عناصر الموضوع

مفهوم القتل

القتل في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

القتل والقضاء والقدر

أنواع القتل

دوافع القتل

آثار القتل

عقوبة القتل بين القرآن والقوانين

الإعجاز التشريعي في القصاص

القتل

مفهوم القتل

أولًا: المعنى اللغوي:

أصل مادة (قتل) تدل على إذلالٍ وإماتةٍ. وهما معنيان متقاربان1.

وقال الراغب الأصفهاني: «أصل القتل إزالة الروح عن الجسد كالموت، لكن إن اعتبر بفعل المتولي لذلك يقال: قتلٌ، وإذا اعتبر بفوت الحياة يقال: موتٌ» 2.

يقال: قتله يقتله قتلًا وتقتالًا، ورجلٌ قتيل: مقتول، وامرأة قتيل: مقتولة، وقتل فلان فلانًا أي: أماته3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

عرف القتل بتعريفات عدة منها ما ذكره السيوطي أنه «فعل في محل يتعقبه زهوق روح المقتول به»4.

وعرفه المناوي بقوله: «القتل: أصله إزالة الروح كالموت، لكن إذا اعتبر بفعل المتولي له، يقال قتل، وإذا اعتبر بفوات الحياة يقال موت» 5.

القتل في الاستعمال القرآني

وردت مادة (قتل) في القرآن الكريم (١٧٠) مرة، يخص موضوع البحث منها (٩٩) مرة6.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٣٦

( ) [النساء:٩٢]

الفعل المضارع

٤١

( ) [النساء:٩٢]

فعل الأمر

١٠

( ) [يوسف:٩]

المصدر

١٠

( ) [الإسراء:٣٣]

مصدر(قتل)

١

( ) [الأحزاب:٦١]

اسم المفعول

١

( ) [البقرة:١٧٨]

وجاء القتل في القرآن الكريم على وجهين7:

الأول: الفعل المميت للنفس: ومنه قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء: ٩٣]. يعني: الفعل المؤدي إلى الموت.

الثاني: اللعن: ومنه قوله تعالى: (ﭟ ﭠ) [الذاريات: ١٠]. يعني: لعنوا.

الألفاظ ذات الصلة

الموت:

الموت لغة:

الميم والواو والتاء أصل صحيح، يدل على ذهاب القوة من الشيء، منه الموت: خلاف الحياة8.

الموت اصطلاحًا:

للموت تعريفات عدة تدور كلها حول معنى زوال الحياة، فهو صفة وجودية خلقت ضدًا للحياة.

وقيل الموت: انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته وحيلولة بينهما، وتبدل حال، وانتقال من دار إلى دار9.

وقيل الموت: مفارقة الروح للجسد10.

الصلة بين القتل والموت:

الموت ينفي الحياة مع سلامة البنية، ولا بد في القتل من انتقاض البنية، ويقال لمن حبس الإنسان حتى يموت أنه قتله ولم يكن بقاتل في الحقيقة لأنه لم ينقض البنية11.

الوفاة:

الوفاة لغة:

جاء في كتب اللغة أن التوفي: الوفاة والمنية والموت، وتوفي فلانًا، وتوفاه الله، إذا قبض نفسه، أو قبض روحه12.

الوفاة اصطلاحًا:

الوفاة معناها: الموت، وأن أصله من توفية الشيء إذا أخذه كله13. فالتوفي: الإماتة وقبض الروح14.

الصلة بين الوفاة والقتل:

الوفاة لا تستعمل إلا في الإنسان فقط،أما القتل فيستعمل في الإنسان وفي غيره من الكائنات الحية.

والقتل ينسب للقاتل، والوفاة لا تنسب إلا إلى الله تعالى، فيقال: «فلان قتل فلانًا»، ولا يقال: «فلان توفى فلانًا».

الذبح:

الذبح لغة:

الذبح لغة قطع الحلقوم من باطنٍ عند النصيل وهو موضع الذبح من الحلق، والذبح مصدر ذبحت الشاة يقال: ذبحه يذبحه ذبحًا فهو مذبوح وذبيح،والذباح القتل أيًا كان15.

الذبح اصطلاحًا:

هو أحد أنواع الذكاة، وعرف بأنه«قطع جميع الحلقوم والودجين بآلة» 16 والمراد بالودجين العرقين(الشريانيين) اللذين يوصلان الدم لمخ الحيوان.

الصلة بين الذبح والقتل:

أن الذبح عمل معلوم، والقتل ضروب مختلفة ولهذا منع الفقهاء عن الإجارة على قتل رجل قصاصًا ولم يمنعوا من الإجارة على ذبح شاة؛ لأن القتل منه لا يدري أيقتله بضربة أو بضربتين أو أكثر؛ وليس كذلك الذبح17.

القتل والقضاء والقدر

الأصل في كل ما يصيب المرء أنه من قضاء الله تعالى وقدره، استنادًا إلى العديد من النصوص القرآنية، منها قول الله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [التوبة: ٥١].

وقوله جل شأنه: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [القمر:٤٩] ونحوهما من الآيات التي تثبت أن كل ما يصيب المرء إنما هو بقدر الله تعالى.

وفي معرض القتل خاصة جاءت آية من كتاب الله تعالى لتفصل في قضية تخلف المتقاعسين عن الجهاد بحجة الخوف من القتل، وتبين خطأهم وفساد عقيدتهم في هذا الجانب.

قال الله تعالى (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [آل عمران: ١٥٤].

قال النيسابوري: «لما أخبر عن هذه الطائفة بأنهم يظنون ظن الجاهلية، فسر ذلك الظن بأنهم يقولون هل لنا من الأمر من شيء؛ لأن هذا القول لا يصدر إلا عمن كان ظانًا بل شاكا في حقية هذا الدين، وفي المبدأ والمعاد وفي القضاء والقدر، فأزال ذلك الظن بقوله: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) بيده الإماتة والإحياء والفقر والإغناء والسراء والضراء. ثم لما كان سؤالهم ذلك مظنة أن يكون سؤال المؤمنين المسترشدين لا المعاندين المنكرين، أراد أن يكشف عن حالهم ويبين مقالهم كيلا يغتر به المؤمنون فقال: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ) أي: ذلك القول إنما صدر عنهم في هذه الحالة»18.

وذكر بعض المفسرين المتأخرين أن ظن القائلين بذلك هو ظنٌ باطلٌ، ومن التكذيب بالقدر، وظنهم أن الأمر لو كان إليهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تبعا لهم، ويسمعون منهم، لما أصابهم القتل، ويكون النصر والظفر لهم. فأكذبهم الله عز وجل في هذا الظن الباطل، الذي هو ظن أهل الجاهلية، الذين يزعمون، بعد نفاذ القضاء والقدر الذي لم يكن بد من نفاذه، أنهم كانوا قادرين على دفعه، وأن الأمر لو كان إليهم لما نفذ القضاء، فأكذبهم الله بقوله: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) فلا يكون إلا ما سبق قضاؤه وقدره، وجرى به علمه وكتابه السابق، وأن ما جرى عليهم من الهزيمة والقتل، فبأمره الكوني الذي لا سبيل إلى دفعه، سواء كان لهم من الأمر شيء أو لم يكن، وأنهم لو كانوا في بيوتهم، وقد كتب القتل على بعضهم، لخرج الذين كتب عليهم القتل من بيوتهم إلى مضاجعهم ولا بد19.

ومسألة كون المقتول ميتًا بأجله أم أن القاتل قد قطع أجله من مسائل العقيدة التي تناولها المحققون من علماء الأمة وفصلوا القول فيها على نحو ما هو معروف في موضعه عند الكلام عن القضاء والقدر، وخلاصة ما عليه جمهور السلف أن المقتول ميت بأجله الذي قدره الله تعالى له، خلافــًا للمعتزلة ومن وافقهم الذين يقولون إن القاتل قد استعجل أجل المقتول.

قال صاحب الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية:

ومن يمت بقتله من البشر

أو غيره فبالقضاء والقدر

ولم يفت من رزقه ولا الأجل

شيء فدع أهل الضلال والخطل

قال السفاريني شارحًا قوله: (ومن يمت بقتله): « إن المراد أن المقتول ميت بأجله، أي: الوقت المقدر لموته، لا كما يزعم بعض المعتزلة من أن الله تعالى قد قطع عليه الأجل، والحق عند أهل الحق أن المقتول ميت في الوقت الذي قدره الله تعالى له وعلم أنه يموت فيه، لا كما زعمت المعتزلة أنه قد قطع عليه الأجل، يعني لم يوصله إليه، وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أمد هو أجله الذي علم الله تعالى موته فيه لولا القتل، فهم يقطعون بامتداد العمر لولا القتل»20.

واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [آل عمران: ١٦٨] ففي الآية دليل على أن المقتول يموت بأجله خلافًا لمن يزعم أن القتل قطع على المقتول أجله21.

والقتل ليس شرًا محضًا، وإن كان الظاهر في القتل أنه شر للمقتول، ولكنه باعتبار علم الله تعالى، وقضائه وقدره، قد يشتمل على خير، والقتل في ذلك داخل في عموم كل ما يحصل للمرء، وينطبق عليه قول الله تعالى(ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [البقرة:٢١٦].

وفي هذا المعنى يقول ابن القيم: «القتل هو استعمال الآلة القطاعة في تفريق اتصال البدن؛ فقوة الإنسان على استعمال الآلة خير وكون الآلة قابلة للتأثير خير وكون المحل قابلا لذلك خير، وإنما الشر نسبي إضافي؛ وهو وضع هذا التأثير في غير موضعه والعدول به عن المحل المؤدي إلى غيره وهذا بالنسبة إلى الفاعل؛ وأما بالنسبة إلى المفعول فهو شر إضافي أيضا وهو ما حصل له من التألم وفاته من الحياة؛ وقد يكون ذلك خيرا له من جهة أخرى وخير لغيره»22.

أنواع القتل

ينقسم القتل باعتبارين أولهما: باعتبار موجبه إلى قتل بحق وقتل بغير حق، وثانيهما: باعتبار صفته إلى قتل عمدٍ وقتل خطأ، وقتل شبه خطأ على نحو ما هو معروف لدى العلماء بغض النظر عما في النوع الثالث من خلاف بينهم في إثباته أو نفيه، والذي يعنينا هنا هو تقسيم القتل إلى قتل بحق وقتل بغير حق، على هذا النحو:

أولًا: القتل بحق:

القتل بحق هو القتل المشروع، الذي جاءت نصوص القرآن الكريم مبيحة له على سبيل الوجوب؛ ويشمل أنواعًا متعددة تندرج تحت ثلاث حالات:

الحالة الأولى: القتل قصاصًا:

والكلام فيه مبسوط في عقوبة القتل، وعمدته من كتاب الله تعالى قوله جل شأنه (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [المائدة: ٤٥].

قال ابن تيمية: «فبين سبحانه وتعالى أنه سوى بين نفوسهم، ولم يفضل منهم نفسًا على أخرى، كما كانوا يفعلونه»23، وقوله جل شأنه: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة: ١٧٨].

وقوله جل شأنه:(ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الإسراء: ٣٣].

ولا أتوسع في الكلام عن القصاص هنا حيث الكلام مستفاض عنه في عقوبة القتل، وفي حكمة تشريع القصاص في مبحثين آتيين.

الحالة الثانية:القتل حدًا:

شرع الإسلام القتل في أربعة جرائم من جرائم الحدود، وهي:الحرابة والردة وزنا المحصن، وفي جرائم أخرى كالسحر والزندقة، وذلك من أجل الحفاظ على بعض الكليات الشرعية كالدين والنفس والعرض والمال.

وبعض هذه المشروعية جاء في القرآن الكريم، وبعضها جاء في السنة النبوية، فمما جاء في القرآن الكريم حد الحرابة، وذلك في قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [المائدة: ٣٣].

روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قطاع الطريق: «إذا قتلوا وأخذوا المال؛ قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال؛ قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا؛ قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا هربوا؛ طلبوا حتى يوجدوا، فتقام عليهم الحدود، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالًا؛ نفوا من الأرض»24.

قال الشافعي رحمه الله: «وبهذا نقول، وهو موافق معنى كتاب الله تبارك وتعالى، وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم، فأما أهل الشرك فلا حدود فيهم إلا القتل، أو السباء، أو الجزية، واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم، على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما» 25.

وروي عن قتادة أنه كان يقول في قوله: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) إلى قوله: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ) حدودٌ أربعة أنزلها الله؛ فأما من أصاب الدم والمال جميعًا، صلب، وأما من أصاب الدم وكف عن المال، قتل، ومن أصاب المال وكف عن الدم، قطع، ومن لم يصب شيئًا من هذا، نفي»26.

ومما ذكر في القرآن الكريم كذلك حد الرجم، حيث نسخت تلاوته وبقي حكمه، وهذا ما ذهب إليه أكثر المفسرين27.

ويؤيده ما أخرجه البخاري بسنده عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال عمر: لقد خشيت أن يطول بالناس زمانٌ، حتى يقول قائلٌ: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضةٍ أنزلها الله، ألا وإن الرجم حقٌ على من زنى وقد أحصن، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف - قال سفيان: كذا حفظت - ألا وقد (رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده) 28.

قال القرافي: «وهو قول منتشر في الصحابة من غير مخالف فكان إجماعًا، وفعله عمر بجارية» 29.

وقال ابن قدامة: «وجوب الرجم على الزاني المحصن، رجلا كان أو امرأة، وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار، ولا نعلم فيه مخالفا إلا الخوارج ثم قال: «وقد ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، في أخبار تشبه المتواتر، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أنزله الله تعالى في كتابه، وإنما نسخ رسمه دون حكمه» 30.

وأما ما ذكر في السنة كقتل الساحر والزنديق فلا يتسع المقام لذكره في هذا البحث التفسيري، ويمكن الإشارة إلى حديث جندبٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حد الساحر ضربةٌ بالسيف)31.

الحالة الثالثة: القتل جهادًا في سبيل الله:

شرع الله تعالى القتال جهادًا في سبيله وإعلاء لكلمته، ونشرًا لدينه،ودفاعًا عن كليات الشرع من الدين والنفس والمال والعرض والعقل، وتواترت نصوص القرآن الكريم الدالة على مشروعية ذلك.

مثل قول الله تعالى:(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:١٩٠].

فهذه الآية دالة على فرضية الجهاد كما ذكره غير واحد من أهل التفسير والفقه على خلاف بينهم في كونها منسوخة بسورة براءة أو غير منسوخة32.

وقوله جل شأنه: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [التوبة:٣٦].

ثانيًا: القتل بغير حق:

القتل بغير حق هو القتل الذي نهت عنه نصوص القرآن الكريم، وكذا السنة المطهرة، وهو ما لا تبيحه شريعة من الشرائع، ويترتب على ارتكابه عقوبة دنيوية، أو عذابًا في الآخرة.

وقد تضافرت الملل السماوية على ضرورة حفظ النفس، لأنها إحدى الكليات الخمس التي جاءت الشرائع بحفظها،وعلى حرمة إقدام المرء على قتل نفسه بأية وسيلة من الوسائل.

قال أبو حيان: «وتضافرت على تحريم قتل النفس الملل»33.

وقال الشيخ محمد عليش: «حفظ النفس مجمع عليه، بل هو من الخمس المجمع عليها في كل ملة، ثم حكى عن ابن عرفة نقل الأصوليين إجماع الملل على وجوب حفـظ الأديان والنفوس والعقول والأعراض والأموال34.

وقد ورد في الكتاب العزيز آيات صريحة تنهى عن القتل بغير حق، وتشير إلى صفات عباد الرحمن الذين لا يقتلون النفس بغير حق، وتحكي عما أخذ على بني إسرائيل من العهود بعدم قتلهم النفس بغير حق، ومن ذلك:

قول تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ)[لأنعام:١٥١].

قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ)، (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ)، يعني بالنفس التي حرم الله قتلها، نفس مؤمن أو معاهد وقوله: (ﯼﯽ)، يعني بما أباح قتلها به: من أن تقتل نفسًا فتقتل قودًا بها، أو تزني وهي محصنة فترجم، أو ترتد عن دينها الحق فتقتل. فذلك«الحق» الذي أباح الله جل ثناؤه قتل النفس التي حرم على المؤمنين قتلها به () يعني: هذه الأمور التي عهد إلينا فيها ربنا أن لا نأتيها وأن لا ندعها، هي الأمور التي وصانا والكافرين بها أن نعمل جميعًا بها () يقول: وصاكم بذلك لتعقلوا ما وصاكم به ربكم»35.

وقال الله عز وجل: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)[الإسراء:٣٣].

وقال الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)[الفرقان:٦٨].

وأكثر المفسرين على أن المقصود بالآية حرمة قتل النفس على جهة العموم نفس المؤمن والمعاهد إلا بالحق، وأن الحق المستباح به قتلها نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل دم امرىء مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاثٍ: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك الجماعة)36 37.

وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)[البقرة:٨٤].

وفي معناها يقول الطبري: «نهوا عن أن يقتل بعضهم بعضًا، فكان في قتل الرجل منهم الرجل قتل نفسه، إذ كانت ملتهما واحدة، فهما بمنزلة رجل واحد»، وذكر معنى آخر فقال: أي لا يقتل الرجل منكم الرجل منكم، فيقاد به قصاصًا، فيكون بذلك قاتلًا نفسه؛ لأنه كان الذي سبب لنفسه ما استحقت به القتل، فأضيف بذلك إليه، قتل ولي المقتول إياه قصاصًا بوليه، كما يقال للرجل يركب فعلا من الأفعال يستحق به العقوبة، فيعاقب العقوبة: «أنت جنيت هذا على نفسك»38.

وصور القتل بغير حق التي نهت عنها آيات القرآن كثيرة، أبرزها حرمة قتل أي نفس على جهة العموم على سبيل الاعتداء، كما هو مستفاد من الآيات السابق ذكرها، وهناك حالات أخرى منصوص عليها بعينها منها:

١. قتل الأنبياء والرسل.

ذم الله تعالى اليهود بسبب ارتكابهم جرائم عدة منها قتل الأنبياء والرسل، وألبسهم سبحانه وتعالى ثوب الذلة والصغار لهذه الأفعال، وقد جاء هذا الذم في مواضع عدة منها قوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)[آل عمران:١١٢].

قال الرازي: «الله تعالى ألصق باليهود ثلاثة أنواع من المكروهات أولها: جعل الذلة لازمة لهم، وثانيًا: جعل غضب الله لازمًا لهم، وثالثها: جعل المسكنة لازمة لهم، ثم بين في هذه الآية أن العلة لإلصاق هذه الأشياء المكروهة بهم هي: أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق»39.

وقوله: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)[النساء:١٥٥].

وقوله جل شأنه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)[آل عمران:١٨١].

ومن اللطائف التي يشير إليها البيضاوي في تقييد القتل بغير حق قوله: «والتقييد بغير حق مع أنه كذلك في نفس الأمر للدلالة على أنه لم يكن حقا بحسب اعتقادهم أيضا»40.

وقال الألوسي: «قوله: ( ﭡ ﭢ ﭣ) إيذانًا بأنهما في العظم إخوان؛ وتنبيها على أنه ليس بأول جريمة ارتكبوها ومعصية استباحوها، وأن من أجترأ على قتل الأنبياء بغير حق في اعتقاده أيضا كما هو في نفس الأمر لم يستبعد منه أمثال هذا القول، ونسبة القتل إلى هؤلاء القائلين باعتبار الرضا بفعل القاتلين من أسلافهم»41.

٢. الانتحار.

والانتحار: «قيام الإنسان بقتل نفسه بوعيه أو بدون وعي، أو هو الفعل المقصود لقتل النفس أو زهق الروح عن سابق تصميممٍ»42.

والانتحار محرم في الشريعة الإسلامية على جهة العموم، حيث لا يحل للمرء أن يقتل نفسه بأي حال من الأحوال، إذ هو قتل للنفس بغير حق، والدليل على ذلك ما يلي:

قول الله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الإسراء:٣٣].

حيث دلت الآية على حرمة قتل النفس على جهة العموم إلا بالحق، فيشمل ذلك قتل المرء نفسه وقتله غيره.

وقوله جل شأنه: (ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [النساء:٢٩].

فهذه نصوص صريحة تحرم قتل النفس أو التسبب في إهلاكها، على تفصيل معروف لدى المفسرين.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تردى من جبلٍ فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسى سمًا فقتل نفسه، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن قتل نفسه بحديدةٍ، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا)43.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه (الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار)44.

دوافع القتل

أولًا: اختلاف الدين:

من دوافع القتل اختلاف الدين، فالمسلم شرع له قتل غير المسلم دفاعا عن دين الله عز وجل بعد أن يقيم عليه الحجة بالدعوة إلى الإسلام ثم الجزية، وقد نصت آيات القرآن الكريم على ذلك، على هذا النحو:

قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ)[التوبة: ٢٩].

وقال جل شأنه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [التوبة: ١٢٣].

وللمفسرين في معنى (ﭕ ﭖ) أقوال: أحدها: أنهم الروم قاله ابن عمر، الثاني: أنهم الديلم، قاله الحسن. الثالث: أنهم العرب، قاله ابن زيد. الرابع: أنه على العموم في قتال الأقرب فالأقرب والأدنى فالأدنى، قاله قتادة، الخامس: أن المقصود قتال الأقرب فالأقرب إليهم في الدار والنسب، قال ابن عباسٍ رضي الله عنهما: مثل بني قريظة والنضير وخيبر ونحوها45.

وقال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [البقرة: ١٩٠-١٩١].

وقد ذكر الطبري اختلاف المفسرين فيها على قولين:

القول الأول: أن هذه الآية هي أول آية نزلت في أمر المسلمين بقتال أهل الشرك. وقالوا: أمر فيها المسلمون بقتال من قاتلهم من المشركين، والكف عمن كف عنهم، ثم نسخت بـ«براءة»، وهذا قول الربيع، وابن زيد.

القول الثاني: أن ذلك أمر من الله تعالى ذكره للمسلمين بقتال الكفار، لم ينسخ. وإنما الاعتداء الذي نهاهم الله عنه، هو نهيه عن قتل النساء والذراري. قالوا: والنهي عن قتلهم ثابتٌ حكمه اليوم. قالوا: فلا شيء نسخ من حكم هذه الآية، وهذا قول ابن عباس وعمر بن عبد العزيز، ورجح الطبري أنها ليست منسوخة46.

ولا ينبغي أن يفهم من هذه الآية أن اختلاف الدين يبيح للمسلم قتل غير المسلم هكذا بإطلاق بل الأمر له أحكامه وضوابطه المعروفة في بابها من كتاب الجنايات والجهاد.

ثانيًا: خوف الفقر:

اعتادت بعض قبائل العرب قتل أولادهم خشية الإملاق أي: الفقر، وجاءت آيات القرآن الكريم تنهى عن قتل الأولاد خشية الفقر، أو قتلهم بسبب الفقر، ومن ذلك ما يلي:

قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ)[الأنعام:١٥١].

قال ابن كثير: «والمراد النهي عن قتلهم بسبب حصول الفقر، قال ابن عباس، وقتادة، والسدي: هو الفقر، أي: ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل، وقال في سورة «سبحان» -أي الإسراء-: ( ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ) [الإسراء: ٣١].

أي: خشية حصول فقر، في الآجل؛ ولهذا قال هناك: (ﮀ ﮁ ﮂﮃ) فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي: لا تخافوا من فقركم بسببهم، فرزقهم على الله. وأما في هذه الآية فلما كان الفقر حاصلا قال: (ﯨ ﯩ ﯪ) لأنه الأهم هاهنا»47.

وقال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ)[الإسراء:٣١].

قال الجصاص: «هو كلام يتضمن ذكر السبب الخارج عليه، وذلك لأن من العرب من كان يقتل بناته خشية الفقر؛ لئلا يحتاج إلى النفقة عليهن وليوفر ما يريد إنفاقه عليهن على نفسه وعلى بيته، وكان ذلك مستفيضا شائعا فيهم»48.

ثالثًا: خوف العار:

انتشر في العرب قبل الإسلام قتل البنات، أو وأدهن أحياء خشية الوقوع في السبي، مما يلحق العار بالآباء، ولما كان ذلك مرضًا عضالًا منتشرًا لديهم فقد جاء القرآن الكريم بتحريمه في آيات عدة.

قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ )[النحل:٥٨-٥٩].

فقد ورد في تفسريها: «إن مضر وخزاعة وتميمًا كانوا يدفنون البنات أحياء، والسبب في ذلك إما خوف الفقر وكثرة العيال ولزوم النفقة أو الحمية فيخافون عليهن من الأسر ونحوه، أو طمع غير الأكفاء فيهن فكان الرجل من العرب في الجاهلية، إذا ولدت له بنت أراد أن يستحييها تركها حتى إذا كبرت ألبسها جبة من صوف أو شعر، وجعلها ترعى الإبل والغنم في البادية، وإذا أراد أن يقتلها تركها حتى إذا صارت سداسية، قال لأمها: زينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها ويكون فد حفر لها حفرة في الصحراء، فإذا بلغ بها تلك الحفرة قال لها: انظري إلى هذه البئر فإذا نظرت إليها دفعها من خلفها في تلك البئر، ثم يهيل التراب على رأسها وكان صعصعة عم الفرزدق إذا أحس بشيء من ذلك وجه بإبل إلى والد البنت حتى يحييها بذلك فقال الفرزدق يفتخر بذلك:

وعمي الذي منع الوائدات

فأحيا الوئيد فلم يوأد49.

وقال جل شأنه: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ)[التكوير:٨-٩].

قال الماوردي: «قال عز وجل توبيخًا لقاتلها وزجرًا لمن قتل مثلها (ﭭ ﭮ ﭯ) واختلف هل هي السائلة أو المسئولة، على قولين: أحدهما:وهو قول الأكثرين أنها هي المسئولة: (ﭱ ﭲ ﭳ) فتقول: لا ذنب لي، فيكون ذلك أبلغ في توبيخ قاتلها وزجره، الثاني: أنها هي السائلة لقاتلها لم قتلت»50.

والمعنى على الثاني: سألت الموؤودة الوائدين: بأي ذنب قتلوها. وهو مروي عن ابن عباس ومسلم بن صبيح51.

رابعًا: الطغيان والفساد:

الطغيان والفساد دافعان من دوافع القتل على مر العصور، فالذي يقتل امرأ بدون وجه حق، يعتبر متعديًا عليه، ومفسدًا في الأرض، وبالتالي يستحق العقوبة الرادعة وهي القصاص، وهذا الذي ورد في كتاب الله تعالى عقيب قصة قابيل وهابيل في قوله جل شأنه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [المائدة: ٣٢ ].

فأبانت الآية أن الفساد في الأرض وقتل النفس البريئة سببان موجبان للقتل، وما سوى ذلك لا يجيز قتل المرء، فقاتل النفس يستحق القصاص، والمفسد في الأرض يستحق العقوبة التي شرعت في الحرابة في الآية التي تلي هذه الآية، وكلاهما -أي: قاتل النفس والمحارب- مفسدان في الأرض، الأول إفساده خاص بمن قتله تعديًا، والثاني إفساده عام يشمل المال والعرض والنفس.

قال القرطبي: «حرم الله القتل في جميع الشرائع إلا بثلاث خصال:كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس ظلما وتعديا»52.

وقال ابن كثير في معناها: «من قتل نفسا بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعا؛ لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس (ﭦ ﭧ) أي: حرم قتلها واعتقد ذلك، فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار؛ ولهذا قال: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ) 53.

خامسًا: مقاومة الاعتداء:

قد يضطر الإنسان إلى قتل غيره مقاومة لعدوانه، ودفاعًا عن نفسه أو عرضه أو ماله، وهذا نوع من القتل المشروع عند الضرورة، فإذا تعرض إنسان لاعتداء وجب دفعه، ولكن مع مراعاة أن لا يلجأ إلى الأشد إلا بعد استنفاذ ما هو دونه من وسائل الدفاع، وهذا مستفاد من نصوص قرآنية وأخرى نبوية.

فمن نصوص القرآن الكريم قوله تعالى: ( ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:١٩٠].

والآية وإن كانت واردة في القتال في سبيل الله، إلا أن عموم لفظها يجيز مقاومة الاعتداء.

ومن النصوص النبوية ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة، قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجلٌ يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه مالك) قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: (قاتله) قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (فأنت شهيدٌ)، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال:(هو في النار)54.

ومن نصوص السنة كذلك حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من قتل دون ماله فهو شهيدٌ)55.

قال ابن بطال شارحًا له: «إنما أدخل هذا الحديث فى هذه الأبواب ليريك أن للإنسان أن يدفع عن نفسه وماله، فإذا كان شهيدا إذا قتل فى ذلك، كان إذا قتل من أراده فى مدافعته له عن نفسه لا دية عليه فيه، ولا قود. قال المهلب: وكذلك كل من قاتل على ما يحل له القتال عليه من أهل أو دين فهو كمن قاتل دون نفسه وماله فلا دية عليه ولا تبعة، ومن أخذ فى ذلك بالرخصة وأسلم المال أو الأهل أو النفس فأمره إلى الله، والله يعذره ويأجره، ومن أخذ فى ذلك بالشدة وقتل كانت له الشهادة بهذا الحديث»56.

و«لا خلاف بين الفقهاء في مشروعية الدفاع عن كل ما ذكرنا، ولكن هل يجب على الإنسان هذا الدفاع بحيث يكون آثما إذا تركه؛ لأن هذا الدفاع أمر يمليه الشرع ويفرضه، أم أنه يجوز له ولا يجب عليه، فيكون من حقه المدافعة، إن شاء قام بها وإن شاء تركها؛ لأنه حق من حقوق العبد، ومن خصائص حق العبد حريته في الانتفاع به واختياره، أو بعبارة أخرى: هل مدافعة المعتدين هي من قبيل الواجبات أم قبيل الحقوق، أو من قبيل حق الله أو من قبيل حق العبد؟»57.

وللفقهاء خلاف في حكم الدفاع عن النفس ضد الصائل عليها مداره على ثلاثة آراء:

الرأي الأول: أن دفع الصائل عن النفس واجب،وهو ظاهر مذهب الحنفية، ومشهور المالكية والشافعية58.

الرأي الثاني: أن دفع الصائل عن النفس جائز وليس واجبًا، وهو الرأي المرجوح في مذهبي مالك والشافعي، والراجح عند الحنابلة.

الرأي الثالث: التفرقة بين حالة الفتنة وغيرها، فيكون الدفاع جائزًا مطلقًا في حالة الفتنة، أما في غير حالة الفتنة فهو واجب مطلقًا، وهو رأي بعض الشافعية والمالكية، وبعض الحنابلة59.

ولكل رأي من هذه الآراء حجته ودليله، مما لا يتسع المقام لذكره هنا.

وللدفاع عن النفس مراتب، نص عليها بعض الفقهاء في القواعد الفقهية، حيث لا يلجأ للدفع الأقوى إلا بعد العجز عما هو دونه.

قال أبو المظفر الكرابيسي: «إذا خاف على نفسه من الجوع، ومع رفيقه طعام، فأبى أن يعطيه لا يحل له قتاله بالسلاح، ويقاتله بغير سلاح، وإن كان في البئر ماء، وهو محتاج إليه يخاف على نفسه، فمنعه صاحب البئر عن البئر جاز له أن يقاتله بالسلاح، والفرق أن الطعام ملك له، وله أن يدفع عن ملكه ويقاتل، ولو قتل كان شهيدا، بدليل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قتل دون ماله فهو شهيد)60.

وإذا كان هو شهيدا كان ذاك ظالما له، فكره له أن يقاتله بالسلاح، وقد اضطر في إحياء نفسه إلى ماله، فكان له أن يقاتله بغير السلاح، وأما الماء فليس بمملوك له، فإذا منعه كان متعديا في المنع، فكان له أن يقاتله بالسلاح، لأن هذا حقه، فإذا منع عن حقه كان له أن يقاتله بالسلاح، كما لو قاتله على مال»61.

وتفريعًا على قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) يجوز للمضطر أن يأكل من مال الغير ما يدفع به الهلاك عن نفسه جوعًا، ويدفع الصائل بما أمكن ولو بالقتل، ويضمن في المحلين، وإن كان مضطرًا، فإن الاضطرار يظهر في حل الإقدام، لا في رفع الضمان وإبطال حق الغير، ولو لم يضمن لكان من قبيل إزالة الضرر بالضرر، وهذا منافٍ وغير جائز، ويتعارض مع قاعدة «الضرر لا يزال بمثله» 62.

سادسًا: الحسد:

قد يلجأ المرء إلى قتل غيره ظلمًا وعدوانًا بسبب الحسد له على نعمة أوتيها، أو منزلة بلغها، أو فضل تحصل عليه، وهذا من قبح الصنيع وسوء الطوية، ولقد كانت أول جريمة قتل باء بها أحد من بني آدم على ظهر الأرض بسبب الحسد، ألا وهي جريمة قتل قابيل لهابيل التي وردت في القرآن الكريم.

قال تعالى (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [المائدة: ٢٧ - ٣٢ ].

وخلاصة القصة ما نصت عليه آيات القرآن الكريم، أن ابني آدم قدم كل واحد منهما قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر، فحسد المرفوض قربانه أخاه المقبول فقتله63.

ولذلك فإن فرط الحسد قد يدفع بالحاسد إلى إيقاع الشر بالمحسود فإنه يتبع المساوىء ويطلب العثرات، وقد قيل إن الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء والأرض فحسد إبليس آدم حتى أخرجه من الجنة، وأما في الأرض فحسد قابيل بن آدم لأخيه هابيل حتى قتله«64.

وبناء عليه فهذه كانت أول جريمة سفك دم على ظهر الأرض، ولهذا يتحمل القاتل جزءًا من كل جريمة قتل تقع على الأرض بعد ذلك، ويصدق هذا حديث عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لا تقتل نفسٌ إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ منها) 65.

سابعًا: السفه والطيش:

ذم القرآن الكريم العرب في قتلهم أولادهم تحت دوافع واهية وحجج لا اعتبار لها.

قال الله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنعام:١٤٠].

وهذه الآية نزلت في ربيعة ومضر والعرب الذين كانوا يئدون بناتهم مخافة السبي والفقر سفهًا بغير علمٍ لخفة أحلامهم، وجهلهم بأن الله هو رازق أولادهم، لا هم66.

أخرج البخاري عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «إذا سرك أن تعلم جهل العرب، فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائةٍ في سورة الأنعام، (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) إلى قوله: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنعام:١٤٠]» 67.

قال ابن العربي معلقًا عليه: «وهذا الذي قاله كلام صحيح، فإنها تصرفت بعقولها العاجزة في تنويع الحلال والحرام سفاهة بغير معرفة ولا عدل، والذي تصرفت بالجهل فيه من اتخاذ الآلهة أعظم جهلا وأكبر جرما، فإن الاعتداء على الله تعالى أعظم من الاعتداء على المخلوقات. والدليل في أن الله واحد في ذاته واحد في صفاته واحد في مخلوقاته أبين وأوضح من الدليل على أن هذا حلال وهذا حرام» 68.

وقال القسطلاني: «(ﮊ ﮋ) أي بناتهم مخافة الفقر () نصب على الحال أي ذوي سفه (ﮍ ﮎ) لأن الفقر وإن كان ضررًا إلا أن القتل أعظم منه، وأيضًا فالقتل ناجز وذلك الفقر موهوم فالتزام أعظم المضار على سبيل القطع حذرًا من ضرر موهوم لا ريب أنه سفاهة وهذه السفاهة إنما تولدت من عدم العلم بأن الله رازق أولادهم، ولا شك أن الجهل من أعظم المنكرات والقبائح إلى قوله: (ﮗ ﮘ) عن الحق (ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنعام: ١٤٠].

والفائدة في قوله: (ﮙ ﮚ ﮛ) بعد قوله: (ﮗ ﮘ) الإشارة إلى أن الإنسان قد يضل عن الحق ويعود إلى الاهتداء، فبين أنهم قد ضلوا ولم يحصل لهم الاهتداء قط، وهذا نهاية المبالغة في الذم» 69.

آثار القتل

لما كان القتل على نوعين: قتلٌ بحقٍ وقتلٌ بغير حقٍ على نحو ما تقدم ذكره، فإنه تترتب بعض الآثار على كل نوع منهما بيانها على النحو الآتي:

أولًا: آثار القتل بحق:

تقدم ذكر صور القتل بحق، وأشير هنا إلى أبرز الآثار الدنيوية والأخروية التي تترتب عليه:

الأول: يترتب على القتل قصاصًا حفظ النفس، وهو أحد مقاصد الشريعة، مما يؤدي إلى تحقيق العدالة في المجتمع، وإحياء النفوس عن الإهدار، قال الله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة:١٧٩].

وفي المقصود بكلمة () في الآية معان وعبر ذكرها المفسرون:

منها: أن معناه بقاء يحجز بعضكم عن بعض (ﯘ ﯙ) يعني: من كان له لب أو عقل فذكر القصاص فيحجزه الخوف عن القتل () يعني: لكي تتقوا الدماء مخافة القصاص 70.

ومنها: أن معناه في إيجاب القصاص حياة؛ لأن من هم بالقتل فذكر القصاص ارتدع فكان ذلك سببًا للحياة. روي عن مجاهد وقتادة وأكثر أهل العلم.

ومنها: أن معناه جعل الله هذا القصاص حياة وعبرة لكم،كم من رجل قد هم بداهية فمنعه مخافة القصاص أن يقع بها! وإن الله قد حجز عباده بعضهم عن بعض بالقصاص. قاله الربيع بن خيثم 71.

الثاني: يترتب على القتل في حد الردة الحفاظ على الدين، فقد قال الله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الزمر:٦٥].

ومن هنا فإن السنة النبوية قد نصت على أن عقوبة المرتد هي القتل ففي الصحيح عن عكرمة قال أتى علىٌ رضي الله عنه بزنادقةٍ فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباسٍ فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من بدل دينه فاقتلوه) 72.

الثالث: يترتب على قتل الساحر الحفاظ على الدين والعقل والنفس والعرض والمال، نظرًا لتأثير السحر على كل ذلك، وهذا الحكم مستنبط من القرآن الكريم والسنة النبوية.

فمما استنبطه بعض المفسرين من قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ) [البقرة:١٠٢].

حيث قال: «وهذا يدل على قتل الساحر إذا سحر وظفر به من غير استتابة، لأنه شيء يخفيه فلا يعلم بصحة توبته منه لو تاب»73.

وفي السنة النبوية عن الحسن عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حد الساحر ضربة بالسيف) 74.

وأخرج مالك عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة انه بلغه:أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقتلت. قال مالك: الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك له غيره هو مثل الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ) [البقرة:١٠٢].

فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك هو نفسه75.

وقتل الساحر مروي عن عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وأبي موسى وقيس بن سعد وعن سبعة من التابعين رضوان الله عليهم أجمعين، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة76.

ثانيًا: آثار القتل بغير حق:

يترتب على القتل بغير حق آثار في الدنيا وآثار في الآخرة، بيانها على النحو الآتي:

الأول: القتل بغير حق يترتب عليه القصاص، على نحو ما هو مبسوط في موضعه من مبحث عقوبة القتل.

الثاني: يترتب على القتل بغير حق (القتل العمد) خمس عقوبات أخروية وردت في آية واحدة من كتاب الله تعالى وهي قوله جل شأنه: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النساء:٩٣].

وهذه الآية الكريمة اختلف المفسرون من السلف بشأنها هل هي محكمة أم منسوخة، وذهب الصحابيان ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما إلى القول بأنها محكمة، وأن القاتل العمد لا توبة له، وبنحو قولهم قال ابن عمر، والضحاك وآخرون77.

وأخرج البخاري عن سعيد بن جبير، قال: «آية اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت فيها إلى ابن عباس فسألته عنها، فقال: «نزلت هذه الآية: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء:٩٣].

هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء»78.

وروي عن سالم بن أبي الجعد قال: «سأل رجلٌ ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن رجلٍ قتل مؤمنًا متعمدًا ثم تاب، وآمن، وعمل صالحًا، ثم اهتدى، قال: وأنى له الهدى؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يجيء المقتول يوم القيامة متعلقًا بالقاتل، تشخب أوداجه دمًا، فيقول: يا رب، سل هذا لم قتلني؟)79.

وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: «إنها لمحكمة، وما تزداد إلا شدة»80.

ويرى بعض المفسرين أن رأي ابن عباس رضي الله عنهما هذا إنما هو في مستحل القتل العمد لا مجرد فاعله.

قال ابن عطية: «إن الأصح في تأويل قوله تعالى: () ما قال ابن عباس:إنه أراد مستحلا، وإذا استحل أحد ما حرم الله عليه فقد كفر، ويدل على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنا نجد الله تعالى في أمر القتل إذا ذكر القصاص لم يذكر الوعيد، وإذا ذكر الوعيد بالنار لم يذكر القصاص، فيظهر أن القصاص للقاتل المؤمن العاصي، والوعيد للمستحل الذي في حكم الكافر، ومنها من جهة أخرى أن الخلود إذا لم يقرن بقوله: «أبدا» فجائز أن يراد به الزمن المتطاول، إذ ذلك معهود في كلام العرب، ألا ترى أنهم يحيون الملوك بخلد الله ملكك.

ومن ذلك قول امرئ القيس81:

وهل يعمن إلا سعيد مخلد

قليل الهموم ما يبيت بأوجال82

والكلام حول هذه الآية مما يطول المقام فيه، ويتشعب إلى مسائل عقدية، وفقهية واسعة.

الثالث: يترتب على القتل بغير حق الإفساد في الأرض لقول الله تعالى في كتابه العزيز (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [المائدة: ٣٢].

وفي المقصود بقتل الجميع وإحيائهم هنا أقوال:

القول الأول: ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عكرمة وعطية: «من قتل نبيًا وإمامًا عادلًا فكأنما قتل الناس جميعًا ومن عمل على عضد نبي أو إمام عادل فكأنما أحيا الناس جميعًا».

القول الثاني: ما قاله مجاهد: «من قتل نفسًا محرمة يصلى النار بقتلها كما يصلاها لو قتل الناس جميعا، ومن أحياها من سلم من قتلها فقد سلم من الناس جميعا».

القول الثالث: ما قاله السدي: «من قتل فكأنما قتل الناس جميعًا عند المقتول في الإثم ومن أحياها واستنقذها من هلكة من غرق أو حرق أو هدم أو غير ذلك فكأنما أحيا الناس جميعًا عند المستنقذ».

القول الرابع: ما قاله الحسن وابن زيد: «(ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) يعني: إنه يجب عليه من القصاص بقتلها مثل الذي نوى بقلبه لو كان قتل الناس جميعا ومن أحياها من عفا عمن وجب له القصاص منه فلم يقتله فكأنما أحيا الناس جميعًا».

القول الخامس: ما قاله قتادة والضحاك: «عظم الله قتلها أو عظم وزرها فمعناها من استحل قتل مسلم بغير حقه فكأنما قتل الناس جميعًا لأنهم لا يسلمون منه، ومن أحياها فحرمها وتورع من قتلها فكأنما أحيا الناس جميعًا لسلامتهم منه» 83.

الرابع: يترتب على القتل بغير حق قطع الأرحام بين الناس، قال الله تعالى(ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [محمد: ٢٢ ].

حيث فسر قتادة الفساد في الأرض هنا بسفك الدماء الذي ينشأ عنه قطع الأرحام، سواء كانت رحم النسب والقرابة أو رحم الجوار84، وفسر الزجاج قطع الرحم هنا بوأد البنات الذي كان شائعًا في الجاهلية لكونه قتلا بغير حق85.

هذا وجرى خلاف بين المفسرين في المقصود بقوله: () هنا على أربعة أقوال مؤداها جميعًا إلى الفساد وقطع الأرحام 86.

الخامس: يترتب على القتل بغير حق الحرمان من الميراث، وهذا لم يرد ذكره في القرآن الكريم صريحًا، وانما استنبطه المفسرون من آيات الفرائض، ولكن ورد ذكره في السنة النبوية.

ففي قول الله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [النساء: ١١].

يقول الرازي: «اعلم أن عموم قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ) زعموا أنه مخصوص في صور أربعة:

أحدها: أن الحر والعبد لا يتوارثان.

وثانيها: أن القاتل على سبيل العمد لا يرث.

وثالثها: أنه لا يتوارث أهل ملتين، وهذا خبر تلقته الأمة بالقبول وبلغ حد المستفيض.

ورابعها: من تخصيصات هذه الآية ما هو مذهب أكثر المجتهدين أن الأنبياء عليهم السلام لا يورثون، والشيعة خالفوا فيه» 87.

وقال القرطبي مستنبطًا من قول الله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة: ٧٢]: «ولا خلاف بين العلماء أنه لا يرث قاتل العمد من الدية ولا من المال، إلا فرقة شذت عن الجمهور كلهم أهل بدع»88.

ومن لطائف الآية ما ذكره أحد المفسرين المعاصرين حول استنباط حكم ميراث القاتل قوله: «إن قيل: فهل يستفاد حكم ميراث القاتل،والرقيق، والمخالف في الدين، والمبعض، والخنثى، والجد مع الإخوة لغير أم، والعول، والرد، وذوي الأرحام، وبقية العصبة، والأخوات لغير أم مع البنات أو بنات الابن من القرآن أم لا؟

قيل: نعم، فيه تنبيهات وإشارات دقيقة يعسر فهمها على غير المتأمل تدل على جميع المذكورات، فأما (القاتل والمخالف في الدين) فيعرف أنهما غير وارثين من بيان الحكمة الإلهية في توزيع المال على الورثة بحسب قربهم ونفعهم الديني والدنيوي.

وقد أشار تعالى إلى هذه الحكمة بقوله: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ) [النساء:١١].

وقد علم أن القاتل قد سعى لمورثه بأعظم الضرر، فلا ينتهض ما فيه من موجب الإرث أن يقاوم ضرر القتل الذي هو ضد النفع الذي رتب عليه الإرث. فعلم من ذلك أن القتل أكبر مانع يمنع الميراث، ويقطع الرحم الذي قال الله فيه: ( ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الأحزاب:٦].

مع أنه قد استقرت القاعدة الشرعية أن «من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه»89.

عقوبة القتل بين القرآن والقوانين

لما كان القتل جريمة تهدم كيان الإنسان، الذي هو بنيان الله تعالى، فقد حرمته جميع الشرائع السماوية، وشرعت له العقوبة المناسبة بناء على تقسيمه إلى عمد وخطأ، وهو التقسيم الأساسي للقتل، وجعل بعض هذه العقوبات عقوبات أصلية وبعضها عقوبات تبعية، وجرمته القوانين الوضعية أيضا، وهذا ما سأبحثه فيما يأتي.

أولًا: عقوبة القتل العمد:

١. عقوبة القتل العمد في القرآن الكريم.

حرمت نصوص الشريعة الإسلامية القتل العمد، ورتبت عليه العقوبة الدنيوية والأخروية، ويؤكد ذلك قول الله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الأنعام:١٥١].

وتواترت الأحاديث في هذا الشأن، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم (أول ما يقضى بين الناس بالدماء)90.

ففيه دليل على عظم شأن دم الإنسان فإنه لا يقدم في القضاء إلا الأهم91.

ومنها حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرىءٍ مسلمٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاثٍ: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك الجماعة)92.

والعقوبة الأصلية للقتل العمد في الدنيا هي القصاص الوارد في أكثر من موضع من كتاب الله تعالى نحو قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الإسراء:٣٣].

وقوله سبحانه وتعالى: ( ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة:١٧٨].

والقصاص في القتل العمد له شروط لاستيفائه (شروط في القتل وشروط في المقتول وشروط في القاتل) 93، وهو - أي القصاص- حق لأولياء المقتول، إن شاءوا أخذوا به، وإن شاءوا اصطلحوا على قبول الدية المغلظة (تغليظا بالصفة وبالحلول دون التأجيل) من القاتل، وإن شاءوا عفوا عن القاتل على نحو ما هو معروف في مواضعه من كتب الفقه.

قال البغوي: «العمد المحض هو: أن يقصد قتل إنسان بما يقصد به القتل غالبا فقتله ففيه القصاص عند وجود التكافؤ، أو دية مغلظة في مال القاتل حالة»94.

والأصل في القتل العمد القصاص، ثم يليه عند تعذر استيفائه - لسبب من الأسباب- عقوبة الدية، مضافًا إليها التعزير إذا رأت الهيئة الشرعية ذلك، فإذا امتنعت عقوبة الدية أو تعذر استيفاؤها كانت العقوبة هي التعزير، وهنا يلاحظ أن عقوبة التعزير تكون أحيانا بدلا عن القصاص، وأحيانا أخرى بدلا عن بدل القصاص، وهو الدية.

ولا يجوز الجمع بين العقوبة الأصلية وبدلها، ولكن يجوز الجمع بين بدلين، كما يجوز الجمع بين عقوبتين أصليتين، فمثلًا يجوز الجمع بين الدية والتعزير وكلاهما بدل من عقوبة القصاص، ويجوز الجمع بين القصاص والكفارة وكلاهما عقوبة أصلية، ولا جدال فى أنه يجوز الجمع بين العقوبات الأصلية والعقوبات التبعية حيث لا يوجد ما يمنع من ذلك عقلًا وشرعًا.

ويترتب على أن القصاص أصل والدية والتعزير بدل أنه لا يجوز للقاضي أن يحكم بالعقوبة البدلية إلا إذا امتنع الحكم بالعقوبة الأصلية ولسبب من الأسباب الشرعية التى تمنع القصاص، فإذا لم يكن هناك مانع وجب الحكم بالعقوبة الأصلية والتعزير والكفارة على رأيٍ، ويلي التعزير الصيام، كعقوبة بدلية، أما العقوبات التبعية فهي الحرمان من الميراث والوصية95.

ويلاحظ أن القصاص والدية والكفارة، عقوبات واردة في القرآن الكريم، أما التعزير والحرمان من الميراث والوصية فهي واردة في السنة النبوية على نحو ما هو معروف.

أما العقوبة الأخروية للقتل العمد فهي الواردة في قوله جل وعلا: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء:٩٣].

على تفصيل كبير للمفسرين والفقهاء وغيرهم في توبة القاتل وأثرها في ذلك.

٢. عقوبة القتل العمد في القوانين الوضعية.

راعت القوانين الوضعية على مر العصور إيجاد عقوبات للقتل اختلفت من أمة لأخرى ومن عصر لآخر، ولو ذهبنا نتتبع عقوبة القتل في القوانين المختلفة قديما وحديثًا لخرجنا عن المطلوب، ولكن يمكن الإشارة إلى ذلك الأمر بنوع من الاختصار فأقول:إن معظم القوانين الوضعية الحديثة تعترف بعقوبة القصاص؛ ولكنها تطبقها على جريمة القتل فقط، فتعاقب بالإعدام على القتل ولكنها لا تعاقب بالقصاص على الجراح، وتكتفي في عقاب الجارح بالغرامة والحبس أو بأحدهما.

ومن ناحية أخرى فإن بعض القوانين الوضعية لا تحكم بالقصاص على القاتل مباشرة، بل تتفاوت العقوبة ما بين القصاص أو الأشغال الشاقة المؤبدة طبقا لظروف وملابسات الجريمة.

وعلى سبيل المثال فإن قانون العقوبات المصري قد جعل عقوبة القتل العمد هي الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة حيث جاء في المادة ٢٣٤/ ١ع«وإذا اقترن القتل العمد بظروف مشددة كانت عقوبته الإعدام، والظروف المشددة التي أخذ بها المشرع المصري ستة: سبق الإصرار والترصد، والقتل بالسم، واقتران القتل بجناية، وارتباطه بجنحة، ووقوع القتل أثناء الحرب على الجرحى حتى من الأعداء 96.

ومن هنا يفترق الفقه الإسلامي عن القانون، فالقانون يرى في هذه الحالة أن العقوبة هي الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، بينما يرى الفقه الإسلامي أن عقوبته هي القصاص الذي يكون لصاحبه الحق في العفو عنه.

وبنظرة تحليلية لهذا القانون يرى بعض أساتذة الشريعة والقانون أن رأي الفقه الإسلامي أنجع في علاج الجرائم من علاج القانون؛ وذلك لأن السجن عقوبة لا تلائم نوع الجناية التي ارتكبت، فإن الجناية أفظع وأشد، إنها قتل نفس بغير حق، فإذا أوجبنا فيها هذه العقوبة ما كان ذلك محققا لعدالة العقاب؛ وبالتالي لا يشفى غليل أهل المجني عليه، ومن هنا يتكاثر ارتكاب الجرائم ويتفشى97.

وهذا ما عالجته الشريعة الإسلامية، فمن حيث عدالة العقاب أوجبت القصاص حتى يذوق الجاني نفس الكأس الذي أذاقه لغيره، ويتجرع المرارة التي جرعها لغيره، ولا شك أن هذا المسلك في العقوبة أكثر ردعا وزجرا؛ إذ به تتحقق الحياة لنفوس كثيرة قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة: ١٧٩].

ثانيًا:عقوبة القتل الخطأ:

١. عقوبة القتل الخطأ في القرآن الكريم.

عقوبات القتل الخطأ منها ما عقوبات أصلية كالدية والكفارة، ومنها هو ما بدل وهو التعزير والصيام، ومنها عقوبات تبعية مثل الحرمان من الميراث والحرمان من الوصية، وجاءت مشروعية الدية في موضعين من القرآن.

الموضع الأول يتضمن مشروعية الدية والكفارة، وذلك في قوله تعالى:(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [النساء:٩٢].

ودلالتها صريحة في مشروعية الدية والكفارة في القتل الخطأ،سواء كان المقتول مسلمًا، أو معاهدًا.

قال القرطبي عن ابن المنذر: قال الله تبارك وتعالى: (ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ) إلى قوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) فحكم الله جل ثناؤه في المؤمن يقتل خطأ بالدية، وثبتت السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك وأجمع أهل العلم على القول به98.

واختلف فيمن نزلت فيه هذه الآية على قولين:

أحدهما: أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي وكان أخا أبي جهل لأمه قتل الحارث بن زيد من بني عامر بن لؤي، لأنه كان يعذب عياشًا مع أبي جهل واختلف أين قتله، فقال عكرمة ومجاهد: قتله بالحرة بعد هجرته إلى المدينة وهو لا يعلم بإسلامه، وقال السدي:قتله يوم الفتح وقد خرج من مكة وهو لا يعلم بإسلامه.

والقول الثاني: أنها نزلت في أبي الدرداء حين قتل رجلًا بالشعب فحمل عليه بالسيف، فقال: لا إله إلا الله، فبدر فضربه ثم وجد في نفسه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا شققت عن قلبه)99 وهذا قول ابن زيد؛ فأنزل الله تعالى: (ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ) 100.

والموضع الثاني يتضمن مشروعية الدية فقط، وذلك في قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة:١٧٨].

ووجه الدلالة منها- كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: أن يقبل في العمد الدية101، ولم يرد ذكر للكفارة في هذا الموضع.

٢. عقوبة القتل الخطأ في القوانين الوضعية.

ينص قانون العقوبات المصري في المادة (٢٣٨) على أن: «من تسبب خطأ في موت شخص بأن كان ذلك ناشئا عن إهماله، أو رعونته، أو عدم احتراسه، أو عدم مراعاته القوانين والمقررات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن عشرين جنيها ولا تتجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، وتكون عقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ست سنين، وغرامة لا تقل عن خمسين جنيها ولا تجاوز أربعمائة جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني بما تفرضه عليه أصول مهنته أو حرفته، أو كان عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث متعاطيا عقاقير مخدرة أيا كان نوعها، أو كان في حالة سكر بين، أو لم يقدم المساعدة وقت الحادث لمن وقعت عليه الجريمة، أو لم يطلب هذه المساعدة مع تمكنه من ذلك، وتكون العقوبة الأشغال الشاقة لمدة لا تزيد على خمس سنين إذا نشأ عن الخطأ وفاة أكثر من خمسة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف المشددة الواردة في الفقرة الثانية تكون العقوبة بالأشغال الشاقة المؤقتة»102.

ومن هذا النص يتضح أن قانون العقوبات جعل عقوبة القتل خطأ عقوبة تعزيرية، سواء تمت بالحبس أو بالأشغال الشاقة أو بالغرامة، وهذا النوع من العقوبة سبق أن بينا أنه نوع من العقوبات التعزيرية في الفقه الإسلامي الذي يترك أمر تقديرها لاجتهاد الحاكم أو من يقوم مقامه103.

ويلحظ أن الشريعة الإسلامية تميزت تميزًا واضحًا عن غيرها من الشرائع في عقوبة القتل بكل أنواعه، وبخاصة القتل الخطأ، حيث تجد أن الدية ليست بمثابة الثمن أو التعويض عن فقد المرء حياته، ولكنها نوع من المواساة، وجبر النقص الذي حصل لأهله وذويه بفقده، وفي تشريع الكفارة زجر للقاتل، وفي الحرمان من الميراث والوصية معاقبة للقاتل بنقيض قصده، وتشديدًا عليه كي يلحقه الندم على فعله.

ثالثًا:عقوبة القتل شبه العمد:

١. عقوبة القتل شبه العمد في الشريعة الإسلامية.

العقوبات المترتبة على القتل شبه العمد منها عقوبات أصلية، وهي الدية والكفارة، كما هو الحال في القتل العمد، ومنها عقوبات بدلية، وهي: التعزير والصيام، ومنها عقوبات تبعية، وهي: الحرمان من الميراث والوصية104. وأدلة هذه العقوبات التبعية والبدلية وردت في السنة النبوية المطهرة.

٢. عقوبة القتل شبه العمد في القانون.

ينص القانون الوضعي المصري على أن عقوبة الضرب المفضي إلى الموت في القانون هي: «الأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع، هذا إذا لم يصاحب هذه الجناية ظرف سبق الإصرار أو الترصد، فإن صاحبها هذا الظرف كانت العقوبة الأشغال المؤقتة أو السجن؛ أي: من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة.

ويذكر بعض شراح القانون أن جريمة الضرب المفضي إلى الموت تتطلب توافر ركنين:

أحدهما: مادي، وهو يقوم على ثلاثة عناصر:

  1. فعل الضرب أو الجرح أو إعطاء مواد ضارة.
  2. ثم موت المجني عليه.
  3. وقيام رابطة السببية بين الفعل والنتيجة «الموت».

    وثانيهما: معنوي، وهو يقوم على أمرين: أحدهما إيجابي، والآخر سلبي:

    أما الأول: فهو أن يكون لدى الجاني قصد ارتكاب الضرب.

    وأما الثاني: فهو ألا يكون الجاني قد قصد ارتكاب القتل.

    وبالنظر إلى العقوبتين نجد جعل عقوبة القتل شبه العمد مادية بصورها المتقدمة، ثم إن هذا الفقه لا يأبى إيقاع عقوبة التعزير على القاتل في هذه الجناية إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك.

    وهذا المنهج في العقوبة أعدل من منهج القانون من وجوه:

    الأول: نترك العقوبة البدنية التي نص عليها القانون، فإنه يمكن إدخالها في عقوبة التعزير في الفقه الإسلامي بصورتها العادية أو المشددة، فلا مجال حينئذ للكلام في هذه الناحية سوى أنه يجب أن يراعى في تقديرها تحقيق مصلحة المجتمع.

    الثاني: العقوبة المادية، وهي تتمثل في الفقه الإسلامي في: الدية والكفارة والحرمان من الميراث.

    ويمكن أن نقول: إن هذا النوع من العقوبة -وخاصة الدية- يقابلها في القانون التعويض المدني -مع بعض التجاوز في تكييف كل من العقوبتين- إلا أن الفقه الإسلامي في هذا المجال -كما في غيره- يعلو على كل علاج لسد باب الجريمة وردع الجناة وزجر الآخرين 105.

    و«فرق القرآن بين العامد والمخطئ في قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ) [الأحزاب: ٥].

    وكرر الرسول عليه الصلاة والسلام هذا المعنى في قوله: (إن الله تجاوز لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)106، والمقصود من عدم الجناح ومن رفع الخطأ هو تخفيف مسئولية المخطئ وعدم تسويته بالعامد، ولا يقصد من هذين التعبيرين محو المسئولية الجنائية كلية، وليس أدل على ذلك من أن الله جل شأنه جعل عقوبة القتل العمد القصاص، وجعل عقوبة القتل الخطأ الدية والكفارة، فغلظ مسئولية العامد وخفف مسئولية المخطئ ولم يمحها كلية، وذلك قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ) [البقرة: ١٧٨].

    وقوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [المائدة: ٤٥].

    وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ) [النساء: ٩٢].

    وهكذا تتنوع المسئولية الجنائية وتتعدد درجاتها بحسب تنوع العصيان وتعدد درجاته، فإذا أردنا أن نعرف مدى تنوع المسئولية وتعدد درجاتها فعلينا أن نعرف مدى تنوع العصيان وتعدد درجاته107.

    وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد اعترفت بحق المجني عليه في أن يعفو عن عقوبة بعض الجرائم، فإن القوانين الوضعية تعترف بنفس هذا المبدأ وإن كانت لا تطبقه على نفس الجرائم التي ينطبق عليها في الشريعة108.

    الإعجاز التشريعي في القصاص

    شرع الله عز وجل القصاص فيما يقع بين الناس من جنايات على النفس وعلى ما دون النفس، بنصوص صريحة في كتاب الله عز وجل، ورد فيها لفظ القصاص أربع مرات، مرتين منهما بصيغة التعريف «القصاص»، ومرتين بصيغة التنكير «قصاص» والآيات التي تتناول القصاص في النفس وفيما دون النفس على هذا النحو:

    قال الله تعالى ( ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)[البقرة:١٧٨].

    وقال تعالى (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [المائدة:٤٥].

    قال ابن العربي: «معنى (كتب) فرض وألزم، وكيف يكون هذا والقصاص غير واجب! وإنما هو لخيرة الولي؛ ومعنى ذلك كتب وفرض إذا أردتم استيفاء القصاص فقد كتب عليكم»109.

    وقال تعالى: ( ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة:١٧٩].

    وهذه الآية من أبلغ آيات القرآن الكريم -والقرآن كله بليغ- حيث دلت على المقصود بأقل الألفاظ، وأغنت عما ذهب إليه الحكماء والبلغاء من نحو قولهم: «قتل البعض إحياء الجميع»، وقولهم: «القتل أقل للقتل»، و«القتل أنفى للقتل»، و«أكثروا القتل ليقل القتل» ونحو ذلك من الألفاظ الموجزة.

    ولو تدبرنا قول الله تعالى (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) وما قاله حكماء العرب من عبارات في هذا الشأن نحو: (القتل أنفى للقتل)، و(القتل أمنع للقتل)110 لوجدنا أن ما في القرآن أكثر فائدة وأوجز في العبارة وخال من التكلف بتكرار الجملة.

    وكما قال الإمام الجصاص: «إذا مثلت بين الآية وبين الأقوال المذكورة لوجدت بينهما تفاوتا بعيدا من جهة البلاغة وصحة المعنى، من وجوه عدة، منها:أن قوله تعالى: (ﯖ ﯗ) هو نظير قولهم: «قتل البعض إحياء للجميع» و«القتل أقل للقتل» وهو مع قلة عدد حروفه ونقصانها عما حكي عن الحكماء قد أفاد من المعنى الذي يحتاج إليه ولا يستغني عنه الكلام ما ليس في قولهم لأنه ذكر القتل على وجه العدل لذكره القصاص وانتظم مع ذلك الغرض الذي إليه أجرى بإيجابه القصاص وهو الحياة وقولهم: (القتل أقل للقتل)، و(قتل البعض إحياء الجميع)، و(القتل أنفى للقتل) إن حمل على حقيقته لم يصح معناه؛ لأنه ليس كل قتل هذه صفته بل ما كان منه على وجه الظلم والفساد فليست هذه منزلته ولا حكمه فحقيقة هذا الكلام غير مستعملة ومجازه يحتاج إلى قرينة وبيان في أن أي قتل هو إحياء للجميع فهذا كلام ناقص البيان مختل المعنى غير مكتف بنفسه في إفادة حكمه وما ذكره الله تعالى من قوله: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) مكتف بنفسه مفيد لحكمه على حقيقته من مقتضى لفظه مع قلة حروفه»111.

    ولو ذهبنا نتتبع حكم تشريع القصاص لطال بنا الكلام، ولكن أشير إلى طرف من ذلك على هذا النحو:

  1. القصاص نظام من أنظمة العقوبات في الشريعة الإسلامية؛ وإن بدا في ظاهره الصرامة والشدة إلا أنه بعيد كل البعد عن أن يكون تعذيبًا للجاني أو تنكيلًا به، فالقصاص من أنجع وسائل الردع العام وهو رحمة حازمة تحافظ على كيان المجتمع وتماسكه112.
  2. من بعض حكمة الله سبحانه وتعالى أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض، في النفوس والأبدان والأعراض والأموال، كالقتل والجراح والقذف والسرقة، فأحكم سبحانه وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع113.
  3. في تطبيق القصاص حياة للمجتمع وصيانة له، كما حكاه الطبري عن قتادة في هذه الآية يقصد قوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [البقرة:١٧٩]: «جعل الله هذا القصاص حياة ونكالًا وعظة لأهل السفه والجهل من الناس، وكم من رجل قد هم بداهية لولا مخافة القصاص، لوقع بها، ولكن الله حجز بالقصاص بعضهم عن بعض، وما أمر الله بأمر قط إلا وهو أمر صلاح الدنيا والآخرة، ولا نهى الله عن أمر قط إلا وهو أمر فساد في الدنيا والدين، والله أعلم بالذي يصلح خلقه»114.
  4. القصاص جزاء وفاق للجريمة؛ فالجريمة اعتداء متعمد على النفس، والعدالة أن يؤخذ الجاني بمثل فعله إذ لا يعقل أن يفقد والد ولده، ويرى قاتله يروح ويغدو بين الناس، وقد حرم هو من رؤية ولده.
  5. تشريع القصاص بالقتل غير ممحض في الانتقام بل فيه ملاك التربية العامة وسد باب الفساد115.
  6. ليس في العالم كله قديمه وحديثه عقوبة تفضل عقوبة القصاص، فهي أعدل العقوبات، إذ لا يجازى المجرم إلا بمثل فعله، وهي أفضل العقوبات للأمن والنظام؛ لأن المجرم حينما يعلم أنه سيجزى بمثل فعله لا يرتكب الجريمة غالبًا، والذي يدفع المجرم بصفة عامة للقتل والجرح هو تنازع البقاء وحب التغلب والاستعلاء، فإذا علم المجرم أنه لن يبقى بعد فريسته أبقى على نفسه بإبقائه على فريسته، وإذا علم أنه إذا تغلب على المجني عليه اليوم فهو متغلب عليه غدًا لم يتطلع إلى التغلب عليه عن طريق الجريمة 116.

    موضوعات ذات صلة:

    الثبات، الجهاد، الحياة، القدر، الموت


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٥٦.

2 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٩٣.

3 انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٦/٣٣٢، لسان العرب، ابن منظور ١١/٥٤٧.

4 مقاليد العلوم، السيوطي ص٨٥.

5 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢٦٨، الكليات، الكفوي ص٧٢٩.

6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٥٣٣-٥٣٦.

7 انظر: نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٤٩٥-٤٩٧.

8 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٢٨٣.

9 التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، القرطبي ١/١١٢.

10 انظر: المجموع، النووي ٥/١٠٥.

11 الفروق اللغوية، العسكري ص١٠٤.

12 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/٢٥٢٦، لسان العرب، ابن منظور ١٥/٤٠٠، تاج العروس، الزبيدي ٤٠/٢٢٠.

13 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، ص٣٣٩.

14 الكليات، الكفوي ص٣١٣.

15 انظر: لسان العرب ٢/٤٣٦.

16 انظر: مواهب الجليل، الحطاب ٣/٢٠٧، المجموع، النووي ٩/٩٠، الفروع، المرداوي ١٠/٣٩٣.

17 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص١٠٤، الوجوه والنظائر، أبو هلال العسكري ص٤٠٢.

18 غرائب القرآن ورغائب الفرقان، النيسابوري ٢/٢٨٦-٢٨٧.

19 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٢/٤٣٩.

20 لوامع الأنوار البهية، السفاريني ١/٣٤٨-٣٤٩.

21 تحقيق التجريد في شرح كتاب التوحيد، العجيلي ١/١٣٦.

22 شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ابن القيم ص١٨٢.

23 السياسة الشرعية، ابن تيمية ص١١٧.

24 أخرجه الشافعي بسنده في تفسيره ٢/٧٣٣، عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس.

وروي نحوه عن الحسن وقتادة والسدي، كما في النكت والعيون ٢/٣٣.

25 انظر: تفسير الإمام الشافعي ٢/٧٣٣.

26 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٢٥٩.

27 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٣/٢٩٣، معالم التنزيل، البغوي ١/٥٨٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/١٨٥، السراج المنير، الشربيني ١/٢٨٨.

28 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنا، رقم ٦٨٢٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنا، رقم ١٦٩١.

29 الذخيرة، القرافي ١٢/٦٠.

30 المغني، ابن قدامة ٩/٣٥ بتصرف.

31 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الحدود، باب ما جاء في حد الساحر، رقم ١٤٦٠.

وصحح وقفه على جندب.

32 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٥٦١، النكت والعيون، الماوردي ١/٢٥١.

33 البحر المحيط، أبو حيان ١/٤٥٧.

34 شرح منح الجليل، محمد عليش ٩/٣.

35 جامع البيان، الطبري ١٢/٢٢١-٢٢٢ بتصرف.

36 سبق تخريجه.

37 انظر:جامع البيان، الطبري ١٢/٢٢٠، معاني القرآن، النحاس ٤/١٤٨، تفسير السمرقندي ١/٥١١، النكت والعيون، الماوردي ١/١٥٧، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٤٨٦.

38 انظر:جامع البيان، الطبري ٢/٢٠٠.

39 مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٣٠٨.

40 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٧٩.

41 روح المعاني، الألوسي ٤/١٤١.

42 معجم اللغة العربية المعاصرة، د أحمد مختار عبد الحميد ٣/٢١٧٦.

43 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب شرب السم والدواء به، رقم ٥٧٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، رقم ١٠٩.

44 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قاتل النفس، رقم ١٣٦٥.

45 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٢/٤١٥-٤١٦، معالم التنزيل، البغوي ٤/١١٣.

46 انظر: جامع البيان، الطبري ٣/٥٦٢-٥٦٣.

47 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٣٦٢.

48 أحكام القرآن، الجصاص ٥/٢٣.

49 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٢٣٣، معالم التنزيل، البغوي ٣/٨٣، لباب التأويل، الخازن ٤/٩٧.

50 النكت والعيون، الماوردي ٦/٢١٤.

51 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٢٣٦، النكت والعيون، الماوردي ٦/٢١٤.

52 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/١٤٦.

53 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٨٣.

54 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حقٍ، كان القاصد مهدر الدم في حقه، وإن قتل كان في النار، وأن من قتل دون ماله فهو شهيدٌ، رقم ٢٢٥.

55 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب من قاتل دون ماله، رقم ٢٤٨٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره، رقم ١٤١.

56 شرح صحيح البخاري، ابن بطال ٦/٦٠٧.

57 الجنايات في الفقه الإسلامي، الشاذلي ص٢٥٨ بتصرف يسير.

58 انظر: حاشية ابن عابدين ٥/٤٨١، تحفة المحتاج، ابن حجر الهيتمي ٤/١٢٤، مواهب الجليل، الحطاب ٦/٣٢٣.

59 حاشية الرملي على نهاية المحتاج ٤/١٦٨، أسنى المطالب، زكريا الأنصاري ٤/١٦٨، الروض المربع، البهوتي ٢/٢٥٣.

60 سبق تخريجه.

61 الفروق، الكرابيسي ٢/٢٨٣-٢٨٤.

62 انظر:القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، محمد الزحيلي ص٢٨٦.

63 انظر:جامع البيان، الطبري ١٠/٢٠٢-٢٠٤، تفسير السرقندي ١/٣٨٣-٣٨٤، الكشف والبيان، الثعلبي ٤/٤٨، النكت والعيون، الماوردي ٢/٢٨-٢٩، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٧٨.

64 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٦/٣٧٧، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/٢٥٩.

65 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، رقم ٦٨٦٧.

66 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢٧٢، الدر المنثور، السيوطي ٣/٣٦٦.

67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب جهل العرب، رقم ٣٥٢٤.

68 أحكام القرآن، ابن العربي ٢/٢٧٦.

69 إرشاد الساري، القسطلاني ٦/١٨.

70 تفسير مقاتل ١/١٥٩.

71 جامع البيان، الطبري ٣/٣٨٢.

72 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب استتابة المرتدين، باب حكم المرتد والمرتدة، رقم ٦٩٢٢.

73 الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١/٣٧٨.

74 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الحدود، باب حد الساحر، رقم ١٤٦٠.

وصحح الترمذي وقفه على جندب رضي الله عنه.

75 أخرجه مالك في الموطأ، كتاب العقول، باب ما جاء في الغيلة والسحر، رقم ١٥٦٢.

76 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/٥٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٤٧.

77 انظر: جامع البيان، الطبري ٩/٦٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٣٣٢، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل٦/٥٧٢.

78 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم)، رقم ٤٥٩٠، ومسلم في صحيحه، كتاب التفسير، رقم ٣٠٢٣.

79 أخرجه أحمد في مسنده، رقم ٢١٤٢.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣٣٣، رقم ٨٠٣١.

80 جامع البيان، الطبري ٩/٦٨.

81 البيت في ديوان امرئ القيس ص١٣٥.

82 المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٦٥.

83 انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٢٣٣، الكشف والبيان، الثعلبي ٤/٥٤.

84 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/١٧٧-١٧٨.

85 معاني القرآن، الزجاج ٥/١٣ بتصرف.

86 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/٣٠١.

87 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٥١٣ بتصرف.

88 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٤٥٦.

89 تيسير الكريم المنان، السعدي ص١١٦٨.

90 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب القصاص يوم القيامة، رقم ٦٥٣٣، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب المجازاة بالدماء في الآخرة وأنها أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة، رقم ١٦٧٨ من حديث ابن مسعود.

91 انظر: سبل السلام، الصنعاني ٣/٢٣٢.

92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب قوله تعالى: (أن النفس بالنفس)، رقم ٦٨٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ما يباح به دم المسلم، رقم ١٦٧٦.

93 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٧/٢٣٢، التلقين، القاضي عبد الوهاب ٢/١٨٣، بداية المجتهد، ابن رشد ٢/٣٩٦، المجموع، النووي ١٨/٣٥٠، ٣٥٤، ٣٦١، ٣٦٢، الإنصاف، المرداوي ٩/٣٤١.

94 معالم التنزيل ٢/٢٦٤.

95 انظر: التشريع الجنائي، عودة ٢/١١٣-١١٤، ٢/١٧٦، ٢/١٨٥.

96 انظر: قانون العقوبات المصري، باب القتل والضرب والجرح، والجنايات في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقانون، د حسن الشاذلي ص٣٤٧.

97 المصدر السابق.

98 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٣١٤.

99 رواه الطبراني في جامع البيان عن ابن زيد ٩/٣٣.

100 النكت والعيون، الماوردي ١/٥١٧-٥١٨.

101 انظر: فتح الباري، ابن حجر ٨/٢٥.

102 انظر: قانون العقوبات المصري، باب القتل والضرب والجرح.

103 انظر: الجنايات في الفقه الإسلامي، حسن الشاذلي ص٤٦٠.

104 التشريع الجنائي، عودة ١/١٨٩.

105 الجنايات في الفقه الإسلامي، حسن الشاذلي ص ٣٧٠ و٣٧١ بتصرف.

106 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق، باب طلاق المكره، رقم ٢٠٤٣، وابن حبان في صحيحه، باب ذكر الإخبار عما وضع الله بفضله عن هذه الأمة، رقم ١٤٩٨، والحاكم في المستدرك، كتاب الطلاق ٢/٢١٦.

وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ولم يتعقبه الذهبي.

107 التشريع الجنائي، عودة ١/٤٤٥.

108 التشريع الجنائي، عودة ١/٦٦٦- ٦٦٧.

109 أحكام القرآن، ابن العربي ١/٦١.

110 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٥/٢٢٩، اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٥/٢٢٩.

111 أحكام القرآن، الجصاص ١/١٩٧ بتصرف.

112 القصاص دراسة في الفقه الجنائي المقارن، هاني السباعي ص٨.

113 إعلام الموقعين، ابن القيم ١/٣٩٣ بتصرف يسير.

114 جامع البيان، الطبري ٢/١١٤.

115 القصاص، هاني السباعي ص٤٧.

116 التشريع الجنائي، عودة ١/٦٦٤.