عناصر الموضوع
القراءة
أولًا: المعنى اللغوي:
يقول ابن فارس: «القاف والراء والحرف المعتل: أصلٌ صحيح يدل على جمعٍ واجتماع، ومن ذلك: «القرية»، وسميت بذلك؛ لاجتماع الناس فيها، والمقراة: الجفنة، سميت بذلك؛ لاجتماع الضيف عليها»1.
من: قرأ يقرأ قراءةً، فهي مصدر للفعل: «قرأ»، واسم الفاعل: «قارئ»، تقول: قرأ فلانٌ قراءة حسنة، ورجل قراءٌ حسن القراءة من قوم قرائين، والمفعول مقروء، تقول: صحيفة مقروءة، وقارأه مقارأةً وقراءً: دارسه، واستقرأه طلب إليه أن يقرأ، والقراء يكون من القراءة جمع قارئٍ، وقرأ عليه السلام يقرؤه عليه وأقرأه إياه أبلغه2.
والأصل في القراءة: الجمع والضم، تقول: «قرأت الكتاب قراءةً»، ضممت حروفه بعضها إلى بعض، وكل شيءٍ جمعته فقد قرأته، و«قرأت الشيء قرآنًا»: جمعته وضممت بعضه إلى بعضٍ3. ومنه سمي القرآن قرآنًا؛ لأنه يضم القصص والأحكام، والآيات والسور بعضها إلى بعض.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
لا يختلف معنى القراءة في الاصطلاح عن معناها في اللغة.
وقد عرف الكفوي القراءة بقوله: ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، ولا يقال ذلك لكل جمع؛ بدليل أنه لا يقال للحرف الواحد إذا تفوه به قراءة4.
يقول ابن عاشور: «القراءة هي: تلاوة كلامٍ صدر في زمن سابق لوقت تلاوة تاليه، بمثل ما تكلم به متكلمه، سواء كان مكتوبًا في صحيفة، أم كان ملقنًا لتاليه بحيث لا يخالف أصله، ولو كان أصله كلام تاليه، ولذلك لا يقال لنقل كلام أنه قراءة إلا إذا كان كلامًا مكتوبًا أو محفوظًا»5.
وردت مادة (قرأ) في القرآن الكريم (٨٨) مرة، يخص موضوع البحث منها(٨٧) مرة6.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٦ |
(ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الأعراف:٢٠٤] |
الفعل المضارع |
٥ |
(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الإسراء:١٠٦] |
الفعل الأمر |
٦ |
(ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [العلق:١] |
المصدر |
٧٠ |
(ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [القيامة:١٧-١٨] |
الأصل في القراءة أنها بمعنى الجمع والضم؛ وكل شيء جمعته فقد قرأته؛ فالقراءة جمع الحروف والكلمات، والقرآن يجمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض7.
التلاوة:
التلاوة لغة:
مصدر الفعل: «تلا» بمعنى: «تبع»، تقول: «تلوته تلوًا» أي: تبعته، ويقال: «ما زلت أتلوه حتى أتليته»، أي: تقدمته وصار خلفي، وأتليته أي: سبقته، وتلا فلانٌ القرآن يتلو تلاوة، وتلا الشيء: تبعه تلوًا8. وتطلق التلاوة: على القراءة، تقول: تلا يتلو تلاوةً يعني: قرأ قراءةً؛ لأن القارئ في قراءته كأنه يتبع الحروف والكلمات بعضها بعضًا9.
التلاوة اصطلاحًا:
هي القراءة لكلام مكتوبٍ أو محفوظٍ من كلامٍ له أو لغيره، يحكيه لسامعه، وغلب استعمالها في: قراءة القرآن وتجويده وترتيله بتفكر وتدبر10.
الصلة بين التلاوة والقراءة:
التلاوة صورة من صور القراءة فهي إتباع الحروف والكلمات بعضها لبعض، وبينها وبين القراءة عموم وخصوص، فكل تلاوة قراءة، وليس كل قراءة تلاوة، وغلب استعمالها في قراءة القرآن خاصة.
يقول الراغب الأصفهاني: «والتلاوة تختص باتباع كتب الله المنزلة، تارة بالقراءة، وتارة بالارتسام لما فيها من أمر ونهي، وترغيب وترهيب، فهي أخص من القراءة، فكل تلاوة قراءة، وليس كل قراءة تلاوة»11.
ويقول أبو هلال العسكري: «الفرق بين التلاوة والقراءة: أن التلاوة لا تكون إلا لكلمتين فصاعدًا، والقراءة تكون للكلمة الواحدة يقال: قرأ فلان اسمه، ولا يقال تلا اسمه» 12.
الترتيل:
الترتيل لغة:
مصدر من: «رتل فلان كلامه إذا أتبع بعضه بعضا»، والرتل: حسن تناسق الشيء، وثغرٌ رتلٌ ورتلٌ: حسن التنضيد، مستوي الثنيات، وكلامٌ رتلٌ ورتلٌ أي: مرتلٌ حسنٌ على تؤدة، ورتل الكلام أحسن تأليفه، وأبانه وتمهل فيه13.
وقيل الكلام المرتل: المفصل، يقال: فلانٌ يترتل في كلامه ويترسل: إذا فصل بعضه من بعض14. والترتيل في القراءة: الترسل فيها، والتبيين من غير بغيٍ15.
والترتيل اصطلاحًا:
القراءة بتؤدة واطمئنان، وإخراج كل حرف من مخرجه، مع تدبر المعاني، ومراعاة الوقوف16.
الصلة بين الترتيل والقراءة:
أن الترتيل وصفٌ مخصوص لصورة من صور القراءة، فهو تحقيق لوصف التؤدة والطمأنينة في تلاوة القرآن خاصة.
الكتابة:
الكتابة: لغة:
مصدر كتبت، والكتب: الجمع، يقول ابن فارس: «الكاف والتاء والباء أصلٌ صحيحٌ واحدٌ يدل على جمع شيءٍ إلى شيءٍ، من ذلك: الكتاب والكتابة، يقال: كتبت الكتاب أكتبه كتبًا، ويقولون: كتبت البغلة، إذا جمعت شفري رحمها بحلقة»17.
والكتاب في الأصل: اسم للصحيفة المكتوب فيها، وسميت الكتابة لجمعها الحروف18.
الكتابة اصطلاحًا:
خطوطٌ موضوعةٌ مجتمعة تدل على المعنى المقصود، وأصلها: نقش الحروف في حجرٍ أو رق أو ثوبٍ19.
ويعبر عن المقروء بالمكتوب، إذ القراءة والكتابة يشتركان في معنى الجمع والضم، فالقرآن الكريم هو المقروء المكتوب في المصاحف، فروعي في تسميته قرآنًا كونه مقروءًا بالألسن، وروعي في تسميته كتابًا كونه مدونًا بالأقلام، فكلتا التسميتين من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه20.
الصلة بين الكتابة والقراءة:
يتضح مما سبق: أن الكتابة هي رسم المقروء، الدال على المقصود، فالمكتوب يكون بالقلم والرسم، والقراءة باللسان والنطق، ويعبر بكلٍ منهما عن الآخر، من تسمية الشيء بالمعنى الواقع عليه.
الأمية:
الأمية لغة:
نسبةٌ إلى: «الأمي»، والأمي: هو الذي على خلقته لم يتعلم الكتابة ولا القراءة، فهو على جبلته التي خلق عليها21.
الأمية اصطلاحًا:
الأمي الذي لا يحسن الكتابة ولا القراءة، قاله أبو العالية، والربيع، وقتادة، وإبراهيم النخعي، وغير واحد22.
وقيل: الأمية: الصفة التي هي على أصل ولادة أمه لم يتعلم الكتابة ولا قراءتها، أو هو من لا يحسن الكتابة؛ لأنه لا يقدر عليها23. وقيل للذي لا يكتب: أمي؛ لأن الكتابة والقراءة مكتسبة؛ فكأنه نسب إلى ما ولد عليه من الجهل بهما.
الصلة بين الأمية والقراءة:
يتضح مما سبق: أن الأمي هو الذي لم يدرك الكتابة ولا القراءة خاصة، فالأمية لفظة مقابلة للقراءة، يزيد العلم بمفهومها إجلالًا وتعظيما للقراءة، إذ القراءة خصيصةٌ مكتسبة فوق أصل الخلقة.
جاء القرآن الكريم مشيدًا بالقراءة مناديًا بها في أول كلمة نزلت منه من السماء، ومستعملًا لاشتقاقاتها، مدللًا على منزلتها الرفيعة، ومكانتها السامية، يوضح ذلك ما جاء في النقاط الآتية:
أولًا: إسناد القراءة لله تعالى.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأعلى:٦].
هذا إخبار من الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه سيعلمه هذا القرآن ويحفظه عليه، وسيقرئه بقراءة جبريل عليه السلام عليه، فلا ينسى منها إلا ما شاء الله أن ينساه مما نسخ الله تلاوته من القرآن.
قال مجاهد: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه جبريل عليه السلام لم يفرغ من آخر الآية حتى يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأولها مخافة أن ينساها، فأنزل الله: (ﯕ ﯖ ﯗ)»24.
يقول القرطبي: «وهذه بشرى من الله تعالى، بشره بأن أعطاه آيةً بينةً، وهي أن يقرأ عليه جبريل عليه السلام ما يقرأ عليه من الوحي، وهو أمي لا يكتب ولا يقرأ، فيحفظه ولا ينساه»25.
ويقول أبو السعود: «والسين في: (ﯕ) إما للتأكيد، وإما لأن المراد: إقراء ما أوحى الله إليه حينئذٍ وما سيوحى إليه بعد ذلك، فهو وعدٌ كريم باستمرار الوحي أو سنجعلك قارئًا بإلهام القراءة فلا تنسى أصلًا من قوة الحفظ والإتقان، مع أنك أميٌ لا تدري ما الكتاب وما القراءة ليكون ذلك آيةً أخرى لك»26.
لقد أمن الله نبيه صلى الله عليه وسلم من النسيان في قوله: (ﯕ ﯖ ﯗ)، ولما كانت الآية توهم لزوم ذلك له صلى الله عليه وسلم، جاء الاستثناء بعدها: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ)، فنسيان النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الله أن ينساه جائز.
يقول ابن حجر: «فإن المراد بالمنسي ما ينسخ تلاوته، فينسي الله نبيه صلى الله عليه وسلم ما يريد نسخ تلاوته»27.
ويقول الألوسي: «وإسناد الإقراء إليه تعالى مجازي، أي: سنقرئك ما نوحي إليك الآن وفيما بعد على لسان جبريل عليه السلام»28.
وإسناد قراءة القرآن وتلقيها لله عز وجل يعلو ذلك بشرفها، ويعظم بمكانتها، وأن مصدرها الوحي السماوي، والتلقي الإلهي، وأن طريقتها متلقاة من الله عز وجل لا صنعة فيه للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا لأحدٍ من الخلق، وإنما هي منزلة من عنده سبحانه وتعالى29.
وقد استمر هذا الإسناد المبارك لقراءة القرآن الكريم موصولًا، فقد عرض القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعٌ من الصحابة رضي الله عنهم منهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعلى بن أبى طالب رضي الله عنه، وأبى بن كعب رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وزيد بن ثابت رضي الله عنه، وأبو موسى الأشعري رضي الله عنه، وأبو الدرداء رضي الله عنه، وعليهم دارت أسانيد قراءة الأئمة العشرة.
فقراءة القرآن بقراءاته المتعددة توقيفية من الله عز وجل لا مجال فيها للاجتهاد والقياس: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ) [الأعراف: ٢٠٣].
يقول ابن الجزري: «وكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ به فقد وجب قبوله، ولم يسع أحدًا من الأمة رده، ولزم الإيمان به، وإن كله منزل من عند الله»30.
ويقول أبو عمرو الداني: «وأئمة القراءة لا تعمل في شيء من حروف القرآن، على الأفشى في اللغة، والأقيس في العربية، بل على الأثبت في الأثر، والأصح في النقل، والرواية إذا ثبتت لا يردها قياس عربية، ولا فشو لغة، لأن القراءة سنة متبعة، يلزم قبولها والمصير إليها»31.
ثانيًا: الأمر بالقراءة.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [العلق:١].
إن أول أمرٍ أنزله الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وكلفه به، هو الأمر بالقراءة، فأول كلمة تلقها النبي صلى الله عليه وسلم من أمين الوحي جبريل عليه السلام حينما لقيه في غار حراء هي: (ﭻ)، بصيغةٍ تلفت النظر، وتجذب الانتباه، وتسترعي الاهتمام.
إن هذا الأمر ليوضح بجلاء أن مصدر القراءة في كافة مجالاتها الحسية الآلية منها والمعنوية الكونية هو الوحي الرباني، والذي استوعب المعاش والمعاد، والدنيا والآخرة، والمبدأ والمنتهى32.
ومجيء الأمر بها أولًا فيه تنويهٌ بشأنها، ودعوةٌ إليها؛ لأنها شعار دين الإسلام.
يقول القرطبي: «نبه على فضل علم القراءة والكتابة، لما فيه من المنافع العظيمة، التي لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم، ولا قيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا»33.
إن هذا الأمر بالقراءة لهو أمر تكليفي لابد من القيام به إما عينًا، وإما كفاية، ولا غرو في ذلك فالقراءة هي السبيل إلى المعرفة والعلم، وبناء العقل، والوصول بالإنسان إلى درجة التكريم والتفضيل.
فخص الله الإنسان بالقراءة دون سائر الحيوانات، وذلك لأن القراءة من لوازم العقل والإدراك، فتخصيص خلق الإنسان بالذكر دون سائر المخلوقات، ليدل على أن الإنسان هو المختص بالقراءة والعلم، المنفرد بتبعية التكليف، المخاطب بكل ما سوف ينزل به الوحي من كلمات الله 34.
يقول ابن تيمية: «(ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ): ذكر سبحانه أنه خلق أكرم الأعيان الموجودة عمومًا وخصوصًا وهو الإنسان، وأنه المعلم للعلم عمومًا وخصوصًا: (ﮊ ﮋﮌ).
ثم قال: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ): ذكر بعد الخلق تعليم الإنسان ما لم يعلم، فخص هذا التعليم الذي يستدل به على إمكان النبوة فإن النبوة نوع من التعليم، وليس جعل الإنسان نبيًا بأعظم من جعل العلقة إنسانًا حيًا عالمًا ناطقًا سميعًا بصيرًا متكلمًا قد علم أنواع المعارف»35.
ويقول ابن عاشور: «وذكر العلقة التي هي مضغة الدم العالقة بالرحم: فيه إشارة إلى أن خلق الإنسان من علق ثم مصيره إلى كمال أشده هو خلق ينطوي على قوى كامنة، وقابليات عظيمة، أقصاها قابلية العلم والقراءة والكتابة»36.
ثالثًا: القراءة تكريم للإنسان:
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [العلق:٣-٥].
لما كانت القراءة هي الطريق للعلم والرفعة؛ والذي يرفع الإنسان ويخرجه من جهله وأميته التي خلق عليها؛ كان تخصيصه بالقراءة وأمره بها من أعظم النعم الموهوبه، والفضائل المهداة.
يقول الرازي: - مبينًا الترابط بين الأمرين: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) و (ﮆ ﮇ ﮈ) فيقول: «أولًا: وصف نفسه سبحانه بأنه خلق الإنسان من علق، وثانيًا: بأنه علمه بالقلم، ولا مناسبة في الظاهر بين الأمرين، لكن التحقيق أن أول أحوال الإنسان كونه علقة، وهي أخس الأشياء، وآخر أمره هو صيرورته عالمًا بحقائق الأشياء، وهو أشرف مراتب المخلوقات، فكأنه تعالى يقول: انتقلت من أخس المراتب إلى أعلى المراتب فلا بد لك من مدبر مقدر ينقلك من تلك الحالة الخسيسة إلى هذه الحالة الشريفة، ثم فيه تنبيه على أن العلم أشرف الصفات الإنسانية، فالأكرم هو الذي أعطاك العلم؛ لأن العلم هو النهاية في الشرف»37.
ويقول الزمخشري: «الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم فدل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم»38.
و(ﮈ) الذي لا يوازيه كريم، ولا يعادله في الكرم نظير، هو الذي يعطي بدون مقابل، ولا انتظار مقابل، فهو سبحانه كثير الصفات واسعها، كثير الكرم والإحسان، واسع الجود، الذي من كرمه أن علم بالعلم.
بل من كرمه سبحانه أنه جعل من القلم الذي هو قطعة جامدة من الحطب، أو الخشب، أداة للعلم والمعرفة، ففتح به على الإنسان أبواب العلوم والمعارف، وجعل من ثماره هذه الكتب التي حفظت ثمار العقول، فكانت ميراثًا للعلماء، يرثها الخلف عن السلف، وينميها ويثمرها العلماء جيلًا بعد جيل وبهذا تعلم الإنسان ما لم يكن يعلم، وبعلمه هذا المستفاد من سلفه، فتح أبوابًا جديدة من العلم يتلقاها عنه من بعده، ويفعل فعله، بما يفتح من أبواب جديدة للعلم وهكذا تتسع معارف الإنسان، ويزداد علمه على مدى الأجيال39.
ومجيء الوصف هنا بالأكرم بدلًا من أي صفة أخرى؛ لما في هذه الصفة من تلاؤم للسياق، ما لا يناسب مكانها غيرها لعظم العطاء وجزيل المنة في أمرين:
فأولًا: رحمة الخليقة بهذه القراءة التي ربطت العباد بربهم.
وثانيًا: نعمة الخلق والإيجاد.
فهما نعمتان متكاملتان: الإيجاد من العدم بالخلق، والإيجاد الثاني من الجهل إلى العلم، ولا يكون هذا كله إلا من الرب الأكرم سبحانه40.
قراءة القرآن من أفضل القربات، وأشرف العبادات، ولذا جاء القرآن الكريم مرشدًا إليها، موضحًا الآداب التي ينبغي لقارئ القرآن أن يتأدب بها تعظيمًا للقرآن، وإجلالًا له، وهي كما يلي:
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ): أي: أقرأ مبتدئًا بتسمية الله، قل: «باسم الله»، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبتدئ القراءة باسم الله تأدبًا، وبركةً، وثناءًا.
يقول أبو جعفر الطبري: «إن الله تعالى أدب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله، وجعل ما أدبه به من ذلك وعلمه إياه منه لجميع خلقه سنةً يستنون بها، وسبيلًا يتبعونه عليها، فبها افتتاح أوائل منطقهم، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم»41.
ومحل «باسم ربك»: النصب على الحال، أي: اقرأ مفتتحًا باسم ربك42.
ويجوز أن تكون الباء زائدة، والتقدير: «اقرأ اسم ربك»، وقيل: الباء بمعنى: «على»، أي: «اقرأ على اسم ربك»، يقال: فعل كذا باسم الله، وعلى اسم الله، وعلى هذا فالمقروء محذوف، أي: اقرأ القرآن، وافتتحه باسم الله43.
يقول أبو الحسن القيرواني: «بسم الله افتتاح إيمان ويمن، وحمد عاقبة، ورحمة وبركة، وثناء، وتقرب إلى الله عز وجل ورغبة فيما عنده وهو أدب من آداب الدين، ومدح لله تعالى، وتعظيم وشعار للمسلمين، وتبرك للمستأنف، وإقرار بالعبودية، واعتراف بالنعمة»44.
ويقول الرازي: «والتسمية توجه القلب إلى هيبة جلال الله.
ثم قال: «قال: باسم ربك» ولم يقل: «اقرأ باسم الله» كما قال في التسمية المعروفة: «بسم الله الرحمن الرحيم»، وجوابه: أنه أمرٌ بالعبادة، فكان ذلك أبلغ في الحث على الطاعة»45.
فالقراءة مبدوءةً باسم الله تنتج حضارةً ربانية قرءانية، قلبها التوحيد، وطابعها اليمن والبركة والتزكية، وهدفها العمران والإصلاح في الأرض.
والبسملة عند قراءة القرآن مستحبة عند جمهور القراء، ومحلها البدء في السور.
يقول النووي: «وينبغي أن يحافظ على قراءة: «بسم الله الرحمن الرحيم» في أول كل سورة«سوى براءة»46.
وإذا ابتدأ قراءته أثناء السورة لا من أولها، فالأصح من مذاهب القراء أن القارئ مخير في الإتيان بها أو تركها.
قال أبو عمرو الداني: «فأما الابتداء برؤوس الأجزاء التي في بعض السور، فأصحابنا يخيرون القارئ بعد الاستعاذة بين التسمية وتركها في مذهب الجميع»47.
ولفظ البسملة يتضمن الاستعانة بالله، فـ«بسم الله»، أي: أستعين بالله.
والاستعانة: هي طلب العون من الله، ولما كانت قراءة القرآن عبادة تحتاج إلى جهد وفهم، وتفريغ للقلب، كانت الاستعانة بالله عند القراءة مقوية للعبد ومعينة له عليها48.
قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [العلق: ١].
أي: اقرأ بعون ربك وتوفيقه، فالباء للاستعانة، والمفعول محذوف، تقديره: «اقرأ ما يوحي إليك مستعينًا باسم ربك»49.
ومعنى الاستعانة باسم الله: أي: ذكر اسمه عند هذه القراءة، وذكر كلمة: «اسم» لأن الاستعانة بذكر اسمه تعالى لا بذاته، وهذا الوجه يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: باسم الله حين تلقى هذه الجملة50.
يقول الراغب: «إنما قال «بسم الله» ولم يقل: «الله»؛ لأنه لما استحب الاستعانة بالله تعالى في كل أمر يفتتح به من قراءة وغيرها، فبعضهم يذكره بقلبه، وبعضهم يزيد عليه ويقوله بلسانه ويكون أبلغ، وذكر الله مستعمل في كل ذلك، وألفاظ الاستعانة نحو: «أستعين بالله» فصار لفظة «بسم الله» مستغنى به عن جميعها وقائمًا مقامها»51.
إنها دلالة واضحة على أن القراءة التي تتضمن التوحيد والإخلاص، والتوكل على الخالق الباري، وستخرج هذا الإنسان بعون الله من جهله وضعفه إلى تفوقه وتقدمه، بل وتجعله يسير بنور رباني يكشف له حجب الغفلة والظلام.
أمر الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة قبل قراءة القرآن، فقال سبحانه: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [النحل: ٩٨].
أي: إذا أردت القراءة فاستعذ بالله، واسأله سبحانه أن يعيذك من الشيطان الرجيم من أن يعرض لك أثناء قراءة القرآن فيصدك عن تدبره، فهي لدفع وسواس الشيطان.
وقراءة القرآن هي أشرف مقروء وأفضله، فيها صلاح القلوب، والشيطان أحرص ما يكون على العبد عند شروعه في الأمور الفاضلة، فيسعى في صرفه عن مقاصدها ومعانيها؛ فشرعت الاستعاذة لطلب الإعاذة والاعتصام بالله52.
يقول ابن عاشور: «وإنما شرعت الاستعاذة عند ابتداء القراءة إيذانًا بنفاسة القرآن ونزاهته، إذ هو نازل من العالم القدسي الملكي، فجعل افتتاح قراءته بالتجرد عن النقائص النفسانية التي هي من عمل الشيطان، ولا استطاعة للعبد أن يدفع تلك النقائص عن نفسه إلا بأن يسأل الله تعالى أن يبعد الشيطان عنه بأن يعوذ بالله»53.
وظاهر قوله تعالى: (ﮠ): أن الاستعاذة واجبة عند القراءة؛ لأن صيغة: «افعل» للوجوب، وذهب أكثر أهل العلم إلى أن الأمر في الآية للندب والاستحباب54.
يقول أبو شامة: «ووقت الاستعاذة ابتداء القراءة جرى على ذلك العمل في نقل الخلف عن السلف»55.
قراءة القرآن عبادة رتب الله عليها الأجر والثواب إذا كانت خالصةً لله، وقصد بها القارئ ابتغاء مرضاة الله، وأداؤها بدون إخلاصٍ وصدق مع الله يجعلها لا قيمة لها ولا ثواب، بل صاحبها متعرض للوعيد الشديد.
يقول النووي: «يجب على القارئ الإخلاص، وأن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى، ويقرأ على حال من يرى الله تعالى، فإنه إن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه»56.
قال تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ) [الأنعام: ٥٢].
أي: لا تطرد عنك، وعن مجالستك، أهل العبادة وقراءة القرآن والإخلاص، فعن مجاهد والحسن. قيل: المراد بالدعاء: الذكر وقراءة القرآن57.
وجاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه ورجلٌ تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار)58.
فالإخلاص في قراءة القرآن تخليص للقلب من كل شائبة تشوبه من رياء، أو سمعة، أو تصدر مما يكدر صفاء النية، ويفسد مرادها، فيتجرد في القلب قصد التقرب لله فلا يكون فيه باعث سواه.
وقد أخبر الله أنه مطلع على عبده حال قراءته عالم بحاله، كاشف لقصده، قال سبحانه: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ) [يونس: ٦١].
قوله: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) أي: وما تتلو من القرآن الذي أوحاه الله إليك، فالله مطلع عليه وقت شروعكم فيه59.
لأهمية السؤال في التعلم والتعليم فقد أرشد الله إلى أهمية السؤال، فقال سبحانه: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الفرقان: ٥٩].
وقال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [النحل: ٤٣].
فأهل الذكر: هم أهل العلم والكتابة والقراءة، العارفون بكتاب الله، المفتون في أمور الدين وأحكامه.
وقد أشاد الله في كتابه بسؤال المؤمنين عما أشكل عليهم في أمور دينهم، آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم بالإجابة عن ما سألوا عنه، فقال سبحانه: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [المائدة: ٤].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما شفاء العي السؤال)60، والعي: الجهل.
وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم -زيادةً في طمأنته بشأن نبوته- أن يسأل أهل القراءة من أهل التوراة والإنجيل عن وجود هذه الحقيقة في كتبهم.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [يونس: ٩٤].
كما نهى الله سبحانه في المقابل عن كثرة الأسئلة التي لا فائدة فيها، أو الأسئلة التي يترتب عليها تشديد على الأمة، فقال سبحانه: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [المائدة: ١٠١].
أي: لا تسألوا عما لا حاجة لكم بالسؤال عنه، ولا هو مما يعنيكم في أمر دينكم.
يقول ابن كثير: «(ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ): فلم ينتفعوا بها لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد، وإنما سألوا على وجه التعنت والعناد»61.
فأهل القراءة هم أهل العلم والذكر الدائم والفهم الحي، والذي يجب على المسترشد أن يعرض عليهم شكه وتردده، وعدم علمه، بسؤالٍ يطلب فيه النفع، وليس التعنت، وبذلك يكون قد قطع الطريق الطويل الشاق في البحث عن المجهول.
تكرار المقروء وسيلة من وسائل حفظه، ورسوخه في العقل، وهو أسلوب من أساليب الفصاحة والبيان، فالكلام المكرور أوقع في النفوس، وأمتع للأذهان والعقول، وقد استخدمه القرآن وسيلة لتثبيت المعنى في نفوس قارئيه، وإقراره في أفئدتهم62، وأشار إلى أهميته فقال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) فقد كرر الأمر بقوله: (ﮆ ﮇ ﮈ)؛ لأن القراءة لا تكسبها النفس إلا بالتكرار والتعود على ما جرت به العادة، وتكرار الأمر الإلهى يقوم مقام تكرار المقروء، وبذلك تصير القراءة ملكة 63.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى تعاهد تلاوة القرآن وتكرار قراءته حين قال في حديث ابن عمر رضي الله عنه: (إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت)64.
وقراءة القرآن كلما تقاربت أوقاتها، وكثر تكرارها كانت أقوى في رسوخ حفظ القرآن وفهم معانيه، ومن أجل ذلك كان السلف يحرصون على كثرة التلاوة والقراءة، ويحزبون القرآن، ويتواصون بذلك.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل)65.
وهذا فيه الإشارة إلى أهمية التكرار والتعاهد للقرآن.
كما أن تكرار قراءة القرآن سبيل إلى إجادة تجويده وضبط أدائه، يقول ابن الجزري: «ولا أعلم سببًا لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد، ووصول غاية التصحيح والتشديد، مثل رياضة الألسن، والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن»66.
القراءة بتمهل وتؤدة أقرب إلى الإجلال والتوقير للمقروء، وأشد تأثيرًا في القلب، وأدعى إلى التدبر والفهم.
وقراءة القرآن بتؤدة وتمهل أجل قدرًا، وأعظم شأنًا، ولذلك جاء الأمر بقراءته على هذه الصفة فقال سبحانه: (ﭢ ﭣ ﭤ) [المزمل: ٤].
وترتيله: قراءته على ترسل، وتفريقه آيةً بعد آيةٍ، قاله النخعي والحسن وقتادة، وقال ابن عباسٍ رضي الله عنه: «بينه بيانًا فيه ترتيلٌ وتثيبت»67.
والتصريح بالتأني والتؤدة في القراءة ظاهر في قوله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [طه: ١١٤].
يقول ابن كثير: «قراءته على تمهل تكون عونًا على تدبره»68.
ويقول النووي: «يستحب الترتيل؛ لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام، وأشد تأثيرًا في القلب»69.
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة فقرأها، ثم النساء فقرأها، ثم آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلًا، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤالٍ سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ)70.
ونهي في القراءة عن إفراط الإسراع فيها، ويسميه القراء: الهذرمة.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: «لا تهذوه هذ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة»71.
يقول ابن الجزري: «وليحترز -في: القراءة- عن بتر حروف المد، وذهاب صوت الغنة، واختلاس أكثر الحركات، وعن التفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة، ولا توصف بها التلاوة، ولا يخرج عن حد الترتيل»72.
وقد اختلف العلماء في هل الأفضل هو الترتيل وقلة القراءة، أو السرعة مع كثرة القراءة؟ فذهب بعضهم إلى أن كثرة القراءة أفضل، واحتجوا بحديث ابن مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها الحديث)73.
يقول ابن الجزري: «والصحيح بل الصواب ما عليه معظم السلف والخلف، وهو أن الترتيل والتدبير مع قلة القراءة أفضل من السرعة مع كثرتها؛ لأن المقصود من القرآن فهمه، والتفقه فيه، والعمل به، وتلاوته وحفظه وسيلة إلى معانيه»74.
وقال ابن حجر: «والتحقيق أن لكلٍ من الإسراع والترتيل جهة فضل، بشرط أن يكون المسرع لا يخل بشيء من الحروف، والحركات والسكون، والواجبات، فلا يمتنع أن يفضل أحدهما الآخر، وأن يستويان، فإن من رتل وتأمل، كمن تصدق بجوهرة واحدة مثمنة، ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر، لكن قيمتها قيمة الواحدة، وقد تكون قيمة الواحدة أكبر من قيمة الأخريات، وقد يكون بالعكس»75.
ولعل ما ذهب إليه ابن حجر يكون هو الأقرب للصواب، فقد أوضح علماء القراءات ومنهم ابن الجزري أن القراءة على مراتب، ومنها الحدر وهو القراءة بسرعة مع مراعاة أحكام التجويد، وهي مرتبة معتبرة، يقول ابن الجزري: «فالحدر يكون لتكثير الحسنات في القراءة، وحوز فضيلة التلاوة، وليحترز فيه عن بتر حروف المد، وذهاب صوت الغنة، واختلاس أكثر الحركات، وعن التفريط إلى غاية لا تصح بها القراءة، ولا توصف بها التلاوة، ولا يخرج عن حد الترتيل»76.
إن المصدر الإلهي لقراءة القرآن الكريم بتلقي النبي صلى الله عليه وسلم لها من ربه عز وجل لهو الحق، الذي ذكره الله بقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ) [الإسراء: ١٠٥].
تلك المصدرية التي تشعر بالطمأنينة وعدم الخوف على فوات شيء من القرآن، وقد وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم بجمع القرآن في صدره، وعدم نسيانه، وأمره بمتابعة القراءة المتلقاة من الله، والاستماع إليها ثم القراءة على طريقتها، فقال تعالى: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [القيامة: ١٨].
يقول ابن كثير: «هذا تعليم من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في كيفية تلقيه الوحي من الملك»77.
وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما يوحى إليه كما أنزل، من غير زيادة أو نقص فقال: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ) [المائدة: ٦٧].
فأداه صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم كما تلقاه من ربه، وأدوه لمن بعدهم من التابعين.
يقول ابن كثير: «كانوا أحرص شيء على أداء الأمانات، وهذا من أعظم الأمانة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أودعهم ذلك ليبلغوه إلى من بعده،كما قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) ففعل صلى الله عليه وسلم ما أمر به؛ ولهذا سألهم في حجة الوداع يوم عرفة على رؤوس الأشهاد، والصحابة رضي الله عنهم أوفر ما كانوا مجتمعين، فقال: (إنكم مسؤولون عني فما أنتم قائلون)، فقالوا: نشهد إنك قد بلغت وأديت ونصحت، فجعل يشير بأصبعه إلى السماء، وينكبها عليهم، ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد، وقد أمر أمته أن يبلغ الشاهد الغائب)78.
وقراءة القرآن إنما تؤخذ بالتلقي والمشافهة والتوقيف، اقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في تلقى القرآن عن جبريل عليه السلام مشافهة عن الله تعالى، والاعتماد في القراءة والإقراء على النص المتلقى بالتواتر عنه صلى الله عليه وسلم.
وهذا الذي سار عليه أئمة القراءات، واعتمدوه في النقل والرواية لقراءة القرآن.
يقول مكي بن أبي طالب: «يجب على طالب القرآن أن يتخير لقراءته ونقله وضبطه أهل الديانة والصيانة، والفهم في علوم القرآن، والنفاذ في علم العربية والتجويد، بحكاية ألفاظ القرآن، وصحة النقل عن الأئمة المشهورين بالعلم»79.
القرآن الكريم كلام الرب عز وجل، له وزنه وهيبته، ليس بالخفيف، قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [المزمل: ٥].
أي: نوحي إليك هذا القرآن الثقيل، أي: العظيمة معانيه، الجليلة أوصافه، وما كان بهذا الوصف، حقيق أن يتهيأ له، ويرتل، ويتفكر فيما يشتمل عليه، ويتحلى الصبر في قراءته وفهمه80.
قال ابن عباس رضي الله عنه: «قولًا ثقيلًا يعني: كلامًا عظيمًا»81.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعاني شدة عند نزوله وتلقيه من جبريل عليه السلام مما يدل على عظمة وهيبة الكلام المنزل.
تقول عائشة رضي الله عنها: (ولقد رأيته ينزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا)82.
كما روي كذلك عن عائشة رضي الله عنها: (إن كان ليوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته، فتضرب بجرانها)83.
وقراءة القرآن وتدبره، والعمل به تحتاج إلى صبر ومجاهدة للنفس، وحبسٍ لها على مدارسة القرآن، وتلقي كيفية قراءته، وتصحيح تلاوته ومدارسة معانيه وأحكامه، فهو الكلام العظيم ذو الخطر والأثر، قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ) [الحشر: ٢١]84.
وفي قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) تعليل للأمر بقيام الليل، في قوله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ)، أي: لا بد وأن تصير نفسك مستعدة لذلك القول العظيم، وذلك بالصبر في صلاة الليل، فإن الإنسان إذا اشتغل بعبادة الله في الليلة الظلماء، وأقبل على قراءة القرآن والتضرع بين يديه، استعدت نفسه لإشراق وجلال الله فيه85.
يقول ابن عاشور: «ويستعار ثقل القول لاشتماله على معانٍ وافرة يحتاج العلم بها لدقة النظر، وذلك بكمال هديه ووفرة معانيه، وحسبك أنه حوى من المعارف والعلوم ما لا يفي العقل بالإحاطة به، فكم غاصت فيه أفهام»86.
القراءة عمل يجتمع فيه القلب والبصر واللسان، وإقبال النفس عليها يحتاج إلى وقت يكون أزكى وأنفع، وقد أرشد الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى قراءة القرآن في قيام الليل، مخبرًا أن ذلك أشد موافقة بين القلب والبصر والسمع واللسان، وأجمع على التلاوة؛ لانقطاع الأصوات فقال سبحانه: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [المزمل: ٦].
فناشئة الليل أي: أوقاته وساعاته، وأشد وطئًا: أي: أجمع للخاطر في أداء القراءة وتفهمها من النهار؛ لأنه وقت انتشار الناس، ولغط الأصوات، وأوقات المعاش87.
قال الفراء: «وأقوم قيلا»: قال: «أثبت قراءة»88.
وعن قتادة: «وأقوم قيلا»: أحفظ للقراءة89، وقيل: أتم نشاطًا، وأتم إخلاصًا، وأكثر بركة90.
وقال ابن الجوزي: «وأقوم قيلًا» أي: «أخلص للقول وأسمع له، لأن الليل تهدأ فيه الأصوات فتخلص القراءة، ويفرغ القلب لفهم التلاوة، فلا يكون دون سمعه وتفهمه حائل»91.
ومن تعظيم القرآن: قراءته في مكان طاهر، وأفضله المساجد، فهي بيوت الله التي أذن الله برفع ذكره فيها، وقد كانت المساجد محلًا للإقراء ومدارسة القرآن.
يقول الإمام النووي: «ويستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار، ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعًا للنظافة، وشرف البقعة»92.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما جلس قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا حفت بهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده)93.
ومن حرمته أن تجتنب القراءة في أماكن اللغط واللغو والنجاسات.
يقول القرطبي: «ومن حرمته ألا يقرأ في الأسواق، ولا في مواطن اللغط واللغو، ومجمع السفهاء، ألا ترى أن الله تعالى ذكر عباد الرحمن وأثنى عليهم بأنهم إذا مروا باللغو مروا كراما، هذا لمرورٍ بنفسه، فكيف إذا مر بالقرآن الكريم تلاوةً بين ظهراني أهل اللغو ومجمع السفهاء»94.
الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن طريق الرحمة، ووسيلة الانتفاع والتدبر، وسبيل المؤمنين قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأعراف: ٢٠٤].
فلما ذكر تعالى أن القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة في قوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الأعراف: ٢٠٣].
أمر تعالى بالإنصات عند تلاوته إعظامًا له واحترامًا، ويتأكد ذلك في الصلاة المكتوبة إذا جهر الإمام بالقراءة 95.
قال الليث: «يقال ما الرحمة إلى أحد بأسرع منها إلى مستمع القرآن، لقول الله جل ذكره: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)، و«لعل» من الله واجبة»96.
والاستماع والإنصات المأمور بهما هما المؤديان بالسامع إلى النظر والاستدلال، والاهتداء بما يحتوي عليه القرآن، ولما جاء به من إصلاح النفوس، وهذا ما يقود إلى الرحمة من الله سبحانه.
يقول الطبري: «ليرحمكم ربكم باتعاظكم بمواعظه، واعتباركم بعبره، واستعمالكم ما بينه لكم ربكم من فرائضه في آياته»97.
فالأمر بالاستماع والإنصات إرشاد إلى طريق الفوز بما أشير إليه من صفات القرآن: الهدى والرحمة، والمنافع الجليلة التي ينطوي عليها القرآن.
والاستماع: أخص من السمع، لأنه إنما يكون بقصد ونية، أما السمع: فيحصل ولو بغير قصد، والإنصات: السكوت للاستماع حتى لا يكون شاغل عن الإحاطة بكل ما يقرأ98.
يقول ابن سعدي: «والفرق بين الاستماع والإنصات، أن الإنصات في الظاهر بترك التحدث أو الاشتغال بما يشغل عن استماعه.
وأما الاستماع له، فهو أن يلقي سمعه، ويحضر قلبه ويتدبر ما يستمع، فإن من لازم على هذين الأمرين حين يتلى كتاب الله، فإنه ينال خيرًا كثيرًا وعلمًا غزيرًا، وإيمانًا مستمرًا متجددًا، وهدى متزايدًا، وبصيرة في دينه، ولهذا رتب الله حصول الرحمة عليهما، فدل ذلك على أن من تلي عليه الكتاب، فلم يستمع له وينصت، أنه محروم الحظ من الرحمة، قد فاته خير كثير»99.
يقول النووي: «ومما يعتنى به ويتأكد الأمر به احترام القرآن من أمور قد يتساهل فيها فمن ذلك اجتناب الضحك، واللغط، والحديث في خلال القراءة إلا كلامًا يضطر إليه، وليمتثل قول الله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأعراف: ٢٠٤]» 100.
وقد ذكر الله حال الكافرين في تواصيهم بعدم سماع القرآن في قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [فصلت: ٢٦].
و(ﯕ ﯖ): أي: إذا تلي لا تسمعوا له، قال مجاهد: يعني: الغوا بالمكاء، والصفير والتخليط في المنطق على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن «101.
١١. الخشية والبكاء والسجود عند القراءة:
القرآن الكريم موعظة القلوب ومذكر النفوس، اشتمل على الترغيب والترهيب، والتذكير للإنسان بمصيره ومآله ورجوعه، فهو يرقق القلب ويبكي العين، ويزيد الإيمان، ويقوي الخشية.
وقد ذكر الله من صفات أهل خشيته، وطرائق أوليائه أنهم عند سماع القرآن وتلاوته توجل قلوبهم، وتقشعر جلودهم وتلين قلوبهم، ويخرون سجدًا وبكيًا، وهذا دليل على خوفهم من الله وتعظيمهم لكتابه، قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [مريم: ٥٨].
يقول القرطبي: «وصفهم بالخشوع والبكاء وضم السجود إلى البكاء، وأبان به عن طريقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في تعظيمهم لله تعالى وآياته»102.
ويقول ابن كثير: «أي: إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه، سجدوا لربهم خضوعًا واستكانة، وحمدًا وشكرًا على ما هم فيه من النعم العظيمة، والبكي»: جمع باكٍ، فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا، اقتداء بهم، واتباعًا لمنوالهم»103.
ووصف الله حالة أهل الخشية عند سماعهم القرآن بقوله: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ) [الزمر: ٢٣ ].
فتقشعر منه جلودهم لما فيه من التخويف والترهيب، ثم تلين عند ذكر الرجاء والترغيب، فهو تارة يرغبهم لعمل الخير، وتارة يرهبهم من عمل الشر104.
وقد امتدح الله أهل العلم الذين إذا يتلى عليهم القرآن يخرون تعظيمًا له وتكريمًا، وعلمًا منهم بأنه من عند الله، فقال سبحانه: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الإسراء: ١٠٧ - ١٠٩].
يقول القرطبي: «هذه مبالغة في صفتهم، ومدحٌ لهم، وحقٌ لكل من توسم بالعلم وحصل منه شيئًا أن يجري إلى هذه المرتبة، فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويذل»105.
لقد كان شأن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند سماعهم القرآن وتلاوته الخشوع والبكاء والسجود، وقدوتهم وأسوتهم في ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ علي، قال: قلت: أقرأ عليك وعليك أنزل، قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري، قال: فقرأت النساء حتى إذا بلغت: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [النساء: ٤١ ].
قال لي: كف -أو أمسك- فرأيت عينيه تذرفان)106.
الإسناد معتمدٌ أصيل، وطريق متين، والقرآن الكريم أعظم المنقولات إسنادًا، وأقدسها اتصالًا، فهو وحي رباني، اتصل بالخالق سبحانه، ونقل عن طريق أمين الوحي جبريل عليه السلام، ونزل على قلب إمام المنذرين، وسيد الخلق أجمعين، يوضح منزلة هذا الإسناد ما يلي:
أولًا: الإسناد إلى الله تعالى:
قراءة القرآن عظمت هيبتها، وعلت منزلتها، وازداد جلالها حينما اتصل سندها بالله عز وجل، فمصدرها طريقٌ إلهي، ووحيٌ رباني، وقد أشار الله في كتابه إلى هذا السند المعظم، والاتصال المقدس، فقال سبحانه: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الشعراء: ١٩٢ - ١٩٤].
أي: أنزله الله إليك بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، وجبريل تلقاه عن الله تعالى سماعًا.
فقد جاء في الحديث عن النواس بن سمعان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تكلم الله بالوحي أخذت السماء رجفة شديدة من خوف الله، فإذا سمع أهل السماء صعقوا، وخروا سجدا، فيكون أولهم يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد، فينتهي به إلى الملائكة، فكلما مر بسماء سأله أهلها ماذا قال ربنا؟ قال: الحق، فينتهي به حيث أمر)107.
وقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [النمل: ٦].
يقول ابن قتيبة: «أي: يلقى عليك القرآن فتلقاه أنت، أي: تأخذه من عند حكيم عليم»108.
وأخبر الله أنه هو الذي سيقرئ نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأمره باتباع قراءته، ليتعلم كيفيتها وطريقتها، وهو المتكفل بحفظها له في صدره، قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ)، وقال سبحانه: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) أي: إذا تلاه عليك جبريل عليه السلام عن الله عز وجل فاستمع لقراءته، ثم اقرأه كما أقرأك.
يقول ابن عاشور: «وقوله: فإذا قرأناه أي: إذا قرأه جبريل عنا، فأسندت القراءة إلى ضمير الجلالة على طريقة المجاز العقلي، والقرينة واضحة»109.
وقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ) [البقرة: ٢٥٢].
فأسند سبحانه التلاوة إلى نفسه؛ لأنها كلامه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بواسطة الملك، وأمر الملك أن يتلوه عليه مبلغًا عنه سبحانه110.
ثانيًا: الإسناد إلى جبريل عليه السلام:
أخبر الله بالواسطة بينه سبحانه وبين نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم في نقل القرآن أنه روح القدس، الملك القوي الكريم، جبريل الأمين عليه السلام، وأقسم سبحانه على فضله، ورفعة منزلته بين الملائكة، مشيدًا بعلو سند القرآن وجلالته فقال سبحانه: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [التكوير: ١٥ - ٢١].
يقول ابن سعدي: «وهذه آيات عظام، أقسم الله بها على علو سند القرآن، وجلالته، وحفظه من كل شيطان رجيم فقال: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) وهو: جبريل عليه السلام نزل به من الله تعالى، ووصفه الله بالكريم لكرم أخلاقه، وكثرة خصاله الحميدة، فإنه أفضل الملائكة، وأعظمهم رتبة عند ربه»111.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ) [النجم: ٥].
أي: نزل بالوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام، شديد القوة على تنفيذ ما أمره الله بتنفيذه، وعلى إيصال الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الصفة التي كان يأتيه جبريل عليه السلام بالوحي عليها، فقد سأله الحارث بن هشام رضي الله عنه فقال: (يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحيانًا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلًا فيكلمني فأعي ما يقول)، قالت عائشة رضي الله عنها: (ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقًا)112.
وهذه الحالة والتي يكون فيها جبريل عليه السلام على هيئته الملكية هي التي نزل القرآن الكريم جميعه عن طريقها.
يقول ابن حجر: «والصلصلة المذكورة صوت جبريل بالوحي والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه صلى الله عليه وسلم الوحي فلا يبقى فيه مكان لغيره»113.
ثالثًا: الإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
اصطفى الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، وشرفه بتبليغ رسالته، وتلاوة كتابه، وأمره بإقراء أمته، فقال سبحانه: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الرعد: ٣٠].
أي: لتبلغهم ما أرسلتك به إليهم من وحيي الذي أوحيته إليك، وتقرأ عليهم القرآن»114.
وقال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ) [النمل: ٩٢].
أي: وأن أتلوا القرآن على الناس، فحذف متعلق التلاوة لظهوره، فقام صلى الله عليه وسلم بمهمته خير قيام، وأقرأ صحابته رضي الله عنهم الكرام.
ووصفه الله بصفة تلاوة القرآن وقراءته تشريفًا وتكريمًا فقال سبحانه: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [آل عمران: ١٦٤].
يقول الرازي: «فقوله: (ﯮ ﯯ ﯰ) إشارة إلى كونه مبلغًا لذلك الوحي من عند الله إلى الخلق»115.
ويقول ابن عاشور: «وابتدأ بالتلاوة؛ لأن أول تبليغ الدعوة بإبلاغ الوحي، وثنى بالتزكية لأن ابتداء الدعوة بالتطهير من الرجس المعنوي وهو الشرك، وما يعلق به من مساوئ الأعمال والطباع، وعقب بذكر تعليمهم الكتاب؛ لأن الكتاب بعد إبلاغه إليهم تبين لهم مقاصده ومعانيه وتعليم الحكمة هو غاية ذلك كله؛ لأن من تدبر القرآن وعمل به وفهم خفاياه نال الحكمة»116.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى تعليم أصحابه رضي الله عنهم قراءة القرآن، ويقرئهم بما أقرأه جبريل عليه السلام، ويقرأ عليهم، ويأمرهم بالقراءة عليه.
فقد ورد عن عثمان رضي الله عنه، وابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان يقرئهم العشر الآيات، فلا يجاوزونها إلى عشرٍ أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، فيعلمهم القرآن والعلم والعمل جميعًا)117.
يقول السخاوي: «كان القراء في الأمر الأول يقرأ المعلم على المتعلم اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يتلو كتاب الله عز وجل على الناس كما أمره الله عز وجل، كذلك كان جبريل عليه السلام يعرضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يلقنونه من يتعلمه خمسًا خمسًا، ويقولون: إن جبريل عليه السلام كذلك كان يلقنه رسول الله صلى الله عليه وسلم»118.
لقد أشار القرآن الكريم إلى أقسام الناس في حالهم مع قراءة القرآن من حيث الانتفاع وعدمه، والإعراض والهجر مبينًا صفاتهم، وموضحًا أسباب كل حالٍ من أحوالهم ووسائله وموجباته، يوضح ذلك ما يلي:
أولًا: القراء المنتفعون بالقراءة:
أشار القرآن الكريم إلى أن المنتفعين بقراءة القرآن وتلاوته هم المؤمنون خاصة، فإذا قرؤوا القرآن وسمعوا قراءته زادتهم قوةً في التصديق، وشدةً في الإذعان، ورسوخًا في اليقين، ونشاطًا في الأعمال الصالحة، وسعةً في العلم والمعرفة، قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الأنفال: ٢].
يقول ابن سعدي: «يحدث في قلوبهم رغبة في الخير، واشتياقًا إلى كرامة ربهم، أو وجلًا من العقوبات، وازدجارًا عن المعاصي، وكل هذا مما يزداد به الإيمان»119.
قال تعالى: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأعراف: ٢].
يقول القرطبي: «خص المؤمنين لأنهم المنتفعون به»120.
ومن صفات المنتفعين بقراءة القرآن أنهم أهل خشية وخوف من الله عز وجل، يظهر ذلك على جوارحهم.
قال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [طه: ١ - ٣].
فخص بالتذكرة من يخشى دون غيرهم، لأنهم هم المنتفعون بها، كقوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [ق: ٤٥]121.
وقال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ) [الزمر: ٢٣].
يقول ابن كثير: «كان الصحابة رضي الله عنهم عند سماعهم كلام الله من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقشعر جلودهم، ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله، ولم يكونوا يتصارخون ولا يتكلفون ما ليس فيهم، بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية ما لا يلحقهم أحد في ذلك؛ ولهذا فازوا بالقدح المعلى في الدنيا والآخرة»122.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ) [المائدة: ٨٢].
وفيض دموعهم؛ لمعرفتهم بأن الذي يتلى عليهم من كتاب الله الذي أنزله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حقٌ.
ومن صفات المنتفعين بقراءة القرآن الكريم الاهتداء بهديه في السير على الطريق المستقيم في حياتهم الموصل إلى رضوان الله، قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [المائدة: ١٦].
يقول ابن كثير: «ينجيهم من المهالك، ويوضح لهم أبين المسالك، فيصرف عنهم المحذور، ويحصل لهم أحب الأمور، وينفي عنهم الضلالة، ويرشدهم إلى أقوم حالة
وقال: وهذه صفة المؤمنين المنتفعين بالقرآن، فهم في الدنيا على منهاج الاستقامة، وطريق السلامة في جميع الاعتقادات، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات»123.
ثانيًا: القراء غير المنتفعين بالقراءة.
لقد أخبر الله في كتابه العزيز بأن الذين لا يؤمنون بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا ينتفعون بقراءة القرآن وتلاوته، ففي آذانهم ثقل عن استماعه، وفي قلوبهم عمى فلا يبصرون هدايته.
قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ) [فصلت: ٤٤].
يقول الطبري: «وهذا القرآن على قلوب هؤلاء المكذبين بها عمى عنه، فلا يبصرون حججه عليهم، وما فيه من مواعظه»124.
قال قتادة: «عموا عن القرآن وصموا عنه، فلا ينتفعون به»125.
لقد أشار الله في كتابه إلى أن عدم الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم مانع قوي وعظيم من الانتفاع بالقرآن الكريم عند سماعه وقراءته؛ لأنه يطفئ نور القلب ويظلمه، ويرين عليه، ويحجبه، ويجعله في قفل وغطاء وأكنة، ويختم عليه، ويحمله على الإنكار، بل ويعطل الحواس من سمع وبصر وعقل عن الفهم والتدبر.
قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ) [الإسراء: ٤٥ - ٤٦].
أي: جعلنا بين القرآن إذا قرأته وبين الكفار حجابًا يحول بينهم وبين فهمه وتدبره، والإيمان به، والأكنة: جمع: «كنان» وهو الغطاء الذي يغشى القلب فلا يفقه القرآن، ولا ينتفع به.
يقول ابن كثير: «أن يفقهوه، أي: لئلا يفهموا القرآن، ففي آذانهم الثقل الذي يمنعهم من سماع القرآن سماعًا ينفعهم ويهتدون به»126.
بل عاقبهم الله بالطبع على قلوبهم، وجعلها غلف كالأوعية المغلقة فلا تعي ولا تفقه ما تقرأه عليهم، قال تعالى: «(ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الروم: ٥٨ -٥٩].
ولقد حذر الله في كتابه العزيز من مشابهة أهل الكتاب في قراءتهم للتوراة والإنجيل دون انتفاع بها، أو إيمان بما فيها.
قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [البقرة: ٧٨].
لا يعلمون من الكتاب إلا قراءة ألفاظٍ دون إدراك معانيها.
يقول ابن سعدي: «ليس لهم حظ من كتاب الله إلا التلاوة فقط»127.
وعن زياد بن لبيد رضي الله عنه قال: (ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا، قال: (وذاك عند أوان ذهاب العلم، قال: قلنا يا رسول الله يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن، ونقرئه أبناءنا، ويقرئه أبناؤنا أبناءهم إلى يوم القيامة، قال: ثكلتك أمك يا ابن أم لبيد إن كنت لأراك من أفقه رجلٍ بالمدينة، أوليس هذه اليهود والنصارى يقرؤون التوراة والإنجيل فلا ينتفعون مما فيهما بشيء)128.
ثالثًا: الهاجرون للقراءة:
جاء الذم في القرآن الكريم لهجر القرآن، ونقل الله عز وجل شكاية رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ربه من حال قومه في هجرهم للقرآن وإعراضهم عنه، فقال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الفرقان: ٣٠].
ونقل الإمام الطبري عن ابن زيد قوله: «لا يريدون أن يسمعوه، وإن دعوا إلى الله قالوا لا، وقرأ: (ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ) [الأنعام: ٢٦].
قال: ينهون عنه، ويبعدون عنه».
وقال الطبري: وهذا القول أولى بتأويل ذلك، وذلك أن الله أخبر عنهم أنهم قالوا: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [فصلت: ٢٦]. وذلك هجرهم إياه»129.
قال القرطبي: «وقيل: معنى (ﯠ) أي: متروكًا. ونقل عن أنسٍ مرفوعًا: (من تعلم القرآن وعلق مصحفه لم يتعاهد، ولم ينظر فيه، جاء يوم القيامة متعلقًا به يقول يا رب العالمين إن عبدك هذا اتخذني مهجورًا فاقض بيني وبينه)130.
وجاء الندب في السنة المطهرة إلى قراءة القرآن في البيوت، وعدم هجر قراءة القرآن فيها فتكون كالقبور، فالموتى في قبورهم لا يقرؤون قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأنعام: ٣٦].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة)131.
رابعًا: المعرضون عن القراءة:
قراءة القرآن هي الحياة للقلب، والسعادة في الدارين، والإعراض عنها، وعن تدبر القرآن، والعمل به سبب في عقوبات عظيمة:
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [طه: ١٢٤].
فعن ابن عباس رضي الله عنه، قال: «معيشةً ضنكا: الشقاء»132.
يقول البغوي: «(ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) يعني: القرآن فلم يؤمن به ولم يتبعه، فإن له معيشة ضنكا، ضيقا»133.
ويقول ابن كثير: «(ﯹ ﯺ) أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه في قلقٍ وحيرة وشك»134.
قال تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [طه: ١٢٥ -١٢٦].
فالمعرض عن آيات الله يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة، في تناسٍ لحاله وعدم اعتبار به، فالجزاء من جنس العمل، فلما أعرض عن آيات الله، وعاملها معاملة من لم يذكره فكذلك يعامله الله معاملة من ينساه135، بل يحمل حملًا ثقيلًا من الآثام والأوزار، وبئس الحمل حمله يوم القيامة.
قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [طه: ١٠٠ -١٠١].
يقول الله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [السجدة: ٢٢].
أي: لا أظلم ممن ذكره الله بآياته وبينها له، ثم بعد ذلك تركها وجحدها، وأعرض عنها وتناساها، كأنه لا يعرفها، وسينتقم الله ممن فعل ذلك أشد الانتقام.
قال قتادة رحمه الله: «إياكم والإعراض عن ذكر الله، فإن من أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرة، وأعوز أشد العوز، وعظم من أعظم الذنوب»136.
يقول ابن كثير: «وقد أدخل بعض المفسرين - نسيان القرآن في معنى الإعراض - فإن الإعراض عن تلاوة القرآن، وتعريضه للنسيان وعدم الاعتناء به فيه تهاون كثير، وتفريط شديد، نعوذ بالله منه»137.
والمعرضون عن قراءة القرآن لا ينتفعون به فحالهم كحال الأموات الذين لا يسمعون، قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [فاطر: ٢٢].
يقول ابن عاشور: «وإن عدم انتفاع المعرضين هو بسبب موت قلوبهم فكأنهم الأموات في القبور، وأنت لا تستطيع أن تسمع الأموات واستعير من في القبور للذين لم تنفع فيهم النذر، وعبر عن الأموات بمن في القبور لأن من في القبور أغرق في الابتعاد عن بلوغ الأصوات؛ لأن بينهم وبين المنادي حاجز الأرض»138.
أرشد القرآن الكريم إلى قراءته مرتبًا عليها ثمرات عظيمة، ومنافع عديدة، من حصول الأجر، وإصابة الحق، وبلوغ منزلة العلم والخشة لله عز وجل يوضح ذلك ما يلي:
أولًا: ثمرات قراءة القرآن:
قراءة القرآن عبادة عظيمة، ومنزلتها رفيعة، فقد أشار القرآن الكريم إلى ثمراتها، ومنها:
قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [فاطر: ٢٩].
يقول البغوي: «(ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) يعني: قرأوا القرآن يرجون تجارة لن تبور، لن تفسد ولن تهلك، والمراد من التجارة ما وعد الله من الثواب»139.
وروي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك. فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار)140.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)141.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الزمر: ١٨].
فهم الذين هداهم الله، ووفقهم للرشاد، وإصابة الصواب، فهم يميزون بين ما يؤمرون به، وبين ما ينهون عنه142.
يقول ابن عاشور: «وقد دل ثناء الله على عباده المؤمنين الكمل بأنهم أحرزوا صفة اتباع أحسن القول الذي يسمعونه ويقرؤونه، على شرف النظر والاستدلال للتفرقة بين الحق والباطل، وللتفرقة بين الصواب والخطأ، ولغلق المجال في وجه الشبهة ونفي تلبس السفسطة»143.
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [ص: ٢٩].
يقول السيوطي: «وتسن القراءة بالتدبر والتفهم فهو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب»144.
وقال ابن سعدي: «هذه هي الحكمة من إنزاله ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمه، ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل ﺑﻬا هذا المقصود، وأن هذا المقصود من التذكر»145.
لقد وصف الله أهل العلم بانتفاعهم بقراءة القرآن وتلاوته وأن ذلك يثمر عندهم خشوعًا وبكاءًا وخشية فقال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الإسراء: ١٠٧].
قال القرطبي: «قال الحسن: الذين أوتوا العلم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا إذا تلوا كتابهم وما أنزل عليه من القرآن خشعوا وسجدوا وسبحوا»146.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: «مدح الله العلماء في هذه الآية، والمعنى: أن الله تعالى يرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به»147.
قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [آل عمران: ٧].
فأهل العلم الراسخون فيه، الذين وصل العلم واليقين إلى أفئدتهم، يعلمون أن القرآن كله من عند الله، وأنه كله حق، محكمه ومتشابهه، فيؤمنون به148.
يقول ابن عاشور: «هم الذين تمكنوا في علم الكتاب، ومعرفة محامله، وقام عندهم من الأدلة ما أرشدهم إلى مراد الله تعالى، بحيث لا تروج عليهم الشبه»149.
وإذا كان الحق سبحانه حث على طلب القراءة فيما ينفع، ويحصل به العلم؛ ومن باب: «وبضدها تتميز الاشياء» ففي المقابل نجده سبحانه قد نعى على أولئك الذين يتعلمون ما فيه شرٌ وضرر، قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ) [البقرة: ١٠٢].
أي: يضرهم في دينهم، وليس له نفع يوازي ضرره.
ثانيًا: ثمرات القراءة في كتاب الكون:
الكون كتاب مفتوح لكل قارئ له، فهو ميدان رحب للتفكر والتدبر فيما أودع الله فيه من آيات بينات، ودلائل واضحات، فإن الأرض والسماء، والبحار والجبال وما فيهما من مخلوقات عجيبة، وكائناتٍ حية، وما قامت عليه من نظام محكم دقيق؛ ليجعل المؤمن المتبصر يدرك صنع الله وقدرته وحكمته.
وقد أرشد الله الخلق في كتابه إلى قراءة هذا الكتاب بعين العقل والفكر والوجدان، قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [يونس: ١٠١].
يقول ابن عاشور: «أي: فادعهم إلى النظر في دلائل الوحدانية والإرشاد إلى تحصيل أسباب الإيمان، ودفع غشاوات الكفر، وذلك بالإرشاد إلى النظر والاستدلال بما هو حول الإنسان من أحوال الموجودات، وتصاريفها الدالة على الوحدانية، مثل أجرام الكواكب، وتقادير مسيرها، وأحوال النور والظلمة والرياح والسحاب والمطر، وكذلك البحار والجبال» 150.
وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد نزلت علي الليلة آيةٌ ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ)) [البقرة: ١٦٤]151.
فالقراءة في كتاب الكون المفتوح، وتتبع يد الله المبدعة، وهي تحرك هذا الكون، وتقلب صفحات هذا الكتاب هو عبادة لله من صميم العبادة.
فالكون ليس جامدًا ولا صامتًا، ولا أصمًا أبكمًا، ولكنه كتاب ناطق بالحجة والبرهان على وحدانية الله جل جلاله.
ومن سدت عيناه عن قراءة كتاب الكون، وكان في هذه الدنيا أعمى القلب عن رؤية قدرة الله وآياته ورؤية الحق، فهو في الآخرة أشد عمى، وأضل سبيلا.
قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الإسراء: ٧٢].
اليوم الآخر تجتمع فيه الخلائق عند ربهم، ويقوم الناس لرب العالمين، وهو يوم الجزاء والحساب، ينشر الله فيه سجلات الأعمال، وصحائف الحسنات والسيئات فيعرف المرء عمله، فيكون المؤمن فرحًا مسرورًا يأخذ كتابه بيمينه، ويكون الكافر خائفًا وجلًا يأخذ كتابه بشماله.
ويوم القيامة يأمر الله المرء بقراءة كتابه، قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الإسراء: ١٤].
يقرؤه هو وغيره، فيه جميع ما عمله من أول عمره إلى آخره.
قال قتادة: «سيقرأ يومئذٍ من لم يكن قارئًا في الدنيا»152.
قال تعالى: (ﭾ ﭿ) [الكهف: ٤٩].
أي: كتاب الأعمال وديوانه، وضع ونشر، ليقرأ ما فيه من الحسنات والسيئات.
وقد قرأ بعضهم153: (ﮦ تتلوا ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [يونس: ٣٠].
قال ابن كثير: «فسرها بعضهم بالقراءة»154، ويقول الطبري: «يتلو كتاب حسناته وسيئاته»155.
وقال بعض الصلحاء: «الكتاب يوم القيامة، لسانك قلمه، وريقك مداده، وأعضاؤك قرطاسه، أنت كنت المملي على حفظتك، ما زيد فيه، ولا نقص منه، ومتى أنكرت منه شيئًا يكون فيه الشاهد منك عليك»156.
فالقراءة يوم القيامة شاهد حي، ولسان ناطق، وباب من أبواب إقامة الحجة، فأمر الله بها يوم القيامة يذكر بالأمر بها في الدنيا، ففي الدنيا جاء الأمر: (ﮭ) ويوم القيامة جاء الأمر: (ﮭ) دلالة على ما بين الأمرين ماذا قرأ الإنسان وماذا حصل.
وينقسم الناس يوم القيامة في قراءتهم لكتاب أعمالهم إلى فريقين: فريق آخذ كتابه بيمينه، وفريق آخذ كتابه بشماله، واحد يوضع له كتابه فتجري على وجهه نضرة النعيم، وآخر يوضع له كتابه فتعلو وجهه ظلمة الجحيم.
فأهل اليمين: يقرؤون كتابهم مسرورين فرحين، قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الإسراء: ٧٢].
يقول ابن عطية: «يقرؤون كتابهم، عبارة عن السرور بها، أي: يرددونها ويتأملونها»157، ويقول ابن كثير: «أي: من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصالح، يقرؤه ويحب قراءته»158.
قال تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الحاقة: ١٩].
فدعوته الناس إلى القراءة علامة الفرح والنشاط وقوة العزيمة، أي: دونكم كتابي فاقرؤوه فإنه يبشر بالجنات، وأنواع الكرامات، ومغفرة الذنوب، وستر العيوب159.
وأما أهل الشمال: فيعطون كتاب أعمالهم السيئة بشمالهم، تمييزًا لهم وخزيًا وعارًا، فيضعه وراء ظهره حتى لا يطلع عليه أحد؛ لأنه يعلم أن هذا الكتاب مليء بالسيئات، فهو لا يريد أن يطلع الناس على ما عمله، قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الحاقة: ٢٥].
يقول ابن عاشور: «وتمنى كل من أوتي كتابه بشماله أنه لم يؤت كتابه؛ لأنه علم من الاطلاع على كتابه أنه صائر إلى العذاب، فيتمنى أن لا يكون علم بذلك إبقاء على نفسه من حزنها زمنًا فإن ترقب السوء عذاب»160.
يقول صاحب الكشاف: «لـم خص أصحاب اليمين بقراءة كتابهم، كأن أصحاب الشمال لا يقرؤون كتابهم؟.
قلت: بلى، ولكن إذا اطلعوا على ما في كتابهم، أخذهم ما يأخذ المطالب بالنداء على جناياته، والاعتراف بمساويه، أما التنكيل به والانتقام منه، من الحياء والخجل والانخزال، وحبسه اللسان، والتتعتع، والعجز عن إقامة حروف الكلام، والذهاب عن تسوية القول، فكأن قراءتهم كلا قراءة.
وأما أصحاب اليمين فأمرهم على عكس ذلك، لا جرم أنهم يقرؤون كتابهم أحسن قراءة وأبينها، ولا يقنعون بقراءتهم وحدهم حتى يقول القارئ لأهل المحشر: (ﮞ ﮟ ﮠ) [الحاقة: ١٩]161.
أثر القراءة في نهضة الأمة الإسلامية
إن القراءة من أهم وسائل اكتساب العلوم والمعارف المختلفة، والاستفادة من منجزات المتقدمين والمـتـأخــرين وخبراتهم، فهي طريق التعلم والمعرفة، والحاجة لها لا تقل أهمية عن الحاجة إلى الطعام والشراب، فبالقراءة تحيا العقول، وتستنير الأفئدة، ويستقيم الفكر.
فهي من أعظم أسباب نهضة الأمة، وسمو مكانتها، وارتفاع شأنها لما يلي:
أولًا: تحصيل العلم الشرعي:
القراءة تعد وسيلة مهمة لتحصيل العلم الشرعي وإدراكه؛ من خلال تلاوة كتاب الله عز وجل وفهم معانية، والقراءة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، شرحًا وتعليقًا، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة.
وقد أثنى الله على أهل العلم ورفع شأنهم وجعل لهم التكريم والتفضيل على سائر الخلق، قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الزمر: ٩].
يقول ابن جماعه: - معلقًا على قوله صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء) - «وحسبك هذه الدرجة مجدًا وفخرًا، وبهذه الرتبة شرفًا وذكرًا، فكما لا رتبة فوق رتبة النبوة، فلا شرف فوق شرف وارث تلك الرتبة»162.
فالعلم والتعلم سلم المجد، وباب الترقي والنهوض، ولو نظرنا إلى واقع الأمم الصاعدة والمتقدمة نجد أنها اعتمدت التعليم أساسًا لتقدمها الحضاري، فحرصت على إشاعة العلم وتيسير أسبابه، وجعلت مفتاح ذلك: التشجيع على القراءة، والتحريض عليها، وترويجها بين فئات المجتمع المختلفة.
يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [القلم: ٣ - ٤].
«وأن من كرمه تعالى: أن علم الإنسان ما لم يعلم، فشرفه وكرمه بالعلم، وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة»163.
روى سعيد عن قتادة قال: «القلم نعمة من الله تعالى عظيمة، لولا ذلك لم يقم دين، ولم يصلح عيش، فدل على كمال كرمه سبحانه، بأنه علم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة، لما فيه من المنافع العظيمة، التي لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم، ولا قيدت الحكم، ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي ما استقامت أمور الدين والدنيا»164.
ثانيًا: توسيع المدارك وتعزيز الملكة الفكرية:
القراءة وسيلة لتوسيع المدارك والقدرات وتعزيز الملكة الفكرية؛ لأن المرء حينما يقرأ في علوم المقاصد وعلوم الوسائل، ويقرأ في ما ألف قديمًا وما ألف حديثًا؛ فإن ذلك مدعاة لتوسيع مداركه وإثراء عقليته، والاطلاع على الثقافات المختلفة والحضارات المتنوعة، والتجارب المتباينة، والتي يستفيد المرء من صوابها ويطلع على فضائلها، بل تفتح له بابًا في مجال الاجتهاد والتجديد، فباب الاجتهاد والتجديد إنما يتحرك انفتاحًا أو انغلاقًا بمقدار القراءة والاطلاع، فالقارئ الذي يتوغل بقراءته إلى أعماق التاريخ، ويجول ببصره في رحاب الواقع هو القادر على تقديم رؤى جديدة تستوعب الرؤى السالفة وتأخذ بأحسنها، ثم تضيف إليها165.
ولذلك نقل عن أعلام السلف - والذين كان لهم إسهام في نهضة الأمة - كثرة كتبهم وسعة اطلاعهم، فالحافظ ابن القيم الجوزية كان مغرمًا بجمع الكتب فحصل منها ما لا يحصر، حتى كان أولاده يبيعون منها دهرًا طويلًا سوى ما اصطفوه لأنفسهم166.
ونقل عن الجاحظ قوله: «ما وقع في يدي كتاب إلا وقرأته من أوله إلى آخره، أي كتاب كان»167.
بل نقل شغفهم بالكتب واهتمامهم بها، يقول ابن المعتز في وصف الكتاب «الكتاب والج للأبواب، جريء على الحجاب، مفهمٌ لا يفهم، وناطق لا يتكلم، وبه يشخص المشتاق إذا أقعده الفراق، فأما القلم فمجهزٌ لجيوش الكلام، يخدم الإرادة ولا يمل الاستزادة، ويسكت واقفًا، وينطق سائرًا على أرض بياضها مظلم، وسوادها مضيء».
ونقل الخطيب البغدادي عن محمد بن علي النحوي، قال: «ودع رجلٌ صديقًا له فقال له: استعن على وحشة الغربة بقراءة الكتب، فإنها ألسن ناطقة، وعيون رامقة»168.
وفي المقابل فإن الشعوب التي لا تملك بنية معرفية صحيحة، وسعة فكرية سليمة فإنها تنعت بالتخلف، وتصبح في ذيل الأمم معرفةً وصناعةً وسلوكًا، وما ذاك إلا نتيجة طبيعية لانحسار ممارسة القراءة والعناية بها، وتقدير العلم والتعلم.
ومن المؤسف أن ترى في العالم الإسلامي من يستحوذ على ناشئة المسلمين وشبابهم، بإشغال أفكارهم، واستمال قلوبهم بسيل جرار من وسائل الترفيه، واللعب، مع ما يصحب ذلك من استحواذ الشاشات والفضائيات، وألعاب الكمبيوتر، والمحادثات الفارغة عبر وسائل التواصل كل ذلك على حساب الاستفادة من الوقت تعلمًا وقراءة، حتى صار الداعون للقراءة والمشتغلون بها غرباء في مجتمعهم169.
ثالثًا: حفظ الوقت واستثماره:
القراءة وسيلة لاستثمار الوقت وحفظه، فحفظ الوقت من أعظم النفائس، وأجل الذخائر، وهو من أسباب رقي الأمة ونهضتها.
يقول ابن القيم: «فالوقت منقض بذاته، منصرم بنفسه، فمن غفل عن نفسه تصرمت أوقاته، وعظم فواته، واشتدت حسراته»170.
ولقد ضرب عظماء المسلمين ممن كانت لهم الريادة في رقي الأمة أروع الأمثلة في الاستفادة من الوقت في القراءة والتأليف، فقد نقل عن الخليل بن أحمد الفراهيدي قوله: «أثقل الساعات علي: ساعة آكل فيها»171.
موضوعات ذات صلة: |
الأمية، التدبر، القرآن، الكتابة |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٥/٧٨.
2 انظر: الصحاح، الجوهري، ١/٩٢، مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٧٨، لسان العرب، ابن منظور، ١٢/٥٠، تاج العروس، الزبيدي ١/٣٠٦.
3 انظر: لسان العرب ١٢/٥١، تاج العروس ١/٣٠٧.
4 الكليات ص ٧٠٣.
5 التحرير والتنوير ٣٠/٢٥٣.
6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٥٣٩-٥٤٠، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب القاف ص٩٣٧-٩٣٨.
7 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١/١٢٨، تاج العروس، مرتضى الزبيدي، ص ٣٧٠-٣٧١، الفروق اللغوية، العسكري، ص١٤٠-١٤١، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٤/٢٦٢-٢٦٦.
8 انظر: العين، الفراهيدي ٨/١٣٤، الصحاح، الجوهري، ٦/٢٢٩٠، لسان العرب، ٢/٢٣٥، تاج العروس، ٣٧/٢٤٩.
9 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٣٦٩.
10 انظر: التمهيد في علم التجويد، ابن الجزري ص ٥٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٢٥٦.
11 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٦٧.
12 الفروق اللغوية، العسكري ص ١٤٠.
13 انظر: غريب القرآن، ابن قتيبة ص ٢٢٢، الصحاح، الجوهري ٤/١٧٠٤، لسان العرب، ابن منظور ٣/١٥٧٨.
14 انظر: العين، الفراهيدي ٨/١١٣.
15 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٣/١٥٧٨.
16 انظر: التحديد في الإتقان والتجويد، أبو عمرو الداني ص ٧٢.
17 انظر: الصحاح، الجوهري ١/٢٠٨، مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/١٥٨.
18 انظر: تاج العروس، الزبيدي ١/٣٦٣.
19 انظر: البرهان في علوم القرآن، الزركشي ١/٢٧٧، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/١٣٥.
20 انظر: تاج العروس، الزبيدي ١/٣٦٣، النبأ العظيم، محمد دراز ص ١٢- ١٣.
21 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/١٣٥، تاج العروس، الزبيدي ٣١/٢٣٧.
22 انظر: تفسير القرآن، ابن كثير ١/٣١٠.
23 انظر: الكليات، الكفوي ص ١٨٢، محاسن التأويل، القاسمي ١/٥٧.
24 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٣٧١، معالم التنزيل، البغوي ٥/٢٤٢، تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ٨/٣٧٨.
25 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/١٨.
26 إرشاد العقل السليم، أبو السعود باختصار ٩/١٤٤.
27 فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر ٩/٨١.
28 روح المعاني، الألوسي ٣٠/١٠٥
29 انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ١/٥١، النبأ العظيم، محمد دراز ص ٥٠.
30 النشر في القراءات العشر ١/٥١.
31 جامع البيان في القراءات السبع، الداني ١/٥١.
32 انظر: القراءة أولًا، محمد عدنان ص ١٦.
33 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/١٢٠.
34 انظر: التفسير البياني، بنت الشاطئ ٢/١٤.
35 مجموع الفتاوى ابن تيمية، بتصرف يسير ٤/٣٨.
36 التحرير والتنوير، باختصار ٤/٤٣٨.
37 مفاتيح الغيب، الرازي ٣٢/٢١٨.
38 الكشاف، الزمخشري ٤٤/٧٧٦.
39 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٦/١٦٢٥.
40 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٩/١٧.
41 جامع البيان، الطبري ١/١١٤.
42 انظر: الكشاف، الزمخشري ٤/٧٨١، فتح القدير، الشوكاني ٥/٤٦٨.
43 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢٠/١١٩.
44 النكت في معاني القرآن وإعرابه، القيرواني ص ١٠٣.
45 مفاتيح الغيب، الرازي ١/٦٨.
46 التبيان في آداب حملة القرآن ص ٨١.
47 جامع البيان في القراءات السبع، أبو عمرو الداني: ١/٤٠٥.
48 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي١/٦٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٤٣٦.
49 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٥/٤٦٨.
50 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١/٥٣١٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٤٣٦.
51 تفسير الراغب الأصفهاني ١/٤٧.
52 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٢٩٥، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٤٩.
53 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٤٣٩.
54 انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ١/٢٥٧.
55 إبراز المعاني في شرح حرز الأماني، أبو شامة ص ٦١.
56 التبيان في آداب حملة القرآن ص ١/٤.
57 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٤٣٢.
58 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار، ٦/٤٧، رقم ٥٠٢٣.
59 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٦٧.
60 أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب المجدور يتيمم، ١/٢٥٢، رقم ٣٣٦، وابن ماجه، كتاب الطهارة، باب المجروح تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه إن اغتسل، ١/٣٦٢، رقم ٥٧٢.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٠٥، رقم ٤٣٦٤.
61 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٠٧.
62 انظر: البرهان في علوم القرآن، الزركشي ٣/٩، من بلاغة القرآن، أحمد البيلي ص ١١٢.
63 انظر: تفسير المراغي ٣٠/١٩٩.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب استذكار القرآن وتعاهده، ٦/١٦٣، رقم ٥٠٣١.
65 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، ٢/١٤٢، رقم ٧٤٧.
66 النشر في القراءات العشر ١/٢١٣.
67 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٦٨١.
68 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٥٠.
69 التبيان في آداب حملة القرآن، مختصرا: ص ٩١.
70 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، ١/٥٣٦، رقم١٨٥٠.
71 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب فضائل القرآن، باب في القراءة يسرع بها، ٦/١٤١، والبغوي في معالم التنزيل ٤/٤٠٧، والبيهقي في شعب الإيمان، ١/٣٤٤.
72 النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ١/٢٠٧.
73 نقل الخلاف النووي في المجموع شرح المهذب ٢/١٦٥، وابن الجزري في النشر ١/٢٠٧، والسيوطي في الإتقان ١/٣٦٨.
والحديث أخرجه الترمذي في سننه، أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء فيمن قرأ حرفًا من القرآن ما له من الأجر، ٥/١٧٥، رقم ٢٨١٠، والبيهقي في شعب الإيمان ٣/٣٣٤.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
74 النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ١/٢٠٩.
75 فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر ٩/٨٩.
76 النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ١/٢٠٧.
77 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٧٨.
78 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٧.
والحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، ٤/٣٩، رقم ٣٠٠٩.
79 الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة، مكي بن أبي طالب ص ٨٩.
80 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٣٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٩٢.
81 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣٠/٦٣٨، البحر المحيط، أبو حيان ١٠/٣١٤.
82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ١/٢، رقم ٢.
83 أخرجه أحمد في مسنده، ٦/١١٨، رقم ٢٥٥٠٨، والحاكم في المستدرك، ٢/٥٩٤، رقم ٣٩٢٢.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
84 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٣٨، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٥٨.
85 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٧/١١٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٢٦٠.
86 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٢٦٠.
87 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٣٥٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٨٢.
88 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٤١.
89 جامع البيان، الطبري ٢٣/٦٨٦.
90 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/٤١.
91 زاد المسير ٤/٣٥٤.
92 التبيان في آداب حملة القرآن ص ٤٤.
93 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، ٨/٧١، رقم ٧٠٢٨.
94 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٢٩.
95 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٥٣٦، فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٨٠.
96 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٩.
97 جامع البيان، الطبري ١٣/٣٤٥.
98 انظر: روح المعاني، الألوسي ٩/١٥٠، تفسير المراغي ٩/١٥٤.
99 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣١٤.
100 التبيان في آداب حملة القرآن ص ٩٢.
101 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٧٤.
102 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/١٢٠.
103 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٢٤٢.
104 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٢٢.
105 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٣٤٢.
106 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب البكاء عند قراءة القرآن، ٦/٢٤٣، رقم ٥٠٥٥، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه للاستماع والبكاء عند القراءة والتدبر، ٢/١٩٥، رقم ١٩٠٣.
107 أخرجه الطبراني في مسند الشاميين ١/٣٣٦، رقم ٥٩١، والطبري في تفسيره ٢٠/٣٩٠.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٦/٤٧٥: أخرجه الطبراني عن شيخه يحيى بن عثمان بن صالح وقد وثق..وبقية رجاله ثقات.
108 غريب القرآن، ابن قتيبة ص ٣٢٢.
109 التحرير والتنوير ٢٩/٣٤٩.
110 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٧/١٨٦.
111 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩١٢.
112 سبق تخريجه قريبًا ص ٣٧.
113 فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر ١/٢٠.
114 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٤٤٥، فتح القدير، الشوكاني ٣/٨١.
115 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٤١٩.
116 التحرير والتنوير ٢٨/٢٠٩.
117 أخرجه أحمد في مسنده ٣٨/٤٦٦، رقم ٢٣٤٨٦، وابن أبي شيبة في مصنفه، ٦/٢٣٧.
118 جمال القراء، السخاوي ص ٥٣٠.
119 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣١٥.
120 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٢١٧.
121 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٥.
122 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٥٥.
123 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير بتصرف يسير ٣/٦٨.
124 جامع البيان، الطبري ٢١/٤٨٤.
125 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٧/١٧٧.
126 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٨٢.
127 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٦.
128 أخرجه أحمد في مسنده، ٤/٢١٨، رقم ١٧٩١٩، والحاكم في المستدرك ٣/٦٨١، رقم ٦٥٠٠، والطبراني في الكبير ٥/٢٦٥، ٥٢٩١.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
129 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٦٤.
130 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٢٨.
131 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد، ٢/١٤٥، رقم ١٨٦٠.
132 جامع البيان، الطبري ١٨/٣٩٠.
133 معالم التنزيل، البغوي ٣/٢٧٨.
134 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٢٣.
135 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٣٢٤.
136 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٧٠.
137 المصدر السابق ١/٧٣.
138 التحرير والتنوير ٢٢/٢٩٦.
139 معالم التنزيل، البغوي ٣/٦٩٤.
140 أخرجه أحمد في مسنده ٥/٣٥٢، رقم ٢٢٩٥٠، والحاكم في المستدرك وصححه، ١/٧٤٢، رقم ٢٠٤٣، والبيهقي في شعب الإيمان ٣/٣٧٥، رقم ١٨٣٥.
141 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء فيمن قرأ حرفًا من القرآن ما له من الأجر، ٥/١٧٥، رقم ٢٩١٠، والبيهقي في شعب الإيمان ٣/٣٣٤، رقم ١٧٨٦.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
142 انظر: جامع البيان، الطبري ٤/٨٢، فتح القدير، الشوكاني ٤/٤٥٦.
143 التحرير والتنوير، بتصرف ٢٣/٣٦٧.
144 الدر المنثور، السيوطي ١/٣٦٨.
145 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧١٢.
146 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٣٤٠.
147 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٨/٥٤٥.
148 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٦٢.
149 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/١٦٤.
150 التحرير والتنوير ١١/٢٩٥.
151 أخرجه ابن حبان في صحيحه، باب التوبة، ٢/٣٨٧، رقم ٦٢٠.
152 معالم التنزيل، البغوي ٣/١٢٤.
153 قراءة: حمزة والكسائي وخلف العاشر.
انظر: السبعة، ابن مجاهد ص ٣٢٥، النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ١/٢٦.
154 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٦٥.
155 جامع البيان، الطبري ١٥/٨١.
156 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٠/٢٣٠.
157 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٤٩١.
158 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٩٩.
159 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٨٣.
160 التحرير والتنوير ٢٩/١٣٥.
161 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٦٨٢.
162 تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم، بدر الدين بن جماعة ص ٧.
163 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٤٣٧.
164 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/١٢٠.
165 انظر: القراءة أولًا، محمد عدنان سالم ص ١٦.
166 انظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ابن حجر ٥/١٣٨.
167 تقييد العلم،الخطيب البغدادي ص ١٣٩.
168 المصدر السابق ص ١٢٠.
169 انظر: الإضاءة في أهمية الكتابة والقراءة، خالد النصار ص ٦.
170 مدارج السالكين ٣/٥٠.
171 قيمة الزمن عند العلماء، أبو غدة ص ٦٦.