عناصر الموضوع
الكتمان
أولًا: المعنى اللغوي:
الخفاء والستر: وهو من كتمت الشيء: أكتمه كتما وكتمانا، ومنه سر كاتم، أي: مكتوم، واستكتمته سري: سألته أن يكتمه، ورجل كتمة، إذا كان يكتم سره، ومنه قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [غافر: ٢٨]. أي: يستره ويخفيه1.
قال ابن فارس: «كتم: الكاف والتاء والميم أصل صحيح يدل على إخفاء وستر، ومن ذلك كتمت الحديث كتما وكتمانا، قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النساء: ٤٢]»2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الكتمان هو: إخفاء الشيء وستره وترك إظهاره قصدًا، مع مساس الحاجة إليه، وتحقق الداعي إلى إظهاره، وذلك قد يكون بمجرد ستره وإخفائه، وقد يكون بإزالته ووضع شيءٍ آخر في موضعه3.
والكتمان يستعمل في المعاني، وهو أصل في ذلك، ومنه قوله تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة: ١٤٠].
فالشهادة معنى من المعاني، كما يستعمل في الأعيان، كقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة: ٢٢٨].
لأن ما يكتمن في أرحامهن هو الجنين وهو من الأعيان4.
العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي:
يلاحظ أن الكتمان لغة هو: الخفاء والستر، وقد استعمل القرآن الكريم هذا المعنى اللغوي للكتمان، وعلى ذلك وردت أقوال المفسرين في بيان هذه اللفظة، فلا فرق بين معنى الكتمان لغة مع معناه في الاصطلاح.
وردت مادة (كتم) في القرآن الكريم (٢١) مرة5.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١ |
( ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [البقرة:١٤٠] |
الفعل المضارع |
٢٠ |
(ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [غافر:٢٨] |
وجاء الكتمان في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي، وهو: ستر الحديث، يقال: كتمته كتمًا وكتمانًا، وكتمه تكتيمًا، واكتتمه: أخفاه6.
الإخفاء:
الإخفاء لغة:
الستر والكتمان، يقال: خفيت الشيء أخفيه: كتمته، وأخفيت الشيء: سترته وكتمته، ويقابله الإبداء والإعلان، والإخفاء: تغييب الشيء، وأن لا يجعل عليه علامة يهتدى إليه من جهتها، وهو من الأضداد7.
والإخفاء اصطلاحًا هو:
الستر ويقابله الإبداء والإعلان، والإخفاء تغييب الشيء، وأن لا يجعل عليه علامة يهتدى إليه من جهتها8.
الصلة بين الكتمان والإخفاء:
إن الكتمان هو: إخفاء المعاني والسكوت عن بيانها، ومنه قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [البقرة: ١٥٩]، أي: يسكتون عن ذكره، والإخفاء يكون في الأعيان وفي المعاني، والشاهد أنك تقول: أخفيت الدرهم في الثوب ولا تقول: كتمت ذلك، وتقول: كتمت المعنى وأخفيته، فالإخفاء أعم من الكتمان9.
السر:
السر لغة هو:
ما يكتم في النفس من الحديث، وهو خلاف الإعلان، والجمع الأسرار، يقال: سررته: كتمته، كما يطلق على: ما يظهر؛ لأنه من الأضداد، يقال: سررته: أعلنته، والوجهان جميعا في تفسير قوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يونس: ٥٤].
الأول: كتموها، والثاني: أظهروها بدليل قوله تعالى:(ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ) [الأنعام: ٢٧]؛ ولأن دار الآخرة ليست دار تجلد وتصبر10.
السر اصطلاحًا هو:
اسم لما يكتم ويخفى في القلوب من العقائد والنيات والأقوال والأعمال وغيرها11.
الصلة بين الكتمان والسر:
إن السر أعم من الكتمان؛ لأن الكتمان يختص بالمعاني غالبا كالإسرار والإخبار؛ ومنه قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة: ٢٢٨]، فقد نهى الله تعالى النساء عن كتمان ما في الأرحام، والسر يختص بالجثث والأعيان؛ لأن الأصل في السر تغطية الشيء بغطاء، ثم استعمل في غيرها تجوزا 12.
الإكنان:
الإكنان لغة:
الستر والتغطية والإخفاء13، ومنه قوله تعالى:(ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النحل: ٨١].
وقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [البقرة: ٢٣٥]؛ أي: أخفيتم، والأكنان: جمع كن، وهي: الأسراب والأماكن في الجبال، والأغطية، وكل ما يحفظ ويستر من المطر والريح وغير ذلك، ومنه قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأنعام: ٢٥] أي: أغطية 14.
الإكنان لغة:
وقاء كل شيء وستره، والكن: البيت أيضا، والجمع أكنان وأكنة، ومنه قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النحل: ٨١]، وأكن الشيء: ستره، ومنه قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [البقرة: ٢٣٥]؛ أي أخفيتم15، واكتنت المرأة: غطت وجهها وسترته حياء من الناس، والكنانة: جعبة السهام تتخذ من جلود لا خشب فيها أو من خشب لا جلود فيها16.
الإكنان اصطلاحًا هو:
الستر والتغطية، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي للإكنان عن المعنى اللغوي له17.
الصلة بين الإكنان والكتمان:
إن الكتمان يختص بالمعاني كالأسرار والأخبار؛ لأن الكتمان أصل فيهما كما سبق، والإكنان يختص بالجثث والأعيان؛ لأن الأصل في الإكنان تغطية الشيء بغطاء18.
الجهر:
الجهر لغة:
جهرت الشيء إذا كشفته، وجهرته واجتهرته أي: رأيته بلا حجاب بيني وبينه، والجهر العلانية وفي الحديث: (وكان عمر رجلًا مجهرًا)19 أي: صاحب جهرٍ ورفع لصوته، والجهر هو ما ظهر.
والجهر أيضًا: رفع الصوت يقال جهر بالقراءة إذا رفع صوته بها20.
الجهر اصطلاحًا:
هو «رفع الصوت بحيث يسمع نفسه ومن جاوره»21.
الصلة بين الجهر والكتمان:
أن الجهر خلاف الكتمان، وهو إظهار المعنى للنفس ورفع الصوت به 22.
إن الله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فيستوي في علمه المكتوم والعلن، ويظهر موضوع الكتمان وعلم الله تعالى في القرآن الكريم من خلال النقاط الآتية:
أولًا: سعة علم الله لكل شيء:
إن علم الله واسع وكامل وشامل، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم ما يلج في الأرض، وما يخرج منها، وما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، وهو بكل شيء عليم، والآيات الدالة على سعة علم الله بكل شيء كثيرة في كتاب الله العزيز ومنها:
قوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الأنعام: ٨٠].
وقوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الأعراف: ٨٩].
وقوله تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [طه: ٩٨].
والواسع من صفات الله تعالى وهو: الذى وسع رزقه جميع خلقه، ووسعت رحمته كل شىء، وهو الكثير العطاء، والذى يسع لما يسأل، والمحيط بكل شيءٍ، وفيه إشارة إلى علم الله تعالى بجميع الكائنات الشاملة لأعمالهم ليرقبوه في خاصتهم وظاهرهم وباطنهم23.
ومما يدل على سعة علم الله تعالى بالكتمان الآيات التي تدل على أن الله بكل شيء عليم:
فقد بين الله تعالى أنه بكل شيء عليم، ومن هذه الآيات:
قوله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [البقرة: ٢٨٢].
وقوله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ)[ الأنعام: ١٠١].
وقوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [المائدة: ٩٧].
وقوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الأنبياء:٨١].
وقوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الحجرات: ١٦].
وقوله تعالى: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ)[ الحديد: ٣].
دلت الآيات أن الله بكل شيء عليم كما أفاده لفظ (كل) المفيد للعموم، و (ﯽ) مبالغٌ في العلم بكل ما من شأنه أن يعلم كائنا ما كان مخلوقا أو غير مخلوق، ومن جملته ما صدر عن العباد من قول وفعل عمدًا أو خطأ، أزلا وأبدا، فلا يخفى عليه خافية مما كان وما سيكون من الذوات والصفات والأحوال، فهو سبحانه الموصوف بهذه الصفات العظيمة المستحق للعبادة الذي يعلم حال العباد وما ينفعهم وما يضرهم24.
وكذلك الآيات التي تدل على أن الله عالم بالغيب والشهادة، ومن هذه الآيات، قوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الحشر:٢٢].
وقوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [المؤمنون:٩٢].
وقوله تعالى:(ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الرعد:٩].
وقوله تعالى:(ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التوبة:١٠٥].
ويترتب على أن الله بكل شيء عليم، وأنه يستوي في علمه السر والجهر: أن تظهر صفة المراقبة لله تعالى في السر والعلن، وذلك أن العبد إذا استشعر عظمة علم الله وسعته، وشموله لكل ما خلق الله سبحانه، فإنه يعيش دائما يراقب الله الذي يعلم السر وأخفى، ويطلب منه دائما أن يزيده من العلم الذي ينفعه في دينه ودنياه وآخرته تنفيذا لقوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [طه: ١١٤]25.
ومما يدل على سعة علم الله الآيات الدالة على إحاطة علم الله بكل شيء:
إن علم الله محيط بكل شيء والإحاطة بالشيء علما هي: أن تعلم وجوده وجنسه وقدره وكيفيته، وغرضه المقصود به وبإيجاده، وما يكون به ومنه، وذلك ليس إلا لله تعالى، وعبر بالإحاطة عن الاطلاع التام والقدرة والسلطان، وقد أوضح هذا المعنى في آيات في كتابه العزيز منها:
قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [النساء: ١٠٨].
وقوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [النساء: ١٢٦].
وقوله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [آل عمران: ١٢٠].
وقوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأنفال: ٤٧].
وقوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [هود: ٩٢].
وقوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الإسراء:٦٠].
وقوله تعالى: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [فصلت: ٥٤].
وقوله تعالى: (ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ) [الطلاق: ١٢].
وهذه الآيات وأمثالها تدل على أن الله سبحانه وتعالى محيط بكل شيء، والتعبير بالإحاطة إثبات لعظمة الله وسعة ملكه، ومقدار سلطانه، الذي يشمل كل شيء، وينفذ إلى كل شيء! ومن كان هذا شأنه، وتلك صفته، فإن من السفه والضلال أن يولي الإنسان وجهه إلى غيره، أو يعبد معبودا سواه، وإسناد الإحاطة إلى اسم الله تعالى مجاز عقلي، لأن المحيط هو علم الله تعالى فإسناد الإحاطة إلى صاحب العلم مجاز في عدم خفاء شيء من عملهم عن علم الله تعالى، ويلزمه أنه مجازيهم عن عملهم بما يجازي به العليم القدير من اعتدى على حرمه، وتضمن ذلك الوعيد الشديد والتقريع البالغ، وإذ كان تعالى محيطا بجميع الأقوال والأعمال، فكان ينبغي أن تستر القبائح عنه بعدم ارتكابها26.
ولما كان الكتمان مما يكون في الغيب فقد اختص الله تعالى بالغيب المطلق الذي لا يطلع عليه ولا يعلمه إلا الله تعالى فقد استقل سبحانه وتفرد بمعرفته، وهذا الغيب يقول تعالى عنه: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الجن: ٢٦-٢٧].
ومن هذا الغيب المطلق قضية القيامة، قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [النمل: ٦٥].
فالقيامة لا يعلم وقتها إلا الله سبحانه، إلا أنه جعل لها مقدمات وعلامات تدل عليها وتنبئ بقربها27.
وقد سمى الله تعالى نفسه العليم: وهو بصيغة المبالغة على وزن فعيل، ورد في القرآن الكريم اثنتين وخمسين ومائة مرة، ومنها: قوله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [البقرة: ٢٩].
وقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة: ٩٥].
ومن أسماء الله تعالى العالم على وزن (فاعل)، وقد ورد في القرآن خمس عشرة مرة، منها:
قوله تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأنعام: ٧٣].
وقوله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الرعد: ٩].
ومن أسماء الله تعالى العلام على وزن (فعال)، وهو صيغة مبالغة، يدل على سعة العلم وعظمته، وقد ورد في القرآن الكريم أربع مرات، منها:
قوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [المائدة: ١٠٩].
وقوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [المائدة: ١١٦]28.
وعلم الله تعالى أزلي، وهو صفة من صفاته الذاتية سبحانه، يقتضي علمه بالظواهر والسرائر، وإحاطته بكل شيء، فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السموات والأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، فيعلم ما يصلح للعباد وما يدبرهم عليه، وأن العبد إذا استشعر عظمة علم الله، وسعته، وشموله لكل ما خلق الله جل وعلا، فإنه يعيش دائما يراقب الله الذي يعلم السر وأخفى، ويطلب منه دائما أن يزيده من بالعلم الذي ينفعه في دينه ودنياه وآخرته.
ثانيًا: إحاطة علم الله بما يكتمه العباد:
وردت آيات في كتاب الله العزيز تبين إحاطة علم الله تعالى بما يكتمه العباد من الخير والشر، وغيرها من الأعمال منها:
قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [البقرة:٣٣].
وقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [آل عمران: ١٦٧].
وقوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [المائدة: ٦١].
وقوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [المائدة: ٩٩].
وقوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الأنبياء: ١١٠].
وقوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النور: ٢٩].
فقد حذر الله تعالى في الآيات السابقة العباد جميعا المؤمنين و العصاة والمنافقين والكفار الذين يخفون معاصيهم وكفرهم ونفاقهم عن الناس بأنه سبحانه وتعالى مطلع على ما يصدر منهم من خير وشر وكل أعمالهم فلا تخفى عليه خافية.
فالكتمان والسر والجهر، والاختفاء والظهور عند الله تعالى سواء؛ لأنه يسمع السر، كما يسمع الجهر، ويعلم الخفي كما يعلم الظاهر، ويعلم ما يجهر به خلقه من القول، ويعلم ما يكتمونه، وأن هذا الكتمان لن ينفعهم بشيء، وأنه سوف يفضحهم لا محالة في ذلك.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأنعام: ٢٨].
وأخبر سبحانه أنه سيحاسبهم على ذلك، كما في قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة: ٢٨٤].
وحينها يسرون الندامة على ما كتموه، كما في قوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [سبأ: ٣٣]29.
وقد وردت آيات تبين أن الله تعالى محيط بما يكتمه العباد بألفاظ أخرى وهي بمعنى الكتمان منها:
قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الرعد: ١٠]30.
والمعنى: أن من هو بالليل في غاية الاختفاء، ومن هو متصرف بالنهار ذاهب لوجهه، سواء في علم الله تعالى وإحاطته بهما، وذهب ابن عباس ومجاهد إلى معنى مقتضاه: أن «المستخفي والسارب» هو رجل واحد مريب بالليل، ويظهر بالنهار البراءة في التصرف مع الناس، قال الزجاج: معنى الآية الجاهر بنطقه، والمضمر في نفسه، والظاهر في الطرقات، والمستخفي في الظلمات علم الله فيهم جميعا سواء31.
وقوله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [هود: ٥].
وقوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [طه: ٧].
وقوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [النمل: ٢٥].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [ق: ١٦].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الملك: ١٣-١٤].
وفي هذه الآيات تهديد للكافرين والعصاة بأنه سبحانه يعلم جميع الأشياء الواقعة منهم، وهو بالمرصاد في الجزاء عليها، وفيها تهديد للمنافقين بكشف أسرارهم وإظهار خفاياهم؛ لأن النفاق يقوم على كتمان الكفر وإظهار الإيمان والطاعة32.
ونبه الله تعالى على أنه مطلع على الضمائر والسرائر، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الملك: ١٣].
أي: سواء أخفيتم كلامكم أو جهرتم به، يعلم بما يخطر في القلوب وما تكنه الضمائر، لا يخفى عليه منه خافية، فاحذروا من المعاصي سرا كما تحترزون عنها جهرا، فإن ذلك لا يتفاوت بالنسبة إلى علم الله تعالى، وقدم السر على الجهر لأنه مقدم عليه عادة، فما من أمر إلا وهو يبدأ أولا في النفس ثم يجهر به، وللتحذير من التكتم والسر الذي قد يظن عدم العلم به، والآية خطاب عام لجميع الخلق في جميع الأعمال، وتشمل ما كان يسر به الكفار من الكلام في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيها تهديد ووعيد لمن يسر خلاف ما يعلن مما لا يرضي الله تعالى33.
قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [البقرة: ٢٨٤].
وقوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [آل عمران: ٥].
وقوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الرعد: ١٠].
وقوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [النمل: ٢٥].
وقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الممتحنة: ١].
والآيات السابقة تدل على أن الله لا يخفى عليه شيء ولا يضيق عليه علم جميع ذلك؛ لأنه خالق كل شيء، ومن يخلق فهو أعلم بما يخلق علم اليقين، فهو العالم والعليم بجميع المعلومات بعلم قديم أزلي واحد قائم بذاته، ولا شيء أيضًا مما هو موجود، أو مما سيوجد ولم يوجد بعد، إلا وهو مثبت في اللوح المحفوظ، مكتوبٌ ذلك فيه، ومرسوم عدده ومبلغه، والوقت الذي يوجد فيه، والحال التي يفنى فيها34، وفي الآيات تهديد ووعيد للعصاة وللمنافقين وللكافرين الذين يخفون معاصيهم ونفاقهم وكفرهم، بأنه تعالى يعلم ذلك من حالهم كما يعلم الظاهر، وأنه يعاقب عليه كما يعاقب على الظاهر35.
ثالثًا: إظهار الله ما يكتمه العباد:
إن الله تعالى يظهر ما يكتمه العباد من أعمال وتصرفات وعقائد، وقد يكون ذلك الإظهار في الدنيا فيفضح من يكتم الشر والمعاصي والكفر والنفاق وغير ذلك، وقد يكون في الآخرة بأن يفضح الله تعالى العصاة والكفار والمنافقين على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، وذلك على التفصيل الآتي:
إظهار الله تعالى ما يكتمه العباد في الدنيا:
إن الله تعالى يفضح من يكتم الشر والمعاصي والكفر والنفاق وغير ذلك في الدنيا، فيحذره الناس وينزلون به العقاب المقرر شرعا، ويدل على ذلك آيات في كتاب الله العزيز منها: قوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [البقرة: ٧٢]، فالآية دليل على أن الله تعالى يظهر ما يكتمه العباد من الكبائر والموبقات، فقد نصت الآية على أن الله تعالى يظهر ما يكتمه القاتل، وكذلك بقية الكبائر كالسرقة وغيرها.
وكذلك يظهر الله تعالى ما يكتمه المنافقون والكافرون من النفاق والكفر، وكذلك أصحاب الأفكار الباطلة والهدامة والعقائد المنحرفة، ويدل على ذلك قوله تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)[التوبة: ٦٤]، وقوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [محمد: ٢٩].
فقد هدد الله تعالى المنافقين الذين يسرون العداوة والبغضاء والتآمر بالمسلمين أن تنزل على المؤمنين سورة تنبئهم بما في قلوبهم، أي: بما في قلوب المنافقين من الحسد والعداوة للمؤمنين، كانوا يقولون فيما بينهم ويسرون ويخافون الفضيحة بنزول القرآن في شأنهم36 وكقوله تعالى: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النمل: ٢٥].
وإخراج الخبء لفظ عام يتناول كل ما يخبئه الإنسان يعني بذلك: يظهره ويطلعه من مخبئه بعد خفائه 37.
إظهار ما يكتمه العباد يوم القيامة:
يظهر الله تعالى ما يكتمه العباد يوم القيامة: لأن في ذلك اليوم تكشف السرائر، ويعرض الناس على عالم الغيب والشهادة، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يخفى على الله تعالى من أعيان وأعمال وأحوال وأمور العباد شيء، ويدل على هذا المعنى آيات كثيرة، منها:
قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الحاقة: ١٨].
وقوله عز وجل: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [غافر: ١٦].
وقوله جل شأنه: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [إبراهيم: ٣٨].
وكذلك قوله سبحانه: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [غافر: ١٩]38.
كما يدل على هذا المعنى آيات أخرى منها:
قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الإسراء: ١٣].
وقوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الكهف: ٤٩].
وقوله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [النور: ٦٤].
وقوله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الزلزلة: ٧-٨]3940.
وكذلك الغدر بالمسلمين، يدخل في ما يظهره الله تعالى يوم القيامة مما يكتمه العباد، لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ينصب لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة، فيقال هذه غدرة فلان بن فلان)41، والحكمة في هذا أنه لما كان الغدر خفيا لا يطلع عليه الناس، فيكشف الغدر والغادر يوم القيامة علانية ويطلع عليه بصورة فيها شيء من الإهانة، ويصير علما منشورا على صاحبه بما فعل42.
إن من الكتمان ما هو محمود وذلك كتمان الإيمان وكتمان السر، ومنه ما هو مذموم، ويكون الكتمان مذموما في كتمان العلم وكتمان الحقوق، وكتمان النعم، ويمكن بيانها في النقاط الآتية.
أولًا: الكتمان المحمود:
يكون الكتمان محمودا في الأمور الآتية:
١. كتمان الإيمان.
إن كتمان الإيمان من أجل الدعوة والدفاع عنها، وفي مرحلة الضعف خوفا على النفس، مما أباحه الشرع، وقد ذكر الله تعالى في معرض المدح رجلا مؤمنا من آل فرعون كان يكتم إيمانه، وذلك في قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [غافر: ٢٨]43.
وكان هذا الكتمان عن سياسة حكيمة، وتدبير محكم، من أجل مصلحة الدعوة وحمايتها، وإحباط لخطط فرعون، وليس خوفا من فرعون، ولا ضعفا في الإيمان، فإن إيمان هذا المؤمن، كان إيمانا راسخا وثيقا، قائما على اقتناع بلغ مبلغ اليقين القاطع.
وكان هذا الكتمان من أجل أن الرجل لم يكن يريد الإيمان لنفسه فحسب، بل إنه كان يريد أن يكون داعية لفرعون وقومه جميعا إلى الإيمان بالله تعالى وحده، ولو أنه أعلن إيمانه، وجاء إلى فرعون يدعوه إلى أن يؤمن بالله كما آمن هو، لما استمع فرعون إلى كلمة منه، ولأخذته العزة بالإثم، وأبى عليه كبره وعناده أن ينقاد لداعية يدعوه إلى أي أمر، ولو فتح له أبواب السماء، وهو موقف تاريخي خلده القرآن الكريم، فرضي الله عن هذا المؤمن وأمثاله في سجل الخالدين44.
فقد كتم الرجل إيمانه حين رأى أن ذلك من مصلحة الدعوة، وأظهر الرجل إيمانه حين رأى أن ذلك من مصلحة الدعوة، ومواجهة خطر فرعون، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [غافر: ٢٦].
فأخذت الرجل غضبة لله عز وجل وقام بواجبه بالجهاد بالكلمة عند سلطان جائر والتي هي أفضل الجهاد، كما قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر)45، ولا أعظم من هذه الكلمة عند فرعون، وهي قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [غافر: ٢٨].
أي: لأجل أن يقول ربي الله، لأن من عادة المشركين قتل المسلمين، والتنكيل بهم، وإخراجهم من ديارهم من غير ذنب، إلا أنهم يؤمنون بالله ويقولون: ربنا الله، كقوله تعالى في أصحاب الأخدود، الذين حرقوا المؤمنين: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البروج: ٤ - ٨]، وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الحج: ٣٩-٤٠]، إلى غير ذلك من الآيات46.
واختلف المفسرون أيضا: هل كان إسرائيليا أو قبطيا من آل فرعون؟ والتحقيق أن الرجل المؤمن المذكور في هذه الآية هو من جماعة فرعون، كما هو ظاهر قوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)، ودعوى أنه إسرائيلي، غير صحيح؛ لأن القرآن وصفه بأنه من آل فرعون 47، دون أن يذكر القرآن اسمه، وإنما أشار إلى خاصته، وذوي قرابته، فهو إنسان ذو شأن في المجتمع الفرعوني، ومع هذا لم يكشف القرآن عن اسمه، إذ ما جدوى الاسم، في مقام الوزن للقيم الإنسانية في الناس؟
إن المعتبر هنا هو الصفة لا الموصوف، وذات المسمى لا الاسم، فالمهم أن الرجولة في الإيمان، أيا كان هذا المؤمن في أي زمان، وفي أي مكان، وبأي اسم، وبأي صفة، فمن الحكمة أن يظل مبهما ليكون مثالا وقدوة لكل مؤمن في كل زمان ومكان، ليشيع خبره بهذا الوصف في الدنيا كلها لا يرتبط بزمان ولا مكان ولا أشخاص، فحمل راية الحق، والقيام به أمر واجب وشائع في الزمان والمكان والأشخاص، وهذا هو عين البيان للقصة.
وهذا هو المغزى من هذه القصة، فلا يقال إنه كان ابن عم فرعون، وكانت سببا في رجولته، ولا يقال إنه كان له نصف الملك وكان هذا وراء قوته، إنه الإيمان الذي يعيش به المؤمن عزيزًا كريمًا، إنه الإيمان الذي يصغر في عين صاحبه الظلم والطغيان، إنه الرجل الذي دفعه إيمانه إلى الحق لينصره، وليدفع عن أهله الأذى، فالرجل ليس من أصحاب السلطة أو السطوة، وإنما من أصحاب الإيمان الذي يدفع أهله إلى تغيير المنكر بكل ما يملكون، غيرة على دينهم، إذ كيف يرى منكرا ويسكت عليه48؟
ويمكن القول بأن معرفة اسم هذا المؤمن لا يزيد إلى القصة شيئا؛ لأن العبرة بالموقف الإيماني القوي في وقت الحاجة إليه، لا بالشخص الذي صدر عنه، ولأن ذكر اسم هذا الشخص ومعرفة مركزه الاجتماعي قد يوحي بأن انكار المنكر قد يكون مقصورا على من هو مساو له في شخصه ومركزه الاجتماعي.
وقد ذكر الله تعالى أن من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يكتم إيمانه، فقد كان هناك من المؤمنين من أهل مكة من يكتم إيمانه، وقد وردت آيات تبين هذا المعنى:
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الفتح: ٢٥].
وكان هؤلاء الذين يخفون إيمانهم هم السبب في عدم تسليط الله للمؤمنين على أهل مكة، فقد ذكر الله تعالى أنه لولا وجود رجال مؤمنون ونساء مؤمنات من أهل مكة، يكتمون إيمانهم ويخفونه خوفا على أنفسهم من كفار قريش، لسلط الله المؤمنين على الكافرين فقتلوهم وأبادوا خضراءهم، ولكن بين أفنائهم من المؤمنين والمؤمنات أقوام لا يعرفونهم حالة القتل.
ولهذا قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الفتح: ٢٥].
والمعرة هي: غرامة الدية والكفارة وما يصيب المؤمن من الغم من قتل المسلم على يده؛ لأن المؤمن يغتم لذلك، (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الفتح: ٢٥].
أي: يؤخر عقوبتهم ليخلص من بين أظهرهم المؤمنين، وليرجع كثير منهم إلى الإسلام49.
ويكون المعنى الإجمالي للآيات: كان هنالك بعض المستضعفين من المسلمين في مكة لم يهاجروا، ولم يعلنوا إسلامهم تقية في وسط المشركين، ولو دارت الحرب، وهاجم المسلمون مكة، وهم لا يعرفون أشخاصهم، فربما وطؤوهم وداسوهم وقتلوهم، فيقال: إن المسلمين يقتلون المسلمين! ويلزمون بدياتهم
حين يتبين أنهم قتلوا خطأ وهم مسلمون50.
ولعل منهم من أشارت إليه آية النساء في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النساء: ٧٥].
وآيات النساء: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [النساء: ٩٨- ٩٩]51.
ويلاحظ أن الدين الإسلامي يهتم بأتباعه وسلامتهم وترك كثير من المصالح من أجل سلامتهم حتى وإن كانوا قلة لا يتجاوزون العشرات، ويدل على ذلك ما رواه أبو جمعة جنيد بن سبع- وقيل: حبيب بن سباع- رضي الله عنه قال: (فينا نزلت: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ)، كنا ثلاث رجال وتسع نسوة و في رواية: وكنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتين)52.
ولولا أن المؤمنين بينهم غير متميزين عنهم كما قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الفتح: ٢٥]، قوله تعالى: (ﮉ ﮊ) أي: تميزوا، قاله القتبي، وقيل: لو تفرقوا، قاله الكلبي، وقيل: لو زال المؤمنون من بين أظهر الكفار لعذب الكفار بالسيف، قاله الضحاك، ولكن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار53.
وهذه الآيات تبين أن دين الإسلام هو دين العزة والكرامة ودين الحرية والمساواة في الحقوق والواجبات، لا يقبل بالمذلة والمهانة، ولا يرضى للإنسان أن يعيش مستعبدا في هذه الأرض، فكل مؤمن وجد في مكان لا يقدر فيه على إظهار دينه، تجب عليه الهجرة من ذلك المكان إلى مكان يستطيع إظهار دينه، بشرط ألا يكون من الصبيان أو النساء أو العجزة، فهؤلاء قد رخص الله تعالى لهم، فإن كان من المستضعفين: وكان التخويف بالقتل ونحوه ممن يظن منهم أنهم يفعلون ما خوفوا به، جاز المكث والموافقة ظاهرا بقدر الضرورة، مع السعي في حيلة للخروج والفرار بدينه، والموافقة حينئذ رخصة.
وإظهار ما في قلبه عزيمة، فلو مات فهو شهيد قطعا54.
٢. كتمان السر.
إن كتمان السر من الكتمان المحمود، وقد ورد في آيات عديدة تدل على هذه الصفة في كل من الأمانة والوفاء والوقار، فمن الأمانة أن يكتم الإنسان سر أخيه، فالذي يؤتمن على سر، فيحافظ عليه يكون مؤديا للأمانة، لأن إفشاء السر خيانة محرمة.
ويكفي في العلم بكونه سرا القرينة القولية كقول محدثك: هل يسمعنا أحد؟ أو للفعلية كالالتفات لرؤية من عساه يجيء، ومن هنا كان كتمان السر نوعًا من الأمانة.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[الأنفال: ٢٧].
وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة)55.
وكتمان هذا النوع ضرب من الأمانة ونوع من الوفاء، وعلامة على الوقار.
وآكد أمانات السر وأحقها بالكتمان ما يكون بين الزوجين، وقد جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)56.
ومن كتمان السر المحمود أن يكتم الإنسان ما يحصل منه من مستقبح من قول أو فعل، كالزنا وشرب الخمر، والقذف، لأن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه إذا اقترف فاحشة، وكما يجب عليه ذلك في حق نفسه، فإنه يجب عليه في حق غيره.
لما روي عن مالك عن زيد بن أسلم: (أن رجلا اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور، فقال: (فوق هذا) فأتي بسوط جيد، لم تقطع ثمرته، فقال: (دون هذا) فأتى بسوط قد ركب به ولان، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد، ثم قال: يا أيها الناس، قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله)57.
ولحديث: (من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)58.
وهذا النوع من الكتمان من الحزم والاحتياط59.
ومن الوفاء أن يحافظ المسلم على سر أخيه فيكتمه وإلا كان غادرا؛ لأن من حق المسلم على المسلم أن يكتم عنه ما يكون قد وصل إليه من سره، خاصة إذا كان قد تعهد له بحفظ هذا السر وعدم إذاعته، ومن هنا كان كتمان السر نوعا من الوفاء بالعهد، قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الإسراء: ٣٤]60.
ثانيًا: الكتمان المذموم:
يكون الكتمان مذموما في الخصال الآتية:
١. كتمان العلم.
نهى الله تعالى عن كتمان العلم، الذي هو حياة الناس وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، فالواجب بيان الحق، وعدم المداهنة، ومن ذلك: أن يجب على العالم إذا رأى الناس على باطل أو خرافات أو شرك، فإنه لا يسكت، بل يجب عليه أن يبين، ولا يترك الناس يقعون في عبادة القبور، وعبادة الأضرحة، ومزاولة البدع المضلة، ويسكت.
وقد وردت في هذا المعنى آيات في كتاب الله العزيز منها:
قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة: ١٥٩].
وقوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [البقرة: ١٧٤].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [آل عمران: ١٨٧].
استدل العلماء بهذه الآيات على: وجوب تبليغ الحق وبيان العلم على الجملة، وللآية تحقيق هو أن العالم إذا قصد الكتمان عصى، وإذا لم يقصده لم يلزمه التبليغ إذا عرف أن معه غيره، وكذلك فإن كان هناك من يبلغ اكتفي به، وإن تعين عليه لزمه.
إن هذا الكتمان من الكبائر؛ لأنه تعالى أوجب فيه اللعن؛ ولأن ما يتصل بالدين ويحتاج إليه المكلف لا يجوز أن يكتم، ومن كتمه فقد عظمت خطيئته، وبلغ من الشقاوة والخسران الغاية التي لا يدرك كنهها.
لكن يشترط لذلك شرطين:
أولًا: أن لا يخشى العالم على نفسه.
ثانيًا: أن يكون متعينا عليه ذلك بأن كان لا يوجد غيره، أو عين للفتوى بتعين الحاكم، وإلا لم يحرم عليه61.
ونظيرها في بيان العلم وإن لم يكن فيها ذكر الوعيد لكاتمه، قوله تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [التوبة: ١٢٢]؛ لأن كتمان ذلك وسيلة إلى تضييع أحكام الله، وما يتعلق بها من طاعة، وهذا الإظهار فرض على الكفاية، لأنه إذا أظهر البعض، صار بحيث يتمكن كل أحد من الوصول إليه، فلم يبق مكتوما، وإذا خرج عن حد الكتمان، لم يجب على الباقين إظهاره مرة أخرى62.
وكتمان ما أنزل الله تعالى يتناول: إخفاء ما أنزله، وعدم ذكره للناس وإزالته عن موضعه ووضع شيء آخر موضعه، كما يتناول تحريفه بالتأويل الفاسد عن معناه الصحيح جريا مع الأهواء، وقد فعل أهل الكتاب ولا سيما اليهود- كل ذلك - فقد كانوا يعرفون مما بين أيديهم من آيات أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم حق، ولكنهم كتموا هذه المعرفة حسدا له على ما آتاه الله من فضله، كما أنهم حرفوا كلام الله وأولوه تأويلا فاسدا تبعا لأهوائهم.
والآية وإن كانت نزلت على سبب خاص وهم اليهود إلا أنها عامة تشمل كل من كتم آيات الله؛ لأن قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) فـ (ما) اسم موصول بمعنى الذي، وهي تفيد العموم63.
أما قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) فالمراد كل ما أنزله على الأنبياء كتابا وحيا دون أدلة العقول، وقوله تعالى: (ﮧ) يدخل فيه الدلائل العقلية والنقلية؛ لأن الهدى عبارة عن الدلائل، فيعم الكل، فهذه الآيات تدل على أن من أمكنه بيان أصول الدين بالدلائل العقلية لمن كان محتاجا إليها ثم تركها أو كتم شيئا من أحكام الشرع مع شدة الحاجة إليه، فقد لحقه الوعيد العظيم64.
٢. كتمان الشهادة.
نهى الله تعالى عن كتمان الشهادة، لأن كتمانها من أكبر الكبائر، وهي تعدل شهادة الزور؛ لأن الحق مبني عليها لا يثبت بدونها، ويترتب على ذلك فوات حق من له الحق، وقد دل على هذا المعنى آيات في كتاب الله العزيز، منها:
قوله تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة: ١٤٠].
وقوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البقرة: ٢٨٣].
وقوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [المائدة: ١٠٦].
أوجب الإسلام إظهار الشهادة وعدم كتمانها؛ لأن دين الإسلام دين العدل لا يقبل الظلم ولا يرتضيه لأحد كائنا من كان، مؤمنا أو كافرا، غنيا أو فقيرا، قريبا أو بعيدا؛ لأنه بالشهادة تؤدى الحقوق لأصحابها المشهود لهم، فإن كتم الشاهد ولم يقم شهادته ضاع حق المشهود له، وقد توعد الله من كتم الشهادة وتركها أو حرفها وغيرها، وتعمد الكذب فيها فإنه سيلقى جزاءه عند الله؛ لأن الله تعالى خبير بعمله وقصده ونيته، فيجازيه على ذلك بما يستحقه.
ولهذا قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [البقرة: ٢٨٣].
قال السدي: «يعني: فاجر قلبه»، وهذه كقوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [المائدة: ١٠٦].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [النساء: ١٣٥]»65.
وكتمان الشهادة فيه ضرر كبير على البشرية واختلال لنظامها وهي تعادل شهادة الزور الجريمة العظمة والطامة الكبرى التي كادت تعدل الإشراك بالله، والتي تهددنا في أموالنا ودمائنا وأمننا، تلكم التي أخربت بيوتًا عامرة وأزهقت أرواحًا بريئة وأهدرت حقوقًا واضحة فما فشت في أمة إلا وسادت فيها الفوضى وتحكمت فيها الأهواء، لذا وغيره من أضراره الخطرة حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم منها بقوله: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس) يقول الراوي: كان متكئًا فجلس، ثم قال: (وشهادة الزور وقول الزور) وما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت66.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: «شهادة الزور من أكبر الكبائر، وكتمانها كذلك»، وبما أن الوعيد الشديد المقترن بالنهي عن الكتمان لا يكون إلا عند الدعوة إلى الشهادة لإحياء الحق، أو عند الخوف من فوات الحق، لذا كان الأمر مفيدا للوجوب عند هاتين الحالتين، وقال ابن عباس: «على الشاهد أن يشهد حيثما استشهد ويخبر حيثما استخبر، قال: ولا تقل أخبر بها عند الأمير بل أخبره بها لعله يرجع ويرعوي».
وقوله تعالى: (ﯪ ﯫ) استفهام، أي: لا أحد أظلم، (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)، أي: موجودة ومودعة عنده (ﯰ ﯱ)، أي: كتمها من الملك الأعظم، أو هي عنده منه وهو يستخبره عنها مع علمه بأنه فاضحه؛ لأنه العالم بالسرائر، ويحتمل أن يريد بذلك الذم لأهل الكتاب بأنهم يعلمون أن هؤلاء الأنبياء ما كانوا هودا ولا نصارى، بل كانوا على الملة الإسلامية، فظلموا أنفسهم بكتمهم لهذه الشهادة، بل بادعائهم لما هو مخالف لها، وهو أشد في الذنب ممن اقتصر على مجرد الكتم، الذي لا أحد أظلم منه، ويحتمل أن المراد أن المسلمين لو كتموا هذه الشهادة لم يكن أحد أظلم منهم67.
وقال المفسرون: «ذكر الله تعالى على كتمان الشهادة نوعا من الوعيد لم يذكره في سائر الكبائر، وهو إثم القلب، ويقال: إثم القلب سبب مسخه، والله تعالى إذا مسخ قلبا جعله منافقا وطبع عليه، نعوذ بالله من ذلك»68.
وإضافة الإثم إلى القلب الذي هو أشرف أعضاء البدن ورئيسها في قوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ) تأكيد في تأكيد؛ لأن القلب محل اكتساب الآثام والأجور، والآلة التي وقع بها أداؤها لما عرف أن إسناد الفعل إلى محله أقوى من الإسناد إلى كله.
ولأنه هو محل الكتمان فهو محل المعصية بتمامها هنا، بخلاف سائر المعاصي التي تتعلق بالأعضاء الظاهرة، فإنها وإن كانت مسبوقة بمعصية القلب، وهو الهم المتصل بالفعل، فليس هو محلا لتمامها، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)69.
وإن من صفات المؤمنين التي مدح الله تعالى أهلها وأثنى عليهم: إقامة الشهادة والقيام بها، فقال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [المعارج: ٣٣].
وقال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الطلاق: ٢]، أي: أدوها ابتغاء وجه الله، فحينئذ تكون صحيحة عادلة حقا، خالية من التحريف والتبديل والكتمان.
وقد نهى الله تعالى الشهداء عن الامتناع من تحمل الشهادة إذا دعوا إلى ذلك، وكذا إذا دعوا إلى إقامة الشهادة وأدائها، بل عليهم الإجابة إذا تعينت عليهم.
قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [البقرة: ٢٨٢].
وتحمل الشهادة فرض كفاية على الصحيح، وكذا أداؤها فرض كفاية كما هو مذهب جمهور العلماء، وقد ثبت من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ألا أخبركم بخير الشهداء؟ هو الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها)70 71.
وفي إظهار الشهادة والقيام بها حين طلبها أو عند الحاجة إليها حكم عظيمة، ومصالح عميمة، دلت على أن الخلق لو اهتدوا بإرشاد الله لصلحت دنياهم مع صلاح دينهم، لاشتمالها على العدل والمصلحة، بما يؤدي إلى حفظ الحقوق وقطع المشاجرات والمنازعات، وانتظام أمر المعاش، والسعادة في الدارين والتي هي مراد كل إنسان 72.
٣. كتمان الحقوق.
نهى الله تعالى اليهود عن أعمالهم القبيحة من الإغواء والإضلال، وتلبيس الحق بالباطل، وتمويهه به، وإلقاء الشبهات، وكتمانهم الحق الذي يعرفونه من أمر محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الذي نزل عليه، وإظهارهم الباطل، وإخفاء الدلائل والبينات، وأمرهم بإظهار الحق والتصريح به، وقد أوضح هذا المعنى في آيات من كتاب الله العزيز منها:
قوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة: ٤٢].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة: ١٤٦].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [آل عمران: ٧١].
فقد ذكر الله تعالى في هذه الآيات بعض الأخلاق القبيحة التي تميز بها علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فقد كانوا جبهة تضليل للناس، وتحريف للكتاب، وتلبيس للحق73 بالباطل، وكتمانا للحق وإخفائه عن الناس.
كل ذلك عن قصد وعلم، بدافع الحسد واتباعا للأهواء، ومناصبة للعداء؛ لأن المدلس لا يؤمن جانبه، والمضلل لا يصدق، والحاسد لا يشفيه إلا زوال النعمة عن المحسود، وقد أسند هذا الكتمان وهذه الأفعال القبيحة إلى فريق منهم إذ لم يكونوا كلهم كذلك؛ فإن منهم من اعترف بالحق وآمن واهتدى به، كعبد الله بن سلام رضي الله عنه وكان من علماء اليهود وأحبارهم، وتميم الداري رضي الله عنه من علماء النصارى.
ومنهم من كان يجحده عن جهل ولو علم به لجاز أن يقبله، وهذا من دقة حكم القرآن على الأمم بالعدل، وقد تنوعت أساليبهم القبيحة في كتمان الحق وإخفائه ولهم في ذلك طريقتان:
الأولى: طريقة كتمان الحق وإخفائه حتى لا يظهر، وهي المشار إليها بقوله تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [آل عمران: ٧١].
ومن أعظم ما كتمه أهل الكتاب هو ما وجدوه في كتبهم من صفات محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كانوا يعرفونه في كتبهم كما يعرفون أبناءهم، ولكنهم إذا سئلوا عن ذلك كتموها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة: ١٤٦].
وقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الأنعام: ٢٠].
وقال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأعراف: ١٥٦ - ١٥٧].
وقد كان أهل الكتاب يخفون من أحكام التوراة الشيء الكثير.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [المائدة: ١٥].
ومن الأحكام التي أخفاها اليهود حكم رجم الزاني المحصن، فقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا، فقال لهم: (كيف تفعلون بمن زنى منكم؟) قالوا: نحممهما ونضربهما، فقال: (لا تجدون في التوراة الرجم؟) فقالوا: لا نجد فيها شيئا، فقال لهم عبد الله بن سلام: كذبتم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين، فوضع مدراسها الذي يدرسها منهم كفه على آية الرجم فطفق يقرأ ما دون يده، وما وراءها ولا يقرأ آية الرجم، فنزع يده عن آية الرجم، فقال: ما هذه؟ فلما رأوا ذلك قالوا: هي آية الرجم، فأمر بهما فرجما قريبا من حيث موضع الجنائز عند المسجد، فرأيت صاحبها يحني عليها يقيها الحجارة) 74 75.
والثانية: طريقة خلط الحق بالباطل حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر، وهي المشار إليها بقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [آل عمران: ٧١].
كان بنو إسرائيل يخلطون الحق بالباطل، بحيث لا يتميز الحق من الباطل، وقد سجل القرآن الكريم هذا الجرم عليهم.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [البقرة: ٤٠ - ٤٢].
وقال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [آل عمران: ٧١].
وفي الحق والباطل أربعة أقوال:
أحدها: أن الحق: إقرارهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والباطل: كتمانهم بعض أمره.
والثاني: الحق: إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم غدوة، والباطل: كفرهم به عشية.
والثالث: الحق: التوراة، والباطل: ما كتبوه فيها بأيديهم.
والرابع: الحق: الإسلام، والباطل: اليهودية والنصرانية.
قوله تعالى: (ﭗ ﭘ)، قال قتادة: «كتموا الإسلام، وكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم»76.
ومن أبلغ الصور وأقبحها في إلباس الحق ادعاء الكهنة والأحبار في التوراة التي بأيديهم أن هارون صلى الله عليه وسلم هو الذي جمع الذهب من بني إسرائيل، واشترك معهم في صناعة العجل الذهبي، ووافقهم على عبادته من دون الله تعالى، وفي الوقت نفسه يبرئون السامري، وقرئ: (تلبسون) بالتشديد، والتشديد للتكثير، وقرأ يحيى بن وثاب: (تلبسون) بفتح الباء، أي: تلبسون الحق مع الباطل، جعل الحق كأنه ثوب لبسوه، كقوله عليه السلام: (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور)77، ولبس الحق بالباطل عام، وقيل هو خاص بالعقائد والأحكام78.
وقد كان أهل الكتاب يحرفون الكلام عن مواضعه وهو نوع من الخلط الذي كانوا يمارسونه: وقد أثبت الله تعالى على أهل الكتاب هذا النوع من التحريف، فقال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [النساء: ٤٦].
وقال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ) [المائدة: ١٣].
وقال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [المائدة: ٤١]79.
٤. كتمان النعم.
ورد كتمان النعم في قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [النساء: ٣٧].
فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية صنفا من الناس لا يحبهم، وهم المختالون الفخورون الذين من صفتهم أنهم يبخلون ويأمرون غيرهم بالبخل، وهؤلاء ضموا إلى ما وقعوا فيه من البخل الذي هو أشر خصال الشر ما هو أقبح منه، وهو أنهم مع بخلهم بأموالهم يأمرون الناس بالبخل، كأنهم يجدون في صدورهم من جود غيرهم بماله حرجا ومضاضة، وهذا غاية اللؤم، ونهاية الحمق، وقبح الطباع، وسوء الاختيار، ويخفون نعم الله التي أعطاها لهم فلا يظهرونها سواء أكانت هذه النعم نعما مالية أم علمية أم غير ذلك من نعم الله عليهم.
فالبخيل جحود لنعمة الله عليه لا تظهر عليه ولا تبين، لا في أكله ولا في ملبسه، ولا في إعطائه وبذله، فيوهمون الفقر مع الغنى، والإعسار مع اليسار، والعجز مع الإمكان، ولهذا توعدهم الله تعالى بقوله: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ)، والكفر هو الستر والتغطية، فالبخيل يستر نعمة الله عليه ويكتمها ويجحدها، فهو كافر لنعم الله عليه، ثم إن هذا الكتمان قد يقع على وجه يوجب الكفر، مثل أن يظهر الشكاية عن الله تعالى، ولا يرضى بالقضاء والقدر، وهذا ينتهي إلى حد الكفر، فلذلك قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ).
والمراد بهذه الآية في قول ابن عباس وغيره: اليهود، فإنهم جمعوا بين الاختيال والفخر والبخل بالمال، وكتمان ما أنزل الله من التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو فيمن كان بهذه الصفة، وفيمن كتم نعم الله وأنكرها، وذلك كفر بالله تعالى، وقيل: المراد المنافقون الذين كان إنفاقهم وإيمانهم تقية، وقيل: المرد المؤمنون، فقوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)، يعني: من الرزق والمال، فيجيء على هذا أن الباخلين منفية عنهم محبة الله، والآية إذا في المؤمنين، فالمعنى: أحسنوا أيها المؤمنون إلى من سمى، فإن الله لا يحب من فيه الخلال المانعة من الإحسان إليهم من المؤمنين، وأما الكافرون فإنه أعد لهم عذابًا مهينًا، ففضل توعد المؤمنين من توعد الكافرين، بأن جعل الأول عدم المحبة، والثاني عذابًا مهينًا 80.
ولا يخفى أن اللفظ أوسع من ذلك، وأكثر شمولا، وأعم فائدة، والعبرة بالعموم لا بالخصوص كما هو معلوم عند علماء الأصول، ومما يدل على ذلك لفظ: (الذين) اسم موصول يفيد العموم فيدخل في الآية كل من اتصف بهذه الأوصاف مؤمنًا كان أو كافرًا، (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ)، أي: أعددنا لهم ذلك ووضع المظهر موضع المضمر إشعارا بأن من هذا شأنه فهو كافر لنعم الله تعالى، ومن كان كافرًا لنعمه فله عذاب يهينه كما أهان النعم بالبخل والإخفاء، ويجوز حمل الكفر على ظاهره، وذكر ضمير التعظيم للتهويل لأن عذاب العظيم عظيم، وغضب الحليم وخيم81.
قال الإمام ابن كثير: «وقد حمل بعض السلف هذه الآية على بخل اليهود بإظهار العلم الذي عندهم، من صفة النبي صلى الله عليه وسلم وكتمانهم ذلك.
ولهذا قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ)، ولا شك أن الآية محتملة لذلك، والظاهر أن السياق في البخل بالمال، وإن كان البخل بالعلم داخلا في ذلك بطريق الأولى؛ فإن سياق الكلام في الإنفاق على الأقارب والضعفاء، وكذا الآية التي بعدها، وهي قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [النساء: ٣٨].
فذكر الممسكين المذمومين وهم البخلاء»82.
قال أبو بكر الجصاص: «الاعتراف بنعم الله تعالى واجب وجاحدها كافر، وأصل الكفر إنما هو من تغطية نعم الله تعالى وكتمانها وجحودها، وهذا يدل على أنه جائز للإنسان أن يتحدث بنعم الله عنده لا على جهة الفخر، بل على جهة الاعتراف بالنعمة والشكر للمنعم، وهو كقوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الضحى: ١١]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة)83، فأخبر بنعم الله عنده وأبان أنه ليس إخباره بها على وجه الافتخار» 84.
ويجوز ترك إظهار النعمة، عند من يخشى غائلته حسدا وكيدا، حتى توجد وتظهر، قال الله عز وجل في سورة يوسف: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [يوسف:٤-٥].
فأول الشمس والقمر أبويه، وأول الكواكب الأحد عشر إخوته الأحد عشر، وفهم يعقوب مزية حاله، وظهور خلاله؛ فخاف عليه حسد الإخوة الذي ابتدأه ابنا آدم، فأشار عليه بالكتمان85.
ذكر الله تعالى ندامة الكفار وحسرتهم مما يرون من أهوال الموقف يوم القيامة، وما يحل بهم من الخزي والفضيحة والتوبيخ، فيتمنوا أن يدفنوا فتسوى بهم الأرض كالموتى، أو لم يبعثوا أو لم يخلقوا وكانوا هم والأرض سواء.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء: ٤١-٤٢].
وقد ذكرت الآية أن الذين كفروا وعصوا الرسول يعترفون بجميع ما فعلوه، ولا يكتمون منه شيئا، فتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، يومئذ يوفيهم الله جزاءهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين86.
ويكون معنى قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) أن ما عملوه ظاهر عند الله لا يقدرون على كتمانه، والمعنى يودون لو أن الأرض سويت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثا؛ لأنه ظهر كذبهم87.
وما ورد من أن الكفار يكتمون كفرهم وجحودهم، كما في قوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الأنعام: ٢٣].
فإن ذلك يكون في بعض مواضع القيامة، حين يظنون أن جحودهم ينفعهم من عذاب الله، فإذا عرفوا الحقائق وشهدت عليهم جوارحهم حينئذ ينجلي الأمر، ولا يبقى للكتمان موضع ولا نفع ولا فائدة88.
قال الشنقيطي عند تفسير قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ)، «على القراءات الثلاث معناه: أنهم يتمنون أن يستووا بالأرض، فيكونوا ترابا مثلها على أظهر الأقوال، ويوضح هذا المعنى قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)[النبأ: ٤٠].
قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) بين في موضع آخر أن عدم الكتم المذكور هنا، إنما هو باعتبار إخبار أيديهم وأرجلهم بكل ما عملوا عند الختم على أفواههم إذا أنكروا شركهم ومعاصيهم، وهو قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [يس: ٦٥].
فلا يتنافى قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ)، مع قوله تعالى عنهم: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الأنعام: ٢٣].
وقوله تعالى عنهم أيضًا: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النحل: ٢٨]. وقوله عنهم: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [غافر: ٧٤]. للبيان الذي ذكرنا والعلم عند الله تعالى»89.
قال سيد قطب: «وهؤلاء الكافرون المختالون الفخورون الباخلون المبخلون، الكاتمون لفضل الله، المراؤون الذين لم يبتغوا وجه الله، هؤلاء هم نكاد نراهم من خلال التعبير! واقفين في الساحة، وقد انتدب الرسول صلى الله عليه وسلم للشهادة! هؤلاء هم بكل ما أضمروا وأظهروا، بكل ما كفروا وما أنكروا، بكل ما اختالوا وما افتخروا، بكل ما بخلوا وبخلوا، بكل ما راءوا وتظاهروا، هؤلاء هم في حضرة الخالق الذي كفروا به، الرازق الذي كتموا فضله وبخلوا بالإنفاق مما أعطاهم، في اليوم الآخر الذي لم يؤمنوا به، في مواجهة الرسول الذي عصوه.. فكيف؟؟؟ إنها المهانة والخزي، والخجل والندامة، مع الاعتراف حيث لا جدوى من الإنكار»90.
أولًا: عاقبة الكتمان المحمود:
إن كتمان السر المحمود عاقبته محمودة سواء في الدنيا أو في الآخرة، ومن أهم عواقب كتمان السر ما يأتي:
وفي الجملة فإن في كتمان السر العاقبة المحمودة والآمنة في الدنيا والآخرة، ويعتبر كتمان السر المحمود من جملة العبادات، ومن المبادئ الأخلاقية والاجتماعية الإسلامية الأصيلة..
[انظر: السر: أثر إفشاء السر على الفرد والمجتمع]
ثانيًا: عاقبة الكتمان المذموم:
يمكن ملاحظة واستخراج عاقبة الكتمان المذموم من الآيات الواردة في الكتمان المذموم على النحو الآتي:
موضوعات ذات صلة: |
السر، العلن، النجوى |
1 انظر: الصحاح، الجوهري ٥/٢٠١٨، مجمل اللغة، ابن فارس ص ٧٧٧، المحكم المحيط الأعظم، ابن سيده ٦/٧٧٩، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٥٠٦، المصباح المنير، الفيومي ٢/٥٢٥.
2 انظر: مقاييس اللغة ٥/١٥٧.
3 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٤/١٤٠، اللباب في علوم الكتاب ابن عادل ٣/١٠٤، لباب التأويل، الخازن ١/٩٧، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/١٨٢.
4 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٧٠٢، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٢١٢، الكليات، الكفوي ص ٥٦٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٦٦.
5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ٥٩٥-٥٩٦.
6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/١٥٧، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٧٠٢، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٤/٣٣٥.
7 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ١/٣٥٤، مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٢٠٢، لسان العرب، ابن منظور ١٤/٢٣٤، تاج العروس، الزبيدي ٣٧/٥٦٤، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٤٢.
8 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٨٩، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٤٢، الكليات، الكفوي ص ٥١٤.
9 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص ٤٤٧، تفسير الشعراوي ٦/٣٤١٨.
10 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٠٤، لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٦٣، المصباح المنير، الفيومي ١/٢٧٣، تاج العروس، الزبيدي ١٢/٧.
11 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٠٤، الكشاف، الزمخشري ٤/٧٣٦.
12 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص ٤٤٧.
13 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٠٤، لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٥٦، المصباح المنير، الفيومي ١/٢٧٣، تاج العروس، الزبيدي ١٢/٧.
14 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٠٤، التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٧٦، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٤١٢.
15 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٠٤، النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٤/٢٠٦، لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٥٦، تاج العروس، الزبيدي ١٢/٧.
16 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٠٤، لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٥٦، المصباح المنير، الفيومي ١/٢٧٣.
17 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٦٢٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/١٥٩، المفردات للراعب الأصفهاني ص ٧٢٧، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/١٦١.
18 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٠٤، لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٥٦، المصباح المنير، الفيومي ١/٢٧٣، تاج العروس، الزبيدي ١٢/٧.
19 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في استخلاف أبي بكر رضي الله عنه، رقم ٤٦٦٢، وأحمد في مسنده، رقم ١٨٩٢٦، ٤/٣٢٢.
وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
20 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/١٤٩، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص ٤٧١.
21 معجم لغة الفقهاء، قلعجي ص١٦٨.
22 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص ٢٨٧.
23 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٤/٢٠، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٥/٢١٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/٣٠١، روح المعاني، الألوسي ٨/٥٦٧، خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية، عبد العظيم المطعني ٢/٣٦٢.
24 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ٣/٧٦.
25 انظر: مفهوم الأسماء والصفات، سعد ندا، منشور في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة العدد ٤٦، عام ١٤٠٠-١٤٠١هـ، ص ٦١.
26 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٤/٥٨، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٦٥، التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ٣/٩١٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٣٤، تفسير الشعراوي ٨/٤٧٣٢.
27 انظر: جامع البيان، الطبري ١١/٤٠٢، أحكام القرآن، ابن العربي ٢/٢٥٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٨٢، فتح القدير، الشوكاني ٢/١٤١.
28 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/٢١٣، المعجم الموسوعي لألفاظ القرآن الكريم وقراءته، أحمد مختار عمر ص ١٠٣٣.
29 انظر: جامع البيان، الطبري ١/٥٠٠، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/١٢٣، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٤٧، مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٣٩٢.
30 السارب هو: الظاهر البارز، الذاهب حيث يشاء، والمتصرف في حوائجه، كما يأتي السارب بمعنى: المتواري والمستخفي هو: المختفي المستتر عن الأعين، لكن من خلال السياق يتبين أن معنى السارب هو: الظاهر لأنه في مقابل المستخفي.
انظر: غريب القرآن، ابن قتيبة ص ٢٢٥، معانى القرآن، الأخفش ٢/٤٠٢، معاني القرآن، النحاس ٣/٤٧٦.
31 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٣٦٦، التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٧، المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢٩٩.
32 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٥٣٥، التفسير الوسيط، الواحدي ٢/٢٣٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣٢٧، الجواهر الحسان، الثعالبي ٢/٤٢٦، تفسير الشعراوي ٦/٣٤١٨.
33 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٥٨٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/٢١٤، أسباب النزول، الواحدي ص ٤٤٢، التفسير المنير، الزحيلي ٢٩/٢١.
34 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٣٦٧، مفاتيح الغيب، الرازي ٤/٢٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٢٦١، التفسير الوسيط، الزحيلي ١/٥٦١.
35 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/١٠٢، البحر المحيط، أبو حيان ٢/٥٢١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٦٣٩، الكشاف، الزمخشري ٢/٢٩٣، مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/١٠٩.
36 انظر: جامع البيان، الطبري ١٤/٣٣١، النكت والعيون، الماوردي ٢/٣٧٨، معالم التنزيل، البغوي ٢/٣٦٥.
37 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/٥٣٥، الكشف والبيان، الثعلبي ٥/٦٤، مفاتيح الغيب، الرازي ١٦/٩٣، محاسن التأويل، القاسمي ٥/٤٤٨، أحكام القرآن، الجصاص ٤/٣٤٨، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/١١٣، صفوة التفاسير، الصابوني ١/٦٠.
38 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٥٨٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٢٩، معالم التنزيل، البغوي ٤/١٠٨، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٥٤، التفسير المنير، الزحيلي ٢٩/٨٩.
39 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٥٨٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٢٩، معالم التنزيل، البغوي ٤/١٠٨، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٥٤، التفسير المنير، الزحيلي ٢٩/٨٩.
40 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٤٠١، النكت والعيون، الماوردي ٣/٢٣٣ الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٢٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٥١، فتح القدير، الشوكاني ٤/٥٥٦، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٤٨، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/١٥٤، في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢١٧.
41 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما يدعى الناس بآبائهم، رقم ٦١٧٧، ٨/٤١، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم الغدر، رقم ١٧٣٥، ٣/١٣٥٩.
42 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٩٩.
43 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٣٧٥.
44 انظر: روح البيان، الخلواتي ٨/١٧٧، التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١٢/١٢٢٦.
45 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الملاحم، باب الأوامر والنواهي، رقم ٤٣٤٤، ٤/١٢٤، والترمذي ف سننه، أبواب الفتن، باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، رقم ٢١٧٤، ٤/٤٧١، والنسائي في سننه، كتاب البيعة، فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر، رقم ٤٢٠٩، ٧/١٦١، وابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رقم ٤٠١١، ٢/١٣٢٩،.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع ١/٤٤٠.
46 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/١٥٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٣٠٦، التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١٢/١٢٢٦، أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٣٨٤.
47 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/١٥٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٣٠٦، أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٣٨٤.
48 انظر: تفسير الشعراوي ١٤/٨٨٦٧، التفسير القرآني للقرآن، الخطيب ١١/٩١٨، أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٣٨٤.
49 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٢٤٩، أحكام القرآن، ابن العربي ٤/١٣٧، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٢٨٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٣٤٤، الإتقان في علوم القرآن، السيوطي ٤/١١٩.
50 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٣٢٨، تفسير الشعراوي ٨/٤٨٨٩.
51 انظر: التفسير الحديث، محمد عزت ٨/٦١١.
52 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، رقم ٢٢٠٤ ٢/٢٩٠.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٧/١٠٧: أخرجه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات.
53 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٢٤٩، أحكام القرآن، الجصاص ٣/٥٢٦، أحكام القرآن، ابن العربي ٤/١٣٧.
54 انظر: تفسير آيات الأحكام، السايس ص ١٩٢.
55 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب نقل الحديث، ٤/٢٦٧، رقم ٤٨٦٨، والترمذي في سننه، أبواب البر والصلة، باب ما جاء أن المجالس أمانة، ٤/٣٤٢، رقم ١٩٥٩.
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وحسنه الألباني في تعليقه على مشكاة المصابيح ٣/١٤٠٥.
56 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب تحريم إفشاء سر المرأة، رقم ١٤٣٧، ٢/١٠٦٠.
57 أخرجه مالك في الموطأ، كتاب المدبر، باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنا، رقم ١٢، ٢/٨٢٥، والحاكم في المستدرك على الصحيحين، رقم ٧٦١٥، ٤/٢٧٢.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
وهو كذلك عند الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ٢/٣٠٥.
58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم، رقم ٢٤٤٢، ٣/١٢٨، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم ٢٥٨٠، ٤/١٩٩٦،.
59 انظر: إعلام الموقعين، ابن القيم ٢/٥٠.
60 انظر: نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين ٨/٣٢٠٦.
61 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ١/٧٢، مفاتيح الغيب، الرازي ٤/١٣٩، غرائب القرآن، النيسابوري ١/٤٤٧، روح المعاني، الألوسي ١/٤٢٦، التفسير الوسيط، طنطاوي ١/٣٢٤.
62 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ١/٧٢، مفاتيح الغيب، الرازي ٤/١٣٩، غرائب القرآن، النيسابوري ١/٤٤٧، روح المعاني، الألوسي ١/٤٢٦.
63 انظر: أحكام القرآن، ابن العربي ١/٧٢، مفاتيح الغيب، الرازي ٤/١٣٩، غرائب القرآن، النيسابوري ١/٤٤٧، روح المعاني، الألوسي ١/٤٢٦.
64 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٤/١٤١، البحر المحيط، أبو حيان ١/٢٨٩، محاسن التأويل، القاسمي ١/٤٥٦.
65 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١/٤٠٧، تفسير السمعاني ١/٢٨٧، معالم التنزيل، البغوي ١/٣٩٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٧٢٨.
66 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهاداة، باب ما قيل في شهادة الزور، رقم ٢٦٥٤، ٣/١٧٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر، رقم ٨٧، ١/٩١.
67 انظر: تفسير السمعاني ١/٢٨٧، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٣٨٨، تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣٢٦، فتح القدير، الشوكاني ١/١٧٢، الزواجر عن اقتراف الكبائر، ابن حجر الهيتمي ٣/٢٣٣.
68 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١/٤٠٧، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٣٨٨، تفسير الراغب الأصفهاني ١/٣٢٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٤١٥.
69 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم ٥٢، ١/٢٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم ١٥٩٩، ٣/١٢١٩.
70 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب بيان خير الشهود، رقم ١٧١٩، ٣/١٣٤٤.
71 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٣٨٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٤١٥، التفسير الوسيط، الواحدي ١/٤٠٧، تفسير السمعاني ١/٢٨٧، فتح القدير، الشوكاني ١/١٧٢، الزواجر عن اقتراف الكبائر، ابن حجر الهيتمي ٣/٢٣٣.
72 انظر: تفسير الشيخ المراغى ٣/٧٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٢٠.
73 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٧٠.
74 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب (كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس)، رقم ٥٦٦ ، ٦/٣٧.
75 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٥٦، البحر المحيط، أبو حيان ٣/٢٠٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٧١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٣٤، التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/١٤٠.
76 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ١/٢٩٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٤٥.
77 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، المتشبع بما لم ينل، وما ينهى من افتخار الضرة، رقم ٥٢١٩، ٧/٣٥.
78 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٥٦، البحر المحيط، أبو حيان ٣/٢٠٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٧١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٣٤.
79 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٥٦، البحر المحيط، أبو حيان ٣/٢٠٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٤٧١، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٣٤.
80 انظر: العجاب في بيان الأسباب، ابن حجر ٢/٨٧٠، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٥٢، مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٧٩، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٩٣، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٧٤، أحكام القرآن، ابن العربي ١/٥٥٠، أحكام القرآن، الجصاص ٣/١٦٣.
81 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٥/٥٢، روح المعاني، الألوسي ٣/٣٠.
82 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٥١٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٠٣.
83 أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، رقم ٢٢٧٨، ٤/١٧٨٢.
84 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٣/١٦٣.
85 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٥٢، مفاتيح الغيب، الرازي ١٠/٧٩.
86 انظر: معالم التنزيل، البغوي ١/٦٢٥، الكشاف، الزمخشري ١/٥١٢، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٥٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٩٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٠٧، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٧٩.
87 انظر: معالم التنزيل، البغوي ١/٦٢٥، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٥٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/١٩٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٠٧.
88 انظر: المصادر السابقة.
89 انظر: أضواء البيان ١/٢٤١.
90 انظر: في ظلال القرآن ٢/٦٦٢.
91 أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، رقم ٢٤٥٥، ٣/٥٥، وأبو بكر البيهقي في شعب الإيمان، رقم ٦٢٢٨، ٩/٣٤.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ١٤٥٣، ٣/٤٣٩.
92 انظر: أدب الدنيا والدين، الماوردي ص ٣٠٦.
93 انظر: شرح صحيح البخارى، ابن بطال ٩/٢٦٣.
94 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، رقم ٦٠٧٠، ٨/٢٠.
95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، رقم ٦٠٦٩، ٨/٢٠، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم ٢٩٩٠، ٤/٢٢٩١.
96 انظر: فتح الباري، ابن حجر ١٠/٤٨٨.
97 انظر: سبل السلام، الصنعاني ٢/٦٣٨.
98 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه، رقم ٢٤٤٢، ٣/١٢٨، و مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم ٢٥٨٠، ٤/١٩٩٦.
99 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب البر والصلة، باب ما جاء أن المجالس أمانة، رقم ١٩٥٩، ٤/٣٤١، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في نقل الحديث، رقم ٤٨٦٨، ٤/٢٦٧.
والحديث حسنه الترمذي، والألباني في صحيح الجامع، رقم ٤٨٦، ١/١٤٦.