه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا البيان بالسحر؛ إذ الساحر يستميل قلب الناظر إليه بسحره وشعوذته، والفصيح الذرب اللسان يستميل قلوب الناس إليه بحسن فصاحته ونظم كلامه، فالأنفس تكون إليه تائقة، والأعين إليه رامقة»28.

وما من موجود أو معدوم خالق أو مخلوق معلوم أو موهوم إلا واللسان يتناوله، ويتعرض له بإثبات أو نفي، فإن كل ما يتناوله الضمير يعبر عنه بحق أو باطل، وهذه خاصية لا توجد في سائر الأعضاء، فإن العين لا تصل إلى غير الألوان والصور، والآذان لا تصل إلى غير الأصوات والحروف، واليد لا تصل إلى غير الأجسام، وكذلك سائر الأعضاء، بخلاف اللسان، فإنه رحب الميدان، ليس له نهاية، ولا حد له، فله في الخير مجال رحب، وله في الشر بحر سحب 29.

وأخبر الله أنه أنزل القرآن مصدق بما قبله من الكتب، فقال: ( ) [الأحقاف:١٢].

وزاده ثناء بكونه ( ) أي: باللغة العربية، فإنها أفصح اللغات، وأنفذها في نفوس السامعين، وأحب اللغات للناس، فإنها أشرف وأبلغ وأفصح من اللغة التي جاء بها كتاب موسى عليه السلام، ومن اللغة التي تكلم بها عيسى عليه السلام، ودونها أتباعه أصحاب الأناجيل.

«لغة العرب أفضل اللغات وأوسعها، قال تعالى ׃ ( ) [الشعراء:١٩٢-١٩٥].

فوصفه سبحانه بأبلغ ما يوصف به الكلام وهو البيان... فلما خص سبحانه اللسان العربي بالبيان علم أن سائر اللغات قاصرة عنه وواقعة دونه»30.

وأدمج لفظ (لسانًا) للدلالة على أن المراد بعربيته عربية ألفاظه لا عربية أخلاقه وتعاليمه؛ لأن أخلاق العرب يومئذٍ مختلطة من محاسن ومساوئ، فلما جاء الإسلام نفى عنها المساوئ؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)31.

ولا شك أن اللسان العربي مختص بأنواع الفصاحة والجزالة التي لا توجد في سائر الألسنة، قال بعض الحكماء: حكمة الروم في أدمغتهم؛ لأنهم يقدرون على التركيبات العجيبة، وحكمة الهند في أوهامهم، وحكمة اليونان في أفئدتهم؛ لكثرة ما لهم من المباحث العقلية، وحكمة العرب في ألسنتهم، بحلاوة ألفاظهم وعذوبة عباراتهم32.

والمقصود أن الله تعالى خص العرب بفهم القرآن ومعرفته، وفضلهم على غيرهم بعلم أخباره، ومعاني ألفاظه، وخصوصه وعمومه، ومحكمه ومبهمه، وخاطبهم بما عقلوه وعلموه ولم يجهلوه، وقبلوه ولم يدفعوه، وعرفوه فلم ينكروه؛ إذ كانوا قبل نزوله عليهم يتعاملون بمثل ذلك في خطابهم ولغاتهم وكلامهم33.

واللسان وسيلة لتبليغ الخير للناس، ودعوتهم إلى الله، وقد ذكر جل وعلا أنه يسر هذا القرآن بلسان هذا النبي العربي الكريم؛ ليبشر به المتقين، وينذر به الخصوم الألداء، وهم الكفرة، فقال: ( ) [مريم:٩٧].

وقال: ( ) [الدخان:٥٨].

يخبر تعالى عن نعمته تعالى، وأن الله يسر هذا القرآن الكريم بلسان النبي صلى الله عليه وسلم، يسر ألفاظه ومعانيه؛ ليحصل المقصود منه والانتفاع به ( ) بالترغيب في المبشر به من الثواب العاجل والآجل، وذكر الأسباب الموجبة للبشارة ( ) أي: شديدين في باطلهم، أقوياء في كفرهم فتنذرهم، فتقوم عليهم الحجة، وتتبين لهم المحجة، فيهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة34.

وفي قوله: ( ) إشارة إلى أهمية اللسان الذي هو لسان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كذلك لسان قومه، يفهمون به ما يقوله لهم، ويحيط هو كذلك علمًا بما يقولون له، مما يفهم منه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد بلغ القمة في فصاحة الكلام ووضوح الخطاب وقوة الحجة.

فيكون المراد باللسان في قوله: ( ) اللغة، أي: بلغتك، وهي العربية، كقوله: ( ) [الشعراء:١٩٣-١٩٥].

فإن نزول القرآن بأفضل اللغات وأفصحها هو من أسباب فضله على غيره من الكتب، وتسهيل حفظه ما لم يسهل مثله لغيره من الكتب35.

والباء في قوله: (بلسانك) للسببية، أي: بسبب لغتك، أي: العربية، وذكر قوله: ( ) لبيان الحكمة في إنزال القرآن باللسان العربي، وفي إضافة اللسان إلى ضمير النبي صلى الله عليه وسلم عناية بجانبه، وتعظيم له، وإلا فاللسان لسان العرب، كما قال تعالى: ( ) [إبراهيم:٤].

وإطلاق اللسان وهو اسم الجارحة المعروفة في الفم على اللغة مجاز شائع؛ لأن أهم ما يستعمل فيه اللسان الكلام36.

وفي الآية دلالة على دور اللسان في الدعوة والتبليغ، لأن الله بين أنه يسر ذلك بلسانه ليبشر به وينذر، ولولا أنه تعالى نقل قصصهم إلى اللغة العربية لما تيسر ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم . ويرجع سبب ذلك التيسير كونه بأفصح اللغات، وكونه على لسان أفضل الرسل صلى الله عليه وسلم ؛ فلذلك كان تسببه في حصول تذكرهم تسببًا قريبًا لو لم يكونوا في شك يلعبون37.

وإذ كان القرآن كلامًا فمعنى تيسيره يرجع إلى تيسير ما يراد من الكلام، وهو فهم السامع المعاني التي عناها المتكلم به، دون كلفة على السامع، ولا إغلاق، كما يقولون: يدخل للأذن بلا إذن. وهذا اليسر يحصل من جانب الألفاظ وجانب المعاني: فأما من جانب الألفاظ فذلك بكونها في أعلى درجات فصاحة الكلمات وفصاحة التراكيب، أي: فصاحة الكلام وانتظام مجموعها بحيث يخف حفظها على الألسنة.

وأما من جانب المعاني فبوضوح انتزاعها من التراكيب، ووفرة ما تحتوي عليه التراكيب منها من مغازي الغرض المسوقة هي له، وبتولد معان من معان أخر، كلما كرر المتدبر تدبره في فهمها ووسائل ذلك لا يحيط بها الوصف38.

وفي الآية الأخرى قال تعالى: ( ) أي: إنما يسرنا هذا القرآن الذي أنزلناه سهلًا واضحًا بينًا جليًّا بلسانك الذي هو أفصح اللغات وأجلاها وأحلاها وأعلاها، وعلل هذا التيسير بقوله: ( ) أي: يتفهمون ويعملون39.

والمقصود أن من وسائل الدعوة الوسيلة اللسانية، وهي أبرز وسيلة دعوية يقوم بها الرجل، وتقوم بها المرأة، واستخدام اللسان في المجال الدعوي إما عن طريق الدرس، وإما عن طريق الخطابة، وإما عن طريق المحاضرة، وإما عن طريق الدعوة الفردية، وهناك طرق كثيرة جدًا، وممكن أن يستفيد المسلم مما أعطاه الله سبحانه وتعالى،ويحاول قدر جهده أن يستثمر هذا اللسان الذي وهبه الله سبحانه وتعالى في مجال الدعوة، وهناك مجالات عدة للاستفادة من الجانب اللساني ليس المقصود بسطها في هذا الموضع.

اللسان أداة وخاصية

أولًا: اللسان بين الصدق والكذب:

ذكر الله تعالى صفة الكذب في اللسان، فقال: ( ﯙﯚ ) [النحل:١١٦].

وقال: ( ﯤﯥ ) [النحل:٦٢].

فقال في الآية الأولى: ( ) وقال في الثانية: ( ) والوصف: ذكر الشيء بحليته ونعته، والصفة: الحالة التي عليها الشيء من حليته ونعته، كالزنة التي هي قدر الشيء، والوصف قد يكون حقًا وباطلًا، فمن الباطل قوله في هذه الآية: ( ) [النحل:١١٦].

تنبيهًا على كون ما يذكرونه كذبًا40. ومعنى وصف ألسنتهم الكذب قولها للكذب صريحًا لا خفاء به، وتصويرها له بصورة مستحسنة، وتزيينها له في المسامع، كأن ألسنتهم لكونها منشأ للكذب ومنبعًا للزور شخص عالم بكنهه ومحيط بحقيقته يصفه للناس، ويعرفه أوضح وصف وأبين تعريف، على طريقة الاستعارة بالكناية، كما يقال: وجهه يصف الجمال، وعينه تصف السحر41.

قال الألوسي: وقد بولغ في الآية من حيث جعل قولهم كذبًا، ثم جعل اللسان الناطقة بتلك المقالة ينبوعه مصورة إياه التي هو عليها، وهو من باب الاستعارة بالكناية، وجعله بعضهم من باب الإسناد المجازي، نحو: نهاره صائم، كأن ألسنتهم لكونها موصوفة بالكذب صارت كأنها حقيقتة ومنبعه الذي يعرف منه حتى كأنه يصفه ويعرفه42.

وقرئ: (الكذب) بالجر صفة () مع مدخولها، كأنه قيل: لوصفها الكذب، بمعنى: الكاذب، كقوله تعالى: ( ) [يوسف:١٨].

أو على البدل من (ما): أي: ولا تقولوا الكذب الذي تصفه ألسنتكم هذا حلال وهذا حرام، والمراد بالوصف وصفها البهائم بالحل والحرمة43.

وقرئ: (الكذب) بضم الكاف والذال والباء، جمع: كذوب، على أنه نعت للألسنة؛ كأنه قال: «ألسنةٌ كذبٌ». وقرئ: بالنصب على الشتم، أو بمعنى الكلم الكواذب، أو هو جمع الكذاب، من قولهم: كذب كذبًا44.

و(ما) في قوله: ( ) مصدرية، أي: ولا تقولوا الكذب لوصف ألسنتكم45. أو موصولة، والعائد محذوف، أي: ولا تقولوا في شأن الذي تصفه ألسنتكم من البهائم بالحل والحرمة: هذا حلال وهذا حرام، من غير ترتب ذلك الوصف على ملاحظة وفكر، فضلًا عن استناده إلى وحي أو قياس مبني عليه، بل مجرد قول باللسان46.

ويصح أن يكون لفظ الكذب مفعولًا لـ(تصف) وأن يكون قوله: ( ) مفعولًا لـ(تقولوا) وعلى هذا الوجه يكون في وصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب، حتى لكأن ماهية الكذب كانت مجهولة، فكشفت عنها ألسنتهم ووضحتها ووصفتها ونعتتها بالنعوت التي جلتها.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى وصف ألسنتهم الكذب؟ قلت: هو من فصيح الكلام وبليغه، جعل قولهم كأنه عين الكذب ومحضه، فإذا نطقت به ألسنتهم فقد حلت الكذب بحليته وصورته بصورته، كقولهم: وجهها يصف الجمال، وعينها تصف السحر47.

واللام في قوله: ( ) هي لام الصيرورة والعاقبة، أو هي -كما يقول صاحب الكشاف- من التعليل الذي لا يتضمن معنى الغرض48؛ لأن ما صدر عنهم من تحليل وتحريم دون أن يأذن به الله ليس الغرض منه افتراء الكذب فحسب، بل هناك أغراض أخرى كظهورهم بمظهر أولي العلم، وكحبهم للتباهي والتفاخر.

وقوله: () من الافتراء، وهو أشنع أنواع الكذب؛ لأنه اختلاق للكذب الذي لا يستند إلى شيء من الواقع، أي: ولا تقولوا لما تحكيه ألسنتكم من أقوال وأحكام لا صحة لها: هذا حلال وهذا حرام؛ لتنسبوا ذلك إلى الله تعالى كذبًا وزورًا.

وقد حكى الله تعالى عن هؤلاء الجاهلين في آيات كثيرة أنهم حللوا وحرموا أشياء من عند أنفسهم، ومن ذلك قوله تعالى: ( ) [الأنعام: ١٣٩].

وقوله سبحانه: ( ﮫﮬ ) [يونس: ٥٩].

قال ابن كثير: ويدخل في الآية كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي، أو حلل شيئًا مما حرم الله أو حرم شيئًا مما أباح الله بمجرد رأيه وتشهيه49.

والمقصود أن الله جعل من أنواع كذب اللسان قولها: هذا حلال وهذا حرام، وهو من أعظم أنواع الكذب؛ لأنه من القول على الله بغير علم؛ لأن الملك والحكم لله سبحانه وتعالى، وكذلك الحكم الشرعي لله ليس لأحد، فالله تعالى هو الذي يحلل ويحرم ويوجب، وليس أحد من الخلق له الفضل في ذلك الإيجاب والتحليل والتحريم؛ ولهذا نهى الله عباده أن يصفوا شيئًا بالحلال والحرام بدون إذن. ففي الآية دليل واضح على حرمة القول بدون علم، وكذا الاعتقاد والعمل، فلا يحل لأحد أن يعتقد أو يقول أو يعمل بدون علم شرعي قد تمكن من معرفته.

وتتناول هذه الآية بعموم لفظها فتيا من أفتى بخلاف ما في كتاب الله أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يقع كثيرًا من المؤثرين للرأي المقدمين له على الرواية، أو الجاهلين لعلم الكتاب والسنة كالمقلدة، وإنهم لحقيقون بأن يحال بينهم وبين فتاويهم، ويمنعوا من جهالتهم، فإنهم أفتوا بغير علم من الله، ولا هدى ولا كتاب منير، فضلوا وأضلوا50.

وهكذا أضاف الله الكذب إلى اللسان، فقال تعالى: ( ﯤﯥ ) [النحل:٦٢].

وهذا تصوير بليغ لما جبلوا عليه من كذب صريح وبهتان واضح، ومعنى: () تقول وتذكر بشرح وبيان وتفصيل، حتى لكأنها تذكر أوصاف الشيء.

والمعنى: أن هؤلاء المشركين يجعلون لله تعالى ما يكرهونه من الأولاد والأموال والشركاء، وتنطق ألسنتهم بالكذب نطقًا واضحًا صريحًا؛ إذ زعموا أنه إن كانت الآخرة حقًا فسيكون لهم فيها أحسن نصيب.

والمقصود أن من آفات اللسان الكذب، وأعظمه الكذب على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، كما حكى الله في هذه الآية، وكما قال: ( ﭻﭼ ﭿ ) [الزمر:٦٠].

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي فليلج النار)51.

لهذا يجب التثبت فيما يحكيه المرء، وعدم التحديث بكل ما سمع إذا لم يظن صحته، كما قال صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع)52.

وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم مع سعة علمهم وفقههم لا يكثرون من إطلاق عبارات التحليل والتحريم، وهذا من شدة ورعهم ومحاسبتهم لأنفسهم، يقول الإمام مالك رحمه الله: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا ولا أدركت أحدًا أقتدي به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام، ما كانوا يجترئون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره هذا، ونرى هذا حسنًا، ونتقي هذا، ولا نرى هذا، ولا يقولون: هذا حلال ولا حرام53.

فعلى المسلم أن يعود لسانه الصدق، بل لا بد أن يكون صادقًا في قوله وعمله وحاله، فالصدق يكون في هذه الثلاثة: فالصدق في الأقوال: استواء اللسان على الأقوال كاستواء السنبلة على ساقها، والصدق في الأعمال: استواء الأفعال على الأمر والمتابعة، كاستواء الرأس على الجسد، والصدق في الأحوال: استواء أعمال القلب والجوارح على الإخلاص، واستفراغ الوسع، وبذل الطاقة، فبذلك يكون العبد من الذين جاءوا بالصدق، وبحسب كمال هذه الأمور فيه وقيامها به تكون صديقيته؛ ولذلك كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ذروة سنام الصديقية، سمي الصديق على الإطلاق، والصديق أبلغ من الصدوق، والصدوق أبلغ من الصادق، فأعلى مراتب الصدق مرتبة الصديقية، وهي كمال الانقياد للرسول، مع كمال الإخلاص للمرسل54.

وقد قيل: إن في اللسان أكثر من عشرين آفة، وخصلة واحدة نافعة، وهي الصدق، وبها ينتفي عن الإنسان جميع الخصال الذميمة، وعن بدنه جميع الأفعال القبيحة، فإذا حجبه بالصدق فقد كملت له التقوى ونال المرتبة القصوى55.

وقد ذكر الله من صفات اللسان الصدق، فقال تعالى: ( ) [مريم:٥٠].

وقال تعالى: ( ) [الشعراء:٨٤].

أي: ثناءً حسنًا باقيًا في أهل الأديان، فكل أهل دين يتلونهم ويثنون عليهم ويفتخرون بهم؛ استجابة لدعوته بقوله: ( ) [الشعراء:٨٤].

أي: فأعطي ذلك، فكل أهل دين يتولونه، ويثنون عليه.

أو يكون المعنى: واجعلني على طريق قويم، وحال مرضي، يقتدى بي فيهما، ويحمد أثري بعد موتي، وقال بعضهم: سأل أن يجعله صالحًا بحيث إذا أثنى عليه من بعده لم يكن كاذبًا. وقيل: سأل الإمامة في التوحيد والدين، وقد أجيب بقوله: ( ) [البقرة:١٢٤]56.

وخص بعضهم لسان الصدق بما يتلى في التشهد من قول: كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، والعموم أولى57.

وقد تحقق له جميع ذلك، وخصوصًا في هذه الأمة، حتى إنه مذكور ومقرون في كل صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

فيكون المراد بلسان الصدق هنا: الكلام، من إطلاق اسم الآلة على ما يتقوم بها. ووضع اللسان موضع القول على الاستعارة؛ لأن القول يكنى بها58.

والمقصود أنه لسان صدق؛ لأنه ثناء بالصدق عليه من سائر الأمم، وليس ثناء بالكذب، فهو لسان الثناء الصادق بمحاسن الأفعال وجميل الطرائق، وفي كونه لسان صدق إشارة إلى مطابقته للواقع، وأنه ثناء بحق لا بباطل.

ولما كان الصدق باللسان وهو محله أطلق الله سبحانه ألسنة العباد بالثناء على الصادق جزاء وفاقًا، وعبر به عنه، فإن اللسان يراد به ثلاثة معان، ومنها هذا الذي هو (الثناء)59. وهو المراد بـ ( ) [ص:٤٦]، في الآية الأخرى، أي: الذكر الجميل الرفيع لهم في الآخرة.

واللام في قوله: (لي) تقتضي أن الذكر الحسن لأجله، فهو ذكره بخير، وإضافة (لسان) إلى (صدق) من إضافة الموصوف إلى الصفة، ففيه مبالغة الوصف بالمصدر، أي: لسانًا صادقًا، والصدق هنا كناية عن المحبوب المرغوب فيه؛ لأنه يرغب في تحققه ووقوعه في نفس الأمر60.

و () حال من اللسان، وإضافته إلى الصدق ووصفه بالعلو مجازًا؛ لشرف ذلك الثناء، أو للدلالة على أنهم أحقاء لما يثنون عليهم، وأن محامدهم لا تخفى على تباعد الأعصار وتبدل الدول وتحول الملل والنحل61.

وقد رتب الله جزاء إبراهيم على نبذه أهل الشرك ترتيبًا بديعًا؛ إذ جوزي بنعمة الدنيا، وهي العقب الشريف، ونعمة الآخرة وهي الرحمة، وبأثر تينك النعمتين وهو لسان الصدق؛ إذ لا يذكر به إلا من حصل النعمتين62، وعبر باللسان عما يوجد باللسان، كما يعبر باليد عما يوجد باليد، وهو العطية63.

وقيل: إذا أريد ذلك فلا بد من تقدير مضاف في كلامه عليه السلام، أي: اجعل لي صاحب لسان صدق في الآخرين، أو جعل اللسان مجازًا عن الداعي بإطلاق الجزء على الكل؛ لأن الدعوة باللسان، فكأنه قال: اجعل لي داعيًا إلى الحق صادقًا في الآخرين، ولا يخفى أن فيما ذكرناه سابقًا غنى عن ذلك كله64.

ثانيًا: اللسان بين الفصاحة والعي:

خلق الله الألسنة متفاوتة من حيث الفصاحة والعي، وقد أخبر الله تعالى بهذا التفاوت، حيث قال حاكيًا قول موسى عليه السلام: ( ﯩﯪ ) [القصص:٣٤].

وقوله: ( ) [طه:٢٧].

وقوله: ( ) [الشعراء:١٣].

فنلحظ من الآيات السابقة أن موسى عليه السلام سأل الله تعالى سلامة آلة التبليغ وهي اللسان، بأن يرزقه فصاحة التعبير، والمقدرة على أداء مراده بأوضح عبارة، فشبه حبسة اللسان بالعقدة في الحبل أو الخيط ونحوهما؛ لأنها تمنع سرعة استعماله.

فالعقدة: موضع ربط بعض الخيط، أو الحبل ببعض آخر منه، وهي بزنة فعلة، بمعنى مفعول كقصة وغرفة، أطلقت على عسر النطق بالكلام أو ببعض الحروف على وجه الاستعارة؛ لعدم تصرف اللسان عند النطق بالكلمة، وهي استعارة مصرحة، ويقال لها: حبسة، يقال: عقد اللسان كفرح فهو أعقد إذا كان لا يبين الكلام، واستعار لإزالتها فعل (الحل) المناسب للعقدة على طريقة الاستعارة المكنية65.

والسبب من سؤال موسى عليه السلام من الله أن يحلل عقدة من لسانه أنه كان في لسانه حبسة إما في أصل الخلقة وإما لأنه وضع الجمرة في فيه66.

وموسى عليه السلام سأل الله ذلك لئلا يقع خلل في أداء الوحي، وقيل: لئلا يستخف بكلامه فينفروا عنه ولا يلتفتوا إليه، أو: لإظهار المعجزة، كما أن حبس لسان زكريا عليه السلام عن الكلام كان معجزًا في حقه، فكذا إطلاق لسان موسى عليه السلام معجز في حقه67.

أو سأل ذلك طلبًا للسهولة؛ لأن إيراد مثل هذا الكلام على مثل فرعون في جبروته وكبره عسير جدًا، فإذا انضم إليه تعقد اللسان بلغ العسر إلى النهاية، فسأل ربه إزالة تلك العقدة تخفيفًا وتسهيلًا.

ولما قال: ( ) بتنكير العقدة، ولم يقل: واحلل عقدة لساني دل على أنه طلب حل بعضها؛ لأجل أن يفهم عنه فهمًا جيدًا؛ ولذا قال: () أي: يفهموا () عند تبليغ الرسالة، ولم يطلب الفصاحة الكاملة، و ( ) صفة للعقدة، كأنه قيل: عقدة من عقد لساني68. فهو على هذا لم يسأل حل عقدة لسانه بالكلية، بل حل عقدة تمنع الإفهام، فخفف بعضها لدعائه لا جميعها؛ ولذلك نكرها ووصفها بقوله: ( ) أي: عقدة كائنة من عقد لساني69.

وقد قيل: إنه لم يكن هذا العي في موسى عليه السلام عيبًا؛ لأنه لم يكن مقام موسى يومئذٍ مقام خطابة ولا تعليم حتى تكون قلة الفصاحة نقصًا في عمله، ولكنه مقام استدلال وحجة، فيكفي أن يكون قادرًا على إبلاغ مراده، ولو بصعوبة، وقد أزال الله عنه ذلك حين تفرغ لدعوة بني إسرائيل، كما قال الله: ( ) [طه:٣٦].

والمقصود أن الألسنة تتفاوت من حيث الفصاحة والبلاغة؛ ولهذا هارون كان أفصح لسانًا من موسى عليهما السلام ؛ لذا طلب إرساله معه لتميزه بفصاحة اللسان70.

ولما كان العي في اللسان يوهم نقصًا نفاه الله عن زكريا عليه السلام، فقال تعالى: ( ﯖﯗ ) [مريم:١٠].

فقال: (سويًا) أي: ليس المانع له من كلام الناس بكم طرأ له، أو آفة تمنعه من ذلك، إنما المانع له هو الله، وهو صحيح لا علة فيه، فانتفاء التكلم عنه لا لبكم ولا مرض؛ لأن قوله: () حال من فاعل (تكلم)، مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الإعجاز وخرق العادة لا لاعتلال اللسان بمرض، أي: يتعذر عليك تكليمهم ولا تطيقه في حال كونك سوي الخلق سليم الجوارح، ما بك شائبة بكم، ولا خرس، وهذا ما عليه الجمهور، ويشهد له قوله تعالى: (ﮋﮌ ﮏﮐ ﮙﮚ ) [آل عمران:٤١]71.

فأمره بالذكر ولو كان لعلة لما استطاع أن يذكر الله تعالى.

ومعنى: ( ) [مريم:١٠] أي: اجعل لي علامة ودلالة على حمل امرأتي؛ لأن البشارة بالولد وقعت مطلقة، فلم يعرف وقتها بمجرد البشارة، فطلب الآية ليعرف بها وقت الوقوع.

فجعل الله له آية وهي تعذر الكلام عليه مع القوم على وجه المخاطبة مع أنه كان متمكنًا من ذكر الله ومن قراءة التوراة؛ لأن اعتلال اللسان مطلقًا قد يكون لمرضٍ وقد يكون من فعل الله، فلا يعرف زكريا عليه السلام أن ذلك الاعتلال معجزٌ إلا إذا عرف أنه ليس لمرض بل لمحض فعل الله تعالى مع سلامة الآلات، فلما اعتل لسانه عن الكلام مع القوم مع اقتداره على التكلم بذكر الله تعالى وقراءة التوراة علم بالضرورة أن ذلك الاعتلال ليس لعلةٍ ومرضٍ بل هو لمحض فعل الله، فيتحقق كونه آية ومعجزة، ومما يقوي ذلك قوله تعالى: ( ) [مريم:١٠].

خص ذلك بالتكلم مع الناس؛ وهذا يدل بطريق المفهوم أنه كان قادرًا على التكلم مع غير الناس72.

والمقصود أن من عيوب اللسان العي، والمراد به عجز اللسان وتعبه عن الكلام عند المخاصمة، فالعي مذموم عند بلغاء العرب وخطبائهم، وقد قال شاعرهم73:

أعذني ربي من حصر وعيٍّ

ومن نفس أعالجها علاجا

والحصر والعي متقاربا المعنى، فإن قال قائل: كيف يكون عي اللسان عيبًا وقد جاء مدح العي في قوله النبي صلى الله عليه وسلم: (الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق)؟!74.

والجواب: أن هذا مع أنه في الظاهر عي، وصاحبه لا يسترسل في الكلام كأن معلوماته ليست جيدة، أو كأنه ليس وقاد الذهن ولا سيال اللسان، لكن في الواقع إنما حجزه عن ذلك الخوف أن يقول على الله بلا علم؛ لهذا صار العي إيمانًا بهذا الاعتبار، وهو محمود، وهو شعبة من الإيمان باعتبار أن خوفه من الغلط وخوفه أن يقول على الله بلا علم جعله يكون كأنه ذو عي، ينقطع في كلامه، ولا يتواصل كلامه؛ لأجل تحرزه وتحرسه من أن ينطق بشيء يغلط فيه على الشريعة، أو أن يقول على الله بلا علم.

ومما يظهر فضل اللسان والنطق أن الله ذم قومًا بوصفهم بالبكم، فقال تعالى: ( ) [البقرة:١٨].

والبكم: جمع أبكم، وهو الذي لا ينطق. فالبكم: آفة في اللسان تمنع معها اعتماده على مواضع الحروف، أو الأبكم الذي يولد أخرس، أو المسلوب الفؤاد الذي لا يعي شيئًا ولا يفهمه، أو الذي جمع الخرس وذهاب الفؤاد75.

والبكم -كما قال أهل العلم- نوعان: بكم القلب، وبكم اللسان، كما أن النطق نطقان، نطق القلب، ونطق اللسان، وأشدهما بكم القلب، كما أن عماه وصممه أشد من عمى العين وصمم الأذن، فوصفهم سبحانه بأنهم لا يفقهون الحق، ولا تنطق به ألسنتهم، والعلم -كما هو معلوم- يدخل إلى العبد من ثلاثة أبواب، من سمعه وبصره وقلبه، وقد سدت عليهم هذه الأبواب الثلاثة، فسد السمع بالصمم، والبصر بالعمى، والقلب بالبكم76.

وقد جعل بعض المازنيين الحبسة في اللسان والعي ختمًا عليه، فقال77:

ختم الإله على لسان عذافرٍ

ختمًا فليس على الكلام بقادر

وإذا أراد النطق خلت لسانه

لحمًا يحركه لصقرٍ ناقر

آفات اللسان

للسان آفات بينها القرآن الكريم نوضحها فيما يأتي:

أولًا: النطق بكلمات الكفر:

من أعظم آفات اللسان النطق بكلمات الكفر من غير إكراهٍ.

قال تعالى: ( ﭭﭮ ) [التوبة:٧٤].

وكلمة الكفر: الكلام الدال عليه، وأصل الكلمة اللفظ الواحد الذي يتركب منه، ومن مثله الكلام المفيد، وتطلق الكلمة على الكلام إذا كان كلامًا جامعًا موجزًا، كما في قوله تعالى: (ﯘﯙ ) [المؤمنون:١٠٠].

وفي الحديث: (أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل)78.

فكلمة الكفر جنس لكل كلام فيه سب أو استهزاء أو تكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم، كما أطلقت كلمة الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

فالكلمات الصادرة عنهم على اختلافها ما هي إلا أفراد من هذا الجنس، كما دل عليه إسناد القول إلى ضمير جماعة المنافقين.

ولم تبين هذه الآية ما هي هذه الكلمة التي قالوها وكفروا بها؟ ولم تذكر إلا أنها كلمة صدرت من بعض المنافقين تدل على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قيل: إن الآية نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول لقوله الذي حكاه الله عنه بقوله: ( ﮋﮌ ) [المنافقون:٨].

فسعى به رجل من المسلمين، فأرسل إليه رسول الله فسأله، فجعل يحلف بالله ما قال ذلك79.

وعلى هذه الرواية يكون إسناد القول إلى ضمير جمع كناية عن إخفاء اسم القائل، كما يقال: ما بال أقوام يفعلون كذا وقد فعله واحد، أو باعتبار قول واحد وسماع البقية فجعلوا مشاركين في التبعة، كما يقال: بنو فلان قتلوا فلانًا، وإنما قتله واحد من القبيلة، وعلى فرض صحة وقوع كلمة من واحد معين فذلك لا يقتضي أنه لم يشاركه فيها غيره؛ لأنهم كانوا يتآمرون على ما يختلقونه، وكان ما يصدر من واحد منهم يتلقفه جلساؤه وأصحابه ويشاركونه فيه80.

ومعنى: ( ) [التوبة:٧٤].

أي: إن المنافقين إذا قالوا قولًا فيه الاستهزاء بالدين وبالرسول وبلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغه شيء من ذلك جاءوا إليه يحلفون بالله ما قالوا، وكلما ظهر شيء منهم يوجب مؤاخذتهم حلفوا كاذبين، عصمة لأموالهم ودمائهم.

وقد حكى القرآن كثيرًا من أيمانهم الكاذبة، ومن ذلك قوله تعالى: ( ) [التوبة:٥٦].

وقوله سبحانه: ( ) [التوبة:٦٢].

وأتى بصيغة الفعل المضارع (يحلفون)؛ لاستحضار الصورة، أو للدلالة على تكرير الفعل.

فلما نطقت ألسنتهم بكلمة الكفر، وحلفوا أنهم ما قالوا قال تعالى مكذبًا لهم: ( ) [التوبة:٧٤].

فإسلامهم السابق -وإن كان ظاهره أنه أخرجهم من دائرة الكفر- ينقضه كلامهم الأخير ويدخلهم بالكفر.

وقال: ( ) ولم يقل: بعد إيمانهم؛ لأنهم يقولون بألسنتهم: آمنا، ولم يدخل الإيمان إلى قلوبهم.

ومما يدل أيضًا على أن من أعظم آفات اللسان النطق بالكفر قوله تعالى: ( ) [آل عمران: ٧٨].

ولي اللسان أي: تحريف الكلام في النطق به أو في معانيه، أي: يقلبونها ويحرفونها، كما قال في موطن آخر: ( ) [النساء:٤٦].

فلي اللسان شبيه بالتشدق والتنطع والتكلف وذلك مذموم، فعبر الله عن قراءتهم لذلك الكتاب الباطل بلي اللسان ذمًا لهم، ولم يعبر عنها بالقراءة، والعرب تفرق بين ألفاظ المدح والذم في الشيء الواحد، فيقولون في المدح: خطيب مصقع، وفي الذم: مكثارٌ، ثرثارٌ، فالمراد بقوله: ( ) أي: بقراءة ذلك الكتاب الباطل، فيعمدون إلى اللفظة فيحرفونها عن حركات الإعراب تحريفًا يتغير به المعنى، وهذا كثيرٌ في لسان العرب، فلا يبعد مثله في العبرانية، فكانوا يفعلون ذلك في الآيات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة81.

والمراد تحريفهم كآية الرجم، ونعت محمد صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك، والضمير في (لتحسبوه) يرجع إلى ما دل عليه ( ) وهو المحرف، ويجوز أن يراد يعطفون ألسنتهم بشبه الكتاب لتحسبوا ذلك الشبه من الكتاب، أي: التوراة، ( ) وليس هو من التوراة82.

والباء في قوله: () صلة أو للآلة أو للظرفية أو للملابسة، والجار والمجرور حال من الألسنة، أي: ملتبسة بالكتاب83.

ومن نطق اللسان بالكفر ما حكاه الله عن اليهود والنصارى حيث قال: ( ﮤﮥ ﮨﮩ ﮯﮰ ﯓﯔ )[ التوبة: ٣٠].

فنسبة الولد إلى الله تعالى كفر بجلاله وكماله، وقوله تعالى: ( ) أي: ليس له من الواقع شيء؛ إذ ليس لله تعالى ولد، وكيف يكون له ولد ولم تكن له زوجة؟! وإنما ذلك قولهم بأفواههم فقط.

و () حال من القول، والمراد أنه قول لا يعدو الوجود في اللسان، وليس له ما يحققه في الواقع، وهذا كناية عن كونه كذبًا، كقوله تعالى: ( ﭝﭞ ) [الكهف:٥].

وفي هذا أيضًا إلزام لهم بهذا القول، وسد باب تنصلهم منه؛ إذ هو إقرارهم بأفواههم وصريح كلامهم.

فإن قيل: من المعلوم أن كل قول إنما يقال بالفم فلم قال: ( ) ؟ وما معنى تخصيصهم بهذه الصفة؟ فالجواب: لما كان قولهم لا يعضده برهان وإنما هو لفظ يفوهون به، وهو فارغ من معنى معتبر؛ لأن إثبات الولد للإله قول باطل، لأنه منزه عن الحاجة والشهوة والمضاجعة والمباضعة، اعتبر قولهم هذا مجرد قول بالأفواه فقط، ونظيره قوله تعالى: ( ) [آل عمران:١٦٧].

وقد يكون المراد: أنهم يصرحون بهذا المذهب ولا يخفونه ألبتة، أو يكون المعنى: أنهم دعوا الخلق إلى هذه المقالة حتى وقعت هذه المقالة في الأفواه والألسنة، والمراد مبالغتهم في دعوة الخلق إلى هذا المذهب.

قال أهل المعاني: إن الله سبحانه لم يذكر قولًا مقرونًا بذكر الأفواه والألسن إلا وكان قولًا زورًا؛ كقوله: ( ) [آل عمران:١٦٧].

وقوله: ( ) [الفتح:١١]84.

وفي هذه الآية دليلٌ على أن من أخبر عن كفر غيره الذي لا يجوز لأحد أن يبتدئ به لا حرج عليه؛ لأنه إنما ينطق به على سبيل الاستعظام له والرد عليه، ولو شاء ربنا ما تكلم به أحد، فإذا أمكن من إطلاق الألسنة به فقد أذن بالإخبار عنه، على معنى إنكاره بالقلب واللسان، والرد عليه بالحجة»85.

ومن نطق اللسان بالكفر ما حكاه الله تعالى في قوله: ( ﮋﮌ ﮑﮒ ﮕﮖ ﮚﮛ )[ إبراهيم: ٩ ]وضمائر (ردوا) و(أيديهم) و(أفواههم) عائد جميعها إلى قوم نوح والمعطوفات عليه، ومعنى: ( ) يحتمل عدة وجوه، أنهاها في الكشاف إلى سبعة86، وفي بعضها بعد، وأولاها بالاستخلاص أن يكون المعنى: أنهم وضعوا أيديهم على أفواههم إخفاء لشدة الضحك من كلام الرسل؛ كراهية أن تظهر دواخل أفواههم، وذلك تمثيل لحالة الاستهزاء بالرسل.

والرد مستعمل في معنى تكرير جعل الأيدي في الأفواه، كما أشار إليه الراغب87. أي: وضعوا أيديهم على الأفواه ثم أزالوها، ثم أعادوا وضعها، فتلك الإعادة رد.

وحرف (في) للظرفية المجازية، والمراد بها التمكين، فهي بمعنى (على) كقوله: ( ) [الزمر:٢٢]، فيكون معنى: ( ) أي: جعلوا أيديهم على أفواههم، وعطفه بفاء التعقيب مشيرًا إلى أنهم بادروا برد أيديهم في أفواههم بفور تلقيهم دعوة رسلهم، فيقتضي أن يكون رد الأيدي في الأفواه تمثيلًا لحال المتعجب المستهزئ، فالكلام تمثيل للحالة المعتادة، وليس المراد حقيقته؛ لأن وقوعه خبرًا عن الأمم مع اختلاف عوائدهم وإشاراتهم واختلاف الأفراد في حركاتهم عند التعجب قرينة على أنه ما أريد به إلا بيان عربي88.

أو يكون معنى: ( ) عضوها غيظًا وضجرًا مما جاءت به الرسل، كقوله: ( ) [آل عمران:١١٩].

أو ضحكًا واستهزاء كمن غلبه الضحك فوضع يده على فيه، أو أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وما نطقت به، من قولهم: ( ) أي: هذا جوابنا لكم ليس عندنا غيره، تيئيسا لهم من التصديق، ألا ترى إلى قوله: ( ) وهذا قول قوي، أو يكون المراد أنهم وضعوها على أفواههم يقولون للأنبياء: أطبقوا أفواهكم واسكتوا، أو يكون المراد: ردوها في أفواه الأنبياء يشيرون لهم إلى السكوت، أو وضعوها على أفواههم يسكتونهم ولا يذرونهم يتكلمون89.

ومن نطق اللسان بالكفر أيضًا قول الله تعالى: ( ﯧﯨ ) [المائدة:٦٤].

ففي هذه الآية إخبار من الله عن جراءة اليهود عليه سبحانه، وسوء أدبهم معه، وتوبيخ لهم على جحودهم نعمه التي لا تحصى.

وأرادوا بقولهم: ( ) أنه سبحانه بخيل عليهم، ممسك خيره عنهم، مانع فضله عن أن يصل إليهم، حابس عطاءه عن الاتساع لهم، كالمغلولة يده الذي لا يقدر أن يبسطها بعطاء ولا بذل معروف90. وهذه من أقبح الكلمات التي نطقتها ألسنتهم بالكفر.

والمقصود أن من آفات اللسان النطق بالكفر، ويجري مجرى النطق بألفاظ الكفر كتابتها مدركًا معناها ومرماها من غير إكراه، وقد جاءت الرخصة بإجراء كلمة الكفر على اللسان على سبيل الإكراه، ويتفاوت الأمر بين صاحب العزيمة والرخصة.

قال تعالى: ( ﭿ ﮋﮌ ) [النحل:١٠٦].

فمن نطق بالكفر عالمًا به غير مكره وقاله لا على سبيل الحكاية علم كفره؛ لأن اللسان ترجمان صاحبه، ومدبر أمره، والمؤدي لمافي قلبه وجوارحه من صلاح أو فساد، يجري ذلك على ترجمته بما ينطق.

ثانيًا: النطق بالكذب والنفاق:

ومن آفات اللسان النطق بالكذب والنفاق.

قال تعالى: ( ﭶﭷ ) [الفتح:١١].

فوصف الله هؤلاء المنافقين أنهم ( ) أي: إن كلامهم من طرف اللسان غير مطابق لما في الجنان، وهو كناية عن كذبهم، فالجملة استئناف لتكذيبهم، والكذب راجع لما تضمنه الكلام من الخبر عن تخلفهم بأنه لضرورة داعية له، وهو القيام بمصالحهم التي لا بد منها، وعدم من يقوم بها لو ذهبوا معه عليه الصلاة والسلام91.

وهذا يدل على أن مخالفة اللسان لما في القلب من علامة النفاق، وهذه هي طبيعة المنافقين ( ) [النساء:١٤٢].

وكان خداعهم بالقول وبالفعل، وخداعهم بالقول في قوله عنهم: ( ) [الفتح:١١].

وخداعهم في الفعل في قوله عنهم: ( ﭿ ) [النساء:١٤٢].

ومع أن القول لا يكون إلا باللسان إلا أنه قال: ( ) وكأن المراد أن هذا القول لم يواطئ القلب وإنما هو من طرف اللسان فقط.

ولهذا قيل: إن القول المطلق والعمل المطلق في كلام السلف يتناول قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح، فقول اللسان بدون اعتقاد القلب هو قول المنافقين، وهذا لا يسمى قولًا إلا بالتقييد، كقوله تعالى: ( ) [الفتح:١١].

وكذلك عمل الجوارح بدون أعمال القلوب هي من أعمال المنافقين التي لا يتقبلها الله92.

وذكر الألسنة لأن الناس يقولون: قال في نفسه، وقلت في نفسي، وفي كتاب الله عز وجل: ( ) [المجادلة:٨].

فعلم أن ذلك القول باللسان دون كلام النفس.

فلما كان المنافق يختلف ما في قلبه عما في لسانه صار ما ينطق به لسانه كذبًا ونفاقًا، أما المؤمن فقلبه ولسانه سواء؛ ولذلك جاء الأمر بحفظ اللسان والتحذير من إطلاق العنان له.

وسلامة اللسان من سلامة القلب، فإذا كان القلب سليمًا كانت الجوارح سليمة؛ ولهذا قال الله تعالى: ( ) [الشعراء:٨٩].

أي: أن يكون خاليًا عن العقائد الفاسدة، والميل إلى شهوات الدنيا ولذاتها.

فإن قيل: فظاهر هذه الآية يقتضي أن من سلم قلبه كان ناجيًا، وأنه لا حاجة فيه إلى سلامة اللسان واليد، وجوابه: أن القلب مؤثر، واللسان والجوارح تبع، فلو كان القلب سليمًا لكانا سليمين لا محالة، وحيث لم يسلما ثبت عدم سلامة القلب93.

ووصف الله ألسنة المنافقين بأنها سلقة ذربة، فقال: ( ) [الأحزاب:١٩].

والسلق والصلق: رفع الصوت والصياح، ومنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بريء من الصالقة94. يعني بالصالقة أو السالقة التي ترفع صوتها بالنياحة. ومنه قولهم: خطيب مسلق ومسلاق وسلاق وصلاق، بالسين والصاد جميعًا، أي: ذو بلاغة ولسن95. وأصل السلق: بسط العضو ومده للأذى، سواء أكان هذا العضو يدًا أو لسانًا96.

والسلق بالألسنة عبارة عن الكلام بكلام مستكره97. ففسر السلق بأذى اللسان، ومنه قول الأعشى98:

فيهم الخصب والسماحة والنجـ

ـدة فيهم والخاطب المسلاق 99

والمراد به الإيذاء بالكلام السيئ القبيح، أي: رفعوا أصواتهم عليكم بألسنة حداد، والحداد: جمع حديد، وحديد: كل شيء نافذ، ومثله قوله تعالى: ( ) [ق:٢٢]100. يقال: لسان حديد نحو لسان صارم وماضٍ، وذلك إذا كان يؤثر تأثير الحديد. والمعنى: فصحاء قادرين على الكلام، وأصخاب ألسنة شديدة ذربة.

فألسنة المنافقين كانت عند الخوف في غاية اللجلجة، لا تقدر على الحركة من قلة الريق ويبس الشفاه، وهذا لطلب العرض الفاني من الغنيمة وغيرها، فإذا ذهب الخوف صارت ذربة قاطعة101.

وهكذا حال المنافقين لما ذكر القتال أمامهم صار حالهم كحال المغشي عليه من الموت، وعند الغنيمة أشح قوم وأبسطهم لسانًا، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم.

فهم -أي: المنافقون- عند الشدائد جبناء بخلاء، فإذا ما ذهب الخوف وحل الأمان سلطوا عليكم ألسنتهم البذيئة بالأذى والسوء، ورموكم بألسنة ماضية حادة، تؤثر تأثير الحديد في الشيء، وارتفعت أصواتهم بعد أن كانوا إذا ما ذكر القتال أمامهم صار حالهم كحال الذي يغشى عليه من الموت102.

فإن قيل: وصف الله ألسنة المنافقين هنا بقوله: ( ) [الأحزاب:١٩]، وقال في موطن آخر: ( ) [المنافقون:٤]، أي: لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم، ووصفهم في موضع آخر بأنهم: ( ) [البقرة:١٨].

إلى غير ذلك من الآيات، فكيف الجمع؟

والجواب: أن وجه الجمع ظاهر، وهو أنهم بكم عن النطق بالحق وإن رأوا غيره، وقد بين تعالى هذا الجمع بقوله: ( ) [الأحقاف:٢٦].الآية؛ لأن ما لا يغني شيئًا فهو كالمعدوم، فالكلام ونحوه الذي لا فائدة فيه كلا شيء؛ فيصدق على صاحبه أنه أعمى وأصم وأبكم، والعرب ربما أطلقت الصمم على السماع الذي لا أثر له، ومن ذلك قول قعنٌّ إذا سمعوا خيرًا ذكرت به

وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

وقول الآخر103:

قل ما بدا لك من زور ومن كذب

حلمي أصم وأذني غير صماء

ونظائر هذا كثيرة في كلام العرب من إطلاق الصمم على السماع الذي لا فائدة فيه، وكذلك الكلام الذي لا فائدة فيه، والرؤية التي لا فائدة فيها104.

فهذا الذي ذكره جل وعلا من فصاحتهم وحدة ألسنتهم مع تصريحه بأنهم بكم يدل على أن الكلام الذي لا فائدة فيه كلا شيء، كما هو واضح، وكما قيل105:

وإن كلام المرء في غير كنهه

لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها

ثالثًا: لي اللسان بقصد السب والإيذاء:

(اللي) عبارة عن عطف الشيء ورده عن الاستقامة إلى الاعوجاج، يقال: لويت يده والتوى الشيء إذا انحرف، والتوى فلان علي إذا غير أخلاقه عن الاستواء إلى ضده، ولوى لسانه عن كذا إذا غيره، ولوى فلانًا عن رأيه إذا أماله عنه106.

فيكون أصل اللي: الانعطاف والانثناء، ومنه: ( ) [آل عمران:١٥٣].

ولي اللسان: تحريف الكلام في النطق به أو في معانيه. أي: إنهم يثنون ألسنتهم ليكون الكلام مشبهًا لغتين، بأن يشبعوا حركات، أو يقصروا مشبعات، أو يفخموا مرققًا، أو يوقفوا مفخمًا؛ ليعطي اللفظ في السمع صورة تشبه صورة كلمة أخرى، فإنه قد تخرج كلمة من زنة إلى زنة ومن لغة إلى لغة بمثل هذا، فاللي كيفية من كيفيات القول107.

والعلة من هذا اللي بالكلمة أو بالكلام ليكون اللفظ في السمع مشبهًا لفظًا آخر هم يريدونه لأنه يدل على معنى ذميم.

وهذا اللي باللسان إلى خلاف ما في القلب موجود في بني إسرائيل، وقد أخبر الله أن من اليهود فريقًا دأبوا على تبديل كلام الله وتغييره عما هو عليه افتراء على الله واستهزاءً بالرسول.

قال تعالى: ( ﭮﭯ ﭿ ) [النساء:٤٦].

فقوله: ( ) معناه: أنهم يعمدون إلى اللفظة فيحرفونها في حركات الإعراب تحريفًا يتغير به المعنى، وهذا كثير في لسان العرب، فلا يبعد مثله في العبرانية، فلما فعلوا مثل ذلك في الآيات الدالة على نبوة محمد -عليه الصلاة والسلام- من التوراة كان ذلك هو المراد من قوله تعالى: ( ) 108.

وفي الآية نهي من الله لعباده المؤمنين من أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم؛ وذلك أن اليهود كانوا يعلنون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص، وكذلك جاءت الأحاديث بالإخبار عنهم بأنهم كانوا إذا سلموا إنما يقولون: السام عليكم109، والسام هو الموت؛ ولهذا أمرنا أن نرد عليهم بـ«وعليكم» وإنما يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا، والغرض أن الله تعالى نهى المؤمنين عن مشابهة الكافرين قولًا وفعلًا110.

وذكر الله بعض الأمثلة من لي الألسنة من قبل يهود، منها: أنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم على سبيل التهكم والاستهزاء: () ويقصدون بهذا القول الإساءة إليه صلى الله عليه وسلم، يقصدون به رميه بالرعونة، ويوهمون أنهم يقولون: راعنا، أي: احفظنا، أو راعنا سمعك، وإنما يريدون الرعونة111.

وينطقون بهذه الكلمة وما يشابهها نطقًا ملتويًا منحرفًا ليصرفوها عن جانب احتمالها للخير إلى جانب للشر؛ ولذا فقد نهى الله تعالى المؤمنين عن مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الألفاظ112.

وأتوا بلفظ ظاهره طلب المراعاة، أي: الرفق، والمراعاة: مفاعلة مستعملة في المبالغة في الرعي على وجه الكناية الشائعة التي ساوت الأصل؛ لأن الرعي من لوازمه الرفق بالمرعي وطلب الخصب له ودفع العادية عنه، وهم يريدون بـ(راعنا) كلمة في العبرانية تدل على ما تدل عليه كلمة الرعونة في العربية.

وقد روي أنها كلمة (راعونا) وأن معناها الرعونة، فلعلهم كانوا يأتون بها يوهمون أنهم يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم بضمير الجماعة، ويدل لذلك أن الله نهى المسلمين عن متابعتهم إياهم في ذلك، فقال في سورة البقرة: ( ﯛﯜ ) [البقرة:١٠٤]113.

وقوله: ( ) أي: فتلًا بها وتحريفًا عن الحق إلى الباطل، حيث يضعون راعنا مكان انظرنا، وغير مسمع مكان لا أسمعت مكروهًا، أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقًا114.

ومعنى: ( ) أنهم يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم عند مراجعته في أمر الإسلام: اسمع منا، ويعقبون ذلك بقولهم: ( ) يوهمون أنهم قصدوا الظاهر المتبادر من قولهم: غير مسمع أي: غير مأمور بأن تسمع، في معنى قول العرب، «افعل غير مأمور» أو يكون معناه: غير مسمع مكروهًا، فلعل العرب كانوا يقولون: أسمعه بمعنى سبه.

والحاصل أن هذه الكلمة كانت معروفة الإطلاق بين العرب في معنى الكرامة والتلطف إطلاقًا متعارفًا، ولكنهم لما قالوها للرسول أرادوا بها معنى آخر انتحلوه لها من شيء يسمح به تركيبها الوضعي، أي: أن لا يسمع صوتًا من متكلم، بأن يصير أصم، أو أن لا يستجاب دعاؤه، وقصدهم من إيراد كلام ذي وجهين أن يرضوا الرسول والمؤمنين، ويرضوا أنفسهم بسوء نيتهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويرضوا قومهم، فلا يجدوا عليهم حجة115.

ثم بين سبحانه ما كان يجب عليهم أن يقولوه لو كانوا يعقلون، فقال تعالى: ( ) أي: لو تبدلوا بالعصيان الطاعة، ومن الطاعة الإيمان بك، واقتصروا على لفظ: اسمع، وتبدلوا براعنا قولهم: وانظرنا، فعدلوا عن الألفاظ الدالة على عدم الانقياد والموهمة إلى ما أمروا به؛ لكان أي: ذلك القول خيرًا لهم عند الله، وأعدل، أي: أقوم وأصوب116.

رابعًا: اللسان ومقالة السوء:

جعل الله تعالى اللسان وسيلة للتعبير عن النفس وخواطرها وأفكارها، كما جعله وسيلة للتعارف والتآلف بين الناس، وقد خصص الله اللسان للكلام، وحدد له ما ينبغي له التحدث فيه، ألا وهو الحسن من الكلام، الذي يؤلف القلوب، ويصلح بين الناس، ويحق الحق، ويبطل الباطل، وحذرنا من الكلام المذموم، ومن الإسراف بالقول، ومن قالة السوء.

وقد أخبر الله تعالى أن الكفار يبسطون أيديهم وألسنتهم بالسوء للمؤمنين، فقال: ( ﮋﮌ ) [الممتحنة:٢].

فبسط الأيدي حقيقة في مدها للضرب والسلب، وبسط الألسنة مجاز في عدم إمساكها عن القول البذيء117.

فالبسط مستعار للإكثار لما شاع من تشبيه الكثير بالواسع والطويل، وتشبيه ضده وهو القبض بضد ذلك، فبسط اليد الإكثار من عملها، والمراد به هنا عمل اليد الذي يضر، مثل الضرب والتقييد والطعن، وعمل اللسان الذي يؤذي، مثل الشتم والتهكم، ودل على ذلك قوله: () فهو متعلق بـ () الذي مفعوله: ( ) 118.

وأخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، فقال: ( ﭛﭜ ) [النساء:١٤٨].

والمعنى أنه تعالى لا يحب لأحد من عباده أن يجهر بالأقوال السيئة إلا من وقع عليه الظلم فإنه يجوز له أن يجهر بالسوء من القول في الحدود التي تمكنه من رفع الظلم عنه دون أن يتجاوز ذلك، كأن يجهر الخصم بما ارتكبه خصمه في حقه من مآثم، وكأن يذكر المظلوم الظالم بالقول السيئ متحريًا البعد عن الكذب والبهتان.

ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى، كما قال تعالى: ( ) [الشورى:٤٠].

والاستثناء في قوله: ( ﭛﭜ) استثناء منقطع، فتكون إلا بمعنى (لكن) أي: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول لكن من ظلم له أن يجهر بالسوء لكي يدفع ما وقع عليه من ظلم.

ويحتمل أن يكون متصلًا، فيكون المعنى: لا يحب الله الجهر بالسوء من القول من أحد إلا ممن ظلم، فإنه يجوز له أن يجهر بالسوء من القول لرفع الظلم عنه، فيكون الاستثناء من الفاعل المحذوف، وهو من أحد، أو: لا يحب الله الجهر السوء من القول إلا جهر من ظلم، فإنه ليس بخارج عن محبة الله؛ لأن دفع الظلم واجب، فيكون الكلام على تقدير مضاف محذوف119.

فمقالة السوء بدون مقتضٍ يبغضها الله سواء أكان هذا القول سرًا أو جهرًا، إلا أنه سبحانه خص الجهر بالذكر؛ لأنه أشد فحشًا، ولأنه أكثر جلبًا للعداوة بين الناس، وأشد تأثيرًا في إشاعة الجرائم في المجتمع، فإن كثرة سماع الناس للكلام السيئ وللقول الماجن يغري الكثير منهم بترديد ما سمعوه، وبحكايته في أول الأمر بشيء من الحياء، ثم لا يلبث هذا الحياء أن يزول بسبب إلف الناس للكثير من الألفاظ النابية والأقوال السيئة.

وفي القرآن عشرات الآيات تأمر المسلمين بالمداومة على النطق بالكلام الطيب حتى تنتشر بينهم المحبة والمودة، ومن ذلك قوله تعالى: ( ) [البقرة:٨٣].

والمقصود أن الله تعالى لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك ويمقته، ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله، ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول كالذكر والكلام الطيب اللين.

والإسلام يحب لأتباعه أن يلتزموا النطق بالكلمة الطيبة، ويكره لهم أن يجهروا بالسوء من القول إلا في حالة وقوع ظلم عليهم، ففي هذه الحالة يجوز لهم أن يجهروا بالسوء من القول حتى يرتدع الظالم عن ظلمه.

وأمر الله عباده المؤمنين أن يقولوا التي هي أحسن، فقال تعالى: ( ﮅﮆ ﮊﮋﮌ ) [الإسراء: ٥٣].

فهذا الأمر ( ﮅﮆ) على وجه الإطلاق وفي كل مجال، فيختاروا أحسن ما يقال ليقولوه؛ بذلك يتقون أن يفسد الشيطان ما بينهم من مودة، فالشيطان ينزغ بين الإخوة بالكلمة الخشنة تفلت، وبالرد السيئ يتلوها، فإذا جو الود والمحبة والوفاق مشوب بالخلاف، ثم بالجفوة، ثم بالعداء، والكلمة الطيبة تأسو جراح القلوب، وتندي جفافها، وتجمعها على الود الكريم.

وهذه الآية تكشف لنا عن أدب عظيم حريٌّ بكل مسلم أن يتأدب به ويتخلق به، وهو خلق تعويد اللسان على القول الحسن، والمجادلة بالتي هي أحسن.

و ( ﮅﮆ) أي: الكلمة التي هي أحسن من غيرها؛ للطفها وحسنها؛ لتجد طريقًا إلى القلوب.

و ( ﮅﮆ) صفة لمحذوف يدل عليه فعل (يقولوا) تقديره: بالتي هي أحسن، وليس المراد مقالة واحدة، واسم التفضيل مستعمل في قوة الحسن، ونظيره قوله: ( ) [النحل: ١٢٥]،أي: بالمجادلات التي هي بالغة الغاية في الحسن، فإن المجادلة لا تكون بكلمة واحدة.

وهذا تأديب عظيم في مراقبة اللسان وما يصدر منه، وفي الحديث الصحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بأعمال تدخله الجنة، ثم قال له: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟) قلت: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه وقال: (كف عليك هذا) قال: قلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: (ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم) أو قال: (على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)120.

والمقصد الأهم من هذا التأديب تأديب الأمة في معاملة بعضهم بعضًا بحسن المعاملة، وإلانة القول؛ لأن القول ينم عن المقاصد121.

وقوله سبحانه: ( ﮊﮋ) تعليل للأمر السابق، أي: إن الشيطان يتربص بكم، ويتلمس السقطات التي تقع من أفواهكم، والعثرات التي تنطق بها ألسنتكم؛ لكي يشيع الشر بينكم، ويبذر بذور الشر والبغضاء في صفوفكم، ويهيج أعداءكم عليكم، فهو يتلمس سقطات فمه، وعثرات لسانه، فيغري بها العداوة والبغضاء بين المرء وأخيه، والكلمة الطيبة تسد عليه الثغرات، وتقطع عليه الطريق، وتحفظ حرم الأخوة آمنًا من نزغاته ونفثاته122.

وينزغ بمعنى يفسد، يقال: نزغه كنفعه ينزغه إذا طعن فيه واغتابه، أي: أن الشيطان حريص على الإفساد بين الناس وإشعال نار الفتنة بالكلمة الخشنة يفلت بها اللسان؛ لأنه ظاهر العداوة لهم منذ القدم؛ ولقد حذرنا الله سبحانه من الشيطان وكيده في كثير من آيات القرآن الكريم123.

قال ابن القيم رحمه الله مبينًا حرص الشيطان على إفساد هذه الجارحة في الإنسان: ثم يقول -أي الشيطان-: قوموا على ثغر اللسان؛ فإنه الثغر الأعظم، وهو قبالة الملك؛ فأجروا عليه من الكلام ما يضره ولا ينفعه، وامنعوه أن يجري عليه شيء مما ينفعه من ذكر الله تعالى، واستغفاره، وتلاوة كتابه، ونصيحة عباده، والتكلم بالعلم النافع، ويكون لكم في هذا الثغر أمران عظيمان، لا تبالون بأيهما ظفرتم:

أحدهما: التكلم بالباطل؛ فإن المتكلم بالباطل أخ من إخوانكم، ومن أكبر جندكم وأعوانكم.

والثاني: السكوت عن الحق؛ فإن الساكت عن الحق أخ لك أخرس، كما أن الأول أخ ناطق، وربما كان الأخ الثاني أنفع أخويكم لكم، أما سمعتم قول الناصح: «المتكلم بالباطل شيطان ناطق، والساكت عن الحق شيطان أخرس» فالرباط الرباط على هذا الثغر أن يتكلم بحق أو يمسك عن باطل، وزينوا له التكلم بالباطل بكل طريق، وخوفوه من التكلم بالحق بكل طريق.

واعلموا يا بني أن ثغر اللسان هو الذي أهلك منه بني آدم وأكبهم منه على مناخرهم في النار، فكم لي من قتيل وأسير وجريح أخذته من هذا الثغر! وأوصيكم بوصية فاحفظوها: لينطق أحدكم على لسان أخيه من الإنس بالكلمة، ويكون الآخر على لسان السامع؛ فينطق باستحسانها وتعظيمها والتعجب منها، ويطلب من أخيه إعادتها، وكونوا أعوانًا على الإنس بكل طريق124.

والمقصود أن هذا من لطف الله بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة، ففي قوله: ( ﮅﮆ) أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة، وذكر، وعلم، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يأمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما، والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح، فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره125.

ولهذا كان السلف يحذرون من فضول النظر، كما يحذرون من فضول الكلام، وكانوا يقولون: ما شيء أحوج إلى طول السجن من اللسان126.

دلالة اللسان على قدرة الله وعظمته

من آيات الله المعجزة خلق الألسن التي تعبر باللغات المختلفة، وبها تعرف الحالة الصحية للإنسان، وفيها لمسات إعجازية أشار إليها العلماء، وسوف نتناول ذلك بالبيان فيما يأتي:

أولًا: اختلاف الألسن من آيات الله:

أخبر الله جل جلاله أن من آياته الدالة على باهر قدرته اختلاف ألسنة البشر، فقال: ( ﮦﮧ ) [الروم:٢٢].

فقوله: ( ) يعني: اللغات، فهؤلاء بلغة العرب، وهؤلاء تترٌ لهم لغة أخرى، وهؤلاء كرج، وهؤلاء روم، وهؤلاء إفرنج، وهؤلاء بربر، وهؤلاء تكرور، وهؤلاء حبشة، وهؤلاء هنود، وهؤلاء عجم، وهؤلاء صقالبة، وهؤلاء خزر، وهؤلاء أرمن، وهؤلاء أكراد، إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله من اختلاف لغات بني آدم127.

بل إن الأمة الواحدة تجد فيها عشرات اللغات التي يتكلم بها أفرادها، ومئات اللهجات، فمن اطلع على لغات رأى من اختلاف تراكيبها أو قوانينها مع اتحاد المدلول عجائب وغرائب في المفردات والمركبات.

فاختلاف لغات البشر آية عظيمة، فهم مع اتحادهم في النوع كان اختلاف لغاتهم آية دالة على ما كونه الله في غريزة البشر من اختلاف التفكير، وتنويع التصرف في وضع اللغات، وتبدل كيفياتها باللهجات والتخفيف والحذف والزيادة بحيث تتغير الأصول المتحدة إلى لغات كثيرة، فلا شك أن اللغة كانت واحدة للبشر حين كانوا في مكان واحد، وما اختلفت اللغات إلا بانتشار قبائل البشر في المواطن المتباعدة، وتطرق التغير إلى لغاتهم تطرقًا تدريجيًا على أن توسع اللغات بتوسع الحاجة إلى التعبير عن أشياء لم يكن للتعبير عنها حاجة، قد أوجب اختلافًا في وضع الأسماء لها، فاختلفت اللغات بذلك في جوهرها، كما اختلفت فيما كان متفقًا عليه بينها باختلاف لهجات النطق، واختلاف التصرف، فكان لاختلاف الألسنة موجبان، فمحل العبرة هو اختلاف مع اتحاد أصل النوع، كقوله تعالى: ( ) [الرعد:٤]، ولما في ذلك الاختلاف من الأسرار المقتضية إياه.

أو يكون المراد: باختلاف الألسنة اختلاف الأصوات لا اللغات، بحيث تتمايز أصوات الناس المتكلمين بلغة واحدة، فنعرف صاحب الصوت وإن كان غير مرئي128.

وسواء قلنا: إن اختلاف الألسنة معناه: اختلاف اللغات أو المراد به اختلاف الأصوات (النغمة) حتى لا يشتبه صوتان من أخوين لأم وأب، فعلى كلا المعنيين هي آية عظيمة من آيات الله تعالى .

فاختلاف لغات البشر على كثرتهم منذ خلق الله آدم إلى آخر الدنيا مع اتحادهم في النوع ومخارج الحروف واحدة، ومع ذلك لا تجد صوتين متفقين من كل وجه، ولا لونين متشابهين من كل وجه، إلا وتجد من الفرق بين ذلك ما به يحصل التمييز، وهذا دال على كمال قدرته ونفوذ مشيئته، ومن عنايته بعباده ورحمته بهم أن قدر ذلك الاختلاف؛ لئلا يقع التشابه، فيحصل الاضطراب، ويفوت كثير من المقاصد والمطالب.

وباختلاف الألسنة يقع التعارف والتمايز، فلو توافقت وتشاكلت لوقع التجاهل والالتباس، ولتعطلت المصالح، وفي ذلك آية بينة، حيث ولدوا من أب واحد وهم على كثرتهم متفاوتون129.

فإنك لا تكاد تسمع منطقين متساويين في الكيفية من كل وجه، بل هناك تمايز بين الأشخاص، حتى إن التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما والأمور المتلاقية لهما في التخليق يختلفان في شيء من ذلك لا محالة، وإن كانا في غاية التشابه، وإنما نظم هذا في سلك الآيات الآفاقية من خلق السموات والأرض مع كونه من الآيات الأنفسية الحقيقة بالانتظام في سلك ما سبق من خلق أنفسهم وأزواجهم للإيذان باستقلاله والاحتراز عن توهم كونه من تتمات خلقهم130.

فمن حكمة الله ورحمته أن علم كل صنف لغته، وألهمه وضعها، وأقدره عليها، وخالف بين هذه الأشياء حتى لا تكاد تسمع منطقين متفقين في همس واحد، ولا جهارة، ولا حدة، ولا رخاوة، ولا فصاحة، ولا لكنة، ولا نظم، ولا أسلوب، ولا غير ذلك من صفات النطق وأحواله، وهم من نفس واحدة131.

ولا شك أن اختلاف الألوان والمناظر والمقادير والهيئات وغير ذلك فيه الدلالة القاطعة على أن الله جل وعلا واحد، لا شبيه له، ولا نظير، ولا شريك، وأنه المعبود وحده.

وفيه الدلالة القاطعة على أن كل تأثير فهو بقدرة وإرادة الفاعل المختار، وأن الطبيعة لا تؤثر في شيء إلا بمشيئته جل وعلا . وقد أوضح تعالى في غير هذا الموضع أن اختلاف ألوان الآدميين واختلاف ألوان الجبال والثمار والدواب والأنعام كل ذلك من آياته الدالة على كمال قدرته واستحقاقه للعبادة وحده.

قال تعالى: ( ) [فاطر:٢٨].

واختلاف الألوان المذكورة من غرائب صنعه تعالى وعجائبه، ومن البراهين القاطعة على أنه هو المؤثر جل وعلا، وأن إسناد التأثير للطبيعة من أعظم الكفر والضلال132.

كما أوضح ذلك في قوله: ( ﯓﯔ ) [الرعد:٤].

فالأرض التي تنبت فيها الثمار واحدة؛ لأن قطعها متجاورة، والماء الذي تسقى به ماء واحد، والثمار تخرج متفاضلة، مختلفة في الألوان والأشكال والطعوم والمقادير والمنافع. فهذا أعظم برهان قاطع على وجود فاعل مختار، يفعل ما يشاء كيف يشاء، سبحانه جل وعلا عن الشركاء والأنداد133.

ثانيًا: عضلة اللسان والعلم الحديث:

اللسان هو عضو عضلي موجود داخل الفم، يرتبط بالفك عبر سبع عشرة عضلة، تؤمن له حركته وعمله، ويغلف سطح اللسان غشاء مخاطي، تغطيه آلاف الحليمات الصغيرة، التي تحتوي في أطرافها على نهايات عصبية بمثابة حاسة التذوق، ويكون سطحه مبللًا باللعاب مما يبقيه رطبًا.

ويغطي سطح اللسان العديد من الحليمات التي تنقسم إلى أربعة أنواع: الخيطية، والكمئية، والورقية، والكأسية.

ومن حكمة الله وقدرته أن جعل اللسان عضوًا لحميًا لا عظم فيه ولا عصب؛ لتسهل حركته، ومن حكمته أنه لم يجعله يعظم كثيرًا حتى يخرج من الفم، ولا يسعه الفم، بل ينمو بقدر الفم.

يقول ابن القيم: «وجعل سبحانه اللسان عضوًا لحميًا لا عظم فيه ولا عصب؛ لتسهل حركته؛ ولهذا لا تجد في الأعضاء من لا يكترث بكثرة الحركة سواه، فإن أي عضو من الأعضاء إذا حركته كما تحرك اللسان لم يطق ذلك، ولم يلبث أن يكل ويخلد إلى السكون إلا اللسان، و أيضًا فإنه من أعدل الأعضاء وألطفها، وهو في الأعضاء بمنزلة رسول الملك ونائبه، فمزاجه من أعدل أمزجة البدن، ويحتاج إلى قبض وبسط وحركة في أقاصي الفم وجوانبه، فلو كان فيه عظام لم يتهيأ منه ذلك، ولم يتهيأ منه الكلام التام، ولا الذوق التام، فكونه الله كما اقتضاه السبب الفاعلي والغائي134.

واللسان يتركب من مجموعة من العضلات: خارجية: تربط بينه وبين أجزاء الفم الأخرى، وداخلية: وهي مختلفة الأشكال، فتعطي اللسان القوة والمرونة، ويحتوي لسان الإنسان على (١٢٠٠٠) حليمة ذوقية.

وجعل سبحانه وتعالى على اللسان غلقين: أحدهما: الأسنان، والثاني: الفم، وجعل حركته اختيارية، وجعل على العين غطاء واحدًا، ولم يجعل على الأذن غطاء، وذلك لخطر اللسان وشرفه، وخطر حركاته، وكونه في الفم بمنزلة القلب في الصدر، وذلك من اللطائف، فإن آفة الكلام أكثر من آفة النظر، وآفة النظر أكثر من آفة السمع، فجعل للأكثر آفات طبقين، وللمتوسط طبقًا، وجعل الأقل آفة بلا طبق135.

وهو العضلة الوحيدة المشدودة من طرف واحد، ويتحرك بطريقة لا تتحرك بها أية عضلة أخرى، وسطح اللسان معظمه من نتوءات صغيرة تسمى الحليمات، وفي جدران هذه الحليمات تقع براعم الذوق والطعم، ولدى الإنسان حوالي ثلاثة آلاف برعم ذوقي، وقيل: أكثر من ذلك.

ثالثًا: وظائف اللسان:

وظائفه كثيرة: كالكلام، والتذوق، وتقليب الطعام أثناء مضغه في الفم، والمساعدة في البلع، حيث يعطي البلعوم إشارة عاجلة بالانفتاح، ويبقي الأسنان نظيفة بحمايتها من تجميع الحموض عليها، أو تسوسها، وهو وسيلة للوقاية من الأطعمة الضارة، التي لا يستسيغها الذوق؛ لتلوثها أو تسممها، فيدرك اللسان ذلك أول وهلة، فيسمح للنافع بالمرور، ويمنع الضار، ويرسل ما يمكن معالجته للأسنان، ويمنع غير ذلك؛ فهو حارس أمين بما قدره الله له.

وهو عامل مهم في مضغ الطعام وبلعه، يدفع باللقمة إلى الأسنان، ويلتقطها دون أن يتعرض هو للقطع، وقد يحدث نادرًا أن يقع اللسان في مصيدة الأسنان أثناء الأكل، فنشعر بالألم، ونفهم عندئذٍ مدى مهارة اللسان في تجنب الانزلاق تحت الأسنان مع أنه ملاصق لها! واللسان بعد ذلك ينظف جوف الفم والأسنان من بقايا الطعام.

ولو تعرض هذا اللسان لقطع أو جرح أو عضته الأسنان عفويًا فإنه لأهميته من أسرع عضلات الجسم التحامًا.

رابعًا: اللسان والكلام:

جعل الله للإنسان لسانًا يترجم به عن ضمائره، وبه تنعقد المعاملات، وتحصل الشهادات، ولو لم يكن اللسان لاحتاج الإنسان إلى الإشارة أو الكتابة فتعسر أمره، وقد سبق الكلام على دور اللسان، وأنه وسيلة في البيان والإفصاح عما يريده الإنسان.

فأهم وظائف اللسان الكلام بتحركه السريع المتواصل المنظم في الجهات الست، وهو دور عجيب، والإمعان فيه يثير الدهشة والحيرة، فقد يسر الله تعالى للإنسان وسيلة سهلة للتكلم، وفي متناول الجميع، فلا يصيبها تعب ولا نصب ولا ملل، ولا تكلف الإنسان خرجًا!

وقد قيل: إن كل حرف ينطقه اللسان يسهم في تكوينه سبعة عشر عضلة، فكم يا ترى حركة يتحركها اللسان إذا نطقت بحرفٍ واحد؟!

وأعجب من ذلك موضوع استعداد الإنسان للكلام، وهذا الاستعداد أودعه الله في الإنسان؛ ليستطيع من خلاله تكوين الجمل بأشكال لا تعد ولا تحصى، وأن يبين ما لا نهاية له من الغايات، وتنوع اللغات أيضًا وقابلية الإنسان على وضع لغات مختلفة هذه الأهمية تتضح من خلال مطالعة مفردات آلاف اللغات المنتشرة في العالم.

يقول ابن القيم وهو يتكلم عن منافع اللسان: «وأودع في اللسان من المنافع منفعة الكلام -وهي أعظمها- ومنفعة الذوق والإدراك»136.

ومن عجائب قدرة الله في اللسان أن يأتي النطق من هواء يكون من الرئة يخرج من مخارج معينة، إن مر بشيء صار حرفًا، وإن مر بشيء آخر صار حرفًا آخر، وهو هواء واحد من مخرج واحد، لكن يمر بشعيرات دقيقة في الحلق، وفي الشفتين، وفي اللثة، هذه الشعرات تكون الحروف، فتجد مثلًا الباء والشين كلها بهواء يندفع من الرئة، ومع ذلك تختلف باختلاف ما تمر عليه في هذا الفم، ومخارج الحروف المعروفة، هذا من تمام قدرة الله عز وجل 137.

والمختصون في الأصوات ونبراتها يوزعون حروف الهجاء على أجزاء الفم واللسان، وسموها مخارج الحروف، وهي أربعة عشر مخرجًا، ومن صنع الله الذي أتقن كل شيء، فلا يخرج حرف مع مخرج حرف آخر، ولا تتشابه نبرة حرف بنبرات حرف آخر، حتى يسهل التفاهم بين الناس، وحتى تمر حوائجهم بسهولة، كما هيأ سبحانه لمخارج الحروف التي ينطقها اللسان قدرة عجيبة على التكيف مع كل لغة يريد الإنسان دراستها، بحيث يتعود لسانه عليها كما ينطقها أبناؤها الذين مارسوها طوال حياتهم.

ثم إنه سبحانه جعل الحناجر مختلفة الأشكال في الضيق والسعة والخشونة والملاسة؛ لتختلف الأصوات باختلافها، فلا يتشابه صوتان كما لا تتشابه صورتان، وهذا من أظهر الأدلة، فإن هذا الاختلاف -الذي بين الصور والأصوات على كثرتها وتعددها فقلما يشتبه صوتان أو صورتان- ليس في الطبيعة ما يقتضيه، وإنما هو صنع الله الذي أتقن كل شيء، وأحسن كل شيء خلقه، فتبارك الله رب العالمين، وأحسن الخالقين، فميز سبحانه بين الأشخاص بما يدركه السمع والبصر138.

ونلحظ حتى الطفل الصغير قد وهبه الله لسانًا يعبر به عن نفسه، ووهبه غريزة حب الكلام والتعبير عن النفس، وهذه الغريزة تجعله يخترع دلالات بلسانه قبل أن يعرف المعنى الذي يريد، فيقول عن كل شيء غير حسن مثلًا: (كخه) والقبيح: (يعه)، وهكذا يخترع كلمات تعبر عن مفهومه، وقد قيل عن سكان الغابات: إنهم يتفاهمون مع حيواناتها والوحوش بنغمات قريبة من نطقها، فسبحان من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى!

يقول الغزالي: «فإن اللسان من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة، فإنه صغير جرمه، عظيم طاعته وجرمه؛ إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان، وهما غاية الطاعة والعصيان، وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان؛ فإنه لا تعب في إطلاقه، ولا مئونة في تحريكه، وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله والحذر من مصائده وحبائله، وإنه أعظم آلة الشيطان في استغواء الإنسان، واللسان رحب الميدان ليس له مرد، ولا لمجاله منتهى وحد، له في الخير مجال رحب، وله في الشر ذيل سحب، فمن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخى العنان سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطره إلى البوار، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة، ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله»139.

والمقصود أن من أهم وظائف اللسان الكلام، وهذا الكلام الذي امتن الله تعالى به على العبد يمكن أن يرتقي به الإنسان إلى أعلى الدرجات، ويمكن أن ينحط به إلى أسفل الدركات، فالكلمة ذات جوانب متعددة الأهمية: بها يتم إعلان المبادئ والمعتقدات، وبها يتم التلفظ بالعقود والشهادات، كما أنها هي التي يعرف بها كفر الكافرين وجحود الجاحدين، كما قال القائل140:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا

فالألسنة -كما يقال- مغاريف القلوب، فهي التي تعبر عما استقر فيها من الإيمان والمعتقدات؛ ولذلك قال جل وعلا: ( ) [الفتح:٢٦].

وكلمة التقوى هنا هي كلمة التوحيد: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله.

خامسًا: اللسان والتذوق:

خلق الله في اللسان حاسة التذوق، بما يسمى قنوات التذوق، فيوجد في اللسان مع صغر حجمه تسعة آلاف برعم ذوقي؛ لمعرفة الطعم الحلو، والحامض، والمر، والمالح، ولا يختلط بعضها ببعض، حيث تتميز بها طعم الفاكهة بأنواعها، ويظهر التمايز بينها وبين الخضروات من طماطم وخيار وخس وجرجير وغيرها من المأكولات والمشروبات من أنواع المأكولات والمشروبات العديدة التي سخرها الله لعباده في الحياة الدنيا، فضلًا منه جل وعلا .

ومن بديع صنع الخالق سبحانه وتعالى أن جعل لكل طعم منطقته الخاصة في اللسان، فتتذوق المادة الحلوة بطرف اللسان، بينما تتذوق المادة المالحة على جانبي اللسان من الأمام، وتتذوق المادة المرة في نهاية اللسان والحنك، بينما تتذوق المادة الحامضة على جانبي اللسان والحنك، أما وسط اللسان فهو لا يميز أي مذاق.

ويكسو اللسان غشاء مخاطي، كما يتصف سطح اللسان السفلي بالنعومة، أما العلوي فخشن بسبب النتوءات المنتشرة على سطحه، وتوجد ضمن هذه النتوءات أربعة أصناف من النتوءات الذواقة التي تساعدنا على التمييز بين الطعم الحلو والحامض والمالح والمر.

وتتأثر حاسة التذوق بعوامل كثيرة، منها: وجود التهاب، أو اضطراب في الجهاز التنفسي، أو في حاسة الشم.

سادسًا: من عجائب اللسان:

نعمة اللسان موجودة في الإنسان والحيوان ولكن ما يميز الإنسان عن الحيوان أن الله أعطاه اللسان وسيلة للتخاطب والتعارف والقدرة على الكلام، ومناجاة الخالق سبحانه وتعالى، بينما الحيوان لا يستطيع سوى تحريك الطعام بلسانه، فسبحان الله الخالق الحكيم!

ومن عجيب حكمة الله أن جعل في كل آدمي من الأعضاء النافعة -في الغالب- اثنين اثنين، والأعضاء الضارة واحدًا واحدًا، فهناك أذنان حتى إذا أصيبت واحدة بالصمم عملت الثانية، وجعل يدين ورجلين وكليتين، فإذا خربت واحدة عملت الأخرى.

لكن الأشياء الضارة واحدة واحدة، عضلة اللسان واحدة، وفرج واحد، تأمل كيف سيكون الحال لو أن مع الإنسان لسانين واحدًا هنا وواحدًا هنا؟! كيف سيكون حاله؟ هو ما نجح ولا أفلح مع لسان واحد فكيف سيفلح مع لسانين؟! ما أمسكه، بل تجده أفسد الدنيا بلسانه، ولا نجح في الدنيا بفرج واحد، فلو كان معه فرجان؟! كان ذلك همًّا عليه كبيرًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فمن رحمة الله وحكمته أن جعل له من النافع اثنين، ومن الضار واحدًا، إلا القلب جعله واحدًا وهو نافع، قال الله عز وجل: ( ) [الأحزاب:٤].

فلماذا يا ترى؟ فالجواب: لو أن معه قلبين والقلب هو مركز الإحساس لكان قلب يريد أن يرقد وقلب يريد أن يذهب، للعمل، وقلب يحب فلانًا وقلب يكرهه، وقلب يريد أرزًّا، وقلب يريد عصيدة ومرقًا، وقلب يريد أن يواصل الدراسة وقلب يقول: لا والله لا أواصل، فمن يطيع منهم يا ترى؟! إذن لا يصلح أن يكون معه قلبان إنما الذي يصلح أن يكون معه قلب واحد؛ ولهذا قال: ( ) [الأحزاب:٤].

وإنما تعدد العين والأذن وتفرد اللسان؛ لأن حاجة الإنسان إلى السمع والبصر أكثر من حاجته إلى الكلام، وفيه تنبيه أيضًا على أن يقلل من الكلام إلا في الخير، وألا يتكلم فيما لا فائدة فيه، وهو السر في أن الله تعالى جعل اللسان داخل الفم، وجعل دونه الشفتين اللتين لا يمكن الكلام إلا بفتحهما؛ ليستعين العبد بإطباق شفتيه على رد الكلام، وقد حكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يجعل في فمه حجرًا؛ ليمتنع من الكلام فيما لا يعنيه، وقد قيل: «ابن آدم، إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك بطبقتين فأطبق»141.

ومن عجيب حكمته تعالى أنه أجرى في هذا الرأس أربعة أنهار: نهر في العين مالح، ونهر في الأذن مر، ونهر في الفم عذب، ونهر في الأنف مخاطي مالح، فمن الذي أفرز الأنهار هذه كلها والمادة كلها واحدة؟ مالح في العين، لماذا؟ لأن العين شحمة لو لم يكن فيها مادة مالحة؛ لتعفنت ودودت، وظهر الدود من العين، ومر في الأذن؛ لأن الأذن مجرى للسمع، فلو أن الله لم يجعل هذه المادة الصمغية المرة موجودة؛ لقام الإنسان في الصباح ومسمعه مليء بالبراغيث أو بالقمل، ودخلت في رأسه، فمن الذي سوف يخرجها من رأسه؟ لكن الله جعل هذه المادة السامة المرة بمجرد وأنت نائم تأتي الحشرات إلى مسمعك ثم تهرب ولا تدخل مسمعك، من الذي قام في يوم من الأيام وقال: والله في مسمعي حشرات؟ لا أحد، لا تستطيع أن تدخل؛ لأنه يوجد مادة ضدها.

والفم جعل الله فيه اللعاب، واللعاب حلو، ومذاقه طيب، لماذا؟ من أجل أن تهضم به الطعام وتمضغه، وتقطع وتكسر وبعد ذلك تنزل! وجعل الله المادة المخاطية في الأنف، لماذا؟ لتمتص وتحجز الأتربة والغبار الذي يدخل الرأس، ولو كنت الآن في المزرعة من الصباح إلى الظهر، ثم جئت تتوضأ وتستنثر، أما تلحظ أنه يخرج من الاستنثار تراب؟ أين كان هذا التراب؟ لقد أمسكته الأغشية التي في الأنف، ولولاها لدخلت إلى الرأس، ودخل غدًا مثلها، وتتكون في الرأس كوم طين من يخرجها من الرأس؟

وما ظنك لو أن الله تبارك وتعالى جعل المادة التي في أذنك تفرز من فمك، فكيف تأكل؟! أو جعل الله المادة التي في أنفك تخرج من فمك (المخاط) كيف تصنع؟! أو جعل الله المادة الملحية تخرج من فمك، كيف تصنع؟! لكن من علم العين أن تفرز مادة ملحية؟ من علم الأذن أن تفرز مادة صمغية مرة؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو.

يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه التبيان في أقسام القرآن: «وأما الفم فمحل العجائب، وباب الطعام والشراب والنفس والكلام، ومكان اللسان الناطق الذي هو آلة العلوم، وترجمان القلب، ورسوله المؤدي عنه، ولما كان القلب ملك البدن، ومعدنًا للحرارة الغريزية، فإذا دخل الهواء البارد وصل إليه، فاعتدلت حرارته، وبقي هناك ساعة، فسخن واحترق، فاحتاج القلب إلى دفعه وإخراجه، فجعل أحكم الحاكمين إخراجه سببًا لحدوث الصوت في الحنجرة والحنك واللسان والشفتين والأسنان مقاطع ومخارج مختلفة، وبسبب اختلافها تميزت الحروف بعضها عن بعض، ثم ألهم العبد تركيب تلك الحروف؛ ليؤدي بها عن القلب ما يأمر به.

فتأمل الحكمة الباهرة حيث لم يضع سبحانه ذلك النفس المستغنى عنه المحتاج إلى دفعه وإخراجه، بل جعل فيه إذا استغنى عنه منفعة ومصلحة، هي من أكمل المنافع والمصالح، فإن المقصود الأصلي من النفس هو اتصال الريح البارد إلى القلب، فأما إخراج النفس هو جار مجرى دفع الفضلة الفاسدة، فصرف ذلك سبحانه إلى رعاية مصلحة ومنفعة أخرى، وجعله سببًا للأصوات والحروف والكلام»142.

وجعل سبحانه الفم أكثر الأعضاء رطوبة، والريق يتحلل إليه دائمًا، لا يفارقه، وجعله حلوًا لا مالحًا كماء العين، ولا مرًا كالذي في الأذن، ولا عفنًا كالذي في الأنف، بل هو أعذب مياه البدن وأحلاها، حكمة بالغة، فإن الطعام والشراب يخالطه، بل هو الذي يحيل الطعام، ويمتزج به امتزاج العجين بالماء، فلولا أنه حلو لما التذ الإنسان بل ولا الحيوان بطعام ولا شراب، ولا ساغه إلا على كره وتنغيص143.

سابعًا: دلالة اللسان على حالة الجسم الصحية:

يقول ابن القيم وهو يتكلم عن منافع اللسان: «وجعله دليلًا على اعتدال مزاج القلب وانحرافه، كما جعله دليلًا على استقامته واعوجاجه، فترى الطبيب يستدل بما يبدو للبصر على اللسان من الخشونة والملاسة والبياض والحمرة والتشقق وغيره على حال القلب والمزاج، وهو دليل قوي على أحوال المعدة والأمعاء، كما يستدل السامع بما يبدو عليه من الكلام على ما في القلب، فيبدو عليه صحة القلب وفساده،معنىً وصورة»144.

فتعرف حالة الإنسان الصحية من مظهر لسانه، كالتالي:


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٢٤٧.

2 لسان العرب، ابن منظور ١٣/٣٨٥.

3 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١٥٨٨.

4 انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/٥٥٣.

5 التعريفات ص٦٢٠.

6 مفاتيح الغيب ٦/٤٤.

7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٦٤٧.

8 انظر: نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٥٣٤، الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٤١٠.

9 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٩٢٦.

10 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص١٥٧.

11 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٢.

12 انظر: التعريفات، الجرجاني ص١٨٠.

13 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٥٢٣.

14 انظر: التعريفات، الجرجاني ص١٨٥.

15 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٤٧١.

16 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص١٧٣.

17 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٨٢٨.

18 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ١٤/١١٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥١٣، الدر المنثور، السيوطي ٨/٥٢١.

19 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، ٤/٢٥٤ بتصرف.

20 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، جزء عم، ص٥.

21 مجموع فتاوى ابن تيمية، ٤/٢٥٤.

22 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٣٩٨.

23 الوسيط، سيد طنطاوي ١/٤٠٣.

24 انظر: اللباب في علوم الكتاب ١١/١٥٤.

25 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٣٩٩.

26 انظر: موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ٤/٥٢.

27 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب إن من البيان سحرًا، رقم ٥٤٣٤.

28 روضة العقلاء ونزهة الفضلاء ص ٢١٩.

29 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٣٩٩.

30 المزهر، السيوطي ١/٢٥٤.

31 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، ١٠/١٩١، رقم ٢٠٥٧١.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٤٥.

32 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٨/٣٤٩.

33 الحيدة، الكناني ص ١٢٣.

34 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٥٠١.

35 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/١٧٦.

36 انظر: المصدر السابق ٢٥/٣٢١.

37 المصدر السابق.

38 المصدر السابق ٢٧/١٨٨.

39 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٦٣.

40 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥١٨.

41 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/١٤٧.

42 روح المعاني، الألوسي ١٠/٣٢٧.

43 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/١٤٧، فتح القدير، الشوكاني ٣/٢٨٧.

44 انظر: المصادر السابقة.

45 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٦٠٩.

46 الوسيط، سيد طنطاوي ١/٢٥٧٨.

47 الكشاف، الزمخشري ٣/٤٠٧.

48 المصدر السابق.

49 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٦٠٩.

50 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٢٨٨.

51 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم ١٠٦، ومسلم في المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم ١.

52 أخرجه مسلم في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع، رقم ٧.

53 انظر: جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر ٣/٣٨٢.

54 انظر: التفسير القيم، ابن القيم ص٢١.

55 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ٤/١١٢.

56 البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٣٣٦.

57 روح المعاني، الألوسي ١٢/٩.

58 انظر: أضواء البيان ١٧/٢٥٣.

59 انظر: التفسير القيم، ابن القيم ص٢٣.

60 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٣٠٢.

61 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٣/٤٦٧.

62 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٦٠٧.

63 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١١/ ٨٧.

64 روح المعاني، الألوسي ١٤/٢٥٥.

65 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٢٣٧.

66 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٢/٣٨٢.

67 السراج المنير، الشربيني ٥/٤١٣.

68 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/١٣٨.

69 البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٦.

70 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٥/٢٧١، لباب التأويل، الخازن ٤/٣٦٩، السراج المنير، الشربيني ١/٢١٥.

71 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/١٩.

72 انظر: اللباب في علوم الكتاب ١١/٤٣.

73 البيت للنمر بن تولب.

انظر: البيان والتبيين، الجاحظ ١/٢٧، عيون الأخبار، ابن قتيبة ٢/١٨٥.

74 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٦/٦٤٩، رقم ٢٢٣١٢، والترمذي في سننه، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في العي، ٤/٣٧٥، رقم ٢٠٢٧.

قال الترمذي: حسن غريب.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦١٠، رقم ٣٢٠١.

75 تفسير القرآن، العز بن عبد السلام ١/٢٣.

76 انظر: التفسير القيم، ابن القيم ص١٦٥.

77 انظر: البصائر والذخائر، التوحيدي ٤/١٩٠، ربيع الأبرار ونصوص الأخيار، الزمخشري ٥/٢٠٩.

78 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الشعر، ٤/١٧٦٨، رقم ٢٢٥٦.

79 ذكر سبب النزول هذا الجصاص في أحكام القرآن ٣/١٨٤، والسمعاني في تفسيره ٢/٣٢٩، وابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل ١/٣٤٣.

80 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/١٨٥.

81 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٤/١٧٥.

82 مدارك التنزيل، النسفي ١/١٦٢.

83 روح المعاني، الألوسي ٣/١٠١.

84 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١١٨.

85 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٨/٢٦٢.

86 الكشاف، الزمخشري ٢/٥٤٢.

87 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٤٩.

88 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٢٦٧.

89 الكشاف، الزمخشري ٣/٢٦٩.

90 الوسيط، سيد طنطاوي ١١/٣١٣.

91 روح المعاني، الألوسي ١٩/١٩٤.

92 انظر: الإيمان الأوسط، ابن تيمية ص١٢٣.

93 مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٤٨٩.

94 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما ينهى من الحلق عند المصيبة، رقم ١٢٣٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تحريم ضرب الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، رقم ٢٩٨.

95 التبيان في تفسير غريب القرآن، ابن الهائم ص٣٤٠.

96 انظر: الوسيط، سيد طنطاوي ١٥/٤٠٦.

97 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٣٦١.

98 البيت في ديوانه ص٢٦٣.

وانظر: الحيوان، الجاحظ ٣/٢٣٤، تهذيب اللغة، الأزهري ٨/٣٠٨.

99 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/١٥٤.

100 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٣٣٦.

101 السراج المنير ٨/٣٤٥.

102 الوسيط، سيد طنطاوي ١٥/٤٠٦.

103 البيت لبشار بن برد في ديوانه ص١٢٥.

104 أضواء البيان، الشنقيطي ١/٢٥٥.

105 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٦/١٧، لسان العرب، ابن منظور ١٣/٥٣٧.

106 مفاتيح الغيب، الرازي ٤/٢٦٨.

107 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٦١.

108 مفاتيح الغيب، الرازي ٤/٢٦٨.

109 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا، رقم ٥٦٨٣، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب النهى عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم، رقم ٥٧٨٤.

110 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٧٣.

111 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٢٤.

112 انظر: الوسيط، سيد طنطاوي ١/٩٦١.

113 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٦١.

114 البحر المحيط، أبو حيان ٤/١٥٣.

115 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٦١.

116 البحر المحيط، أبو حيان ٤/١٥٣.

117 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٥٦.

118 المصدر السابق ٢٨/٣٨٣.

119 انظر: الوسيط، سيد طنطاوي ١١/١١٦.

120 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، رقم ٢٦١٦، والنسائي في الكبرى، كتاب التفسير، سورة السجدة، رقم ١١٣٩٤.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ٩/٦٤، رقم ٣٢٨٤.

121 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/٤٦٩.

122 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٨.

123 انظر: الوسيط، سيد طنطاوي ١٥/٦٤٢.

124 الجواب الكافي ص٦٩.

125 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٦٠.

126 التفسير القيم، ابن القيم ص٣٣٥.

127 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٠٩.

128 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٢٣٤.

129 البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٢.

130 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/٥٦.

131 البحر المحيط، أبو حيان ٩/٧٧.

132 أضواء البيان، الشنقيطي ٣/١٨.

133 انظر: المصدر السابق.

134 التبيان في أقسام القرآن، ابن القيم ص١٩٣.

135 المصدر السابق.

136 المصدر السابق.

137 انظر: تفسير القرآن الكريم، ابن عثيمين، جزء عم ص ٢٨.

138 التبيان في أقسام القرآن، ابن القيم ص١٩٣.

139 إحياء علوم الدين، الغزالي ٣/١٠٨.

140 البيت منسوب للأخطل في مجمع الحكم والأمثال، أحمد قبش ٩/١٢٧.

141 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ١٧/٢٦١.

142 التبيان في أقسام القرآن ص١٩٣.

143 المصدر السابق.

144 المصدر السابق.

145 انظر: المصدر السابق.

146 جامع البيان، الطبري ١٩/١٤٠.

147 روح المعاني، الألوسي ١٧/٢٠.

148 المصدر السابق ١٣/٤١٠.

149 التحرير والتنوير ٢٦/٨٩١.

150 مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٥٥.

151 انظر: لباب التأويل، الخازن ٥/٢٥٢.