عناصر الموضوع
الكذب
أولًا: المعنى اللغوي:
مادة كذب: الكاف والذال والباء أصلٌ صحيحٌ يدل على خلاف الصدق. وتلخيصه أنه لا يبلغ نهاية الكلام في الصدق، كذب يكذب كذبًا. وكذبت فلانًا: نسبته إلى الكذب، وأكذبته: وجدته كاذبًا. ورجلٌ كذابٌ وكذبةٌ، وأكذب نفسه وكذبها بمعنى اعترف بأنه كذب1.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الجرجاني: «هو الإخبار عن الشيء على خلاف الواقع، سواء بالقول، أو بالإشارة، أو بالسكوت»2. وقال الكفوي: «الكذب: كل خبر مخبره على خلاف ما أخبره فهو كذب»3.
ولما كان الصدق والكذب مما توصف به الأقوال، فإن كل دلالة مقصودة إما أن تكون دلالته صادقة، وإما أن تكون دلالته كاذبة، فالصدق ما وافق الحقيقة، والكذب ما خالف الحقيقة، وكذلك الحركات التعبيرية الكاذبة، كإشارات اليد والعين والحاجب والرأس، هي التي تكون دلالتها مخالفة للحقيقة والواقع، فكم من إشارة فعلية تقوم مقام القول في دلالتها4.
وردت مادة (كذب) في القرآن الكريم (٢٨٢) مرة 5.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٢٧ |
(ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الزمر:٦٠] |
الفعل المضارع |
٦٠ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [المؤمنون:١٠٥] |
المصدر |
٣٦ |
(ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [يوسف:١٨] |
اسم الفاعل |
٣٥ |
(ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [العنكبوت:٣] |
صيغة المبالغة |
٥ |
(ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [القمر:٢٥-٢٦] |
اسم المفعول |
١ |
( ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [هود:٦٥] |
وجاء الكذب في القرآن بمعناه اللغوي، وهو: الإخبار بالأمر على غير ما هو عليه، نقيض الصدق، ولا يكون بالقصد الأول إلا في القول، ويكون أيضًا في غيره، ويلزم منه الإنكار والجحود وخلف الوعد والنفاق وغيرها من لوازم الكذب 6.
الزور:
الزور لغةً:
قال ابن فارس: «الزاء والواو والراء: أصلٌ واحدٌ يدل على الميل والعدول. من ذلك الزور: الكذب؛ لأنه مائلٌ عن طريقة الحق. ويقال: زور فلانٌ الشيء تزويرًا. حتى يقولون :زور الشيء في نفسه: هيأه؛ لأنه يعدل به عن طريقةٍ تكون أقرب إلى قبول السامع»7.
الزور اصطلاحًا:
هو تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه أنه خلاف ما هو به8.
الصلة بين الزور والكذب:
أن الكذب هو الإخبار عن الشيء على خلاف الواقع، سواء بالقول أو بالإشارة، أما الزور فهو الكذب الذي قد سوي وحسن في الظاهر؛ ليحسب السامع أنه قد صدق9.
الافتراء:
الافتراء لغةً:
الفرية: الكذب. فرى كذبًا فريًا وافتراه: اختلقه. ورجلٌ فريٌ ومفرًى وإنه لقبيح الفرية10.
الافتراء اصطلاحًا:
هو: اختراع قضية لا أصل لها، أو هو «العظيم من الكذب»11.
الصلة بين الكذب والافتراء:
الكذب: الإخبار عن الشيء على خلاف الواقع، سواء بالقول أو بالإشارة. والافتراء: أخص منه؛ لأنه الكذب في حق الغير بما لا يرتضيه، بخلاف الكذب فإنه قد يكون في حق المتكلم نفسه، و أيضًا قد يحسن الكذب في بعض الوجوه، بخلاف الافتراء12.
الإفك:
الإفك لغةً:
أفك إفكًا وأفوكًا: كذب، وأفك فلانًا: جعله يكذب، وحرمه مراده13.
الإفك اصطلاحًا:
أعظم الكذب، وكل شيء في القرآن إفك فهو كذب14.
الصلة بين الكذب والإفك:
أن الكذب هو الإخبار عن الشيء على خلاف الواقع، سواء بالقول أو بالإشارة، والإفك هو الكذب الفاحش القبح مثل: الكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، أو على القرآن، ومنه أيضًا قذف المحصنة، وغير ذلك مما يفحش قبحه15.
البهتان:
البهتان لغة:
مشتقٌ من بهت الرجل يبهته بهتًا وبهتانًا فهو بهات، أي: قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوتٌ، والبهتان: افتراءٌ16.
البهتان اصطلاحًا:
هو الافتراء على الغير، وهو: الخبر المكذوب الذي لا شبهة لكاذبه فيه؛ لأنه يبهت من ينقل عنه 17.
وقيل: هو كذب يبهت سامعه ويدهشه ويحيره؛ لفظاعته، وقال أبو البقاء: «سمي به؛ لأنه يبهت أي: يسكت؛ لتخيل صحته، ثم ينكشف عند التأمل»18.
الصلة بين الكذب والبهتان:
أن الكذب هو الإخبار عن الشيء على خلاف الواقع، سواء بالقول أو بالإشارة، أما البهتان فهو مواجهة الإنسان بما لم يحبه، وعلى وجه المكابرة له19.
نفر القرآن الكريم من الكذب حيث قرنه بأوصاف تحمل أكبر معاني القبح، وهذا ما سنتناوله فيما يأتي:
أولًا: التلازم بين الكذب والكفر، والنفاق، والظلم، والاستكبار:
١. التلازم بين الكذب والكفر.
قرن سبحانه وتعالى بين الكذب والكفر في مواضع من كتابه الكريم مما يدل على أن سجية الكافرين الكذب والتكذيب، ومخالفة الحق، قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الانشقاق: ٢٢].
وقال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البروج: ١٩].
واختلفت هذه الآية عن سابقتها حيث ذكرت أن التكذيب عمهم حتى صار كالوعاء لهم «وفيها إشارةٌ إلى أن إحاطة التكذيب بهم إحاطة الظرف بالمظروف لا يترك لتذكر ما حل بأمثالهم من الأمم مسلكًا لعقولهم»20.
وذكر سبحانه أن الذين جمعوا بين الكفر والكذب يلازمون النار، هم فيها خالدون لا يخرجون منها، قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة: ٣٩].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [المائدة: ١٠].
وأخبر سبحانه أن الذين جحدوا وحدانيته وكذبوا رسوله وأنكروا آيات القرآن، لهم عذاب يخزيهم ويهينهم في جهنم، قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الحج: ٥٧].
وأخبر سبحانه أن الذين كفروا بالله وكذبوا بما جاءت به الرسل وأنكروا البعث بعد الموت في العذاب مقيمون؛ جزاء ما كذبوا به في الدنيا، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الروم: ١٦].
٢. التلازم بين الكذب والنفاق.
أخبر سبحانه عن التلازم بين الكذب والنفاق، مما يدل على أن سجية المنافقين الكذب والتكذيب:
قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [التوبة: ٩٠].
«وهم منافقو الأعراب الذين ما جاءوا وما اعتذروا، وظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله في ادعائهم الإيمان.
وقرأ أبيٌ: (ﭪ) بالتشديد (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار، وإنما قال: (ﮌ)؛ لأنه تعالى كان عالمًا بأن بعضهم سيؤمن ويتخلص عن هذا العقاب، فذكر لفظة (من) الدالة على التبعيض»21.
وقد أخبر سبحانه أن إخلاف الوعد والكذب هما سبب تمكن النفاق من قلوب المنافقين، قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [التوبة: ٧٧].
فليحذر المؤمن من هذا الوصف الشنيع، أن يعاهد ربه، إن حصل مقصوده الفلاني ليفعلن كذا وكذا، ثم لا يفي بذلك، فإنه ربما عاقبه الله بالنفاق كما عاقب هؤلاء.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)22. والنفاق المقصود هنا: هو نفاق العمل، وليس نفاق اعتقادي، كما قال أهل العلم23.
وقال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [المجادلة: ١٤].
ولقد شهد الله سبحانه على المنافقين بالكذب وتكفي هذه الشهادة، قال تعالى - في سياق الحديث عن مسجد الضرار ومقصد المنافقين منه، أنهم ما أرادوا ببنائه إلا الخير والرفق بالمسلمين والتوسعة على الضعفاء العاجزين عن السير إلى مسجد (قباء)، والله يشهد إنهم لكاذبون فيما يحلفون عليه-: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [التوبة: ١٠٧].
وقال تعالى في سياق إخبار الله عما تكنه صدور المنافقين للرسول أنهم كاذبون فيما أظهروه من شهادتهم لك بالرسالة، وحلفوا عليه بألسنتهم، وأضمروا الكفر به، قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [المنافقون: ١].
٣. التلازم بين الكذب والظلم.
قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [العنكبوت: ٦٨].
وقال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأنعام: ٩٣].
وقال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [هود: ١٨].
وقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنعام: ٢١].
أي: «لا أظلم ممن تقول على الله، فادعى أن الله أرسله ولم يكن أرسله، ثم لا أظلم ممن كذب بآيات الله وحججه وبراهينه ودلالاته»24.
ثم قضى سبحانه في حكمه أن الظالمين لا يفلحون، أي: «لا يظفرون بمطالبهم في الدنيا والآخرة، بل يبقون في الحرمان والخذلان، ونفى الفلاح عن الظالم فدخل فيه الأظلم، والظالم غير الأظلم وإذا كان هذا لا يفلح فكيف يفلح الأظلم؟!»25.
«والظلم هنا كناية عن الشرك. في صورة التفظيع له والتقبيح. وهو التعبير الغالب في السياق القرآني عن الشرك. وذلك حين يريد أن يبشع الشرك وينفر منه. ذلك أن الشرك ظلم للحق، وظلم للنفس، وظلم للناس. هو اعتداء على حق الله سبحانه في أن يوحد ويعبد بلا شريك. واعتداء على النفس بإيرادها موارد الخسارة والبوار. واعتداء على الناس بتعبيدهم لغير ربهم الحق، وإفساد حياتهم بالأحكام والأوضاع التي تقوم على أساس هذا الاعتداء، ومن ثم فالشرك ظلم عظيم، كما يقول عنه رب العالمين. ولن يفلح الشرك ولا المشركون.
والله سبحانه يقرر الحقيقة الكلية ويصف الحصيلة النهائية للشرك والمشركين -أو للظلم والظالمين- فلا عبرة بما تراه العيون القصيرة النظر في الأمد القريب فلاحًا ونجاحًا، فهذا هو الاستدراج المؤدي إلى الخسار والبوار، ومن أصدق من الله حديثًا؟!»26.
ثم أخبر سبحانه أنه لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم؛ لعدم توجههم إليه، قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الصف: ٧].
قال ابن عاشور رحمه الله: «وإنما كانوا أظلم الناس؛ لأنهم ظلموا الرسول صلى الله عليه وسلم بنسبته إلى ما ليس فيه؛ إذ قالوا: هو ساحرٌ، وظلموا أنفسهم إذ لم يتوخوا لها النجاة، فيعرضوا دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم على النظر الصحيح حتى يعلموا صدقه، وظلموا ربهم؛ إذ نسبوا ما جاءهم من هديه وحجج رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ما ليس منه فسموا الآيات والحجج سحرًا، وظلموا الناس بحملهم على التكذيب وظلموهم بإخفاء الأخبار التي جاءت في التوراة والإنجيل مثبتةً صدق رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وكمل لهم هذا الظلم بقوله تعالى: (ﭾﭿ ﮀﮁﮂ) فيعلم أنه ظلمٌ مستمرٌ»27.
٤. التلازم بين الكذب والاستكبار.
قرن سبحانه في كتابه بين الكذب والاستكبار في مواضع من آياته؛ لأن من كذب بالشيء نأى بنفسه عن اتباعه فهما متلازمان الكذب والاستكبار.
قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف: ٣٦].
وقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الأعراف: ٤٠].
«والاستكبار عن الآيات هو رفض قبولها كبرًا وعنادًا لمن جاء بها أن يكون إمامًا متبوعًا للمستكبرين؛ لأنهم يرون أنفسهم فوقه، أو أقوامهم فوق قومه، أو يحبون أن يروا الناس ويوهموهم ذلك، فرؤساء قريشٍ المستكبرون منهم من كان يرى من الضعة والمهانة أن يكون مرءوسًا للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه؛ لأنهم أكثر منه مالًا وأعز نفرًا أو أكبر سنًا، فيرون أنهم أحق بالرياسة -وكان من هؤلاء بعض عشيرته بني هاشمٍ- ومنهم من كان يستكبر أن يتبع رجلًا من بني هاشمٍ كأبي جهلٍ وأبي سفيان وآخرين، مات بعضهم على الكفر ودان بعضهم بالإسلام بعد ظهوره، ولم يكن في غير قريشٍ من العرب من يستكبر أن يتبع رجلًا منهم إلا بالتبع؛ لعدم اتباعهم هم له، ولكن أحبار اليهود استكبروا عن اتباعه؛ لأنه عربيٌ، وهم يرون أن النبوة يجب حصرها فيهم، وكذلك أمراء المجوس ورؤساء دينهم؛ إذ كانوا يحتقرون العرب كافةً إلا من هدى الله من الفريقين، ولا يزال بعض الشعوب يأبى الاهتداء بالإسلام استكبارًا عن اتباع أهله»28.
ثانيًا: الوعيد بالعذاب على الكاذب:
اقتضت حكمة الله وعدله بين عباده أن يعاقب المكذب في الدنيا والآخرة -إن لم يتب- وأخبر في مواضع من كتابه بوعيد الكاذبين والذي منه:
١. الإقامة في العذاب.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الروم: ١٦].
«ومحضرون: يجوز أن يكون من الإحضار، أي: جعل الشيء حاضرًا، أي: لا يغيبون عنه، أي: لا يخرجون منه، وهو يفيد التأبيد بطريق الكناية؛ لأنه لما ذكر بعد قوله في العذاب ناسب أن لا يكون المقصود من وصفهم المحضرين أنهم كائنون في العذاب؛ لئلا يكون مجرد تأكيدٍ بمدلولٍ في الظرفية، فإن التأسيس أوقع من التأكيد.
ويجوز أن يكون محضرون بمعنى: مأتيٌ بهم إلى العذاب فقد كثر في القرآن استعمال محضرٍ ونحوه، بمعنى: معاقبٍ»29.
٢. ملازمون للعذاب.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة: ٣٩].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ) [التغابن: ١٠].
٣. العذاب في الجحيم.
قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الحديد: ١٩].
٤. العذاب المهين.
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الحج: ٥٧].
«أي: لهم عذابٌ مشتملٌ على ما فيه مذلتهم كالضرب بالمقامع ونحوه»30.
ثالثًا: اللعن على الكاذبين:
أخبر سبحانه وتعالى في كتابه الكريم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقال: من جادلك -أيها الرسول- في المسيح عيسى ابن مريم من بعد ما جاءك من العلم في أمر عيسى عليه السلام، فقل لهم: تعالوا نحضر أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نتجه إلى الله بالدعاء أن ينزل عقوبته ولعنته على الكاذبين في قولهم، المصرين على عنادهم.
كما قال تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [آل عمران: ٦١].
وأخبر سبحانه وتعالى أن الذين كذبوا على ربهم في الدنيا قد سخط الله عليهم، ولعنهم لعنة لا تنقطع، قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [هود: ١٨].
يبين تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة على رءوس الخلائق من الملائكة، والرسل، والأنبياء، وسائر البشر والجان، روى البخاري بسنده عن صفوان بن محرز قال: كنت آخذًا بيد ابن عمر إذ عرض له رجلٌ قال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: (إن الله عز وجل يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه، ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم. ثم يعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون فيقول: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ))31.
رابعًا: نفي الفلاح عن المكذبين:
أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر الذين يفترون على الله الكذب باتخاذ الولد وإضافة الشريك إليه، أنهم لا ينالون مطلوبهم في الدنيا ولا في الآخرة (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [يونس: ٦٩-٧٠].
«والفلاح عبارةٌ عن الوصول إلى المقصود والمطلوب، فمعنى أنه لا يفلح هو أنه لا ينجح في سعيه ولا يفوز بمطلوبه بل خاب وخسر، ومن الناس من إذا فاز بشيءٍ من المطالب العاجلة والمقاصد الخسيسة، ظن أنه قد فاز بالمقصد الأقصى، والله سبحانه أزال هذا الخيال بأن قال: إن ذلك المقصود الخسيس (ﮈ ﮉ) في الدنيا، ثم لا بد من الموت، وعند الموت لا بد من الرجوع إلى الله، وعند هذا الرجوع لا بد من أن يذيقه العذاب الشديد»32.
فالمكذبون: «لا يفلحون أي فلاح، لا يفلحون في شعب ولا طريق. لا يفلحون في الدنيا ولا في الأخرى. والفلاح الحقيقي هو الذي ينشأ من مسايرة سنن الله الصحيحة، المؤدية إلى الخير وارتقاء البشر وصلاح المجتمع، وتنمية الحياة، ودفعها إلى الأمام. وليس هو مجرد الإنتاج المادي مع تحطم القيم الإنسانية، ومع انتكاس البشر إلى مدارج الحيوانية، فذلك فلاح ظاهري موقوت، منحرف عن خط الرقي الذي يصل بالبشرية إلى أقصى ما تطيقه طبيعتها من الاكتمال»33.
وبعد أن أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بإخبار المشركين أنهم لا يفلحون، أعقب ذلك في سورة النحل بخطاب للمشركين؛ ليقرر أن الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغ ما يأمره الله به فقال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [النحل: ١١٦].
«نهى تعالى عن سلوك سبيل المشركين الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وصفوه واصطلحوا عليه من الأسماء بآرائهم من البحير ة والسائبة والوصيلة والحام وغير ذلك، مما كان شرعًا لهم ابتدعوه في جاهليتهم، فقال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعةً ليس له فيها مستندٌ شرعيٌ، أو حلل شيئًا مما حرم الله، أو حرم شيئًا مما أباح الله بمجرد رأيه وتشهيه.
و(ما) في قوله: (ﮭ ﮮ) مصدريةٌ، أي: ولا تقولوا الكذب لوصف ألسنتكم، ثم توعد على ذلك فقال: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) أي: في الدنيا ولا في الآخرة، أما في الدنيا فمتاعٌ قليلٌ، وأما في الآخرة فلهم عذابٌ أليمٌ»34.
وبعد هذا النص، كيف يجرؤ ناس على التشريع بغير إذن من الله، وبغير نص في شريعته يقوم عليه ما يشرعونه من القوانين؟ !وهل ينتظر هؤلاء أن يكون لهم فلاح في هذه الأرض أو عند الله؟ كلا بنص كتاب الله.
خامسًا: الاعتبار بعاقبة المكذبين:
أمر الله سبحانه بالنظر والتأمل في عاقبة المكذبين؛ للاعتبار والاتعاظ، وهذا الاعتبار والاتعاظ يحتاجه الرسول صلى الله عليه وسلم ليثبت فؤاده على طريق الدعوة، ويحتاجه المؤمنون كذلك، ويحتاجه المكذبون أنفسهم؛ ليرتدعوا وينزجروا عن تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم.
فأمر الله عز وجل الرسول صلى الله عليه وسلم بـ (ﭩ) التلقينية - الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم مبلغ من قبل الله- أن يأمر المشركين بالسير في الأرض؛ للاعتبار بما حدث للمكذبين قبلهم، فقال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأنعام: ١١].
«يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء العادلين بي الأوثان والأنداد المكذبين بك الجاحدين حقيقة ما جئتهم به من عندي: جولوا في بلاد المكذبين رسلهم الجاحدين آياتي من قبلهم من ضربائهم وأشكالهم من الناس (ﭭ ﭮ ﭯ) أعقبهم تكذيبهم ذلك الهلاك والعطب وخزي الدنيا وعارها، وما حل بهم من سخط الله عليهم من البوار وخراب الديار وعفو الآثار. فاعتبروا به، إن لم تنهكم حلومكم، ولم تزجركم حجج الله عليكم، عما أنتم مقيمون عليه من التكذيب، فاحذروا مثل مصارعهم، واتقوا أن يحل بكم مثل الذي حل بهم»35.
وأمر سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينظر بتأمل وتفكر كيف كان عاقبة من كذبوا بآيات الله ورسله؟ ليحذر قومه أن يستمروا على تكذيبهم، فيصيبهم مثل ما أصاب من قبلهم، قال تعالى: (ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الزخرف: ٢٥].
ثم أمر سبحانه وتعالى المشركين بنفس ما أمرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم -تأكيدًا على أنه مبلغ عن ربه- أن يمشوا في الأرض؛ ليبصروا بأعينهم كيف كان مآل المكذبين قبلهم؟ وماذا حل بهم من دمار؟ ليعتبروا (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النحل: ٣٦].
ثم خاطب سبحانه وتعالى المؤمنين لـما أصيبوا يوم أحد تعزية لهم بأنه قد مضت من قبلكم أمم، ابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين فكانت العاقبة لهم، فسيروا في الأرض معتبرين بما آل إليه أمر أولئك المكذبين بالله ورسله، فقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [آل عمران: ١٣٧].
فإن قيل: ما الفرق بين قوله (ﮞ)في قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [آل عمران: ١٣٧]. وبين قوله: (ﭭ ﭮ)؟
قال الرازي رحمه الله: «قوله: (ﮞ) يدل على أنه تعالى جعل النظر سببًا عن السير، فكأنه قيل: سيروا لأجل النظر، ولا تسيروا سير الغافلين.
وأما قوله: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الأنعام: ١١].
فمعناه: إباحة السير في الأرض للتجارة وغيرها من المنافع، وإيجاب النظر في آثار الهالكين، ثم نبه الله تعالى على هذا الفرق بكلمة (ﭭ) لتباعد ما بين الواجب والمباح»36.
ذكر القرآن الكريم للكاذبين مظاهر إذا رآها الناس أشاروا إلى أصحابها وقالوا: هذا الذي حكى عنه القرآن فاحذروه، من هذه المظاهر ما يلي:
الكذب على الله والتكذيب بآياته والتكذيب بكتبه ورسله واليوم الآخر:
أولًا: الكذب على الله:
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [آل عمران: ٩٤].
قال الراغب رحمه الله: «الافتراء والاختلاق: افتعال للكذب الذي لا أصل له، من افتراء الأديم واختلاقه. والكذب ضربان: اختراع قصة لا أصل لها وزيادة، أو تغيير فيما له أصل. والأول: أعظمهما، والمفترى عليه ضربان: رفيع ووضيع. فالمفتري على الرفيع أعظم ذنبًا، ثم المفتري له ضربان: عارف بالفرية. وجاهل بها، فالمفتري العارف بالفرية أوقحهما وجهًا، فبين الله تعالى بالآية أنهم اختلقوا الكذب على الله تعالى، الذي يعلم السر وأخفى، وفعلوا ذلك بعد أن أطلع الله الناس على كذبهم»37.
وبين سبحانه وتعالى أن متخذي ذلك في نهاية الظلم في مواضع من كتابه:
من أعظم صور الظلم الكذب على الله: أنه لم يبعث رسولًا من البشر، أو ادعى كذبًا أن الله أوحى إليه ولم يوح إليه شيء، أو ادعى أنه قادر على أن ينزل مثل ما أنزل الله من القرآن.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأنعام: ٩٣].
وقد اختلف في سبب نزولها:
فعن عكرمة رحمه الله: «إنها نزلت في مسيلمة أخي بني عدي بن حنيفة فيما كان يسجع ويتكهن به»38.
وعن السدي رحمه الله: «نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح خاصة»39.
ويرى الطبري رحمه الله: «أنه لا تمانع بين علماء الأمة أن ابن أبي سرح كان ممن قال: إني قد قلت مثل ما قال محمد، وأنه ارتد عن إسلامه ولحق بالمشركين، فكان لا شك بذلك من قوله مفتريًا كذبًا، وكذلك لا خلاف بين الجميع أن مسيلمة والعنسي الكـذابين ادعيا على الله كذبًا أنه بعثهما نبيين وقال كل واحد منهما: إن الله أوحى إليه. وهو كاذب في قوله، فإذا كان كذلك فقد دخل في هذه الآية كل من كان مختلقًا على الله كذبًا، وقائلًا في ذلك الزمان وفي غيره أوحى الله إلي وهو في قوله كاذب لم يوح الله إليه شيئًا، فأما التنزيل فإنه جائز أن يكون نزل بسبب بعضهم وجائز أن يكون نزل بسبب جميعهم»40.
ومن صور الكذب التحليل والتحريم، بحسب الأهواء، لا بحسب الشرع المنزل من عند الله، ولهذا عنف الله عز وجل الكفار حين ادعوا أن ما شرعوه من عند أنفسهم هو الشرع الذي أوحى به الله عز وجل.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [النحل: ١١٦- ١١٧].
فالآية خطاب للكفار الذين حرموا البحيرة والسائبة، وأحلوا ما في بطون الأنعام، فليس كلامهم كذبًا فقط، بل يصفه، فمن لا يعرف الكذب فليعرفه من كلام هؤلاء، وتحليلهم وتحريمهم كذب وافتراء على الله عز وجل؛ لأنه وحده صاحب التحليل والتحريم، فإن انطلى كذبهم على بعض الناس فأخذوا من ورائه منفعة عاجلة، فعما قليل سيفتضح أمرهم وينكشف كذبهم وتنقطع مصالحهم بين الخلق، وذلك أن الله أمرهم بخلاف ما قالوا فهم يكذبونه يحللون ويحرمون من غير تحليل الله وتحريمه، ويجعلون ذلك من الشرع41.
ويصف الله عز وجل ما يأخذه هؤلاء من دنياهم بالكذب والافتراء على الله (ﯤ ﯥ) زائل، سيحرمون من المتاع الكثير الدائم الذي قال الله عنه: (ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل: ٩٦].
ليس هذا فقط بل (ﯦ ﯧ ﯨ) والذين هادوا: هم اليهود، عاقبهم الله عز وجل بتحريم هذه الأشياء، مع أنها حلال في ذاتها، وهذا تحريم خاص بهم42.
«وقد كان السلف الصالح يتجنبون قول: هذا حلال وهذا حرام إذا كان باجتهاد، وإنما يقولون: أكره هذا أو يستحب هذا»43.
ومن صور الكذب على الله: الافتراء على الله أنه حرم بعض الأنعام وحلل بعضها تقولًا عليه، قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأنعام: ١٤٤].
ومن صور التكذيب على الله: نسبة الشريك إليه في عبادته.
قال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [الكهف: ١٥].
وقال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الصف: ٧].
ثانيًا: التكذيب بآيات الله:
قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الأعراف: ٣٦].
أي: والذين كذبوا منكم بآياتنا التي تقص (ﯤ ﯥ) ولم يقبلوها، أولئك هم الخالدون في النار؛ لتكذيبهم واستكبارهم44.
وقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأنعام: ٤-٥ ].
أي: إن المشركين المكذبين المعاندين مهما أتتهم من دلالة ومعجزة وحجة من الدلالات على وحدانية الله وصدق رسله الكرام فإنهم يعرضون عنها فلا ينظرون إليها ولا يبالون بها45.
«وإنهم لما أعرضوا عن القرآن وكذبوا به فكيف لا يعرضون عن غيره؟!»46 مع أنه أعظم آية وأكبرها، بدلـيل أنهم تحدوا به فعجزوا عنه حين جاءهم، وتكذيبـهم فيه دلالة على قلة خوفهم وتقديرهم للعواقب47.
وسوف يعاقبون على تكذيبهم وما وقع منهم من الاستهزاء، وفي لفظ الأنباء: إيذان بغاية العظم لما أن النبأ لا يطلق إلا على خبر عظيم الوقع، أي: سيظهر لهم ما كانوا به يستهزئون عند نزول العذاب بهم في الدنيا والآخرة48.
وهذه رتب ثلاث صدرت من هؤلاء الكفار: الإعراض عن تأمل الدلائل، ثم أعقب الإعراض التكذيب، وهو أزيد من الإعراض، إذ المعرض قد يكون غافلًا عن الشيء، ثم أعقب التكذيب الاستهزاء، وهو أزيد من التكذيب، إذ المكذب قد لا يبلغ إلى حد الاستهزاء، وهذه هي المبالغة في الإنكار49.
وقال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الزمر: ٣٢].
أي: لا أحد أظلم ممن كذب على الله عز وجل بأن له ولدًا وشريكًا، أو كذب بالتوحيد والقرآن، فلا أحد أظلم من هذا؛ لأنه جمع بين طرفي الباطل كذب على الله وكذب بالقرآن؛ ولهذا جاء الوعيد لهم سريعًا50.
ثالثًا: التكذيب بالكتب:
قال تعالى: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [غافر: ٧٠ - ٧٢].
يقول تعالى: لا تعجب يا محمد من هؤلاء المكذبين بآيات الله، ويجادلون في الحق والباطل، كيف تصرف عقولـهم عن الهدى إلى الضلال، وكذبوا بالقرآن أو بجنس الكتب السماوية وبما أرسلنا به رسلنا من سائر الكتب أو الوحي والشرائع.
(ﮓ ﮔ) هذا تهديد شديد، ووعيد أكيد من الرب جل جلاله لهؤلاء51، كما قال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ) [الطور: ١١].
(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) كقوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الرحمن: ٤٣ - ٤٤].
يقال لهم ذلك على وجه التقريع والتوبيخ، والتحقير والتصغير والتهكم والاستهزاء بهم52.
ثم توعد من كذب بالقرآن فقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [القلم: ٤٤].
يعني: القرآن، وهذا تهديدٌ شديدٌ أي: دعني وإياه مني ومنه أنا أعلم به منه كيف أستدرجه وأمده في غيه وأنظر ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر53.
«وهو تهديد مزلزل، والجبار القهار القوي المتين يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: خل بيني وبين من يكذب بهذا الحديث. وذرني لحربه فأنا به كفيل، ومن هو هذا الذي يكذب بهذا الحديث؟
إنه ذلك المخلوق الصغير الهزيل المسكين الضعيف! هذه النملة المضعوفة. بل هذه الهباءة المنثورة، بل هذا العدم الذي لا يعني شيئًا أمام جبروت الجبار القهار العظيم فيا محمد خل بيني وبين هذا المخلوق. واسترح أنت ومن معك من المؤمنين. فالحرب معي لا معك ولا مع المؤمنين. الحرب معي. وهذا المخلوق عدوي، وأنا سأتولى أمره فدعه لي، وذرني معه، واذهب أنت ومن معك فاستريحوا!أي هول مزلزل للمكذبين؟! وأي طمأنينة للنبي والمؤمنين المستضعفين؟!»54.
رابعًا: تكذيب الرسل:
١. تكذيب قوم نوح.
أخبر سبحانه وتعالى في كتابه أن قوم نوح كذبوه، فكانوا بهذا مكذبين لجميع الرسل؛ لأن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل.
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الشعراء: ١٠٥].
ومن صور تكذيبهم:
وهم يعنون بالأرذلين الفقراء، وهم السابقون إلى إجابة الرسل والرسالات، وإلى الإيمان والاستسلام، لا يصدهم عن الهدى كبرياء فارغ ولا خوف على مصلحة أو مكانة، والكبراء دائما يقولون عن الفقراء: إن عاداتهم وأخلاقهم لا ترضي العلية من القوم، ولا تطاق في أوساط الطبقة الراقيـة، فنوح يقول لهم: إنه لا يطلب إلى الناس شيئًا إلا الإيمان، وقد آمنوا، فأما عملهم فموكول إلى الله، وهو الذي يزنه ويقدره ويجزيهم على الحسنات والسيئات، وتقدير الله هو الصحيح55.
٢. تكذيب قوم هود.
أخبر سبحانه وتعالى في كتابه أن قوم نوح كذبوه، فكانوا بهذا مكذبين لجميع الرسل؛ لأن كل رسول يأمر بتصديق جميع الرسل؛ ولاتحاد دعوتهم في أصولها وغايتها، قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ) [الشعراء: ١٢٣].
ومن صور تكذيب قوم هود:
٣. تكذيب قوم فرعون لموسى وهارون عليهما السلام.
أخبر سبحانه وتعالى أنه أرسل موسى وهارون إلى فرعون وقومه، فكذبوهما فيما جاء به، فكانوا من المهلكين بالغرق في البحر، قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [المؤمنون: ٤٥- ٤٨].
ومن صور تكذيب قوم فرعون:
ويظهر مما سبق: «مدى المشقة التي واجهها موسى عليه السلام في دعوة فرعون وقومه»70، «ولم تنفع فرعون وقومه الموعظة الحسنة من موسى عليه السلام، بل ازدادوا علوًا في الأرض وطغيانًا، وتعذيبًا للمؤمنين»71.
٤. تكذيب قوم شعيب.
أخبر سبحانه وتعالى في كتابه أن قوم شعيب كذبوه.
قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الشعراء: ١٧٦]. والأيكة: الشجر الملتف72.
ومن صور تكذيبهم:
وبعد أن سدوا منافذ الهداية في وجوههم، وسلكوا سبل الضلال بما لا رجعة لهم إلى طريق الهدى، مع الاستهزاء والاغترار بالقوة، قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [هود: ٩١].
مع التحدي لشعيب، قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الشعراء: ١٨٧].
أوكلهم شعيب على أعمالهم، وسار هو والذين آمنوا معه على نهجهم، وتوعد المكذبين بالعذاب.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [هود: ٩٣].
وفوض أمره إلى العزيز العظيـم، قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الأعراف: ٨٩].
و(ﮊ ﮋﮌﮍ) في أمورنا ما نأتي منها وما نذر، ربنا احكم بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم وأنت خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجور أبدًا81.
٥. تكذيب المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى مسليًا رسوله صلى الله عليه وسلم: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [آل عمران: ١٨٤].
جاء الخطاب القرآني الموجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تسلية وتأسيًا له على تكذيب قومه له فحاله مع قومه كحال الرسل السابقين مع قومهم، فلا تعجب ولا تحزن إن كذبوك؛ لأن هذه عادة قديمة في الأمم مع الرسل، وليس ذلك لنقص فيما جئت به82.
من صور التكذيب قول المشركين: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم اختلق الكذب على الله، فجاء بالذي يتلوه علينا اختلاقًا من عند نفسه، كما قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الشورى: ٢٤].
قال السعدي رحمه الله: «يعني أم يقول المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم جرأة منهم وكذبًا: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) فرموك بأشنع الأمور وأقبحها، وهو الافتراء على الله بادعاء النبوة والنسبة إلى الله ما هو بريء منه، وهم يعلمون صدقك وأمانتك، فكيف يتجرءون على هذا الكذب الصراح؟ بل تجرءوا بذلك على الله تعالى، فإنه قدح في الله، حيث مكنك من هذه الدعوة العظيمة، المتضمنة -على موجب زعمهم- أكبر الفساد في الأرض، حيث مكنه الله من التصريح بالدعوة، ثم بنسبتها إليه، ثم يؤيده بالمعجزات الظاهرات، والأدلة القاهرات، والنصر المبين، والاستيلاء على من خالفه، وهو تعالى قادر على حسم هذه الدعوة من أصلها ومادتها، وهو أن يختم على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فلا يعي شيئًا ولا يدخل إليه خير، وإذا ختم على قلبه انحسم الأمر كله وانقطع.
فهذا دليل قاطع على صحة ما جاء به الرسول، وأقوى شهادة من الله له على ما قال، ولا يوجد شهادة أعظم منها ولا أكبر، ولهذا من حكمته ورحمته وسنته الجارية أنه يمحو الباطل ويزيله، وإن كان له صولة في بعض الأوقات، فإن عاقبته الاضمحلال83.
إذن فهي شبهة لا قوام لها. وزعم لا يقوم على أساس. ودعوى تخالف المعهود عن علم الله بالسرائر، وعن قدرته على ما يريد، وعن سنته في إقرار الحق وإزهاق الباطل، وإذن فهذا الوحي حق، وقول محمد صدق وليس التقول عليه إلا الباطل والظلم والضلال.
وفي قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنعام: ٣٣].
«يقول تعالى مسليًا لنبيه صلى الله عليه وسلم في تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) أي: قد أحطنا علمًا بتكذيبهم لك، وحزنك وتأسفك عليهم، كقوله: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ) [فاطرٍ: ٨].
كما قال تعالى في الآية الأخرى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الشعراء: ٣].
(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)[الكهف: ٦].
وقوله: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)، أي: لا يتهمونك بالكذب في نفس الأمر (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) أي: ولكنهم يعاندون الحق، ويدفعونه بصدورهم»84.
روى الحاكم بسنده عن علي، قال: قال أبو جهلٍ للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب ما جئت به، فأنزل الله: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)85.
خامسًا: الكذب في إبداء الأعذار للتخلف عن الجهاد:
قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[التوبة٤٢ -٤٣].
«يقول تعالى موبخًا للذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وقعدوا بعد ما استأذنوه في ذلك مظهرين أنهم ذووا أعذارٍ ولم يكونوا كذلك فقال: (ﭢ ﭣﭤ ﭥ) قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: غنيمةٌ قريبةٌ (ﭦ ﭧ) أي: قريبًا أيضًا، (ﭨ) أي: لكانوا جاءوا معك لذلك (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) أي: المسافة إلى الشام، (ﭮ ﭯ) أي: لكم إذا رجعتم إليهم (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) أي: لو لم يكن لنا أعذارٌ لخرجنا معكم»86.
كشف الله كذبهم وفضحهم؛ لأن الأعمال الشاقة تحتاج إلى رجال أشداء يبذلون النفس والنفيس في سبيل تحقيق المبادئ وإرساء دعائم الحق، أما المتهاونون أمام الشدائد لا يصلحوا لصد عدو ولا لبناء أمة، والقرآن يقص علينا أمثال هؤلاء؛ حتى نكون منهم على حذر «فكثيرون هم أولئك الذين يتهاوون في الطريق الصاعد إلى الآفاق الكريمة. كثيرون أولئك الذين يجهدون لطول الطريق فيتخلفون عن الركب، ويميلون إلى عرض تافه أو مطلب رخيص، كثيرون تعرفهم البشرية في كل زمان وفي كل مكان، فما هي قلة عارضة، إنما هي النموذج المكرور، وإنهم ليعيشون على حاشية الحياة، وإن خيل إليهم أنهم بلغوا منافع ونالوا مطالب، واجتنبوا أداء الثمن الغالي، فالثمن القليل لا يشتري سوى التافه الرخيص (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) فهو الكذب المصاحب للضعف أبدًا، وما يكذب إلا الضعفاء، أجل ما يكذب إلا ضعيف ولو بدا في صورة الأقوياء الجبارين في بعض الأحايين، فالقوي يواجه والضعيف يداور، وما تتخلف هذه القاعدة في موقف من المواقف ولا في يوم من الأيام (ﭴ ﭵ) بهذا الحلف وبهذا الكذب، الذي يخيل إليهم أنه سبيل النجاة عند الناس، والله يعلم الحق، ويكشفه للناس، فيهلك الكاذب في الدنيا بكذبه، ويهلك في الآخرة يوم لا يجدي النكران»87.
وفي الآية دلالةٌ على أن تعمد اليمين الفاجرة يفضي إلى الهلاك.
سادسًا: الكذب في إسناد الأقوال والأفعال لغير فاعلها:
أخبر سبحانه وتعالى في سورة يوسف أن إخوته كذبوا على أبيهم، وأوهموه أن الذئب أكله.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [يوسف: ١٧].
يقول تعالى مخبرًا عن الذي اعتمده إخوة يوسف بعد ما ألقوه في غيابة الجب، ثم رجعوا إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون ويظهرون الأسف والجزع على يوسف ويتغممون لأبيهم، وقالوا معتذرين عما وقع فيما زعموا: (ﭫ ﭬ ﭭ) أي: نترامى، (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) أي: ثيابنا وأمتعتنا (ﭲ ﭳ) وهو الذي كان قد جزع منه وحذر عليه.
وقوله: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) تلطفٌ عظيمٌ في تقرير ما يحاولونه، يقولون: ونحن نعلم أنك لا تصدقنا والحالة هذه لو كنا عندك صادقين، فكيف وأنت تتهمنا في ذلك؛ لأنك خشيت أن يأكله الذئب، فأكله الذئب، فأنت معذورٌ في تكذيبك لنا لغرابة ما وقع، وعجيب ما اتفق لنا في أمرنا هذا، أي: مكذوبٍ مفترى، وهذا من الأفعال التي يؤكدون بها ما تمالؤوا عليه من المكيدة، وهو أنهم عمدوا إلى سخلةٍ88، فذبحوها ولطخوا ثوب يوسف بدمها، موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب، وقد أصابه من دمه، ولكنهم نسوا أن يخرقوه؛ فلهذا لم يرج هذا الصنيع على نبي الله يعقوب.
بل قال لهم معرضًا عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من لبسهم عليه: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ) [يوسف: ١٨ ]أي: فسأصبر صبرًا جميلًا على هذا الأمر الذي اتفقتم عليه حتى يفرجه الله بعونه ولطفه (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) أي: على ما تذكرون من الكذب والمحال89.
أدرك يعقوب عليه السلام من دلائل الحال، ومن نداء قلبه، أن يوسف لم يأكله الذئب، وأنهم دبروا له مكيدةً ما. وأنهم يلفقون له قصة لم تقع، ويصفون له حالًا لم تكن، فواجههم بأن نفوسهم قد حسنت لهم أمرًا منكرًا وذللته ويسرت لهم ارتكابه وأنه سيصبر متحملًا متجملًا لا يجزع ولا يفزع ولا يشكو، مستعينًا بالله على ما يلفقونه من حيل وأكاذيب.
ثم اتهموا يوسف عليه السلام بالسرقة كما قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [يوسف: ٧٧].
أي: إن سرق هذا فقد سرق أخ شقيق له من قبل -يقصدونه عليه السلام - فأخفى يوسف في نفسه ما سمعه، وحدث نفسه قائلًا: أنتم أسوأ منزلة ممن ذكرتم، حيث دبرتم لي ما كان منكم (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) من الكذب والافتراء.
هكذا أسند أخوة يوسف بالكذب إلى الذئب أكل يوسف، ثم أسندوا له السرقة مفترين عليه.
حذر القرآن الكريم من عاقبة الكذب وآثاره سواء كانت على الكاذب أو على المجتمع:
أولًا: آثار الكذب على الكاذب:
١. الضلال.
قرن سبحانه وتعالى بين الكذب والضلال في مواضع من كتابه فقال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنعام: ٢٤].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الواقعة: ٥١].
وقال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الواقعة: ٩٢].
خاطب سبحانه أصحاب الشمال فقال: «أيها الذين ضللتم فأصررتم على الذنب العظيم، إذ لم توحدوا الله ولم تفعلوا ما يوجب تعظيمه، ثم كذبتم رسله، فأنكرتم البعث والجزاء في هذا اليوم- إنكم لآكلون من شجر الزقوم، فمالئون منها بطونكم، فشاربون بعد ذلك من ماء حار لغلبة العطش عليكم، ولكنه شرب لا يشفي الغليل، ومن ثم تشربون ولا ترتوون، فكأنكم الإبل التي أصيبت بداء الهيام، فلا يروي لها الماء غليلًا»90.
وقد قدم الضالين: (ﭔ ﭕ) وفي آخر السورة قدم المكذبين: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) قال الرازي رحمه الله: «وذلك أن المراد من الضالين هاهنا هم الذين صدر منهم الإصرار على الحنث العظيم، فضلوا في سبيل الله ولم يصلوا إليه ولم يوحدوه، وذلك ضلالٌ عظيمٌ، ثم كذبوا رسله وقالوا: (ﮜ ﮝ) فكذبوا بالحشر، فقال: (ﭓ ﭔ) الذين أشركتم المكذبون الذين أنكرتم الحشر؛ لتأكلوا ما تكرهون.
وأما هناك فقال لهم: أيها (ﭕ) الذين كذبتم بالحشر (ﭔ) في طريق الخلاص الذين لا يهتدون إلى النعيم، وفيه وجهٌ آخر وهو أن الخطاب هنا مع الكفار فقال: يا أيها الذين ضللتم أولًا وكذبتم ثانيًا، والخطاب في آخر السورة مع محمدٍ صلى الله عليه وسلم يبين له حال الأزواج الثلاثة فقال: (ﯚ) في روحٍ وريحانٍ وجنة ونعيم، (ﮃ ﮄ) في سلامٍ.
وأما (ﭕ) الذين كذبوا فقد ضلوا فقدم تكذيبهم إشارةً إلى كرامة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، حيث بين أن أقوى سببٍ في عقابهم تكذيبهم، والذي يدل على أن الكلام هناك مع محمدٍ صلى الله عليه وسلم قوله: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الواقعة: ٩١]91.
وقال ابن عاشور رحمه الله: «قدم وصف (ﭔ) على وصف (ﭕ) مراعاةً لترتيب الحصول؛ لأنهم ضلوا عن الحق فكذبوا بالبعث ليحذروا من الضلال ويتدبروا في دلائل البعث.
وقدم وصف التكذيب على وصف الضلال؛ لمراعاة سبب ما نالهم من العذاب وهو التكذيب؛ لأن الكلام هنا على عذابٍ قد حان حينه وفات وقت الحذر منه فبين سبب عذابهم، وذكروا بالذي أوقعهم في سببه ليحصل لهم ألم التندم»92.
٢. الخسران:
قرن الله بين الكذب والخسران، قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الأنعام: ٣١].
وقال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الأعراف: ٩٢].
وقال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [يونس٩٥].
فرتب على الكذب الخسار، وهو عدم الربح أصلا وذلك بفوات الثواب في الدنيا والآخرة.
٣. حبوط الأعمال.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأعراف: ١٤٧].
أي: (ﮜ ﮝ) بآيات الله وحججه وبلقاء الله في الآخرة (ﮡ ﮢ) بسبب فقد شرطها، وهو الإيمان بالله والتصديق بجزائه، ما يجزون في الآخرة (ﮦ) جزاء (ﮧ ﮨ) يعملونه في الدنيا من الكفر والمعاصي، وهو الخلود في النار.
٤. الاستدراج.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الأعراف: ١٨٢].
أي: (ﮌ ﮍ ﮎ) فجحدوها، ولم يتذكروا بها، سنفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا؛ استدراجًا لهم حتى يغتروا بما هم فيه ويعتقدوا أنهم على شيء، ثم نعاقبهم على غرة من حيث لا يعلمون، وهذه عقوبة من الله على التكذيب بحجج الله وآياته.
٥. الإهلاك.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الأنفال: ٥٤].
أي: شأن هؤلاء الكافرين في ذلك كشأن آل فرعون الذين كذبوا موسى، وشأن الذين كذبوا رسلهم من الأمم السابقة فأهلكهم الله بسبب ذنوبهم، وأغرق آل فرعون في البحر، وكل منهم كان فاعلًا ما لم يكن له فعله من تكذيبهم رسل الله وجحودهم آياته، وإشراكهم في العبادة غيره.
٦. عدم الهداية.
قرن سبحانه بين الكذب وعدم الهداية فقال: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [الزمر: ٣].
يقول تعالى ذكره: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) إلى الحق ودينه الإسلام، والإقرار بوحدانيته، فيوفقه له (ﮥ ﮦ ﮧ) مفتر على الله، يتقول عليه الباطل، ويضيف إليه ما ليس من صفته، ويزعم أن له ولدا؛ افتراء عليه، وكفرا لنعمه، وجحودًا لربوبيته93.
وهداية الله المنفية عنهم هي: الهداية التكوينية لا الهداية بمعنى الإرشاد والتبليغ، وهو ظاهرٌ، فالمراد نفي عناية الله بهم، أي: العناية التي بها تيسير الهداية عليهم حتى يهتدوا، أي: لا يوفقهم الله بل يتركهم على رأيهم غضبًا عليهم. والتعبير عنهم بطريق الموصولية؛ لما في الموصول من الصلاحية؛ لإفادة الإيماء إلى علة الفعل ليفيد أن سبب حرمانهم التوفيق هو كذبهم وشدة كفرهم94.
وفي قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [غافر: ٢٨].
فالشرك من الإسراف، وسفك الدم بغير حق من الإسراف، وقد كان مجتمعًا في فرعون الأمران كلاهما.
٧. مثواه جهنم في الآخرة.
قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)[الأعراف: ٣٦].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [المائدة: ١٠].
وآيات الله تعالى قسمان: آياته المنزلة على رسوله، وآياته التي أقامها في الأنفس والآفاق؛ للدلالة على وحدانيته وكماله وتنزيهه، وعلى صدق رسله فيما يبلغون عنه، فهؤلاء الكفار المكذبون هم أصحاب الجحيم، أي: دار العذاب النار العظيمة95.
وأخبر سبحانه أن الكفار الذين لم يصدقوا بحججه وآياته الدالة على وحدانيته، ولم يعملوا بشرعه تكبرًا واستعلاءً، لا تفتح لأعمالهم في الحياة ولا لأرواحهم عند الممات أبواب السماء، ولا يمكن أن يدخل هؤلاء الكفار الجنة.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الأعراف:٤٠].
وأخبر سبحانه أنه أعد لمن كذب بالساعة نارًا حارة تسعر بهم، قال تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الفرقان:١١].
ثانيًا: آثار الكذب على المجتمع:
من أعظم آثار الكذب هو فقدان الثقة وتفكيك الأواصر بين أفراد المجتمع المسلم، والنموذج الذي حكاه لنا القرآن كأثر من آثار الكذب هو حادث الإفك الذي قال الله فيه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [ينظر الآيات: من١١إلى ٢١ من سورة النور: ].
فهذا الحادث العظيم قد كلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية كلها آلامًا لا تطاق، وكلف الأمة المسلمة كلها تجربة من أشق التجارب في تاريخها الطويل، وعلق قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلب زوجه عائشة التي يحبها، وقلب أبي بكر الصديق وزوجه، وقلب صفوان بن المعطل شهرًا كاملًا، علقها بحبال الشك والقلق والألم الذي لا يطاق.
وقد حكت السيدة عائشة رضي الله عنها الحادث فيما رواه البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها معه، فأقرع بيننا في غزاةٍ غزاها، فخرج سهمي، فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجٍ، وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك، وقفل ودنونا من المدينة آذن ليلةً بالرحيل.
فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقدٌ لي من جزع أظفارٍ قد انقطع، فرجعت، فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، فأقبل الذين يرحلون لي، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم، وإنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج، فاحتملوه وكنت جاريةً حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحدٌ، فأممت منزلي الذي كنت به، فظننت أنهم سيفقدونني، فيرجعون إلي.
فبينا أنا جالسةٌ غلبتني عيناي، فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسانٍ نائمٍ، فأتاني وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته فوطئ يدها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة.
فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبيٍ ابن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت بها شهرًا والناس يفيضون من قول أصحاب الإفك، ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض، إنما يدخل فيسلم، ثم يقول: (كيف تيكم؟) لا أشعر بشيءٍ من ذلك حتى نقهت، فخرجت أنا وأم مسطحٍ قبل المناصع متبرزنا لا نخرج إلا ليلًا إلى ليلٍ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبًا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزه، فأقبلت أنا وأم مسطحٍ بنت أبي رهمٍ نمشي، فعثرت في مرطها، فقالت: تعس مسطحٌ، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلًا شهد بدرًا، فقالت: يا هنتاه، ألم تسمعي ما قالوا؟
فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضًا على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم فقال: (كيف تيكم؟)، فقلت: ائذن لي إلى أبوي، قالت: وأنا حينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت أبوي فقلت لأمي: ما يتحدث به الناس؟ فقالت: يا بنية هوني على نفسك الشأن، فوالله لقلما كانت امرأةٌ قط وضيئةٌ عند رجلٍ يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها.
فقلت: سبحان الله، ولقد يتحدث الناس بهذا، قالت: فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمعٌ، ولا أكتحل بنومٍ، ثم أصبحت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالبٍ، وأسامة بن زيدٍ حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة، فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم.
فقال أسامة: أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيرًا، وأما علي بن أبي طالبٍ فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثيرٌ، وسل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: (يا بريرة هل رأيت فيها شيئًا يريبك؟)، فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إن رأيت منها أمرًا أغمصه عليها قط، أكثر من أنها جاريةٌ حديثة السن، تنام عن العجين، فتأتي الداجن فتأكله.
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه، فاستعذر من عبد الله بن أبيٍ ابن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يعذرني من رجلٍ بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، وقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي).
فقام سعد بن معاذٍ، فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك.
فقام سعد بن عبادة -وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلًا صالحًا ولكن احتملته الحمية- فقال: كذبت لعمر الله، لا تقتله، ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن حضيرٍ فقال: كذبت لعمر الله، والله لنقتلنه، فإنك منافقٌ تجادل عن المنافقين.
فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فنزل، فخفضهم حتى سكتوا، وسكت.
وبكيت يومي لا يرقأ لي دمعٌ، ولا أكتحل بنومٍ، فأصبح عندي أبواي، وقد بكيت ليلتين ويومًا حتى أظن أن البكاء فالقٌ كبدي، قالت: فبينا هما جالسان عندي، وأنا أبكي، إذ استأذنت امرأةٌ من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها، وقد مكث شهرًا لا يوحى إليه في شأني شيءٌ.
قالت: فتشهد ثم قال: (يا عائشة، فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئةً، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنبٍ، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب تاب الله عليه).
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرةً، وقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وأنا جاريةٌ حديثة السن، لا أقرأ كثيرًا من القرآن، فقلت: إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس، ووقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم إني بريئةٌ، والله يعلم إني لبريئةٌ لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمرٍ، والله يعلم أني بريئةٌ لتصدقني، والله ما أجد لي ولكم مثلًا، إلا أبا يوسف؛ إذ قال: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [يوسف: ١٨].
ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحيًا، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله، فوالله ما رام مجلسه ولا خرج أحدٌ من أهل البيت، حتى أنزل عليه الوحي.
فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يومٍ شاتٍ، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكان أول كلمةٍ تكلم بها، أن قال لي: (يا عائشة احمدي الله، فقد برأك الله) فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا والله، لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، فأنزل الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ) الآيات، فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطحٍ شيئًا أبدًا بعد ما قال لعائشة، فأنزل الله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) إلى قوله: (ﮒ ﮓ ﮔ) [النور: ٢٢].
فقال أبو بكرٍ: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطحٍ الذي كان يجري عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحشٍ عن أمري، فقال: (يا زينب، ما علمت ما رأيت؟) فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيرًا، قالت: وهي التي كانت تساميني، فعصمها الله بالورع)96.
إن أصل تدبير هذا الحادث الأليم قامت به عصبة على رأسها عبد الله بن أبي ابن سلول، الحذر الماكر، الذي لم يظهر بشخصه في المعركة. ولم يقل علانية ما يؤخذ به فيقاد إلى الحد.
وهكذا دائمًا الأفاكون يدبرون ولا يظهرون، ويدفعون إلى نشر إفكهم من ينقلون بألسنتهم ولا يفكرون بعقولهم، و لا يمررون الأمر على قلوبهم، ولا يزنون ما ينقلون بالميزان الذاتي كما فعل أبو أيوب رضي الله عنه فعن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن بعض رجال بني النجار أن أبا أيوب خالد بن زيدٍ قالت له امرأته أم أيوب: «أما تسمع ما يقول الناس في عائشة؟ قال: بلى، وذلك الكذب، أكنت فاعلةً ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله، ما كنت لأفعله. قال: فعائشة والله خيرٌ منك. قال: فلما نزل القرآن، ذكر الله من قال في الفاحشة ما قال من أهل الإفك: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ) وذلك حسان وأصحابه الذين قالوا ما قالوا، ثم قال: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النور: ١٢].
أي: كما قال أبو أيوب وصاحبته»97.
فهذا الحادث أدى لمدة شهر إلى فقدان ثقة المسلمين بعضهم في بعض، كما أدى إلى تفكيك أواصر المحبة التي أنعم الله بها على المؤمنين، ولولا فضل الله على المؤمنين بتبرئة أم المؤمنين عائشة، والصحابي الجليل صفوان بن المعطل؛ لاستمر فقدان الثقة وتفكك الأواصر بين المسلمين مما يهدد كيان الدولة المسلمة الناشئة.
إن الحادث لعظيم، وإن الخطأ لجسيم، وإن الشر الكامن فيه لخليق أن يصيب الدولة المسلمة الناشئة كلها بالسوء، ولكن فضل الله ورحمته، ورأفته ورعايته ذلك ما وقاهم السوء.
٢. وقوع المظالم، وضياع الحقوق.
ظلم يوسف عندما ادعت امرأة عزيز مصر أنه أراد بها سوءًا، قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [يوسف: ٢٥].
قال السعدي رحمه الله: «هذه المحنة العظيمة أعظم على يوسف من محنة إخوته، وصبره عليها أعظم أجرًا؛ لأنه صبر اختيار مع وجود الدواعي الكثيرة لوقوع الفعل، فقدم محبة الله عليها، وأما محنته بإخوته فصبره صبر اضطرار، بمنزلة الأمراض والمكاره التي تصيب العبد بغير اختياره وليس له ملجأ إلا الصبر عليها، طائعًا أو كارهًا، وذلك أن يوسف عليه الصلاة والسلام بقي مكرمًا في بيت العزيز، وكان له من الجمال والكمال والبهاء ما أوجب ذلك.
ولما امتنع من إجابة طلبها بعد المراودة الشديدة، ذهب ليهرب عنها ويبادر إلى الخروج من الباب ليتخلص، ويهرب من الفتنة، فبادرت إليه، وتعلقت بثوبه، فشقت قميصه، فلما وصلا إلى الباب في تلك الحال، ألفيا سيدها، أي: زوجها لدى الباب، فرأى أمرًا شق عليه، فبادرت إلى الكذب،أن المراودة قد كانت من يوسف، وقالت: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) ولم تقل: (من فعل بأهلك سوءًا) تبرئة لها وتبرئة له أيضًا من الفعل. وإنما النزاع عند الإرادة والمراودة (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) أي: أو يعذب عذابا أليمًا.
فبرأ نفسه مما رمته به، وقال: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ) فحينئذ احتملت الحال صدق كل واحد منهما ولم يعلم أيهما.
ولكن الله تعالى جعل للحق والصدق علامات وأمارات تدل عليه، قد يعلمها العباد وقد لا يعلمونها، فمن الله في هذه القضية بمعرفة الصادق منهما، تبرئة لنبيه وصفيه يوسف عليه السلام، فانبعث شاهد من أهل بيتها يشهد بقرينة من وجدت معه، فهو الصادق، فقال: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [يوسف: ٢٦] لأن ذلك يدل على أنه هو المقبل عليها، المراود لها المعالج، وأنها أرادت أن تدفعه عنها فشقت قميصه من هذا الجانب.
(ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [يوسف: ٢٧] لأن ذلك يدل على هروبه منها، وأنها هي التي طلبته فشقت قميصه من هذا الجانب.
(ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [يوسف: ٢٨].
عرف بذلك صدق يوسف وبراءته، وأنها هي الكاذبة»98.
موضوعات ذات صلة: |
الافتراء، الزور، الصدق، اللعن |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/١٦٨، المصباح المنير، الفيومي، ٢/٥٢٨.
2 التعريفات، ص٧٤، وانظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص٩٥٢.
3 الكليات، ص٧٤٢.
4 انظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها، الميداني ١/٥٣٠.
5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٥٩٨-٦٠٢، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص١٠١٤-١٠١٩.
6 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١/٧٠٤-٧١١، الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٤٠١، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٤/٣٣٨-٣٤٠.
7 مقاييس اللغة، ٣/٢٦.
8 جامع البيان ١٩/٣١٤.
9 الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص٤٧.
10 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٥/١٥٤.
11 انظر: مقاليد العلوم، السيوطي ص ٢٠٧، الكليات، أبو البقاء الكفوي، ص١٥٤.
12 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص٤٥٠.
13 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٩٣١.
14 انظر: الكليات، الكفوي ص ١٥٣.
15 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص٤٥١.
16 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٠٠٠.
17 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/١٤٨.
18 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٨٤، الكليات، الكفوي ص ٢٢٦.
19 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص٤٥٠.
20 التحرير والتنوير، ابن عاشور: ٣٠/٢٥٢.
21 مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/١٢٠.
22 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب علامةالمنافق، رقم ٣٣.
23 نقل النووي في شرحه على مسلم ٢/٤٧ عن الترمذي قوله: إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل.
24 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٤٥
25 البحر المحيط، أبو حيان ٤/٤٦٣.
26 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/١٠٦٣.
27 التحرير والتنوير ٢٨/١٨٨.
28 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٨/٣٦٥.
29 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٦٤.
30 المصدر السابق ١٧/٣١٠.
31 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم: باب قول الله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين)، رقم ٢٤٤١.
32 مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/٢٨٢.
33 في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٨٠٧.
34 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٢٣.
35 جامع البيان، الطبري ٩/١٦٧.
36 مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٨٨.
37 تفسير الراغب الأصفهاني ٢/٧٢٣.
38 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٢٧٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢١١.
39 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٢٧٣، فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٠٢٠.
40 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٢٧٤، روح المعاني، الألوسي ٧/٢٢٢.
41 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٣٧٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/١٩٦.
42 انظر: تفسير مجاهد ١/٣٥٤، الدر المنثور، السيوطي ٥/١٧٥.
43 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/١٩٦.
وانظر: الجواهر الحسان، الثعالبي ٢/٣٢٥.
44 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٨، روح المعاني، السيوطي ٨/١١٥.
45 انظر: تفسير القران العظيم، ابن كثير ٢/١٦٩، أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٣٩٢.
46 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٣٩٢، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/١١٠.
47 انظر: الأساس في التفسـير، سعيد حوى ٣/١٥٧٨.
48 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٣٩٢.
49 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٦، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/١٢٨.
50 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/١٢٧، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل، ١٦/٥١٢- ٥١٣، التفسير الإسلامي للتاريخ، عماد الدين خليل ص١١٦.
51 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١١٣، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/١٠١.
52 انظر: إعجاز القرآن ، الباقلاني ١/١١، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/١٠١.
53 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢١٧.
54 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٦٦٨.
55 انظر: المصدر السابق ٤/٢٦٠٧ - ٢٦٠٨.
56 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٣١٦، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٣٧ - ٢٣٨.
57 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٤٩، روح المعاني، الألوسي ٨/١٥٥.
58 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٥/٤٧١، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١١٢.
59 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٣٨.
60 دعوة الرسل إلى الله تعالى، محمد العدوي ص٢٥.
61 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٤١.
62 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٢٥، اليهود في القرآن، عبد الفتاح طبارة ص١٩٢.
63 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير ١/٢٥١.
64 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٦٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٧٨.
65 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٧٧، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/٢٧٣.
66 فتح القدير، الشوكاني ٤/١٤١.
67 الاستحياء: الإبقاء حيًا.
انظر: التبيان في تفسير غريب القرآن ١/٨٥.
68 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٧٧، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٧/٢٧٣.
69 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٧/٢١٦، السنن الإلهية في الحياة الإنسانية ٢/٨٦٢.
70 انظر: مع الأنبياء في القران الكريم ص٢٣٧، القصص القرآني عرض وقائع وتحليل أحداث، صلاح الخالدي ٣/١٠٤.
71 مع الأنبياء في القرآن الكريم ص٢٣٧.
72 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٧٣٣.
73 انظر: المصدر السابق ٢/٢٣٢ -٢٣٣.
74 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/١٢٣-١٢٤، دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني ص٢٦٢.
75 جامع البيان، الطبري ٦/٥.
76 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٣٣.
77 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٤٠.
78 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢٢٣.
79 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٣٢٨، سنن الله في عقاب الأمم ص٣٥.
80 دعوة الرسل إلى الله ص١٥٦.
وانظر: دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني، أحمد العمري ص٢٦١.
81 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٣٣.
82 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٨/٢٢، تفسير الشعراوي ٣/١٩٢٢.
83 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٥٨.
84 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٢٤.
85 المستدرك على الصحيحين، تفسير سورة الأنعام، رقم ٣٢٣٠.
قال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
86 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٣٩.
87 في ظلال القرآن ٣/١٦٦٢.
88 السخلة: ولد الشاة من المعز والضأن، ذكرا كان أم أنثى.
89 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٢٢.
90 تفسير المراغي ٢٧/١٤٣.
91 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٤١٤.
92 التحرير والتنوير، ابن كثير ٢٧/٣٠٩.
93 جامع البيان، الطبري ٢١/٢٥٢.
94 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/٣٢٣.
95 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٦/٢٢٨.
96 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضًا، ٢٦٦١.
97 جامع البيان، الطبري ١٧/٢١٢.
98 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٩٦.