عناصر الموضوع
الفقه
أولًا: المعنى اللغوي:
يدل أصل مادة (فقه) على إدراك الشيء والعلم به، تقول: فقهت الحديث أفقهه، وكل علمٍ بشيءٍ فهو فقهٌ، ثم اختص بذلك علم الشريعة، فقيل لكل عالمٍ بالحلال والحرام: فقيهٌ1.
والفقه: العلم في الدين، يقال: فقه الرجل يفقه فقهًا فهو فقيهٌ، وفقه يفقه فقهًا إذا فهم، وأفقهته: بينت له، والتفقه: تعلم الفقه2.
والفقه: العلم بالشيء والفهم له، وغلب على علم الدين لسيادته وشرفه وفضله على سائر أنواع العلم، كما غلب النجم على الثريا3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الجرجاني: الفقه: في الاصطلاح: «هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية، وقيل: هو الإصابة والوقوف على المعنى الخفي الذي يتعلق به الحكم، وهو علم مستنبط بالرأي والاجتهاد، ويحتاج فيه إلى النظر والتأمل»4، والفقه: هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد، فهو أخص من العلم 5.
وردت مادة (فقه) في القرآن الكريم (٢٠) مرة 6.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٢٠ |
(ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [طه:٢٧-٢٨] |
وجاء الفقه في الاستعمال القرآني بمعناه في اللغة، وهو إدراك الشيء والعلم به7.
العلم:
العلم لغةً:
نقيض الجهل، والمعرفة، واليقين، والعلامة: النسابة، وهو من العلم8، ويقال: «علمت الشيء أعلمه علمًا:عرفته»9.
العلم اصطلاحًا:
عرفه الجرجاني: «العلم:هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع، ونقل عن الحكماء فقال:هو حصول صورة الشيء في العقل»10.
الصلة بين العلم والفقه:
الفقه هو العلم، وهو العلم النافذ الذي يخترق العوائق لإدراك لب الدين11.
الفهم:
الفهم لغة:
العلم بالشيء ومعرفته12.
وفي لسان العرب:الفهم معرفتك الشيء، وهو حسن تصور المعنى13.
الفهم اصطلاحًا:
هو تصور الشيء من لفظ المخاطب، والقدرة على التفسير والشرح وإدراك المعلومات التي تعرض، أو إدراك ما يعنيه شخص بالقول أو بالعمل أو بالاستنباط14.
الصلة بين الفهم والفقه:
الفقه والفهم بمعنى واحد15.
الإدراك:
الإدراك لغةً:
أدرك المعنى بعقله:فهمه وتصوره عقله على الوجه الصحيح16.
الإدراك اصطلاحًا:
قال الجرجاني: « الإدراك:إحاطة الشيء بكماله»17.
الصلة بين الإدراك والفقه:
الإدراك يكون من خلال الإحاطة بالشيء بكماله، ولا يشترط ذلك في الفقه.
الاستنباط:
الاستنباط لغةً:
كلمة تدل على استخراج شيء. واستنبطت الماء:استخرجته18.
الاستنباط اصطلاحًا:
هو استخراج ما خفي من النص بطريق صحيح19.
الصلة بين الاستنباط والفقه:
الاستنباط كالفقه يحتاج إلى فهم وتدبر، إلا أن الإستنباط فيه مبالغة وشدة عنه في الفقه.
الجهل:
الجهل لغة:
ضد العلم، والجهالة:أن تفعل فعلًا بغير علم، وجهلت الشيء:إذا لم تعرفه20.
الجهل اصطلاحًا:
«أن تعتقد الشيء على خلاف ما هو عليه»21.
الصلة بين الجهل والفقه:
الجهل نقيض العلم أي عدم العلم بالشيء، وأما الفقه فيعني العلم به.
كثير من الناس يعاني من سقم الفهم للقضايا والأحداث والأشخاص، فيقع بسبب ذلك في أخطاء الحكم على الآخرين، أو التفسير للمواقف والأحداث، وإذا كان سوء الفهم سببًا في كثير من الأخطاء
والخلافات، فإن حسن الفهم، وصحته من أهم أسباب سلامة الموقف، والبعد عن الخلافات.
إن فهم ما يقول غيرنا ضروري لتحديد الموقف الصحيح منهم، وهذا يحتاج إلى عمق التفكير وصدق التأمل، وعدم التسرع في الحكم على الأشياء، وفي حياتنا اليومية مواقف محتدمة لا سبب لاحتدامها إلا سوء الفهم للموقف، أو الرأي، أو الكلمة، مع ما يصحب ذلك ويتبعه من سوء الظن، وعدم سلامة الصدر.
قال ابن القيم: «صحة الفهم وحسن القصد من اعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده بل ما اعطي عبد عطاء بعد الاسلام أفضل، ولا أجل منهما بل هما ساقا الإسلام وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة.
وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، ويمده حسن القصد، وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية»22.
قال الله تعالى: (ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الأنبياء:٧٩]
لن ينسى التاريخ الإنساني الدور القيادي العظيم والجهاد والتضحيات للرسل والأنبياء عليهم السلام، فلولاهم لكان الناس في حيرة وضلال، ونزاع مستمر واقتتال، ربما أدى إلى انقراض النوع البشري، وكان من فضل الله وإنعامه: أنه أعد هؤلاء الصفوة القادة إعدادا رائعا خاصا، ليكونوا أهلا للقيادة، وأسوة حسنة للبشرية، وأمدهم بنعم كثيرة، فضلا عن نعمة النبوة والرسالة، منها الحكم والقضاء بين الناس، والعلم والمعرفة السديدة، وعزة النفس وقوة الإرادة، ووسائل الكسب الشريف.
ومن هذه النعم على داود وسليمان عليهما السلام قضية الحكم في رعي راع زرع قوم، في جنح الليل، وكان الله عالما تام العلم بالقضاء والمقضي فيه، شاهدًا بما حكم به داود وسليمان، لا تخفى عليه خافية، وكان القضاء صادرا من الأب داوود، والابن سليمان، اللذين كان كل منهما ملكًا عدلًا، نبيًا، يحكم بالحق بين الناس.
واتجه كل من داوود وسليمان في حكمه وجهة معينة من النظر السديد، فإن داوود عليه السلام قضى بتملك الغنم لصاحب الزرع، وسليمان عليه السلام قضى بتسليم الغنم مدة عام إلى صاحب الحرث (الزرع) ينتفع بألبانها وأولادها وأصوافها، وتسليم الزرع للراعي، يستفيد مما تنتجه الأرض، ويتعهدها بالسقاية والخدمة، حتى يعود الزرع إلى ما كان عليه قبل الرعي، وكان قضاء سليمان أولى وأرفق وأحكم23.
وقال الله تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الإسراء:٤٥-٤٦].
يبين المولى عز وجل في هذه الآيات كيف حرم الكفار من نعمة الفهم بسبب كفرهم بالله، وعدم إيمانهم فبين سبحانه أنه يحمي نبيه صلى الله عليه وسلم من مشركي مكة الذين كانوا يؤذونه، في وقت قراءته القرآن وصلاته في المسجد الحرام، ويريدون مد اليد إليه، فلا تخف أيها النبي، فإنك إذا قرأت القرآن على هؤلاء المشركين الذين لا يصدقون بالآخرة، جعلنا بينك وبينهم حجابًا مستورًا، أي حائلًا حاجزًا، يمنع قلوبهم من فهم القرآن وتدبر آياته، ومستورًا على أعين الخلق، فلا يدركه أحد برؤية كسائر الحجب بقدرة الله وكفايته، وجعلنا على قلوبهم أغطية، بحيث لا يتسرب إليها فهم مدارك القرآن، ومعرفة أسراره وغاياته، وجعلنا في آذانهم ثقلًا، أو صمما يمنع من سماع الصوت، وهذه كلها استعارات للإضلال الذي حفهم الله به، فعبر عن كثرة ذلك وعظمه بأنهم بمثابة من غطي قلبه، وصمت أذنه، والإضلال بسبب الضلال الذي سلكوه، وساروا في فلكه بغيًا وعنادًا24.
وقال الله تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [المجادلة:١١].
لا شبهة أن للعالم منزلة عظيمة عند الله لا تكون لغيره، كما قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الزمر:٩].
ولذلك فإنه يقتدي بالعلم في كل أفعاله، ولا يقتدى بغير العالم؛ لأنه يعلم من كيفية الاحتراز عن الحرام والشبهات، ومحاسبة النفس مالا يعرفه الغير، ويعلم من كيفية الخشوع والتذلل في العبادة مالا يعرفه غيره، ويعلم من كيفية التوبة وأوقاتها وصفاتها مالا يعرفه غيره، ويتحفظ فيما يلزمه من الحقوق مالا يتحفظ منه غيره25.
عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكان منها نقيةٌ، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفةً أخرى، إنما هي قيعانٌ لا تمسك ماءً ولا تنبت كلًا، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) 26.
قال الإمام البغوي: «فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل مثل العالم كمثل المطر، ومثل قلوب الناس فيه، كمثل الأرض في قبول الماء، فشبه من تحمل العلم والحديث، وتفقه فيه بالأرض الطيبة، أصابها المطر فتنبت، وانتفع بها الناس، وشبه من تحمله ولم يتفقه بالأرض الصلبة التي لا تنبت، ولكنها تمسك الماء، فيأخذه الناس، وينتفعون به، وشبه من لم يفهم، ولم يحمل بالقيعان التي لا تنبت، ولا تمسك الماء، فهو الذي لا خير فيه» 27.
قال ابن القيم: «ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه، أو على لسان قوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر؛ فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرًا؛ فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله، كما توصل شاهد يوسف بشق القميص من دبر إلى معرفة براءته وصدقه28.
وكما توصل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بقوله للمرأة التي حملت كتاب حاطب ما أنكرته: (لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها)29. إلى استخراج الكتاب منها 30.
وعن أبي جحيفة، قال: قلت لعلي بن أبي طالبٍ: هل عندكم كتابٌ؟ قال: (لا، إلا كتاب الله، أو فهمٌ أعطيه رجلٌ مسلمٌ، أو ما في هذه الصحيفة، قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلمٌ بكافرٍ) 31.
وهنالك ضوابط يتحقق بها الفهم الصحيح، حينما يحرص عليها الإنسان سيكون قادرًا على الإفادة من هذه النعمة العظيمة في حياته، ومن تلك الضوابط:
لقد نسب الله الفقه للقلوب في أكثر من آية، ليدلل على أن محل الفقه والفهم والتدبر هي القلوب، ومن هذه الآيات:
قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأعراف:١٧٩].
يبين المولى عز وجل في هذه الآية كيف أنه خلق النار-التي يعذب الله فيها من يستحق العذاب في الآخرة-كثيرًا من الجن والإنس، لهم قلوب لا يعقلون بها، فلا يرجون ثوابًا ولا يخافون عقابًا، ولهم أعين لا ينظرون بها إلى آيات الله وأدلته، ولهم آذان لا يسمعون بها آيات كتاب الله فيتفكروا فيها، هؤلاء كالبهائم التي لا تفقه ما يقال لها، ولا تفهم ما تبصره، ولا تعقل بقلوبها الخير والشر فتميز بينهما، بل هم أضل منها؛ لأن البهائم تبصر منافعها ومضارها وتتبع راعيها، وهم بخلاف ذلك، أولئك هم الغافلون عن الإيمان بالله وطاعته32.
قال المراغي في تفسيره: «أي إنهم لا يفقهون بقلوبهم ما تزكو به أنفسهم من توحيد الله المبعد لها عن الخرافات والأوهام وعن الذلة والصغار، فإن من يعبد الله وحده تسمو نفسه بمعرفته فلا تذل بدعاء غيره ولا الخوف منه ولا الرجاء فيه والاتكال عليه، بل يطلب من الله ما يحتاج إليه، فإن كان مما أقدر الله عليه خلقه بإعلامهم بأسبابه وتمكينهم منها طلبه بسببه مع مراعاة سننه فى خلقه، وإن لم يكن كذلك توجه إلى الله لهدايته إلى العلم بما لم يعلم من سببه وإقداره على ما يقدر عليه من وسائله أو تسخير من شاء من خلقه لمساعدته عليه كالأطباء لمداواة الأمراض، وأقوياء الأبدان لرفع الأثقال، والعلماء الراسخين للفتوى فى المسائل العلمية وحل إشكال ما غمض من حقيقتها، ولا يتوجه في طلبه إلى غير ما يعرف البشر من الأسباب المطردة كالرقى والعزائم والتبخيرات وكرامات الصالحين من الأحياء والأموات والدعاء إليهم بما يعد من العبادات فالله يقول: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الجن:١٨].
ويقول: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الأنعام:٤١].
كما لا يفقهون بقلوبهم الحياة الروحية واللذات المعنوية الموصلة إلى السعادة الأبدية: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الروم:٧].
.ولا يفقهون أن ترك الشرور والمنكرات والحرص على فعل الخيرات هو مناط السعادة فى الدنيا والآخرة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالتربية البدنية الصحيحة. ولا يفقهون سنن الله فى الاجتماع وتأثير العقائد الدينية فى جمع الكلمة وقوة الجماعة ولا سيما فى عهد النبوات ورمن المعجزات، ولا يفقهون معنى الآيات الإلهية فى الأنفس والآفاق ولا آياته التي يؤيد بها رسله من علمية وكونية وما أودعه منها كتابه»33.
وقال الزمخشري في تفسيره: « (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) هم المطبوع على قلوبهم الذين علم الله أنه لا لطف لهم. وجعلهم في أنهم لا يلقون أذهانهم إلى معرفة الحق، ولا ينظرون بأعينهم إلى ما خلق الله نظر اعتبار، ولا يسماعون ما يتلى عليهم من آيات الله سماع تدبر، كأنهم عدموا فهم القلوب وإبصار العيون واستماع الآذان، وجعلهم -لإعراقهم في الكفر وشدة شكائمهم فيه، وأنه لا يأتى منهم إلا أفعال أهل النار- مخلوقين للنار، دلالة على توغلهم في الموجبات وتمكنهم فيما يؤهلهم لدخول النار»34.
وقد استدل العلماء بهذه الآية على أن محل العلم هو القلب؛ لأنه تعالى نفى الفقه والفهم عن قلوبهم في معرض الذم، مما يدل على أن محل الفهم والفقه هو القلب35.
وقال الله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المنافقون:٣].
يبين المولى عز وجل حال هؤلاء المنافقين الذين اتخذوا أيمانهم بالله ورسوله جنة، ثم كفروا بشكهم في ذلك وتكذيبهم به36.
أي: ما نعي عليهم من مساوئهم بأنهم آمنوا أي ظاهرًا ثم كفروا أي سرًا فطبع على قلوبهم أي ختم عليها بما مرنوا عليه من التلون والتذبذب ورسوخ الهيئات المنكرة، فحجبوا عن الحق فهم لا يفقهون أي حقية الإيمان، وحكمة الرسالة والدين37.
وقال الله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [الشعراء:٨٨-٨٩].
تبين الآية أن الذي ينفع عند الله والذي ينجو به العبد من العقاب ويستحق جزيل الثواب يوم القيامة القلب السليم، ومعناه الذي سلم من الشرك والشك، ومحبة الشر، والإصرار على البدعة والذنوب ويلزم من سلامته مما ذكر اتصافه بأضدادها من الإخلاص والعلم واليقين ومحبة الخير وتزيينه في قلبه، وأن تكون إرادته ومحبته تابعة لمحبة الله وهواه تابعًا لما جاء عن الله38.
وعن النعمان بن بشيرٍ، قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغةً:إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)39.
فيه أن العقل والفهم إنما هو فى القلب وموطنه، وما فى الرأس منه إنما هو عن القلب ومنه سببه40.
وجاء في شرح هذا الحديث «فيه إشارة إلى أن صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه المحرمات واتقاءه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه، فإذا كان قلبه سليما، ليس فيه إلا محبة الله ومحبة ما يحبه الله، وخشية الله وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوق للشبهات حذرًا من الوقوع في المحرمات.
وإن كان القلب فاسدًا، قد استولى عليه اتباع هواه، وطلب ما يحبه، ولو كرهه الله، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب، ولهذا يقال:القلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، وهم مع هذا جنود طائعون له، منبعثون في طاعته، وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه في شيء من ذلك، فإن كان الملك صالحا ًكانت هذه الجنود صالحة، وإن كان فاسدًا كانت جنوده بهذه المثابة فاسدة، ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم»41.
إن مجالات الفقه متعددة ومتنوعة، ومن هذه المجالات:
أولًا: عظمة الله والإيمان به:
لا شك أن من أعظم مجالات الفهم والمعرفة التفكر في عظمة الله تعالى وتقديسه وتنزيهه عن كل ما لايليق به سبحانه، والإيمان به.
قال الله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الإسراء:٤٤].
ففي هذه الآية ينزه الله عز وجل نفسه عما وصفه به المشركون من خلال بيان أن السماوات السبع والأرض ومن فيهن من المؤمنين به من الملائكة والإنس والجن، يعظمون الله ويجلونه، وأنتم أيها المشركون مع إنعامه عليكم، وجميل أياديه عندكم، تفترون عليه بما تفترون، وأنه ما من شيء من خلقه إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم ما عدا تسبيح من كان يسبح بمثل ألسنتكم.
ثم بين المولى عز وجل حلمه فهو لا يعجل بالعقوبة على خلقه، الذين يخالفون أمره، ويكفرون به، ولولا ذلك لعاجل هؤلاء المشركين الذين يدعون معه الآلهة والأنداد بالعقوبة فهو الحليم الغفور الذي يستر عليهم ذنوبهم، إذا هم تابوا منها بالعفو منه لهم42.
وقال الله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [البقرة:٢٥٥].
أي:الله هو الذى يستحق أن يعبد دون سواه، وهو الباقى القائم على شئون خلقه دائمًا، الذى لا يغفل أبدًا، فلا يصيبه فتور ولا نوم ولا ما يشبه ذلك لأنه لا يتصف بالنقص فى شئ، وهو المختص بملك السموات والأرض لا يشاركه فى ذلك أحد، وبهذا لا يستطيع أى مخلوق كان أن يشفع لأحد إلا بإذن الله، وهو سبحانه وتعالى محيط بكل شئ عالم بما كان وما سيكون، ولا يستطيع أحد أن يدرك شيئًا من علم الله إلا ما أراد أن يعلم به من يرتضيه، وسلطانه واسع يشمل السموات والأرض، ولا يصعب عليه تدبير ذلك لأنه المتعالى عن النقص والعجز، العظيم بجلاله وسلطانه43.
ثانيًا: القرآن:
يعتبر القرآن الكريم المصدر الأول والمرجع الأساس في الفقه والعلم والمعرفة؛ لأنه كلام الله الذي لا يدانيه كلام.
قال الله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الإسراء:٩].
« هكذا على وجه الإطلاق فيمن يهديهم وفيما يهديهم، فيشمل الهدى أقوامًا وأجيالًا بلا حدود من زمان أو مكان، ويشمل ما يهديهم إليه كل منهج وكل طريق، وكل خير يهتدي إليه البشر في كل زمان ومكان. يهدي للتي هي أقوم في عالم الضمير والشعور، بالعقيدة الواضحة التي لا تعقيد فيها ولا غموض، والتي تطلق الروح من أثقال الوهم والخرافة، وتطلق الطاقات البشرية الصالحة للعمل والبناء، وتربط بين نواميس الكون الطبيعية ونواميس الفطرة البشرية في تناسق واتساق.
ويهدي للتي هي أقوم في التنسيق بين ظاهر الإنسان وباطنه، وبين مشاعره وسلوكه، وبين عقيدته وعمله، فإذا هي كلها مشدودة إلى العروة الوثقى التي لا تنفصم، متطلعة إلى أعلى وهي مستقرة على الأرض، وإذا العمل عبادة متى توجه الإنسان به إلى الله، ولو كان هذا العمل متاعا واستمتاعا بالحياة.
ويهدي للتي هي أقوم في عالم العبادة بالموازنة بين التكاليف والطاقة، فلا تشق التكاليف على النفس حتى تمل وتيأس من الوفاء، ولا تسهل وتترخص حتى تشيع في النفس الرخاوة والاستهتار، ولا تتجاوز القصد والاعتدال وحدود الاحتمال.
ويهدي للتي هي أقوم في علاقات الناس بعضهم ببعض:أفرادا وأزواجا، وحكومات وشعوبًا، ودولًا وأجناسًا، ويقيم هذه العلاقات على الأسس الوطيدة الثابتة التي لا تتأثر بالرأي والهوى، ولا تميل مع المودة والشنآن، ولا تصرفها المصالح والأغراض، الأسس التي أقامها العليم الخبير لخلقه، وهو أعلم بمن خلق، وأعرف بما يصلح لهم في كل أرض وفي كل جيل، فيهديهم للتي هي أقوم في نظام الحكم ونظام المال، ونظام الاجتماع، ونظام التعامل الدولي اللائق بعالم الإنسان.
ويهدي للتي هي أقوم في تبني الديانات السماوية جميعها والربط بينها كلها، وتعظيم مقدساتها، وصيانة حرماتها فإذا البشرية كلها بجميع عقائدها السماوية في سلام ووئام»44.
ولهذا نجد أن المولى عز وجل عاقب الكفار والمشركين بأن جعل على قلوبهم أغطية حتى لا تفقه القرآن؛ لأنهم لا يستحقون هذه النعمة، كما قال الله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [الأنعام:٢٥].
والمعنى والمقصد من هذه الآية أن مشركي مكة كانوا في أعجز موقف، حين حاولوا رد الحق القرآني بالدعوى المجردة، ومنهم فريق كانوا يستمعون للنبي صلى الله عليه وسلم وهم في أشد حالات الغباء وصمم الآذان، يرون الآيات الناطقة بالحق فلا يؤمنون بها.
وإذا جاؤوا للمجادلة أي المقابلة في الاحتجاج، قابلوا بدعوى مجردة فارغة من البرهان المقبول، والعقل السليم لأن الله تعالى -بسبب عنادهم وإصرارهم على شركهم- جعل على قلوبهم أغطية لئلا يفقهوا القرآن، وفي آذانهم ثقلا أو صمما عن السماع النافع لهم، كما شبههم القرآن بحال الطيور الناعقة بما لا تعي ولا تفهم.
لقد حُجِزُوا عن فهم القرآن وقبوله وتدبر معانيه بسبب التقليد الأعمى للأسلاف، وإعراضهم الناشئ عن تصميم وعناد وحزم ألا ينظروا فيما يسمعون نظرة تأمل وإمعان، ليميزوا بين الحق والباطل45.
وقال الله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة:١٢٧].
أي: «وإذا أنزلت سورة قرآنية فيها فضيحة أسرارهم، تعجبوا وتأملوا وتسللوا من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وتلفتوا متغامزين قائلين:هل يراكم الرسول أو المؤمنون إذا خرجتم؟! ثم ينصرفون عن طريق الاهتداء، ويتولون عن الحق، فهذا حالهم في الدنيا لا يثبتون عند الحق ولا يقبلونه ولا يفهمونه، ولا يفهمون شيئا عن الله ولا عن رسوله، ومن أعرض عن ساحة الإيمان والخير، أعرض الله عنه، وصرف الله قلوبهم عن الحق والإيمان، وعن الخير والنور، وهذا إما دعاء عليهم به، أو إخبار عن أحوالهم، وذلك الصرف الإلهي بسبب أنهم قوم لا يفهمون الآيات التي يسمعونها، ولا يريدون فهمها، ولا يتدبرون فيها حتى يفقهوا، بل هم في شغل عن الفهم ونفور منه»46.
وقال الله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الإسراء:٤٦].
أي: صيرنا وأنشأنا أكنة تكون غلافًا مانعًا قلوبهم عن أن تدرك وتصل إلى النور، وجعلنا في آذانهم صممًا وثقلًا يمنعها من أن تستمع إلى القرآن الحق، فالأكنة تمنع أن يفقهوه لأن غلافًا وضع بينها وبين النور، فلم تدرك وتتدبر في بلاغته، ومعانيه، وقصصه، وعبره، وما فيه من نور الحق فلا تراه، وجعلنا في آذانهم وقرًا عن سماع القرآن وتذوق ألفاظه ونغمه، وجمال عباراته ونسق بيانه.
ويصح أن نقول إن الكلام السامي ممثل لحالهم في عدم فقههم للقرآن، وعدم سماعهم لآياته سماع فهم وتدبر وتعرف لبلاغته بحال من جعل الله تعالى على قلبه غشاوة فلا يصل إلى الحق، وحال من في آذانه ثقل فلا يسمع47.
وقال الله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الكهف:٥٧].
ولا أحد أشد ظلمًا ممن وعظ بآيات ربه الواضحة، فانصرف عنها إلى باطله، ونسي ما قدمته يداه من الأفعال القبيحة فلم يرجع عنها، إنا جعلنا على قلوبهم أغطية، فلم يفهموا القرآن، ولم يدركوا ما فيه من الخير، وجعلنا في آذانهم ما يشبه الصمم، فلم يسمعوه ولم ينتفعوا به، وإن تدعهم إلى الإيمان فلن يستجيبوا لك، ولن يهتدوا إليه أبدًا48.
جاء في تفسير الشعراوي: « (ﮝ) يفهموه، يفهموا آيات الله؛ لأنهم سبق أن ذكروا بها فأعرضوا عنها، فحرمهم الله فقهها وفهمها، وقوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ.. ) أي:صمم فلا يسمعون، (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) وهذا أمر بدهي، بعد أن ختم الله على قلوبهم وعلى أسماعهم، وسد عليهم منافذ العلم والهداية؛ لأن الهدى ناشئ من أن تسمع كلمة الحق، فيستقبلها قلبك بالرضا، فتنفعل لها جوارحك بالالتزام، فتسمع بالأذن، وتقبل بالقلب، وتنفعل بالجوارح طاعةً والتزامًا بما أمرت به، وما دام في الأذن وقر وصممٌ فلن تسمع، وإن سمعت شيئًا أنكره القلب، والجوارح لا تنفعل إلا بما شحن به القلب من عقائد»49.
ثالثًا: كلام الرسل:
إن كلام الرسل يعتبر من أعظم المجالات للفقه والفهم والاعتبار والاتعاظ كيف لا وهم خير خلق الله، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى باتباعهم والإيمان بهم، وعدم التفريق بينهم، كما قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة:٢٨٥].
وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فضلت على الأنبياء بستٍ: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافةً، وختم بي النبيون)50.
قال الله تعالى وهو يبين كفر قوم شعيب حين ردوا على نبيهم عليه السلام قوله واستخفوا به، فكانت سببًا في انتقام الله منهم.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [هود:٩١].
في هذه الآية يحدثنا المولى عز وجل عن رد قوم شعيب عليه السلام عليه حين دعاهم للإيمان والتوحيد، فقالوا يا شعيب ما نفهم كثيرًا مما تقول كوجوب التوحيد، وحرمة البخس، وما ذكرت دليلًا عليهما، وذلك لقصور عقولهم وعدم تفكرهم، وقيل قالوا ذلك استهانة بكلامه، أو لأنهم لم يلقوا إليه أذهانهم لشدة نفرتهم عنه، وأنك ضعيف لا قوة لك فتمتنع منا إن أردنا بك سوءًا، أو مهينًا لا عز لك، ولولا قومك وعزتهم عندنا لكونهم على ملتنا لا لخوف من شوكتهم، فإن الرهط من الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى التسعة، لقتلناك برمي الأحجار أو بأصعب وجه، وما أنت علينا بعزيز فتمنعنا عزتك عن الرجم، وهذا ديدن السفيه المحجوج يقابل الحجج والآيات بالسب، والتهديد 51.
وقال الله تعالى وهو يبين دعوة موسى عليه السلام ربه أن يحل عقدة من لسانه من أجل أن يفقه القوم قوله، فقال تعالى على لسان موسى عليه السلام: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [طه:٢٧-٢٨].
وكان في لسانه عليه السلام ثقل لا يكاد يفهم عنه الكلام كما قال المفسرون، وقد أخبر الله عز وجل عن موسى عليه السلام قوله: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [القصص:٣٤].
فسأل الله أن يحل منه عقدة يفقهوا ما يقول فيحصل المقصود التام من المخاطبة والمراجعة، والبيان عن المعاني52.
قال ابن كثير: «وذلك لما كان أصابه من اللثغ، حين عرض عليه التمرة والجمرة، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه، وما سأل أن يزول ذلك بالكلية، بل بحيث يزول العي، ويحصل لهم فهم ما يريد منه وهو قدر الحاجة، ولو سأل الجميع لزال، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة، ولهذا بقيت بقية، قال الله تعالى إخبارًا عن فرعون أنه قال: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الزخرف:٥٢]. أي:يفصح بالكلام»53.
وقال تعالى في معرض حديثه عن نوح عليه السلام وهو يدعو قومه قائلا لهم: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأعراف:٦١-٦٢].
فقال: « (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) أي: لست ضالًا في مسألة من المسائل بوجه من الوجوه، وإنما أنا هاد مهتد، بل هدايته عليه الصلاة والسلام من جنس هداية إخوانه، أولي العزم من المرسلين، أعلى أنواع الهدايات وأكملها وأتمها، وهي هداية الرسالة التامة الكاملة.
ولهذا قال: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) أي:ربي وربكم ورب جميع الخلق، الذي ربى جميع الخلق بأنواع التربية، الذي من أعظم تربيته أن أرسل إلى عباده رسلا تأمرهم بالأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والعقائد الحسنة وتنهاهم عن أضدادها.
ولهذا قال: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) أي:وظيفتي تبليغكم، ببيان توحيده وأوامره ونواهيه، على وجه النصيحة لكم والشفقة عليكم، (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) فالذي يتعين أن تطيعوني وتنقادوا لأمري إن كنتم تعلمون54.
وقال تعالى وهو يتحدث عن النبي صالح عليه السلام: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [هود:٦١].
أي: وأرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحًا، فقال لهم:يا قوم اعبدوا الله وحده ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا، فأخلصوا له العبادة، هو الذي بدأ خلقكم من الأرض بخلق أبيكم آدم منها، وجعلكم عمارا لها، فاسألوه أن يغفر لكم ذنوبكم، وارجعوا إليه بالتوبة النصوح. إن ربي قريب لمن أخلص له العبادة، ورغب إليه في التوبة، مجيب له إذا دعاه55.
وقال تعالى مبينا كيفية مناظرة إبراهيم عليه السلام للنمرود فقال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة:٢٥٨].
ألم تر إلى من عمى عن أدلة الإيمان وجادل إبراهيم خليل الله فى ألوهية ربه ووحدانيته، وكيف أخرجه غروره بملكه -الذى وهبه ربه- من نور الفطرة إلى ظلام الكفر فعندما قال له إبراهيم:إن الله يحيى ويميت، بنفخ الروح فى الجسم وإخراجها منه، قال:أنا أحيى وأميت بالعفو والقتل، فقال إبراهيم ليقطع مجادلته:إن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب إن كنت إلها كما تدعى.
فتحير وانقطع جدله من قوة الحجة التى كشفت عجزه وغروره، والله لا يوفق المصرين المعاندين لاتباع الحق56.
وهكذا نجد أن في أقوال الرسل مجالا واسعًا للعلم والمعرفة والهداية لأحسن السبل، كما أن فيها العبرة والموعظة الحسنة في جميع مناحي الحياة.
رابعًا: الآيات الكونية:
النظر في الآيات الكونية والتفكر والتدبر فيها يعتبر من مجالات الفقه والمعرفة، كما قال تعالى في آخر سورة آل عمران: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران:١٩٠].
قال الرازي في تفسيره: « اعلم أن المقصود من هذا الكتاب الكريم جذب القلوب والأرواح عن الاشتغال بالخلق إلى الاستغراق في معرفة الحق، فلما طال الكلام في تقرير الأحكام والجواب عن شبهات المبطلين عاد إلى إنارة القلوب بذكر ما يدل على التوحيد والإلهية والكبرياء والجلال، فذكر هذه الآية» 57.
قال ابن عميرٍ لعائشة رضي الله عنها: (أخبرينا بأعجب شيءٍ رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسكتت ثم قالت: لما كان ليلةٌ من الليالي، قال: (يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي) قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما سرك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلالٌ يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله، لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟، قال: (أفلا أكون عبدًا شكورًا، لقد نزلت علي الليلة آيةٌ، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [آل عمران:١٩٠]) الآية كلها58.
وكما دل على ذلك قوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [فصلت:٥٣].
قد تعددت تأويلات المفسرين في هذه الآية حيث قالوا: إنها عنت آيات الله ودلائل وحدانيته وربوبيته في مختلف مشاهد الكون ونواميسه، وفي تركيب أجسامهم أنفسهم، كما قالوا إنها عنت ما تحقق من وعد الله ووعيده بما كان من هلاك طواغيت الكفر منهم في بدر وغيرها وفتح مكة، واعتراف جمهور العرب بأن الإسلام هو دين الحق، ودخولهم فيه ثم انتصار الإسلام، وانتشاره في آفاق الدنيا.
وكلا القولين وجيه ووارد، والقول الثاني متسق مع البشائر والتطمينات القرآنية العديدة59.
قال الله تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأنعام:٦٥].
يبين المولى سبحانه وتعالى أنه هو وحده القادر على أن يبعث عليكم في أي وقت يريده عذابًا من فوقكم بإسقاط السماء قطعًا أو شيء منها كالحجارة التي حصب بها قوم لوط وأصحاب الفيل أو بتسليط أكابركم، أو من تحت أرجلكم بالخسف أو إثارة الحيات أو غيرها من الأرض كما وقع لبعض من سلف، أو بتسليط سفلتكم وعبيدكم عليكم، أو أن يجعلكم متفرقين، كل شيعة على هوى، فيكون ذلك سببًا للقتل فيساوي في ذلك بين الحرم وغيره، ويصير التخطف بالنهب والغارات عامًا، كل هذا التصريف في الوجوه البديعة النافعة البليغة ليكون حالهم حال من يرجى فهمه وانتفاعه به، كان هذا العذاب أو القرآن المشتمل على الوعد والوعيد والأسباب المبينة للخلق جميع ما ينفعهم ليلزموه وما يضرهم ليحذروه60.
وقال الله تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأنعام:٩٨].
أي: الله هو الذي أنشأكم من نفس واحدة هو آدم عليه الصلاة والسلام، فلكم استقرار في الأصلاب، أو فوق الأرض واستيداع في الأرحام، أو تحت الأرض أو موضع استقرار واستيداع، فمنكم قار ومنكم مستودع، لأن الاستقرار منا دون الاستيداع، قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ذكر مع ذكر النجوم يعلمون لأن أمرها ظاهر، ومع ذكر تخليق بني آدم يفقهون لأن إنشاءهم من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة دقيق غامض يحتاج إلى استعمال فطنة وتدقيق نظر61.
وقال الله تعالى وهو يحدثنا عن نوح عليه السلام وهو يدعو قومه للتوحيد: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [نوح:١٥-٢٠].
«ما لكم لا تخشون الله وقدرته على كل شيء؟ وما لكم لا ترهبون سطوته فتؤمنوا به وتصدقوا برسله؟ وهو القادر على كل شيء، وهو الذي خلقكم في أطوار مختلفة وفي أحوال تكاد تكون متباينة، ألم يخلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم أخرجكم أطفالا ثم كنتم شيوخا، أليس صاحب هذا بقادر على كل شيء فما لكم لا تخافون عظمة الله؟ ولا تؤمنون بيوم القيامة! ثم لفت نظرهم إلى هذا الكون بعد أن نبههم إلى ما في أنفسهم من آيات فقال:ألم تروا السماء كيف خلقت؟ لقد خلقها الله سبع سموات طباقا، ما ترى فيها من نقص ولا تفاوت، وجعل القمر في إحداهن نورًا، وجعل الشمس في أخرى سراجًا وهاجًا.
يا سبحان الله لقد جعل الحكيم العليم للقمر نورًا، وللشمس سراجًا، لأن الدنيا ستصبح بنور الشمس على أنه نور قوى شديد، ونور القمر بسيط يضيء في الليل نوعا ما، وهو نور منعكس ليس من ذات القمر، كما قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [يونس:٥].
وقد توصل العلم إلى بعض الحقائق الثابتة في كتاب الله ثم لفت نظرهم إلى أنفسهم فقال: والله أنبتكم من الأرض نباتًا نعم هو خلقنا من تراب، فعناصرنا المادية تراب مخلوط بماء، ثم كانت النطفة، والنطفة خلاصة الدم، والدم من الغذاء والغذاء من الأرض، فالله سبحانه أنبت الإنسان من الأرض نباتا كالشجر، ولكنه ميزه عنه بالحياة الحيوانية، ثم كمله بالعقل والتفكير، وشرفه بالرسالات الإلهية، فما لكم لا تؤمنون، لأى سبب تكفرون.
ثم بعد هذا يعيدكم إلى الأرض أمواتا، ثم يخرجكم منها إخراجا للبعث والجزاء ثم لفت نظرهم إلى الأرض التي أقلتهم فقال:لقد جعلت لكم الأرض بساطًا، فهي ممهدة للعيش، ميسرة سهلة للانتقال، لتسلكوا منها طرقا واسعة توصلكم إلى أغراضكم»62.
وقال الله تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الرحمن:١٩-٢١].
والمراد بالبحرين: البحر العذب، والبحر الملح. والبرزخ: الحاجز الذي يحجز بينهما، بقدرة الله تعالى. والمعنى: خلق الله تعالىالبحرين، وأرسلهما بقدرته في مجاريهما، بحيث يلتقيان ويتصل أحدهما بالآخر، ومع ذلك لم يختلطا، بل يبقى المالح على ملوحته. والعذب على عذوبته، لأن حكمة الله قد اقتضت أن يفصل بينهما، بحواجز من أجرام الأرض، أو بخواص في كل منهما، تمنعهما هذه الخواص وتلك الحواجز، من أن يختلطا، ولولا ذلك لاختلطًا وامتزجًا، وهذا من أكبر الأدلة على قدرة الله تعالى، ورحمته بعباده، إذ أبقى الله تعالىالمالح على ملوحته، والعذب على عذوبته، لينتفع الناس بكل منهما في مجال الانتفاع به فالماء العذب ينتفع به في الشراب للناس والدواب والنبات والماء الملح ينتفع به في أشياء أخرى، كاستخراج الملح منه، وفي غير ذلك من المنافع ومن بديع صنع الله في هذا الكون، أنك تشاهد البحار الهائلة على سطح الأرض، والأنهار الكثيرة، ومع ذلك فكل نوع منهما باق على خصائصه، مع أن كلا منهما قد يلتقي بالآخر. والمراد بالبرزخ بينهما: الفاصل بين الماءين: الحلو والملح بحيث لا يغير أحد البحرين طعم الآخر بجواره وذلك بسبب ما في كل منهما من خصائص تدفع عنه اختلاط الآخر به وهذا من مسائل الثقل النوعي 63.
قال سيد قطب في تفسيره: «والبحران المشار إليهما هما البحر المالح والبحر العذب، ويشمل الأول البحار والمحيطات، ويشمل الثاني الأنهار. ومرج البحرين أرسلهما وتركهما يلتقيان، ولكنهما لا يبغيان، ولا يتجاوز كل منهما حده المقدر، ووظيفته المقسومة، وبينهما برزخ من طبيعتهما من صنع الله.
وتقسيم الماء على هذا النحو في الكرة الأرضية لم يجئ مصادفة ولا جزافا. فهو مقدر تقديرا عجيبا. الماء الملح يغمر نحو ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية ويتصل بعضه ببعض ويشغل اليابس الربع. وهذا القدر الواسع من الماء المالح هو اللازم بدقة لتطهير جو الأرض وحفظه دائما صالحا للحياة. وعلى الرغم من الانبعاثات الغازية من الأرض طول الدهور-ومعظمها سام-فإن الهواء باق دون تلوث في الواقع-ودون تغير في نسبته المتوازنة اللازمة لوجود الإنسان وعجلة الموازنة العظيمة هي تلك الكتلة الفسيحة من الماء-أي المحيط-ومن هذه الكتلة الضخمة الواسعة تنبعث الأبخرة تحت حرارة الشمس وهي التي تعود فتسقط أمطارا يتكون منها الماء العذب في جميع أشكاله. وأعظمها الأنهار.
والتوافق بين سعة المحيط وحرارة الشمس وبرودة طبقات الجو العليا، والعوامل الفلكية الأخرى هو الذي ينشأ عنه المطر الذي تتكون منه كتلة الماء العذب. وعلى هذا الماء العذب تقوم الحياة، من نبات وحيوان وإنسانوتصب جميع الأنهار-تقريبا-في البحار. وهي التي تنقل إليها أملاح الأرض، فلا تغير طبيعة البحار ولا تبغي عليها. ومستوى سطوح الأنهار أعلى في العادة من مستوى سطح البحر، ومن ثم لا يبغي البحر على الأنهار التي تصب فيه، ولا يغمر مجاريها بمائه الملح، فيحولها عن وظيفتها ويبغي على طبيعتها! وبينهما دائما هذا البرزخ من صنع الله. فلا يبغيان»64.
وقال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [النازعات:٢٧-٣٣].
أي: أبعثكم -أيها الناس- بعد الموت أشد في تقديركم أم خلق السماء؟ رفعها فوقكم كالبناء، وأعلى سقفها في الهواء لا تفاوت فيها ولا فطور، وأظلم ليلها بغروب شمسها، وأبرز نهارها بشروقها. والأرض بعد خلق السماء بسطها، وأودع فيها منافعها، وفجر فيها عيون الماء، وأنبت فيها ما يرعى من النباتات، وأثبت فيها الجبال أوتادًا لها. خلق سبحانه كل هذه النعم منفعة لكم ولأنعامكم.
إن إعادة خلقكم يوم القيامة أهون على الله من خلق هذه الأشياء، وكله على الله هين يسير65.
خامسًا: الأحكام الشرعية:
تعتبر الأحكام الشرعية مجال من مجالات الفقه والفهم والتدبر لما تضمنته من حكم وفوائد وعلل.
ففي فريضة الصلاة: قال الله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [العنكبوت:٤٥]
أي: اتل ما أنزل إليك من هذا القرآن، واعمل به، وأد الصلاة بحدودها، إن المحافظة على الصلاة تنهى صاحبها عن الوقوع في المعاصي والمنكرات؛ وذلك لأن المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها، يستنير قلبه، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تنعدم رغبته في الشر، ولذكر الله في الصلاة وغيرها أعظم وأكبر وأفضل من كل شيء. والله يعلم ما تصنعون من خيرٍ وشر، فيجازيكم على ذلك أكمل الجزاء وأوفاه66.
وفي فريضة الصيام: قال الله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة:١٨٣]
أي:يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم حيث كان الصوم مفروضًا على من تقدمنا من الأمم لعلكم بسبب هذا الصيام تتقون الله تعالى، وتخشون غضبه، وتعملون بأوامره؛ ومن هذا يعلم أن الصيام يبعث على الإيمان الصادق، ويرقق القلب، ويصفي النفس، ويعين على خشية الله تعالى؛ ولذا استعان به الأنبياء في تحقيق مآربهم، والأولياء في تهذيب نفوسهم، والخاصة في شفاء قلوبهم، والعامة في شفاء جسومهم67.
وفي حكم القصاص قال الله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة:١٧٩]
أي: وفي شرع القصاص لكم-وهو قتل القاتل-حكمة عظيمة لكم، وهي بقاء المهج وصونها؛ لأنه إذا علم القاتل أنه يقتل انكف عن صنيعه، فكان في ذلك حياة النفوس. وفي الكتب المتقدمة:القتل أنفى للقتل. فجاءت هذه العبارة في القرآن أفصح، وأبلغ، وأوجز68.
وفي مجال تحريم الخمر والميسر والأنصاب والأزلام: قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [المائدة:٩٠]
أي: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، إنما الخمر:وهي كل مسكر يغطي العقل، والميسر:وهو القمار، وذلك يشمل المراهنات ونحوها، مما فيه عوض من الجانبين، وصدٌ عن ذكر الله، والأنصاب:وهي الحجارة التي كان المشركون يذبحون عندها تعظيمًا لها، وما ينصب للعبادة تقربًا إليه، والأزلام:وهي القداح التي يستقسم بها الكفار قبل الإقدام على الشيء، أو الإحجام عنه، إن ذلك كله إثمٌ من تزيين الشيطان، فابتعدوا عن هذه الآثام، لعلكم تفوزون بالجنة69.
وفي مجال آداب الاستئذان: قال الله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [النور:٢٧].
النداء للذين آمنوا، وفي ذلك إشارة إلى ما يطلبه سبحانه من خواص أهل الإيمان، وهو من الأدب الذي يناسب إيمانكم وهو عدم التهجم على الأسر، وتكشف أستارها، وتحاشى إزعاجها، فعليكم أن تطلبوا الأنس بأهلها وتزيلوا الوحشة التي تحدثها المفاجأة، والسين والتاء للطلب، وقيل حتى تستأذنوا ونقول:الاستئناس أدق في التعريف وأدل على الاستعلام، لأن الاستئذان الإذن المجرد، وتتحقق الإجابة بالإذن، أما الاستئناس فطلب الأنس وإزالة الوحشة، وذلك لا يتحقق بمجرد الإذن بل لابد لتحققه من إيجاد الألفة، وهو يتضمن في تحقيق طلب الإذن، والاستجابة بالإذن فعلًا.
وإن هذا يتضمن في معناه ومغزاه النهي عن التجسس والتحسس، وظن السوء، وأنه يجب أن يظن خيرًا.
وإنه من تمام الاستئناس السلام، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل بيتا سلم ثلاث مرات، ولا يكتفي بسلام واحد إعلامًا لمن يدخل عليهم، واستئناسًا لهم، وإزالة لوحشة المفاجأة 70.
كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الاستئذان ثلاثٌ، فإن أذن لك، وإلا فارجع)71.
وفي مجال أحكام القتال: قال الله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنفال:١٥-١٦].
أي:إذا لقيتم أعداءكم الكفار مجتمعين كأنهم لكثرتهم يزحفون زحفًا فلا تنهزموا أمامهم بل اثبتوا واصبروا ومن يولهم يوم اللقاء ظهره منهزمًا إلا في حال التوجه إلى قتال طائفة أخرى، أو بالفر للكر بأن يخيل إلى عدوه أنه منهزم ليغره مكيدة وهو من باب «الحرب خدعة» أو منضمًا إلى جماعة المسلمين يستنجد بهم فقد رجع بسخطٍ عظيم ومقره ومسكنه الذي يأوي إليه نار جهنم وبئس المرجع والمآل72.
وسائل تحصيل الفقه متعددة وكثيرة يمكن تلخيصها في الآتي:
١. التعلم على أيدي الراسخين في الفقه.
ومن ذلك قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [التوبة:١٢٢].
أي: وما كان ينبغي للمؤمنين في غير النفير العام أن يخرجوا جميعًا للقتال، فلولا نفر وخرج للقتال من كل فرقة كبيرة كالقبيلة أو البلد جماعة قليلة يقدر عددها بقدر الظروف والملابسات، وذلك ليتأتى للمؤمنين في جملتهم التفقه في الدين والوقف على أسرار التنزيل، فيكون حول النبي صلى الله عليه وسلم جماعة يتعلمون منه الأحكام، ويأخذون عنه القرآن حتى إذا ما رجع المجاهدون من الميدان بلغوهم ما نزل من القرآن وأوقفوهم على ما جد من الأحكام، وذلك كله رجاء أن يحذروا عقاب الله ويخافوا بطشه.
ومن هنا نعلم أن الآيات تشير إلى وجوب الجهاد العام إذا ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وكذا الحاكم العام للغزو، أى:في حالة النفير العام وهذه تقدر بظروفها أما في غيرها فيخرج للجهاد بعض الشعب لا كله، وتشير الآية إلى أن تعلم العلم أمر واجب على الأمة جميعًا وجوبًا لا يقل عن وجوب الجهاد والدفاع عن الوطن واجب مقدس، فإن الوطن يحتاج إلى من يناضل عنه بالسيف وإلى من يناضل عنه بالحجة والبرهان، بل إن تقوية الروح المعنوية، وغرس الوطنية وحب التضحية، وخلق جيل يرى أن حب الوطن من الإيمان، وأن الدفاع عنه واجب مقدس. هذا أساس بناء الأمة، ودعامة استقلالها.
وتشير الآية الكريمة إلى أن غاية طلب العلم هو التفقه في الدين، وفهم أسراره فهما تصلح به نفس العالم حتى يكون ربانيًا وقرآنيًا، وأن أثر ذلك في الخارج هو الدعوة إلى الله، وإنذار قومك إذا رجعت إليهم، فتعلمهم، وتثقفهم، وتهديهم، وتربيهم على حب الخير، وعلى حب العمل والجد، وأن الله يحب المؤمن القوى في نفسه وعقله وخلقه وعلمه وبدنه، وهذه هي مهمة الرسل الكرام.
وإن وضع الآية التي تشير إلى العلم والتعلم في وسط آيات الجهاد والقتال لمن المعجزات التي كشف عنها هذا العصر، فإن الحروب اليوم تعتمد على العلم والفقه الحربي أكثر مما تعتمد على السلاح73.
وفي هذه الآية أيضا دليل وإرشاد وتنبيه لطيف، لفائدة مهمة، وهي:أن المسلمين ينبغي لهم أن يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة من يقوم بها، ويوفر وقته عليها، ويجتهد فيها، ولا يلتفت إلى غيرها، لتقوم مصالحهم، وتتم منافعهم، ولتكون وجهة جميعهم، ونهاية ما يقصدون قصدا واحدا، وهو قيام مصلحة دينهم ودنياهم، ولو تفرقت الطرق وتعددت المشارب، فالأعمال متباينة، والقصد واحد، وهذه من الحكمة العامة النافعة في جميع الأمور74.
دلت الآية على الأحكام التالية:
وطلب العلم ينقسم قسمين:
وطلب العلم فضيلة عظيمة، ومرتبة شريفة لا يوازيها عمل، عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) 76.
وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاءً لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد، كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظٍ وافرٍ) 77 78.
٢. التفكر والتدبر.
ومنه قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [ص:٢٩].
القرآن فيه خير كثير، وعلم غزير، فيه كل هدى من ضلالة، وشفاء من داء، ونور يستضاء به في الظلمات، وكل حكم يحتاج إليه المكلفون، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب، ما كان به أجل كتاب طرق العالم منذ أنشأه الله.
أنزله الله ليتدبر الناس آياته، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.
وأولو العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب، فدل هذا على أنه بحسب لب الإنسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب79.
٣. الجد والاجتهاد.
ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [مريم:١٢].
أى: يا يحي خذ الكتاب بجد واجتهاد، وتفهم لمعناه على الوجه الصحيح، وتطبيق ما اشتمل عليه من أحكام وآداب، فإن بركة العلم في العمل به، وأعطيناه بقدرتنا وفضلنا فهم الكتاب، والعمل بأحكامه80.
ومنه قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [العنكبوت:٦٩].
أي: الذين هاجروا في سبيل الله، وجاهدوا أعداءهم، وبذلوا مجهودهم في اتباع مرضاته، لنرشدهم إلى الطرق الموصلة إلينا.
دلت الآية على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد، وعلى أن من أحسن فيما أمر به أعانه الله ويسر له أسباب الهداية، وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية، خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله، بل هو أحد نوعي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان، للكفار والمنافقين، والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع المخالفين للحق، ولو كانوا من المسلمين81.
٤. الدعاء.
ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [طه:١١٤].
ولما كانت عجلته صلى الله عليه وسلم على تلقف الوحي ومبادرته إليه تدل على محبته التامة للعلم وحرصه عليه أمره الله تعالى أن يسأله زيادة العلم، فإن العلم خير وكثرة الخير مطلوبة وهي من الله والطريق إليها الاجتهاد والشوق للعلم وسؤال الله والاستعانة به والافتقار إليه في كل وقت82، قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما: (اللهم فقهه في الدين) 83.
٥. التخلي عن الذنوب والمعاصي.
ومنه قوله تعالى: (ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [البقرة:٢٨٢].
أي: واتقوا الله في جميع ما أمركم به ونهاكم عنه، وهو سبحانه يعلمكم ما فيه صلاح حالكم في الدارين وحفظ أموالكم، ولولا هديه لكم لم تعلموا شيئا، وهو العليم بكل شىء، فإذا شرع شيئًا من الأحكام فإنما يشرعه عن علم محيط بأسباب درء المفاسد، وجلب المصالح لمن اتبع شرعه وهداه84.
جاء في تفسير الماتريدي: « علم الموهبة، ويقصد به العلم اللدني الرباني، قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الكهف:٦٥].
الذي يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم، ويفتح قلبه لفهم أسراره، قال تعالى: (ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:٢٨٢].
فهو ثمرة التقوى والإخلاص، ولا ينال هذا العلم من كان في قلبه بدعة أو كبر أو حب للدنيا أو ميل إلى المعاصي، قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الأعراف:١٤٦].
وما أجمل قول الشافعي رحمه الله:قال الإمام الشافعي رضي الله عنه ورحمه:
شكوت إلى وكيع سوء حفظـي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي»85.
لا شك أن الفقه نعمة من الله عز وجل لا يعطاها إلا من أخلص العبادة لله والتزم الطاعات واجتنب المحرمات، ولهذا ينبغي لمن أراد الحصول على الفقه والفهم أن يبتعد عن كل أسباب وموانع الفقه وهي كثيرة ومتعددة يمكن أن نجملها في الأمور الآتية:
١. الكفر.
إن أعداء الإسلام من كفار ومشركين في كل زمان ومكان قد حرموا من نعمة الفقه والفهم؛ لأنهم يعادون الله ويحاربون أوليائه ظنًا منهم أنهم بهذا يحققون السعادة لأنفسهم من خلال استغلال ثروات بلاد المسلمين واستعمارها، وقد غفل هؤلاء أن الحرب على الله ورسله هي حرب خاسرة وأن معيشتهم ستكون ضنكا، كما قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [طه:١٢٤].
وقال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنفال:٦٥].
يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال، وحثهم عليه حثًا شديدًا حتى يبذلوا النفس والنفيس في سبيل الله طيبة نفوسهم بهذا، وذلك ببيان فضيلة الجهاد وأنهم ينتظرون في الجهاد إحدى الحسنيين:إما الشهادة، ويا لها من شرف!! وإما الغنيمة والنصر. واعلموا أن الواجب عليكم أن الواحد يقاتل عشرة من الكفار، إذ هناك فرق شاسع بين من يقاتل عن عقيدة ثابتة ونفس مطمئنة، وبين من يقاتل مكرها أو مأجورا أو لغرض دنيوى بسيط.
إن يكن منكم عشرون صابرون محتسبون أجرهم عند الله يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة صابرة على هذا الشرط يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بالله وبرسوله، ولم يؤمنوا بالبعث والجزاء، ذلك بسبب أنهم قوم لا يفقهون الأسرار الحربية ونظامها الذي يكفل النجاح، وهم قوم لا يفقهون عن عقيدة وحجة، ثم هم لا يؤمنون بالبعث86.
ثم نسخت هذه الآية بقوله تعالى في الآية التي تليها: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الأنفال:٦٦].فأصبح على المجاهد أن يثبت أمام اثنين.
وقال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المنافقون:٣].
تبين الآية كيف أن المنافقين حين ارتدوا عن الإيمان وأصبحوا كافرين حرموا من نعمة الفقه، أي:ما نعي عليهم من مساوئهم بأنهم آمنوا، أي:ظاهرًا ثم كفروا، أي:سرًا (فطبع على قلوبهم) أي: ختم عليها بما مرنوا عليه من التلون والتذبذب ورسوخ الهيئات المنكرة، فحجبوا عن الحق فهم لا يفقهون، أي:حقية الإيمان، وحكمة الرسالة والدين87.
٢. النفاق.
إن ظاهرة النفاق من أخبث الظواهر وشرها لما يشكله المنافقون من خطر على الإسلام من حيث مشابهتم للكفار في كفرهم والزيادة عليهم في أنهم يخادعون الله والذين آمنوا، كما قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [البقرة:٨-٩].
وقال الله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المنافقون:٧].
وهذا من شدة عداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين لما رأوا اجتماع أصحابه وائتلافهم، ومسارعتهم في مرضاة الرسول صلى الله عليه وسلم، قالوا بزعمهم الفاسد:لولا أموال المنافقين ونفقاتهم عليهم، لما اجتمعوا في نصرة دين الله، وهذا من أعجب العجب، أن يدعى هؤلاء المنافقون الذين هم أحرص الناس على خذلان الدين، وأذية المسلمين، مثل هذه الدعوى، التي لا تروج إلا على من لا علم له بحقائق الأمور فبين تعالى أنه يؤتي الرزق من يشاء، ويمنعه من يشاء، وييسر الأسباب لمن يشاء، ويعسرها على من يشاء، ولكن المنافقين لا يفقهون فلذلك قالوا تلك المقالة، التي مضمونها أن خزائن الرزق في أيديهم، وتحت مشيئتهم88.
وقال الله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة:١٢٧].
وإذا أنزلت سورة قرآنية فيها فضيحة أسرارهم، تعجبوا وتأملوا وتسللوا من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وتلفتوا متغامزين قائلين:هل يراكم الرسول أو المؤمنون إذا خرجتم؟! ثم ينصرفون عن طريق الاهتداء، ويتولون عن الحق، فهذا حالهم في الدنيا لا يثبتون عند الحق ولا يقبلونه ولا يفهمونه، ولا يفهمون شيئًا عن الله ولا عن رسوله، ومن أعرض عن ساحة الإيمان والخير، أعرض الله عنه، وصرف الله قلوبهم عن الحق والإيمان، وعن الخير والنور، وهذا إما دعاء عليهم به، أو إخبار عن أحوالهم، وذلك الصرف الإلهي بسبب أنهم قوم لا يفهمون الآيات التي يسمعونها، ولا يريدون فهمها، ولا يتدبرون فيها حتى يفقهوا، بل هم في شغل عن الفهم ونفور منه89.
وقال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [التوبة:٨٧].
وإذا كان أولو الطول والسعة والقوة في أبدانهم قد قالوا (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ)، ولا تستنفرنا في جهادك الذي بعدت فيه الشقة، وعظمت فيه المشقة، فقد(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)، والخوالف جمع خالفة، وهي المرأة المتخلفة عن الجهاد، ويطلق على ما لا خير فيه، أي أنهم رضوا أن يكونوا كالنساء القاعدات في البيوت، والأشياء التي لا خير فيها ولا منفعة، أي رضوا بحياة الدعة والاسترخاء ولو كان معها الذلة، وتركوا حياة الكد والتعب ولو كان فيها العزة.
وقال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ) أي أنه بهذه الحال وأخواتها، مما فروا فيها من الجهاد فرار الجبناء، فسدت نفوسهم، وأغلقت قلوبهم عن حب الخير والعيش الكريم، وبني للمجهول للإشارة إلى الأسباب المتراكمة التي توالت على نفوسهم، وطبعتها على النفاق، فطبع مع النفاق الذلة والاستهزاء والكذب، وإخلاف الوعد، وإن مدوا أعناقهم للذلة.
إن النفاق يولد الجبن، والجبن يولد المذلة والكذب وكل قبائح النفس، ولذا قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ) و (الفاء) تفيد ترتب ما بعدها على ما قبلها؛ لأن طبع القلب على النفاق يفسد الفكر، فلا ينظر إلى عواقب الأمور، ولا ما تنتهي إليه، وأعيد الضمير في قوله تعالى: (ﭙ) لتأكيد وصفهم، وثبوت حالهم، والفقه كما ذكرنا هو العلم بلباب الأمور وغايتها، فهم لم يعرفوا أن موقفهم لو سلك المؤمنون مسلكه لذلوا، ولذهبت ربحهم، ولم يدركوا أنهم بما يفعلون يقون أنفسهم من مشقة الجهاد، ولكن يكونون مهينين في الدنيا، وتنالهم جهنم وبئس المصير90.
٣. الطبع على القلوب.
قال الله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [الأنعام:٢٥].
والمعنى والمقصد من هذه الآية أن مشركي مكة كانوا في أعجز موقف، حين حاولوا رد الحق القرآني بالدعوى المجردة، ومنهم فريق كانوا يستمعون للنبي صلى الله عليه وسلم وهم في أشد حالات الغباء وصمم الآذان، يرون الآيات الناطقة بالحق فلا يؤمنون بها، وإذا جاؤوا للمجادلة أي المقابلة في الاحتجاج، قابلوا بدعوى مجردة فارغة من البرهان المقبول، والعقل السليم لأن الله تعالى-بسبب عنادهم وإصرارهم على شركهم-جعل على قلوبهم أغطية لئلا يفقهوا القرآن، وفي آذانهم ثقلا أو صمما عن السماع النافع لهم.
فمهما رأوا من الآيات البينات والبراهين الصادعة بالحق لا يؤمنوا بها، وصاروا بلا فهم ولا إنصاف، وإذا جاؤوا يحاجون النبي ويناظرونه في الحق وفي دعوته، قالوا قولًا تافهًا: ما هذا الذي جئت به إلا مأخوذ من أخبار الأولين وأقاصيصهم التي تسطر وتحكى ولا تحقق كالتواريخ، وما هي إلا نوع من خرافات وأباطيل القدماء، وهم بهذا الموقف اللاعقلاني والدعائي بمجرد الأقاويل المبطلة، ينهون الناس عن اتباع الحق الأبلج وتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد للقرآن، ويبعدون هم عنه، فيجمعون بين الفعلين القبيحين، لا ينتفعون، ولا يتركون غيرهم ينتفع91.
وقال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الإسراء:٤٦].
أي: صيرنا وأنشأنا أكنة تكون غلافا مانعا قلوبهم عن أن تدرك وتصل إلى النور، وفي آذانهم صمما وثقلا فيها يمنعها من أن تستمع إلى القرآن الحق، فالأكنة تمنع أن يفقهوه؛ لأن غلافا وضع بينها وبين النور، فلم تفقه أي لم تدرك وتتدبر في بلاغته، ومعانيه، وقصصه، وعبره، وما فيه من نور الحق فلا تراه، وجعلنا في آذانهم وقرا عن سماع القرآن وتذوق ألفاظه ونغمه، وجمال عباراته ونسق بيانه.
وإذا ذكرت ربك الذي خلقك وخلقهم وربهم وحده من غير ذكر آلهتهم على أنه المتفرد وحده بالألوهية اعتراهم إعراض أشد، فأعرضوا سائرين على أدبارهم نافرين من الحق، يسارعون بالتولي والإعراض نافرين مدبرين، سائرين بظهورهم لا بإقبالهم، وهذا النص يصور شخصًا رأى شيئًا فهاله ما رأى فولى مدبرًا، رجع مدبرًا نافرًا كأنه رأى شيئًا مخيفًا، اقشعر له بدنه، وهذا يصور مقدار نفورهم من التوحيد الحق، وإقبالهم على الوثنية الباطلة، فالأوهام التي استكنت في نفوسهم صورت لهم الحق مخوفا مرهوبا، والباطل طيبا حسبوا فيه السلامة وما وراءه إلا الحسرة والندامة وساء ما كانوا يصنعون92.
وقال الله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الكهف:٥٧].
أي: لا أحد أشد ظلمًا ممن وعظ بآيات ربه الواضحة، فانصرف عنها إلى باطله، ونسي ما قدمته يداه من الأفعال القبيحة فلم يرجع عنها، إنا جعلنا على قلوبهم أغطية، فلم يفهموا القرآن، ولم يدركوا ما فيه من الخير، وجعلنا في آذانهم ما يشبه الصمم، فلم يسمعوه ولم ينتفعوا به، وإن تدعهم إلى الإيمان فلن يستجيبوا لك، ولن يهتدوا إليه أبدًا93.
٤. عجمة اللسان.
قال الله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الكهف:٩٣].
قال المفسرون: ذهب ذو القرنين متوجهًا من المشرق، قاصدًا للشمال، فوصل إلى ما بين السدين، وهما سدان، كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان، سدًا بين يأجوج ومأجوج وبين الناس، وجد من دون السدين قومًا، لا يكادون يفقهون قولًا لعجمة ألسنتهم، واستعجام أذهانهم وقلوبهم، وقد أعطى الله ذا القرنين من الأسباب العلمية، ما فقه به ألسنة أولئك القوم وفقههم، وراجعهم، وراجعوه، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم94.
قال الشعراوي في تفسيره: « أي:لا يعرفون الكلام، ولا يفقهون القول؛ لأن الذي يقدر أن يفهم يقدر أن يتكلم، وهؤلاء لا يقولون كلامًا، ولا يفهمون ما يقال لهم، ومعنى: (ﯟ ﯠ) لا يقربون من أن يفهموا، فلا ينفي عنهم الفهم، بل مجرد القرب من الفهم، وكأنه لا أمل في أن يفهمهم، لكن يكف نفى عنهم الكلام، ثم قال بعدها مباشرة: (ﯤ ﯥ ﯦ) [الكهف:٩٤]. فأثبت لهم القول؟
يبدو أنه خاطبهم بلغة الإشارة، واحتال على أن يجعل من حركاتهم كلامًا يفهمه وينفذ لهم ما يريدون، ولا شك أن هذه العملية احتاجت منه جهدًا وصبرًا حتى يفهمهم ويفهم منهم، وإلا فقد كان في وسعه أن ينصرف عنهم بحجة أنهم لا يتكلمون ولا يتفاهمون، فهو مثال للرجل المؤمن الحريص على عمل الخير، والذي لا يألو جهدًا في نفع القوم وهدايتهم.
والإشارة أصبحت الآن لغة مشهورة ومعروفة، ولها قواعد ودارسون يتفاهمون بها، كما نتفاهم نحن الآن مع الأخرس»95.
ولهذا ينبغي على الداعية أن يحسن الكلام، وأن يكون الكلام مطابقًا لواقع الحال كما هو مفهوم البلاغة.
ولهذا نجد أن نبيينا صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم كما جاء في الحديث عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فضلت على الأنبياء بستٍ: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافةً، وختم بي النبيون) 96.
(جوامع الكلم): القرآن، جمع الله تعالى في الألفاظ اليسيرة منه المعاني الكثيرة وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني97.
أثر الفقه الصحيح على الفرد والأمة
ما من شك في أن للفقه الصحيح أثرًا كبيرًا وفعالًا على الفرد والأمة، ولهذا نجد أن أول آيات القرآن نزولًا، كانت دعوة صريحة للقراءة والعلم والتعلم، كما قال تعالى (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [العلق:١-٥].
وما يستتبع ذلك من تطبيق لما نتعلمه ونتوصل إليه، وآثار ذلك على الفرد والأمة.
ومن هذه الآثار:
موضوعات ذات صلة: |
الجاهلية، الحكمة، السؤال، العلم |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/ ٤٤٢.
2 انظر: العين، الفراهيدي ٣/ ٣٧٠، تهذيب اللغة، الأزهري ٥/ ٢٦٣
3 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٣/ ٥٢٢، الصحاح، الجوهري ٦/ ٢٢٤٣، المخصص، ابن سيده ١/ ٢٦٠، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/ ٦٩٨.
4 التعريفات، الجرجاني ص ١٦٨.
وانظر: الإبهاج في شرح المنهاج، البيضاوي ١/ ٢٨، رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، تاج الدين السبكي ص ٢٤٤.
5 انظر: المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصبهاني ص ٦٤٢- ٦٤٣.
6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٥٢٥.
7 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/٤٤٢.
8 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٢/٤١٨، لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٠٨٣.
9 الصحاح، الجوهري ٥/١٩٩٠.
10 التعريفات ص ١٩١.
11 انظر: زهرة التفاسير ٧/ ٣٤٨٤.
12 انظر: المعجم العربي الأساسي، ص ٩٥٣.
13 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٤٥٩.
14 مفاتيح الغيب، الرازي ١/٤٢٠.
15 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/ ٢٢٤٣.
16 انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد عمر ١/ ٧٤٠.
17 التعريفات ص ١٤.
18 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٣٨١.
19 انظر: مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر، مساعد الطيار ص١٦٠.
20 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١١/١٢٩، النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٣/٣٢٢.
21 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٠٩.
وانظر: العين، الفراهيدي ٣/٣٩٠.
22 انظر: إعلام الموقعين، ابن القيم ١/ ٦٩.
23 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي ٢/ ١٦٠٢.
24 انظر: المصدر السابق ٢/ ١٣٥٣.
25 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/ ٤٩٤.
26 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب فضل من عَلِم وعَلم، ١/ ٢٧، رقم ٧٩، ومسلم في صحيحه، كتاب القضائل، باب مثل ما بغث به النبي صلى الله عليه وسلم، رقم ٢٢٨٢، ٤/ ١٧٨٧.
27 انظر: شرح السنة ١/ ٢٨٩.
28 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٩٦.
29 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الجاسوس، ٤/ ٥٩، رقم ٣٠٠٧، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل أهل بدر، ٤/ ١٩٤١، رقم ٢٤٩٤.
30 انظر: إعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم ١/ ٦٩.
31 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب كتابة العلم، رقم ١١١، ١/ ٣٣.
32 انظر: التفسير الميسر، مجمع الملك فهد، ص١٧٤.
33 تفسير المراغي ٩/ ١١٣- ١١٤.
34 الكشاف ٢/ ١٧٩.
35 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ٩/ ١٧١.
36 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/ ٣٩٤.
37 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٩/ ٢٣٥.
38 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٩٣.
39 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من استبرأ لدينه، ١/ ٢٠، رقم ٥٢، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم ١٥٩٩، ٢/١٢١٩.
40 انظر: شرح صحيح البخارى، ابن بطال ١/١١٧.
41 جامع العلوم والحكم، ابن رجب ١/ ٢١٠.
42 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/ ٤٥٥.
43 انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم، لجنة من علماء الأزهر ص ٦١.
44 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/ ٢٢١٥.
45 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي ١/ ٥٣٩.
46 المصدر السابق ١/ ٩٣٤.
47 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٨/ ٤٣٩٣- ٤٣٩٤.
48 انظر: التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص ٣٠٠.
49 تفسير الشعراوي ١٤/ ٨٩٤٤.
50 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب المفاتيح في اليد، ٩/٣٦، رقم ٧٠١٣، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، ، ١/ ٣٧١، رقم ٥٢٣.
51 انظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، البيضاوي ٣/ ١٤٦.
52 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٠٤.
53 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/ ٢٨٢.
54 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٩٣.
55 انظر: التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص ٢٢٨.
56 انظر: المنتخب في تفسير القرآن الكريم ص ٦٢.
57 مفاتيح الغيب، الرازي ٩/ ٤٥٨.
58 أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الرقائق، باب التوبة، رقم ٦٢٠، ٢/ ٣٨٦.
وجود إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة، ١/١٤٧.
59 انظر: التفسير الحديث، عزة دروزة ٤/ ٤٣٣.
60 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٧/ ١٤٣- ١٤٥.
61 انظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، البيضاوي ٢/ ١٧٤.
62 التفسير الواضح، محمد حجازي ٣/ ٧٥٤- ٧٥٥.
63 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٤/ ١٣٦.
64 انظر: في ظلال القرآن ٦/ ٣٤٥٢- ٣٤٥٣.
65 انظر: التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص٥٨٤.
66 انظر: المصدرالسابق ص ٤٠١.
67 انظر: أوضح التفاسير ص ٣٣.
68 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٤٩٢.
69 انظر: التفسير الميسر ص ١٢٢.
70 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ١٠/ ٥١٧٥.
71 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب الإستئذان، ٣/١٦٩٦، رقم ٢١٥٤.
72 انظر: صفوة التفاسير، الصابوني ١/ ٤٦١.
73 انظر: التفسير الواضح، حجازي ٢/ ٣٠.
74 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٥٥.
75 أخرجه ابن ماجه في سننه، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم ٢٢٤، ١/٨١.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٧٢٧، رقم ٣٩١٣.
76 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب النهي عن المسألة، رقم ١٠٣٧، ٢/ ٧١٨.
77 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب العلم، باب ما جاء في فضل العلم على العبادة، رقم ٢٦٨٤، ٥/ ٤٨.
78 انظر: التفسير المنير، الزحيلي ١١/ ٧٨-٨٠.
79 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧١٢.
80 انظر: التفسير الوسيط، الطنطاوي ٩/ ٢٠.
81 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٣٦.
82 انظر: المصدر السابق ص ٥١٤.
83 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب وضع الماء عند الخلاء، ١/ ٤١، رقم ١٤٣.
84 انظر: تفسير المراغي ٣/ ٧٧.
85 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ١/ ٢٧٥.
86 انظر: التفسير الواضح، حجازي ١/ ٨٤٣.
87 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٩/ ٢٣٥.
88 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٨٦٥.
89 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي ١/ ٩٣٤.
90 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٧/ ٣٤٠٣.
91 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي ١/ ٥٣٩.
92 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٨/ ٤٣٩٣.
93 انظر: التفسير الميسر، مجمع الملك فهد ص ٣٠٠.
94 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٤٨٦.
95 تفسير الشعراوي ١٤/ ٨٩٨٨.
96 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التعبير، باب المفاتيح في اليد، ٩/٣٦، رقم ٧٠١٣، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، ، ١/ ٣٧١، رقم ٥٢٣.
97 انظر: شرح النووي على مسلم ٥/ ٥.