عناصر الموضوع

مفهوم الفساد

الفساد في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

مجالات الفساد ومظاهره

الأساليب القرآنية في محاربة الفساد

عاقبة المفسدين

الفساد

مفهوم الفساد

أولًا: المعنى اللغوي:

«الفاء والسين والدال كلمة واحدة، فسد الشيء يفسد فسادًا وفسودًا وهو فاسد وفسيد»1، وفسد: كنصر وعقد وكرم، ضد صلح فهو فاسدٌ، والفساد: أخذ المال ظلمًا. والمفسدة: ضد المصلحة2.

والفساد: «خروج الشيء عن الاعتدال، قليلًا كان الخروج أو كثيرًا، ويضاده الصلاح، ويستعمل ذلك في النفس، والبدن، والأشياء الخارجة عن الاستقامة»3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

عرف الفساد في الاصطلاح خلقٌ كثيرون، ولكن هذا البحث سيتناول هذا المصطلح بما يتفق مع طبيعته القرآنية، حيث جاء في تعريفه الآتي:

١-تعريف الجرجاني للفساد بأنه: «زوال الصورة عن المادة بعد أن كانت حاصلة»4.

٢-تعريف الشيخ محمد رواس قلعه جي بأنه: «إخراج الشئ عن أن يكون منتفعًا به منفعة مطلوبة منه عادة»5.

وبالنظر إلى التعريفين السابقين يتبين أن التعريف الثاني أكثر وضوحًا وانسجامًا مع الدراسة القرآنية، خاصة أنه يشمل كل ما من شأنه تخريب وإفساد، وأيضًا يتفق مع أصل الفساد لغةً.

الفساد في الاستعمال القرآني

وردت مادة (فسد) في القرآن الكريم (٥٠) مرة 6.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

٤

( ) [الأنبياء:٢٢]

الفعل المضارع

١٤

( ) [الشعراء:١٥٢]

المصدر

١١

( ) [الأنفال:٧٣]

اسم الفاعل

٢١

( ) [البقرة:١٢]

وورد الفساد في القرآن بمعناه اللغوي، وهو: تغير الشيء عما كان عليه من الصلاح، وقد يقال في الشيء مع قيام ذاته، ويقال فيه مع انتقاضها، ويقال فيه إذا بطل وزال بالكلية؛ فيشمل الخراب والهلاك والقتل وغير ذلك من المعاني التي تندرج تحت معنى الفساد. ولم يخرج في الاستعمال القرآني عن هذا المعنى 7.

الألفاظ ذات الصلة

الظلم:

الظلم لغةً:

الظلمة: وضع الشيء في غير موضعه المختص به، إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه8.

الظلم اصطلاحًا:

مجاوزة الحق الذي يجري مجرى نقطة الدائرة، ويقال فيما يكثر وفيما يقل من التجاوز؛ ولهذا يستعمل في الذنب الكبير، وفي الذنب الصغير9.

الصلة بين الظلم والفساد:

من خلال التعريفين اللغوي والاصطلاحي يتبين أن الفساد أعم وأشمل من الظلم؛ إذ إن الظلم هو مجاوزة الحد فقط، والفساد هو خروج عن الاعتدال.

الفسق:

الفسق لغة:

تعريف الفسق لغةً: (فسق: الفسق: العصيان والترك لأمر الله عز وجل والخروج عن طريق الحق، وقيل: الفسوق الخروج عن الدين، وكذلك الميل إلى المعصية كما فسق إبليس عن أمر ربه. وفسق عن أمر ربه أي جار ومال عن طاعته)10

الفسق اصطلاحًا:

(العصيان وترك أمر الله تعالى، والخروج عن طاعته، وعن طريق الحق. ورجل فاسق: أي عصى وجاوز حدود الشرع)11.

الصلة بين الفسق والفساد:

الفسق هو خروج عن حجر الشرع، والفساد هو خروج عن أي اعتدال، وعلى هذا فإن الفسق أعم من الكفر، لكن الفساد أعم منه.

الطغيان:

الطغيان لغةً:

«تجاوز الحد في العصيان»12.

الطغيان اصطلاحًا:

قال القرطبي: «الطغيان تجاوز الحد في الظلم والغلو فيه؛ وذلك أن الظلم منه صغيرة ومنه كبيرة، فمن تجاوز منزلة الصغيرة فقد طغى»13.

الصلة بين الطغيان والفساد:

الفساد أعم وأشمل؛ إذ إنه خروج عن الاعتدال، والطغيان هو تجاوز للحدود في العصيان.

البغي:

البغي لغة:

مصدر بغى يبغي بغيًا إذا تعدى وظلم. 14.

البغي اصطلاحًا:

طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى، سواء تجاوزه حقيقة أم لم يتجاوزه15.

الصلة بين البغي والفساد:

الفساد أعم وأشمل؛ إذ إن البغي قد لا يقتضي فعلًا، إنما هو طلب، والفساد هو كل خروج عن الاعتدال سواء أكان قلبًا أو قولًا أو فعلًا.

مجالات الفساد ومظاهره

تعددت مجالات الفساد كما عرضها القرآن الكريم، وسنبينها فيما يأتي:

أولًا: الفساد في مجال العقائد:

١. الشرك.

من الأسباب الرئيسة في فساد البشرية: الشرك وهو الذ ي يترتب عليه فساد نظام الحياة الكونية والبشرية، وهو القائم على عبادة العباد بدلًا من عبادة رب العباد.

ومما ذكره القرآن الكريم في معرض حديثه عن أسباب الفساد قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)[الأنبياء: ٢٢].

أي: لو كان في السماوات والأرض آلهة أخرى ولم يكن جميع من فيها ملكًا لله وعبادًا له لفسدت السماوات والأرض واختل نظامها الذي خلقتا به. وهذا استدلال على بطلان عقيدة المشركين؛ إذ زعموا أن الله جعل آلهة شركاء له في تدبير الخلق، أي: أنه بعد أن خلق السماوات والأرض أقام في الأرض شركاء له؛ ولذلك كانوا يقولون في التلبية في الحج: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك،ـ تملكه وما ملك. وذلك من الضلال المضطرب الذي وضعه لهم أئمة الكفر بجهلهم وترويج ضلالهم على عقول الدهماء.

والآية استدلال على استحالة وجود آلهة غير الله بعد خلق السماوات والأرض؛ لأن المشركين لم يكونوا ينكرون أن الله خالق السماوات والأرض، قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)[الزمر: ٣٨].

فهي مسوقة لإثبات الوحدانية لا لإثبات وجود الصانع؛ إذ لا نزاع فيه عند المخاطبين، ولا لإثبات انفراده بالخلق؛ إذ لا نزاع فيه كذلك، ولكنها منتظمة على ما يناسب اعتقادهم الباطل لكشف خطئهم وإعلان باطلهم.

والفساد المترتب على الشرك: هو اختلال النظام وانتفاء النفع من الأشياء. ففساد السماء والأرض هو أن تصيرا غير صالحتين ولا متسقتي النظام بأن يبطل الانتفاع بما فيها. فمن صلاح السماء نظام كواكبها، وانضباط مواقيت طلوعها وغروبها، ونظام النور والظلمة. ومن صلاح الأرض مهدها للسير، وإنباتها الشجر والزرع، واشتمالها على المرعى والحجارة والمعادن والأخشاب، وفساد كل من ذلك ببطلان نظامه الصالح.

ووجه انتظام هذا الاستدلال أنه لو تعددت الآلهة للزم أن يكون كل إله متصفًا بصفات الإلهية المعروفة آثارها، وهي الإرادة المطلقة والقدرة التامة على التصرف. وفرع على هذا الاستدلال إنشاء تنزيه الله تعالى عن المقالة التي أبطلها الدليل بقوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) أي: عما يصفونه به من وجود الشريك16.

وهذا الكون بجملته لا يستقيم أمره ولا يصلح حاله، إلا أن يكون هناك إله واحد، يدبر أمره، وما يقع الفساد في الأرض كما يقع عند تتعدد الآلهة، عندما يتعبد الناس الناس، عندما يدعي عبد من العبيد أن له على الناس حق الطاعة لذاته، وأن له فيهم حق التشريع لذاته، وأن له كذلك حق إقامة القيم والموازين لذاته، والإقرار به هو الشرك بالله أو الكفر به، وهو الفساد في الأرض أقبح الفساد.

٢. النفاق.

من الأسباب الرئيسة في فساد البشرية النفاق:

فأهل النفاق سبب كل بلية أصيبت بها الأمة، وسبب تسليط العدو عليها، بل هم العدو الحقيقي، فهم الذين يكشفون أسرار الأمة لعدوهم، وهم الذين يدلون العدو على مواضع الضعف، وهم الذين يتربصون بالأمة الدوائر، ويبطئونها عن الجهاد، ويوالون الكفار حتى حدث بسب ذلك فساد كبير أصاب الأرض وما عليها.

ومما ذكره القرآن الكريم في معرض حديثه عن أسباب الفساد قوله تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)[البقرة:١١-١٢].

فأهل النفاق: مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه وشكهم في دين الله الذي لا يقبل من أحد عملًا إلا بالتصديق به، والإيقان بحقيقته وكذبهم المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب، وبمالئتهم الكفار على المسلمين، بإفشاء أسرارهم إليهم وإغرائهم؛ مما يؤدى إلى هيج الفتن بينهم.

وفي الآيات: «محاورة جرت بين المؤمنين والمنافقين، فقال لهم المؤمنون: لا تفسدوا في الأرض، فأجابهم المنافقون بقولهم: إنما نحن مصلحون، فكأن المحاورة انقطعت بين الفريقين ومنع المنافقون ما ادعى عليهم أهل الإيمان من كونهم مفسدين، وأن ما نسبوهم إليه إنما هو صلاح لا فساد، فحكم العزيز الحكيم بين الفريقين بأن سجل على المنافقين أربعة أمور:

أحدها: تكذيبهم.

والثاني: الإخبار بأنهم مفسدون.

والثالث: أنهم أولى بالفساد.

والرابع: نفي الشعور عنهم بكونهم مفسدين.

وتأمل كيف نفى الشعور عنهم في هذا الموضع ثم نفى العلم في قولهم: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [البقرة: ١٣].

فنفى علمهم بسفههم وشعورهم بفسادهم، وهذا أبلغ ما يكون من الذم والتجهيل، أن يكون الرجل مفسدًا، ولا شعور له بفساده البتة، مع أن أثر فساده مشهور في الخارج مرئي لعباد الله وهو لا يشعر به، وهذا يدل على استحكام الفساد في مداركه وطرق علمه، وكذلك كونه سفيهًا، والسفه غاية الجهل وهو مركب من عدم العلم بما يصلح معاشه ومعاده وإرادته بخلافه، فإذا كان بهذه المنزلة وهو لا يعلم بحاله كان من أشقى النوع الإنساني، فنفي العلم عنه بالسفه الذي هو فيه متضمن لإثبات جهله ونفى الشعور عنه بالفساد الواقع منه متضمن لفساد آلات إدراكه، فتضمنت الأيتان الإسجال عليهم بالجهل وفساد آلات الإدراك بحيث يعتقدون الفساد صلاحًا والشر خيرًا»17.

والعلاقة بين الفساد والنفاق: أن النفاق أدى إلى فساد آلات الإدراك عند المنافقين، والتي بدورها أدت إلى اختلال موازين الحكم على الأشياء.

وفي هذا المعنى قال سيد قطب رحمه الله: «والذين يفسدون أشنع الفساد، ويقولون: إنهم يصلحون، كثيرون جدًا في كل زمان، يقولونها؛ لأن الموازين مختلة في أيديهم، وإذا اختل ميزان الإخلاص والتجرد في النفس اختلت سائر الموازين والقيم، والذين لا يخلصون سريرتهم لله يتعذر أن يشعروا بفساد أعمالهم؛ لأن ميزان الخير والشر والصلاح والفساد في نفوسهم يتأرجح مع الأهواء الذاتية، ولا يثوب إلى قاعدة ربانية»18.

٣. موالاة غير المؤمنين.

أمر عز وجل المؤمنين بولاية بعضهم بعضًا، وإلا حدثت الفتنة والفساد الكبير، قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأنفال: ٧٢-٧٣].

لما ذكر تعالى أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض قطع الموالاة بينهم وبين الكفار، ثم قال: إن لم تجانبوا المشركين وتولوا المؤمنين وإلا وقعت فتنة في الناس، أي: محنة بالحرب، وما يتبعها من الغارات والجلاء والأسر والفساد الكبير الذي يترتب عليه من الشر مالا ينحصر من اختلاط الحق بالباطل، والمؤمن بالكافر، وعدم إقامة كثير من العبادات الكبار كالجهاد والهجرة، وغير ذلك من مقاصد الشرع والدين التي تفوت إذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض؛ لأنهم بهذه الولاية يستطيعون أن يواجهوا المجتمع الجاهلي الموالي بعضهم بعضًا.

«فإن لم يواجههم بمجتمع ولاؤه بعضهم لبعض، فستقع الفتنة لأفراده من المجتمع الجاهلي؛ لأنهم لا يملكون مواجهة المجتمع الجاهلي المتكافل أفرادًا، وتقع الفتنة في الأرض عامة بغلبة الجاهلية على الإسلام بعد وجوده.

ويقع الفساد في الأرض بطغيان الجاهلية على الإسلام، وطغيان ألوهية العباد على ألوهية الله، ووقوع الناس عبيدًا للعباد مرة أخرى وهو أفسد الفساد. ولا يكون بعد هذا النذير نذير، ولا بعد هذا التحذير تحذير، والمسلمون الذين لا يقيمون وجودهم على أساس التجمع العضوي الحركي ذي الولاء الواحد والقيادة الواحدة، يتحملون أمام الله -فوق ما يتحملون في حياتهم ذاتها- تبعة تلك الفتنة في الأرض، وتبعة هذا الفساد الكبير»19.

ومن يقف على تاريخ الدول الإسلامية التي سقطت وبادت، والتي ضعفت بعد قوة يرى أن السبب الأعظم لفساد أمرها ترك ولاية المؤمنين أو استبدالها بولاية غير المؤمنين.

فالمؤمن لا يطلب العزة والنصرة والقوة عند أعداء الله وهو يؤمن بالله، وما أحوج ناسًا ممن يدعون الإسلام، ويتسمون بأسماء المسلمين، وهم يستعينون بأعدى أعداء الله في الأرض، أن يتدبروا هذا القرآن، فالحمية للدين لتكبت في أول الأمر عمدًا، ثم تهمد ثم تخمد، ثم تموت.

ثانيًا: الفساد في مجال العبادات:

١. عبادة غير الله.

قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)[الأعراف: ٨٥].

«إن الحياة لا تستقيم ولا تصلح إلا على أساس الإيمان بالله الواحد، والعبودية لإله واحد، وإن الأرض لتفسد حين لا تتمحض العبودية لله في حياة الناس. إن العبودية لله وحده معناها أن يكون للناس سيد واحد، يتوجهون إليه بالعبادة وبالعبودية كذلك، ويخضعون لشريعته وحدها فتخلص حياتهم من الخضوع لأهواء البشر المتقلبة، وشهوات البشر الصغيرة.

إن الفساد يصيب تصورات الناس كما يصيب حياتهم الاجتماعية حين يكون هناك أرباب متفرقون يتحكمون في رقاب العباد -من دون الله- وما صلحت الأرض قط ولا استقامت حياة الناس إلا أيام أن كانت عبوديتهم لله وحده -عقيدة وعبادة وشريعة- وما تحرر الإنسان قط إلا في ظلال الربوبية الواحدة»20.

٢. مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد أرسل الله الرسل؛ ليطاعوا فيما أمروا ونهوا.

قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ)[النساء: ٦٤].

وأقسم سبحانه وتعالى بنفسه الكريمة أنه لا يتحقق إيمان العباد حتى يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمًا فيما وقع بينهم من نزاع في حياته، ويتحاكموا إلى سنته بعد مماته، ثم لا يجدوا في أنفسهم ضيقًا مما انتهى إليه حكمه، وينقادوا مع ذلك انقيادًا تامًا.

قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)[النساء: ٦٥].

ومما ذكره القرآن في معرض الحديث عن أسباب الفساد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النور: ٦٣].

قال ابن القيم رحمه الله: «من تدبر العالم والشرور الواقعة فيه علم أن كل شر في العالم سببه مخالفة الرسول، والخروج عن طاعته، وكل خير في العالم فإنه بسبب طاعة الرسول، وكذلك شرور الآخرة وآلامها وعذابها إنما هو من موجبات مخالفة الرسول ومقتضياتها، فعاد شر الدنيا والآخرة إلى مخالفة الرسول وما يترتب عليه، فلو أن الناس أطاعوا الرسول حق طاعته لم يكن في الأرض شر قط، وهذا كما أنه معلوم في الشرور العامة والمصائب الواقعة في الأرض، فكذلك هو في الشر والألم والغم الذي يصيب العبد في نفسه فإنما هو بسبب مخالفة الرسول، ولأن طاعته هي الحصن الذي من دخله كان من الآمنين، والكهف الذي من لجأ إليه كان من الناجين»21.

٣. الحكم بغير ما أنزل الله.

بين الله في كتابه الكريم وجود صنف من البشر إذا صار حاكمًا أفسد في الأرض بالظلم والقتل وفعل المعاصي والرشا وقطع الأرحام العامة والخاصة.

قال تعالى: ( ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[محمد: ٢٢].

اختلف في معنى: (ﮀ ﮁ).

فقيل: «هو من الولاية: قال أبو العالية رحمه الله: المعنى فهل عسيتم إن توليتم الحكم فجعلتم حكامًا أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرشا. وقال الكلبي رحمه الله: أي: فهل عسيتم إن توليتم أمر الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم. وقال ابن جريج رحمه الله: المعنى: فهل عسيتم إن توليتم عن الطاعة أن تفسدوا في الأرض بالمعاصي وقطع الأرحام. وقال كعب رحمه الله: المعنى: فهل عسيتم إن توليتم الأمر أن يقتل بعضكم بعضًا.

وقيل: من الإعراض عن الشيء: قال قتادة رحمه الله: أي: فهل عسيتم إن توليتم عن كتاب الله أن تفسدوا في الأرض بسفك الدماء الحرام، وتقطعوا أرحامكم». وقيل: (ﭾ ﭿ) أي: فلعلكم إن أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه أن تفسدوا في الأرض فتعودوا إلى جاهليتكم»22.

والمعنيان من اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد، وللجمع بينهما نقول: إن القرآن قد شمل كل ما يحتاجه الحاكم الصالح في إرساء دعائم الحكم الصالح.

وقال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)[البقرة: ٢٠٥].

والمراد بـ () صار واليًا له حكمٌ ينفذ وعملٌ يستبد به، وإفساده حينئذٍ يكون بالظلم مخرب العمران وآفة البلاد والعباد، وإهلاكه الحرث والنسل يكون إما بسفك الدماء والمصادرة في الأموال، وإما بقطع آمال العاملين من ثمرات أعمالهم وفوائد مكاسبهم. ومن انقطع أمله انقطع عمله، إلا الضروري الذي به حفظ الدماء، ولا حرث ولا نسل إلا بالعمل. وقد شرحت لنا حوادث الزمان وسير الظالمين هذه الآية فقرأنا وشاهدنا أن البلاد التي يفشو فيها الظلم تهلك زراعتها، وتتبعها ماشيتها، وتقل ذريتها، وهذا هو الفساد والهلاك الصوريان، ويفشو فيها الجهل، وتفسد الأخلاق، وتسوء الأعمال حتى لا يثق الأخ بأخيه، ولا يثق الابن بأبيه فيكون بأس الأمة بينها شديدًا ولكنها تذل وتخنع للمستعبدين لها. وهذا هو الفساد والهلاك المعنويان، وفي التاريخ الغابر والحاضر من الآيات والعبر، ما فيه ذكرى ومزدجرٌ23.

ثالثًا: مجال الأخلاق:

١. اتباع الأهواء.

من الأسباب الرئيسة في فساد البشرية اتباع الهوى: فما من مجتمع ولا دولة تعرض عن شريعة الله التي اختارها عز وجل؛ لتحكم حياة البشر، إلا ويتبع أهواء الذين لا يعلمون، فهما طريقان لا ثالث لهما: إما اتباع شريعة الله؛ فيكون الإصلاح الشامل والحياة الطيبة، وإما اتباع أهواء الذين لا يعلمون؛ فيكون الفساد الشامل للأرض وما عليها.

قال الشاطبي رحمه الله المقصد الشرعي من وضع الشريعة: «إخراج المكلف عن داعية هواه؛ حتى يكون عبدًا لله اختيارًا كما هو عبد له اضطرارًا»24، ويدلل على ذلك بأدلة منها:

الأول: النص الصريح الدال على أن العباد خلقوا للتعبد لله سبحانه وتعالى والدخول تحت أمره و نهيه25.

وإذا كان الأمر كذلك فإنه لا يجتمع وضع الشريعة على وفق أهواء الناس مع عبادة الله تعالى؛ لأن الله تعالى يقول: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)[المؤمنون: ٧١].

الثاني: ما دل على ذم مخالفة هذا القصد: من النهي أولًا عن مخالفة أمر الله، وذم من أعرض عن الله، وإيعادهم بالعذاب العاجل من العقوبات الخاصة بكل صنف من أصناف المخالفات، والعذاب الآجل في الدار الآخرة، وأصل ذلك اتباع الهوى والانقياد إلى طاعة الأغراض العاجلة، والشهوات الزائلة26.

الثالث: ما علم بالتجارب والعادات من أن المصالح الدينية والدنيوية لا تصلح مع الاسترسال في اتباع الهوى، والمشي مع الأغراض؛ لما يلزم في ذلك من التهارج والتقاتل والهلاك وهو مضاد لتلك المصالح، وهذا معروف عندهم بالتجارب والعادات المستمرة27.

ولحصول هذه الاختلافات الكثيرة اقتضى الأمر جعل المرء يسير تبع الشريعة لا تبع هواه؛ لأن الشريعة وضعت على وفق المصالح المطلقة، دون النظر إلى الأفراد موافقة أو مخالفة، وبذلك تنضبط الأمور وتسير28.

ومما ذكره القرآن في معرض حديثه عن أسباب الفساد قوله تعالى في اتباع الأهواء: ( ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)[المؤمنون: ٧١].

أي: «لو أجابهم الله إلى ما في أنفسهم من الهوى وشرع الأمور على وفق ذلك؛ لفسدت السموات والأرض ومن فيهن، أي: لفساد أهوائهم واختلافها»29.

«ووجه ذلك أن أهواءهم متعلقة بالظلم والكفر وفساد الأخلاق، فلو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض لفساد التصرف والتدبير، المبني على الظلم وعدم العدل؛ فالسموات والأرض ما استقامتا إلا بالحق و العدل»30.

فالأهواء الفاسدة المختلفة لا يمكن أن يقوم عليها نظام السماء والأرض ومن فيهن، بل لو كانت هي المتبعة لفسد الجميع.

«فالحق واحد ثابت، والأهواء كثيرة متقلبة، وبالحق الواحد يدبر الكون كله، فلا ينحرف ناموسه لهوى عارض، ولا تتخلف سنته لرغبة طارئة، ولو خضع الكون للأهواء العارضة والرغبات الطارئة لفسد كله، ولفسد الناس معه، ولفسدت القيم والأوضاع واختلت الموازين والمقاييس، وتأرجحت كلها بين الغضب والرضا، والكره والبغض، والرغبة والرهبة، والنشاط والخمول، وسائر ما يعرض من الأهواء والمواجد والانفعالات والتأثرات.

وبناء الكون المادي واتجاهه إلى غايته كلاهما في حاجة إلى الثبات والاستقرار والاطراد على قاعدة ثابتة، ونهج مرسوم، لا يتخلف ولا يتأرجح ولا يحيد. ومن هذه القاعدة الكبرى في بناء الكون وتدبيره، جعل الإسلام التشريع للحياة البشرية جزءًا من الناموس الكوني تتولاه اليد التي تدبر الكون كله وتنسق أجزاءه جميعًا.

والبشر جزء من هذا الكون خاضع لناموسه الكبير؛ فأولى أن يشرع لهذا الجزء من يشرع للكون كله، ويدبره في تناسق عجيب. بذلك لا يخضع نظام البشر للأهواء فيفسد، إنما يخضع للحق الكلي، ولتدبير صاحب التدبير»31.

٢. الطغيان.

ومن صور الفساد الرئيسة: الطغيان. فليس وراء الطغيان إلا الفساد.

قال تعالى في معرض حديثه عن سبب فساد قوم عاد وثمود وفرعون: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[الفجر: ٦-١٢] أي: تمردوا وعتوا وعاثوا في الأرض بالإفساد والأذية للناس32.

قال السعدي رحمه الله: «هذا الوصف عائد إلى عاد وثمود وفرعون ومن تبعهم، فإنهم طغوا في بلاد الله، وآذوا عباد الله، في دينهم ودنياهم، وهو العمل بالكفر وشعبه، من جميع أجناس المعاصي، وسعوا في محاربة الرسل وصد الناس عن سبيل الله»33.

ومعنى طغيانهم في البلاد: أن كل أمة من هؤلاء طغوا في بلدهم، ولما كان بلدهم من جملة البلاد (أي: أراضي الأقوام) كان طغيانهم في بلدهم قد أوقع الطغيان في البلاد؛ لأن فساد البعض آيل بفساد الجميع بسن سنن السوء؛ ولذلك تسبب عليه ما فرع عنه من قوله: (ﮅ ﮆ ﮇ)؛ لأن الطغيان يجرئ صاحبه على دحض حقوق الناس، فهو من جهة يكون قدوة سوء لأمثاله وزملائه، فكل واحد منهم يطغي على من هو دونه.

وذلك فساد عظيم؛ لأن به اختلال الشرائع الإلهية والقوانين الوضعية الصالحة، وهو من جهة أخرى يثير الحفائظ والضغائن في المطغي عليه من الرعية، فيضمرون السوء للطاغين، وتنطوي نفوسهم على كراهية ولاة الأمور، وتربص الدوائر بها فيكونون لها أعداء غير مخلصي الضمائر، ويكون رجال الدولة متوجسين منهم خيفة فيظنون بهم السوء في كل حال، ويحذرونهم.

فتتوزع قوة الأمة على أفرادها عوضًا عن أن تتحد على أعدائها فتصبح للأمة أعداء في الخارج وأعداء في الداخل؛ وذلك يفضي إلى فساد عظيم، فلا جرم كان الطغيان سببًا لكثرة الفساد34.

فليس وراء الطغيان إلا الفساد؛ «فالطغيان يفسد الطاغية، ويفسد الذين يقع عليهم الطغيان سواء. كما يفسد العلاقات والارتباطات في كل جوانب الحياة. ويحول الحياة عن خطها السليم النظيف، المعمر الباني، إلى خط آخر لا تستقيم معه خلافة الإنسان في الأرض بحال. إنه يجعل الطاغية أسير هواه؛ لأنه لا يفيء إلى ميزان ثابت، ولا يقف عند حد ظاهر، فيفسد هو أول من يفسد ويتخذ له مكانًا في الأرض غير مكان العبد المستخلف وكذلك قال فرعون: (ﭹ ﭺ ﭻ) عندما أفسده طغيانه، فتجاوز به مكان العبد المخلوق، وتطاول به إلى هذا الادعاء المقبوح، وهو فساد أي فساد.

ثم هو يجعل الجماهير أرقاء أذلاء، مع السخط الدفين والحقد الكظيم، فتتعطل فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية، وملكات الابتكار المتحررة التي لا تنمو في غير جو الحرية. والنفس التي تستذل تأسن وتتعفن، وتصبح مرتعًا لديدان الشهوات الهابطة والغرائز المريضة، وميدانًا للانحرافات مع انطماس البصيرة والإدراك، وفقدان الأريحية والهمة والتطلع والارتفاع، وهو فساد أي فساد.

ثم هو يحطم الموازين والقيم والتصورات المستقيمة؛ لأنها خطر على الطغاة والطغيان. فلابد من تزييف للقيم، وتزوير في الموازين، وتحريف للتصورات؛ كي تقبل صورة البغي البشعة، وتراها مقبولة مستساغة. وهو فساد أي فساد.

فلما أكثروا في الأرض الفساد، كان العلاج هو تطهير وجه الأرض من الفساد35.

٣. المعاصي.

المعاصي سبب من أسباب الفساد في الأرض، والطاعات سبب من أسباب صلاح الأرض.

لقد نهى الصالحون من قوم موسى عليه السلام قارون عن العمل بالمعاصي، والتي منها إنفاق ماله في غير وجهه، وإمساكه عن وجهه.

قال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ)[القصص: ٧٧] أي: لا تعمل فيها بمعاصي الله36.

ومن صور الفساد بالمال: البغي والظلم، والفساد بالمتاع المطلق من مراقبة الله ومراعاة الآخرة، والفساد بملء صدور الناس بالحرج والحسد والبغضاء، والفساد بالنقص في الثمار والزروع ومحق البركات من السماء والأرض.

قال تعالى: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ)[الروم: ٤١]، أي: فشا الفساد، وانتشرت عدواه وتوارثه جيل عن جيل أينما حلوا وحيثما ساروا بسبب المعاصي والذنوب.

وفساد البر: يكون بفقدان منافعه وحدوث مضاره، مثل حبس الأقوات من الزرع والثمار والكلأ، وفي موتان الحيوان المنتفع به، وفي انتقال الوحوش التي تصاد من جراء قحط الأرض إلى أرضين أخرى، وفي حدوث الجوائح من جراد وحشرات وأمراض.

وفساد البحر: كذلك يظهر في تعطيل منافعه من قلة الحيتان واللؤلؤ والمرجان وغير ذلك، وكثرة الزوابع الحائلة عن الأسفار في البحر، ونضوب مياه الأنهار وانحباس فيضانها الذي به يستقي الناس.

ومن مظاهر الفساد بسبب المعاصي الحروب والغارات، بالجيوش والطائرات، والسفن الحربية والغواصات، بما كسبت أيدي الناس من الظلم وكثرة المطامع، وانتهاك الحرمات، وعدم مراقبة الخلاق، وطرح الأديان وراء ظهورهم، ونسيان يوم الحساب، وأطلقت النفوس من عقالها، وعاثت في الأرض فسادًا، إذ لا رقيب من وازع نفسى، ولا حسيب من دين يدفع عاديتها، ويمنع أذاها.

ومن مظاهر الفساد بسبب المعاصي: ما يحل بها من الخسف والزلازل، ويمحق بركتها، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود، فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكون، ومن شرب مياههم، ومن الاستسقاء من آبارهم، حتى أمر أن لا يعلف العجين الذي عجن بمياههم للنواضح؛ لتأثير شؤم المعصية في الماء، روى مسلم بسنده عن نافعٍ أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أخبره: (أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر أرض ثمود فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التى كانت تردها الناقة)37.

والله سبحانه وتعالى يريد الصلاح في الأرض، وتطهيرها من الفساد والمفسدين.

٤. جحود نعم الله.

من الأسباب الرئيسة في الفساد: جحود نعم المنعم إنكارًا باللسان، رغم اليقين بالجنان.

وجحود النعم يصدر من الفرد ويصدر من الأمة.

فمما حكاه القرآن الكريم عن الفرد ما حكاه عن قارون لما وعظه الصالحون من قومه رد عليهم قائلًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)[القصص: ٧٧]. أي: إنما أعطيت هذه الكنوز بما عندي من العلم والقدرة.

فالآية دالة عن أن من أعظم الفساد جحود نعم الله، وإسناد الحصول عليها لعلم العبد وقدرته ونسيان المنعم الكريم، واستخدامها في البغي والظلم والقتل والصد عن سبيل الله، كما يحدث في الوقت المعاصر.

ومما حكاه القرآن عن جحود الأمم ما حكاه عن قوم موسى عليه السلام وهم نموذج لمن كذب الرسل.

قال تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)[النمل: ١٣-١٤]. أي: فلما جاءت فرعون وقومه أدلتنا الواضحة المنيرة الدالة على صدق الداعي أنكروها وقالوا: هذا سحر بين لائح يدل على مهارة فاعله وحذق صانعه، وكذبوا بها بألسنتهم وأنكروا دلالتها على صدقه وأنه رسول من ربه، لكنهم علموا في قرارة نفوسهم أنها حق من عنده، فخالفت ألسنتهم قلوبهم؛ ظلمًا للآيات، إذ حطوها عن مرتبتها العالية وسموها سحرًا؛ ترفعًا عن الإيمان بها38.

فالآيتان تدلان على أن الجحود سبب للفساد.

وحكى القرآن عن قوم صالح عليه السلام حيث ذكرهم بنعم الله عليهم سواء كانت الخاصة أو العامة.

قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ)[الأعراف: ٧٤]، أي: فتذكروا نعم الله تعالى عليكم في ذلك كله واشكروها له بتوحيده وإفراده بالعبادة، واستعمالها فيما فيه صلاحكم، ولا تستبدلوا الكفر بالشكر فتعثوا في الأرض مفسدين. والمعنى: ولا تتصرفوا في هذه النعم تصرف عثيانٍ وكفرٍ بمخالفة ما يرضي الله فيها حال كونكم متصفين بالإفساد ثابتين عليه39.

ومما ذكر صالح به قومه: أولًا: نعمًا خاصة وهي جعلهم خلفاء بعد الأمة التي سبقتهم، وذكرهم بما اختصوا به من اتخاذ القصور من السهول ونحت الجبال بيوتًا. ثم ذكر نعمًا عامة بقوله: (ﭣ ﭤ ﭥ) ومعنى (ﭘ ﭙ ﭚ): أنزلكم بها وأسكنكم إياها.

فالحق لا يجحده الجاحدون؛ لأنهم لا يعرفونه، بل لأنهم يعرفونه. يجحدونه وقد استيقنته نفوسهم؛ لأنهم يحسون الخطر فيه على وجودهم، أو الخطر على أوضاعهم، أو الخطر على مصالحهم ومغانمهم. فيقفون في وجهه مكابرين، وهو واضح مبين. وهذا ظلم لأنفسهم وظلم للناس؛ لأنهم حجبوا أنفسهم عن الحق الجلي الذي يقود النفوس إلى الصلاح والإصلاح، واستبدلوه بالفساد الذي حرم العباد من استنشاق عبير الحق، والتمتع بالأمن والسعادة في ظل الحرية التي يتيحها الإسلام وفق ضوابط الشريعة.

رابعًا: الفساد في مجال العمل:

١. قتل النفس ظلمًا.

لقد كانت فعلة ابن آدم، وقتل أخيه ظلمًا وعدونًا، وسنه القتل لمن بعده، سببًا من أسباب الفساد في الأرض.

قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)[المائدة: ٣٢]. أي: بسبب جناية القتل هذه شرعنا لبني اسرائيل أنه من قتل نفسًا بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض بأي نوع من أنواع الفساد، الموجب للقتل كالشرك والمحاربة فكأنما قتل الناس جميعًا فيما استوجب من عظيم العقوبة من الله، وأنه من امتنع عن قتل نفس حرمها الله فكأنما أحيا الناس جميعًا؛ فالحفاظ على حرمة إنسان واحد حفاظ على حرمات الناس كلهم.

وقال سيد قطب رحمه الله: «من أجل وجود هذه النماذج في البشرية، من أجل الاعتداء على المسالمين الوادعين الخيرين الطيبين، الذين لا يريدون شرًا ولا عدوانًا، ومن أجل أن الموعظة والتحذير لا يجديان في بعض الجبلات المطبوعة على الشر، وأن المسالمة والموادعة لا تكفان الاعتداء حين يكون الشر عميق الجذور في النفس، جعلنا جريمة قتل النفس الواحدة كبيرة كبيرة، تعدل جريمة قتل الناس جميعًا وجعلنا العمل على دفع القتل واستحياء نفس واحدة عملًا عظيمًا يعدل إنقاذ الناس جميعًا، وكتبنا ذلك على بني إسرائيل فيما شرعنا لهم من الشريعة».

إن قتل نفس واحدة -في غير قصاص لقتل، وفي غير دفع فساد في الأرض- يعدل قتل الناس جميعًا؛

لأن حق الحياة واحد ثابت لكل نفس. فقتل واحدة من هذه النفوس هو اعتداء على حق الحياة ذاته الحق الذي تشترك فيه كل النفوس. كذلك دفع القتل عن نفس، واستحياؤها بهذا الدفع -سواء كان بالدفاع عنها في حالة حياتها أو بالقصاص لها في حالة الاعتداء عليها لمنع وقوع القتل على نفس أخرى- هو استحياء للنفوس جميعًا؛ لأنه صيانة لحق الحياة الذي تشترك فيه النفوس جميعًا40.

وقد تحمل ابن آدم مثل وزر من يرتكب القتل من بعده؛ لأنه أول من سن القتل، روى مسلم بسنده عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفسٌ ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفلٌ من دمها لأنه كان أول من سن القتل)41.

٢. ذبح الأبناء واستحياء النساء.

من صور الفساد الرئيسة ذبح الأبناء واستحياء النساء، وهذا الفعل يؤدي إلى الفساد؛ لأنه يؤدي إلى وقف نمو الجيل الذي آمن، مما يؤدي إلى انقراض المؤمنين المتمسكين بهذا الدين.

قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)[الأعراف: ١٢٧].

الملأ: الرؤساء سموا بذلك؛ لأنهم ملاءٌ بما يحتاج إليه، وقيل أشراف القوم ووجوههم ورؤساؤهم ومقدموهم الذين يرجع إلى قولهم42.

«فالإفساد في الأرض -من وجهة نظرهم- هو الدعوة إلى ربوبية الله وحده؛ حيث يترتب عليها تلقائيًا، بطلان شرعية حكم فرعون ونظامه كله؛ إذ أن هذا النظام قائم على أساس حاكمية فرعون بأمره أو بتعبير مرادف على أساس ربوبية فرعون لقومه، وإذن فهو -بزعمهم- الإفساد في الأرض بقلب نظام الحكم، وتغيير الأوضاع القائمة على ربوبية البشر للبشر، وإنشاء وضع آخر مخالف تمامًا لهذه الأوضاع الربوبية فيه لله لا للبشر، ومن ثم قرنوا الإفساد في الأرض بترك موسى وقومه لفرعون ولآلهته التي يعبدها هو وقومه»43.

ولما حرض الملأ فرعون على قتل موسى عليه السلام ومن آمن معه قال لهم فرعون: «سنقتل أبناء قومه تقتيلًا ما تناسلوا -فتعبيره بالتقتيل يدل على التكثير والتدريج- ونستبقي نساءهم أحياءً كما كنا نفعل من قبل ولادته؛ حتى ينقرضوا، وإنا فوقهم قاهرون، وإنا مستعلون عليهم بالغلبة والسلطان»44.

وهدف فرعون من قتل الأبناء وإبقاء النساء واستعمالهن في الخدمة، حتى لا يستطيع موسى عليه السلام من نشر دعوة رب العالمين بواسطة الرهط والشيعة الذين آمنوا معه؛ فلذلك عزم على تقليل رهطه وشيعته.

إنها طبيعة الطغيان وأساليبه في مواجهة أهل الحق في كل مكان وفي كل زمان. لا فرق بين وسائله اليوم ووسائله قبل عشرات القرون والأعوام!.

٣. أكل مال اليتيم بغير حق.

أوصى الله المؤمنين باليتامى حتى ملكت عليهم نفوسهم، فتركتهم في حيرة وحرج من أمر القيام على اليتامى، واستغلال أموالهم؛ خوفًا من أن ينالهم شيء من الظلم، وتأثم الصحابة من مخالطة اليتامى، فكان بعضهم يأبى القيام على اليتيم، وبعضهم يعزل اليتيم عن عياله، فلا يخالطونه في شيء حتى إنهم كانوا يطبخون له وحده.

ثم فطنوا إلى ما في هذا من الحرج مع عدم المصلحة لليتيم، بل فيه مفسدة له في تربيته وضياع ماله، إلى ما في ذلك من الاحتقار والإهانة له، ومن ثم احتاجوا إلى السؤال عما يجمع بين المصلحتين: مصلحة اليتيم؛ ليعيش في بيت كافله عزيزًا كأحد عياله، ومصلحة الكافل فيسلم من أكل ماله بغير حق، فأجيبوا ( ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[البقرة: ٢٢٠].

روى أبو داود بسنده، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)[الأنعام: ١٥٢]، و (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)[النساء: ١٠]، انطلق من كان عنده يتيمٌ فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل من طعامه، فيحبس له حتى يأكله أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: (ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ) [البقرة: ٢٢٠] فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه45.

«أي: قل لمن يسأل عن المصلحة في معاملة اليتامى من عزل أو مخالطة: إن كل ما فيه صلاح لهم فهو خير، فعليكم أن تصلحوا نفوسهم بالتربية والتهذيب، وأموالهم بالتنمية والتثمير، ولا تهملوا شئونهم فتفسد أخلاقهم وتضيع حقوقهم، ولا وجه للتأثم من مخالطتهم في المأكل والمشرب والكسب، فهم إخوانكم في الدين، ومن شأن الإخوة أن يكونوا خلطاء في الملك والمعاش، وفي ذلك منفعة لهم لا ضرر عليهم، إذ كل واحد منهم يسعى في خير الجميع، والمخالطة مبنية على المسامحة؛ لانتفاء مظنة الطمع، فيكون اليتيم في البيت كالأخ الصغير تراعى مصلحته، ويتحرى له رجحان كفته.

(ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ) أي: والله يعلم ما تضمره القلوب، وتميل إليه من قصد الإفساد أو الإصلاح في هذه المخالطة، وسيحاسبكم على الدقيق والجليل من الأمور، وإنما نبه القلوب إلى ذكر علمه تعالى؛ لتلاحظ ذلك حين العمل، وترقب الجزاء على ما تعمل؛ حتى تأمن الزلل، وتبتعد عن مواطن الشبهة، فشهوة الطمع كثيرًا ما تسول للإنسان أكل مال اليتيم، كما تزين له أكل مال أخيه الضعيف ولا وازع ولا زاجر إلا تقوى الله، ومراقبته في السر والعلن.

فالله مطلع على ضمائركم عالم بما في قلوبكم، وهذا تهديد عظيم، والسبب أن اليتيم لا يمكنه رعاية الغبطة لنفسه، وليس له أحد يراعيها، فكأنه تعالى قال: لما لم يكن له أحد يتكفل بمصالحه فأنا ذلك المتكفل وأنا المطالب لوليه، وقيل: والله يعلم المصلح الذي يلي من أمر اليتيم ما يجوز له بسببه الانتفاع بماله، ويعلم المفسد الذي لا يلي من إصلاح أمر اليتيم ما يجوز له بسببه الانتفاع بماله، فاتقوا أن تتناولوا من مال اليتيم شيئًا من غير إصلاح منكم لمالهم»46.

واليوم نرى بعضًا من الأوصياء على الأيتام يظهرون العفة والزهد في أكل أموالهم، وهم يلتهمونها التهامًا، فتراهم بعد قليل أصبحوا من ذوى الثراء، وأجرهم المفروض ليس فيه الغناء، فلا نرى منهم إلا الفساد والإفساد، دون مراقبة لله في أعمالهم، ومراجعة نفوسهم في أفعالهم، غير ناظرين إلى الوعيد الشديد الذي تقشعر الجلود. وبدأ بالمفسد أولًا؛ ليقع الإمساك عن الإفساد.

وفي الآيات دليل على:

  1. جواز أنواع المخالطات، في المآكل والمشارب، والعقود وغيرها، وهذه الرخصة، لطف من الله سبحانه وتعالى وإحسان، وتوسعة على المؤمنين، وقد اكتنف هذه المخالطة الإصلاح قبل وبعد، فقبل، بقوله: (ﭙ ﭚ ﭛ) [البقرة: ٢٢٠]. وبعد بقوله: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ) فالأولى أن يراد بالمخالطة ما فيه إصلاح لليتيم بأي طريق كان.
  2. النظر في مصالح الأيتام من أهم مقاصد الشريعة.
  3. ليس من المصلحة أن يعرض الناس عن النظر في أموال اليتامى اتقاء لألسنة السوء، وتهمة الظن بالإثم، فلو تمالأ الناس على ذلك وقاية لأعراضهم لضاع اليتامى، وليس هذا من شأن المسلمين.
  4. لما أذن الله عز وجل في مخالطة الأيتام مع قصد الإصلاح بالنظر إليهم وفيهم، كان ذلك دليلًا على جواز التصرف في مال اليتيم تصرف الوصي في البيع، والقسمة، وغير ذلك على الإطلاق لهذه الآية.

    ٤. إهلاك الحرث والنسل.

    من صور الفساد إهلاك الحرث والنسل؛ لأن بهما عمارة الكون وتحقيق خلافة الله في الأرض، وإهلاكهما سبب في تعطيل حكمة الله في الكون، والله لا يحب من هذا صفته وهذا فعله.

    والحرث: إلقاء البذر في الأرض وتهيؤها للزرع، والنساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان، كما أن بالأرض زرع ما به بقاء أشخاصهم47.

    والنسل: الولد؛ لكونه ناسلًا عن أبيه. قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊﮋ) [البقرة: ٢٠٥]، وتناسلوا: توالدوا48.

    ومما ذكره الله في ذكر أسباب الفساد قوله تعالى في صفة المنافق: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)[البقرة: ٢٠٥].

    قال مجاهد رحمه الله: «إذا سعى في الأرض إفسادًا منع الله القطر، فهلك الحرث والنسل. ( ﮍ ﮎ ﮏ) أي: لا يحب من هذه صفته ولا من يصدر منه ذلك»49.

    وقال سيد قطب رحمه الله: «هذا الذي يتناقض ظاهره وباطنه ويتنافر مظهره ومخبره، هذا الذي يتقن الكذب والتمويه والدهان حتى إذا جاء دور العمل ظهر المخبوء، وانكشف المستور، وفضح بما فيه من حقيقة الشر والبغي والحقد والفساد، وإذا انصرف إلى العمل كانت وجهته الشر والفساد في قسوة وجفوة ولدد تتمثل في إهلاك كل حي من الحرث الذي هو موضع الزرع والإنبات والأثمار، ومن النسل الذي هو امتداد الحياة بالأنسال، وإهلاك الحياة على هذا النحو كناية عما يعتمل في كيان هذا المخلوق النكد من الحقد والشر والغدر والفساد مما كان يستره بذلاقة اللسان ونعومة الدهان والتظاهر بالخير والبر والسماحة والصلاح (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) ولا يحب المفسدين الذين ينشئون في الأرض الفساد والله لا تخفى عليه حقيقة هذا الصنف من الناس، ولا يجوز عليه الدهان والطلاء الذي قد يجوز على الناس في الحياة الدنيا فلا يعجبه من هذا الصنف النكد ما يعجب الناس الذين تخدعهم الظواهر وتخفى عليهم السرائر.

    إن هذا النموذج تراه حيًا يتحرك، تقول في غير تردد: هذا هو، هذا هو الذي عناه القرآن، وأنت تراه أمامك ماثلًا في الأرض الآن وفي كل آن» 50.

    الأساليب القرآنية في محاربة الفساد

    تنوعت الأساليب القرآنية في محاربة الفساد، وسوف نتناولها بالبيان فيما يأتي:

    أولًا: النهي عن الفساد وإنكاره:

    يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم وسائل دفع الفساد داخل المجتمع، وإذا خلا منه مجتمع عم الفساد، وانتشرت المنكرات، وعم الله المجتمع بالعذاب والهلاك.

    ولذلك اهتم القرآن الكريم بهذه القضية، بل جعلها من أهم سمات الخيرية في الأمة الإسلامية.

    قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)[آل عمران: ١١٠].

    ومما ذكره القرآن في معرض الحديث عن مقاومة الفساد قوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)[هود: ١١٦].

    قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله: «جاءت هذه الآية بعد بيان إهلاك الأمم بظلمهم وفسادهم في الأرض للإعلام بأنه لو كان منهم جماعات وأحزاب أولي بقية من الأخلاق والفضائل والقوة في الحق ينهونهم عن ذلك لما فشا فيهم وأفسدهم، وإذن لما هلكوا، فإن الصالحين المصلحين في الأرض هم الذين يحفظ الله بهم الأمم من الهلاك ما داموا يطاعون فيها بحسب سنة الله.

    كما أن الأطباء هم الذين يحفظ الله بهم الأمم من فشو الأمراض والأوبئة فيها، ما دامت الجماهير تطيعهم فيما يأمرون به من أسباب الوقاية قبل حدوث المرض، أو من وسائل العلاج والتداوي بعده، فإذا لم يمتثل الجمهور لأمرهم ونهيهم فعل الفساد فعله فيهم، والله لا يحفظ الأمم لذوات الصالحين، وبركة أجسادهم، ولا بعبادتهم الشخصية العائد نفعها عليهم، بل بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وطاعة الأمة لهم»51.

    وقد وجد منهم من هذا الضرب قليل لم يكونوا كثيرًا، وهم الذين أنجاهم الله عند حلول غضبه وفجأة نقمته52.

    «فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله في صورة من الصور فيجد من ينهض لدفعه هي أمم ناجية، لا يأخذها بالعذاب والتدمير، أما الأمم التي يظلم فيها الظالمون، ويفسد فيها المفسدون، فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد، فإن سنة الله تحق عليها، إما بهلاك الاستئصال، وإما بهلاك الانحلال والاختلال.

    فأصحاب الدعوة إلى ربوبية الله وحده، وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره عز وجل، هم صمام الأمان للأمم والشعوب، وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار ربوبية الله وحده، الواقفين للظلم والفساد بكل صورة، فهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله، واستحقاق النكال والضياع»53.

    وأمر شعيب عليه السلام قومه بعدم العيث في الأرض مفسدين، وتكرر هذا الأمر في القرآن في ثلاث آيات؛ لأنهم كانوا من أشد الأمم فسادًا في الأرض.

    قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [هود: ٨٥].

    وقال عز وجل: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ)[الشعراء: ١٨٣].

    وقال عز وجل: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ)[العنكبوت: ٣٦].

    بخس: البخس النقص بخسه حقه يبخسه بخسًا إذا نقصه، والبخس من الظلم54.

    «نهاهم عن العيث في الأرض بالفساد وهو السعي فيها والبغي على أهلها وذلك أنهم: كانوا ينقصون المكيال والميزان، ويقطعون الطريق على الناس، هذا مع كفرهم بالله ورسوله»55.

    وبينت الآية: «أن الخيانة في المكيال والميزان مبالغة في الفساد في الأرض»56.

    ولما نهاهم شعيب عن ذلك قالوا له في استهزاء: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)[هود: ٨٧].

    وفي هذه الآية ربط السياق القرآني بين قواعد التعامل في المال والتجارة والبيع والشراء، وبين العقيدة؛ للدلالة على طبيعة هذا الدين، وتسويته بين العقيدة والشريعة، وبين العبادة والمعاملة، في أنها كلها من مقومات هذا الدين، المرتبطة كلها في كيانه الأصيل.

    وقد أمرهم شعيب عليه السلام بثلاثة أمور:

    أحدها: إصلاح الاعتقاد، وهو من إصلاح العقول والفكر.

    وثالثها: صلاح الأعمال والتصرفات في العالم بأن لا يفسدوا في الأرض.

    ووسط بينهما الثاني: وهو شيء من صلاح العمل خص بالنهي؛ لأن إقدامهم عليه كان فاشيًا فيهم حتى نسوا ما فيه من قبح وفساد، وهذا هو الكف عن نقص المكيال والميزان، فابتدأ بالأمر بالتوحيد؛ لأنه أصل الصلاح، ثم أعقبه بالنهي عن مظلمة كانت متفشية فيهم وهي خيانة المكيال والميزان، وهي مفسدة عظيمة؛ لأنها تجمع خصلتي السرقة والغدر57.

    وهذا المنهج ينبغي أن يقتدي به المصلحون في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.

    ثانيًا: سنة التدافع:

    إن الذين يطمعون في الإصلاح ودرء الفساد عن الأمة بدون الأخذ بسنة التدافع إنما يخالفون منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، وإن الذين يؤثرون السلامة والخوف من عناء مدافعة الفساد وأهله، يقعون في مشقة أعظم وعناء أكبر يقاسونه في دينهم، وأنفسهم وأعراضهم، وأموالهم وهذه ضريبة القعود عن مدافعة الفساد، وإيثار الحياة الدنيا.

    قال عز وجل: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)[البقرة: ٢٥١].

    وقال عز وجل: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)[الحج: ٤٠].

    هاتان الآيتان دستور التدافع بين الحق والباطل، وهما يكشفان عن حكمة الله عز وجل العليا في الأرض من تدافع القوى وتنافس الطاقات، وانطلاق السعي في تيار الحياة المتدفق الصاخب الموار، وهنا تكشف على مد البصر ساحة الحياة المترامية الأطراف تموج بالناس، في تدافع وتسابق وزحام إلى الغايات، ومن ورائها تلك اليد الحكيمة المدبرة تمسك بالخيوط جميعًا، وتقود الركب المتزاحم المتصارع المتسابق، إلى الخير والصلاح والنماء.

    عن ابن عباس رضي الله عنهما: «(ﭩ ﭪ ﭫ) العدو بجنود المسلمين، لغلب المشركون، فقتلوا المؤمنين، وخربوا البلاد والمساجد»58.

    قال الطبري رحمه الله: «ولولا أن الله يدفع ببعض الناس وهم أهل الطاعة له والإيمان به، بعضًا وهم أهل المعصية له، والشرك به لفسدت الأرض، بمعنى: لهلك أهلها بعقوبة الله إياهم، ففسدت بذلك الأرض، ولكن الله تعالى ذو منٍ على خلقه، وطولٍ عليهم بدفعه بالبر من خلقه عن الفاجر، وبالمطيع عن العاصي منهم»59.

    «لقد كانت الحياة كلها تأسن وتتعفن لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، ولولا أن طبيعة الناس التي فطرهم الله عليها تعارض مصالحهم واتجاهاتهم الظاهرية القريبة؛ لتنطلق الطاقات كلها تتزاحم وتتغالب، وتتدافع، تنفض عنها الكسل والخمول، وتستجيش ما فيها من مكنونات مذخورة، وتظل أبدًا يقظة عاملة، مستنبطة لذخائر الأرض مستخدمة قواها وأسرارها الدفينة.

    وفي النهاية يكون الصلاح والخير والنماء، يكون بقيام الجماعة الخيرة المهتدية المتجردة، تعرف الحق الذي بينه الله لها، وتعرف طريقها إليه واضحًا، وتعرف أنها مكلفة بدفع الباطل وإقرار الحق في الأرض، وتعرف أن لا نجاة لها من عذاب الله إلا أن تنهض بهذا الدور النبيل، وإلا أن تحتمل في سبيله ما تحتمل في الأرض طاعة لله وابتغاء لرضاه، وهنا يمضي الله أمره، وينفذ قدره، ويجعل كلمة الحق والخير والصلاح هي العليا، ويجعل حصيلة الصراع والتنافس والتدافع في يد القوة الخيرة البانية، التي استجاش الصراع أنبل ما فيها وأكرمه، وأبلغها أقصى درجات الكمال المقدر لها في الحياة.

    ومن هنا كانت الفئة القليلة الواثقة بالله تغلب في النهاية، وتنتصر؛ ذلك بأنها تمثل إرادة الله العليا في دفع الفساد عن الأرض، وتمكين الصلاح في الحياة، إنها تنتصر؛ لأنها تمثل غاية عليا تستحق الانتصار»60.

    ويدفع الله عز وجل «شر الطائفتين بخيرهما، كما دفع المجوس بالروم النصارى، وهذا كما قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة: ٢٥١]»61.

    «ولولا أن الله يدفع بعض الناس ببعض، ويكف بهم فسادهم لغلب المفسدون، وفسدت الأرض، وبطلت منافعها، وتعطلت مصالحها من الحرث والنسل وسائر ما يعمر الأرض»62.

    ثالثًا: الكشف عن عمل المفسدين:

    كشف الله سبحانه وتعالى عن المفسدين في كتابه الكريم؛ لأنه عليم بهم.

    قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)[آل عمران: ٦٣].

    وقال: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ)[يونس: ٤٠].

    وممن كشف الله سبحانه وتعالى عنهم للمؤمنين اليهود وعملهم بالفساد، قال تعالى: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ)[المائدة: ٦٤].

    فكشف الله سبحانه وتعالى للمؤمنين عن سجايا اليهود حتى يكونوا على بينة منهم، فمن طبيعتهم وأخلاقهم وأعمالهم أنهم كلما عقدوا أسبابًا يكيدون بها للإسلام وأهله، وكلما أبرموا أمورًا يحاربون بها يبطلها الله ويرد كيدهم عليهم، ويحيق مكرهم السيئ بهم، ومن سجيتهم أنهم -دائمًا- يسعون في الإفساد في الأرض، والله لا يحب من هذه صفته، «وعلة عدم محبة الله سبحانه وتعالى لهم أنهم يفسدون أنفسهم بشناعات أعمالهم، ويفسدون الناس بحملهم على الفواحش»63.

    وإيقاد نيران الحرب والفتن والقتال بمحاولة منع اجتماع كلمة العرب، وخروجهم من الأمية إلى العلم، ومن الوثنية إلى التوحيد، وبالكيد للمؤمنين، وتشكيكهم في الدين؛ حسدًا لهم، وحبًا في دوام امتيازهم عليهم، والله لا يحب المفسدين في الأرض، فلا يصلح عملهم، ولا ينجح سعيهم؛ لأنهم مضادون لحكمته في صلاح الناس وعمران البلاد64.

    وإذا رأينا اليوم اليهودية العالمية توقد نار الحرب على البلاد الإسلامية، وتسعى في الأرض فسادًا وتفلح! فينبغي ألا ننظر إلى فترة قصيرة من الزمان، ولا إلى مظهر لا يشتمل على الحقيقة كاملة. فمفتاح الموقف كله في وجود العصبة المؤمنة، التي يتحقق لها وعد الله. فأين هي العصبة المؤمنة اليوم، التي تتلقى وعد الله، وتقف ستارًا لقدر الله، ويحقق الله بها في الأرض ما يشاء؟

    ويوم تفيء الأمة المسلمة إلى الإسلام، تؤمن به على حقيقته، وتقيم حياتها كلها على منهجه وشريعته،

    يومئذ يحق وعد الله على شر خلق الله. واليهود يعرفون هذا، ومن ثم يسلطون كل ما في جعبتهم من شر وكيد، ويصبون كل ما في أيديهم من بطش وفتك، على طلائع البعث الإسلامي في كل شبر من الأرض، ويضربون -لا بأيديهم ولكن بأيدي عملائهم- ضربات وحشية منكرة، لا ترعى في العصبة المؤمنة إلًا ولا ذمة. ولكن الله غالب على أمره. ووعد الله لابد أن يتحقق.

    إن هذا الشر والفساد الذي تمثله يهود، لابد أن يبعث الله عليه من يوقفه ويحطمه، فالله لا يحب الفساد في الأرض، وما لا يحبه الله لابد أن يبعث عليه من عباده من يزيله65.

    وإنا لنرى بفضل الله سبحانه وتعالى هذه العصبة في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، تنمو وتزداد وتقوى شوكتها، وهي -بإذن الله- الأمل بعد رعاية الله وحفظه لها في القضاء على اليهود، وتطهير الأرض منهم، ومن فسادهم ومن أمثالهم، فنسأل الله لهم العون والتأييد.

    وفي معرض حديث القرآن عن المنافقين، واعتقادهم الباطل أنهم مصلحون، أخبر الله عنهم أنهم هم المفسدون، وأعلم المؤمنين أن المنافقين مفسدون.

    قال تعالى: ( ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ)[البقرة: ١١-١٢].

    فقوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) إثبات لفسادهم وفضح لسعيهم؛ لأن الكفر فساد في الأرض؛ إذ فيه كفران نعمة الله، وإقدام كل أحد على ما يهواه؛ لأنه إذا كان لا يعتقد وجود الإله ولا يرجو ثوابًا ولا عقابًا تهارج الناس، ومن هذا ثبت أن النفاق فساد.

    ودخول أداة الاستفتاح (ألا) على الجملة تنبه السامعين على الاهتمام بالخبر وإشاعته وإعلانه.

    فوجب على المصلحين كشف فساد المنافقين وإعلانه وإشاعته بين الناس؛ حتى يأخذوا حذرهم، ولا يفتنوا بحلو كلامهم، ويعاملوهم معاملة العدو المتربص، كما قال الله: (ﯲ ﯳ ﯴﯵ) [المنافقون: ٤].

    عاقبة المفسدين

    إن سنة الله عز وجل في الأفراد والجماعات قد مضت بأن يذوق المفسدون سوء عاقبة فسادهم.

    قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)[الحشر: ١٥]، أي: ذاقوا سوء أعمالهم. فالفرد إذا أفسد وظهر عليه آثار الفساد، ولم ينزل به العقاب الإلهي عقب فساده، فإنه يزداد غيًا وفسادًا، ولا يحسب للعواقب حسابًا، فيسترسل في ظلمه وفساده إلى أن يحيق به عذاب الله الشديد.

    ولقد أمرنا الله عز وجل أن ننظر لنتأمل عاقبة المفسدين، وما حل بهم من الخزي والنكال، وأيضًا وجه أنظار وعقول المفسدين؛ ليعتبروا بما حدث للمفسدين من الأمم السابقة؛ حتى يكون رادعًا لهم عن العصيان والفساد.

    قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)[الأعراف: ١٠٣].

    وقال تعالى: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)[النمل: ١٤].

    فالخطاب في الآيتين تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ولمن بعده وسار على نهجه «بما حل بالمكذبين بالرسل»66 من عاقبة أمرهم: «إذ نصر عبده ورسوله موسى عليه السلام عليهم، وهو فرد من شعب مستضعف مستعبد لهم، وهم أعظم أهل الأرض دولة وصولة وقوة، نصره عليهم: بإبطال سحرهم، وإقناع علمائهم، وسحرتهم بصحة رسالته و كون آياته من الله، ثم نصره بإرسال أنواع العذاب على البلاد، ثم بإنقاذ قومه، وإغراق فرعون، ومن اتبعه من ملئه و جنوده.

    وهذه عبرة ظاهرة وحجة قائمة مدة الدهر، على القائلين إنما الغلب للقوة المادية على الحق، ولاسيما المغرورين بعظمة دول -أمريكا وبريطانيا وأوربا وإسرائيل- الظالمة لمن استضعفتهم من أهل الشرق، وعلى أولئك الباغين بالأولى، فأولى لهم أولى، ثم أولى لهم أولى!»67.

    وقال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)[الأعراف: ٨٦].

    والخطاب في هذه للمفسدين أي: «وانظروا ما نزل بمن كان قبلكم من الأمم حين عتوا على ربهم، وعصوا رسله من المثلات، والنقمات، وكيف وجدوا عقبى عصيانهم إياه»68.

    وقوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ) المقصود منها أنهم إذا تذكروا نعم الله عليهم انقادوا وأطاعوا، وقوله: (ﯓ ﯔ ﯕ ) المقصود منها: «إنهم إذا عرفوا عاقبة المفسدين المتمردين ليست إلا الخزي والنكال، احترزوا عن الفساد والعصيان وأطاعوا، فكان المقصود من هذين الكلاميين حملهم على الطاعة بطريق الترغيب أولًا والترهيب ثانيًا»69.

    فالقرآن الكريم يدعو المسلمين إلى دراسة سنن الله في الأرض من أجل أن: «يردهم إلى الأصول التي تجري وفقها الأمور، فهم ليسوا بدعًا في الحياة، فالنواميس التي تحكم الحياة جارية لا تتخلف، والأمور لا تمضي جزافًا، إنما هي تتبع هذه النواميس، فإذا هم درسوها وأدركوا مغازيها، تكشفت لهم الحكمة من وراء الأحداث، وتبينت لهم الأهداف من وراء الوقائع، واطمأنوا إلى ثبات النظام الذي تتبعه الأحداث، وإلى وجود الحكمة الكامنة وراء هذا النظام، واستشرفوا خط السير على ضوء ما كان في ماضي الطريق»70.

    ولقد أخذ الله الأمم المفسدة بذنوبهم، واختلفت سوء العاقبة بحسب عظمة الذنب، فكلما كان الذنب عظيمًا كان العقاب عظيمًا، وكلما خف الذنب خف العقاب.

    قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [العنكبوت: ٤٠].

    فأخذ عز وجل هذه الأمم بالإتلاف والإهلاك؛ لأنهم من أشد الأمم فسادًا في الأرض، فالحاصب ما أصاب عادًا، والذين أخذتهم الصيحة هم ثمود، والذين خسفت بهم الأرض قارون وأهله، والذين أغرقهم: فرعون وهامان ومن معهما من قومهما.

    فالفساد له عواقب دنيوية، وأخروية، وهذا بيانها:

    أولًا: العواقب الدنيوية:

    ١.حرمان التأييد الإلهي.

    قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [يونس: ٨١] .

    «ليس المراد بعدم إصلاح عملهم عدم جعل فسادهم صلاحًا، بل عدم إثباته وإتمامه، أي: «لا يثبته، ولا يكمله، ولا يديمه، بل يمحقه ويهلكه، ويسلط عليه الدمار»71.

    قال الألوسي رحمه الله: «المراد بعدم إصلاح ذلك عدم تقويته بالتأييد الإلهي»72.

    ٢. التدمير والهلاك.

    أخبر الله عن التسعة رهط المفسدين من قوم صالح ومكرهم بنبيهم وتبيتهم لقتله، وسوء عاقبتهم.

    قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [النمل: ٤٨-٥١] . فالله دمر التسعة الرهط، ودمر قومهم الذين لم يكونوا معهم عند مباشرتهم لذلك، ولم يشذ منهم أحد، ولا سلم من العقوبة فرد من أفرادهم.

    ٣. الإصابة بالآفات والعلل.

    قال تعالى: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الروم: ٤١].

    قال ابن القيم رحمه الله: «لم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام والأمراض والأسقام والطواعين، والقحوط والجدوب، وسلب بركات الأرض وثمارها ونباتها، وسلب منافعها أو نقصانها أمورًا متتابعة يتلو بعضها بعضًا، فإن لم يتسع علمك لهذا فاكتف بقوله تعالى: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الروم: ٤١].

    ونزل هذه الآية على أحوال العالم وطابق بين الواقع وبينها، وأنت ترى كيف تحدث الآفات والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان؟ وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أخر متلازمة بعضها آخذ برقاب بعض؟ وكلما أحدث الناس ظلمًا وفجورًا أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم، وأهويتهم، ومياههم، وأبدانهم وخلقهم، وصورهم وأشكالهم، وأخلاقهم من النقص والآفات ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم»73.

    ٤. الإبعاد من الرحمة، وسوء العاقبة والمآل.

    قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الرعد: ٢٥]. أي: البعد والذم من الله وملائكته وعباده المؤمنين، والجحيم بما فيها من العذاب الأليم.

    ٥. الخسران.

    قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [البقرة: ٢٧]. فحصر الخسارة فيهم؛ لأن خسرانهم عام في كل أحوالهم، ليس لهم نوع من الربح؛ لأن كل عمل صالح شرطه الإيمان، فمن لا إيمان له لا عمل له.

    ٦. إقامة حد الحرابة.

    قال تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [المائدة: ٣٣].

    قال شيخ الإسلام رحمه الله: «روى الشافعي رحمه الله في سننه، عن ابن عباس رضي الله عنه في قطاع الطريق: إذا قتلوا وأخذوا المال، قتلوا وصلبوا. وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال، قتلوا ولم يصلبوا. وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف. وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالًا نفوا من الأرض، وهذا قول كثير من أهل العلم.

    فمن كان من المحاربين قد قتل فإنه يقتله الإمام حدًا، ولا يجوز العفو عنه بحال بإجماع العلماء، ولا يكون أمره إلى ورثة المقتول، بخلاف ما لو قتل رجلٌ رجلًا لعداوة بينهما أو خصومة أو نحو ذلك من الأسباب الخاصة، فإن هذا دمه لأولياء المقتول إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا عفوا، وإن أحبوا أخذوا الدية؛ لأنه قتله لغرض خاص. وأما المحاربون فإنما يقتلون لأخذ أموال الناس، فضررهم عام بمنزلة السراق، فكان قتلهم حد الله، وهذا متفق عليه بين الفقهاء»74.

    «فالمنهج الرباني لا يأخذ الناس بالقانون وحده. إنما يرفع سيف القانون ويصلته؛ ليرتدع من لا يردعه إلا السيف. فأما اعتماده الأول فعلى تربية القلب، وتقويم الطبع، وهداية الروح، ذلك إلى جانب إقامة المجتمع الذي تنمو فيه بذرة الخير وتزكو، وتذبل فيه نبتة الشر وتذوي»75.

    ودلت الآية على أمرين: أحدهما: التخيير في جزاء المحاربين، والأمر الثاني: أن هذه العقوبات هي لأجل الحرابة، وليست لأجل حقوق الأفراد من الناس، ولذلك فلو أسقط المعتدى عليهم حقوقهم لم يسقط عن المحارب عقوبة الحرابة.

    ثانيًا: عاقبة الأقوام المفسدين في الآخرة:

    ١. حرمان النعيم الأخروي.

    قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ) [القصص: ٨٣].

    قال الطبري رحمه الله: «تلك الدار الآخرة يجعل نعيمها للذين لا يريدون تكبرًا عن الحق في الأرض وتجبرًا عنه، ولا ظلم الناس بغير حق، وعملًا بمعاصي الله فيها»76.

    وإن حصل لهم بعض القهر والراحة فإنه لا يطول وقته، ويزول عن قريب، وعلم من هذا الحصر في الآية الكريمة أن الذين يريدون العلو في الأرض، أو الفساد ليس لهم في الدار الآخرة نصيب، ولا لهم فيها حظ77.

    وقال سيد قطب رحمه الله: «فلا يقوم في نفوسهم خاطر الاستعلاء بأنفسهم لأنفسهم، ولا يهجس في قلوبهم الاعتزاز بذواتهم والاعتزاز بأشخاصهم وما يتعلق بها. إنما يتوارى شعورهم بأنفسهم؛ ليملأها النور بالله، ومنهجه في الحياة، أولئك الذين لا يقيمون لهذه الأرض وأشيائها وأعراضها وقيمها وموازينها حسابًا، ولا يبغون فيها كذلك فسادًا. أولئك هم الذين جعل الله لهم الدار الآخرة، تلك الدار العالية السامية»78.

    ٢. الزيادة في العذاب.

    قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [النحل: ٨٨].

    «قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: زيدوا عقارب أنيابها كالنخل الطوال، وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: خمسة أنهار تحت العرش يعذبون ببعضها في الليل، وبعضها في النهار»79.

    وقال ابن كثير رحمه الله: «هذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم كما يتفاوت المؤمنون في درجاتهم في الجنة ودرجاتها كما قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الأعراف: ٣٨]»80.

    وقال سيد قطب رحمه الله: «فالكفر فساد، والتكفير فساد، وقد ارتكبوا جريمة كفرهم، وجريمة صد غيرهم عن الهدى، فضوعف لهم العذاب جزاء وفاقًا»81.

    فإذا قيل: إنا نرى المفسد الظالم الباغي قد يزداد في دنياه مالًا وولدًا، ويتمتع بصنوف اللذات، من الدور والقصور، والفراش الوثير، والسكن في الجنات، ويركب فاره الخيول المطهمة والمراكب الفاخرة، ويشار إليه بالبنان، بينا نرى المطيع لربه، المظلوم من بنى جنسه قد يعيش عيش الكفاف، ولا يجد ما يقيم به أوده، ويسد به مخمصته، أفيكون من حكمة الحكيم العادل الذي لا يظلم مثقال ذرة أن يترك الناس سدى يفعلون ما شاءوا بلا حساب ولا عقاب، أو ينتصف للمظلوم من الظالم ويرجع الحق إلى صاحبه، وربما لا يحصل هذا في الدنيا؟!

    الجواب: لابد من دار أخرى يكون فيها العدل والإنصاف، والكيل بالقسط والميزان، وتلك هي الدار التي وعد بها الرحمن، على ألسنة رسله الكرام، صدق ربنا، وإن وعده الحق، وإن هذا اليوم آت لاشك فيه؛ لتجزى كل نفس بما كسبت، لا ظلم اليوم82.

    موضوعات ذات صلة:

    الإصلاح، التغيير،الدفع، الصلاح


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ص٧٤٨.

2 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص٣٠٦.

3 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٧٩.

4 التعريفات ص١٦٦.

5 معجم لغة الفقهاء ١/٤١.

6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٥١٨-٥١٩، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الفاء ص٨٧٦-٨٧٧.

7 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٣٦١-٣٦٢، نزهة الأعين النظائر في علم الوجوه والنظائر، ابن الجوزي، ص٤٦٩-٤٧٠، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٤/١٩٢.

8 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٣٧.

9 انظر: المصدر السابق.

10 لسان العرب، ابن منظور الأفريقي، ١٠/٣٠٨.

11 الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه، عبدالله الأثري ص ٢٤٠.

12 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٢٣.

13 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٢٤٥.

14 لسان العرب، ابن منظور ١٤/٧٧.

15 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص١٣٧.

16 التحرير والتنوير ١٧/٣٣.

17 بدائع الفوائد، ابن القيم، ٤/٩٤٢.

18 في ظلال القرآن ١/٣٨.

19 المصدر السابق ٣/١٥٦.

20 في ظلال القرآن ٣/٧٥٣.

21 الرسالة التبوكية زاد المهاجر إلى ربه ١/٤٤.

22 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٢٤٦.

23 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٢/١٩٩٩.

24 الموافقات، الشاطبي ٢/١٦٨.

25 المصدر السابق ٢/١٦٩.

26 المصدر السابق.

27 المصدر السابق ٢/١٧٠.

28 المصدر السابق.

29 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٦١.

30 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٥٦ بتصرف.

31 في ظلال القرآن ٤/٢٤٤٥.

32 تفسير القرآن العظيم ٨/٣٩٧.

33 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٩٢٣.

34 التحرير والتنوير ٢٠/٢٨٤.

35 في ظلال القران ٦/٣٩٠٤.

36 فتح القدير، الشوكاني ٥/٤٢٢.

37 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق؛ باب لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين، رقم ٢٩٨١.

38 تفسير المراغي ١٩/١٢٥.

39 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٨/٤٤٨.

40 في ظلال القرآن ٢/٨٧٨.

41 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات؛ باب بيان إثم من سن القتل، رقم ١٦٧٧.

42 لسان العرب، ابن منظور، ١/١٥٨.

43 في ظلال القرآن ٣/١٣٥٤.

44 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٩/٧٠.

45 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الوصايا، باب مخالطة اليتيم في الطعام، رقم ٢٨٧٣.

46 مفاتيح الغيب، الرازي ٦/٤٦.

47 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٢٢٦.

48 المصدر السابق ص ٨٠٣.

49 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ١/٢٥٤.

50 في ظلال القرآن، ١/١٩٨-١٩٩.باختصار.

51 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١٢/٢٤٤ - ٢٤٥.

52 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٨١.

53 في ظلال القرآن ٤/١٩٣٣.

54 لسان العرب، ابن منظور ٦/٢٤.

55 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٥٤٧.

56 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٧٤.

57 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٢١٣.

58 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/١١٧.

59 جامع البيان، الطبري ٢/٤٠٣.

60 في ظلال القرآن ١/٢٦٤- ٢٦٥.

61 الجواب الصحيح، ابن تيمية ٢/٢١٦.

62 الكشاف ١/١٤٨.

63 التحرير والتنوير ٢٥/٣١٩.

64 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٦/٣٨٠.

65 في ظلال القرآن ٢/٩٣٠.

66 التحرير والتنوير ١/٣٠٦٠.

67 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٩/٤٠.

68 جامع البيان، الطبري ٥/٥٤٤.

69 مفاتيح الغيب، الرازي ٧/١٨٣.

70 في ظلال القرآن ١/٤٧٢.

71 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/١٧٠.

72 روح المعاني ١١/١٦٧.

73 زاد المعاد ٤/٣٢٦.

74 السياسة الشرعية، ابن تيمية ١/١٠٥.

75 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٨٨١.

76 جامع البيان، الطبري ١٠/١١٤.

77 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٤٩.

78 في ظلال القرآن ٥/٢٧١٤.

79 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٦٣.

80 المصدر السابق.

81 في ظلال القرآن ٤/٢١٨٨.

82 تفسير المراغي ٢٣/١٠٥.