عناصر الموضوع
القتال
أولًا: المعنى اللغوي:
أصل مادة (قتل) تدل على إذلالٍ وإماتةٍ. وهما معنيان متقاربان1.
وقال الراغب الأصفهاني: «أصل القتل إزالة الروح عن الجسد كالموت، لكن إن اعتبر بفعل المتولي لذلك يقال: قتلٌ، وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال: موتٌ. يقال: قتله قتلًا وتقتالًا. وقاتله مقاتلةً وقتالًا. والقتلة -بالكسر- الحال أو الهيئة التي يقتل عليها، يقال: قتله قتلة سوء. والقتلة -بالفتح- المرة الواحدة. والقتلى: جمع قتيل، على وزن فعيل بمعنى مفعول للمفرد المذكر والمؤنث» 2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
من المعلوم أن هناك فرقًا في الدلالة والحكم بين القتل والقتال، وقد بين ذلك الفرق بجلاء الشيخ الإمام محمد الصالح العثيمين رحمه الله، وذلك بقوله: «القتل أخص من القتال؛ فهناك فرق بين القتل والقتال، فليس كل من جاز قتاله جاز قتله، ولهذا نقاتل إحدى الطائفتين المقتتلتين حتى تفيء إلى أمر الله، مع أنها مؤمنة لا يحل قتلها. أما القتل فليس يلزم منه مقاتلة الجميع، فقد يكون واحدٌ من هؤلاء يستحق القتل فنقتله ولا نقاتل الجميع، فتبين بهذا أنه لا تلازم بين القتال والقتل، وأن جواز القتال أوسع من جواز القتل؛ لأن القتل لا يكون إلا في أشياء معينة»3.
ومن هذا التفريق الدقيق بين المصطلحين يتبين دقة تعريف الإمام أبي بكر ابن العربي رحمه الله في قوله: «هو الصد عن الشيء بما يؤدي إلى القتل» 4.
وتستعمل كلمة: (القتال) اصطلاحًا بمعنى كلمة: (الجهاد) في اصطلاح الفقهاء، وهو قتال الكفار بالبدن ، وإذا أطلقت كلمة الجهاد فلا يراد بها إلا هذا المعنى عندهم5.
وردت مادة (قتل) في القرآن الكريم (١٧٠) مرة 6، يخص موضوع البحث منها(٧١) مرة.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٦ |
(ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الفتح:٢٢] |
الفعل المضارع |
٢٨ |
(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [التوبة:١٣] |
فعل الأمر |
١٤ |
(ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [المائدة:٢٤] |
المصدر |
١٣ |
(ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأحزاب:٢٥] |
وجاء القتال في القرآن الكريم بمعنى: المقاتلة والمحاربة بين اثنين7.
الجهاد:
الجهاد لغة:
الجهاد: المبالغة واستفراغ الوسع في الحرب، أو اللسان، أو ما أطاق من شيءٍ، والاجتهاد والتجاهد: بذل الوسع والمجهود8.
الجهاد اصطلاحًا:
الجهاد والمجاهدة: استفراغ الوسع في مدافعة العدو9، وزاد بعضهم وغلب استعماله شرعا في الدعوة إلى الدين الحق10.
الصلة بين الجهاد والقتال:
الجهاد أشمل من القتال من وجوه، أهمها: أن الجهاد يغلب عليه جهاد الحق ضد الباطل والقتال قد يكون من الحق على الباطل والعكس، وأن الجهاد مراتبه أربع، وهي: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد المنافقين، وجهاد الكافرين، والقتال يكون بالسلاح ضد الكفار.
الحرب:
الحرب لغةً:
الحرب: نقيض السلم، ورجل محرب أي: شجاع، وفلان حرب فلان أي: يحاربه، وحربته تحريبًا أي: حرشته على إنسان فأولع به وبعداوته11.
الحرب اصطلاحًا:
«دفع بشدة عن اتساع المدافع بما يطلب منه الخروج؛ فلا يسمح به ويدافع عنه بأشد مستطاع»12.
الصلة بين الحرب والقتال:
القتال قد يقتضي هجومًا فتكون المقاتلة، وقد يقتضي الدفاع فتكون المقاتلة أيضًا، وهذا بخلاف الحرب؛ الذي هو تكتيك إداري حينما يتطلب الدفع بشدة لاتساع المدافع بما يطلب منه الخروج.
البأس:
البأس لغةً:
يطلق على العذاب، والشدة في الحرب، يقال: بؤس، ككرم13.
البأس اصطلاحًا:
الشدة على العدو وغلبته في الحرب.
الصلة بين البأس والقتال:
البأس هو ناتج عن الحرب، التي هي جزء لا يتجزأ من مفهوم القتال.
جاء تشريع القتال تحقيقًا للحكمة الربانية في مواجهة الواقع الذي عاصره النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه -رضوان الله تعالى عليهم- بأحكام مرحلية تواجه كل مرحلة بما تتطلبها وبما يتفق مع قدرة المسلمين وعلاقتهم مع الأعداء.
فقد نزل الأمر بالقتال مرتبًا متدرجًا وفق خطوات الإعداد التربوي لهذه الأمة التي حملها الله تعالى مسؤولية إبلاغ هذا الدين للعالمين. فقد كان القتال ممنوعًا في أول الإسلام، ثم صار مأذونًا فيه ردًا للعدوان، ثم مأذونًا فيه للدفاع عن النفس، ثم مأمورًا به أمرًا عامًا مطلقًا.
وقد أجمل العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله مراحل تشريع القتال بكلمات جامعة دقيقة في كتابه «زاد المعاد» فعقد فيه فصلًا بعنوان «ترتيب سياق هديه مع الكفار والمنافقين من حين بعث إلى حين لقي الله عز وجل» قال فيه:
فأمر بأن يتم لأهل العهد والصلح عهدهم وأن يوفي لهم به ما استقاموا على العهد، فإن خاف منهم خيانة نبذ إليهم عهدهم ولم يقاتلهم حتى يعلمهم بنقض العهد، وأمر أن يقاتل من نقض عهده.
ولما نزلت: (سورة براءة) نزلت ببيان حكم هذه الأقسام كلها، فأمره فيها أن يقاتل عدوه من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية أو يدخلوا في الإسلام، وأمره فيها بجهاد الكفار والمنافقين والغلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيف والسنان، والمنافقين بالحجة واللسان14.
لذلك يتناول هذا المبحث التطور التاريخي للمراحل التي شرع فيها القتال. ويمكن أن نجملها بأربعة مراحل:
أولًا: مرحلة الكف عن القتال
بدأ الوحي يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن فاجأه جبريل عليه السلام بقوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [العلق:١].
ولم يأمره إذ ذاك بتبليغ الرسالة والدعوة. ثم أمره الله سبحانه وتعالى بتبليغ الرسالة وإنذار قومه بقوله: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [المدثر:١-٢].
فبدأ بدعوة أهل بيته، ثم بدعوة عشيرته الأقربين وقومه بالحسنى والموعظة، وأمره مع ذلك بالصفح والإعراض عن المشركين، فقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الحجر: ٩٤].
وقال سبحانه وتعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [الحجر: ٨٥-٨٦].
ثم أمر الله تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالدعاء إلى الدين بالوعظ والمجادلة بالأحسن فقال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [العنكبوت: ٤٦].
وقال: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [النحل: ١٢٥].
وفي هذه المرحلة -ويمكن أن نقول في هاتين المرحلتين المتصلتين في مكة المكرمة- لم يكن هناك أمر بقتال دفعًا أو هجومًا. ولذلك قال الإمام أبو بكر الرازي الجصاص: «لم تختلف الأمة أن القتال كان محظورًا قبل الهجرة»15.
ويدل على هذا قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [المائدة: ١٣].
وقوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الفرقان: ٦٣].
وقوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [آل عمران: ٢٠].
وقوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [فصلت: ٣٤-٣٥ ].
ولكن كبر على المشركين ما يدعوهم إليه، فناصبوه العداء، وتفننوا في صنوف الإيذاء والبلاء، يصبونهما على المؤمنين، حتى وصل بهم الأمر أن يتآمروا على النبي صلى الله عليه وسلم لتصفيته جسديًا.
كل هذا والقرآن الكريم يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر والصفح والكف، ولم يأذن له بقتال: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء: ٧٧ ].
ولما قال عبدالرحمن بن عوف وأصحاب له: (يا رسول الله كنا في عزة ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلاء! فقال عليه الصلاة والسلام: (إني أمرت بالعفو، فلا تقاتلوا القوم)16.
وقد كانت نفوس بعض المسلمين تتشوف إلى الإذن بالجهاد ليميلوا على المشركين ميلة واحدة وليدفعوا عن أنفسهم العدوان الواقع عليهم؛ فقد قال العباس بن عبادة بن نضلة ليلة بيعة العقبة: (والله الذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منىً غدًا بأسيافنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم)17.
قال الإمام الحافظ ابن كثير الدمشقي رحمه الله: «كان المؤمنون في ابتداء الإسلام وهم بمكة مأمورين بالصفح والعفو عن المشركين والصبر إلى حين، وكانوا يتحرقون ويودون لو أمروا بالقتال ليشتفوا من أعدائهم، ولم يكن الحال إذ ذاك مناسبًا لأسباب كثيرة، منها: قلة عددهم بالنسبة إلى كثرة عدد عدوهم، ومنها كونهم كانوا في بلدهم وهو بلد حرام وأشرف بقاع الأرض، فلم يكن الأمر بالقتال فيه ابتداء لائقًا. فلهذا لم يؤمر بالجهاد إلا بالمدينة، لما صارت لهم دارٌ ومنعة وأنصار»18.
ويقف الأستاذ سيد قطب رحمه الله عند آية سورة النساء يتلمس حكمة هذا الموقف، والأمر بالكف عن القتال، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والصبر والاحتمال حتى وبعض المسلمين يلقى من الأذى والعذاب ما لا يطاق، وبعضهم يتجاوز العذاب طاقته فيفتن عن دينه. وبعضهم لا يحتمل الاستمرار في العذاب فيموت تحت وطأته يقول قولة المؤمن الذي يتحرز عن الجزم فيما لا يمكن الجزم به لئلا يقول على الله بغير علم، فحسبه أن يشير إلى ما يراه من حكمة ثم يكل العلم الحقيقي إلى الله تعالى.
أما حكمة هذا: فلسنا في حلٍ من الجزم بها؛ لأننا حينئذ نتألى على الله ما لم يبين لنا من حكمة، ونفرض على أوامره أسبابًا وعللًا، قد لا تكون هي الأسباب والعلل الحقيقية، أو قد تكون ولكن يكون وراءها أسباب وعلل أخرى لم يكشف لنا عنها، ويعلم سبحانه أن فيها الخير والمصلحة.
وبهذا الأدب الواجب نتناول حكمة عدم فرض الجهاد في مكة وفرضيته في المدينة نذكر ما يتراءى لنا من حكمة وسبب على أنه مجرد احتمال وندع ما وراءه لله، لا نفرض على أمره أسبابًا وعللًا، لا يعلمها إلا هو ولم يحددها هو لنا ويطلعنا عليها بنص صريح! إنها أسباب اجتهادية تخطئ وتصيب، وتنقص وتزيد، ولا نبغي بها إلا مجرد تدبر أحكام الله، وفق ما تظهره لنا الأحداث في مجرى الزمان:
ثانيًا: مرحلة الإذن بالقتال:
أذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، وبدأ بتأسيس المجتمع الإسلامي الجديد فيها، وبدأ عهدٌ للإسلام مجيد. ومع هذا لم يشرع القتال في أول العهد بالمدينة، وإنما كان هناك أيضًا أمرٌ بالكف والصبر الجميل، وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود من أهلها ومن بقي على الشرك من العرب فيها وفيما حولها، معاهدة عرفت بصحيفة المدينة20.
ولعل الحكمة في عدم القتال في أول العهد في المدينة تظهر أيضًا -علاوة على ما سبق- في أمرين:
الأول: لأن هناك مجالًا للتبليغ والبيان، لا تقف له سلطة سياسية تمنعه وتحول بين الناس وبينه، فقد اعترف الجميع بالدولة المسلمة الجديدة وبقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تصريف شؤونها السياسية. فنصت المعاهدة على ألا يعقد أحد منهم صلحًا ولا يثير حربًا، ولا ينشئ علاقة خارجية إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان واضحا أن السلطة الحقيقية في المدينة في يد القيادة المسلمة، فالمجال أمام الدعوة مفتوح، والتخلية بين الناس وحرية الاعتقاد قائمة.
الثاني: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد التفرغ -في هذه المرحلة- لقريش التي تقوم معارضتها لهذا الدين حجر عثرة في وجه القبائل الأخرى الواقفة في حالة انتظار لما ينتهي إليه الأمر بين قريش وبعض بنيها21!
ولكن هذا الموقف كان مما زاد في عناد المشركين وزاد في كيدهم وعدوانهم وتآمرهم. وعند ذلك أذن الله تعالى للمسلمين بالقتال دفعًا، فقال سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الحج: ٣٩-٤١].
فكانت هذه الآية الكريمة أول آية نزلت في الجهاد -كما قال غير واحد من العلماء- فيها إذنٌ بالقتال لدفع العدوان ورده عن المؤمنين، لم يكن فيها وجوبٌ ولا أمرٌ.
ونقل الإمام محيي السنة البغوي22 عن المفسرين في هذه الآية أنهم قالوا: «كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يزالون محزونين من بين مضروب ومشجوج، ويشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل هذه الآية23. وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال، فنزلت هذه الآية بالمدينة. وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في قوم بأعيانهم خرجوا مهاجرين من مكة إلى المدينة، فكانوا يمنعون فأذن الله لهم في قتال الكفار الذين يمنعونهم من الهجرة».
ثالثًا: مرحلة القتال دفاعًا:
ثم فرض الله تعالى القتال على المسلمين بعد ذلك إذا كانت البداية من الكفار، فأوجب الله تعالى قتال من قاتلهم دون من لم يقاتلهم. فقال الله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة: ١٩٠].
قال الإمام أبو جعفر ابن جرير الطبري رحمه الله: «اختلف أهل التأويل في تأويل هذه الآية: فقال بعضهم: هذه الآية هي أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك. وقالوا: أمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من المشركين، والكف عمن كف عنهم، ثم نسخت بـ«براءة»24.
فعن الربيع قال: هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة، فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من يقاتله، ويكف عمن كف عنه، حتى نزلت «براءة».
وقال آخرون: بل ذلك أمرٌ من الله تعالى ذكره للمسلمين بقتال الكفار، لم ينسخ. وإنما الاعتداء الذي نهاهم الله عنه، هو نهيه عن قتل النساء والذراري. قالوا: والنهي عن قتلهم ثابتٌ حكمه اليوم، فلا شيء نسخ من حكم هذه الآية. فعن يحيى بن يحيى الغساني، قال: كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن قوله: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين»، قال: فكتب إلي: «إن ذلك في النساء والذرية ومن لم ينصب لك الحرب منهم».
ثم قال رحمه الله: «وأولى هذين القولين بالصواب، القول الذي قاله عمر بن عبد العزيز؛ لأن دعوى المدعي نسخ آيةٍ يحتمل أن تكون غير منسوخة، بغير دلالةٍ على صحة دعواه، تحكمٌ. والتحكم لا يعجز عنه أحد»25.
فلم يأمر الله تعالى المسلمين بقتال من طلب مسالمتهم ولا من هادنهم، قال سبحانه وتعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الأنفال: ٦١].
وينطوي في هذه المرحلة الأمر بالقتال في بعض الأزمنة والأمكنة دون غيرها:
فقد أمر الله تعالى بالقتال بشرط انسلاخ الأشهر الحرم، كما قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [التوبة: ٥].
وقد اختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم؛ فقال قوم: كان كبيرًا ثم نسخ بقوله تعالى: (ﯡ ﯢ) [التوبة: ٣٦].
كأنه يقول: فيهن وفي غيرهن. وهو قول قتادة، وعطاء الخراساني، والزهري، وسفيان الثوري، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين، وثقيفًا بالطائف، وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة.
وقال آخرون: إنه غير منسوخ. قال ابن جريج: حلف بالله عطاء بن أبي رباح: ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم، ولا في الأشهر الحرم، إلا أن يقاتلوا فيها، وما نسخت26.
ونهى عن القتال عند المسجد الحرام فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة: ١٩١].
قال محيي السنة البغوي: «وكان هذا في ابتداء الإسلام، كان لا يحل بدايتهم بالقتال في البلد الحرام، ثم صار منسوخًا بقوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأنفال: ٣٩].
هذا قول قتادة. وقال مقاتل بن حيان: قوله (ﭑ ﭒ ﭓ) أي حيث أدركتموهم في الحل والحرم، صارت هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ) ثم نسختها آية السيف في براءة، فهي ناسخة منسوخة. وقال مجاهد وجماعة: هذه الآية محكمة، ولا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم»27.
رابعًا: مرحلة القتال مطلقًا:
ثم أمر الله تعالى المسلمين بالقتال مطلقًا للمشركين كافة، إذ هم يقاتلونهم كافة.
فقال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [البقرة: ١٩١- ١٩٣].
وقال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة: ٢٤٤].
وقال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [التوبة: ١٢- ١٥].
وقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [التوبة: ٢٩].
وقال سبحانه وتعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [التوبة: ٣٦ ].
فكانت هذه المرحلة الأخيرة التي استقر عليها أمر الجهاد، إذ إن سورة التوبة -وفيها آية السيف أو آية الجزية- من أواخر القرآن الكريم نزولًا28.
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي: «فأمر بقتال المخالفين لدين الإسلام كافة، حتى لا يكون دين إلا دين الله تعالى الذي تعبد به عباده»29.
وهذا هو الذي خلص إليه أيضًا العلامة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله حيث قال بعد أن تتبع السياق التاريخي لهدي النبي صلى الله عليه وسلم مع الكفار والمنافقين من حين بعث إلى حين لقي الله عز وجل.
قال: «فاستقر أمر الكفار معه بعد نزول براءة على ثلاثة أقسام: محاربين له، وأهل عهد، وأهل ذمة.
ثم آلت حال أهل العهد والصلح إلى الإسلام، فصاروا معه قسمين: محاربين وأهل ذمة.
والمحاربون له خائفون منه. فصار أهل الأرض معه ثلاثة أقسام: مسلمٌ مؤمن به، ومسالمٌ له آمنٌ -أهل ذمة- وخائف محارب»30.
وهذا النظر للمراحل التي مر بها تشريع القتال والجهاد يشير إلى الأحكام المرحلية ليست أحكامًا نهائية تنسخ غيرها مثلًا أو تتعارض معها، فإن الإسلام يواجه كل مرحلة بما يناسبها. يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تعريفه بسورة التوبة «براءة»: «هذه السورة مدنية، من أواخر ما نزل من القرآن- إن لم تكن هي آخر ما نزل من القرآن- ومن ثم قد تضمنت أحكامًا نهائية في العلاقات بين الأمة المسلمة وسائر الأمم في الأرض والسورة- بهذا الاعتبار- ذات أهمية خاصة في بيان طبيعة المنهج الحركي للإسلام ومراحله وخطواته- حين تراجع الأحكام النهائية التي تضمنتها مع الأحكام المرحلية التي جاءت في السور قبلها- وهذه المراجعة تكشف عن مدى مرونة ذلك المنهج، وعن مدى حسمه كذلك.
وبدون هذه المراجعة تختلط هذه الصور والأحكام والقواعد كما يقع كلما انتزعت الآيات التي تتضمن أحكامًا مرحلية فجعلت نهائية ثم أريد للآيات التي تتضمن الأحكام النهائية أن تفسر وتؤول لتطابق تلك الأحكام المرحلية وبخاصة في موضوع الجهاد الإسلامي، وعلاقات المجتمع المسلم بالمجتمعات الأخرى»31.
ألمحت فيما سبق إلى أن القتال ظاهرة اجتماعية، عرفتها البشرية منذ عهدها الأول، وإلى أن القتال في الإسلام الذي هو الجهاد في سبيل الله -كما تقدم- له غاية وهدف، ولذلك تنوع القتال بحسب أصناف المقاتلين، وفيما يأتي بيان لذلك بإيجاز، في النقاط الآتية:
أولًا: الكفار وأئمتهم:
إذا أطلقت كلمة القتال، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو قتال الكافرين والمشركين بعامة، وقد تواترت الآيات القرآنية الكريمة في ذلك، فقال الله تعالى مبينًا أن شأن الكفار هو قتال المؤمنين، فكان من الواجب قتالهم لرد العدوان ودرء الفتنة عن المسلمين: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [البقرة: ١٩١- ١٩٣].
وهذا أمرٌ بقتالهم، أينما وجدوا في كل وقت، وفي كل زمان قتال مدافعةٍ، وقتال مهاجمةٍ، ثم استثنى من هذا العموم قتالهم (ﭠ ﭡ ﭢ) وأنه لا يجوز إلا أن يبدؤوا بالقتال، فإنهم يقاتلون جزاءً لهم على اعتدائهم، وهذا مستمر في كل وقت، حتى ينتهوا عن كفرهم فيسلموا، فإن الله يتوب عليهم، ولو حصل منهم ما حصل من الكفر بالله والشرك في المسجد الحرام، وصد الرسول والمؤمنين عنه، وهذا من رحمته وكرمه بعباده.
ولما كان القتال عند المسجد الحرام، يتوهم أنه مفسدة في هذا البلد الحرام، أخبر تعالى أن المفسدة بالفتنة عنده بالشرك، والصد عن دينه، أشد من مفسدة القتل، فليس عليكم - أيها المسلمون - حرج في قتالهم. ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة، وهي: «أنه يرتكب أخف المفسدتين، لدفع أعلاهما».
ثم ذكر تعالى المقصود من القتال في سبيله، وأنه ليس المقصود به، سفك دماء الكفار، وأخذ أموالهم، ولكن المقصود به: أن (ﭻ ﭼ ﭽ) تعالى، فيظهر دين الله تعالى على سائر الأديان، ويدفع كل ما يعارضه، من الشرك وغيره، وهو المراد بالفتنة، فإذا حصل هذا المقصود، فلا قتل ولا قتال، (ﭿ ﮀ) عن قتالكم عند المسجد الحرام (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) أي: فليس عليهم منكم اعتداء، إلا من ظلم منهم، فإنه يستحق المعاقبة، بقدر ظلمه32.
قال الإمام أبو جعفر الطبري: يعني تعالى ذكره بذلك: واقتلوا -أيها المؤمنون- الذين يقاتلونكم من المشركين حيث أصبتم مقاتلهم وأمكنكم قتلهم، وذلك هو معنى قوله: «حيث ثقفتموهم»أي: اقتلوهم في أي مكان تمكنتم من قتلهم، وأبصرتم مقاتلهم. وأما قوله: «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم» فإنه يعنى بذلك المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم ومنازلهم بمكة، فقال لهم تعالى ذكره: أخرجوا هؤلاء الذين يقاتلونكم - وقد أخرجوكم من دياركم - من مساكنهم وديارهم كما أخرجوكم منها والشرك بالله أشد من القتل33.
وتأتي الآيات الكريمة لتأكيد هذا المعنى فيقول الله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنفال: ٣٩].
وقال سبحانه وتعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [محمد: ٤].
يقول تعالى ذكره لفريق الإيمان به وبرسوله: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) بالله ورسوله من أهل الحرب، فاضربوا رقابهم حتى إذا غلبتموهم وقهرتم من لم تضربوا رقبته منهم، فصاروا في أيديكم أسرى، فشدوهم في الوثاق كيلا يقتلوكم، فيهربوا منكم. فإذا أسرتموهم بعد الإثخان، فإما أن تمنوا عليهم بعد ذلك بإطلاقكم إياهم من الأسر، وتحرروهم بغير عوض ولا فدية، وإما أن يفادوكم فداء بأن يعطوكم من أنفسهم عوضًا حتى تطلقوهم، وتخلوا لهم السبيل34.
قال الإمام البغوي رحمه الله: «واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فقال قوم: هي منسوخة بقوله: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الأنفال:٥٧].
وبقوله: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [التوبة:٥].
وإلى هذا القول ذهب قتادة والضحاك والسدي وابن جريج، وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي، قالوا: لا يجوز المن على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء.
وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة، والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم أو يسترقهم أو يمن عليهم، فيطلقهم بلا عوض أو يفاديهم بالمال، أو بأسارى المسلمين، وإليه ذهب ابن عمر، وبه قال الحسن، وعطاء، وأكثر الصحابة والعلماء، وهو قول الثوري، والشافعي، وأحمد وإسحاق.
قال ابن عباس: لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله عز وجل في الأسارى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ). وهذا هو الأصح والاختيار، لأنه عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده»35.
ثم تتوارد الآيات الكريمة في الأمر بقتال الكفار عندما يتولون ويعرضون عن الدين والتزام الأمان والسلم، وعندما ينقضون العهود والمواثيق، فيقول الله تبارك وتعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [النساء: ٨٩].
ويقول سبحانه وتعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [التوبة: ٥].
وهذه المعاني نصت عليها الآيات الأخرى، وخصت بالذكر أئمة الكفر وصناديده، وهم القادة في الكفر، من الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن، الناصرين لدين الشيطان، وخصهم بالذكر لعظم جنايتهم، ولأن غيرهم تبعٌ لهم، وليدل على أن من طعن في الدين وتصدى للرد عليه، فإنه من أئمة الكفر36.
فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [التوبة: ٧ -١٣].
ثانيًا: أهل الكتاب:
وإذا كان القتال موجهًا في المطلب السابق للكفار بعامة ولأئمتهم وصناديدهم بخاصة، فإن الأمر كذلك توجه للمؤمنين بقتال صنف من الكفار، وهم أهل الكتاب، فإنهم استجمعوا من الصفات ما يسوغ قتالهم إلى أن يسلموا أو يدفعوا الجزية.
فقال الله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [التوبة: ٢٩].
وهذه الآية الكريمة نزلت أول الأمر بقتال أهل الكتاب بعدما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجًا واستقامت جزيرة العرب، أمر الله ورسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى، وكان ذلك في سنة تسع؛ ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الروم ودعا الناس إلى ذلك وأظهره لهم، وبعث إلى أحياء العرب حول المدينة فندبهم، واجتمع من المقاتلة نحو ثلاثين ألفًا، وتخلف بعض الناس من أهل المدينة ومن حولها من المنافقين وغيرهم؛ وكان ذلك في عام جدب، ووقت قيظ وحرٍ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الشام لقتال الروم فبلغ تبوك فنزل بها وقوله: (ﮓ ﮔ ﮕ) أي: إن لم يسلموا (ﮖ ﮗ) أي: عن قهر لهم (ﮘ ﮙ) أي: ذليلون حقيرون مهانون، فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين، بل هم أذلاء صغرة أشقياء37.
وقد أخبر الله تعالى عن أهل الكتاب أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر مع إظهارهم الإيمان بالنشور والبعث. وذلك يحتمل وجوهًا:
أحدها: أن يكون مراده لا يؤمنون باليوم الآخر على الوجه الذي يجري حكم الله فيه من تخليد أهل الكتاب في النار وتخليد المؤمنين في الجنة، فلما كانوا غير مؤمنين بذلك أطلق القول فيهم بأنهم لا يؤمنون باليوم الآخر، ومراده حكم يوم الآخر وقضاؤه فيه، كما تقول: أهل الكتاب غير مؤمنين بالنبي، والمراد بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل فيه: إنه أطلق ذلك فيهم على طريق الذم؛ لأنهم بمنزلة من لا يقر به في عظم الجرم، كما أنهم بمنزلة المشركين في عبادة الله تعالى بكفرهم الذي اعتقدوه. وقيل أيضًا: لما كان إقرارهم عن غير معرفة، لم يكن ذلك إيمانًا، وأكثرهم بهذه الصفة.
وقوله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) فإن دين الحق هو الإسلام، قال الله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ)[آل عمران:١٩].
وهو التسليم لأمر الله وما جاءت به رسله والانقياد له والعمل به، والدين يتصرف على وجوه: منها الطاعة، ومنها القهر، ومنها الجزاء. ودين اليهود والنصارى غير دين الحق لأنهم غير منقادين لأمر الله ولا طائعين له، لجحودهم نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: فهم يدينون بدين التوراة والإنجيل معترفون به منقادون له؟
فالجواب على ذلك: في التوراة والإنجيل ذكر نبينا، وأمرنا بالإيمان واتباع شرائعه، وهم غير عاملين بذلك بل تاركون له، فهم غير متبعين دين الحق.
وأيضًا: فإن شريعة التوراة والإنجيل قد نسخت، والعمل بها بعد النسخ ضلال، فليس هو إذًا دين الحق.
وأيضًا: فهم قد غيروا المعاني وحرفوها عن مواضعها وأزالوها إلى ما تهواه أنفسهم دون ما أوجبه عليهم كتاب الله تعالى، فهم غير دائنين دين الحق38.
والذي يتلخص بعد ذلك: أن هذه الآية الكريمة فيها أمرٌ بقتال الكفار من اليهود والنصارى من (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) إيمانًا صحيحًا يصدقونه بأفعالهم وأعمالهم، ولا يحرمون ما حرم الله، فلا يتبعون شرعه في تحريم المحرمات، (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) أي: لا يدينون بالدين الصحيح، وإن زعموا أنهم على دين، فإنه دين غير الحق، لأنه إما بين دين مبدل، وهو الذي لم يشرعه الله أصلًا، وإما دين منسوخ قد شرعه الله، ثم غيره بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فيبقى التمسك به بعد النسخ غير جائز.
فأمره بقتال هؤلاء وحث على ذلك، لأنهم يدعون إلى ما هم عليه، ويحصل الضرر الكثير منهم للناس بسبب أنهم أهل كتاب. وغاية ذلك القتال (ﮓ ﮔ ﮕ) أي: المال الذي يكون جزاء لترك المسلمين قتالهم، وإقامتهم آمنين على أنفسهم وأموالهم بين أظهر المسلمين، يؤخذ منهم كل عام، كلٌ على حسب حاله، من غني وفقير ومتوسط، كما فعل ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وغيره من أمراء المؤمنين.
وقوله: (ﮖ ﮗ) أي: حتى يبذلوها في حال ذلهم وعدم اقتدارهم ويعطونها بأيديهم، فلا يرسلون بها خادما ولا غيره، بل لا تقبل إلا من أيديهم (ﮘ ﮙ) فإذا كانوا بهذه الحال، وسألوا المسلمين أن يقروهم بالجزية، وهم تحت أحكام المسلمين وقهرهم، وحال الأمن من شرهم وفتنتهم، واستسلموا للشروط التي أجراها عليهم المسلمون مما ينفي عزهم وتكبرهم ويوجب ذلهم وصغارهم39؛ وجب على الإمام أو نائبه أن يعقدها لهم. وإلا بأن لم يفوا ولم يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون لم يجز إقرارهم بالجزية، بل يقاتلون حتى يسلموا40.
ثالثًا: المرتدون.
وهذا صنف ثالث من أصناف الذين يقاتلهم المسلمون، ويكون قتالهم جهادًا في سبيل الله؛ لأنه قتال لإعلاء كلمة الله تعالى، بل قد يكون قتالهم أولى من قتال الكفار الأصليين. وفي بيان حال المرتدين يقول الله سبحانه وتعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [البقرة: ٢١٧].
قال الإمام عبد الحق ابن عطية رحمه الله في بيان الردة وما يترتب عليها، في تفسيره لهذه الآية الكريمة:
«أي: من يرجع عن الإسلام إلى الكفر. قالت طائفة من العلماء: يستتاب المرتد فإن تاب وإلا قتل.
وقال عبيد بن عمير وطاووس والحسن -على خلاف عنه- والشافعي في أحد قوليه: يقتل دون أن يستتاب. وروي نحو هذا عن أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل.
ومقتضى قولهما أنه يقال له للحين: راجع. فإن أبى ذلك قتل، وقال عطاء بن أبي رباح: إن كان المرتد ابن مسلمين قتل دون استتابة، وإن كان أسلم ثم ارتد استتيب، وذلك لأنه يجهل من فضل الإسلام ما لا يجهل ابن المسلمين.
واختلف القائلون بالاستتابة: فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يستتاب ثلاثة أيام. وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي والشافعي في أحد قوليه.
وقال الزهري: يدعا إلى الإسلام، فإن تاب وإلا قتل.
وروي عن علي أبي طالب رضي الله عنه أنه استتاب مرتدًا شهرًا فأبى فقتله، وقال النخعي والثوري: يستتاب محبوسًا أبدًا. قال ابن المنذر: واختلفت الآثار عن عمر في هذا الباب.
قال القاضي أبو محمد: كان رضي الله عنه ينفذ بحسب جرم ذلك المرتد أو قلة جرمه المقترن بالردة»41.
رابعًا: الطائفة الممتنعة عن أداء أحد أركان الإسلام.
إن تتبع الأحكام الشرعية في قتال فئات وطوائف تتصف بصفة معينة أو تمتنع عن الالتزام بحكم من الأحكام الظاهرة أو تترك شعيرة من شعائره يجعلنا نخرج بحكم كليٍّ أو قاعدة عامة في قتال الطائفة الممتنعة عن أداء أحد أركان الإسلام، وهو وجوب قتالها حتى تعود إلى الإقرار والطاعة والالتزام، فتتمتع عندئذ بالعصمة، أو تعود إليها العصمة التي سقطت عنها بامتناعها عن أداء الركن.
وقد أبان عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله خير بيان وأوضحه، واستدل له بالآيات الكريمة الواضحة الدلالة فقال:
«أجمع علماء المسلمين على أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة فإنه يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله، فلو قالوا: نصلي ولا نزكي، أو نصلي الخمس ولا نصلي الجمعة ولا الجماعة، أو نقوم بمباني الإسلام الخمس ولا نحرم دماء المسلمين وأموالهم، أو لا نترك الربا ولا الخمر ولا الميسر، أو نتبع القرآن ولا نتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نعمل بالأحاديث الثابتة عنه، أو نعتقد أن اليهود والنصارى خير من جمهور المسلمين وأن أهل القبلة قد كفروا بالله ورسوله ولم يبق منهم مؤمن إلا طائفة قليلة، أو قالوا: إنا لا نجاهد الكفار مع المسلمين، أو غير ذلك من الأمور المخالفة لشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وما عليه جماعة المسلمين؛ فإنه يجب جهاد هذه الطوائف جميعها كما جاهد المسلمون مانعي الزكاة، وجاهدوا الخوارج وأصنافهم، وجاهدوا الخرمية والقرامطة والباطنية وغيرهم من أصناف أهل الأهواء والبدع الخارجين عن شريعة الإسلام.
وذلك لأن الله تعالى يقول في كتابه: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [البقرة: ١٩٣].
فإذا كان بعض الدين لله وبعضه لغير الله وجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله.
وقال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ) [التوبة: ٥].
فلم يأمر بتخلية سبيلهم إلا بعد التوبة من جميع أنواع الكفر وبعد إقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
وقال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة: ٢٧٨ - ٢٧٩].
فقد أخبر تعالى أن الطائفة الممتنعة إذا لم تنته عن الربا فقد حاربت الله ورسوله، والربا آخر ما حرم الله في القرآن فما حرمه قبله أوكد.
وقال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ) [المائدة: ٣٣ ].
فكل من امتنع من أهل الشوكة عن الدخول في طاعة الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله، ومن عمل في الأرض بغير كتاب الله وسنة رسوله فقد سعى في الأرض فسادًا؛ ولهذا تأول السلف هذه الآية على الكفار وعلى أهل القبلة؛ حتى أدخل عامة الأئمة فيها قطاع الطريق الذين يشهرون السلاح لمجرد أخذ الأموال، وجعلوهم بأخذ أموال الناس بالقتال محاربين لله ورسوله ساعين في الأرض فسادًا، وإن كانوا يعتقدون تحريم ما فعلوه ويقرون بالإيمان بالله ورسوله. فالذي يعتقد حل دماء المسلمين وأموالهم ويستحل قتالهم، أولى بأن يكون محاربًا لله ورسوله، ساعيًا في الأرض فسادًا من هؤلاء. كما أن الكافر الحربي الذي يستحل دماء المسلمين وأموالهم ويرى جواز قتالهم، أولى بالمحاربة من الفاسق الذي يعتقد تحريم ذلك
وقد قال تعالى في كتابه: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [النساء: ٦٥].
فكل من خرج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشريعته فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع ما يشجر بينهم من أمور الدين والدنيا وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه. ودلائل القرآن على هذا الأصل كثيرة.
وبذلك جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين؛ ففي «الصحيحين»42: عن أبي هريرة قال: (لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد من العرب قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم أموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)؟ فقال أبو بكر: ألم يقل إلا بحقها؟ فإن الزكاة من حقها، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. فقال عمر: فو الله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق). فاتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال أقوام يصلون ويصومون إذا امتنعوا عن بعض ما أوجبه الله عليهم من زكاة أموالهم.
وهذا الاستنباط من صديق الأمة قد جاء مصرحًا به. ففي «الصحيحين»43: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها).
فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقتالهم حتى يؤدوا هذه الواجبات. وهذا مطابق لكتاب الله. وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة، وأخرج منها أصحاب الصحيح عشرة أوجه ذكرها مسلم في «صحيحه» وأخرج منها البخاري غير وجهٍ، وقال الإمام أحمد رحمه الله صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه»44.
خامسًا: الطائفة المعتدية على الأخرى من المؤمنين:
أقام الإسلام العلاقة بين المؤمنين على أساس العقيدة والإيمان والأخوة الإسلامية التي ينتفي معها القتال بين المؤمنين، لأن العصمة وحرمة الدم والمال والعرض ثابتة لكل منهم بإيمانه وإسلامه، فلا يجوز أن يكون القتال بين فئتين مسلمتين، أو بين دولتين مسلمتين -عندما توزعت الأمة الواحدة إلى دول-إلا أن الإسلام يعالج كل الاحتمالات والوقائع التي قد تطرأ فتحمل بعض الناس من المؤمنين على بغي أو عدوان على آخرين منهم، وهنا يجب المبادرة إلى الإصلاح ورفع العدوان والبغي الواقع من إحدى الطائفتين على الأخرى45.
قال الله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الحجرات: ٩-١٠].
وقد تضمنت الآيات تعليمًا رائع المدى بشأن ما قد يقوم من قتال بين فريقين من المؤمنين. والتعليم هنا موجه إلى فريق ثالث ليس طرفًا في القتال، يجب عليه ألا يقف موقف المتفرج، بل عليه أن يسارع إلى فض القتال والإصلاح بين المتقاتلين المسلمين الذين هم إخوة لا يجوز أن يقع بينهم قتال ولا نزال ولا بغي على أحد، ويعمل على إحقاق الحق لأهله بدون محاباة، ونصرة المظلوم ولو بالسلاح، إذا لم يرتدع الظالم ويقف عند الحق والعدل وحدود الله.
وقد روى المفسرون أن الآيتين نزلتا في مناسبة نزاع بين أسرتين أو عشيرتين أدى إلى قتال بينهما46، ولكن الحكم يبقى أوسع مدى من الواقعة التي نزلت الآيات بسببها؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما يقول علماؤنا رحمهم الله تعالى.
وهذا يسوغ القول بأن الآيات الكريمة استهدفت تقريرا قاعدة عامة أوسع شمولًا، وينطوى في حكمها أن يكون القتال بين حكومتين إسلاميتين، أو فتنة قتالية بين حكومة إسلامية ورعيتها مع وجود حكومة أو حكومات إسلامية أخرى ليست طرفًا في النزاع والقتال، وأن التوجيه الذي احتوته الآيات هو وجوب تدخل هذه الحكومة أو الحكومات بين المتقاتلين لإصلاح الأمر وحل النزاع ووقف القتال على أساس الحق والعدل، ووجوب نصر من وقع عليه البغي -إذا أبى الباغي الإذعان لحكم الله- إلى أن يذعن له47.
والمعنى الإجمالي العام للآيات الكريمة: وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا فأصلحوا -أيها المؤمنون- بينهما بدعوتهما إلى الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والرضا بحكمهما، فإن اعتدت إحدى الطائفتين وأبت الإجابة إلى ذلك، فقاتلوها حتى ترجع إلى حكم الله ورسوله، فإن رجعت فأصلحوا بينهما بالإنصاف، واعدلوا في حكمكم بأن لا تتجاوزوا في أحكامكم حكم الله وحكم رسوله، إن الله يحب العادلين في أحكامهم القاضين بين خلقه بالقسط، فإنما المؤمنون إخوة في الدين، فأصلحوا بين أخويكم إذا اقتتلا وخافوا الله في جميع أموركم؛ رجاء أن ترحموا48.
قال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره: وإن طائفتان من أهل الإيمان اقتتلوا، فأصلحوا أيها المؤمنون بينهما بالدعاء إلى حكم كتاب الله، والرضا بما فيه لهما وعليهما، وذلك هو الإصلاح بينهما بالعدل، فإن أبت إحدى هاتين الطائفتين الإجابة إلى حكم كتاب الله له، وعليه وتعدت ما جعل الله عدلًا بين خلقه، وأجابت الأخرى منهما، فقاتلوا التي تعتدي، وتأبى الإجابة إلى حكم الله حتى ترجع إلى حكم الله الذي حكم في كتابه بين خلقه؛ فإن رجعت الباغية بعد قتالكم إياهم إلى الرضا بحكم الله في كتابه، فأصلحوا بينها وبين الطائفة الأخرى التي قاتلتها بالعدل يعني: بالإنصاف بينهما، وذلك حكم الله في كتابه الذي جعله عدلًا بين خلقه49.
سادسًا: البغاة:
قد ترى جماعة من المسلمين في المجتمع المسلم رأيًا فتتمسك به وتدافع عنه، أو تتأول حكمًا تنفرد به وتتعصب له، وتدافع عنه بعنف حتى تبغي على غيرها، ويترابط أفرادها بعضهم مع بعضٍ حتى يخشى بأسهم، أو يصبحوا على حالة تؤدي إلى تفرق الكلمة، وتجزئة الصف، بل ربما تطمع تلك الحالة العدو بالمسلمين بعد إظهار خلع طاعة الإمام الحاكم، وهؤلاء هم البغاة الذين بغوا على أهل العدل، فسوغ ذلك قتالهم، فيما أسماه علماؤنا بـ «حروب المصالح»50.
قال الله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الحجرات: ٩].
البغي في اللغة العربية: هو طلب الشيء، يقال: بغيت كذا إذا طلبته. ومن ذلك قوله تعالى حكاية عن موسى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الكهف:٦٤].
ثم اشتهر البغي عرفًا في التعدي وطلب ما لا يحل من الجور والظلم، وإن كانت اللغة لا تمنع أن يكون البغي بحق، ومن ذلك قوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأعراف:٣٣]51.
ويختلف الفقهاء في تعريف البغي اصطلاحًا لاختلافهم في الشروط التي يجب توافرها في البغاة، ولمحاولة الفقهاء في أكثر من مذهب أن يجمعوا في التعريف بين أركان البغي وشروطه ورغبتهم أن يكون التعريف جامعًا مانعًا، ونستطيع أن نعرف البغي تعريفًا مشتركًا فيه كل المذاهب إذا اكتفينا بإبراز الأركان الأساسية في التعريف فنقول: إن البغي هو الخروج على الإمام مغالبةً52.
ومن تعريف البغي يؤخذ تعريف البغاة، وهي جمع لكلمة الباغي، وهو في الشرع: الخارج على الإمام العدل. فالبغاة هم طائفة من الناس جمعت بين ثلاثة أمور:
فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل، ونصبوا إمامًا: فالحكم فيهم أن يبعث الإمام إليهم ويدعوهم إلى طاعته، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم، وإن لم يذكروا مظلمة، وأصروا على بغيهم، قاتلهم الإمام حتى يفيئوا إلى طاعته.
ثم الحكم في قتالهم: أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم، ولا يجهز على جريحهم، فقد نادى منادي عليٍ رضي الله عنه يوم الجمل: ألا لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح54.
وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى في حال القتال من نفس أو مال فلا ضمان عليه. قال ابن شهاب الزهري: كانت في تلك الفتنة دماء يعرف في بعضها القاتل والمقتول، وأتلف فيها أموال كثيرة، ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم، وجرى الحكم عليهم، فما علمته اقتص من أحد ولا أغرم مالًا أتلفه.
أما من لم يجتمع فيهم هذه الشرائط الثلاث بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم، أو لم يكن لهم تأويل، أو لم ينصبوا إمامًا فلا يتعرض لهم إن لم ينصبوا قتالًا ولم يتعرضوا للمسلمين، فإن فعلوا فهم كقطاع الطريق55.
روي أن عليًا رضي الله عنه سمع رجلًا يقول في ناحية المسجد: «لا حكم إلا لله تعالى»، فقال عليٌ: كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال56.
قال العلامة أبو بكر الجصاص رحمه الله: «قد اقتضى ظاهر الآية الأمر بقتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله، وهو عموم في سائر ضروب القتال، فإن فاءت إلى الحق بالقتال بالعصي والنعال لم يتجاوز به إلى غيره، وإن لم تفئ بذلك قوتلت بالسيف على ما تضمنه ظاهر الآية. وغير جائزٍ لأحد الاقتصار على القتال بالعصي دون السلاح مع الإقامة على البغي وترك الرجوع إلى الحق، وذلك أحد ضروب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذاك أضعف الإيمان)57.
فأمر بإزالة المنكر باليد، ولم يفرق بين السلاح وما دونه، فظاهره يقتضي وجوب إزالته بأي شيء أمكن.
وذهب قوم إلى أن قتال أهل البغي إنما يكون بالعصي والنعال وما دون السلاح وأنهم لا يقاتلون بالسيف، واحتجوا بما روينا من سبب نزول الآية وقتال القوم الذين تقاتلوا بالعصي والنعال. وهذا لا دلالة فيه على ما ذكروا؛ لأن القوم تقاتلوا بما دون السلاح، فأمر الله تعالى بقتال الباغي منهما ولم يخصص قتالنا إياه بما دون السلاح وكذلك نقول متى ظهر لنا قتال من فئة على وجه البغي قابلناه بالسلاح وبما دونه حتى ترجع إلى الحق، وليس في نزول الآية على حال قتال الباغي لنا بغير سلاح ما يوجب أن يكون الأمر بقتالنا إياهم مقصورًا على ما دون السلاح مع اقتضاء عموم اللفظ للقتال بسلاح وغيره. ألا ترى أنه لو قال: «من قاتلكم بالعصي فقاتلوه بالسلاح» لم يتناقض القول به؟ فكذلك أمره إيانا بقتالهم؛ إذ كان عمومه يقتضي القتال بسلاح وغيره، وجب أن يجرى على عمومه وأيضا قاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه الفئة الباغية بالسيف»58.
ثم أبان عن واجب الإمام في التعامل مع أهل البغي وما يبدؤهم به فقال59: «أمر الله عند ظهور القتال منهم بالإصلاح بينهما، وهو أن يدعوا إلى الصلاح والحق وما يوجبه الكتاب والسنة والرجوع عن البغي، وقوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) يعني -والله أعلم -: إن رجعت إحداهما إلى الحق وأرادت الصلاح وأقامت الأخرى على بغيها وامتنعت من الرجوع فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله. فأمر تعالى بالدعاء إلى الحق قبل القتال، ثم إن أبت الرجوع قوتلت. وكذا فعل علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- بدأ بدعاء الفئة الباغية إلى الحق واحتج عليهم، فلما أبوا القبول قاتلهم.
وفي هذه الآية دلالة على أن اعتقاد مذاهب أهل البغي لا يوجب قتالهم ما لم يقاتلوا؛ لأنه قال: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)، فإنما أمر بقتالهم إذا بغوا على غيرهم بالقتال، وكذلك فعل علي بن أبي طالب مع الخوارج؛ وذلك لأنهم حين اعتزلوا عسكره بعث إليهم عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- فدعاهم، فلما أبوا الرجوع ذهب إليهم فحاجهم فرجعت منهم طائفة وأقامت طائفة على أمرها، فلما دخلوا الكوفة خطب فحكمت الخوارج من نواحي المسجد وقالت: «لا حكم إلا لله» فقال علي رضي الله عنه: «كلمة حق يراد بها باطل، أما إن لهم ثلاثًا: أن لا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيها اسمه، وأن لا نمنعهم حقهم من الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا، وأن لا نقاتلهم حتى يقاتلونا»60.
تنزلت الآيات الكريمة، وتواردت الأحاديث النبوية الشريفة وتواترت الوقائع العملية في السيرة النبوية في بيان أحكام القتال، والشروط الواجب توفرها فيمن يجب عليه القتال و الجهاد.
ثم رسمت الآيات الكريمة والأحاديث النبوية صورة مزرية للمتقاعسين والمتخلفين عن القتال بدون عذر، أو المتلمسين للأعذار الكاذبة. واستتبع ذلك بيان الآثار المترتبة على القتال في الأنفس والأموال، فقد أبانت الآيات عن حكم الفيء والغنائم والجزية التي تؤخذ من الكفار، وحكم الأسرى الذين يقعون في أيدي المقاتلين المسلمين.
وسيتم الحديث عنها في النقاط الآتية:
أولًا: حكم القتال وشروطه:
١. حكم القتال.
الأصل العام والقاعدة المقررة أن قتال الكفار -أو الجهاد بمعناه الخاص- واجب على المسلمين إلا أنهم في سعة من ذلك حتى يحتاج إليهم. ويدل على أصل الوجوب أو الفرضية آيات قرآنية كريمة وأحاديث نبوية كثيرة.
فمن الآيات الكريمة؛ قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [التوبة: ٥].
وقوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [التوبة: ١٢].
وقوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنفال: ٣٩ ].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة: ٢١٦].
وقوله تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ) [التوبة: ٣٦].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [التوبة: ٤١].
وقال عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)61.
والأمر المطلق في هذه الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة يقتضي اللزوم. فاقتضى هذا أن القتال والجهاد فريضة محكمة يكفر جاحدها، وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنةوالإجماع62.
وقد أجمع علماء المسلمين وفقهاء الأمة الإسلامية -منذ العصور الأولى: على هذه الفرضية. ولكن وقع الخلاف بينهم -بعد ذلك- في نوع هذا الفرض وكيفيته، هل هو فرض عين أو فرض كفاية؟
والأمر فيه لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون النفير عامًا 63، وإما أن لا يكون، لأن الكفار مستقرون ببلادهم لم يبدؤونا بالقتال، ولذلك نبحث حكم القتال في هاتين الحالتين:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الجهاد فرض كفاية إن لم يكن النفير عامًا، إذا قام به بعض المكلفين ممن يتأدى بهم الفرض، وتحصل بهم الكفاية، سقط الوجوب عن الباقين وكانوا في سعة من تركه، لأن المطلوب حصوله في نفسه من مجموع المكلفين. وإن لم يقم به أحد من المكلفين بقي الخطاب موجهًا إلى الجميع للقيام به، وعندئذ يأثم كل قادرٍ إن لم يجاهد. فالخطاب بالفرضية في ابتدائه موجه إلى الجميع من القادرين على القيام به كفرض العين، أو إلى مجموعهم ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له، وفرض العين لا يسقط عن أحد بفعل غيره.
والدليل على أنه فرض كفاية: من القرآن الكريم ومن السنة النبوية ومن المعقول أيضًا.
فمن القرآن الكريم: قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النساء: ٩٥ ].
فلو كان الجهاد فرضًا على كل أحد في نفسه لما كان القاعدون موعودين بالحسنى، بل كانوا يكونون مذمومين مستحقين للعقاب بتركه، لأن القعود عن القيام بالفرض يكون حرامًا64.
وقوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [التوبة: ١٢٢ ].
فالآية تدل على أن الجهاد ليس على الأعيان وأنه فرض كفاية، إذ لو نفر الكل لضاع من وراءهم من العيال، فليخرج فريق منهم للجهاد، وليقم فريق يتفقهون في الدين ويحفظون الحريم، حتى إذا عاد النافرون أعلمهم المقيمون ما تعلموه من أحكام الشرع وما تجدد نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم 65.
ومن السنة النبوية: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثًا إلى بني لحيان من هذيل، فقال: (لينبعث من كل رجلين أحدهما، والأجر بينهما)66. ولو كان الجهاد فرض عين في هذه الحال لكان لا يتوهم منه صلى الله عليه وسلم القعود عنه بحال، ولا أذن لغيره بالتخلف عنه بحال67.
ومن المعقول: أن المراد من الجهاد والمقصود به هو دفع شر الكفار وكسر شوكتهم، وإعلاء كلمة الدين وإعزاز الإسلام والمسلمين، وأن يأمن المسلمون ويتمكنوا من القيام بمصالح دينهم ودنياهم، فهو مقصود في نفسه لا باعتبار الفاعل، فلو جعل فرضًا في كل وقت على كل واحدٍ عاد على موضوعه ومقصوده بالنقض والإبطال، إذ لو اشتغل الكل بالجهاد لم يتفرغوا للقيام بمصالح دينهم ودنياهم، وانقطعت مادة الجهاد ووسيلته من الكراع والسلاح والأقوات والتجارة، فيؤدي ذلك إلى تعطيل الجهاد وتركه للعجز عن القيام به، ولهذا ينبغي أن يتولى البعض الجهاد، والبعض التجارة والزراعة والصناعة التي تقوم بها المصالح، فكان فرض كفاية68.
وجدير بالذكر هنا الإشارة إلى أن الإمام مالكًا رحمه الله يقول: الجهاد فرض بالأموال والأنفس، فإن منعهم الضرر، أو عاهة بأنفسهم، لم يسقط عنهم الفرض بأموالهم69.
وفي هذا كله يقول الإمام الشافعي رحمه الله: «فإذا كان فرض الجهاد على من فرض عليه محتملًا لأن يكون كفرض الصلاة وغيرها عامًا عينيًا.
ومحتملًا لأن يكون على غير العموم؛ فدل كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على أن فرض الجهاد إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به حتى يجتمع أمران؛ أحدهما: أن يكون بإزاء العدو المخوف على المسلمين من يمنعه، والآخر: أن يجاهد من المسلمين من في جهاده كفاية، فإذا قام بهذا من المسلمين من فيه الكفاية به خرج المتخلف منهم من المأثم في ترك الجهاد، وكان الفضل للذين ولوا الجهاد على المتخلفين عنه.
قال الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [النساء: ٩٥].
وبينٌ إذ وعد الله عز وجل القاعدين غير أولي الضرر الحسنى أنهم لا يأثمون بالتخلف، ويوعدون الحسنى بالتخلف، بل وعدهم -لما وسع عليهم من التخلف- الحسنى إن كانوا مؤمنين لم يتخلفوا شكًّا ولا سوء نية وإن تركوا الفضل في الغزو.
وأبان الله عز وجل في قوله في النفير حين أمرنا بالنفير: (ﭑ ﭒ ﭓ) [التوبة: ٤١].
وقال عز وجل: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [التوبة: ٣٩].
وقال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [التوبة: ١٢٢ ].
فأعلمهم أن فرض الجهاد على الكفاية من المجاهدين.
ولم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاةً علمتها إلا تخلف عنه فيها بشرٌ؛ فغزا بدرًا وتخلف عنه رجال معروفون. وكذلك تخلف عنه عام الفتح، وغيره من غزواته صلى الله عليه وسلم، وقال في غزوة تبوك، وفي تجهيزه للجمع للروم: (ليخرج من كل رجلين رجل فيخلف الباقي الغازي في أهله وماله)70.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيوشًا وسرايا تخلف عنها بنفسه مع حرصه على الجهاد على ما ذكرت. وأبان أن لو تخلفوا معًا أثموا معًا بالتخلف بقوله عز وجل: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [التوبة: ٣٩].
يعني-والله تعالى أعلم- إلا إن تركتم النفير كلكم عذبتكم. ففرض الجهاد -على ما وصفت- يخرج المتخلفين من المأثم القائم بالكفاية فيه، ويأثمون معًا إذا تخلفوا معًا»71.
وذهب سعيد بن المسيب رحمه الله إلى أن الجهاد فرض عين مطلقًا على كل مسلم، لقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [التوبة: ٤١].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة: ٢١٦].
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو، مات على شعبة من النفاق)72.
كما استدل بجميع أدلة الجمهور التي استدلوا بها على الكفاية، وحملها على الدلالة على فرض العين، وقال: إن القاعدين الموعودين بالحسنى ـ في آية سورة النساء السابقة ـ كانوا حراسًا في سبيل الله، فهم يقومون بفريضة الجهاد أيضًا.
وقال الداوودي: هو فرض عين على من يلي الكفار73.
وحكي عن ابن عمر وسفيان الثوري وابن شبرمة وعطاء وعبدالله بن حي: أن الجهاد تطوع وليس فرضًا، وأن القائمين به من المسلمين أنصار الله. وقال سحنون -من علماء المالكية-: صار الجهاد تطوعًا بعد فتح مكة.
واستدل بعضهم على هذا بأن قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ) إنما هو على الندب لا الوجوب، كقوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [البقرة: ١٨٠].
فهي للندب. وبأن الآيات التي تدل على الوجوب مخصوصة، حيث خص النبي صلى الله عليه وسلم فئات لايجوزقتلها كالنساء والصبيان، وعلى هذا فالآيات بعد التخصيص لا تدل على الفرضية.
وفي هذه الحالة اتفق جمهور العلماء على أن القتال أو الجهاد فرض عين على كل قادر مستطيع من المكلفين بالجهاد، لأن المقصود من الجهاد -وهو دفع الكفار- لا يحصل إلا بهم جميعًا، فالقادر على الجهاد يباشر الجهاد بنفسه، وغير القادر من المكلفين يخرج مع المجاهدين لتكثير سوادهم وإرهاب العدو. وعندئذ يخرج الابن بغير إذن والديه، والمرأة بغير إذن زوجها، لأن الخروج في مثل هذه الحال فرض عين على كل أحد.
وما يفوته بترك هذه الفريضة لا يمكنه استدراكه، أما ما قد يفوته بالخروج لها بغير إذن الوالدين -مثلًا- فيمكن استدراكه بعد هذا، فيشتغل بما هو الأهم. ولأن الضرر في تركه الخروج للجهاد أعم، فإن ذلك يتعدى إليه وإلى والديه وإلى غيرهم من المسلمين. ولأنه لا يحل لوالديه أن ينهياه عن هذا الخروج، فيكون له أن يخرج ليسقط به الإثم عنه وعنهما، ولا طاعة لهما عليه فيما كانا عاصيين فيه.
ويدل على ذلك كثير من الآيات الكريمة منها قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [التوبة: ٤١]، وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة: ٢١٦].
٢. شروط القتال.
وأما شروط القتال التي يجب أن تتحقق حتى يكون واجبًا على المكلفين المخاطبين بهذه الأحكام فهي شروط التكليف بعامة، ويختص القتال ببعض الشروط. وهي بجملتها: الإسلام والبلوغ والحرية والذكورة والقدرة البدنية والمالية للنفقة أو انتفاء العذر. وفيما يأتي إيجاز سريع لها استنباطًا من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية وقواعد الأصول74.
فإن الخطاب القرآني الكريم توجه للنبي صلى الله عليه وسلم ولأتباعه من المؤمنين المسلمين. فقال الله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النساء: ٨٤].
وقال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ) [الأنفال: من الآية٦٥].
وقال سبحانه: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [التوبة: ١٢٢].
وهما من شروط التكليف والمخاطبة بالأحكام الشرعية، فإن الصغير الذي لم يبلغ مبلغ الرجال، و المجنون الذي اختل عقله، كلاهما غير مخاطب لأنه فاقد الأهلية للخطاب، والمجنون كذلك لا يتأتى منه الجهاد. فقد قال عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم)75.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبايع الأحرار على الإسلام والجهاد، ويبايع العبيد على الإسلام دون الجهاد76.
والعبد لا يملك المال و النفقة للجهاد، وهو مشغول بأمر سيده المالك له، فلا يجب عليه القتال. ويلاحظ أن الرق في عصرنا هذا انتهى وجوده -بعامة- فالبحث في هذا بحث تاريخي فقط.
فلا يجب القتال إلا على الرجال، ولا يلزم النساء، إلا أن يتطوعن فيه للحاجة، أو عندما يكون فرض عين لا فرض كفاية. وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال: (جهادكن الحج)77.
فلا يجب القتال على من فقد القدرة بسبب المرض أو العمى أو غير ذلك مما يتعذر معه القتال، أو يعجز صاحبه عنه كالعاجز و الشيخ الكبير في السن، وضعيف البنية، والمقعد والأعرج.
والله تعالى يقول: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ٩١].
وقال سبحانه: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الفتح: ١٧].
فلا يجب القتال على من تعوزه النفقة للجهاد78، فلا يجدها ولا يقدر عليها، وقد كان المجاهدون يخرجون للجهاد وينفقون على انفسهم ويشترون أدوات القتال والسلاح. وأما عندما تتكفل الدولة بالنفقات والأدوات و الأسلحة فإن فقد هذا الشرط لا يؤثر في الحكم.
وإلى هذا الشرط الإشارة في الآيات الكريمة كقوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [التوبة: ٩١-٩٣].
ثانيًا: حكم الاعتذار والتخلف عن القتال:
ألمحت فيما سبق إلى بعض الآيات الكريمة التي تعلي من مكانة الجهاد، فهو ذروة سنام الإسلام، وأحد مبانيه العظام، وهو طريق العزة و الكرامة. وفي هذا المطلب إشارات إلى ما يقابل ذلك، حيث تنزلت آيات كثيرة فيها تحذير من التخلف عن القتال أو الاعتذار عنه مالم يكن للمرء عذر، وتنوعت أساليب القرآن الكريم في ذلك. وفيما يأتي طائفة منها.
قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [آل عمران: ١٦٦ - ١٦٨].
فهؤلاء المتخلفون عن القتال والجهاد بالنفس لم يحملهم على التخلف والتقاعس إلا النفاق والكذب والمراوغة، فإذا دعاهم الرسول والمؤمنون للجهاد والقتال، وقيل لهم: تعالوا قاتلوا ودافعوا عن محارمكم وبلدكم، إن لم يكن لكم نية صالحة، فأبوا ذلك واعتذروا بأن قالوا: لو نعلم أنكم يصير بينكم وبينهم قتال لاتبعناكم، وهم كذبة في هذا، فقد علموا وتيقنوا، وعلم كل أحدٍ أن هؤلاء المشركين، قد ملئوا من الحنق والغيظ على المؤمنين بما أصابوا منهم، وأنهم قد بذلوا أموالهم، وجمعوا ما يقدرون عليه من الرجال والعدد، وأقبلوا في جيش عظيم قاصدين المؤمنين في بلدهم، متحرقين على قتالهم، فمن كانت هذه حالهم، كيف يتصور أنهم لا يصير بينهم وبين المؤمنين قتال؟ خصوصًا وقد خرج المسلمون من المدينة وبرزوا لهم، هذا من المستحيل.
ولكن المنافقين ظنوا أن هذا العذر، يروج على المؤمنين، فقال تعالى عنهم: (ﭯ ﭰ ﭱ) أي: في تلك الحال التي تركوا فيها الخروج مع المؤمنين (ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) وهذه خاصة المنافقين، يظهرون بكلامهم وفعالهم ما يبطنون ضده في قلوبهم وسرائرهم79.
وهذه نماذج أخرى غنية عن التعليق في بيان حكم المتخلفين والمعتذرين والآثار المترتبة على ذلك من وعيد وتهديد وذلة في الدنيا مع ما ينتظرهم من عذاب في الآخرة80.
قال الله تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [التوبة: ٨١ -٨٤].
وقال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الأحزاب: ٩-١٥].
وقال الله تعالى أيضًا: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [النساء: ٧٧].
ثالثًا: حكم الفيء والغنيمة والأسر والجزية:
إذا قام القتال ونشبت الحرب وظهر المسلمون على أعدائهم، فإن هذا يرتب آثارًا في أموال الحربيين وأشخاصهم، فيتملك المسلمون الأموال والبلاد المفتوحة، وهذه هي الغنائم، وقد يأخذون أموالًا منهم بالصلح كالجزية، أو بدون حرب وهو الفيء، ويكون الأشخاص أسرى وسبايا إذا وقعوا في يد المسلمين بالقتال81.
وفي هذا يقول العلامة علاء الدين الكاساني: «إذا ظهر الإمام على بلاد أهل الحرب، فالمستولى عليه لا يخلو من أحد أنواع ثلاثة: المتاع، والأراضي، والرقاب»82.
ويقول ابن رشد الحفيد: «وأما ما يجوز من النكاية في العدو؛ فإن النكاية لا تخلو أن تكون في الأموال، أو في النفوس، أو في الرقاب، أعني: الاستعباد والتملك»83.
هذه كلها آثار تترتب على قيام الحرب، ولذلك نتناولها في الفقرات الآتية:
١. الفيء.
الفيء في اللغة هو الرجوع. وفي الاصطلاح الفقهي: هو ما أخذ من أموال أهل الحرب صلحًا من غير قتال، أو بعد أن تضع الحرب أوزارها، كالخراج والجزية ونحو ذلك. وقد سمي هذا المال فيئًا؛ لأن الله أفاء به على المسلمين، ففاء إليهم -أي رجع- بلا قتال84.
وقد تنزلت الآيات الكريمة في بيان أحكام الفيء، فقال الله تعالى في بيان مشروعيتها وحكمتها: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الحشر: ٦- ٨].
قال المفسرون: طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخمس أموال بني النضير لما أجلوا، فنزلت هذه الآية تبين أنها فيءٌ لم تحصل لهم بمحاربتهم، وإنما هو بتسليط رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو له خاصة، يفعل فيه ما يشاء. فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين، ولم يعط الأنصار منه شيئًا، إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة، وهم: أبو دجانة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة85.
وذلك أن بني النضير لما تركوا رباعهم وضياعهم طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسمها بينهم، كما فعل بغنائم خيبر، فبين الله تعالى في هذه الآية أنها فيءٌ لم يوجف المسلمون عليها خيلًا ولا ركابًا، ولم يقطعوا إليها شقة ولا نالوا مشقة، ولم يلقوا حربًا، فجعل أموال بني النضير لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئًا إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة.
وروى البخاري عن مالك بن أوس بن الحدثان النضري، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دعاه إذ جاءه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد يستأذنون؟ قال: نعم، فأدخلهم، فلبث يرفأ قليلًا ثم جاء فقال: هل لك في عباس وعلي يستأذنان؟ قال: نعم، فلما دخلا قال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا -وهما يختصمان في الذي أفاء الله على رسوله من بني النضير- فقال الرهط: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر، قال: اتئدوا أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة) يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه؟
قالوا: قد قال ذلك، فأقبل عمر على عليٍ وعباس، فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك؟ قالا: نعم. قال: فإني أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله كان خص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره، فقال: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) إلى قوله: (ﮆ).
وكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما احتازها دونكم ولا استأثرها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله، فعمل بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حياته، ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبضها أبو بكر رضي الله تعالى عنه فعمل بها بما عمل به فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنتم حينئذ جميع.
وأقبل على عليٍ وعباس فقال: تذكران أن أبا بكر فعل فيه كما تقولان، والله يعلم إنه فيها صادق بار راشد تابع للحق، ثم توفى الله أبا بكر، فقلت: أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فقبضتها سنتين من إمارتي أعمل فيها بما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر والله يعلم إني فيه صادق بارٌ راشد تابع للحق، ثم جئتماني كلاكما وكلمتكما واحدة، وأمركما جميع فقلت لكما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا نورث ما تركنا صدقة).
فلما بدا لي أن أدفعه إليكما قلت: إن شئتما دفعته إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وبما عملت به فيها منذ وليتها وإلا فلا تكلماني فيها، فقلتما: ادفعها إلينا بذلك فدفعتها إليكما؟ أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك؟ فو الله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها قضاءً غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فإني أكفيكما86.
وقوله عز وجل (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) يعني: من أموال كفار أهل القرى، قال ابن عباس: هي قريظة والنضير وفدك وخيبر وقرى عرينة (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ). ومال الفيء كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته يضعه حيث يشاء وكان ينفق منه على أهله نفقة سنتهم ويجعل ما بقي مجعل مال الله87.
وأما مصرف الفيء الذي أشارت إليه الآيات الكريمة، فقد اختلف فيه العلماء.
قال محيي السنة البغوي رحمه الله: واختلف أهل العلم في مصرف الفيء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: قوم هو للأئمة بعده. وللشافعي فيه قولان: أحدهما: هو للمقاتلة، والثاني: لمصالح المسلمين، ويبدأ بالمقاتلة ثم بالأهم فالأهم من المصالح88.
وأما مقدار ما يعطى وهل يخمس أم لا؟ فيقول فيه البغوي أيضًا89: واختلفوا في تخميس مال الفيء؛ فذهب بعضهم إلى أنه يخمس، فخمسه لأهل الغنيمة، وأربعة أخماسه للمقاتلة وللمصالح، وذهب الأكثرون إلى أنه لا يخمس بل مصرف جميعه واحد، ولجميع المسلمين فيه حق، قرأ عمر بن الخطاب: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) حتى بلغ: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ). (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) ثم قال: هذه استوعبت المسلمين عامة، وقال: ما على وجه الأرض مسلم إلا له في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم90.
وقوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) قرأ العامة بالياء، «دولة» نصب أي: لكيلا يكون الفيء دولة، وقرأ أبو جعفر: «تكون» بالتاء «دولة» بالرفع على اسم كان، أي: كيلا يكون الأمر إلى دولة، وجعل الكينونة بمعنى الوقوع وحينئذ لا خبر له. «والدولة» اسم للشيء الذي يتداوله القوم بينهم (ﮜ ﮝ ﮞ) يعني: بين الرؤساء والأقوياء، فيغلبوا عليه الفقراء والضعفاء، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا اغتنموا غنيمة أخذ الرئيس ربعها لنفسه، وهو المرباع، ثم يصطفي منها بعد المرباع ما شاء، فجعله الله لرسوله صلى الله عليه وسلم يقسمه فيما أمر به، ثم قال: (ﮠ ﮡ) أعطاكم من الفيء والغنيمة (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) الغلول وغيره (ﮧ). وهذا نازل في أموال الفيء، وهو عام في كل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه91.
٢. الغنيمة.
أصل الغنيمة في اللغة: الربح والفضل. وفي الاصطلاح الفقهي: هي ما أخذ من أموال أهل الحرب عنوة، والحرب قائمة. وتجمع على غنائم92.
وقد تناولت الآيات الكريمة أحكام الغنائم وتوزيعها على الغانمين، وربطت ذلك بالإيمان بالله تعالى والخضوع لأحكامه، وأبانت أن الغنائم ليست هي الهدف أو الغاية الأصلية من القتال، ولكن الله تعالى أحلها لهم. فقال الله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الأنفال: ٤١].
أي: ما أخذتم من مال الكفار قهرًا بحقٍ، قليلًا كان أو كثيرًا (ﭗ ﭘ ﭙ) أي: وباقيه لكم أيها الغانمون، لأنه أضاف الغنيمة إليهم، وأخرج منها خمسها. فدل على أن الباقي لهم، يقسم على ما قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم: للراجل سهم، وللفارس سهمان لفرسه، وسهم له.
وأما هذا الخمس، فيقسم خمسة أسهم، سهم لله ولرسوله، يصرف في مصالح المسلمين العامة، من غير تعيين لمصلحة، لأن الله جعله له ولرسوله، والله ورسوله غنيان عنه، فعلم أنه لعباد الله. فإذا لم يعين الله له مصرفًا، دل على أن مصرفه للمصالح العامة. والخمس الثاني: لذي القربى، وهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب. وأضافه الله إلى القرابة دليلًا على أن العلة فيه مجرد القرابة، فيستوي فيه غنيهم وفقيرهم، ذكرهم وأنثاهم. والخمس الثالث لليتامى، وهم الذين فقدت آباؤهم وهم صغار، جعل الله لهم خمس الخمس رحمة بهم، حيث كانوا عاجزين عن القيام بمصالحهم، وقد فقد من يقوم بمصالحهم. والخمس الرابع للمساكين، أي: المحتاجين الفقراء من صغار وكبار، ذكور وإناث. والخمس الخامس لابن السبيل، وهو الغريب المنقطع به في غير بلده.
وبعض المفسرين يقول: إن خمس الغنيمة لا يخرج عن هذه الأصناف ولا يلزم أن يكونوا فيه على السواء بل ذلك تبع للمصلحة وهذا هو الأولى93.
قال الفقهاء: إن أموال الحربيين الذين لم يسلموا، إذا ظهر المسلمون عليهم في الحرب فغنموا أموالهم، فيجب على إمام المسلمين أن يقسم الغنيمة ويخرج خمسها للأصناف الذين ذكرهم الله تعالى بقوله: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنفال: ٤١].
ويقسم الأربعة الأخماس على الغانمين ولا خيار للإمام فيه، للنصوص الواردة في ذلك، وعليه انعقد الإجماع94.
ولذلك لا يجوز للإمام أن يمن على هؤلاء بأموالهم المنقولة المجردة فيردها عليهم، لأنه لم يرد به الشرع في هذا المال، ولأنه لا يدوم بل ينقطع، والجواز باعتبار الدوام نظرًا لهم ولمن يجئ بعدهم. ولهذا لا يجوز أيضًا المن بالرقاب وحدها بدون الأرض، لأنه ينقطع بالموت والإسلام، وإنما يجوز تبعًا للأراضي ـ كما سبق ـ كيلا يشتغلوا بالزراعة عن الجهاد، ثم إذا من عليهم بالأراضي والرقاب فإنه يدفع إليهم من المنقول قدر ما يتهيأ لهم به العمل، لأن عمر رضي الله عنه ترك لهم ذلك، وهو القدوة في هذا الباب، ولأن منفعة الأرض بالزراعة، وهم لا يقدرون على الزراعة إلا بآلتها، فيكره له أن يكلفهم بها بدون الآلة95.
وهو ما ذهب إليه جماهير العلماء واتفقوا عليه، فقد قال الإمام أبو جعفر الطبري: «أجمع الكل من الحجة لا خلاف بينها أن أربعة أخماس الغنيمة للمقاتلة»96.
وكذلك نقل ابن حزم وابن هبيرة الاتفاق على أن أموال أهل الحرب كلها -عدا الأرض- تخمس، وتدفع الأربعة الأخماس للغانمين، فقال ابن حزم: «اتفقوا أن الخمس يخرج مما غنم عسكر المسلمين، أو عشرة من المسلمين الأحرار البالغين العقلاء الرجال، من الحيوان -غير بني آدم- ومما غنم من الأثاث والسلاح والمتاع كله الذي ملكه أهل الحرب، بعد أن يخرج منه سلب المقتولين، وما أكل المسلمون من الطعام أو احتملوه» 97.
وبعد هذا الإيجاز لحكم المسألة وأقوال العلماء فيما تدل عليه الآيتان الكريمتان؛ فإن الموقف لا يسمح بتفسير كل الآيات المتعلقة بذلك، فحسبنا أن نعرض بعضها لما فيها من توجيهات، كقوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الأنفال: ٦٩ ].
وهذه الآية الكريمة افتتحها الله تعالى بحرف الفاء وهي تؤذن بتفريع هذا الكلام على ما قبله. وفي هذا التفريع وجهان:
أحدهما: الذي جرى عليه كلام المفسرين أنه تفريع على قوله: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأنفال: ٦٨].
أي: لولا ما سبق من حل الغنائم لكم لمسكم عذاب عظيم، وإذ قد سبق الحل فلا تبعة عليكم في الانتفاع بمال الفداء. وقد روي أنه لما نزل قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنفال: ٦٧].
أمسكوا عن الانتفاع بمال الفداء، فنزل قوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) وعلى هذا الوجه قد سمي مال الفداء غنيمة، تسمية بالاسم اللغوي دون الاسم الشرعي؛ لأن الغنيمة في اصطلاح الشرع هي ما افتكه المسلمون من مال العدو بالإيجاف عليهم.
والوجه الثاني: يظهر أن التفريع ناشئ على التحذير من العود إلى مثل ذلك في المستقبل، وأن المعنى: فاكتفوا بما تغنمونه ولا تفادوا الأسرى إلى أن تثخنوا في الأرض. وهذا هو المناسب لإطلاق اسم الغنيمة هنا إذ لا ينبغي صرفه عن معناه الشرعي. ولما تضمن قوله: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الأنفال: ٦٨].
امتنانًا عليهم بأنه صرف عنهم بأس العدو، فرع على الامتنان الإذن لهم بأن ينتفعوا بمال الفداء في مصالحهم، ويتوسعوا به في نفقاتهم، دون نكد ولا غصة، فإنهم استغنوا به مع الأمن من ضر العدو بفضل الله. فتلك نعمة لم يشبها أذى. وعبر عن الانتفاع الهنيء بالأكل؛ لأن الأكل أقوى كيفيات الانتفاع بالشيء، فإن الآكل ينعم بلذاذة المأكول وبدفع ألم الجوع عن نفسه- ودفع الألم لذاذة- ويكسبه الأكل قوة وصحة- والصحة مع القوة لذاذة أيضًا98.
وقوله سبحانه: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [الفتح: ١٥ ].
أي: سيقول المخلفون، إذا انطلقت -أيها النبي- أنت وأصحابك إلى غنائم «خيبر» التي وعدكم الله بها: اتركونا نذهب معكم إلى «خيبر»، يريدون أن يغيروا بذلك وعد الله لكم. قل لهم: لن تخرجوا معنا إلى «خيبر»؛ لأن الله تعالى قال لنا من قبل رجوعنا إلى «المدينة»: إن غنائم «خيبر» هي لمن شهد «الحديبية» معنا، فسيقولون: ليس الأمر كما تقولون، إن الله لم يأمركم بهذا، إنكم تمنعوننا من الخروج معكم حسدًا منكم؛ لئلا نصيب معكم الغنيمة، وليس الأمر كما زعموا، بل كانوا لا يفقهون عن الله ما لهم وما عليهم من أمر الدين إلا يسيرًا99.
وقال الله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الفتح: ٢٠ - ٢١].
والمعنى الإجمالي للآيات: وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها في أوقاتها التي قدرها الله لكم فعجل لكم غنائم «خيبر»، وكف أيدي الناس عنكم، فلم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال، ومن أن ينالوا ممن تركتموهم وراءكم في «المدينة»، ولتكون هزيمتهم وسلامتكم وغنيمتكم علامة تعتبرون بها، وتستدلون على أن الله حافظكم وناصركم، ويرشدكم طريقا مستقيما لا اعوجاج فيه. وقد وعدكم الله غنيمة أخرى لم تقدروا عليها، الله سبحانه وتعالى قادر عليها، وهي تحت تدبيره وملكه، وقد وعدكموها، ولا بد من وقوع ما وعد به. وكان الله على كل شيء قديرًا لا يعجزه شيء. ولو قاتلكم كفار قريش بـ «مكة» لانهزموا عنكم وولوكم ظهورهم، كما يفعل المنهزم في القتال، ثم لا يجدون لهم من دون الله وليًا يواليهم على حربكم، ولا نصيرًا يعينهم على قتالكم100.
ويجدر أن أختم هذه الفقرة عن الغنائم في العصر الحاضر بالقول: إن بعض العلماء المعاصرين يرى أن القرآن الكريم لم ينص على وجوب توزيع الغنائم الحربية -حتى المنقولة منها- بين المجاهدين الفاتحين، وإنما نصت آية الأنفال على مصارف معينة لخمس الغنائم، وأن توزيع الأخماس الأربعة على الغانمين إنما جاءت به السنة، وهو من السياسة الشرعية والتدابير المصلحية التي يفعلها النبي عليه الصلاة والسلام بصفة ولايته العامة في الحكم والإدارة، فلا تفيد حقًا تشريعيًا ثابتًا لا يتبدل.
بل إن كل من يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الولاية العامة أن يلجأ إلى تدبير آخر عند الحاجة، كما كان ذلك ممكنًا للنبي نفسه صلى الله عليه وسلم. فإذا تبدلت الظروف واقتضت الحاجة نظامًا آخر للجندية تقوم فيه حقوق الجيش المجاهد لا على اقتسام الغنيمة، بل على أساس إعاشةٍ ووظائف ماليةٍ مرتبة للجند، وتكون الغنائم الحربية كلها للدولة ولا حق فيها للمقاتلين، كما في زماننا وأنظمتنا اليوم، فذلك سائغ شرعًا، وهو من قبيل الاستصلاح في شؤون الإدارة العامة.
غير أن نظام توزيع الغنائم كان في صدر الإسلام هو التدبير الممكن من الوجهة المالية، وهو الأصلح أيضًا لسياسة الجهاد بالنسبة إلى العرب في ذلك الزمن من الوجهة العرفية101.
٣. الجزية.
الجزية في اللغة: مشتقة من الجزاء -وهو المكافأة على الشيء- يقال: جزاه به وعليه جزاءً، وجازاه مجازاةً وجزاء. وهي على وزن فعلة لأنها تدل على الهيئة - أي هيئة أخذ المال- والجمع جزىً وجزيٌ وجزىً وجزاءٌ102.
وفي الاصطلاح الفقهي: هي المال الذي يؤخذ من الكفار بعقد الذمة مقابل حمايتهم وعصمة دمائهم بخضوعهم لنظام الإسلام، وإقامتهم في دار الإسلام. سميت بذلك؛ لأنها تجزئ الذمي عن القتل، فإنه إذا قبلها سقط عنه القتل؛ لأن الله تعالى جعل إعطاءها -عند عدم الإسلام- سببًا لمنع القتل103.
وكان وضع الجزية على الشعوب المغلوبة عادة مألوفة منذ عهد طويل قبل الإسلام، وقد سلك المسلمون سبيل من سبقهم في هذه الوسائل المالية بعد أن صبغها الإسلام بصبغة خاصة، وجعلها عنوانًا على الخضوع العام للنظام الإسلامي، وكان هذا يغلب على الجانب المالي، فكان المسلمون يصالحون الذميين على الجزية، ويعفون فريقًا منهم منها فيأخذونها باسم الصدقة -كبني تغلب- وقد يسقطونها عنهم لأسباب ومسوغات.
وفي مشروعية الجزية التي تترتب على عقد الذمة للكفار الذين يرتضون بها، يقول الله تعالى:(ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [التوبة: ٢٩].
وأجمع العلماء على أن الجزية تؤخذ من الرجل البالغ العاقل الصحيح البدن الموسر إذا كان حرًّا. واختلفوا بعد ذلك في بعض الجزئيات والصور. وتسقط الجزية بعد وجوبها بأسباب أربعة: الإسلام و الموت؛ وحدوث آفة على الذمي تمنع وجوب الجزية، كأن صار أعمى أو فقيرًا لا يقدر على شيء، و إذا اجتمعت جزية سنين، فتسقط عنه104.
والذي يذكر هنا أن الجزية على الذميين، ونظام الذمة الذي بحثه الفقهاء، انتهى العمل به في الواقع منذ نشأة الدولة القومية المعاصرة، وعدم قيامها على أساس الدين والعقيدة الدينية، وظهور الدولة المدنية ونظام المواطنة والجنسية المعاصرة، منذ أواخر عهد الدولة العثمانية.
٤. الأسرى.
الأسر في اللغة العربية هو الحبس والإمساك. أو هو الشد بالقيد، مأخوذ من قولهم: أسرت القتب، بمعنى شددته. ومنه سمي الأسير؛ لأنهم كانوا يشدونه بالقد وهو الإسار. ثم كثر استعماله حتى سمي كل من يؤخذ قهرًا: أسيرًا، وإن لم يشد أو يقيد105.
ويعرف الفقهاء الأسرى بأنهم الرجال المقاتلون من الكفار الذين ظفر بهم المسلمون في الحرب. كما يطلق الأسير على الحربي الذي دخل دار الإسلام دون عهد أو أمان فوقع في يد المسلمين قبل أن يسلم. ويقسم الفقهاء الأسرى إلى أقسام، ولكل منهم أحكام تخصه106.
وحسبنا هنا الإشارة إلى الآيات الكريمة في الأسر وأحكام الأسرى ومعاملتهم، مع إضاءات سريعة حول ذلك من أقوال المفسرين وأهل العلم.
قال الله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الأنفال: ٦٧ - ٦٩].
وقد نزلت هذه الآيات الكريمة هذه معاتبة من الله لرسوله وللمؤمنين يوم «بدر» إذ أسروا المشركين وأبقوهم لأجل الفداء، فكانت بيانًا لما هو الأجدر والأولى فيما ينبغي في شأن الأسرى وتقرير مصيرهم.
قال الإمام محيي السنة البغوي رحمه الله107: روى الأعمش عن عمر بن مرة، عن أبي عبيد، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تقولون في هؤلاء؟) فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك فاستبقهم، واستأن بهم، لعل الله أن يتوب عليهم، وخذ منهم فدية، تكون لنا قوة على الكفار.
وقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله كذبوك وأخرجوك، قدمهم نضرب أعناقهم، مكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، ومكني من فلان -نسيب لعمر- فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر.
وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر واديًا كثير الحطب فأدخلهم فيه ثم أضرم عليهم نارًا. فقال له العباس: قطعت رحمك. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبهم، ثم دخل.
فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول ابن رواحة.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (إن الله تعالى ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، ويشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [إبراهيم: ٣٦].
ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى حيث قال: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [المائدة:١١٨].
وإن مثلك يا عمر مثل نوح حيث قال: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [نوح:٢٦].
ومثل موسى قال: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [يونس: ٨٨].
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم اليوم عالة، فلا يفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق).
قال عبد الله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع علي الحجارة من السماء من ذلك اليوم، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إلا سهيل بن بيضاء)108.
قال ابن عباس: قال عمر بن الخطاب فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة، لشجرة قريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله تعالى هذه الآيات109.
وأخبرهم أنه لأجل ما علم في قلوبهم من الخير غفر لهم فلم يعذبهم بتسرعهم إلى إسار من لم يأمرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم للمفاداة دون توقف على إذنه، ورحمهم فأحسن إليهم فأحل لكم الغنائم ولما ساق سبحانه وتعالى هذه البشارة في النذارة، سبب عنها قوله: (ﯽ ﯾ ﯿ) أي: من الفدية وغيرها حال كونه (ﰀ) أي: لا درك ولا تبعة فيه من جهتي (ﰁ) أي: شهيًّا لكم ملائمًا لطباعكم.
وهذا إذا كان مع الشروط التي أقمتها لكم من عدم الغلول والخيانة بوجه من الوجوه والاستئثار وشدة الرغبة السائقة إلى ما لا يليق من التنازع وغيره، ذلك فيما تقدمت فيه إليكم (ﰃ ﰄ) أي: الذي له جميع صفات الكمال في جميع ذلك، فلا تغلوا ولا تنازعوا ولا تقدموا إلا على ما يبيحه لكم الرسول صلى الله عليه وسلم (ﰆ ﰇ) أي: المتصف بالجلال والإكرام (ﰈ) أي: لمن يعلم من قبله أنه من أهل التقوى (ﰉ) له؛ لأنه أهل للرحمة، فلأجل ما علم في قلوبكم من الخير غفر لكم فلم يعذبكم بتسرعكم إلى إسار من لم يأمركم به الرسول صلى الله عليه وسلم للمفاداة دون توقف على إذنه، ورحمكم فأحسن إليكم فأحل لكم الغنائم110.
وبعد هذا البيان والعتاب ثم الإقرار للتصرف و العفو عنهم فيما كان منهم خلاف الأولى و الأجدر، بعد هذا كله يلمس القرآن الكريم قلوب الأسرى لمسة تحيي فيها الرجاء، وتطلق فيها الأمل، وتشيع فيها النور، وتعلقها بمستقبل خير من الماضي، وبحياة أكرم مما كانوا فيه، وبكسب أرجح مما فقدوا من مال وديار. وبعد ذلك كله بالمغفرة والرحمة من الله.
قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأنفال: ٧٠].
وهذه الآية نزلت أيضًا في أسارى يوم بدر، وكان في جملتهم العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما طلب منه الفداء، ادعى أنه مسلم قبل ذلك، فلم يسقطوا عنه الفداء، فأنزل الله تعالى هذه الآية جبرًا لخاطره، ومن كان على مثل حاله، وقد أنجز الله وعده للعباس وغيره، فحصل له -بعد ذلك- من المال شيء كثير، حتى إنه مرة لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مال كثير، أتاه العباس فأمره أن يأخذ منه بثوبه ما يطيق حمله، فأخذ منه ما كاد أن يعجز عن حمله111.
وهذا الخير كله -وقد وعدهم الله به- معلق بأن تصلح قلوبهم، فتتفتح لنور الإيمان، فيعلم الله أن فيها خيرًا، والخير هو الإيمان حتى ما يحتاج إلى ذكر وتنصيص، الخير محض الخير، ولا يسمى الشيء ما خيرًا إلا أن يستمد منه وينبثق منه ويقوم عليه.
إن الإسلام إنما يستبقي الأسرى لديه، ليلمس في قلوبهم مكامن الخير والرجاء والصلاح، وليوقظ في فطرتهم أجهزة الاستقبال والتلقي والتأثر والاستجابة للهدى. لا ليستذلهم انتقامًا، ولا ليسخرهم استغلالًا كما كانت تتجه فتوحات الرومان، وكما تتجه فتوحات الأجناس والأقوام! عن الزهري عن جماعة سماهم قال: بعثت قريش في فداء أسراهم، ففدى كل قوم أسيرهم بما رضوا112.
وقال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: (يا رسول الله قد كنت مسلمًا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أعلم بإسلامك، فإن تكن كما تقول فإن الله يجزيك، وأما ظاهرك فقد كان علينا، فافتد نفسك وابني أخيك نوفل بن الحارث ابن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب، وحليفك عتبة بن عمرو أخي بني الحارث بن فهر): قال: ما ذاك عندي يا رسول الله!
قال: (فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل، قلت لها: إن أصبت في سفري هذا فهذا المال الذي دفنته لبني الفضل وعبد الله وقثم؟). قال: (والله يا رسول الله إني لأعلم أنك رسول الله. إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل، فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا، ذاك شيء أعطانا الله تعالى منك). ففدى نفسه وبني أخويه وحليفه، فأنزل الله عز وجل الآية. قال العباس رضي الله عنه: فأعطاني الله مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدًا كلهم في يده مال يضرب به، مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل)113.
وبعد نزول هذه الآيات الكريمة، نزلت في سورة محمد (وهي أيضًا سورة القتال) في إجراءات القتال وتحديد مصير الأسرى بعد انتهاء القتال.
فقال الله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [محمد: ٤].
والخطاب في هذه الآية الكريمة موجه إلى المسلمين كما هو المتبادر. وقد تضمنت أمرًا لهم بأن عليهم إذا لقوا الكافرين في الحرب أن يصدقوا في قتالهم، حتى إذا أكثروا فيهم القتل وقهروهم وضمنوا لأنفسهم الغلبة عليهم جنحوا إلى أسر ما بقي منهم، ويظل أمرهم معهم على هذا المنوال حتى تنتهي حالة الحرب، ويتخلص الناس من أعبائها. كما تضمنت تشريعا في حق الأسرى، فالمسلمون مخيرون فيهم بعد ذلك: فإما أن يمنوا ويتفضلوا عليهم فيطلقوهم بدون فداء وإما أن يطلقوهم بفداء114.
قال البغوي رحمه الله: واختلف العلماء في حكم هذه الآية:
فقال قوم: هي منسوخة بقوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الأنفال:٥٧]. وبقوله: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [التوبة:٥].
وإلى هذا القول ذهب قتادة والضحاك والسدي وابن جريج، وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي، قالوا: لا يجوز المن على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء.
وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة، والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم، أو يسترقهم، أو يمن عليهم فيطلقهم بلا عوض، أو يفاديهم بالمال أو بأسارى المسلمين، وإليه ذهب ابن عمر، وبه قال الحسن، وعطاء، وأكثر الصحابة والعلماء، وهو قول الثوري، والشافعي، وأحمد وإسحاق.
قال ابن عباس: لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله عز وجل في الأسارى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) 115.
وهذا الذي قاله ابن عباس وأكثر الصحابة والعلماء هو الأصح والاختيار؛ لأنه عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده116.
وبعد هذه الإشارات إلى تقرير مصير الأسرى، تأتي آيات كريمة في الدعوة إلى معاملة الأسير معاملة تشي بالأخلاق الإسلامية العالية والعدالة التي تسع الجميع، وبالإحسان بكل مظاهره، وبخاصة في الأمور المادية والمعيشية، وقرن الله تعالى فيها الإحسان إلى الأسير -ولوكان غير مسلم- بالإحسان إلى المسكين واليتيم، وكلاهما يستحق الرعاية والإحسان بمقتضى العقيدة والإيمان بالله تعالى117.
وهذا كله في سياق صورة وضيئة شفافة لقلوب مخلصة جادة عازمة على الوفاء لله بتكاليف العقيدة، مع رحمة ندية بعباده الضعاف، وإيثار على النفس، وتحرج وخشية لله، ورغبة في رضاه، وإشفاق من عذابه، تبعثه التقوى والجد في تصور الواجب الثقيل.
يقول الله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الإنسان: ٨-١٠].
وهي تصور شعور البر والعطف والخير ممثلًا في إطعام الطعام، مع حبه بسبب الحاجة إليه118.
فمثل هذه القلوب لا يقال عنها: إنها تحب الطعام الذي تطعمه للضعاف المحتاجين على اختلاف أنواعهم، إلا أن تكون في حاجة هي إلى هذا الطعام، ولكنها تؤثر به المحتاجين بأريحية نفس، ورحمة قلب، وخلوص نية، واتجاه إلى الله بالعمل، يحكيه السياق من حالهم، ومن منطوق قلوبهم فهي الرحمة الفائضة من القلوب الرقيقة الرفيقة، تتجه إلى الله تطلب رضاه، ولا تبتغي بها جزاء من الخلق ولا شكرًا، ولا تقصد بها استعلاء على المحتاجين ولا خيلاء، كما تتقي بها يومًا عبوسًا شديد العبوس، تتوقعه وتخشاه، وتتقيه بهذا الوقاء119.
أما الأسير فقد اختلفوا فيه على أقوال120: والذي يناسب السياق هو ما قاله ابن عباسٍ، والحسن، وقتادة: إنه الأسير من المشركين، فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يبعث الأسارى من المشركين ليحفظوا وليقام بحقهم، وذلك لأنه يجب إطعامهم إلى أن يرى الإمام رأيه فيهم من قتل أو فداء أو استرقاق، القتل في حال لا يمنع من الإطعام في حال أخرى، ولا يجب إذا عوقب بوجه أن يعاقب بوجه آخر، ولذلك لا يحسن فيمن يلزمه القصاص أن يفعل به ما هو دون القتل.
ثم هذا الإطعام على من يجب؟ فنقول: الإمام يطعمه، فإن لم يفعله الإمام وجب على المسلمين121.
قال البقاعي رحمه الله: وقد نقل في غزوة بدر أن بعض الصحابة رضي الله عنهم كان يؤثر أسيره على نفسه بالخبز، وكان الخبز إذ ذاك عزيزًا، حتى كان ذلك الأسير يعجب من مكارمهم حتى كان ذلك مما دعاه إلى الإسلام، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفعهم إليهم قال: «استوصوا بهم خيرًا» ومن حكم الأسير الحقيقي كل مضرور، يفعلون ذلك والحال أنهم يقولون بلسان الحال أو القال -إن احتيج إليه- إزاحة لتوهم المن أو توقع المكافأة، مؤكدين إشارة إلى أن الإخلاص أمر عزيز لا يكاد أحد يصدق أنه يتأتى لأحد: (ﭩ ﭪ) أيها المحتاجون (ﭫ ﭬ) أي: لذات الملك الذي استجمع الجلال والإكرام؛ لكونه أمرنا بذلك122.
للقتال والجهاد نتائج، ويعقبهما ثمرات في الفرد نفسه وفي الأمة، فهو يربي النفس على البذل والتضحية، ويشعر المسلم بالعزة الحقيقية الكاملة، ويدفع خطر الأعداء ويكسر شوكتهم، كما يدفع الفتنة وينشر الأمن في المجتمع، وفيه شفاء لصدور المؤمنين وإغاظة للكافرين والظالمين المعتدين.
وسيتم الحديث عنها في النقاط الآتية:
أولًا: تربية النفس على البذل والتضحية:
في الجهاد والقتال يبذل المسلم المجاهد غاية الجهد والوسع، فهو يبذل نفسه وماله ووقته في سبيل الله تعالى لا يبتغي مكافأة من الناس ولا شكرًا منهم وحمدًا، ولا يريد علوًّا في الأرض ولا فسادًا، فيرتفع إلى آفاق عالية من البذل والعطاء لخير البشرية وهدايتها وصيانتها من العدوان والظلم، لتشعر بحريتها الحقيقية في عبوديتها لله واستسلامها لشرعه وخضوعها له. وبذلك تتحقق الخيرية التي وصف الله تعالى بها هذه الأمة في قوله: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ) [آل عمران: ١١٠].
قال أبو هريرة رضي الله عنه في تفسيرها: «كنتم خير الناس للناس، تأتون بهم في الأقياد والسلاسل حتى تدخلوهم الجنة، يبذلون أموالهم وأنفسهم في الجهاد لنفع الناس، فهم خير الأمم للخلق. والخلق عيال الله، فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله» فصارت الأمة بذلك خير أمة أخرجت للناس، وأفلح بذلك المقاتلون. وهذا هو مقصود الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهذا من معنى كون محمدٍ صلى الله عليه وسلم ما أرسل إلا رحمة للعالمين، فهو رحمة في حق كل أحدٍ بحسبه، حتى المكذبين له هو في حقهم رحمةٌ أعظم مما كان غيره رحمة للناس123.
وهذه بعض الآيات الكريمة التي تربي نفس المؤمن على البذل والتضحية و العطاء، قد تذكر نتيجة واحدة أو نوعًا واحدًا من هذه التربية، وقد تجمعها كلها في سياق واحد.
قال الله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة: ١٩٥].
واختلف المفسرون في تأويل هذه الآية الكريمة:
فقال بعضهم: هذا في البخل وترك الإنفاق. أي: لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى الهلاك بترك الإنفاق في سبيل الله. وهو قول حذيفة والحسن وقتادة وعكرمة وعطاء. وقال ابن عباس في هذه الآية: أنفق في سبيل الله وإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص124، ولا يقولن أحدكم: إني لا أجد شيئًا. وقال: السدي: أنفق في سبيل الله ولو عقالًا، ولا تقل: ليس عندي شيء. وقال: سعيد بن المسيب ومقاتل بن حيان: لما أمر الله تعالى بالإنفاق قال رجل: أمرنا بالنفقة في سبيل الله، ولو أنفقنا أموالنا بقينا فقراء، فأنزل الله هذه الآية. وقال مجاهد: لا يمنعنكم من نفقة في حقٍّ خيفة العيلة. قال أبو عبيدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فسبعمائة، ومن أنفق نفقة على أهله فالحسنة بعشر أمثالها)125.
وقيل: أنزلت الآية في ترك الجهاد، قال أبو أيوب الأنصاري: نزلت فينا معشر الأنصار؛ وذلك أن الله تعالى لما أعز دينه ونصر رسوله قلنا فيما بيننا: إنا قد تركنا أهلنا وأموالنا حتى فشا الإسلام ونصر الله نبيه، فلو رجعنا إلى أهلينا وأموالنا فأقمنا فيها فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله تعالى هذه الآية. فـ «التهلكة» الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد. فما زال أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى كان آخر غزوة غزاها بقسطنطينية في زمن معاوية فتوفي هناك ودفن في أصل سور القسطنطينية، وهم يستسقون به126.
وهذان القولان متلازمان وهما غير متناقضين، فإنَّ ترك الجهاد فيه إلقاء بالنفس إلى الهلاك، وترك النفقة هو ترك للجهاد بالمال، وانشغال بالزرع والمادة والمال عن الجهاد. وهذا من اختلاف التنوع في التفسير، وليس من اختلاف التضاد127.
ثم تأتي آيات أخرى في سورة البقرة توجيهًا للمنفقين في سبيل الله، وهم الذين جادوا بالمال ابتغاء وجه الله، فكأن الجهاد في سبيل الله والقتال لإعلاء كلمة الله يعود المقاتل على البذل والإنفاق، فالنفس والمال شقيقان، ومن يجود بنفسه لن يبخل بماله.
قال الله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة: ٢٦٢-٢٦٣].
وهاتان آيتان من سورة البقرة في سياق البناء الاقتصادي والتكافل الاجتماعي، وقد تكررت الدعوة إلى الإنفاق في هذه السورة، والآن يرسم السياق دستور الصدقة في تفصيل وإسهاب، مظللًا بظلال حبيبة أليفة، ويبين آدابها النفسية والاجتماعية؛ الآداب التي تحول الصدقة عملًا تهذيبيًّا لنفس معطيها وعملًا نافعًا مربحًا لآخذيها، وتحول المجتمع عن طريقها إلى أسرة يسودها التعاون والتكافل، والتواد والتراحم، وترفع البشرية إلى مستوى كريم: المعطي فيه والآخذ على السواء.
ومع أن التوجيهات التي وردت في هذا الدرس تعد دستورًا دائمًا غير مقيد بزمن ولا بملابسات معينة، إلا أنه لا يفوتنا أن نلمح من ورائه أنه جاء تلبية لحالات واقعة، كانت النصوص تواجهها في الجماعة المسلمة يومذاك- كما أنها يمكن أن تواجهها في أي مجتمع مسلم فيما بعد- وأنه كانت هناك نفوس شحيحة ضنينة بالمال تحتاج إلى هذه الإيقاعات القوية، والإيحاءات المؤثرة كما تحتاج إلى ضرب الأمثال، وتصوير الحقائق في مشاهد ناطقة كيما تبلغ إلى الأعماق! كان هناك من يضن بالمال. فلا يعطيه إلا بالربا. وكان هناك من ينفقه كارهًا أو مرائيًا. وكان هناك من يتبع النفقة بالمن والأذى. وكان هناك من يقدم الرديء من ماله ويحتجز الجيد، وكل هؤلاء إلى جانب المنفقين في سبيل الله مخلصين له، الذين يجودون بخير أموالهم، وينفقون سرًّا في موضع السر، وعلانية في موضع العلانية في تجرد وإخلاص ونقاء128.
ونقل الإمام البغوي عن الكلبي: أن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنهما- جاء عبد الرحمن بأربعة آلاف درهم صدقةً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كانت عندي ثمانية آلاف، فأمسكت منها لنفسي وعيالي أربعة آلاف درهم، وأربعة آلاف أقرضتها ربي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بارك الله فيما أمسكت لك وفيما أعطيت)، وأما عثمان فجهز جيش المسلمين في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وأحلاسها129، فنزلت فيهما هذه الآية.
وقال عبد الرحمن بن سمرة: جاء عثمان رضي الله عنه بألف دينار في جيش العسرة فصبها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيها يده ويقلبها ويقول: (ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم)130 فأنزل الله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) في طاعة الله (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) وهو أن يمن عليه بعطائه فيقول: أعطيتك كذا، ويعد نعمه عليه فيكدرها (ﮤ ﮥ) أن يعيره فيقول: إلى كم تسأل؟ وكم تؤذيني؟ وقيل: من الأذى أن يذكر إنفاقه عليه عند من لا يحب وقوفه عليه131.
ولذلك جاء التحذير من البخل بالنفقة في سبيل الله، فإن المؤمن لا يكون بخيلًا بماله وهو يجود بنفسه.
قال الله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [محمد: ٣٨ ].
أي: ها أنتم -أيها المؤمنون- تدعون إلى النفقة في جهاد أعداء الله ونصرة دينه، فمنكم من يبخل بالنفقة في سبيل الله، ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، والله تعالى هو الغني عنكم وأنتم الفقراء إليه، وإن تتولوا عن الإيمان بالله وامتثال أمره يهلكم، ويأت بقوم آخرين، ثم لا يكونوا أمثالكم في التولي عن أمر الله، بل يطيعونه ويطيعون رسوله، ويجاهدون في سبيله بأموالهم وأنفسهم132.
ثم جاءت التوجيهات الربانية في ظل الوقائع والأحداث التاريخية في حياة الأنبياء السابقين-على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم- تتجه إلى الذين آمنوا يحرضهم الله تعالى فيها على القتال، وعلى الإنفاق في سبيل الله، واهب الحياة وواهب المال، والقادر على قبض الحياة وقبض المال، فهي تضحية بالنفس وبالمال.
قال الله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة: ٢٥٠-٢٥١].
فإن القوم لما سألوا الله تعالى الصبر، وأخذوا بأسباب النصر، ثم برزوا لجالوت وجنوده استجاب الله لهم ذلك الدعاء لإتيانهم بالأسباب الموجبة لذلك، ونصرهم عليهم بإذن الله، وقتل داود عليه السلام جالوت، أي: باشر قتل ملك الكفار بيده لشجاعته وقوته وصبره، عندئذ من الله عليه بتملكه على بني إسرائيل مع الحكمة، وهي النبوة المشتملة على الشرع العظيم والصراط المستقيم، ولهذا قال: (ﮬ ﮭ ﮮ) من العلوم الشرعية والعلوم السياسية، فجمع الله له الملك والنبوة، وقد كان مَنْ قبله من الأنبياء يكون الملك لغيرهم، فلما نصرهم الله تعالى اطمأنوا في ديارهم وعبدوا الله آمنين مطمئنين لخذلان أعدائهم وتمكينهم من الأرض، وهذا كله من آثار الجهاد في سبيله، فلو لم يكن لم يحصل ذلك133.
وفي آيات أخرى، في سور متعددة، تأتي الإشارة إلى أثر القتال في البذل والتضحية معًا، فتجمع بين الجهاد بالنفس والجهاد بالمال. وهذا أثر من آثار عقيدة الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى، كقوله سبحانه: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [التوبة: ٢٠].
وقوله سبحانه: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [التوبة: ١٢١].
وقوله سبحانه: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ) [الصف: ١٠-١٣].
ثانيًا: العزة والتمكين للمجتمع الاسلامي:
من نتائج القتال وثمراته أن يحافظ المسلمون على عزتهم وكرامتهم التي يستمدونها من عزة الله تعالى القوي العزيز: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [فاطر: ١٠ ].
وهذه الآية الكريمة جاءت في سياق آيات بين الله تعالى فيها برهان الإيمان ودلائله من مشاهد الحياة النابضة في الموات، ثم انتقلت إلى معنى نفسي ومطلب شعوري، إلى معنى العزة والرفعة والمنعة والاستعلاء. وربطت هذا المعنى بالقول الطيب الذي يصعد إلى الله، والعمل الصالح الذي يرفعه الله، إشارة إلى ما كان يمنع الكفار منه، وهو العزة الظاهرة التي كانوا يتوهمونها من حيث إنهم ما كانوا في طاعة أحد، ولم يكن لهم من يأمرهم وينهاهم، فكانوا ينحتون الأصنام، وكانوا يقولون: إن هذه آلهتنا، ثم إنهم كانوا ينقلونها مع أنفسهم، وأية عزة فوق المعية مع المعبود! فهم كانوا يطلبون العزة -وهي عدم التذلل للرسول وترك الاتباع له- فقال تعالى: إن كنتم تطلبون بهذا الكفر العزة في الحقيقة، فهي كلها لله، ومن يتذلل له فهو العزيز، ومن يتعزز عليه فهو الذليل. إن العزة كلها لله، وليس شيء منها عند أحد سواه. فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره. ليطلبها عند الله، فهو واجدها هناك وليس بواجدها عند أحد، ولا في أي كنف، ولا بأي سبب (ﯢ ﯣ ﯤ).
وهذه حقيقة أساسية من حقائق العقيدة الإسلامية، وهي حقيقة كفيلة بتعديل القيم والموازين، وتعديل الحكم والتقدير، وتعديل النهج والسلوك، وتعديل الوسائل والأسباب! ويكفي أن تستقر هذه الحقيقة وحدها في أي قلب؛ لتقف به أمام الدنيا كلها عزيزًا كريمًا ثابتًا في وقفته غير مزعزع، عارفًا طريقه إلى العزة، طريقه الذي ليس هنالك سواه! إنه لن يحني رأسه لمخلوق متجبر، ولا لعاصفة طاغية، ولا لحدث جلل، ولا لوضع ولا لحكم، ولا لدولة ولا لمصلحة، ولا لقوة من قوى الأرض جميعًا. وعلام؟ والعزة لله جميعًا، وليس لأحد منها شيء إلا برضاه134.
وجاءت الآيات الكريمة في مواضع أخرى تؤكد هذا المعنى، وهو أن العزة الحقيقية هي لله تعالى حقيقة وبالذات، فقال سبحانه: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [يونس: ٦٥].
وقال سبحانه: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [النساء: ١٣٩].
فلله العزة في الحقيقة وبالذات، وهي لرسوله بواسطة القرب من العزيز وهو الله، وللمؤمنين بواسطة قربهم من العزيز بالله وهو الرسول، وذلك لأن عزة المؤمنين بواسطة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [المنافقون: ٨].
وقد جعل الله تعالى القتال في سبيله والجهاد لإعلاء كلمته سبيلًا لهذه العزة، وطريقًا للتمكين لهذا الدين والاستعلاء به، ولهذه الأمة المستعلية بإيمانها وبربها فقال سبحانه وتعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [آل عمران: ١٣٩].
وقال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النساء: ١٠٤].
فالجهاد من الإسلام ذروة سنامه، وهو واحدٌ من طرق العزة والكرامة، كان ولا يزال السبيل الذي تسلكه الأمم للحفاظ على كيانها، ورد عادية من يعتدي عليها، ما تركه قوم إلا سلط الله عليهم عدوهم، وما تمسك به قوم إلا أعزهم الله ونصرهم.
ولنا من تاريخ أمتنا أصدق شاهد وأقوى دليل على ذلك. فهي لما كانت متمسكة بالجهاد، تقاتل في سبيل الله من كفر بالله، يحج الفرد فيها عامًا ويغزو عامًا -كما نجد في تراجم كثير من العلماء والقادة في تاريخ الإسلام- كانت أمة قوية عزيزة مرهوبة الجانب، تجبى إليها الثمرات من كل مكان، ويخاطب الخليفة فيها السحابة قائلًا: أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك!!
ولما تقاعست عنه، وبدأت تتلمس المعاذير للتقاعس، وتدعو إلى السلم الرخيصة الذليلة، عند ذلك بدأ خط سيرها في التاريخ يرجع القهقرى، وأصبحت الأمم تتناوشها من كل جانب، فتضعف مكانتها وتزول هيبتها، وتخور عزيمتها، وبدأت تنسى رسالتها، ويتحقق فيها قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فيما رواه ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن)، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: (حب الدنيا، وكراهية الموت)135.
وليس هذا فحسب، بل راح بعضهم يحرف الكلم عن مواضعه، فيفسر الآيات على غير وجهها ويبترها عن سياقها، وأسباب نزولها لمواجهة الواقع، ويحرف الوقائع التاريخية، ويحملها ما لا تحتمل، كل هذا تسويغًا للقعود، وإمعانًا في التضليل والتحريف، ثم يدعي الحكمة ويتبجح بالتعقل لمواجهة الواقع، بحجة أننا في مرحلة ضعف لا نستطيع الجهاد والقتال. وبدلًا من إزالة أسباب الضعف الذي يدعيه، وبدلًا من الدعوة إلى الأخذ بأسباب القوة، بدلا من هذا كله يدعو إلى ترك الجهاد136.
ثالثًا: كسر شوكة الأعداء وشفاء صدور المؤمنين:
بعث الله تعالى رسله، وأنزل كتبه وشرائعه، ليقوم الناس بالقسط والعدل، وختم هذه الشرائع برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي اختصها الله تعالى باسم «الإسلام»، فكانت هي الدين الكامل، والنعمة التامة، وجعلها مهيمنةً على سائر الأديان، موجهة للناس كافة. وقد وسعت البشرية كلها بدعوتها إلى التوحيد، وحملت مشعل النور إلى العالمين، وأعادت للإنسان حريته وكرامته، وأرست دعائم الحضارة الإنسانية التي تقوم على الإيمان والأخلاق، والعلم والعمل، والحق والعدل.
ولكن القوم الكافرين- من وثنيين وكتابيين وغيرهم - وقفوا من هذه الدعوة ومن نبيها وأتباعه موقف العداء والصدود والتآمر، منذ فجر هذه الدعوة. وقد حكى الله تعالى في كتابه الكريم موقف القوم وعداءهم للإسلام والمسلمين وتحالفهم جميعًا لتحقيق مآربهم ومخططاتهم، ثم جاء الواقع التاريخي العملي - في القديم والحديث - يؤكد ذلك ويصدقه. وما خبر الحروب الصليبية عنا ببعيد! وفي العصر الحاضر: العدوان الهمجي على المسلمين في البوسنة والهرسك، وفي الشيشان، وفي الفلبين، وفي تايلند، وفي الهند، وفي كشمير، وفي الصومال، وفي أفغانستان، وفي العراق. وقبل ذلك: حرب الإبادة الجماعية في الاتحاد السوفيتي، وفي الهند، وفي كشمير أيضًا، وفي يوغوسلافيا، وفي الحبشة وغيرها من الأصقاع التي يسيطر فيها غير المسلمين، أو يتغلبون فيها عليهم، سواء أ كانوا أقلية أو أغلبية أو أكثرية. وفي العصور السالفة: محاكم التفتيش في إسبانيا بعد سقوط دولة المسلمين في الأندلس، وحرب التتار وهجومهم على دار الإسلام والخلافة الإسلامية، وتآمر النصارى الصليبيين والمغول137.
وفي العصر الحديث: يتعاون أهل الكتاب مع الملحدين أيضًا في المعسكر الشيوعي، ليواجهوا الإسلام، وليضربوا كل حركة إسلامية صادقة؛ فهم يتناسون كل خلاف يمكن أن يقوم بينهم إذا ما واجهوا الإسلام والمسلمين، فهم دائمًا متعاونون ضدنا، ومع ذلك يحاولون الخداع بالشعارات الزائفة والدعاوى العريضة الكاذبة138.
وهذا الصراع بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر، سنة قديمة وواقع غير منكور، وعندما يكون الأعداء غالبين فإنهم يستعبدون الناس ويفسدون في الأرض، فكان من الخير للبشرية كسر شوكتهم وقوتهم، وما يكون ذلك إلا بقتالهم لخضد هذه الشوكة والقوة الغاشمة، وفيها شفاء صدور قوم مؤمنين.
قال الله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [التوبة: ١٣-١٥].
وهذه الآيات الكريمة في سياق التحضيض على قتال الكفار وأئمة الكفر، وفيها بيان ثلاثة بواعث تبعث على قتالهم.
أولها: نكثهم لأيمان عهدهم الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان في صلح الحديبية، عندما عاونوا حلفاءهم بني بكر على خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم.
وثانيها: تآمرهم وهمهم بإخراج النبي والمؤمنين من مكة؛ لئلا يبلغ دعوة ربه تبارك وتعالى.
وثالثها: بدؤهم بالفتنة، والفتنة أشد من القتل، وبدؤهم بالقتال، إذ هاجموكم في بدر من غير ضرورة تلجئهم، ولا حاجة تدفعهم إلا أن تكون كراهة لدينكم139.
وفيها أمر قطعي بقتال الكفار مع وعد صادق بإظهار المؤمنين عليهم أكمل الظهور وأتمه، وهذا الوعد من أخبار الغيب التفصيلية في حال معينة، فهو ليس كالوعد العام المجمل في نصر الله لرسله وللمؤمنين الذي يراد به أن العاقبة تكون لهم، ولا يمنع أن تكون الحرب قبلها سجالًا لتربية المؤمنين، وقد صدق وعده تعالى مجملًا ومفصلًا. فقوله: (ﭑ) معناه: باشروا قتالهم كما أمرتم فإنكم إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم بتمكينها من رقابهم قتلًا، ومن صدورهم ونحورهم طعنًا، يعقبهم في قلوبهم يأسًا، لا يدع في أنفسهم قوة ولا بأسًا140.
قال البقاعي رحمه الله: قاتلوهم لله لا لغرض غيره، يعذبهم الله -الذي أنتم مؤمنون بأنه المتفرد -بأيديكم، بأن تقتلوهم وتأسروهم وتهزموهم، ويخزهم بالذل في الدنيا والفضيحة والعذاب في الأخرى. ولما كان ذلك قولًا لا يقتضي النصر الذي هو علو العاقبة، قال تعالى: (ﭖ ﭗ) أي: فترضوا ربكم بذلك لإذلاله من يعاديه بكم141.
وبعد هذا تجدر الإشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى بين ثمرات القتال، وذكرت الآيات منها:
وفيه أيضًا رد عاديتهم عن المؤمنين. قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) وذلك بالإثخان فيهم. وصرح بقوله (ﭔ)، أي: إنها عذاب لهم تتولونه أنتم، فقوله (ﭔ) يراد بأنفسكم، وهذا مجاز مرسل علاقته الجزئية، وعبر بالأيدي؛ لأنها هي التي بها البطش، وهي التي تحمل السيوف والرماح والنبال.
وكان العذاب في الدنيا بأيدي أهل الحق لردع أهل الباطل، وكسر شوكته، ولكيلا يستشري الشر، وتستعلى الرذائل وتنخفض الفضائل، (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)[الحج:٤٠].
لهذا كان لا بد من عذاب الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) أي: يخزهم بالأسر والاسترقاق، والتتبع في الأرض، وذهاب سطوتهم وقوتهم، وانخلاع العرب من ربقتهم، وذهاب سلطانهم المادي والأدبي بالأسر، فيجتمع في حقهم العذاب الحسي والمعنوي.
وفيه أيضًا نصر للمؤمنين: (ﭖ ﭗ)، فإن النصر بيد الله، (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)[الحج:٤٠].
ونصرة العبد لله بإطاعة أوامره، ومنها الأمر بالقتال، وجعل كلمة الله هي العليا، وكلمة الكفر هي السفلى، ولا يكون النصر من الله إلا إذا اُتُّخِذَت أسبابه من العبد واحتسب النية.
فترتاح النفوس وتسكن وتغمرها الثقة والطمأنينة: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ). ذلك أن قلوب المؤمنين إذا رأت الكفر ناتئ الرأس، ولم يكن من يقمعه، ويرد كيده في نحره عراها الشك أو التردد، أو محاولة تعرف الحكمة في إهمال الكفر، وتركه في عنفوانه وإيذائه، فإذا نصر الله المؤمنين شفيت صدور قوم مؤمنين، وخرج ذلك التردد، وذهبت عنها تلك الحيرة، فالله -بقتال المؤمنين لأهل الكفر- يشفي تلك الصدور المؤمنة من تلك الحيرة الممضة التي قد تثير الريب، ومن ذلك الحزن والموجدة، وفيه إشارة إلى الوعد بالفتح142.
(ﭝ ﭞ ﭟ) والضمير في قوله تعالى (ﭞ ﭟ) يعود إلى الذين تحتاج صدورهم إلى شفاء بنصر مؤزر يدفع الباطل ويزهقه، ويرفع الحق ويعليه. والغيظ انفعال النفس بالألم من رؤية الباطل عاليًا والحق مستكينًا أو مستخذيًا، فإذا انتصر الحق وعلا، ذهب ذلك الغيظ، واستقامت النفس على سواء الصراط، وارتاحت الضمائر المؤمنة.
وعبر الله في الغيظ بقوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ) لأن الغيظ ليس داءً، ولكنه حال عارضة من أمر قابل للزوال، والنصر يزيله. وفيه إشارة إلى حصول الوعد وتحققه. أما التردد والحيرة، وبوادر الشك، فأمراض تلازم النفوس المريضة، فعبر عن زوالها بالشفاء؛ لأنها أمراض الإيمان، والله هو الذي يشفيها، ويودعها الاطمئنان.
وإن الحرب التي تختبر فيها النفوس، ويذهب فيها غرور الذين يغترون بأصنامهم، ويحسبون أنها تنصرهم في الشدة وتغيثهم في الكريهة، من شأنها أن تجعل النفوس تفكر فيما هي عليه، وفيما عليه الذين يحاربونها، فيعرفون الغث من السمين، والحق من الباطل، ويتعرفون ما عليه آلهتهم التي يزعمونها، وما نصر به الإله الحق أولياءه المؤمنين، فيهتدون بعد ضلالة، ولذا قال الله إن من آثار الحرب التي يدك فيها الشر أن يتوب الله على من يشاء من عباده، فقال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) فيهديه إلى الإسلام، كما فعل بأبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو. أي: أنهم يحسون بقوة الحق، وضعف ما هم عليه من كفر، وضلال في الأوثان فيتوبون أي يرجعون إلى الله بعد أن بعدوا عن الإيمان. والآية تشير إلى أن هذه التوبة فيضٌ من الله عليهم وصلوا إليها بعد أن ذهب غرورهم بما هم عليه من عبادة الأصنام.
وختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله: (ﭧ ﭨ ﭩ) يعلم النفوس وما يهديها، وما يوجهها إلى الحق، حكيم يضع الأمور في مواضعها، ويدبرها بحكمته، وهو العزيز الحكيم143.
رابعًا: دفع الفتنة وانتشار الأمن في المجتمع:
ومن ثمرات القتال والجهاد دفع الفتنة ومنع الفساد في الأرض، وهذا يقتضي انتشار الأمن والطمأنينة والاستقرار النفسي والمادي في المجتمع.
والفتنة في أصلها اللغوي تدل على ابتلاء واختبار. وأصل الفتن: إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته، واستعمل في إدخال الإنسان النار.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الذاريات: ١٣].
وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب فيستعمل فيه، نحو قوله: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [التوبة: ٤٩].
وتارة في الاختبار نحو: (ﮈ ﮉ) [طه: ٤٠].
وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وهما في الشدة أظهر معنىً وأكثر استعمالًا144.
وما ورد في القرآن الكريم من تفصيل عن معنى الفتنة يمكن إجماله فيما يلي:
فقد جاءت الفتنة بمعنى ظلم الضعفاء وسلب حقوقهم المشروعة، وسلب بيوتهم، وإيذاؤهم. كما في قوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [النحل: ١١٠].
وقوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ) [البقرة: ٢١٧].
وجاءت أيضًا بمعنى الاستعلاء بالقهر والاستبداد، ومنع الناس من قبول الحق، والصد عن دين الله تعالى، كما في قوله: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [يونس: ٨٣].
(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الأنفال: ٣٦].
ثم جاء البيان بعدها بأن هذا فتنة يجب منعها ومجاهدة الكفار الذين يفتنون المؤمنين: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنفال: ٣٩].
كما جاءت الفتنة بمعنى محاولة إضلال الناس، واستخدام الخداع والغش والطمع والإكراه ضد الحق، كما في قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الإسراء: ٧٣].
وقوله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ) [المائدة: ٤٩].
وجاءت أيضًا بمعنى غلبة الباطل وأهله على أتباع الحق، كما في قوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأنفال: ٧٣].
وتلك المعاني للفتنة يندرج فيها الفساد والإفساد في الأرض، والصد عن دين الله الذي أنزله؛ ليكون منهجًا لتحرير الإنسان من العبودية للإنسان والهوى والشيطان؛ ليكون عبدًا لله تعالى وحده. ولذلك أمر الله تعالى بالقتال والجهاد لإزالة هذه الفتن والفساد واستئصالهما بالقوة، لإقامة دين الله تعالى وشرعه في هذه الأرض، وعندئذ تنعم البشرية بالخير والسعادة والاطمئنان والاستقرار، وتصان الحقوق والحريات بأدق المعايير الربانية145.
ومما يدل على ذلك قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [البقرة: ١٩٣].
قال الإمام شيخ المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره لنبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم: وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة = يعني: حتى لا يكون شركٌ بالله، وحتى لا يعبد دونه أحدٌ، وتضمحل عبادة الأوثان والآلهة والأنداد، وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان، كما قال قتادة ومجاهد والسدي وابن عباس والحسن وابن زيد وأما «الدين» الذي ذكره الله في هذا الموضع فهو العبادة والطاعة لله في أمره ونهيه146.
وهو الذي ذهب إليه الإمام البغوي، وزاده بيانًا فقال في تفسير هذه الآية: وقاتلوا المشركين حتى لا يكون شرك. يعني قاتلوهم حتى يسلموا، فلا يقبل من الوثني إلا الإسلام، فإن أبى قتل، ويكون الدين: أي: الطاعة والعبادة لله وحده فلا يعبد شيء دونه.
قال نافع: جاء رجل إلى ابن عمر -رضي الله عنهما- في فتنة ابن الزبير فقال: ما يمنعك أن تخرج؟ قال: يمنعني أن الله تعالى قد حرم دم أخي. قال: ألا تسمع ما ذكره الله عز وجل (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الحجرات: ٩]؟ قال يا ابن أخي: لأن أعير بهذه الآية ولا أقاتل أحب إلي من أن أعير بالآية التي يقول الله عز وجل فيها: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [النساء:٩٣].
قال: ألم يقل الله: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ)؟ قال: قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلًا، وكان الرجل يفتن في دينه؛ إما يقتلونه أو يعذبونه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة، وكان الدين كله لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير الله. وعن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عمر: كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال: هل تدري ما الفتنة؟ كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، وكان الدخول عليهم فتنة وليس بقتالكم على الملك.
ثم قال تعالى: (ﭿ ﮀ) عن الكفر وأسلموا (ﮁ ﮂ) أي: فلا سبيل (ﮃ ﮄ ﮅ) قاله ابن عباس. يدل عليه قوله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [القصص: ٢٨].
وقال أهل المعاني: العدوان الظلم، أي: فإن أسلموا فلا نهب ولا أسر ولا قتل (ﮃ ﮄ ﮅ) الذين بقوا على الشرك. وما يفعل بأهل الشرك من هذه الأشياء لا يكون ظلمًا، وسماه عدوانا على طريق المجازاة والمقابلة، كما قال: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [البقرة:١٩٤].
وكقوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الشورى:٤٠].
وسمي الكافر ظالمًا؛ لأنه يضع العبادة في غير موضعها147.
ثم جاء هذا المعنى نفسه في سورة الأنفال، فقال الله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنفال: ٣٩].
وهذا أمرٌ من الله عز وجل فرض به على المؤمنين أن يقاتلوا الكفار لمنع الفتنة. قال ابن عباس وغيره: معناها الشرك -كما تقدم آنفًا-. وقال ابن إسحاق: معناها حتى لا يفتن أحد عن دينه كما كانت قريش تفعل بمكة بمن أسلم كبلال وغيره. وهو مقتضى قول عروة بن الزبير في جوابه لعبد الملك ابن مروان حين سأله عن خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مهاجرًا. وأما قوله (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) أي: لا يشرك معه صنمٌ ولا وثن، ولا يعبد غيره. وقال قتادة: حتى تستوسق كلمة الإخلاص لا إله إلا الله.
قال القاضي أبو محمد بن عطية148: «وهذه المعاني تتلازم كلها».
وقال الحسن: حتى لا يكون بلاء، وهذا يلزم عليه القتال في فتن المسلمين الفئة الباغية، على سائر ما ذكرناه من الأقوال يكون المعتزل في فسحة، وعلى هذا جاء قول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أما نحن فقد قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وأما أنت وأصحابك فتريدون أن نقاتل حتى تكون فتنة!.
قال القاضي أبو محمد149: فمذهب ابن عمر أن «الفتنة» هي الشرك في هذه الآية. وهو الظاهر، وفسر هذه الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله) 150.
[انظر: الجهاد: مقاصد الجهاد]
موضوعات ذات صلة: |
الثبات، الجهاد، الحرب، الدفع، السلم، القتل |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٥٦.
2 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٩٣.
3 الشرح الممتع شرح زاد المستقنع ٢/٤٨.
4 أحكام القرآن ٢/٤٢٨.
5 انظر: المقدمات الممهدات، ابن رشد ١/٣٤٢، أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام الشيباني ٢/٩٠٨.
6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٥٣٣-٥٣٦، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب القاف ص٩٢٢-٩٢٥.
7 انظر: الصحاح، الجوهري، ٥/١٧٩٧-١٧٩٨، مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/٥٦-٥٧، المعجم الوسط، مجمع اللغة العربية، ٢/٧١٥، نزهة الأعين النظائر، ابن الجوزي، ص٤٩٤-٤٩٧، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٤/٢٣٨-٢٣٩.
8 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٣/١٣٤.
9 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٠٨.
10 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ١٣٣.
11 انظر:كتاب العين، الفراهيدي ٣/٢١٣.
12 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص١٣٧.
13 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٥٣١.
14 زاد المعاد، ابن القيم ٣/١٤٣.
15 أحكام القرآن، الجصاص ٣/٢٥٧.
16 أخرجه النسائي في سننه، أول كتاب الجهاد، ٦/٣.
وصححه الحاكم على شرط البخاري، ٢/٦٦ و ٣٠٧، ولم يتعقبه الذهبي.
17 أخرجه الإمام أحمد في المسند ٣/٤٦٢.
قال الهيثمي في المجمع: ٦/٤٥: رجال أحمد رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.
وانظر: السيرة، ابن إسحاق ص ٤٤٨، الطبقات الكبرى، ابن سعد ١/٢٢٣، تاريخ الأمم والملوك، الطبري ٢/٣٦٤.
18 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٥٩.
19 في ظلال القرآن ٢/٧١٤-٧١٥.
20 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام ١/٥٠١، زاد المعاد، ابن القيم ٣/٦٥-٦٦، مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، محمد حميد الله ص٥٧.
21 في ظلال القرآن ٣/١٤٣٩.
22 معالم التنزيل ٥/٣٨٨-٢٨٩.
23 قال ابن حجر في الكافي الشافي ص ١١٣: لم أجده هكذا.وعزاه الواحدي في الوسيط للمفسرين، وهو منتزع من أحاديث، أقربها ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قوله: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا)، وذلك أن مشركي أهل مكة كانوا يؤذون المسلمين بمكة، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في قتالهم بمكة، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أنزل الله عليه: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا).
24 أسرف بعض العلماء في قضية النسخ، وجعلوا آية سورة براءة -أو آية السيف كما يقولون- ناسخة لآيات كثيرة تأمر بالصفح أو تنهى عن المسالمة.وهذا مردود عند المحققين من العلماء.فقد قال الطبري رحمه الله في التفسير ١٠/١٣٥: إن الناسخ الذي لا شك فيه من الأمر، هو ما كان نافيًا كل معاني خلافه، الذي كان قبله.فأما ما كان غير ناف جميعه، فلا سبيل إلى العلم بأنه ناسخ إلا بخبر من الله جل وعز، أو من رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس في قوله: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) دلالةٌ على الأمر بنفي معاني الصفح والعفو.
وقال الزركشي، رحمه الله، في كتابه البرهان في علوم القرآن ٢/٤٣-٤٤: ما لهج به كثير من المفسرين في الآيات الآمرة بالتخفيف من أنها منسوخة بآية السيف قول ضعيف، فهو من المـنسأ - بضم الميم - بمعنى: أن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما، لعلة توجب ذلك الحكم، ثم ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر، ليس بنسخ، إنما النسخ: الإزالة، حتى لا يجوز امتثاله أبدًا..فليس حكم المسايفة ناسخًا لحكم المسالمة، بل كل منهما يجب امتثاله في وقته.
25 جامع البيان، الطبري ٣/٥٦١-٥٦٣.
وانظر: معالم التنزيل، البغوي ١/٢١٢-٢١٤، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٢٦٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٢٢-٥٢٣، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٨٩-٩٠.
26 معالم التنزيل، البغوي ٤/٤٥.
27 المصدر السابق ١/٢١٤.
28 انظر: أحكام القرآن للجصاص ١/٢٥٦ - ٢٥٨، أحكام القرآن، ابن العربي ١/١٠٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٣٨.
29 اختلاف العلماء، الطحاوي، اختصار الجصاص ٣/٤٢٦.
30 انظر: زاد المعاد، ابن القيم ٣/١٦٠.
31 في ظلال القرآن ٣/١٦٩١.
32 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٨٩.
33 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٥٦٤.
34 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/١٥٣.
35 معالم التنزيل ٧/٢٧٨.
36 انظر تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٣٠.
37 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٣٦.
38 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ٤/٢٨٢.
وانظر: في ظلال القرآن ٣/١٦٢١.
39 قال الماوردي في تفسيره النكت والعيون ٢/٣٥٢ في معنى الصَغَار: فيه خمسة أقاويل: أحدها: أن يكونوا قيامًا والآخذ لها جالسًا، قاله عكرمة. والثاني: أن يمشوا بها وهم كارهون، قاله ابن عباس. والثالث: أن يكونوا أذلاء مقهورين، قاله الطبري. والرابع: أن دفعها هو الصغار بعينه. والخامس: أن الصغار أن تجري عليهم أحكام الإسلام، قاله الشافعي.
وانظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/٣٤، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٢٥٠.
40 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٣٣٤.
41 المحرر الوجيز ١/٢٤١.
وانظر: جامع البيان، الطبري ٤/٣١٦-٣١٧، معالم التنزيل، البغوي ١/٢٤٦.
42 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ١٣/٢٥٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله..رقم ٢٠، ١/٥١-٥٢.
43 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة، ١/٧٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ١/٥٣.
44 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٨/٤٦٩-٤٧٣.
45 انظر: المشروعية في النظام الإسلامي د.مصطفى كمال وصفي، ص٥٥، منهج الإسلام في الحرب والسلام عثمان ضميرية، ص١٤٦، الجهاد في سبيل الله عزة دروزة، ص١٧٤.
46 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٦/١٢٩، معالم التنزيل، البغوي ٧/٣٤٠، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/١٤٨، الدر المنثور، السيوطي ٧/٥٦٠-٥٦١، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١١/٦٩٩٩.
47 انظر: الجهاد في سبيل الله، محمد عزة دروزة، ص١٧٤-١٧٥.
48 التفسير الميسر ص٥١٦.
49 جامع البيان، الطبري ٢٢/٢٩٢.
50 عقد الماوردي الباب الثالث من الأحكام السلطانية للولاية على حروب المصالح، وهي الردة والبغي والحرابة.
وانظر: الجهاد في سبيل الله، محمود شاكر، ص٢٣١-٢٣٣، الجهاد في سبيل الله، محمد عزة دروزة، ص١٧٤.
51 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/٢٢٨١، لسان العرب، ابن منظور ١٤/٧٥ ، المصباح المنير، الفيومي ص٥٦-٥٧.
52 انظر: التشريع الجنائي الإسلامي ٢/٦٧١-٦٧٢.
53 انظر: التشريع الجنائي الإسلامي ٢/٦٧١.
54 أخرجه البيهقي موقوفًا ٨/١٨١، وصححه الحاكم في المستدرك: ٢/١٥٥ ولم يتعقبه الذهبي.
انظر: نصب الراية، الزيلعي ٣/٤٦٣، التلخيص الحبير، ابن حجر ٤/٤٣، إرواء الغليل، الألباني ٨/١١٣.
55 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٧/٣٤٢.
56 انظر: المصدر السابق.
57 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، رقم ٧٨، ١/٦٩.
58 أحكام القرآن ٣/٥٣٢-٥٣٣.
59 المصدر السابق.
60 تقدم تخريجه قريبًا.
61 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب (فإن تابوا وأقاموا الصلاة)، ١/٧٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ١/٥٣.
62 انظر: شرح السير الكبير، الشيباني ١/١٨٨، المبسوط، السرخسي ١٠/٣، أحكام القرآن الجصاص ٣/١١٤ - ١١٥.
63 معنى النفير أن يخبر أهل مدينة أن العدو قد جاء يريد أنفسكم أو ذراريكم أو أموالكم.فهو التحريض على الجهاد.والنفير العام: أن يحتاج إلى جميع المسلمين، فلا يحصل المقصود - وهو إعزاز الدين - إلا بالجميع.
انظر: شرح السير الكبير ١/١١٢.
64 أحكام القرآن، الجصاص ٣/١١٦.
وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٣٤١- ٣٤٤، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/١٧٣- ١٧٥، روح المعاني، الألوسي ٥/١٢١- ١٢٣.
65 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٢٣٩.
وانظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/١١١، أسباب النزول الواحدي، ص ٣٠٤.
66 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي، ٣/١٥٠٧.
67 انظر: بدائع الصنائع، الصاغاني ٩/٤٣٠٠.
68 انظر: المبسوط السرخسي ١٠/٣، الكافي، ابن عبد البر ١/٣٩٨، روضة الطالبين، النووي ١٠/٢٠٨، المغني، ابن قدامة ٩/٣٥٩- ٣٦٠.
69 مختصر اختلاف الفقهاء، الجصاص ٣/٥٠٩، التمهيد، ابن عبد البر ١٨/٣٠٣.
70 أخرج الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل إعانة الغازي، رقم ٥٠١٦ عن أبى سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بنى لحيان ليخرج من كل رجلين رجل.ثم قال للقاعد: أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج.
71 الأم، الشافعي ٤/٩٠.
72 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب ذم من مات ولم يغز، رقم ٥٠٤٠.
73 انظر: القوانين الفقهية، ابن جزي ص ١٥١، المبدع، ابن مفلح ٣/٣٠٧، نهاية المحتاج، الشربيني ٨/٤٥ - ٤٦.
74 انظر: فتح القدير، ابن الهمام ٥/٤٤٢، الأم، الشافعي ٤/١٦٣، المغني، ابن قدامة ١٠/٣٦٥.
75 أخرجه الإمام أحمد في مسنده، رقم ٩٤٠، وأبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب المجنون يسرق أو يصيب حدًا، رقم ٤٤٠٠.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٦٥٩، رقم ٣٥١٢.
76 قال ابن الملقن في البدر المنير ٩/٣٩: هذا الحديث صحيح لا يحضرني من خرجه من هذا الوجه، ويغني عنه في الدلالة ما في «صحيح مسلم» من حديث جابر بن عبد الله قال: جاء عبدٌ فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولم يشعر أنه عبد، فجاء سيده يريده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: بعنيه، فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدًا بعد حتى يسأله أعبدٌ هو ؟.
77 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب جهاد النساء، رقم ٢٨٧٥، ٢٨٧٦.
قال الحافظ ابن حجر تعليقًا عليه: لهن أن يتطوعن بالجهاد، ولم يكن واجبًا عليهن، لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال.فتح الباري ٦/٧٦.
78 أعوز الرجل إعوازًا: افتقر.وأعوزه الدهر: أفقره. انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/٤٣٧.
79 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٥٦.
80 انظر: الجهاد في سبيل الله، محمد عزة دروزة، ص٣٨-٥٠ و١١٤-١٢٧.
81 انظر: أصول العلاقات الدولية في فقه الإمام محمد بن الحسن الشيباني، عثمان ضميرية ٢/١١٨٥-١٣٠٤.
82 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٩/٤٣٤٧.
83 انظر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد: ٢/٣٨٢.
84 انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/٥٤٥، ٥٨٥، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٥٦٨، معجم المصطلحات المالية والاقتصادية، نزيه حماد، ص٣٥٦.
85 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٢٥٧.
وانظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٢٧٣، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٢٨٦.
86 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفرائض، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا نورث ما تركناه صدقة)، ١٢/٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب حكم الفيء، رقم ١٧٥٧، ٣/١٣٧٧ - ١٣٧٩.
87 قال الحافظ ابن حجر في الكافي الشافي ص١٦٦: ذكره الثعلبي بغير سند.
88 معالم التنزيل، البغوي ٨/٧٣.
وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٨/١٥، أحكام القرآن، الجصاص ٥/٣١٧، أحكام القرآ، ابن العربي ٤/٢١٣-٢١٥.
89 معالم التنزيل، البغوي ٨/٧٣.
90 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الإمارة، باب في تدوين العطاء، ٤/٢١٤.
قال المنذري: وهذا منقطع، الزهري لم يسمع من عمر.
91 معالم التنزيل، البغوي ٨/٧٤.
92 انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/٥٤٥، التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٥٤٢، معجم المصطلحات المالية والاقتصادية، نزيه حماد ص٣٤٨.
93 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٢١-٣٢٢.
94 انظر: السير الكبير، الشيباني ٣/١٠٠٤، فتح القدير، ابن الهمام ٤/٣٠٥.
95 انظر: المصادر السابقة.
96 اختلاف الفقهاء، الطبري، ص ٦٨.
97 انظر: مراتب الإجماع، ابن حزم، ص ١١٤، الإفصاح، ابن هبيرة ٢/٢٧٦.
98 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٧٨-٧٩.
99 التفسير الميسر ص٥١٢.
100 المصدر السابق، ص ٥١٣.
101 المدخل الفقهي العام، مصطفى الزرقا ١/١٨٢-١٨٣.
وانظر: آثار الحرب في الفقه الإسلامي د.وهبة الزحيلي، ص٦٣٥.
102 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/٢٣٠٢-٢٣٠٣، المصباح المنير، الفيومي ١/١٠٠.
103 انظر: فتح القدير، ابن الهمام ٤/٣٦٧، الشرح الكبير، الدردير ٢/٢٠١، مغني المحتاج، الشربيني ٤/٢٤٢، كشاف القناع، البهوتي ٣/١٠٨.
104 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٢١، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٢٢٩-٢٣٠.
105 انظر: الصحاح، الجوهري، ٢/٥٧٨، مقاييس اللغة، ابن فارس ١/١٠٧، لسان العرب، ابن منظور ٤/١٩ - ٢٠.
106 انظر: شرح السير الكبير ٥/٢١٩٥ - ٢١٩٦، المبسوط، السرخسي ١٠/٦٤، الأحكام السلطانية، الماوردي، ص ١٣١، روضة الطالبين، النووي ١٠/٢٥٠.
107 معالم التنزيل ٣/٣٧٥-٣٧٦.
108 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب التفسير، تفسير سورة الأنفال، ٨/٤٧٦.
قال الترمذي: هذا حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
109 معالم التنزيل، البغوي ٣/٣٧٦.
وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٤٦، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٢٢٤.
110 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٨/٣٣١-٣٣٢.
111 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٣٢٧.
قال أبو حيان في البحر المحيط: ٥/٣٥٥: نزلت هذه الآية عقيب بدر في أسرى بدر أعلموا أن لهم ميلا إلى الإسلام وأنهم يؤملونه إن فدوا ورجعوا إلى قومهم، وقيل: في عباس وأصحابه قالوا للرسول: آمنا بما جئت ونشهد أنك رسول الله لننصحن لك على قومنا.
112 في ظلال القرآن ٣/١٥٥٣.
113 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٣/٣٧٨.
114 انظر: الجهاد في سبيل الله، محمد عزة دروزة، ص١٣٨-١٣٩.
115 عزاه السيوطي في الدر المنثور ٤/١٠٨ لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
116 معالم التنزيل، البغوي ٧/٢٧٨.
117 قال الرازي في تفسيره مفاتح الغيب ٣٠/٧٤٦: اعلم أن مجامع الطاعات محصورة في أمرين: التعظيم لأمر الله تعالى، وإليه الإشارة بقوله: (يوفون بالنذر)، والشفقة على خلق الله، وإليه الإشارة بقوله: (ويطعمون الطعام).
118 أحدها: على حب الطعام وقلته وشهوتهم له وحاجتهم، والثاني: على حب الله عز وجل.والثالث: على قلته، قاله قطرب.والرابع: قال الفضيل بن عياض: على حب إطعام الطعام.
انظر هذه الأقوال وأصحابها في: جامع البيان، الطبري ٢٤/٩٦-٩٧، معالم التنزيل، البغوي ٨/٢٩٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/١٢٨.
119 انظر: في ظلال القرآن ٦/٣٧٨١-٣٧٨٢.
120 قال مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء: هو المسجون من أهل القبلة.وقال قتادة: أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم، وإن أسراهم يومئذ لأهل الشرك.وقيل: الأسير المملوك.وقيل: المرأة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:»اتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان».
انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٩٧-٩٨، معالم التنزيل، البغوي ٨/٢٩٤، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٣٧٧.
121 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٧٤٧.
122 نظم الدرر، البقاعي ٢١/١٣٩.
وانظر: شريعة الإسلام في الجهاد والعلاقات الدولية، أبو الأعلى المودودي، ص ١٩٣-١٩٥.
123 انظر: فتاوى ابن تيمية ٢/٣٣٨، و١٠/٥٩.
124 المشقص: سهم عريض له نصلٌ.
125 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل النفقة في سبيل الله: ٥/٢٥٤.
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند ٣/١٤٤.
126 انظر: معالم التنزيل، البغوي ١/٢١٦.
127 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وغالب ما يصح عن السلف في التفسير من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.وذلك صنفان: أحدهما: أن يعبر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر.و الصنف الثاني: أن يذكر كلٌّ منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه.
انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١٣/٣٣٣.
128 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٣٠٣.
129 الأقتاب: جمع قتب، وهو الإكاف على قدر سنام البعير ليركب أو يحمل عليه.والأحلاس: جمع حلس، وهو كساء يجعل على ظهر البعير تحت رحله.وهو أيضًا: بساط يبسط في البيت.
انظر: المصباح المنير، الفيومي ١/١٤٦.
130 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، ١٠/١٩٣.
قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه.
131 معالم التنزيل، البغوي ١/٣٢٥-٣٢٦.
وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٣٠٦-٣٠٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور: ٣/٤١-٤٢.
132 التفسير الميسر ص ٥١٠.
133 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٠٨.
134 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٢٢٥-٢٢٦، في ظلال القرآن ٥/٢٥٢٩-٢٥٣٠.
135 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٧/٨٢، رقم ٢٢٣٩٧، وأبو داود في سننه، كتاب الملاحم، باب تداعي الأمم، ٤/١١١، رقم ٤٢٩٧.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣٥٩، رقم ٨١٨٣.
136 منهج الإسلام في الحرب والسلام عثمان ضميرية، ص ١١٥-١١٦.
137 يقول المستشرق الأمريكي جون.ل.لامونت: فرحت أوربا، وهللت لانتصارات المغول، ولما كان المغول - بصورة عامة - مسالمين للنصارى، ولما كان بينهم عدد كبير من النساطرة...فقد اعتبر البابا وحكام أوربا الغربية المغول حلفاء لهم في صراعهم المشترك ضد الإسلام، وكان البابا يحلم طوال سنوات عديدة بإنشاء حلف عظيم بين المغول و أوربا يسحق الدولة الإسلامية سحقًا.
انظر بحث الكاتب المذكور عن الحروب الصليبية والجهاد في: كتاب دراسات إسلامية بقلم مجموعة من المستشرقين، ترجمة د.أنيس فريحة وزملائه من أساتذة الجامعة الأمريكية في بيروت، ص ١٣٥.
138 قال الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون حين عاد من جولة قام بها في أفغانستان لدراسة الأحوال هناك، فسأله الصحفيون: ماذا وجدت هناك؟ فقال: وجدت أن الخطر هو الإسلام! ويجب أن نصفي خلافاتنا مع روسيا في أقرب وقت، فروسيا -على أي حال- بلد أوروبي، والخلاف بيننا وبينها قابل للتسوية، أما الخلاف الذي لا يقبل التسوية فهو الخلاف بيننا وبين الإسلام.انظر: رؤية إسلامية لأحوال العالم المعاصر، ص ١٦١.
139 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١٠/١٧٤-١٧٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٣٠، زهرة التفاسير، أبو زهرة ٦/٣٢٤٦.
140 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١٠/١٧٧.
141 نظم الدرر، البقاعي ٨/٣٩٦-٣٩٧.
142 والقوم المؤمنون هنا هم: خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن قريشًا نقضوا العهد بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعونتهم بكرًا على خزاعة.قاله مجاهد، والسدي.وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قاضى المشركين يوم الحديبية، أدخل بني كعب بن خزاعة معه في القضية، وأدخل المشركون بني بكر بن كنانة معهم في القضية، ثم إن المشركين أغاروا مع بني بكر بن كنانة على بني كعب، قبل انقضاء مدة العهد، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فقال: والله لأنتصرن لهم، فنصره الله عليهم يوم الفتح، وشفى صدور بني كعب.
انظر: الهداية إلى بلوغ الغاية، مكي ابن أبي طالب ٤/٢٩٤٤.
143 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٦/٣٤٤٧.
144 انظر: الوجوه والنظائر، مقاتل بن سليمان، ص٦٣، مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٤٧٢-٤٧٣، المفردات، الراغب الأصفهاني، ص ٦٢٣.
145 انظر: شريعة الإسلام في الجهاد والعلاقات الدولية، أبو الأعلى المودودي، ص٧٦-٨٨.
146 جامع البيان، الطبري ٣/٥٧٠-٥٧١.
147 معالم التنزيل، البغوي ١/٣١٤-٣١٥.
148 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٥٢٨.
149 المصدر السابق.
150 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة: ١/٧٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله ١/٥٣.