عناصر الموضوع

مفهوم القسم

القسم في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع القسم في القرآن

صيغ القسم

أركان القسم

أغراض القسم في القرآن

كفارة القسم

القسم

مفهوم القسم

أولًا: المعنى اللغوي:

بالنظر في المعاجم اللغوية يظهر أن مادة (القاف والسين والميم) تشمل عدة معانٍ، إلا أن القسم بالتحريك يرادف الحلف واليمين، قال ابن فارس: «القاف والسين والميم أصلان صحيحان، يدل أحدهما على جمالٍ وحسن والآخر على تجزئة شيء. فالأول القسام، وهو الحسن والجمال، وفلانٌ مقسم الوجه، أي: ذو جمالٍ. والقسمة: الوجه، وهو أحسن ما في الإنسان والأصل الآخر القسم: مصدر قسمت الشيء قسمًا. والنصيب قسمٌ بكسر القاف. فأما اليمين فالقسم. قال أهل اللغة: أصل ذلك من القسامة، وهي الأيمان تقسم على أولياء المقتول إذا ادعوا دم مقتولهم على ناسٍ اتهموهم به»1.

فالقسم، وهو المصدر، والجمع أقسام، وقد أقسم بالله واستقسم به وقاسمه: حلف له، وتقاسم القوم تحالفوا، والقسامة: الذين يحلفون على حقهم ويأخذونه، ويمين القسامة منسوبة إليهم، والمقسم: القسم، والمقسم: الموضع الذي حلف فيه، والمقسم: الرجل الحالف، أقسم يقسم إقسامًا 2، فالعلاقة بين القسامة والقسم وطيدة.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

هو: «ربط العقد بالامتناع والترك أو بالإقدام على فعلٍ بمعنى معظمٍ حقيقةً أو اعتقادًا»3.

أو هو: «ربط النفس، بالامتناع عن شيء أو الإقدام عليه، بمعنى معظم عند الحالف حقيقة أو اعتقادًا. وسمي الحلف يمينًا؛ لأن العرب كان أحدهم يأخذ بيمين صاحبه عند التحالف»4.

فالمعنى الاصطلاحي لا يختلف عن المعنى اللغوي كثيرًا إلا أنه قيد بتقييدات معينة.

القسم في الاستعمال القرآني

وردت مادة (أقسم) في القرآن الكريم (٢٥) مرة5.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

فعل الماضي

٩

( ) [الأعراف:٤٩]

فعل المضارع

١٣

( ﯿ ) [الواقعة:٧٥]

فعل الأمر

١

( ) [النمل:٤٩]

اسم مصدر

٢

( ) [الفجر:٥]

وجاء القسم في القرآن بمعناه في اللغة وهو: الحلف، وأصله من (القسامة) وهي الأيمان تقسم على الأولياء في الدم 6.

الألفاظ ذات الصلة

الحلف:

الحلف لغةً:

قال ابن فارس: «الحاء واللام والفاء أصلٌ واحد، وهو الملازمة. يقال: حالف فلانٌ فلانًا، إذا لازمه»7.

الحلف اصطلاحًا:

هو «العهد بين القوم، والمحالفة المعاهدة والملازمة» 8.

الصلة بين الحلف والقسم:

قال أبو هلال العسكري: «الصلة بين القسم والحلف: أن القسم أبلغ من الحلف؛ لأن معنى قولنا: أقسم بالله أنه صار ذا قسم بالله والمراد أن الذي أقسم عليه من المال وغيره قد أحرزه ودفع عنه الخصم بالله، والحلف من قولك: سيفٌ حليف، أي: قاطع ماضٍ، فإذا قلت: حلف بالله، فكأنك قلت: قطع المخاصمة بالله، فالأول أبلغ؛ لأنه يتضمن معنى الآخر مع دفع الخصم، ففيه معنيان. وقولنا: (حلف) يفيد معنى واحدًا، وهو قطع المخاصمة فقط، وذلك أن من أحرز الشيء باستحقاق في الظاهر فلا خصومة بينه وبين أحد فيه، وليس كل من دفع الخصومة في الشيء فقد أحرزه» 9. وعلى هذا فالقسم أعم من الحلف.

اليمين:

اليمين لغةً:

القسم، يقال: سمي بذلك؛ لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل منهم يمين صاحبه10.

اليمين اصطلاحًا:

هو «عقد يقوى به عزم الحالف على الفعل والترك»11.

الصلة بين اليمين والقسم:

يظهر أنهما مترادفان في المعنى.

الميثاق:

الميثاق لغةً:

قال ابن فارس: «الواو والثاء والقاف كلمةٌ تدل على عقدٍ وإحكام. ووثقت الشيء: أحكمته، وناقةٌ موثقة الخلق. والميثاق: العهد المحكم. وهو ثقةٌ، وقد وثقت به» 12.

الميثاق اصطلاحًا:

«هو العقد المؤكد إما بوعيدٍ أو بيمينٍ»13. قال صاحب المنار: «العهد ما يتفق رجلان أو فريقان من الناس على التزامه بينهما لمصلحتهما المشتركة، فإن أكداه ووثقاه بما يقتضي زيادة العناية بحفظه والوفاء به سمي ميثاقًا»14.

الصلة بين الميثاق والقسم:

أن الميثاق عهدٌ مؤكدٌ بالقسم، فالقسم أعم من الميثاق؛ إذ يشمل العهد المؤكد به، ويشمل القسم ما ليس بعهد، وقد نص ابن هشام على أن أخذ الميثاق قسم15، أي: جزء من القسم.

الحنث:

الحنث لغةً:

هو الإثم والحرج. يقال: حنث فلانٌ في كذا، أي: أثم. ومن ذلك قولهم: بلغ الغلام الحنث، أي: بلغ مبلغًا جرى عليه القلم بالطاعة والمعصية، وأثبتت عليه ذنوبه16.

الحنث اصطلاحًا:

هو «الذنب المؤثم، وسمي اليمين الغموس حنثًا لذلك»17.

الصلة بين الحنث والقسم:

هما نقيضان فلا يجتمعان، فالقسم إلزام النفس بفعل شيء أو تركه، والحنث نقض ذلك القسم.

النقض:

النقض لغةً:

من نقضت البناء نقضًا، والنقض اسم البناء المنقوض إذا هدم، ونقضت الحبل نقضًا: حللت برمه، وانتقضت الطهارة: بطلت، وانتقض الجرح بعد برئه، والأمر بعد التئامه: فسد، وتناقض الكلامان: تدافعا كأن كل واحد نقض الآخر، وفي كلامه تناقضٌ إذا كان بعضه يقتضي إبطال بعض18.

النقض اصطلاحًا:

«الفسخ وفك التركيب»19.

الصلة بين النقض والقسم:

إذا كان القسم في إلزام النفس على فعل شيء أو تركه، فإن النقض هو فك ذلك الإلزام، وعدم الوفاء به، فكل منهما مناقض للآخر.

النكث:

النكث لغةً:

نكث العهد، والحبل، ينكثه وينكثه: نقضه فانتكث، ونكث السواك: تشعث رأسه20.

النكث اصطلاحًا:

«هو ما نقض من غزل الشعر وغيره» 21.

الصلة بين النكث والقسم:

هما ضدان، فالقسم في إلزام، والنكث نقض ذلك الإلزام.

أنواع القسم في القرآن

ذكر العلماء أن للقسم أنواعًا ثلاثة: (لغو، ومنعقدة، وغموس) وذهب البعض إلى أنهما نوعان فقط (لغو ومنعقدة) وفيما يلي نستجلي حقيقته، ونبين أحكامه المذكورة في القرآن الكريم:

أولًا: اليمين اللغو:

ذكر المولى سبحانه أنه لا يؤاخذنا باللغو في اليمين في قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [البقرة: ٢٢٥].

(ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المائدة: ٨٩].

«اللغو: سقط الكلام الذي لا حكم له، ويستعمل في الهجر والرفث وما لا حكم له من الأيمان تشبيهًا بالسقط من القول، واختلف العلماء في اليمين التي هي لغو:

فقال ابن عباس وعائشة وعامر الشعبي وأبو صالح ومجاهد رضي الله عنهم: «لغو اليمين: قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة: لا والله، وبلى والله دون قصد لليمين».

وقال أبو هريرة وابن عباس أيضًا والحسن ومالك رضي الله عنهم وجماعة من العلماء: «لغو اليمين: ما حلف به الرجل على يقينه فكشف الغيب خلاف ذلك». قال ابن عطية: «وهذا اليقين هو غلبة ظن أطلق الفقهاء عليه لفظة اليقين تجوزًا».

وقال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد الله وعروة ابنا الزبير رضي الله عنهم: «لغو اليمين: الحلف في المعاصي كالذي يحلف ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم، فبره ترك ذلك الفعل ولا كفارة عليه».

وقال ابن عباس أيضًا وطاووس رضي الله عنهما: «لغو اليمين: الحلف في حال الغضب».

وقال مكحول الدمشقي رضي الله عنه وجماعة من العلماء: «لغو اليمين: أن يحرم الرجل على نفسه ما أحل الله فيقول: مالي علي حرام إن فعلت كذا أو الحلال علي حرام».

وقال زيد بن أسلم وابنه رحمهما الله: «لغو اليمين: دعاء الرجل على نفسه؛ أعمى الله بصره، أذهب الله ماله، هو يهودي هو مشرك إن فعل كذا».

وقال ابن عباس رضي الله عنه أيضًا والضحاك رحمه الله: «لغو اليمين: هو المكفرة، أي: إذا كفرت اليمين فحينئذ سقطت وصارت لغوًا ولا يؤاخذ الله بتكفيرها والرجوع إلى الذي هو خير».

وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: «لغو اليمين: ما حنث فيه الرجل ناسيًا».

وقيل: «اللغو: أيمان المكره» 22.

هذه أقوال تسعة في تفسير لغو اليمين، إلا أننا إذا نظرنا في الآية الكريمة نجدها تصرح بأن اليمين اللغو هي التي لا كفارة فيها، فنص الآية: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) فقابل بين اليمين اللغو واليمين التي فيها كفارة، وهذا يسقط بعض الأقوال، فيسقط القول بأنها الحلف في المعاصي؛ لأنها -على فرض أنها لا كفارة فيها- فيها مؤاخذة.

والقول: بأنها دعاء الرجل على نفسه؛ لأن هذا دعاء وليس قسمًا، والقول: بأنها اليمين المكفرة؛ وذلك لأنه على هذا القول يكون قابل بين الشيء ونفسه.

وأما القول: بأنها اليمين في غضب فقد ذكر قائلوه حديثًا لم أقف عليه؛ لذلك تركت ذكره، ولو صح فليس بنص في أن هذا هو اليمين اللغو.

وأما القول بأنها: أن يحرم الرجل على نفسه ما أحل الله، فإن هذا فيه مؤاخذة؛ إذ فيه مخالفة صريحة لقوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [المائدة: ٨٧].

قال ابن عطية رحمه الله تعليقًا على الأقوال السابقة: «وطريقة النظر أن يتأمل لفظة: (اللغو) ولفظة: (الكسب) ويحكم موقعهما في اللغة، فكسب المرء ما قصده ونواه، واللغو: ما لم يتعمده أو ما حقه لهجنته أن يسقط، فيقوى على هذه الطريقة بعض الأقوال المتقدمة ويضعف بعضها، وقد رفع الله عز وجل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو، فحقيقته ما لا إثم فيه ولا كفارة، والمؤاخذة في الأيمان هي بعقوبة الآخرة في الغموس، وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة، وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة؛ لأن المؤاخذة قد وقعت فيها، وتخصيص المؤاخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم» 23.

قلت: وأقوى الأقوال فيها: القول بأنها قول الرجل: لا والله وبلى والله دون قصد لليمين. والقول بأنها ما حلف به الرجل على يقينه فكشف الغيب خلاف ذلك، وذلك أن الحالف في هاتين الحالتين لم يتعمد معصية، ففي القول الأول جرى لفظ القسم على لسانه دون معناه، وهذا أشبه بالساقط من الكلام؛ إذ اللغو -كما عرفه الراغب- «ما لا يعتد به، وهو الذي يورد لا عن رويَّة وفكر فيجري مجرى اللغا وهو صوت العصافير»24.

وفي الثاني: تعمد القسم، ولكن لم يتعمد الكذب.

وأما القول: بأنها ما حنث فيه الرجل ناسيًا، والقول: بأنها أيمان المكره فلا يبعدان عن القولين السابقين، فالحنث ناسيًا غير مؤاخذ به؛ وذلك أن النسيان مرفوع عن هذه الأمة، وأيمان المكره كذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (تجاوز الله عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه)25.

وقد رجح أبو حيان رحمه الله القول بأنها ما لا يقصد به حقيقة اليمين، وإنما هو شيء يجري على اللسان عند المحاورة من غير قصد، قائلًا -بعد ذكره الأقوال-: «وهذه الأقوال يحتملها لفظ اللغو، إلا أن الأظهر هو ما فسرناه أولًا؛ لأنه قابله كسب القلب، وهو تعمده للشيء، فجميع الأقوال غيره ينطبق عليها أنها كسب القلب؛ لأن للقلب قصدًا إليها: ونفي الوحدة يدل على أنه لا إثم ولا كفارة، فيضعف قول من قال: إنها تختص بالإثم، ويفسر اللغو باليمين المكفرة»26.

قلت: ولا مانع من أن يكون المعنيان مرادين؛ إذ اللغو في اليمين «الساقط الذي لا يتعلق به حكم»27 ويكون هذا من باب ما يسمى عند البلاغيين بأسلوب الاستخدام، وما يسمى عند الأصوليين استخدام المشترك في معنييه، ويكون هذا من الإعجاز القرآني؛ إذ يشمل اللفظ القليل المعاني الكثيرة.

وقد ذهب الشيخ أبو زهرة رحمه الله لأبعد من هذا، فقال: «وأرى أن كل صور أيمان اللغو الواردة عن الصحابة تدخل في معنى يمين اللغو التي كان من فضل الله على عباده ورحمته بهم أن رفع عنهم إثمها، ولم يجعلها موضع مؤاخذة ولا اعتداد، فلا إثم ولا كفارة فيها»28.

وأما حكم هذه اليمين فقد وضحت آيتا سورة البقر وسورة المائدة أنها لا مؤاخذة فيها.

ثانيًا: اليمين المنعقدة:

اليمين المنعقدة: هي على المستقبل التي يصح فيها الحنث والبر29.

وعرفها ابن العربي بأنها: «ربط القول بالقصد القائم بالقلب، يعزم بقلبه أولًا متواصلًا منتظمًا، ثم يخبر عما انعقد من ذلك بلسانه»30.

ثم إن الأيمان المنعقدة -في نفسها- تنقسم إلى أقسام، فالأيمان المنعقدة التي تتكرر كأن تقول: أقسم بالله العظيم. أقسم بالله العظيم. أقسم بالله العظيم؛ أقوى من قولك: أقسم بالله -مرة واحدة-.

والأيمان التي تنشأ ابتداءً أقل رتبة في العظم من الأيمان المصبورة التي يحبس عليها صاحبها، والأيمان المصبورة التي حبس عليها صاحبها أيضًا تتفاوت في العظم، فمثلًا: إذا حبس شخص بعد الصلاة كما قال الله سبحانه: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [المائدة: ١٠٦].

أي: صلاة العصر، فإذا حبس في مسجد ما ليس ذلك كمن يحبس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقواها رجل حبس على يمين بعد صلاة العصر عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه أعظم من اليمين الأخرى، وإن كانت كلها أيمانًا منعقدة 31.

واليمين المنعقدة لا تكون إلا باسم من أسماء الله تعالى أو صفة من صفاته، فلو حلف بغير الله تعالى لا تعد يمينًا منعقدة، وقد ذكروا لانعقاد اليمين شروطًا:

  1. أن يكون الحالف بالغًا عاقلًا؛ فلا تنعقد يمين الصبي والمجنون؛ لرفع المؤاخذة عنهما.
  2. ألا تكون اليمين لغوًا.
  3. أن يكون الحلف بذات الله تعالى مثل: أقسم بالله، أو بأحد أسمائه تعالى، مثل: أقسم بالرحمن أو برب العالمين، أو بصفة من صفاته تعالى مثل: أقسم بعزة الله، أو بعلمه أو بإرادته أو بقدرته32.

    ثم إن لليمين المنعقدة أنواعًا:

    النوع الأول: اليمين على ما هو متصور الوجود عادة، إذا كان المحلوف عليه أمرًا يتصور حدوثه بحسب العادة والإمكان، كأن يقول: (والله لآكلن هذا الرغيف).

    النوع الثاني: اليمين على ما هو مستحيل غير متصور الوجود أصلًا، وهو المستحيل عقلًا مثل قول الشخص: (والله لأشربن الماء الذي في هذا الكوب) وليس في الكوب ماء.

    النوع الثالث: اليمين على ما هو مستحيل عادة، وذلك إذا كان الأمر المحلوف عليه متصور الوجود في نفسه، ولكنه مستحيل بحسب العادة كالصعود في السماء، و الطيران في الهواء 33.

    واليمين المنعقدة يجب فيها الكفارة؛ لنص الآية الصريح على ذلك: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) وسيأتي تفصيل الحكم فيها -إن شاء الله-.

    ثالثًا: اليمين الغموس:

    اليمين الغموس: الحلف على فعلٍ أو تركٍ ماضٍ كاذبًا، سميت به؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم 34.

    قال الزمخشري: «اليمين الغموس تدع الديار بلاقع. هي اليمين الكاذبة تغمس في المآثم، وتقول العرب للأمر الشديد الغامس في الشدة والبلاء: غموس»35.

    وفي تسميتها بالغموس زيادة في تقبيحها، فكأنها سبب في إحاطة صاحبها بالذنوب وغمره بها، فكأنه انغمس فيها، إذ الغمس «إرساب الشيء في الشيء الندي في ماءٍ أو صبغٍ حتى اللقمة في الخل» 36.

    واليمين الغموس وتسمى المصبورة؛ لأن صبرها مغالبة وقوة عليها، كما يصبر الحيوان للقتل والرمي37.

    واليمين الغموس عادة من عادات المنافقين، ذمهم الله تعالى عليها في كتابه، وتوعدهم عليها، فقال سبحانه: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [المجادلة: ١٤- ١٨].

    فهؤلاء المنافقون دأبهم الحلف الكاذب، وهذا هو اليمين الغموس، فهيأ الله لهم عذابًا شديدًا مؤلمًا، وكانوا يحلفون هذه الأيمان؛ ليتستروا بها، وليصدوا عن منهج الله تعالى، فكان مصيرهم عذاب مذل لهم، ولن ينفعهم كثرة الأموال والأولاد، وهم أصحاب النار الملازمون لها يوم القيامة حين يبعثهم الله ويخبرهم، فيحاولون أن يحلفوا أيمانًا كاذبة ظانين أن أيمانهم ستروج يوم القيامة كما كانت تروج في الدنيا، ولكن هيهات هيهات.

    وقد كثرت الأحاديث الصحيحة، وكذلك الآثار التي تدل على أنها من الكبائر، فمن ذلك عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس)38.

    وورد تفسيرها في حديث آخر فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (جاء أعرابيٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: (الإشراك بالله) قال: ثم ماذا؟ قال: (ثم عقوق الوالدين) قال: ثم ماذا؟ قال: (اليمين الغموس) قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: (الذي يقتطع مال امرئٍ مسلمٍ هو فيها كاذبٌ)39.

    وقد ورد في الوعيد عليها قوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان)40.

    وعن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، والذي نفسي بيده لا يحلف الرجل على مثل جناح بعوضة إلا كانت كية في قلبه يوم القيامة)41.

    ومن الآثار في ذلك ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه: «كنا نعد من الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس. فقيل: ما اليمين الغموس؟ قال: اقتطاع الرجل مال أخيه باليمين الكاذبة»42.

    وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: «كنا نعد اليمين الغموس من الكبائر»43.

    وقد فسر الشعبي رضي الله عنه الحنث العظيم في قوله: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الواقعة: ٤٦].

    بأنه اليمين الغموس44. ومعنى الآية: أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون وكذبوا في ذلك45. فعلى هذا تكون هذه اليمين سببًا لجعل صاحبها من أصحاب الشمال، ومن ذهب من العلماء إلى أنها لا تكفر -كما سيأتي- ليس للتخفيف على صاحبها، بل؛ لأنها «أعظم من أن تكفر»46.

    وإنما كانت اليمين الغموس بهذه الدرجة؛ لأن صاحبها امتهن من حلف به؛ إذ الحلف يكون في أمر جد، أما هذا فجعل الهزل موطن الجد، فكأنه احتقر من حلف به، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن اليمين يكون الغرض منها تأكيد الكلام وتوثيقه، مما يجعل المخاطب يصدق ما يقال له، ويذعن لخصمه في الوقت الذي هو كاذب محتال، فتضيع الحقوق، وتميع الحقائق، ويختلط الحق بالباطل، وهذه اليمين عادة المنافقين، وديدن الفاسقين، وعادة المستهترين، فما أجرأهم على اسم الله تعالى، حتى رأينا منهم في زماننا هذا من يقفون على أبواب المحاكم يشهدون زورًا، ويحلفون فجورًا، يتربحون بذلك، فيشترون الدنيا بالآخرة، يغدون في صباحهم على الحنث عازمين، وعلى الكذب مجترئين، ويروحون فرحين مسرورين، ولا يشعرون أنهم باؤوا بغضب عظيم، وسخط جسيم، لا يبالون بأن يقتل إنسان بسبب يمينهم، أو يسجن آخر جراء إجرامهم؛ لذلك كان رأي الجمهور أنها أعظم من أن تكفر بكفارة ضئيلة، ودراهم قليلة، بل أمرها إلى الله، فإذا أراد التوبة لا بد وأن يحسن توبته، ويظل يعيش بين خوف ورجاء، تؤرقه يمينه، وتنغص عليه حياته، فهي يمين مكر وخديعة، لا يرضى بها ذو مروءة، حسبنا الله ونعم الوكيل.

    ورغم اتفاق العلماء على حرمة هذه اليمين، إلا أنهم اختلفوا فيها، هل لها كفارة أم لا، وسوف يأتي تفصيل القول في ذلك في موضعه إن شاء الله.

    صيغ القسم

    صيغ القسم نوعان:

    • صريح.
    • وكناية.

      «فالصريح يكون مع الإتيان بلفظ الحلف، كقوله: أحلف بالله لأفعلن كذا، وأقسم بالله لأفعلن كذا، ومع الإتيان بحرف من حروف القسم، وهي الواو، كما في قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الأنعام: ٢٣].

      وبالتاء المثناة، كما في قوله تعالى حكاية عن الخليل عليه السلام: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأنبياء: ٥٧].

      إلى غير ذلك من الأدوات القسم -التي سيأتي ذكرها-، فإذا أتى باليمين بصيغة من هذه الصيغ انعقدت يمينه، نوى اليمين أو لم ينو.

      والكناية كقوله: بالله -بحرف القسم- وتالله، ولعمر الله، وايم الله، وأشهد بالله، وأعزم بالله. فإذا أتى بصيغة من هذه الصيغ ونوى اليمين انعقدت، وإلا فلا.

      وفي معنى ذلك تعليق التزام فعل أو تركه، بشرط أن يكون ذلك قربة، كقوله: إن فعلت كذا فعلي نذر كذا، أو يكون كفارة يمين، مثل أن يقول: إن فعلت كذا فعلي كفارة يمين47.

      والقسم إما ظاهر، وإما مضمر:

      فالظاهر: هو ما صرح فيه بفعل القسم، وصرح فيه بالمقسم به، ومنه ما حذف فيه فعل القسم كما هو الغالب اكتفاء بالجار من الباء أو الواو أو التاء.

      والمضمر: هو ما لم يصرح فيه بفعل القسم، ولا بالمقسم به، وإنما تدل عليه اللام المؤكدة التي تدخل على جواب القسم كقوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [آل عمران: ١٨٦].

      أي: والله لتبلون48.

      والمضمر قسمان:

    • قسم دلت عليه لام القسم، كقوله: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [آل عمران: ١٨٦].
    • وقسم دل عليه المعنى، كقوله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [مريم: ٧١]. تقديره: والله49.

      وبما أن معرفة التقسيمين السابقين يترتب على معرفة أشياء منها أدوات القسم، فلا بد من معرفة هذه الأدوات:

      قال ابن سيده رحمه الله: «وللقسم والمقسم به أدوات في حروف الجر فأكثرها الواو ثم التاء وتدخل فيه اللام وأصل هذه الحروف الباء، والباء صلة للفعل المقدر أحلف أو أقسم أو ما جرى مجرى ذلك، فإذا قال: بالله لأضربن زيدًا، فكأنه قال أحلف بالله»50.

      وكانت الباء أصل هذه الأدوات «لأنها للإلصاق، فهي تلصق فعل القسم بالمقسم به»51.

      وجعلوا الواو بدلًا من الباء، وخصوا بها القسم؛ لأنها من مخرج الباء، واستعملوا الواو أكثر من استعمالهم الباء؛ لأن الباء تدخل في صلة الأفعال في القسم وغيرها، فاختاروا الواو في الاستعمال؛ لانفرادها بالقسم، وقد تدخل الباء في ثلاثة مواضع من القسم لا تدخلها الواو ولا غيرها:

      أحدها: أن تضمر المقسم به كقولك إذا أضمرت اسم الله: (بك لاجتهدن يا رب)، وإذا ذكر اسم الله فأردت أن تكني عنه قلت: به لألزمن المسجد، كما نقول: بالله لألزمن المسجد.

      والموضع الثاني: أن تحلف على إنسان كقولك إذا حملت عليه: بالله إلا زرتني، وبالله لما زرتني، ولا تدخل الواو ههنا52.

      والواو لا يظهر معها فعل القسم، بل يضمر وجوبًا، نحو: (ﭮ ﭯ) [يس: ٢]. كما لا يظهر مع التاء واللام53.

      وأما الباء فلا يحذف معها الفعل إلا قليلًا، مثل قوله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [فاطر: ٤٢].

      وقد ذكر الزركشي رحمه الله أن من هذا القليل قوله: (ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [لقمان: ١٣].

      على قول من ذهب إلى أن الباء للقسم، وليست متعلقة بـ () وكأنه قال: (ﭬ ﭭ ﭮ) ثم ابتدأ فقال: () لا تشرك، وحذف شبه الجملة المتعلقة بـ(ﭭ ﭮ)؛ لدلالة الكلام عليه54.

      وقد ذكر ابن عاشور رحمه الله أن «القسم بالتاء يختص بما يكون المقسم عليه أمرًا عجيبًا ومستغربًا، كما في قوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ) [الأنبياء: ٥٧]، فالإتيان في القسم هنا بحرف التاء مؤذن بأنهم يسألون سؤالًا عجيبًا بمقدار غرابة الجرم المسئول عنه»55.

      ومن أدوات القسم أيضًا: ايم وايمن، ولن نفصل فيهما؛ لأنهما لم يذكرا في القرآن الكريم.

      وهناك ألفاظ جارية مجرى القسم، قال أبو علي الفارسي: الألفاظ التي جرت في كلامهم مجرى القسم، حتى أجيبت بجوابه تستعمل على ضربين:

      أحدهما: أن يكون كسائر الأخبار التي ليست بقسم، فلا يجاب كما لا يجاب.

      والآخر: أن يجري مجرى القسم فيجاب كما يجاب القسم. فمما لم يجب بأجوبة القسم قوله: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الحديد: ٨].

      ومنه قوله: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [البقرة: ٦٣].

      فما جاء بعد من ذلك فيه ذكر الأول مما يجوز أن يكون حالًا احتمل ضربين: أحدهما: أن يكون حالًا، والآخر- أن يكون قسمًا، وإنما جاز أن تحمله على الحال دون جواب القسم؛ لأنه قد جاز أن يكون معرى من الجواب، وإذا جعلت ما يجوز أن يكون حالًا، فقد عريتها من الجواب. فمما يجوز أن يكون حالًا قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [البقرة: ٦٣].

      فقوله: () يجوز أن يكون حالًا وتريد فيه (قد). وإن شئت لم تقدر فيه الحال56.

      ومن القسم الظاهر قوله تعالى:

    • (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النساء: ٦٢].
    • (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الأنعام: ١٠٩].
    • (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [التوبة: ٤٢].
    • (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [التوبة: ٥٦].
    • (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النحل: ٣٨].
    • (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [النور: ٥٣].

      إلى غير ذلك، فهذا صرح فيه بلفظ القسم أو الحلف، وذكر المقسم به، وأداة القسم.

      أما ما حذف فيه فعل القسم -كما هو الغالب- اكتفاء بالجار من الباء أو الواو أو التاء، فهو أكثر من أن يحصى، ومنه:

    • (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النساء: ٦٥].
    • (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأنعام: ٣٠].
    • (ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [يونس: ٥٣].
    • (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [يوسف: ٧٣].
    • (ﭖ ﭗ ﭘ) [الحجر: ٩٢].
    • (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النحل: ٦٣].
    • (ﭳ ﭴ ﭵ) [مريم: ٦٨].
    • (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأنبياء: ٥٧].
    • (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [سبأ: ٣].
    • (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [يس: ١-٣].
    • (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ) [الصافات: ١- ٤].
    • (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الصافات: ٥٦].
    • (ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [ص: ١].
    • (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الزخرف: ٢-٣].
    • (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الدخان: ٢- ٣].
    • (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الأحقاف: ٣٤].
    • (ﭑﭒ ﭓ ﭔ) [ق: ١].
    • (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الذاريات: ١-٥].
    • (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [النجم: ١-٢].
    • (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [التغابن: ٧].
    • (ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [القلم: ١- ٢].
    • (ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [المرسلات: ١-٧].
    • (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الشمس: ١- ١٠].
    • (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الضحى: ١-٣].

      وأما القسم المضمر فهو كثير جدًا ويصعب حصره لأمرين: الأول: أنه من الكثرة بمكان بحيث يجعل حصره شاقًا. والثاني: أن هناك مواطن كثيرة فيها اختلاف هل هي قسم أو غير قسم، ولكن عند التأمل نجد أن من المواطن المتفق عليها المواطن التي ذكر فيها (لقد) و (لئن) وهي من أكثر المواطن ورودًا في القرآن الكريم، ومن ذلك:

    • (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [البقرة: ٦٥].
    • (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [آل عمران: ١٤٣].
    • (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [آل عمران: ١٨٦].
    • (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الأعراف: ١٠].
    • (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [يوسف: ٧].
    • (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [مريم: ٧١].
    • (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [طه: ١١٥].
    • (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الصافات: ١٧١].
    • (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [النجم: ١٣].
    • (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الحشر: ١٢].
    • (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [المنافقون: ٨].
    • (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [العلق: ١٥].

      ومن هذه الصيغ (لعمرك): (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الحجر: ٧٢].

      فكلمة () صيغة قسم، واللام الداخلة على لفظ: (عمر) لام القسم. و«العمر بفتح العين وسكون اللام أصله: لغة في العمر -بضم العين-، فخص المفتوح بصيغة القسم؛ لخفته بالفتح؛ لأن القسم كثير الدوران في الكلام. فهو قسم بحياة المخاطب به. وهو في الاستعمال إذا دخلت عليه لام القسم رفعوه على الابتداء محذوف الخبر وجوبًا. والتقدير: لعمرك قسمي» 57.

      وذكر الطاهر رحمه الله أن من صيغ القسم: (أشهد الله) فقال: «لفظ (أشهد الله) من صيغ القسم، إلا أنه إن لم يكن معه معنى الإشهاد يكون مجازًا مرسلًا، وإن كان معه معنى الإشهاد -كما هنا- يقصد آية النور (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [النور: ٨].

      فهو كناية عن القسم مراد منه معنى إشهاد الله عليهم، وبذلك يظهر موقع قوله: (ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) أي: أشهده عليكم. وقريب منه ما حكاه الله عن هود: (ﭚ ﭛ ﭜ) [هود: ٥٤]» 58

      دخول حرف النفي على القسم:

      وهو من صيغ القسم الواردة في القرآن، وقد ذكرت في القرآن تسع مرات:

    • (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النساء: ٦٥].
    • (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الواقعة: ٧٥].
    • (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الحاقة: ٣٨].
    • (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ) [المعارج: ٤٠].
    • (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮐ ﮑ ﮒ) [القيامة:١- ٢].
    • (ﮊ ﮋﮌ) [التكوير: ١٥].
    • (ﮫ ﮬ ﮭ) [الانشقاق: ١٦].
    • (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [البلد: ١].

      وقد اختلف العلماء فيها، هل هي قسم أم نفي للقسم، على قولين:

      الأول: أنها نفي للقسم. والمعنى: لا أقسم؛ إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم59 واعترض على هذا القول بأنه «يأباه تعيين المقسم به وتفخيم شأن القسم به»60.

      الثاني: أنها قسم، واختلف في توجيهها، فقيل: إن (لا) زائدة، وقيل: على بابها ونفى بها كلامًا تقدم منهم، كأنه قال: ليس الأمر كما قلتم من إنكار القيامة فـ () جواب لما حكي من جحدهم (البعث)؛ لأن القرآن يجري مجرى السورة الواحدة. قال الزركشي: وهذا أولى من دعوى الزيادة؛ لأنها تقتضي الإلغاء وكونها صدر الكلام يقتضي الاعتناء بها وهما متنافيان61.

      قال الطاهر رحمه الله: «() صيغة تحقيق قسم، وأصلها أنها امتناع من القسم امتناع تحرج من أن يحلف بالمقسم به خشية الحنث، فشاع استعمال ذلك في كل قسم يراد تحقيقه، واعتبر حرف (لا) في هذا القسم إبطالًا لكلام سابق وأن فعل: () بعدها مستأنف»62.

      وذهب بعضهم إلى أنها نفي لما بعد القسم، أتى بالنافي قبل القسم للإشعار ابتداء بأن جوابه منفي. ولكن هذا القول فيه تكلف، ورده ابن هشام رحمه الله في المغني، فقال: «ورد بقوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ) الآيات، فإن جوابه مثبت، وهو: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) ومثله: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) 63.

      وقيل: «هي مؤكدة تعطي في القسم مبالغةً ما، وهي كاستفتاح كلام شبهه في القسم، إلا في شائع الكلام القسم وغيره»64.

      وهذا القول يؤول إلى القول بزيادتها، وهو ضعيف؛ إذ القول بالزيادة فيه اختلاف كبير، والراجح: أنه لا يوجد في القرآن شيء يصح أن يسمى زائدًا، ثم إنه من القواعد المعمول بها عند العلماء أن التأسيس خير من التأكيد.

      وقيل: «إنها لام أشبعت فتحتها، فتولدت منها ألف فالمعنى: فلأقسم، ويؤيده قراءة الحسن وعيسى -رحمهما الله-: فلأقسم ورجحه أبو حيان»65.

      قلت: وما ذهب إليه الزركشي رحمه الله أولى؛ لأنه في سورة الواقعة قال بعده: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الواقعة: ٧٦].

      أركان القسم

      للقسم أركان أربعة: مقسم، ومقسم به، ومقسم عليه، وأداة القسم، وسوف نتناول كل ركن منها بالدراسة المفصلة فيما يأتي:

      أولًا: المقسم:

      بالنظر في القرآن الكريم نجد أن الأقسام المذكورة إما أن تكون صادرة من الله تعالى أو صادرة من غيره، والأقسام الصادرة عن غيره تعالى إما أن تكون صادرة من رسول من رسل الله عليهم السلام، وإما أن تكون صادرة من المؤمنين، وإما أن تكون صادرة عن الشهود، أو المتلاعنين، وإما أن تكون صادرة عن غير المؤمنين كالمشركين، والمنافقين، وإبليس.

      ومعظم أقسام القرآن صادرة من الله عز وجل ومن المقرر أن لله تعالى أن يقسم بما شاء على ما شاء، فأقسم بذاته المعظمة فقال سبحانه: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ) [النساء: ٦٥].

      وقال: (ﭖ ﭗ ﭘ) [الحجر: ٩٢].

      وقال: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [النحل: ٥٦].

      وقال: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [مريم: ٦٨].

      وقال: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الذاريات: ٢٣].

      وأقسم سبحانه بحياة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الحجر: ٧٢].

      وهناك قسم صادر من الرسل عليهم السلام، وهو إما أن يكون قسمًا صادرًا منهم ابتداءً أو يكونوا أمروا من الله تعالى بالقسم، فمن الأول قسم آدم عليه السلام وزوجه: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الأعراف: ١٨٩].

      وقول الخليل عليه السلام لقومه: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الأنبياء: ٥٤].

      وقسمه لهم أيضًا: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأنبياء: ٥٧].

      وقسمه عندما غاب القمر: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأنعام: ٧٧].

      وقول موسى عليه السلام لفرعون: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الإسراء: ١٠٢].

      وقول موسى لفتاه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الكهف: ٦٢].

      وقوله للخضر: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الكهف: ٧١].

      وقوله له: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [الكهف: ٧٤].

      وقسم داود عليه السلام لأحد الخصمين في القضية المشهورة: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [ص: ٢٤].

      ومن الثاني:

    • (ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [يونس: ٥٣].
    • (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [سبأ: ٣].
    • (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [التغابن: ٧].

      ومن قسم المؤمنين قسم ابن آدم لأخيه: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المائدة: ٢٨].

      وقسم إخوة يوسف عليه السلام:

    • (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [يوسف: ١٤].
    • (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [يوسف: ٧٣].
    • (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [يوسف: ٨٥].
    • ( ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [يوسف: ٩١].
    • (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [يوسف: ٩٥].

      وقسم بني إسرائيل: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الأعراف: ١٤٩].

      وقسم الذي دخل الجنة ودخل صاحبه النار: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الصافات: ٥٦].

      وقسم أصحاب الكهف: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الكهف: ١٤].

      وقسم المؤمنين في الآخرة: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الروم: ٥٦].

      ومن قسم الكفار قولهم وهم في النار: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [الشعراء: ٩٧-٩٨].

      وقولهم عند الحساب -كما حكى القرآن الكريم-:

    • (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الأنعام: ٢٢- ٢٣].
    • (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأنعام: ٣٠].
    • (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الأحقاف: ٣٤].

      وقسم الظالم: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الفرقان: ٢٩].

      ومن قسمهم في الدنيا:

    • (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الأنعام: ١٠٩].
    • (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [النحل: ٣٨].
    • (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [النور: ٥٣].
    • (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [فاطر: ٤٢].
    • (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المؤمنون: ٨٢- ٨٣].
    • (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [النمل: ٦٨].

      وقسمهم عند الشدائد على أنهم سيشكرون الله عندما ينجيهم: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الأنعام: ٦٣].

      وقسم قوم إبراهيم عليه السلام له: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأنبياء: ٦٥].

      وقسم أبيه له (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ) [مريم: ٤٦].

      وقسم قوم شعيب عليه السلام: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الأعراف: ٩٠].

      وقسم قوم لوط عليه السلام له: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الشعراء: ١٦٧].

      وقسم امرأة العزيز: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [يوسف: ٣٢].

      وقسم قوم فرعون لموسى: عليه السلام (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأعراف: ١٣٤].

      وقسم فرعون لموسى عليه السلام: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الشعراء: ٢٩].

      وقسم السحرة: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الشعراء: ٤٤].

      وقسم اليهود للسيدة مريم عليها السلام: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [مريم: ٢٧].

      ومن قسمهم قسم الرهط التسعة من قوم صالح: عليه السلام (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النمل: ٤٩].

      وقسم صاحب الجنتين: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الكهف: ٣٦].

      ومن قسم الشهود قوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [المائدة: ١٠٦-١٠٧].

      ومن قسم الشهود كذلك قسم المتلاعنين، إذ أقيمت أيمانهم مكان الشهادة: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [النور: ٦-٩].

      ومن قسم المنافقين ما حكاه الله تعالى عنهم عندما تحل بهم مصيبة: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النساء: ٦٢].

      وقسمهم: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ) [التوبة: ٧٥].

      وقسمهم عند تخلفهم عن غزوة تبوك: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [التوبة: ٤٢].

      (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [التوبة: ٩٥].

      وحلفهم الذي ذكره المولى سبحانه: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [التوبة: ٥٦].

      وقسمهم ليهود المدينة: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الحشر: ١٢].

      وحلفهم طلبًا لإرضاء المؤمنين: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [التوبة: ٦٢].

      (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ) [التوبة: ٧٤].

      وقسم الشيطان، فقد أقسم على إغواء بني آدم: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [الحجر: ٣٩].

      (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ) [الإسراء: ٦٢].

      (ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ) [ص: ٨٢].

      وحلفهم في غزوة بني المصطلق: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [المنافقين: ٨].

      ثانيًا: المقسم به:

      وأما الركن الثاني من أركان القسم فهو المقسم به، وهو الذي تدخل عليه أداة القسم، وهو المعظم الذي نحلف به؛ لتوكيد الكلام، قد ورد النهي عن الحلف بغير الله في قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت)66.

      وقوله: (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت)67.

      قال العلماء: «السر في النهي عن الحلف بغير الله، أن الحلف بشيءٍ يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، وظاهر الحديث، تخصيص الحلف بالله خاصةً، لكن قد اتفق الفقهاء: على أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية. واختلفوا في انعقادها ببعض الصفات، وكان المراد بقوله: بالله الذات لا خصوص لفظ الله، وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها، وهل المنع للتحريم، قولان عند المالكية، كذا قال ابن دقيق العيد، والمشهور عندهم الكراهة، والخلاف أيضًا عند الحنابلة، لكن المشهور عندهم التحريم، وبه جزم الظاهرية وجمهور أصحابه على أنه للتنزيه»68.

      وهذا النهي خاص بالبشر، وأما الله تعالى فله أن يقسم بما شاء على ما يشاء، لذلك نجده سبحانه أقسم بما يلي:

      أقسم بذاته العلية.

      أقسم بصفاته وأقسم بالقرآن الكريم.

      أقسم بمخلوقاته.

      فأقسم بحياة نبينا صلى الله عليه وسلم وأقسم بالشمس والقمر والنجم والسماء والأرض والملائكة والنفس وبيوم القيامة، وبالقارعة، وبالرياح، (ﯤ ﯥ) [الذاريات: ١].

      وبالبحر وبالقلم وبالحاقة، وبالخيل، وأقسم بالأمكنة (بالبيت المعمور، وطور سيناء، ومكة) وأقسم بالأزمنة (بالليل والنهار، وبالفجر والليالي العشر، والشفع والوتر، والضحى والعصر).

      وقد اختلف العلماء في القسم بهذه الأشياء، فقيل: أقسم بها؛ للتنبيه على عظمها وعظمة خالقها، وقيل: على تقدير حذف مضاف، كأنه قال: أقسم برب هذه الأشياء، فإذا قال () فيقدر: ورب النجم، وإذا قال () يقدر: ورب الطور، وإذا قال: () يقدر: ورب الشمس.

      فيتفرع ثلاثة أقوال:

      أحدها: أن المقسم به خالق هذه الأشياء؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله تعالى؛ ولأن الحلف في مثل هذا الموضع تعظيم للمحلوف به، ومثل هذا التعظيم لا يليق إلا بالله تعالى، ففي ذلك إضمارٌ تقديره: ورب الصافات ورب الزاجرات ورب التاليات، ومما يؤيد هذا أنه تعالى صرح به في قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الشمس: ٥: ٧].

      الثاني: «-وعليه الأكثرون- أن المقسم به هذه الأشياء، لظاهر اللفظ فالعدول عنه خلاف الدليل، وأما النهي عن الحلف بغير الله تعالى فهو نهي للمخلوق عن ذلك، وأما قوله تعالى: (ﭡ ﭢ) فإنه علق لفظ القسم بالسماء، ثم عطف عليه القسم بالباني للسماء، ولو كان المراد بالقسم بالسماء القسم بمن بنى السماء لزم التكرار في موضع واحد، وهو لا يجوز، و أيضًا لا يبعد أن تكون الحكمة في قسم الله تعالى بهذه الأشياء، التنبيه على شرف ذواتها»69.

      الثالث: أن العرب كانت تعظم هذه الأشياء وتقسم بها، فنزل القرآن على ما يعرفونه70.

      والراجح: القول الثاني، وهو مع ذلك ليس يبعد عن الأول؛ إذ إن الله سبحانه وتعالى كما يقول ابن القيم: «يقسم بأمور على أمور، وإنما يقسم بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته، أو بآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته، فالقسم إما على جملة خبرية وهو الغالب كقوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الذاريات: ٢٣].

      وإما على جملة طلبية كقوله: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الحجر: ٩٢-٩٣].

      مع أن هذا القسم قد يراد به تحقيق المقسم عليه، فيكون من باب الخبر، وقد يراد به تحقيق القسم، فالمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه، فلا بد أن يكون مما يحسن فيه، وذلك كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها، فأما الأمور المشهورة الظاهرة كالشمس والقمر والليل والنهار والسماء والأرض فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها، وما أقسم عليه الرب فهو من آياته فيجوز أن يكون مقسمًا به ولا ينعكس71.

      وعلى أية حال فـ «المقصود من القسم التنبيه على جلالة المقسم به»72.

      قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله: «وما به سبحانه من حاجة إلى القسم، ولكن هذا القسم منه -جل جلاله- بالقرآن وحروفه، يخلع على المقسم به عظمة وجلالًا، فما يقسم الله سبحانه إلا بأمر عظيم، يرتفع إلى درجة القسم به واليمين»73.

      وأما بالنسبة لإبليس فقد أقسم بعزة الله، قد أقسم على إغواء بني آدم: (ﰖ ﰗ ﰘ ) [ص: ٨٢].

      وأقسم بإغواء الله تعالى إياه: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأعراف: ١٦].

      (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ) [الحجر: ٣٩].

      فقد قال بعض العلماء: «هذا قسمٌ من إبليس بإغواء الله له على أنه يغوي بني آدم إلا عباد الله المخلصين»74 «وإقسامه بعزة الله المفسرة بسلطانه وقهره لا ينافي إقسامه بهذا، فإنه فرعٌ من فروعها وأثرٌ من آثارها، فلعله أقسم بهما جميعًا فحكي تارة قسمه بهذا وأخرى بذاك»75.

      والفرق بينهما أن العزة صفة ذات والإغواء صفة فعل، «والفقهاء قالوا: القسم بصفات الذات صحيح، أما بصفات الأفعال فقد اختلفوا فيه»76.

      وعلى أية حال فلا إشكال في الآية؛ وذلك لأن هذا القسم صادر من إبليس وليس فعله تشريعًا، ثم إن بعض العلماء ذهب إلى أن الباء للسببية، والمعنى: بسبب إغوائك إياي.

      ثم إن الكفار مع أنهم لا يلتزمون بمنهج إلا أن ما حكاه المولى عز وجل عنهم إما قسم بالله تعالى وإما قسم حذف المقسم به إلا ما حكاه عن سحرة فرعون من حلفهم بعزة اللعين فرعون: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الشعراء: ٤٤].

      العطف على المقسم به:

      تكرر في القرآن الكريم العطف على المقسم به، قال أبو حيان رحمه الله: «والذي يظهر أن ما عطف بالفاء هو من وصف المقسم به قبل الفاء، وأن المعطوف بالواو وهو مغاير لما قبله، على أنه يحتمل أن يكون المعطوف بالواو ومن عطف الصفات بعضها على بعض»77.

      وبناءً على ذلك فإن العلماء قالوا: إنه قسم واحد بأشياء متعددة، أو بشيء واحد ذي صفات متعددة، نص المفسرون على ذلك، قال ابن عاشور عند تفسير سورة الصافات: «والمقسم به نوع واحد مختلف الأصناف، وهو طوائف من الملائكة كما يقتضيه قوله: (ﭗ ﭘ)»78.

      وذهب بعضهم مذهبًا آخر وهو أنه «إذا كان المدلول متغايرًا، فتكون أقسامًا متعاقبة. وإذا كان غير متغاير، فهو قسم واحد، وهو من عطف الصفات»79.

      ولعله يقصد بكونها أقسامًا متعاقبة كون كل واحد منها مقسمًا به، ولا يقصد أن لكل واحد منها جوابًا.

      ثالثًا: المقسم عليه:

      المقسم عليه هو جملة جواب القسم، وقد يحذف هذا الجواب إما للعلم به، وهذا قليل؛ نظرًا لأن المقصود الرئيس من القسم هو توكيد المقسم عليه، والذي يسوغ حذفه كون المقسم به والمقسم عليه شيئا واحدا ومنه قوله تعالى: (ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [ص: ١].

      «وهو هذا القرآن، الموصوف بهذا الوصف الجليل، فإذا كان القرآن بهذا الوصف، علم ضرورة العباد إليه، فوق كل ضرورة، وكان الواجب عليهم تلقيه بالإيمان والتصديق، والإقبال على استخراج ما يتذكر به منه»80.

      ثم إننا بالنظر نجد أن الموضوعات المقسم عليها في القرآن موضوعات كثيرة أهمها:

      أصول الإيمان من التوحيد، كما في قوله: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ) [الصافات: ١- ٥].

      فقد أقسم بالملائكة حين تصف نفسها، وحين تزجر الريح وحين تتلوا القرآن على أن إله هذا الكون إله واحد.

      والرسالة وما يتعلق بها، فأقسم على نفي الجنون عن نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [القلم: ١- ٢].

      وذلك لمقابلة تأكيدات الكفار الكثيرة على أن الرسول مجنون، ومن ذلك قولهم: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الحجر: ٦].

      وأقسم على أنه أرسل رسلًا كثيرين، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [غافر: ٧٨].

      وأقسم على بعثة رسل بأعيانهم، فقال:

    • (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [هود: ٢٥].
    • (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ) [هود: ٩٦].
    • (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [النمل: ٤٥].
    • (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الحديد: ٢٦].

      البعث واليوم الآخر وما يتعلق به، فأقسم على أنه سبحانه سيسأل جميع الناس، فقال سبحانه: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الذاريات: ١- ٦].

      فأقسم بالرياح التي تذرو التراب، وتحمل السحاب، وبالسفن التي تجري في البحار بسهولة ويسر، وبالملائكة على أن ما وعدوا به من البعث والحساب واقع لا محالة. وقال: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [الأعراف: ٦].

      (ﭖ ﭗ ﭘ) [الحجر: ٩٢].

      فأقسم أن الجميع سيسأل عن أعماله؛ ليجازى عليها. ثم أقسم في آية أخرى على نزول العذاب بالكافرين لا محالة في الآخرة: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الطور: ١- ٨].

      فأقسم بجبل الطور الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام وباللوح المحفوظ وبالبيت المعمور الذي هو في السماء السابعة حيال الكعبة، وبالسماء التي هي كالسقف فوقنا وبالبحر المملوء على أن عذابه واقع لا محالة، لا يدفعه دافع ولا يمنعه ممانع.

      وقريب من هذا القسم أول سورة المرسلات والنازعات.

      والكتب الإلهية من القرآن الكريم، كما في قوله: ( ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الزخرف: ١: ٣].

      فقد أقسم بالكتاب المبين، وهو القرآن الكريم على أن القرآن نزل عربيًا؛ ليتعقله العرب الذين نزل عليهم «وفي جعل المقسم به -القرآن- بوصف كونه مبينًا، وجعل جواب القسم أن الله جعله مبينًا، تنويه خاص بالقرآن؛ إذ جعل المقسم به هو المقسم عليه، وهذا ضرب عزيز بديع؛ لأنه يومئ إلى أن المقسم على شأنه بلغ غاية الشرف، فإذا أراد المقسم أن يقسم على ثبوت شرف له لم يجد ما هو أولى بالقسم به؛ للتناسب بين القسم والمقسم عليه»81.

      وأقسم على أن القرآن وحي من عنده تعالى فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [النجم: ١- ٤].

      وقال: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [البقرة: ٩٩].

      وأقسم على إيتاء التوراة لموسى عليه السلام: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [البقرة: ٨٧].

      (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [المؤمنون: ٤٩].

      وأقسم على أنه أعطى آل إبراهيم الكتاب، فقال: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النساء: ٥٤].

      وفي مجال الجهاد أقسم على نصرته للمؤمنين، ومن ذلك: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النور: ٥٥].

      (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [غافر: ٥١].

      (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الصافات: ١٧١- ١٧٣].

      وأقسم على أن المنافقين لا ينصرون أهل الكتاب ولو حاولوا ذلك لما استطاعوا: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ) [الحشر: ١٢- ١٣].

      وأقسم على خلق الإنس والجن:

    • (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الحجر: ٢٦، ٢٧].
    • (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [المؤمنون: ١٢].
    • (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [ق: ١٦].
    • (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [التين: ١: ٥].

      وأقسم على اختلاف عمل الناس: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الليل: ١- ٤].

      وأقسم على نفي الإيمان عن من لم يحكم رسوله صلى الله عليه وسلم أو حكمه ولم يرض بحكمه: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [النساء: ٦٥].

      وأقسم على كفران الإنسان لنعمة ربه وحبه للمال، فقال: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [العاديات: ١- ٨].

      فأقسم بالخيل، أو بـ«رواحل الحجيج، فإن إثارة النقع يشعرون بها عند الوصول حين تقف الخيل والإبل دفعة، فتثير أرجلها نقعًا شديدًا فيما بينهما، وحينئذ تتوسطن الجمع من الناس»82. على أن الإنسان شديد الكفران لنعم ربه، وسوف يشهد على نفسه بذلك يوم القيامة، وما ذلك إلا لحبه الشديد للمال الكثير.

      يقول ابن القيم رحمه الله: «وهو سبحانه وتعالى يقسم على أصول الإيمان التي تجب على الخلق معرفتها، وتارة يقسم على التوحيد، وتارة يقسم على أن القرآن حق، وتارة على أن الرسول حق، وتارة على الجزاء والوعد والوعيد، وتارة يقسم على حال الإنسان»83.

      «والقسم إما على جملة خبرية -وهو الغالب- كقوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ) [الذاريات: ٢٣].

      وإما على جملة طلبية في المعنى كقوله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الحجر: ٩٢- ٩٣]؛ لأن المراد التهديد والوعيد»84.

      اتحاد المقسم به وجواب القسم:

      «وفي جعل المقسم به القرآن بوصف كونه مبينًا، وجعل جواب القسم أن الله جعله مبينًا، تنويه خاص بالقرآن إذ جعل المقسم به هو المقسم عليه، وهذا ضرب عزيز بديع؛ لأنه يومىء إلى أن المقسم على شأنه بلغ غاية الشرف فإذا أراد المقسم أن يقسم على ثبوت شرف له لم يجد ما هو أولى بالقسم به؛ للتناسب بين القسم والمقسم عليه»85.

      أغراض القسم في القرآن

      القسم من أقوى مؤكدات الجملة، وذلك أن الخبر -كما يقول البلاغيون- ينقسم باعتبار حال المخاطب إلى ابتدائي؛ يساق مجردًا عن المؤكدات لخالي الذهن، وطلبي؛ يؤكد بمؤكد واحد يساق للمتردد، وإنكاري؛ يؤكد بأكثر من مؤكد، يساق للمنكر، وتكثر المؤكدات حسب درجة الإنكار، والقسم من أقوى ما يؤكد به الكلام86.

      إذًا فالغرض الرئيس للقسم هو توكيد الخبر وتحقيقه، حتى يكون أوقع في النفس، وأقرب للقبول، وأبعد عن الشك، وهناك أغراض متفرعة عن هذا الغرض الرئيس، منها:

    1. تأكيد الخبر وتقريره، وذلك أن المقسم عليه كثيرًا ما يكون من الأمور الخفية الغائبة، فيقسم عليها لإثباتها، مثل إثبات الألوهية وإثبات البعث والحساب، فيأتي القسم؛ ليزيل ما عسى أن يعتري النفوس من شكوك، ويزيل الشبهات، ويقيم الحجة، ويقرر الحكم في أكمل صورة.
    2. بيان شرف المقسم به، وعلو قدره؛ حتى يعرف الناس مكانته عند الله ورفعة منزلته لديه، كالقسم بحياة نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الحجر: ٧٢]. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: «ما خلق الله نفسًا أكرم على الله من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره فقال: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)» 87. قال ابن العربي رحمه الله: «وهذا كلامٌ صحيحٌ، ولا أدري ما الذي أخرجهم عن ذكر لوطٍ إلى ذكر محمدٍ، وما الذي يمنع أن يقسم الله بحياة لوطٍ، ويبلغ به من التشريف ما شاء؛ فكل ما يعطي الله للوطٍ من فضلٍ ويؤتيه من شرفٍ فلمحمدٍ ضعفاه؛ لأنه أكرم على الله منه. أو لا تراه قد أعطى لإبراهيم الخلة، ولموسى التكليم، وأعطى ذلك لمحمدٍ، فإذا أقسم الله بحياة لوطٍ فحياة محمدٍ أرفع، ولا يخرج من كلامٍ إلى كلامٍ آخر غيره لم يجر له ذكرٌ لغير ضرورةٍ»88. وكالقسم بالقرآن الكريم: (ﭑﭒ ﭓ ﭔ) [ق: ١].
    3. توجيه النظر إلى الآيات الكونية؛ للتوصل منها إلى خالقها، والتأمل فيها تأملًا يبين مبلغ نعمتها، وأنها غير جديرة بالعبادة، وإنما الجدير بالعبادة هو خالقها، و«لفتٌ إلى وجوب التأمل في تلك المخلوقات، يستلهم منها الدلالة على قدرة خالقها، والاستدلال على تغير الأزمان، وحركة الأفلاك، وإحداث السماء بالبناء؛ أنه لا بد لهذا العالم من صانعٍ، ولا بد للمحدث المتجدد من فناءٍ وعدمٍ»89. ونقل السيوطي رحمه الله عن أبي القاسم القشيري رحمه الله قوله: «القسم بالشيء لا يخرج عن وجهين: إما لفضيلة، أو لمنفعة. فالفضيلة، كقوله تعالى: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [التين: ٢- ٣]. والمنفعة كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ) [التين: ١]» 90.
    4. إثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ العرب كانت تعتقد أن الأيمان الكاذبة تدع الديار بلاقع، وأنها تضر صاحبها. وقد كان إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الحلف بأمر الله تعالى، مثل قوله تعالى: (ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [يونس: ٥٣]. ومع قسمه صلى الله عليه وسلم لم يصب بسوء، بل ارتفع شأنه وعلا ذكره، فكان دليلا على صدقه.
    5. إبراز المعقول في صورة المحسوس، وذلك أن الأمر المعقول إذا صور في شيء حسي، فإن العقل يستوعبه، أكثر ما لو كان مجردًا عن الحس، ومثله تشبيه الوحي بالضحى في رائعة النهار، وتشبيه الباطل بالليل، وانتصار الحق بالنهار، إشارة إلى أن الليل البهيم، لابد وأن يعقبه صبح مشرق بهيج، يبدد ظلامه وظلماته، وكذلك ظلام الشرك والجهل، لابد وأن يعقبه نور الحق واليقين.
    6. تصحيح العقائد الباطلة، فالقسم بالنجم إذا هوى، وبالكواكب، وبالشمس، والقمر، فيه رد على من اعتقد أنها آلهة، وأن لها تصرفًا في العالم السفلي.
    7. لفت الأنظار إلى أحداث بارزة، كان لها أكبر الأثر في تاريخ البشر، وذلك الغرض يظهر في القسم بالأمكنة مثل (الطور)، فالقسم به فيه إشارة إلى ما كان عند ذلك الجبل من الآيات التي ظهرت لموسى91.

      كفارة القسم

      تقدم القول بأن اليمين ثلاثة أنواع:

    1. لغو.
    2. منعقدة.
    3. غموس.

      فاللغو لا كفارة فيها باتفاق، كما قال المولى سبحانه: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [البقرة: ٢٢٥].

      وقال: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المائدة: ٨٩].

      وأما اليمين المنعقدة فيخرج من عهدتها بواحدٍ من ثلاثة أشياء:

      «الأول: إبرارها بفعل ما حلف عليه.

      الثاني: الكفارة، وهي جائزةٌ قبل الحنث وبعده على التحقيق.

      الثالث: الاستثناء بنحو إن شاء الله»92.

      واليمين المنعقدة فيها الكفارة باتفاق؛ لنص الآية الكريمة: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [المائدة: ٨٩].

      وهي بنص الآية الكريمة إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فإن تعذر واحد من هذه الثلاثة انتقل إلى صيام ثلاثة أيام، فهي مخيرة ابتداءً مرتبة انتهاءً.

      ولا خلاف في أن كفارة اليمين على التخيير، قال ابن العربي: «ذكر الله عز وجل في الكتاب الخلال الثلاث مخيرًا فيها، وعقب عند عدمها بالصيام فالخلة الأولى هي الإطعام، وبدأ بها؛ لأنها كانت الأفضل في بلاد الحجاز لغلبة الحاجة فيها على الخلق، وعدم شبعهم.

      ولا خلاف في أن كفارة اليمين على التخيير؛ وإنما اختلفوا في الأفضل من خلالها، وعندي أنها تكون بحسب الحال؛ فإن علمت محتاجًا فالإطعام أفضل؛ لأنك إذا أعتقت لم ترفع حاجتهم وزدت محتاجًا حادي عشر إليهم، وكذلك الكسوة تليه، ولما علم الله غلبة الحاجة بدأ بالمهم المقدم»93.

      والحكمة من تقديم الإطعام على العتق مع أن العتق أفضل:

      أولًا: أن المقصود منه التنبيه على أن هذه الكفارة وجبت على التخيير لا على الترتيب؛ لأنها لو وجبت على الترتيب لوجبت البداية بالأغلظ.

      ثانيًا: قدم الإطعام؛ لأنه أسهل، ولكون الطعام أعم وجودًا، والمقصود منه التنبيه على أنه تعالى يراعي التخفيف والتسهيل في التكاليف.

      ثالثًا: أن الإطعام أفضل؛ لأن الحر الفقير قد لا يجد طعامًا، ولا يكون هناك من يعطيه الطعام، فيقع في الضر.

      وأما العبد فيجب على مولاه إطعامه وكسوته94.

      واختلف الفقهاء في مقدار الإطعام، وربما تفاوت بتفاوت الأزمنة والأمكنة والأشخاص، والمراعى في ذلك أن يطعم عشرة مساكين طعامًا كافيًا من متوسط ما يطعمه أهله، وذلك يختلف من زمان لآخر ومن مكان لآخر ومن شخص لآخر.

      ويقال في الكسوة ما قيل في الإطعام.

      والإطعام يكون لمن توافرت فيه أوصاف خمسة هي:

    1. أن يكونوا مساكين، فلا يدفع إلى غيرهم؛ لأن الله تعالى أمر بإطعام المساكين، وخصهم بذلك.
    2. أن يكونوا أحرارًا، فلا يجزئ دفعه إلى عبد ومكاتب.
    3. أن يكونوا مسلمين، فلا يجوز عند الجمهور صرفه إلى كافر، ذميًا كان أو حربيًا. وأجاز الحنفية دفعه إلى الذمي؛ لدخوله في اسم المساكين، فيدخل في عموم الآية.
    4. أن يكونوا قد أكلوا الطعام في رأي الحنابلة والمالكية، فلا يجوز دفعه لطفل لم يطعم. وأجاز الحنفية والشافعية دفعه إلى الصغير الذي لم يطعم، ويقبضه عنه وليه. ويجوز بالاتفاق للمكفر أن يعطي من أقاربه من يجوز أن يعطيه من زكاة ماله. وكل من يمنع الزكاة من كالغني والكافر والرقيق يمنع أخذ الكفارة. إلا أن الحنفية أجازوا دفعها لذمي.
    5. أن يوزع الطعام على عشرة مساكين فعلًا، فلو أطعم واحدًا طعام عشرة لم يجزئه باتفاق الفقهاء، واختلفوا فيما لو أطعم واحدًا عشرة أيام، على النحو السابق بيانه95.

      وأما الكسوة، فلا تجوز إلا على سبيل التمليك؛ لأن الكسوة للوقاية من الحر والبرد، وهذه الحاجة لا تتحقق إلا بالتمليك، بخلاف الإطعام، فإنه لدفع الجوع، وهو يحصل بتناول الطعام، وتكون الكسوة للمساكين كالإطعام.

      وأما قدر الكسوة: فاختلف فيه، فقال الحنفية: أدنى الكسوة ما يستر عامة البدن.

      وقال الحنابلة: تتقدر الكسوة بما تجزئ الصلاة فيه؛ فإن كان رجلًا كساه ثوبًا تجزئ الصلاة فيه، وإن كانت امرأة كساها قميصًا وخمارًا؛ لأن الكسوة إحدى خصال الكفارة، فلم يجز فيها أدنى ما يطلق عليه اسم الكسوة؛ ولأن اللابس حينما لا يستر العورة يسمى عريانًا لا مكتسيًا.

      وقال المالكية: أقل ذلك للرجل ثوب يستر جميع جسده، وللمرأة ما يجوز لها فيه الصلاة، وذلك ثوب وخمار.

      وقال الشافعية: «يجزئ أقل ما يطلق عليه اسم الكسوة من إزار أو رداء أو جبة أو قميص أو ملحفة؛ لأنه يقع عليه اسم الكسوة؛ ولأن الله تعالى لم يذكر في الكسوة تقديرًا، فكل ما يسمى لابسه مكتسيًا يجزئ»96.

      وبالنسبة للرقبة ففيها الخلاف المشهور، وهو أنه هل يشترط الإيمان أم يجزئ أي رقبة؟

      وذلك مبني على الخلاف في حمل المطلق على المقيد، فقد أطلقت الرقبة هنا وقيدت بالإيمان في كفارة القتل الخطأ، فمن قال بحمل المطلق هنا على المقيد هناك اشترط الإيمان، ومن لم يحمل المطلق هنا على المقيد هناك ذهب إلى عدم اشتراط الإيمان.

      قال الشوكاني رحمه الله: «والظاهر أنه لا وجه للقول بالتقييد؛ لأن ذنب كفارة القتل مغلظ وذنب كفارة اليمين مخفف، ولا يقيد ما هو مخفف بما هو مغلظ، فإنه اختلاف يوجب بقاء المطلق على إطلاقه، ولا سيما مع اختلاف السبب، فإنه بمجرده مانع من التقييد»97.

      وبحث مثل هذه المسألة قليل الجدوى في زماننا هذا نظرًا لعدم وجود الرقيق، فلا نطيل فيها.

      «واختلفوا في وجوب التتابع في هذا الصوم: فذهب جماعةٌ إلى أنه لا يجب فيه التتابع بل إن شاء تابع وإن شاء فرق، والتتابع أفضل وهو أحد قولي الشافعي، وذهب قومٌ إلى أنه يجب فيه التتابع قياسًا على كفارة القتل والظهار، وهو قول الثوري وأبي حنيفة، ويدل عليه قراءة ابن مسعودٍ رضي الله عنه: صيام ثلاثة أيامٍ متتابعاتٍ»98.

      وأما اليمين الغموس وهو أن يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كذاب وهي التي في قوله: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [المائدة: ٨٩]99.

      واختلفوا فيها، فقال مالك، وجماعة: لا تكفر، وهي أعظم ذنبًا من ذلك. وقال عطاء، وقتادة، والربيع، والشافعي: «تكفر، والكفارة مؤاخذة»100.

      والخلاف فيها نشأ من أنها فيها شبه بالمنعقدة وشبه باللغو.

      فأما شبهها بالمنعقدة، فهو أن القلب عقد عليها، وأصر على فعلها، فهي من كسبه، وعلى ذلك فتدخل ضمن المؤاخذ عليها.

      وأما شبهها باللغو، فهو أنها لم ينص على أن فيها كفارة.

      فمن نظر إلى الأول حكم بالكفارة عليها.

      ومن نظر إلى الثاني حكم بالثاني.

      وقد حل ابن العربي هذا الإشكال، فقال: «وجه إشكالها أنها إن كانت لا كفارة فيها فهي في قسم اللغو، فلا تقع فيها مؤاخذةٌ، وإن كانت مما يؤاخذ بها فهي في قسم المنعقدة، تلزم فيها الكفارة.

      وحله طويلٌ؛ اختصاره أن الآية وردت بقسمين: لغوٌ، ومنعقدةٌ خرجت على الغالب في أيمان الناس؛ فأما اليمين الغموس فلا يرضى بها ذو دينٍ أو مروءةٍ، ويحل الإشكال أيضًا أن الله سبحانه علق الكفارة على قسمي اليمين المنعقدة، فدع ما بعدها يكون مائة قسمٍ فإنه لم تعلق عليه كفارةٌ.

      فإن قيل: اليمين الغموس منعقدةٌ، والدليل عليه أنها مكتسبةٌ بالقلب، معقودةٌ بخبرٍ، مقرونةٌ باسم الله تعالى. قلنا: عقد القلب إنما يكون عقدًا إذا تصور حله، واليمين الغموس مكرٌ وخديعةٌ. والدليل عليه أن هذا الذي صوره أصحاب الشافعي موجودٌ في يمين الاستثناء، ولا كفارة فيها؛ فثبت أن مجرد القصد لا يكفي في الكفارة»101.

      موضوعات ذات صلة:

      الكفارات، الوفاء


1 مقاييس اللغة ٥/٨٦.

2 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ٢/٢٤٢، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٤٧٨.

3 أحكام القرآن، ابن العربي ٣/٢١٦.

4 مباحث في علوم القرآن، مناع القطان ص٣٠١.

5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٥٤٥.

6 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/٣٨٦.

7 مقاييس اللغة ٢/٧٨.

8 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص١٤٦.

9 الفروق اللغوية، العسكري ص٤٢٩.

10 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/٢٢٢١.

11 الكليات، الكفوي ص٩٨٥.

12 مقاييس اللغة ٦/٦٣.

13 أحكام القرآن، الجصاص ١/٤٧.

14 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١٠/١٦٧.

15 مغني اللبيب، ابن هشام ص٥٣٢.

16 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/١٠٨.

17 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص١٤٨.

18 انظر: المصباح المنير، الفيومي ص٣٢٠.

19 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٣٢٩.

20 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ١/١٧٧.

21 الكليات، الكفوي ص٢٠١.

22 المحرر الوجيز: ١/٣٠٢ بتصرف.

23 المصدر السابق بتصرف.

24 المفردات ٢/٣٤٠.

25 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب، الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، ٣/٢٠١، رقم ٢٠٤٥، الحاكم في المستدرك، كتاب الطلاق، ٢/٢١٦ رقم ٢٨٠١.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

26 البحر المحيط ٢/١٩٠.

27 الكشاف، الزمخشري ١/٧٠٥.

28 زهرة التفاسير ٢/٧٤٦.

29 البحر المحيط، أبو حيان ٢/١٩١.

30 أحكام القرآن، ابن العربي ٣/٢١٢.

31 انظر: سلسلة التفسير، مصطفى العدوي ٥٠/٤.

32 انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي ٤/١٨.

33 انظر: المصدر السابق ٤/١.

34 أنيس الفقهاء، القونوي ص ١٧٢.

35 الفائق ٣/٧٦

36 تهذيب اللغة، الأزهري ٨/٧٢.

37 البحر المحيط، أبو حيان ٢/١٩١.

38 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب اليمين الغموس، ٦/٢٤٥٧، رقم ٦٢٩٨.

39 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة، ٦/٢٥٣٥، رقم ٦٥٢٢.

40 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار، ١/١٢٢، رقم ٢٢٠.

41 أخرجه ابن حبان في صححيه، كتاب الحظر والإباحة، ١٢/٣٧٤، رقم ٥٥٦٣.

42 أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الأيمان والنذور، ٤/٣٢٩، رقم ٧٨٠٩، والبيهقي في السنن الكبرى، ١٠/٣٨ رقم ١٩٦٦٨.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه فقد اتفقا على سند قول الصحابي. ولم يتعقبه الذهبي.

43 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ١٨/١٢٥، رقم ٢٥٦.

44 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٢٤٧، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٥٥.

45 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٨/١٨.

46 تفسير ابن عرفة ٢/٥٢٣.

47 صبح الأعشى، القلقشندي ١٣/٢٠٩.

48 انظر: مباحث في علوم القرآن، القطان ص ٣٠٤.

49 انظر: البرهان في علوم القرآن، الزركشي ٣/٤٣، الإتقان في علوم القرآن، السيوطي ٤/٥٥.

50 المخصص ٤/٧١.

51 همع الهوامع، السيوطي ٢/٤٧٧.

52 المخصص، ابن سيده ٤/٧١.

53 انظر: همع الهوامع، السيوطي ٢/١٧٩.

54 انظر: البرهان في علوم القرآن ٣/٤٣.

55 انظر: التحرير والتنوير ١٣/١٤٦.

56 الحجة للقراء السبعة، أبو علي الفارسي ٢/١٢١.

57 التحرير والتنوير ١٣/٥٤.

58 المصدر السابق ٦/٤٦.

59 أنوار التنزيل، البغوي ٥/٢٩٢.

60 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/١٩٩.

61 انظر: البرهان في علوم القرآن، الزركشي ٤/٣٥٩.

62 التحرير والتنوير ٢٩/١٣٠.

63 مغني اللبيب ص ٣٢٩.

64 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٢٥٠.

65 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٨/٢١٢.

66 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب كيف يستحلف؟: ٢/٩٥١، رقم ٢٥٣٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى، رقم ١٦٤٦.

67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب لا تحلفوا بآبائكم، ٦/٢٤٤٩، رقم ٦٢٧٠.

68 فتح الباري، ابن حجر ١١/٥٣١.

69 السراج المنير ٣/٤٤٨.

70 الإتقان في علوم القرآن، السيوطي ٤/٥٤.

71 انظر: التبيان في أقسام القرآن، ابن قيم الجوزية ص٢.

72 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٢٣٣.

73 في ظلال القرآن ٥/٢٩٥٨.

74 أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢٧٦.

75 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٥/٧٨.

76 مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/١٤٧.

77 البحر المحيط، أبو حيان ٨/٤١٨.

78 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/٦.

79 البحر المحيط، أبو حيان ٨/١٣٣.

80 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٠٩.

81 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٢١١.

82 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٤٤٢.

83 التبيان في أقسام القرآن، ص ٦.

84 مباحث في علوم القرآن، القطان ص ٣٠٦.

85 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٢١١.

86 انظر: الإيضاح في علوم البلاغة، القزويني ٢/٢١٤.

87 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/١١٨، تفسير ابن أبي حاتم ٢/٦٧٥.

88 أحكام القرآن، ابن العربي ٥/١٤٦.

89 أضواء البيان، الشنقيطي ٨/٥٤١.

90 الإتقان في علوم القرآن ٤/٥٥.

91 انظر: أسلوب القسم، سامي طه ص ٢٦.

92 أضواء البيان، الشنقيطي ١/٤٢٣.

93 أحكام القرآن، ابن العربي ٣/٢٣٠.

94 مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٦٤.

95 الفقه الإسلامي وأدلته، الزحيلي ٤/١٣٧.

96 المصدر السابق ٤/١٣٨.

97 السيل الجرار ١/٦٩٤.

98 معالم التنزيل، البغوي ٣/٩٣.

99 انظر: الهداية الى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١/٧٥٠.

100 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٢/١٩١.

101 أحكام القرآن، ابن العربي ٣/٢١٥.