عناصر الموضوع

مفهوم الفتنة

الفتنة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

أنواع الفتنة

مجالات الفتنة

الحكمة من الفتنة وسبل النجاة منها

سبل النجاة من الفتن

الفتنة

مفهوم الفتنة

أولًا: المعنى اللغوي:

«الفاء والتاء والنون أصل صحيح يدل على الابتلاء والاختبار»1، ومن هذا الأصل يقال في اللغة:فتنت الذهب، إذا أدخل النار لينظر ما جودته، وهو مفتون وفتين2، ويسمى الصائغ:الفتان لإذابته الذهب والفضة في النار3.

وقد وردت الفتنة في كلام العرب، وأريد بها عدة معانٍ، منها:الامتحان والاختبار، وتطلق غالبًا على الاختبار من المكروه، والإثم، والكفر، والقتال، والإحراق، والإزالة، والصرف عن الشيء، والمال، والأولاد، واختلاف الناس بالآراء، وتطلق كلمة الفتان على الشيطان4.

قال الأزهري: «جماع معنى الفتنة في كلام العرب:الابتلاء، والامتحان، وأصلها مأخوذ من قولك:فتنت الفضة والذهب، أذبتهما بالنار ليتميز الردي من الجيد»5.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

لا يخرج المعنى الاصطلاحي لكلمة الفتنة عن المعنى اللغوي، ويفهم من معاني الفتنة الواردة في لغة الفصحاء، وفي القرآن والسنة:الاختبار والابتلاء بالعذاب والقتل، والضلال، والكفر، والإثم، والجنون، والإعجاب بالشيء والمرأة 6.

قال الإمام الجرجاني: «الفتنة:ما يتبين به حال الإنسان من الخير والشر» 7. وبمثل ذلك قال ابن حجر: «وأصل الفتنة الامتحان والاختبار، واستعملت في الشرع في اختبار كشف ما يكره»8.

الفتنة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (فتن) في القرآن الكريم (٦٠) مرة9.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١١

( ) [الأنعام:٥٣]

الفعل المضارع

١٢

( ) [الأعراف:٢٧]

اسم الفاعل

١

( ﭽ ﭾ ﭿ ) [الصافات:١٦١-١٦٢]

اسم المفعول

١

( ﮢ ﮣ ) [القلم:٥-٦]

المصدر

٣٥

( ) [البقرة:١٩١]

وجاءت الفتنة في الاستعمال القرآني على(١٠) أوجه10:

الأول: الكفر والشرك: ومنه قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ) [البقرة:١٩٣]. يعني: لا يكون شرك. وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [التوبة:٤٨]. يعني: ابتغوا الكفر.

الثاني: العذاب في الدنيا: ومنه قوله تعالى: ( ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [العنكبوت:١٠]. يعني: جعل عذاب الناس في الدنيا كعذاب الله.

الثالث: البلاء: ومنه قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [العنكبوت:٢]. يعني: وهم لا يبتلون في إيمانهم.

الرابع: الحرق بالنار: ومنه قوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [البروج:١٠]. يعني: أحرقوا المؤمنين والمؤمنات في الدنيا.

الخامس: القتل: ومنه قوله تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [النساء:١٠١]. يعني: يقتلكم.

السادس: الصد: ومنه قوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [المائدة:٤٩]. يعني: أن يصدوك.

السابع: الضلالة: ومنه قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الصافات:١٦٢-١٦٣]. يعني: بمضلين.

الثامن: المعذرة: ومنه قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الأنعام:٢٣]. يعني: ثم لم تكن معذرتهم.

التاسع: الفتنة بعينها: ومنه قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [يونس:٨٥]. أي: لا تسلط علينا فرعون وقومه فيقولون: لولا أنا أمثل منهم ما كنا سلطنا عليهم، فيكون ذلك فتنة.

العاشر: الجنون: ومنه قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ) [القلم:٦]. يعني: أيكم المجنون.

الألفاظ ذات الصلة

الابتلاء:

الابتلاء لغةً:

التجريب والاختبار، وابتلاه:اختبره، والتبالي:الاختبار11.

الابتلاء اصطلاحًا:

الاختبار من الله تعالى للعبد المؤمن في حياته ومعاشه؛ حتى يزداد قدره وأجره، إن صبر واحتسب ورضي بقضاء الله تعالى.

وقيل: وهو:اختبار من الله سبحانه وتعالى في أي جهة تخصه، أو تلزمه، وقد يكون في الخير أو الشر، ففي الخير يكون منحة فيتطلب الشكر من الله، وفي الشر يكون محنة فيتطلب الصبر.

الصلة بين الابتلاء والفتنة:

الابتلاء هو الاختبار من الله تعالىللعبد المؤمن، والفتنة أعم من ذلك وأشمل؛ إذ إنها قد تكون من الله تعالىبلا تكييف ولا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه، وقد تكون من الكافر، كقصة أصحاب الأخدود في فتنة المؤمنين، كما أن الاختبار والابتلاء بالجملة جزء لا يتجزأ من معنى الفتنة ومدلولها.

الاشتباه:

الاشتباه لغة:

التشابه والاشتباه، إذا أشبه كلٌ منهما الآخر؛ حتى التبسا12.

الاشتباه اصطلاحًا:

حصول التباس نتيجة تشابه شيئين في أمر ما.

الصلة بين الاشتباه والفتنة:

الاشتباه قد يكون له تأثير سلبي وقد لا يكون، كما أنه من العبد، إضافة إلى أن معناه جزء من المعنى العام للفتنة.

الحق:

الحق لغة:

هو نقيض الباطل وخلافه، وهو مصدر من حق الشيء إذا ثبت وكان واجبا13، ولا يصح إنكاره، يقول ابن فارس: «يدل على إحكام الشيء وصحته14.

الحق اصطلاحًا:

«هو الحكم المطابق للواقع، يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب، باعتبار اشتمالها على ذلك، ويقابله الباطل»15.

الصلة بين الحق والفتنة:

الحق لا يكون إلا خيرًا واضحًا ناصعًا، والفتنة قد تأتي بخير إذا كانت من عند الله تعالى، وقد تأتي بسوء إذا كانت من العباد، كما أن الفتنة غامضة فيها بين الحق والباطل.

أنواع الفتنة

الفتن والمحن بالشر والخير:

دلت النصوص القرآنية أن سنة الفتنة والابتلاء تكون في الخير والشر، كالفقر والغنى، والصحة والمرض، والخوف والأمن.

قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [الأنبياء:٣٥].

قال الزمخشري: «أي نختبركم بما يجب فيه الصبر من البلايا، وبما يجب فيه الشكر من النعم، وإلينا مرجعكم فنجازيكم على حسب ما يوجد منكم من الصبر أو الشكر وفتنة: مصدر مؤكد لنبلوكم من غير لفظه»16.

وقال ابن كثير: «أي نختبركم بالمصائب تارة وبالنعم أخرى، فننظر من يشكر ومن يكفر، ومن يصبر ومن يقنط.

قال ابن عباس: «أي بالشدة والرخاء والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال»17.

ومما يدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الفجر:١٥-١٦].

فجعل الإكرام والنعمة ابتلاء كالتضييق في الرزق سواء، فالمنحة والمحنة كلاهما بلاء

والمؤمن يحتاج إلى الصبر على الاثنين، بل القدرة على البلاء في النعمة أشد، «فالمحنة مقتضية للصبر والمنحة مقتضية للشكر والقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر، فالمنحة أعظم البلاءين، وبهذا النظر قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نصبر»18.

وقال بعض العارفين: «البلاء يصبر عليه المؤمن والعوافي (جمع عافية) لا يصبر عليها إلا صديق»19.

وقال الإمام الغزالي: «وإنما كان الصبر على السراء أشد لأنه مقرون بالقدرة ومن العصمة ألا تقدر والجائع عند غيبة الطعام أقدر على الصبر منه إذا حضرته الأطعمة اللذيذة وقدر عليها، فلهذا عظمت فتنة السراء»20.

وبهذا يقول المرحوم سيد قطب: «إن الابتلاء بالشدة قد يثير الكبرياء ويستحث المقاومة ويجند الأعصاب، فتكون القوى كلها معبأة لاستقبال الشدة والصمود لها، أما الرخاء فيرخي الأعصاب وينيمها ويفقدها القدرة على اليقظة والمقاومة.

ولذلك يجتاز الكثيرون مرحلة الشدة بنجاح حتى إذا جاءهم الرخاء سقطوا في الابتلاء، وذلك شأن البشر إلا من عصم الله، فكانوا ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)21 وهم قليل.

فاليقظة للنفس في الابتلاء بالخير أولى من اليقظة لها في الابتلاء بالشر، والصلة بالله في الحالين هي وحدها الضمان»22.

أولًا: الفتنة بالخير:

الابتلاء بالشر معروف ولكن الابتلاء بالخير يحتاج إلى فهم دقيق لا يناله إلا ذوو الألباب.

قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الزمر:٤٩-٥٠].

يقول تبارك وتعالى مخبرًا عن الإنسان أنه في حال الضراء يتضرع إلى الله ويدعوه، وإذا خوله نعمة بغى وطغى، وقال: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) أي: لما يعلم الله استحقاقي له، قوله: (ﭭ ﭮ ﭯ) أي: ليس الأمر كما زعم بل إنما أنعمنا عليه لنختبره فيما أنعمنا عليه أيطيع أم يعصي23؟

وقد قالها الذين سبقوهم قالها قارون وكل مخدوع غافلين أنها فتنة للاختبار.

ولعل فتنة الخير تعود كلها إلى «زينة الدنيا» التي تجمع كل خير قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [الكهف: ٧].

ذهب الإمام القرطبي إلى «أن الزينة تشمل كل ما على وجه الأرض من جهة خلقه وصنعه وإحكامه»24.

وما ذاك إلا الابتلاء والاختبار في الزهد بهذه الزينة وعدم الاغترار بها واتخاذها غرضًا للشكر وليس للشهوات والأغراض الفاسدة لأنها زائلة بدليل التعقيب على الآية (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الكهف:٨].

وزينة الدنيا تعم جميع البشر فالدنيا يهبها الله للمؤمن والكافر ولكن الآخرة للمؤمن فقط، ومن ذلك فتنة العطاء قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الإسراء:٢٠].

وأكثر المفسرين ومنهم القرطبي والرازي على أن المراد من قوله (ﭳ ﭴ) المؤمنون والكافرون25.

١. فتنة المال.

جاءت فتنة المال متمثلة بمجموعة المشكلات والانحرافات حول تدبير المال والتي تنعكس على حياة البشر أفرادًا ودولًا مسببة فتنًا ومحنًا شتى وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إن لكل أمة فتنة، وفتنة أمتي المال)26.

المال والتملك في نظرة الإسلام غريزة فطرية عند الإنسان وهي من أقوى الغرائز لديه، وبدافع هذه الغريزة يسعى الإنسان ويعمل لإشباعها والحصول على ما ترغب فيه.

والمال في نظر الشريعة زينة الدنيا ومتاعها كما أنه وسيلة لا غاية في حد ذاته، أي وسيلة لتحقيق غايات في مقدمتها طاعة الله عز وجل، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الكهف:٤٦].

ولما كان الإنسان بفطرته يحب المال ويسعد بتملكه فإنه لا يشبع منه، قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الفجر:٢٠].

وبذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منهومان لا يشبعان: منهومٌ في العلم لا يشبع منه ومنهومٌ في الدنيا لايشبع منها)27، وقال في حديث آخر: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثًا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)28.

ذكر المال في القرآن الكريم ستًا وسبعين مرة وهذا يدل على اهتمام الإسلام به، كما أنه ذكر مقترنًا بالأولاد والأنفس وهو دليل على أنه لايقل عنهما أهمية يقول تعالى: ( ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [التوبة:٤١].

ويقول تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [النساء:٩٥].

بل ورد ذكر المال قبل النفس في الآيات كلها التي وردا فيها، ولم يتأخر إلا في واحدة وهي قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)[التوبة:١١١].

وهذا إلفاتٌ صريحٌ إلى أن منزلة المال فوق منزلة النفس، وقد أخر في موضع واحد لأنه في مقام البذل، فالمرء في مجال التضحية يجعل آخر شيء هو أعزشيء عنده!29.

ومع أن المال نعمة إلا أنه - كما أثبتت النصوص - من أشد متع الدنيا فتنةً فتميل النفس إلى الإفراط والاستكثار منه.

قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [آل عمران:١٤].

والله الذي فطر الناس يعلم سلطان المال على القلوب فعلى هذا جاءت دعوات الأنبياء إلى القناعة والتخفف من سطوة المال، وجاء التحذير منه مقرونًا بالأجر العظيم في الآخرة، ولكن لايفهم التحذير المتكرر من فتنة المال في القرآن والسنة أن الإسلام عدو له، أو ينظر إليه على أنه شر، أو خطر يجب اجتنابه كما فهم البعض30.

وقد حدد الإسلام صلة الإنسان بالمال بشكلٍ يجعل منه نعمةً كبرى ووسيلة لإسعاده في الدنيا والآخرة، فأعطاه الحق والحرية في اكتسابه بالطرق المشروعة بالسعي والعمل (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [النجم:٣٩-٤٠].

فهو إذن أداة خاضعة لتصرف الإنسان إن شاء جعله نعمة وفضلًا ورزقًا طيبًا وإن شاء جعله عكس ذلك.

وبالجملة فالإسلام ينظر للمال على أن ملكيته الحقيقية لله، وأن وضع يد الإنسان عليه وضع استخلافٍ وتوكيل، توجب عليه أن يراعي الله فيه من حيث استثماره وإنفاقه على السواء، وذلك بأن يكون المال قوام الأمة كلها وليس لمالكيها فقط، وأن يتخذ وسيلة لقوة الأمة وتماسكها ضد الأعداء، وهناك آيات تدل على أن صلاح الأمة مرتبطٌ برعاية الله في شؤون المال قال تعالى: ( ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النساء:٥].

وفتنة المال تكون بالخير والشر، وأهم فتن المال:

  1. توهم رضا الله عنه.

    فقد يخيل للغني أن غناه منحة إلهية تدل على الرضا العالي وأن السعادة لاتقوم إلا به، وقد نفى القرآن ذلك وسمى كلًا من الغنى والفقر ابتلاء، كما قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الفجر:١٥-١٦].

    كما بين القرآن أنه لولا الفتنة على ضعاف النفوس لقصر الغنى والجاه على الكفار، فقال: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ) [الزخرف:٣٣-٣٥].

    ومن هنا يتبين أن «ليس للمال دلالة معنوية مجردة على خير أو شر وإن كان من الممكن أن يكون خيرًا، ومن الممكن أن يكون شرًا على حسب الطرق التي يؤخذ منها أو ينفق فيها»33 وصدق القائل: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [المؤمنون:٥٥-٥٦].

  2. عدم أداء حق المال.

    وذلك في حالات:

    • إمساك المال وعدم إنفاقه: وإمساك المال ممحقٌ للمال مذهبٌ للبركة يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: (ما نقص مال من صدقه)34. وقد يؤدي إمساك المال بصاحبه إلى عدم أداء حقه وقد يكون ذلك سببًا في محقه.
    • كنز المال: هو جمع المال وادخاره، والكنز: المال المدفون، وقال الراغب: الكنز: جعل المال بعضه على بعض وحفظه35.

      وقد حذر القرآن منه فقال: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [التوبة:٣٤-٣٥].

      وتدل الآية على حرص الإسلام على تداول الثروة في المجتمع وعدم حبسها لتعم منفعتها الجميع لقوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الحشر:٧].

  3. اللهو والصرف عن العبادة.

    وإن كان الإسلام يعد العمل عبادة، إلا أن الإفراط في حب المال وجمعه بحيث يطغى على القلب فيجر صاحبه للتقصير حتى في أداء الفروض، وهذا هو موطن الفتنة، أو يصبح المال كل همه وتفكـيره دون ذكر الله كما قـال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المنافقون:٩].

  4. البطر والتجبر والطغيان.

    كما قال تعالى في المال عندما يفيض فيغرق صاحبه: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [العلق:٦-٧].

    والله العارف بمن خلق يعلم بغي الغني فيقول: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الشورى:٢٧].

  5. الإغراء بالمعاصي.

    لأن فيه القدرة على ذلك والمال نوع من القدرة وخصوصًا عند ضعاف الإيمان وهنا يثبت الابتلاء حيث فتنة السراء أعظم من الضراء فقد يجمع الغني بين كثير مما ذكرنا فيصل إلى حد المترفين الذين يشكلون خطرًا على المجتمع.

    وقد نبه القرآن إلى خطورة هؤلاء فذكر أن أول عاداتهم المسارعة في تكذيب الحق والرسل ورد الحق الذي جاءوا به استدلالًا بما لديهم فقال: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [سبأ:٣٤-٣٦].

    قال ابن كثير: «وهم أولو الحسب والنعمة والثروة والرياسة»36، أي أن حجتهم في التكذيب أنهم أكثر من غيرهم أموالًا وأولادًا وهذا دليل على كرامتهم على الله فرد عليهم: (ﮠ ﮡ ﮢ) وقال في أخرى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [سبأ:٣٧].

    وتكرار مثل هذه الآيات يدل على أن تكذيب الرسل من قبل المترفين سنة مطردة، وقد فصل القرآن مواقفهم هذه تجاه كل نبي فقد تشابه ردهم وكأنهم يشعرون بعاطفة واحدة ويدافعون عن مصلحة واحدة37.

    كما قرر القرآن الكريم أن الترف سبب من أسباب هلاك الأمم وسقوط الحضارات قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الإسراء:١٦].

    قال الزمخشري: «والأمر مجاز: لأن حقيقة أمرهم بالفسق أن يقول لهم: افسقوا، وهذا لا يكون، ووجه المجاز أنه صب عليهم النعمة صبًا فجعلوها ذريعة الى المعاصي واتباع الشهوات وإنما خولهم إياها ليشكروا ويعملوا فيها الخير فلما فسقوا حق عليهم القول فدمرهم»38.

  6. فتنة سوء استخدام المال.

    ويظهر ذلك في ناحيتين:

    أ. الفتنة في سوء الكسب.

    ويتمثل في الحالات الآتية:

  1. كسب المال بغير حق.

    وذلك مثل السرقة والنهب والغصب والسطو وقطع الطريق والغلول (وهو سرقة أموال العامة)39، ولكل ذلك أدلته في التحريم والنهي، قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [المائدة:٣٨].

    وقد جمع ذلك كله قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النساء:٢٩].

    ويدخل في ذلك الغش والاحتيال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غشنا فليس منا)40.

    ومثله تطفيف الكيل والميزان لقوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ) [المطففين:١].

    ومنه أكل مال اليتيم حيث شدد الشرع في تحريمه (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء:١٠].

    وكذلك الاحتكار، ومثله التلاعب بالأسعار من قبل التجار وفي هذه الحالة تقدم مصلحة المجموع ويباح التسعير لوقاية المجتمع من المستغلين الجشعين ومعاملتهم بنقيض مقصودهم كما تقر القواعد والأصول41.

  2. الكسب غير المشروع ولو برضا الطرفين.

    وذلك مثل:

    • الرشوة.

      قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [البقرة:١٨٨].

      وعن ثوبان قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي)42.

    • القمار والميسر.

      وحرم لأنه تملك مال غير مقترن بجهد، ورضا الطرف الآخر لا عبرة به، لأن كلًا من الطرفين قصد الربح، فيسبب العداوة والبغضاء ويصد عن واجبات الإسلام لأن هدفه الربح بأقرب الطرق وغالبًا ما يخالطه المجون والفساد قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة:٩٠-٩١].

      وكذلك اليانصيب وما شاكله هو ضرب من القمار.

  3. العقود المحرمة.

    إن الأصل في العقود والشروط والبيوع الجواز والصحة، ولا يحرم و يبطل منها إلا ما دل على ذلك نص أو قياس43، والعقود المنصوص على حرمتها مجالها كتب الفقه.

  4. الكسب مقابل فعلٍ محرم.

    مثل التجارة بالمحرمات كالخمور والمخدرات إنتاجًا وبيعًا وترويجًا، وبيع الخنزير، وكل عمل محرم كامتهان الكهانة والترويج للفاحشة عن طريق الصحف والمجلات ووسائل الدعاية الأخرى. ولاشك أن كل ذلك يؤثر في فساد الأخلاق والأمراض والتفكك الإجتماعي، وأكل أموال الناس بالباطل وإثراء فئة ضالة.

  5. تزييف العملة وترويجها.

    وقد نبه إلى ذلك حجة الإسلام الإمام الغزالي عند ذكره لانواع الأمور المحرمة44.

    ب. الفتنة في الإنفاق.

    إن قضية الإنفاق وكيفيته ووجوهه لا تقل أهمية عن قضية الكسب ووسائله، وذلك لأن إنفاق المال يحتاج الى الحكمة والعقل التي يحتاجهما في كيفية الحصول عليه

    فالذي يتحرى الحلال والكسب الطيب عليه كذلك أن ينفقه في وجوه وطرق سليمة نافعة وغير ضارة، ولا يتأتى ذلك إلا بمعرفة أحكام الإسلام ونظرته إلى المال على أنه مال لله وهو الوكيل والمستخلف فيه، ومحاسبٌ على إنفاقه، وأنه نعمة إذا لم يحسن التصرف فيها تنقلب نقمة وفتنة تستوجب الحسـاب في الآخرة وزوالهــا محتمـل في الدنيا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما ابن آدم حتى يسأل عن ماله مم اكتسبه وفيم أنفقه)45.

    ويقول الحسن البصري رضي الله عنه: «إذا أردتم أن تعرفوا من أين اكتسب الرجل ماله فانظروا فيم أنفقه»46.

    وفي طرق الإنفاق التي حددها الإسلام يكون قد وضع الأسس والضوابط القويمة للحفاظ على المال والمكتسبات بإنفاقها في محلها المشروع وهذه الأسس هي47:

  1. تطهيرها بالزكاة بالإنفاق على الفقراء وذوي الحاجات.

    ويكون الإنفاق من الكسب الطيب كما قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة:٢٦٧].

    وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل الا طيبًا)48.

  2. الإنفاق على الأهل.

    من الوالد والولد وذوي القربى بحسب القدرة والحاجة التي تدور بين الضرورات والحاجيات والتحسينات، ولا يتوسع بها لحد الترف المؤدي للضياع.

  3. الصدقة الموصولة على أصحاب الحاجات.

    وإذا ساءت الأحوال فعليهم أن يسدوا خلة إخوانهم كما قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الحشر:٩].

  4. الاعتدال في الإنفاق.

    كما دعت اليه النصوص الكثيرة والتي تمثل الوسطية ومثالية الإسلام، قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الفرقان:٦٧].

    وفي الحديث: (كلوا وتصدقوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة)49.

    ويدخل في ذلك تحريم كنز المال الذي سبق الكلام عنه. وإذا كان الاعتدال مطلوبًا على مستوى الأفراد ففي الأموال العامة أكثر أهمية، وأولياء الأمر أمناء عليه.

  5. الرشد والأمانة فيمن يتولى الإنفاق.

    والرشد ضد السفه قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النساء:٥].

    ولذلك منع القرآن إعطاء اليتامى الصغار أموالهم حتى يبلغوا الرشد فقال: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [النساء:٦].

    إن اتباع الأسس السابقة يقود إلى الإنفاق المشروع وهذا هو الأصل من كلمة (إنفاق) حتى إذا ما أطلقت أريد بها ذلك، أو أخص بأنه: بذل المال في سبيل الله والذي شجع عليه الشرع لما له من الأثر في شخصية المسلم50.

    أما الفتنة في الإنفاق فتكون بوضع المال في غير محله مما يؤدي الى ضائقة إقتصادية، أو فساد خلقي على المستوى الفردي والجماعي ويتمثل في الوجوه الآتية:

    • وجود المال في أيدي غير آمنة أو غير قادرة على حفظه واستثماره كما مر في السفيه.
    • عدم أداء حق الله في المال وشكره بدفع الزكاة والصدقات في وجوه البر المختلفة.
    • الإسراف والتبذير والترف، والمقصود بها الإفراط في الإنفاق فيما لا يحتاج إليه، وقد يصل الإسراف والتبذير لحد الترف الذي تكلمنا عن آثاره الخطيرة
    • الشح والبخل: وكما نهى الإسلام عن الإسراف نهى عن البخل والتقتير فقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الإسراء:٢٩]. وفي آية آخرى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [آل عمران:١٨٠].
    • الإنفاق في المحرمات والمكروهات: وذلك مثل اقتناء الأشياء المحرمة كالتماثيل، وعلى الملاهي وشرب الخمر والميسر أو إهلاك المال في الفساد وفي المخدرات بأنواعها بالقياس والنص51، وذلك لأنها كالخمر في التأثير وعلة التحريم قال ابن تيمية: «إن من غاب عقله منها يجب أن يقام عليه الحد ثمانون جلدة كحد الشرب من الخمر سواء بسواء»52.

      ٢. فتنة الزوج والولد.

      أشار القرآن الكريم إلى إمكانية وجود هذه الفتنة.

      قال الله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [التغابن:١٤].

      وفي هذه الآيات نلمح الإعجاز التربوى فى النص الكريم، فمن معانى هذه الآية أن من الأزواج والأبناء من يمكن أن يكون عدوا للعبد المؤمن لأنهم يشكلون عائقا بينه وبين عمل الخير ويحولون بينه وبين القيام بواجبات الطاعة لله تـعالى بل قد يدفعونه إلى السعى فى اكتساب الحرام وارتكاب الآثام من أجل تحقيق رغباتهم المادية العاجلة بأي ثمن، وذلك انطلاقا من فرط محبته لهم، ومن شدة تعلقه بهم، ولذلك تأمر الآية الكريمة بضرورة الحذر من هذا النوع من الزوجات والأولاد، وذلك بعدم الاستجابة لرغباتهم، أو الطاعة العمياء لأهوائهم، وجاء سبب النزول ليؤكد هذا المعنى.

      فعن ابن عباس سأله رجل عن هذه الآية (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) قال هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأوا أصحابهم قد فقهوا في الدين، هموا أن يعاقبوهم، فأنزل الله (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ) 53.

      ولذا جاء هذا التحذير من إمكانية هيمنة الأزواج والأولاد على العبد المؤمن لصرفه عن طاعة الله تعالى انطلاقا من الحرص على الأموال أو المحافظة على السلامة لأن ذلك مدخل من مداخل الشيطان الذى يستغل العاطفة بين الزوجين وتلك التى تربطهما بأبنائهما لتحقيق غايته ولذلك اتبعت هذه الآية الكريمة بقوله وتعالي: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [التغابن:١٥-١٦].

      وهذه الآيات الثلاث فى سورة التغابن تنبه العبد المؤمن إلى إمكانية أن يكون له من زوجه وولده عدوا له يصرفه عن البذل فى سبيل الله حرصا على المال، أو يثبطه عن الجهاد فى سبيل الله حرصا على النفس، أو يستغل نفوذه إذا كان صاحب نفوذ للإفساد فى الأرض.

      وقد تكون زوج الرجل والأبناء فى طريق غير طريق الزوج المؤمن، فيحاولون جاهدين صرفه عن طريقه السوي إلى طرقهم الملتوية فيهلكوه، أو أن يستغلوا جاهه وسلطانه فى غير ما يرضى الله فيدمروه، وقد اقتضى كل ذلك هذا التحذير الإلهى الشديد لكل عبد مؤمن من إمكانية الوقوع فى موقف يعجز فيه عن المفاصلة بينه وبين زوجه وأبنائه إذا وقفوا عائقا حقيقيا دون تحقيق عبوديته لخالقه، ثم كررت الآيات فى السورة هذا التحذير فى صورة أخرى هى فتنة الأموال والأولاد، بمعنى بمعنى الافتتان حتى الوقوع فى عدد من المخالفات الشرعية سواء كانت صغيرة أو كبيرة ولذلك قال تعالى (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [التغابن:١٥].

      هذه العداوة ليست قاصرة على الزوجة والأولاد، بل ربما تكون عداوة الزوج لزوجته وأولاده وفتنته لهم أشد وأنكى، فقد يمنع الزوج زوجته من البر بأقرب الناس أو حتى الإنفاق فيما تملك.

      وفتنة الأهل والولد درجات، فقد تصل الفتنة إلى درجة الكفر، وقد تقصر عن ذلك: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الكهف:٨٠].

      وإذا أردنا أن نخص فتنة الأزواج فقد تدخل فتنة الزوجة ضمن فتنة النساء التي حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع نظرة الإسلام للمرأة نظرة تكريم إلا أنه عدها من زينة الدنيا التي تفتن الرجل.

      قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [آل عمران:١٤].

      فإذا كانت المرأة صالحة كانت خير متاعها، وإلا فلا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة)54.

      ومن جانب آخر نجد أحاديث تحذر من فتنة النساء كقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل في النساء)55.

      وفي حديث آخر: (فما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)56.

      وتتجلى فتنة النساء في المظاهر الآتية: كيد النساء، لما في طبيعة المرأة وفطرتها من الكيد الذي تستعمل فيه وسائل التأثير على الغير، حب المرأة للمظاهر والنعيم، والميل المفرط من جانب المرأة لذلك قد يوقع الرجل الضعيف في فتنة الكسب الحرام أو المشبوه لإرضاء تطلع المرأة، تسلط النساء على الرجال: وهي أن تنقلب الموازين فتصبح الكلمة للمرأة دون الرجل، وهو خلاف الفطرة والشرع، وقد يقع هذا التسلط في مجال الإسرة، وهو خلاف القوامة، كما أنها قد تفسد علاقته بالآخرين وأقرب الناس إليه فتوصله إلى قطيعة الرحم وعقوق الوالدين، وهي فتنة تعاني منها أغلب المجتمعات اليوم، وفي مجال السياسة: تأثير المرأة على الرجل الذي يتولى الأمر في قرارات خطيرة تتعلق بأمور المسلمين وقد حدثنا التاريخ كيف أثرت النساء في هذا المجال والأمثلة كثيرة لا مجال لذكرها.

      أما فتنة الولد، فإن الله تعالى عالم بمواطن الضعف في الإنسان، ويعلم أن الحرص على الأولاد من أعمق تلك المواطن، وتكون الفتنة فيهم من وجوه:

    1. عدم أداء حق الله وشكره على نعمة الأولاد.

      قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الأنفال:٢٨].

      فقد قرن الأولاد بالمال وكلاهما ابتلاء وامتحان من الله، فمن أطاع الله فيهما وشكر فقد فاز ومن شغل بهما فقد خسر.

      وقد ورد في التفاسير أن هذه الآية متعلقة بما قبلها، وهي التي نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر الذي خان الأمانة وأفشى السر ليهود بني قريظة، وكان مناصحا لهم لأن عياله وماله في أيديهم فندم فنزلت الآية لتعلمهم أن الأمانة مع الله ورسوله فوق كل شيء، حتى ولو كان المال والولد، فقال الزمخشري فيها: «جعل الأموال والأولاد فتنة لأنهم سبب الوقوع في الفتنة، أو محنة من الله ليبلوكم كيف تحافظون فيهم على حدوده»57، فالأمانة تقتضي الاستعلاء على فتنة الأولاد، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)58.

    2. الانشغال بهم عن الطاعات والقربات من العمل الصالح وذكر الله بل وربما الانشغال بهم عن أداء الفروض الموجب تركها الإثم والعقوبة كالجهاد.

      والفتنة في هذا الجانب كبيرة كما أشار النص السابق (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) حيث يعالج القرآن ذلك محذرا من الضعف عن اجتياز هذا الامتحان كما نبه عن الانشغال بهم عن ذكر الله فقال: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [المنافقون:٩].

      وقد شدد في التحذير منهم حتى جعلهم كالأعداء إذا صدوا عن مسألة خطيرة تتعلق بمصالح الأمة حيث قال: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [التغابن:١٤].

      وقد سأل رجل ابن عباس عن الآية فقال: «فهؤلاء الرجال أسلموا من مكة فأرادوا أن يأتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين فهموا أن يعاقبوهم فأنزل الله هذه الآية (ﮔ ﮕ)59. وقال الزمخشري: «إن من الأزواج أزواجًا يعادين بعولتهن ويخاصمنهم ويجلبن عليهم، ومن الأولاد أولادًا يعادون آباءهم ويعقونهم ويجرعونهم الغصص والأذى فاحذروهم لما علمتم أن هؤلاء لا يخلون من عداء، فكونوا منهم على حذر ولا تأمنوا غوائلهم وشرهم.»60 وهي عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد.

    3. ومن مواطن الفتنة التنافس والتكاثر بهم للتفاخر والزينة.

      قال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [التكاثر:١-٢].

      وجاءت آيات كثيرة تعيب على الذين يتباهون بكثرة الأولاد وخصوصا البنين منهم، لأنهم سوف يأتون يوم القيامة فرادى ولن تنفعهم أولادهم بل هي أعمالهم كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [آل عمران:١٠].

    4. ومن فتنة الأولاد التقصير في تربيتهم وتوجيههم ونصحهم.

      وقد نبه القرآن إلى ذلك فقال: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [التحريم:٦].

      ويتضمن ذلك عدم المساواة بينهم في العطاء وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (اتقوا الله واعدلوا في أولادكم)61.

      ومن ذلك تفضيل البنين على البنات وعدم المساواة بينهم في المحبة والعطاء والتربية، وقد عد الإسلام ذلك من الجاهلية.

      قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [النحل:٥٨].

      فحث الرسول صلى الله عليه وسلم على رعايتهن وجعلها سببا لدخول الجنة، ومع ذلك فإن هذه الفتنة ما زال يقع فيها الكثير حتى ممن يدعى الثقافة، والعلم الشرعي!!

      ومنها القسوة في معاملة الأولاد، وقد حث الرسول على الرفق معهم وخفض الجناح والملاطفة، وكان صلى الله عليه وسلم قدوة في ذلك، ولنا في وصايا لقمان الحكيم لابنه التي قصها القرآن نموذج للتربية الصالحة.

      ٣. فتنة الجاه والسلطان.

      حب الجاه: أصل الجاه: انتشار الصيت والاشتهار، وهو مذموم إذا قصده المرء، كما أنه من أعظم مظاهر الحياة الدنيا، لذا كانت فتنة الجاه من أعظم الفتن.

      ومعناه: «هو قيام المنزلة في قلوب الناس، أي اعتقاد القلوب لنعت من نعوت الكمال في شخص، إما من علم، أو عبادة، أو نسب، أو قوة، أو حسن صورة، أو غير ذلك مما يعتقده الناس كمالًا، فبقدر ما يعتقدون له من ذلك، تذعن قلوبهم لطاعته، ومدحه وخدمته، وتوقيره»62.

      ويقترن حب الجاه بحب المال، وهما على رأي الإمام الغزالي ركنا الدنيا، وعلى هذا فالجاه محبوب بالطبع، وقد يفوق حب المال، لأن المال ليس هدفًا بذاته بل وسيلة متاع الدنيا، وقد يكون الجاه طريقًا إلى المال

      وهذا لا يعني أن الجاه مذموم جملة وتفصيلًا، بل فيه ما يحمد، وفيه ما يذم وهو الغالب فحب المرء أن يكون له منزلة في قلوب من حوله لضرورة التعايش معهم ليس بمذموم، أو لصفة هي فيه لغرض نافع فهو مباح، كقول يوسف عليه السلام (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [يوسف:٥٥].

      أو قصد إخفاء ما لا يليق لأن الستر على القبائح جائز.

      والمحظور أن يطلب الجاه لذاته أو بما ليس فيه كالعلم والورع والنسب، وأن يكون ذلك كل همه، فتظهر الفتنة فيمن غلب على قلبه ذلك فيعمد لتحقيقه بارتكاب المعاصي كالكذب والخداع، أو بالعبادة فيدخل في الرياء المحرم، وربما بالنفاق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حبك المال والجاه ينبتان النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل)63.

      وحب الجاه يؤدي بصاحبه إلى حب المدح وإن كان بما ليس فيه، وكان أهل الصلاح يفرون من الشهرة والجاه، كما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه خرج من منزله فتبعه جماعة، فالتفت إليهم وقال: «علام تتبعوني فوالله لو علمتم ما أغلق عليه بابي ما اتبعني منكم رجلان» وفي لفظ آخر أنه قال: «ارجعوا فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع»64.

      وقد قرن تعالى بين إرادة العلو والفساد فقال: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ) [القصص:٨٣].

      أما فتنة السلطان فهي الأشد ولذلك سأقف عليها ببعض التوضيح:

      ومن المعروف أن الإسلام دين ودولة، ولا يمكن أن تطبق تعاليم الإسلام من غير وجود دولة ورئيس لها وقد تختلف الألقاب لمن يتولى أمر المسلمين كالخليفة والسلطان، والأمير وكلها مسميات لمعنى واحد. أما وسيلة إسناد السلطة فهي «البيعة» وهي: «عقد رضائي بين الأمة والحاكم ملزم للجانبين، يلتزم فيه الأمير بأن يسير بالأمة وفقًا للكتاب والسنة، وأن يقوم بفروض الإ مامة وتلتزم فيه الأمة بتقديم الطاعة والنصرة له ما لم يتغير حاله»65.

      وبما أن الحاكم نائب عن الأمة ووكيلها، فإن سلطته مقيدة بحدود تلك الوكالة وهو مقيد بما تقيد به الأمة في الأصل، فلا يملك أكثر مما يملكه الأصيل66.

      وللحاكم واجبات أهمها تطبيق الشرع، وقد فصل العلماء في ذلك67، وهي «رياسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم»68، والتي يجمعها قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الحج:٤١].

      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)69.

      وفتنة السلطان تتمثل في مشكلة تجاوز السلطة لحدودها: بما أن وجود الحاكم واجب لا بد منه، فإن وجود السلطة يقسم الجماعة إلى حاكم ومحكوم، وآمر ومطيع، ولكي تقوم السلطة بمهمتها الداخلية والخارجية دون التعرض لحقوق الأفراد وحرياتهم وصيانتها، ودون ظلم لأحد الطرفين، فقد تكفل الإسلام ـ وهو النظام الرباني ـ بحل ذلك بأن قيد سلطة الحاكم بالشرع، فإذا تجاوز ذلك وانحرف فقد فتح باب المشكل السياسي والذي هو «مشكلة شعب في مواجهة سلطة»70.

      وذلك لأن الأمة مسؤولة أمام الله في اختيارها للحاكم، وعليها ألا تسكت أمام إنحرافات السلطة، كما أن الفرد والأمة مسؤولون في طاعة الحاكم بالمعصية والتي تستحق العذاب عليه بالنار، كما قال تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [الأحزاب:٦٧]، كما تثبت مسؤولية الجماعة في قوله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأنفال:٢٥].

      ولقد حذر القرآن الكريم من الوقوع في فتنة الصراع بسبب السلطة، وضرب لنا الأمثلة على الطغاة المستبدين الذي غرهم سلطانهم فضلوا وأضلوا وذلك لأخذ العبرة منهم، لأن فتنة المال وشهوة الحكم جذورها عميقة في أعماق النفس البشرية، وقد ذكر لنا القرآن أبرز مثل في فرعون الذي استعبد الناس، وبلغ من تجبر هذا الطاغية أن استخف بدعوة موسى عليه السلام وقال القرآن عنه: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الزخرف:٥١].

      والأكثر من ذلك (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [النازعات:٢٣-٢٤].

      ومن أهم أسباب ذلك الانحراف هو حب السلطة والمنصب والجاه: ومن المعروف أن للمنصب عند البعض نشوة تلعب بالرؤوس لا تعادلها نشوة، فتساعد على الغطرسة والاستعلاء والبطش، وتزين لصاحبها أنه على الحق والصواب71.

      وقد تنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هؤلاء الحكام المسببين للفتن فقال: (إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وقع في أمتي السيف لم يرفع إلى يوم القيامة)72.

      كما تنبأ بوجود الحاشية الفاسدة لهم فقال: (أخوف ما أخاف على أمتي رجل منافق عليم اللسان غير حكيم القلب، يغيرهم بفصاحته وبيانه ويضلهم بجهله)73.

      وعلى هذا واجه الحكام المعارضين بالقمع، وخصوصا لمن كان عنده الاستعداد الشخصي للانحراف عند بعض الحكام: فالنزوع إلى إساءة استعمال السلطة إنما هو نزعة سلوكية واعوجاج في سلوك الإنسان، وقد عالج الإسلام ذلك بربط أصول الحكم بالعقيدة والأخلاق ـ حماية للحاكم من الاستبداد ـ باعتباره منفذًا للشريعة وليس له سن القوانين، كما حث الإسلام على تولية الكفء الأمين (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [القصص:٢٦].

      ثم العقاب الدنيوي بالخلع وعقاب الله بالآخرة74.

      ومن العوامل المساعدة على الانحراف وزيادة الفتنة وجود بطانة السوء المحابين لذوي السلطة وهم أصناف منهم الأقارب (العصبية): ويكون لهؤلاء تأثير إيجابي، ولكن الغالب أن يكون لهم تأثير سلبي للاستئثار بالمناصب والجاه والمالومنهم الأعوان من ذوي المراكز: كالوزراء والولاة والقادة، ومنهم كذلك بعض الأغنياء وأصحاب المصالح الذين يتقربون للحاكم وذويه حفاظًا على ثرواتهم وخصوصًا ذوي الكسب غير المشروع، فيستغلهم بالمقابل لجمع المؤيدين وتضليل الناسومنهم الأدباء المداحون: وهم يمثلون (وسائل الإعلام في الوقت الحاضر).

      ونرى من يبالغ فيجعل للخليفة صفات الله ومقام النبوة، فهذا ابن هانئ الأندلسي يمدح الخليفة الفاطمي المعز لدين الله قائلًا75:

      ما شئت لا ما شاءت الأقدار

      فاحكم فأنت الواحد القهار

      وكأنما أنت النبي محمد

      وكأنما أنصارك الأنصار

      ومنهم العلماء (فقهاء السلاطين): وإذا وضعنا تأثير الأصناف السابقة في فتنة الأمة في كفة، نضع في الكفة المقابلة تأثير العلماء، لاقتداء العامة بهم.

      وعلى هذا كان لفتنة الحكم والسلطة أثر في التراجع الحضاري للأمة الإسلامية وجرت عليها السنن الإلهية التي تصيب من نكص عن اتباع الرسالات السماوية ولا أمل إلا بالرجوع إلى حكم الله والاعتبار بالأمثلة القرآنية الواقعية في هذا المجال، وأهمها العمل بالشورى، وفتنة السلطة قد تكون بنهج صاحبها للظلم وعدم المساواة، والنصوص الشرعية في تحريم الظلم كثيرة جدا وهي تتحدث عن ظلم الإنسان لنفسه وغيره ومقرونة بالتهـديد والعذاب والخسران.

      قال تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [إبراهيم:٤٢].

      (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنعام:٢١].

      كما عرف القرآن الظلم فقال: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [البقرة:٢٢٩].

      فيكون الظلم وضع الشيء في غير موضعه الشرعي76. وفي الحديث القدسي كما يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)77.

      ونتبين موقف الإسلام في تحريم الظلم في نصوص وجوب العدل نقيضه في آيات كثيرة، فالعدل شرعا: «وضع الشيء موضعه الشرعي وإعطاء كل شيء حقه من المكانة أو المنزلة أو الحكم أو العطاء»78.

      فالعدل ميزان الله في الأرض، وهو قوام الدين والدنيا، والآيات التي توجب العدل والقسط كثيرة منها قوله تعالى (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [النحل:٩٠].

      وقوله: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [النساء:٥٨].

      فالأمر بالعدل نهي عن الظلم كما أن نصوص السنة زاخرة بالدعوة إلى العدل، بل إن أول وثيقة دستورية أعلنها النبي الكريم في المدينة تكرر فيها كلمة القسط والعدل أكثر من تسع مرات79.

      ولما كان من السنن الإلهية أنه لا يفلح الظالمون، فقد أدت إلى زوالهم، كما أكدت القصص القرآنية هلاك الأمم الظالمة، ولذلك يقول العلماء: «إن الدولة تبقى مع الكفر ولا تبقى مع الظلم، لقوله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [هود:١١٧].

      يقول الرازي: «إن المراد من الظلم في هذه الآية، الشرك، والمعنى أن الله تعالى لا يهلك أهل القرى بمجرد كونهم مشركين، إذا كانوا مصلحين في المعاملات فيما بينهم»80.

      ثانيًا: الفتنة بالشر:

      ١. الفتنة بالإيذاء.

      ولهذه الفتنة صور كثيرة منها الأذى بالبدن، وقد يكون قدريا من الله وقد يكون الأذى مسلطًا على فرد أو جماعة، وتكمن الفتنة في الثانية، فقد يسلط أهل الباطل على أهل الحق بالإيذاء النفسي والبدني، ولنا أمثلة من الإيذاء النفسي الذي واجهه الأنبياء عامة والرسول محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، فرميه بالكذب - وهو الصادق الأمين- تارة وبالجنون تارة، وبالكهانة والسحر أخرى كان إيذاءا شاقا على نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر القرآن تلك الاتهامات في آيات كثيرة، قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الأنبياء:٥].

      وقال: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الصافات:٣٦].

      أما الأذى البدني فقد كان الأنبياء لهم منه نصيب، فقد رمي إبراهيم عليه السلام بالنار، وأوذي محمد صلى الله عليه وسلم بدنيا وعذب صحابته من قبل مشركي قريش، من مثل بلال وعمار وخباب رضي الله عنهم، وهذا هو فعل الطواغيت حين يعجزون عن صرف المؤمنين عن دينهم، ومن أصاف الأذى البدني التذيب بالنار، والخنق، ونزع اللحم عن العظم، والنشر بالمنشار81.

      وقد يبتلى الفرد ببدنه بعاهة أو عوق، وليس له إلا الصبر ليؤجر على ذلك فثواب الصبر مفتوح بغير حساب، وهذا الأسلوب ما زال يتبع وبوسائل كثيرة في العصر الحاضر.

      أما فتنة المرض فقد تعرض لكل الناس، وهو فتنة بالشر لأن الإنسان خلق ضعيفا، والمؤمن يصبر أمام فتنة المرض حين يستحضر الأجر منه إذا صبر عليه، فالأمراض والأسقام وإن كانت ذا مرارة إلا أن الله جعل فيها حكما، فهو يكون في حالة الفقر إلى بارئه فيلجأ إليه، فقد ابتلى الله يعقوب في بنيه وفراق يوسف وأخيه وكف بصره ثم رده الله إليه بعد صبر طويل، وفي قصة أيوب امتحنه الله امتحانًا خاصًا في نفسه وولده وماله فضرب مثلًا أعلى في الصبر (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [ص:٤٤].

      وقد كشف الله عنه البلاء وعوضه خيرًا

      وأمرض القلوب فتنة أكبر، فقد أثبت القرآن الكريم أن للقلوب أمراضًا هي أشد من أمراض الجسد.

      قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [البقرة:١٠].

      هذه الأمراض تتسبب في فتن اجتماعية للمسلمين، منها: غلظة القلوب، والفتنة في ذلك أن الناس ينفرون من الفظ الغليظ القلب حتى ولو كان ناصحًا، ولذلك عصم الله سبحانه وتعالى الأنبياء من هذه الصفة فقال: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [آل عمران:١٥٩].

      والحقد والحسد وهما مرضان قديمان، وأوله حقد إبليس على آدم عليه السلام، ولم تهدأ ثائرة حسده بإخراج آدم وزوجه من الجنة، فطلب أن يتبعهما وذريتهما في الدنيا (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [الإسراء:٦٢].

      وآثار الحسد سيئة على الفرد والمجتمع، إذا خالط قلبًا عجز عن ضبطه وكتمانه حتى يغلب على من اتصف بالدهاء فتظهر في كلامه وفلتات لسانه وأسارير وجهه، كما أنه مضر بالجسد والنفس.

      وقد يكون مرض القلب همًا يعاني منه المرء لسبب من الأسباب، يعان عليه بالدعاء المأثور (اللهم إني أعوذ من الهم والحزن والعجز)82.

      أما القتل والخوف فكل منهما فتنة تظهر وتزداد لأسباب كثيرة، منها السياسية والطائفية وغير ذلك، وقد يتعرض لها أصحاب الدعوة الحق بعد فشل المساومات معهم، لأن العقيدة لا تخضع للمساومة والابتزاز، فقد قتل أنبياء ودعاة.

      وكانت هناك محاولات من قبل اليهود والمشركين لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، والقتل وكثرته من علامات الساعة التي نراها واضحة في زماننا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس بيده لا تذهب الدنيا، حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيم قتل؟! فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال:)الهرج، القاتل والمقتول في النار)83.

      وفتنة الخوف ملازمة لما قبلها، فالأمن والسلام نعمة امتن الله بها على قريش (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [قريش:٣-٤].

      ولذلك جعلت التحية في الإسلام بلفظ السلام، وهذه النعمة لا يدركها إلا من افتقدها، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمن من أركان الحياة الثلاث فقال: (من أصبح منكم آمنًا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)84.

      والخوف قد يكون ابتلاءً وامتحانا من الله كما ذكر في كتابه الكريم: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة:١٥٥].

      وقد يكون الخوف نوع عقوبة من الله تبارك وتعالى على معاصي ارتكبها الإنسان، قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ) [النحل:١١٢].

      والخوف المحمود هو الخوف من الله تعالى، أما المذموم فهو الذي يوقع الإنسان في مخافة الناس على حساب مرضاة الله وهو الذي يدفع بالإنسان إلي الانهزام والتخلي عن المعتقد أو الحقوق، ويفسح المجال أمام العدو ليعيث في الأرض الفساد (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنفال:١٥-١٦].

      ٢. الفتنة في المال والأهل.

      الأرزاق من الله يقدرها بحكمته وفق مصالح العباد، كما قال تعالى (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الذاريات:٢٢].

      وعلى العبد السعي في تحصيل رزقه وماله أخذًا بالأسباب.

      وقد يصاب الإنسان بفتنة نقص المال أو ضياعه، وهو نوع من الابتلاء الذي يمتحن به الإنسان، كما قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة:١٥٥].

      وطلبت منه الصبر على البلاء وللصابر البشرى، وسأتناول فتنة الفقر، وآثارها على الفرد والمجتمع.

      وأثر الفقر في مجال الأسرة: ويظهر أثره في الأمور الآتية:

      في تكوين الاسرة ابتداءً لأن الفقر يعيق الشباب عن الزواج وتحمل تبعاته من مهرٍ ونفقة البيت والأولاد هذه العوائق الإقتصادية قد تؤدي بضعاف الإيمان إلى جريمة الزنا فجاءت النصوص لتوجيه الشباب إلى الصبر فقال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النور:٣٣].

      وقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)85، أي: وقاية وعلاج وفي الصوم يتحقق الصبر.

      والفقر خطر على تماسك الأسرة وتكاثرها حيث تقدم الأسرة على تحديد النسل وتقليله، والأكثر من ذلك قتل الأولاد بطرق جديدة كالإجهاض خشية الفقر، وقد نهى الله سبحانه و تعالى عنه فقال: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأنعام:١٥١]. ومثلها في المعنى [الإسراء:٣١].

      أما فتنة النقص في الولد عند الحرمان منهم بسبب العقم أو غيره، فتكون فتنة في الشر، لأن الأولاد من زينة الدنيا المحببة للنفوس، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [آل عمران:١٤].

      والحرمان منها يقتضي الصبر والاحتساب وإلا أصاب النفوس العنت، وأوقعها في فتنة الجزع والحسد والحقد وغير ذلك ولذلك بعد ذكرهم الله بأنهم زينة: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)لم يجعلها قيمة للإنسان بل مجرد زينة ولهو، فلذلك عقب بالقول (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الكهف:٤٦].

      وهي تتبع فتنة الأهل فهي بما يصيبهم من نقص أو خلل أسري ولها أشكال وصور كالعقوق والنشوز والاختلاف عقائدي، زقد وضع الإسلام وقاية وعلاجا لكل هذه الحالات، وعلى العموم تواجه جميعها بالصبر ولاحتساب والدعاء.

      ٣. فتنة الإخراج من الأوطان.

      والمقصود هنا الإخراج القسري المجبر عليه الإنسان وليس الخروج الطوعي، وقد نال من تلك الفتنة أكثر الأنبياء عليهم السلام، ولكنهم استطاعوا أن يستثمروا تلك الفتنة والنقمة وتحويلها إلى نعمة بفضل الله ومثابرتهم على مواصلة الدعوة.

      وقد ضرب القرآن الكريم مثلا بهجرة إبراهيم عليه السلام وغيره من الأنبياء، وبخروج أصحاب الكهف فرارا بدينهم فحفظهم الله من عبث المفسدين.

      قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الكهف:١٠-١٦].

      ومن المعلوم يعلم أن طريق الهجرة وعرة المسلك، ومليئةٌ بالمنغصات، وتبقى ساعة الوداع مؤثرة، والوقوف على الأطلال يرافقه البكاء، حتى النبي صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة قال: (والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك لما خرجت)86.

      وكذلك الصحابة رضي الله عنهم، عندما هاجروا إلى المدينة - كما تذكر عائشة رضي الله عنها - تذكروا مكة وجبالها، وخاصة أن المدينة أوبأ أرض الله من الحمى، وقد أصابت الحمى بعض الصحابة، وكان بلالٌ إذا أقلع عنه الحمى اضطجع بفناء البيت ثم يرفع صوته:

      ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً

      بوادٍ وحولي إذخرٌ وجليل

      وهل أردن يومًا مياه مجنةٍ

      وهل يبدون لي شامةٌ وطفيل

      قالت عائشة رضي الله عنها: ثم إني دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة، اللهم وصححها وبارك لنا في مدها وصاعها، وانقل حماها واجعلها بالجحفة)87، فغرس الله بعد ذلك حب المدينة في قلب الصحابة ومن بعدهم أبد الدهر.

      فالإخراج من الأوطان فتنة تقتضي الصبر والاحتساب والحفاظ على العقيدة، ونشر الدعوة، والاقتداء بالمثل الصالح من الأنبياء والسلف الصالح.

      مجالات الفتنة

      أولًا: الفتنة في الدين والعبادات:

      ١. الفتنة في الدين.

      الفتنة في الدين قد تعرض للفرد والمجتمع والأمم، ولها أسباب كثيرة وصور متعددة، وتحصل بإحدى طريقتين:

      الأولى: أن الإنسان يبتلى في دينه من قبل نفسه الأمارة بالسوء، فهو اختارها طواعية لنفسه، كأن أصيب الإنسان في دينه بانحراف أو شبهة أو شهوة فذلك أعظم المصائب، وإنها لخسارة الدنيا والآخرة.

      والثانية: أن يسلط على المرء أو الجماعة من يفتنهم إكراها عن دينهم، وخصوصا ما حصل للأنبياء والصالحين والدعاة على مر الأزمان، وقد أجبر المسلمون الذين بقوا في الأندلس بعد سقوطها لتبديل دينهم وتنصيرهم كرها.

      فقد يستدرج الإنسان أو المجتمع للفتنة في الدين فيقع طواعية أو يجبر إكراها، ولكل الحالات صور وأسباب كثيرة، وهي في أزماننا شاخصة واضحة يجمعها دعاء الرسول في التعوذ منها في قوله: (ولا تجعل مصيبتنا فى ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا)88.

      وأشد تلك الفتن: الشرك والكفر، وذلك بصد الناس عن دينهم الحق.

      قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [البقرة:١٩١].

      فقد فسرها ابن عباس صلى الله عليه وسلم هنا بالكفر89.

      قال الطبري: قد كانوا يفتنون عن دينه حتى يردوه لى الكفر بعد إيمانه، وذلك أكبر عند الله من القتل»90.

      وقد تصل هذه الفتنة إلى الإكراه بشتى الوسائل، كالأذى الجسمي والنفسي والاقتصادي وغير ذلك.

      وقد تكون الفتنة في الدين بطرق ناعمة قد لا يلتفت إليها مثل فرض الأنظمة والأوضاع الفاسدة ومحاربة المسلمين في ديارهم.

      ومنها: نشر الإلحاد والتشجيع عليه بتخطيط ممنهج، وقد بذلوا في سبيل ذلك كل الوسائل وكان من نتيجتها إلزامهم بالتحاكم إلى قوانين وضعية وغير ذلك.

      ومنها: ظهور الفرق الكلامية قديما التي كانت نتيجة لترجمة الفلسفة اليوناية، وكان هدف بعضها الدفاع عن الإسلام بطرق فلسفية، وبعضها استهدفت الإسلام والنيل منه، والمهم أنها أحدثت فتنة دينية وفرقت المسلمين، كما ظهرت فرق حديثة بعضها اتخذت من الدين ستارا لهم، وبعضها جاهرت بالعداء له.

      وهذه الفتن يتعرض لها المؤمنون قديما وحديثًا بصورة عامة والدعاة بصورة خاصة سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، نتيجة للصراع بين الحق والباطل، بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فتلحق بهم فتن لها صور كثيرة منها:

      • حملات التشويه للمخلصين وتنفير الناس منهم.

        وحث الناس على عدم التعاون والتعاطف معهم، مع التشكيك بصدقهم، وهو جزء من الحرب النفسية الإعلامية عن طريق الاستهزاء والسخرية، وقد كانت هذه أحد أساليب قريش ضد الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأنبياء:٣٦].

        و قوله تعالى: ( ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الفرقان:٤١].

        ومثلها في قوله: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الأنعام:١٠].

        ثم جاء الاستهزاء من قبل المنافقين في المدينة كما قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [البقرة:١٤].

        ويشمل هذا الاستهزاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وأسلوب المستهزئين واحد في كل العصور بل تفننت وسائل الإعلام في العصر الحاضر بذلك كما نسمع ونرى.

      • اتهام المتدينين المخلصين بالكذب لتشويه صورهم وإثارة الشكوك حولهم.

        والقرآن حافل بالآيات في اتباع الظلمة لهذا الأسلوب القبيح كما جاء في القرآن عنهم: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) :٤].

        (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الفرقان:٤].

        وكا حص مع الأنبياء السابقين ( ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الشعراء:١٠٥].

      • الاتهام بالجنون، للتشكيك بقدراتهم العقلية.

        كما جاء عن اتهام النبي صلى الله عليه وسلم (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الحجر:٦].

      • الاتهام بالسفاهة.

        كما قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة:١٣].

        وهو ما قيل في حق هو عليه السلام: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الأعراف:٦٦].

        ومثل ذلك الاتهام بالسحر والكهانة مما وصفت به الأقوام المشركة الأنبياء، وفي العصر الحاضر يتهم المتدينون بالرجعية والجمود والتحجر.

      • التهديد بالأذى، كالتهديد بالضرب والرجم.

        كما قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الشعراء:١١٦].

      • التهديد بالسجن.

        كتهديد فرعون لموسى (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [الشعراء:٢٩].

      • التهديد بالقتل والتشريد.

        فقد حكى القرآن عن قوم شعيب هددوه ومن معه بذلك (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الأعراف:٨٨].

        حصل لنبينا صلى الله عليه وسلم (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الإسراء:٧٦].

      • التهديد بالقتل.

        وقد حصل لكل الأنبياء، وبقطع الرزق وبها تعلل المشركون حين قالوا: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [القصص:٥٧].

        ومنها الإغراء بالمال والجاه والسلطان، وهي وسيلة قد تسقط الكثيرين ممن ثبتوا أمام الحملات الإعلامية والتهديد بالأذى، ولكنهم قد يتراجعون أمام الإغراءات الدنيوية، يصبر في الشدائد ولكن يتهاوى أمام حظوظ الدنيا، ولقد حاولت قريش اتباع هذا الأسلوب مع النبي صلى الله عليه وسلم، حين عرضت عليه المال الجاه والسلطة ولكنها فشلت أمام العقيدة الراسخة التي لا تقبل المساومة.91

        ومن مظاهر الفتنة في الدين كما هو مألوف هو موالاة الكفار على حساب المسلمين، وهو ما نهى الله تعالى عنه ورسوله بنصوص كثيرة، وهو نتيجة لضعف الإيمان.

        قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [المائدة:٥١].

        وعلة ذلك لأنهم لا يألون جهدا في إفساد أحوال المسلمين، وإن لم يكن ظاهرا فبالمكر والخديعة، كما قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [آل عمران:١١٨].

        ويعود ذلك كله لضعف الإيمان وحب الدنيا، فإذا ما أدمن الإنسان على المعاصي اتبع الفتن، فيصل لدرجة لا يميز بين الحق والباطل والخير والشر، ولذلك فالعواصم من الفتنة في الدين الإيمان، فقد يتبين للمؤمن ما لا يتبين لغيره، فالمؤمن كيس فطن، (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:٢٨٢].

        ٢. الفتنة عن العبادات.

        العبادات هي التطبيق العملي للعقائد، والعبادات بمفهومها الكبير تشمل كل نظام الحياة، كما أنه يشمل كل عمل خير، ونظام العبادات في الإسلام هو النظام الوحيد المؤهل لإسعاد البشرية وتجنيبها الفتن والاضطرابات والحروب، لأنه من لدن حكيم خبير، يعلم ما يصلح الناس وما يناسب ما خلقهم عليه92.

        فالعقيدة تعمل على إصلاح باطن الإنسان وتصحيح اعتقاده وتصوره للكون والحياة والخالق، فيأتي دور العبادت الشرعية العملية قولية وفعلية لتكمل ذلك، فتجعله على صلة بالله من خلالها، فيقدم على الطاعات بأنواعها من تزكية النفس وتهذيبها، وتنعكس على أخلاقه، كما أن العبادات تربي الفرد والجماعة على محبة وموالاة بعضهم لبعض، وتدعوهم على تماسك صفوفهم لدرء الفتنة فتعصم الأمة من كثير من الشرور.

        وعليه فإن ترك العبادات كفيل بأن يوقع الإنسان في فتن خاصة وعامة نذكر منها:

      • الإقبال على المعاصي والشهوات.

        فمن مصائب الدين أن يترك المسلم العبادات التي شرعها الله، ويقبل على الملذات والمعاصي والشهوات، فترك الصلاة مثلا من أكبر المصائب، وترك صلاة الجماعة خصوصًا كذالك من أعظم الفتن، ولو أديت هذه الفريضة كما وجبت لتجنب الفرد والمجتمع كثيرًا من المزالق، فهي بنص القرآن تنهى عن الفحشاء والمنكر.

        قال تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [العنكبوت:٤٥].

        فهي تنجي من فتنة السراء بشكر المنعم والضراء بالصبر عليها واحتسابها، كما أنها الملاذ للعبد مما يهمه في الدنيا، كما قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [البقرة:٤٥].

        وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)93.

        ولأهميتها لم يرخص الشرع لأحد بتركها وللقادر كذلك أن يترك صلاة الجماعة، فقد روى أن رجلًا أعمى قال: (يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له، فلما ولى دعاه فقال: (هل تسمع النداء ؟ قال: نعم، قال: فأجب) وفي رواية قال: (لا أجد لك رخصة)94.

        وكان الصحابة رضوان الله عليهم والسلف الصالح يعدون ترك صلاة الجماعة مصيبة تستحق التعزية، وقال حاتم الأصم: مصيبة الدين أعظم من مصيبة الدنيا، ولقد ماتت لي بنت فعزاني أكثر من عشرة آلاف وفاتتني صلاة الجماعة فلم يعزني أحد.

        ومن مصائب الدين الإقبال على المعاصي وإلفها، والتفاخر والمجاهرة بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل العبد بالليل عملا، ثم يصبح قد ستره ربه، فيقول: يا فلان! قد عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)95.

        قال أبو الدرداء: (من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها)96.

        ومثل ذلك بقية العبادات ففي الزكاة والصيام والحج فوائد وحكم لا تحصى على مستوى الفرد والجماعات والأمة، فنرى كل عبادة لها طابع اجتماعي، فعلاوة على الفوائد الروحية والصحية فهي كلها تزيد من رابطة الإخاء بين المسلمين في كل بقاع الأرض، وهي من مقومات وحدة الأمة لما فيها من توحد المشاعر والشعائر التي تشعر الجميع بالمساواة والعدل وتلغي فوارق ومقاييس المجتمعات الأخرى، وتجعل المسلم فخورا بدينه، وهذه نعمة لا يدركها إلا من ابتعد عنها بترك تلك العبادات.

        وبما أن العبادات بمفهومها الواسع تشمل كل عمل صالح، وليس فقط بالمفهوم الضيق بما هو مشهور للعبادات المحضة، فترك العمل الصالح ينعكس على الفرد والمجتمع ويعرضهم للفتن بجميع أنواعها فيقبلون على المعاصي ومن ثم نجد للذنوب والمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله فمن ذلك:

      1. حرمان العلم.

        فإن العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفئ ذلك النور، يقول تعالى: (ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:٢٨٢].

        ومثلها حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبة فكفاه أنه صد عن طاعة الله فالعاصي يقطع عليه طاعات كثيرة كل واحدة منها خير من الدنيا وما فيها.

      2. هوان العبد على ربه.

        لأن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها كما قال بعض السلف في قول الله تعالى (ﭹﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ) [المطففين:١٤].

        الران: هو الذنب بعد الذنب.

        ثانيًا: الفتنة عن الجهاد ووحدة الصف:

        ١. الفتنة عن الجهاد.

        الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وحامي حماه، بل لا قيام لهذا الدين في الأرض إلا به، وبه نال المسلمون العز والتمكين في الأرض، وبسبب تعطيله حصل للمسلين الذل والهوان والصغار، واستولى عليهم أعداءهم، بل تداعت عليهم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وأصبحوا مع كثرتهم غثاءٌ كغثاء السيل، نزع الله المهابة من قلوب أعدائهم ووضعها في قلوبهم.

        ولقد حرص الأعداء على تشويه صورة الجهاد والمجاهدين وتخذيل المسلمين عنه، ووضع العراقيل دونه، وقد دل القرآن الكريم على توقي الفتنة بالجهاد فقال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة:١٩٣].

        وقوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [التوبة:٣٩].

        وهو من فروض الكفاية لقوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [التوبة:١٢٢].

        قال ابن تيمية رحمه الله: «ولما كان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله من الابتلاء والمحن ما يعرض به المرء للفتنة صار في الناس من يتعلل لترك ما وجب عليه من ذلك بأنه يطلب السلامة من الفتنة كما قال عن المنافقين: ( ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [التوبة:٤٩].

        فإعراضه عن الجهاد الواجب ونكوله عنه وضعف إيمانه ومرض قلبه الذي زين له ترك الجهاد‏ فتنة عظيمة قد سقط فيها فكيف يطلب التخلص من فتنة صغيرة لم تصبه بوقوعه في فتنة عظيمة قد أصابته؟ والله يقول: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة:١٩٣].

        فمن ترك القتال الذي أمر الله به لئلا تكون فتنة‏: فهو في الفتنة ساقط بما وقع فيه من ريب قلبه ومرض فؤاده وتركه ما أمر الله به من الجهاد97.

        وقد وردت في الكتاب والسنة فضائل كثيرة للجهاد منها:

      1. الثواب العظيم للمجاهد من حين يخرج من بيته، قال تعالى (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [التوبة:١٢٠-١٢١].
      2. أنه أفضل من نوافل العبادات، قال تعالى (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [التوبة:١٩-٢٢].
      3. أنه سبب لدخول الجنة، قال تعالى (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ) [التوبة:١١١].
      4. أنه سبب للفلاح، قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [المائدة:٣٥].
      5. أنه سبب لتحقيق الإيمان، قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الأنفال:٧٤].
      6. أنه سبب لحفظ الحق وتمكينه ودفع الباطل، قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ) [الحج:٤٠]. (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البقرة:٢٥١].

        ومما سبق نستخلص عظم الفتنة في ترك الجهاد مع القدرة عليه لأن:

        • ترك الجهاد سبب للهلاك في الدنيا والآخرة، أما هلاك الدنيا فبالذلة والاستعباد وتسلط الكفار عليهم، وأما هلاك الآخرة فمعلوم.

          قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ) [البقرة:١٩٥].

          وقال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [التوبة:٣٨-٣٩].

        • ترك الجهاد سبب لعذاب الله وبطشه.

          قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [التوبة:٣٩].

        • ترك الجهاد والفرح بالقعود من صفات المنافقين.

          قال الله تعالى مبينًا أنه لا يترك الجهاد إلا المنافقين والذين في قلوبهم مرض: قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [التوبة:٤٤- ٤٥].

          وقال سبحانه: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [التوبة:٨١-٨٢].

          عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبةٍ من نفاقٍ)98.

          وقال كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن تبوك: (فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلًا مغموصًا عليه النفاق، أو رجلًا ممن عذر الله من الضعفاء)99.

        • ترك الجهاد سبب لإفساد أهل الأرض بالقضاء على دينهم.

          قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [البقرة:٢٥١].

          وقال سبحانه (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ) [الحج:٤٠].

        • ترك الجهاد يفوت مصالح عظيمة وفضائل جمة منها الأجر والثواب والشهادة والمغنم والتربية ودفع شر الكفار وإذلالهم، ورفع شأن المسلمين وإعزازهم.
        • ترك الجهاد قد يعرض لعقوبة عاجلة تنزل بالقاعدين عن الجهاد.

          كما قص الله تعالى من خبر بني إسرائيل لما طلب إليهم موسى عليه السلام أن يدخلوا الأرض المقدسة فقالوا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ) [المائدة:٢٤-٢٦].

          وقد وعى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدرس جيدًا، ففي يوم بدر لما استشارهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال؛ قال له المقداد: (يا رسول الله: إنا لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن امض ونحن معك)100.

        • ترك الجهاد سبب للذل والهوان.

          قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [التوبة:٣٩].

          عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)101.

          ٢. الفتنة عن وحدة الصف.

          إن من أهم وأخطر الفتن هو تفرق الأمة وتشتت جمعها وكلمتها، فوحدة الصف ضرورة أجمع عليها العقلاء من الناس، والائتلاف مطلب ضروري لا غنى عنه لأمة تريد الفلاح.

          حثت النصوص على لزوم الجماعة والحذر من الفرقة والاختلاف بشكل عام وفي وقت الفتن بشكل خاص. قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران:١٠٣].

          وقد جاءت تفاسير عديدة لمعنى الحبل لا تعارض بينها، منها لزوم الجماعة.

          قال البغوي: «الحبل: السبب الذي يتوصل به إلى البغية، وسمي الإيمان حبلًا لأنه سبب يتوصل به إلى زوال الخوف»102.

          كما جاء ت أحاديث نبوية تؤكد لزوم الجماعة منها قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار)103.

          وقوله تعالى في الآية «ولا تفرقوا» «أي ولا تتفرقوا عن الحق بوقوع الاختلاف بينكم كما اختلف اليهود والنصارى أو ولا تحدثوا ما يكون عنه التفرق ويزول معه الاجتماع والألفة»104

          كما جاءت آيات تحث على لزوم الجماعة محذرة من الفرقة والاختلاف في قوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [آل عمران:١٠٥].

          كما برأ الله ورسوله من مثل هؤلاء فقال: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأنعام:١٥٩].

          ولأجل الحفاظ على الجماعة دون التفرق، نبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدم الخروج على أولي الأمر وأداء النصح لهم إن اقتضى الأمر ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يغل عليهن صدر مسلم: إخلاص العمل لله عز وجل و مناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين)105.

          وقال كذلك: (إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثًا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا وأن تناصحوا من ولى الله أمركم، ويسخط لكم ثلاثًا، قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)106.

          كما حذرت أحاديث من مفارقة الجماعة فقال صلى الله عليه وسلم: (من فارق الجماعة شبرًا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)107.

          وفي آخر: (ومن فارق الجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية)108.

          وفي حديث آخر قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)109.

          وحرصًا على الجماعة فإنه ينبغي الموالاة والنصرة و الإيواء لكل المسلمين وبعكسه البراء من الأعداء والعصاة المشركين قال تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الأنفال:٧٣].

          ومن لوازمها كذلك إصلاح ذات البين وتحكيم كتاب الله فيما شجر من التنازع وإحياء مفهوم الأمة.

          ومن الفتن التي تترتب على الخروج عن وحدة الصف وتفرق الكلمة:

        1. ضعف الأمة وفشلها في تحقيق مصالحها العليا.

          يقول الله تعالي: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الأنفال:٤٦].

          ويقول الله تعالي: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [العصر:١-٣].

          ولهذا أصبحت الجماعة والاجتماع علي الخير والطاعة من ضروريات الدين ومحكماته، والعبادات العامة كالصلاة، والصوم والحج، والأعياد وغيرها دليل عملي علي ذلك.

          إن الفرقة والاختلاف داءان وبيلان يقعدان بالأفراد والأمم عن الإصلاح والبناء، ويمكنان للهدم والفساد، ويسببان ظلمة القلوب، وفساد الألسن، والطعن في الناس، وقد يؤديان إلى الاحتراب والتقاتل.

        2. التنافر وفقدان الإلفة بين المجتمع الواحد.

          وقد امتن الله على المسلمين الأوائل بتأليف قلوبهم حين وحدهم ىالإسلام فقال: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [آل عمران:١٠٣].

          وقال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأنفال:٦٣].

          ولأن تأليف القلوب ميزة خصها الله تعالي بالمؤمنين، فقد وصف الله تعالي اليهود بأن قلوبهم متفرقة فقال: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [الحشر:١٤].

          ولذلك أكد الإسلام على ضرورة الأخوة في العقيدة والتي تثمر المحبة والموالاة، وإلا لانتفت صفة الإيمان منهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يجب لأخيه ما يحب لنفسه)110.

          ويعود ذلك لاضطراب مفهوم الولاء والبراء عند كثير من المسلمين.

        3. تشجيع أعداء الأمة في الداخل والخارج للتدخل بشؤون المسلمين.

          فالمستفيد الأول من حالة التنازع ما بين المسلمين بشكل عام هم أعداء هذا الدين، سواء من الداخل أم من الخارج، فتشتيت الجهود غاية كل أفاق، وأمل كل أفاك، فالجهود المتفرقة غير موجعة، والكن الجهود المتوحدة قوية لا شك أنها ضربة قاصمة رادعة، توقف المنافقين ومبتغي الفتن عند حدودهم، وتردعهم عن مزيد من حملات تشويه الصورة وإسقاط الرموز.

          كما أن في الفرقة تشويه صورة المسلمين أمام العالم، وإظهارهم بمظهر الأمة المشتتة والمتعصبة لشتى الولاءت وبذلك لا يستحقون التقدير والاحترام، وصدق الله عز وجل إذ يقول: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [آل عمران:١٢٠].

          ويضاف إليها تضخيم مواطن الخلاف، فيظهر التنابز بالألقاب والسعي بالغيبة والنميمة بين أبناء الدين الواحد والقبلة الواحدة، فتتشتت جهودهم في كيل التهم لبعضهم، والتنظير لإثبات مخالفة فريق ما لقواعد الإسلام وأصوله، حتى يضيع وقت الأمة في قيل وقال، بدلًا من أن تصرف الأوقات للدعوة إلى التوحيد والأخلاق الفاضلة والسعي في الأرض والإنتاج والتقدم والنهضة.

        4. الفرقة مدعاة لسخط الله والحرمان من رحمته.

          فقال سبحانه (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الحجرات:١٠].

          ومن أسباب هذه الفرقة الموجبة لذلك عدوم اتباع السنة، فالابتداع في الدين، والميل إلى الهوى، والغرور بالدنيا هو سبب التفرق والاختلاف.

        5. التخلف الحضاري وسقوط الدول تحت الاستعمار.

          وهو نتيحة للولاء لأعداء الأمة والاتكال عليهم في أمورنا وخلافاتنا، وحل مشاكلنا، ولذلك يذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يمكن به أن نتجنب ذلك ويعصمنا من هذه القواصم، وجاءت النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم ترسخ هذه الأخوة، وتدعو إلى ما يعززها ويقويها، وتنهى عما يضعفها ويصدعها، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس)111.

          وفي جانب النصرة وعدم الخذلان قال صلى الله عليه وسلم (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)112.

          ومن أساليب القرآن في الحث على الجماعة أن الله جعل من أخص صفات المؤمنين أنهم أولياء بعض؛ فقال: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [التوبة:٧١].

          والولاية هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام، والكون مع المحبوبين ظاهرًا وباطنًا.

          وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا)113.

          ومن أساليب الشريعة في الحث على الوحدة بين المسلمين: تحذيرها من الشذوذ ومفارقة الجماعة، ففي سنن الترمذي عن ابن عمر قال: (خطبنا عمر بالجابية فقال: يا أيها الناس: إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، ثم ذكر خطبة جاء فيها: (عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، من سرته حسنته وساءته سيئته، فذلكم المؤمن)114.

          إن إعادة قراءة التاريخ الإسلامي، والوقوف على مواطن القوة فيه، والتي كان من أهم أسبابها وحدة المسلمين قلبًا وقالبًا، وانضواؤهم تحت راية واحدة هي راية الإسلام، وعدم تخوين بعضهم بعضًا، هي الاستفادة الحقيقية من التاريخ، فليس التاريخ مجرد قصص وحكايات تقضى بها الساعات وتقتل بها الأوقات، وليست عيشًا في الماضي، وإنما هي دروس وعبر تدفع الأمة دفعًا نحو المستقبل، بفكر واعٍ وقلب نابض بالحياة.

          الحكمة من الفتنة وسبل النجاة منها

          أولًا: التمحيص والتمييز ورفع المنزلة:

          في الفتن يظهر الناس على حقيقتهم، ففي التجربة تتبين حقيقة الفرد فليس كل من يدعي الصبر هو صابر، أو يدعي الزهد هو زاهد، والطريق لكشف هذه الحقائق حقائق الناس هو الفتن ويظهر التمييز في أمور مهمة منها:

        1. تمييز الصادقين من الكاذبين.

          وذلك لأن الصدق أساس الإيمان، ويترتب الثواب عليه، كما قال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ) [المائدة:١١٩].

          والحكمة في تمييز الصادق من الكاذب يدل عليه قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [العنكبوت:١-٣].

          قال الزمخشري: «والفتنة الامتحان بشدائد التكليف، من مفارقة الأوطان ومجاهدة الأعداء، وسائر الطاعات الشاقة، هجر الشهوات والملاذ، وبالفقر والقحط، وأنواع المصائب في الأنفس والأموال، وبمصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم وضرارهم، والمعنى: أحسب الذين أجروا كلمة الشهادة على ألسنتهم وأظهروا القول بالإيمان أنهم يتركون بذلك غير ممتحنين، بل يمتحنهم الله بضروب المحن حتى يبلو صبرهم، وثبات أقدامهم، وصحة عقائدهم، ونصوع نياتهم، ليميز المخلص من غير المخلص، والراسخ في الدين من المضطرب، والمتمكن من العابد على حرف»115.

          ومن الفتن التي يتميز فيها الصادقون من الكاذبين فتنة الحرب والقتال، فيتوعد الله الجبناء المنهزمين بقوله: ( ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الأنفال:١٦].

          والتمييز في الفتن التي تصيب الأمة في عقائدها، ويوم تقلب الحقائق، هنا يظهر الصادقون الذي يراقبون الله في كل حال ويقولون كلمة الحق ولو اجتمعت الدنيا ضدهم، وعلى النقيض يظهر الكذابون الدجالون الذين شغلتهم الدنيا عن الدين، وتزداد الفتنة بهم، وتشتد بهم محنة الصادقين:

          وفي فتنة الابتلاء بالغنى والسعة في الرزق، كما أخبرنا بذلك تعالى فقال: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)[التوبة:٧٥-٧٧].

          فالآيات تتحدث عن طائفة من الناس الذين تظهر الفتنة بالغنى نفاقهم، فقد ادعوا إن أغناهم الله أن يتصدقوا، فلما رزقوا نكصوا وكذبوا فحرمهم الله ما هو أعز من المال، وذلك بأن (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [البقرة:٧].

        2. تمييز الصابرين من القانطين.

          فالفتنة إذا حلت ميزت الناس على هذين المستويين، كما قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الفرقان:٢٠].

          قال البغوي في تفسير الآية: «(ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)أي: بلية، فالغني فتنة للفقير، يقول الفقير: ما لي لم أكن مثله، والصحيح فتنة للمريض، والشريف فتنة للوضيع، وقال ابن عباس: أي جعلت بعضكم بلاء لبعض لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم، وتتبعوا الهدى، وقيل نزلت في ابتلاء الشريف بالوضيع، وذلك أن الشريف إذا أراد أن يسلم فرأى الوضيع قد أسلم قبله أنف وقال: أسلم بعده فيكون له علي السابقة والفضل فيقيم على كفره، ويمتنع من الإسلام، فذلك افتتان بعضهم ببعض»116.

          إن فتنة المؤمنين بالكافرين وأذاهم تميز الصابر الذي لا يفت في عضده سخرية جاهل أو بطش كافر أو كيد منافق يتميز هؤلاء من صنف آخر إيمانه ضعيف وعقيدته مهزوزة يفقد زمام الصبر عند تسلط الكفار، ويقنط وييأس، وقد يصل إلى الردة وقد ذم الله تلك الطائفة فقال: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [العنكبوت:١٠].

          وقال ابن عباس في الآية: «فتنته أن يرتد عن دينه إذا أوذي في الله، وكذا قال غيره من علماء السلف117.

          وهي كقوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الحج:١١].

          إذن لا بد من الفتنة ليتحقق الإيمان، ويدل عليها قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [العنكبوت:١-٢].

          وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على الصبر ويحذرهم القنوط، وفي حديث خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلت: يا رسول الله ألا تدعو لنا؟ فقعد وهو محمر الوجه فقال: (لقد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دين، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنتين ما يصرفه ذلك عن دينه)118.

          وما هذا التحذير من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لأن القنوط واليأس يؤدي للاستسلام للعدو، والحذر من ذلك هو ما تحتاجه الأمة وخصوصًا في هذا العصر الذي اجتمعت فيه كل القوى ضد المسلمين وتكالبوا عليها واستسلم الكثير بعدما غفلوا عن ضرورة الصبر في مواجهة الكفار.

        3. تميز الشاكرين من الجاحدين.

          والشكر اعتراف بنعمة الله وكرمه وإحسانه، فالشاكر لسانه رطب بحمد الله، وشكر الله من قبل الإنسان في حال الفتنة بالسراء والنعمة هو كذلك فضل من الله يحتاج إلى شكر آخر ومن الشكر استعمال نعمة الله فيما يحب، والكفر والجحود نقيض ذلك باستعمال نعمة الله فيما يكرهه سبحانه، وذلك باتباع الشرع واستعمال كل شيء في موضعه الذي وضعه الله تعالى له، وبعكسه يكون قد جحد النعمة

          ومن الفتنة في هذا المجال أن الإنسان لا يحدث بالنعمة بينما يعدد المصائب، وهو الجحود بعينه وقال عنهم تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [العاديات:٦].

          ومن شكر المنعم ذكر آلائه (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الضحى:١١].

          كما أن الاستهزاء بدل الشكر جحود وأعظم كفرا، فقد قال تعالى عن بني إسرائيل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)[البقرة:٥٨-٥٩].

          وهناك من يلجأ إلى الله ساعة الخطر، فإذا زال تنكر كما قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ)[لقمان:٣٢].

          فيتبين حال الجاحد والكافر عند انكشاف الفتنة وزوال البلاء، فهو يجحد ويطعن وينسب الفضل في كشف ذلك لنفسه كما قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [هود:١٠].

          أما الحكمة الأخرى في رفع المنزلة فتتمثل في عدة جوانب:

        4. الرضا الموجب لرضوان الله تعالى.

          فالمصائب تنزل بكل الناس فالساخط يخسر الدنيا والآخرة، أما من رضيها فله الرضا من الله سبحانه وتعالى حيث قال: (ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [التوبة:٧٢].

        5. تكفير السيئات.

          وذلك يعني التمحيص للذنوب والخطايا، فقد دلت نصوص كثيرة على أن ما يتعرض له الإنسان في حياته من فتن ومحن وابتلاءات تكون بمثابة كفارات للذنوب، إذا هو صبر عليها واحتسب، ومن ثم ييسر له الله الخيرومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [آل عمران:١٤١].

          قال الشوكاني: «والتمحيص: التطهير، أي ليخلص المؤمنين من ذنوبهم فتبقى صحائفهم نقية، ليس فيها إلا الحسنات»119.

          وهناك أحاديث كثيرة كلها تفيد تكفير السيئات للعبد المبتلى بالفتن والمحن صغيرها وكبيرها، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولا يصيب المؤمن من وصب ولا نصب حتى الهم يهمه، والشوكة يشاكها إلا كفر به عن سيئاته)120.

        6. الثواب في الدنيا والآخرة.

          من كرم الله سبحانه وتعالى أن يكافئ من يبتليه في الحياة الدنيا ويعوضه ما فقده، كما حصل للنبي أيوب عليه السلام فقد أعاد له أهله ومثلهم، وكما عوض الله أم سليم زوج الصحابي أبي طلحة حين صبرت على فقدها ولدها.

          والأجر في الدنيا ثابت في القرآن الكريم، قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النحل:٩٧].

          وفضلًا عن مكافأة الدنيا فللابتلاء ثواب في الآخرة، ويكون الأجر حسب درجة الابتلاء، وليس المقصود هو الأجر على المصيبة بل على الصبر والرضا، لأن الأجر يترتب على الفعل المكتسب «وإن رضي بها ـ أي المصيبة كان له أجر الراضين، ولا يؤجر على نفس المصيبة لأنها ليست مني عمله فقد قال تعالى: ( ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ)[الطور:١٦]121.

          كما يكون الابتلاء بالفتن والمحن وسيلة لدخول الجنة، قال تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [آل عمران:١٤٢].

        7. اتخاذ الشهداء.

          أن الله سبحانه وتعالى هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته، لم تبلغها أعمالهم، ولم يكونوا بالغيها إلا بالفتن فقيض الله لهم الأسباب التي توصلهم إليها، ومن تلك المنازل «الشهادة» وقد رتب الله ذلك بعدما أوضح أن ذلك من حكم الابتلاء: (ﯖ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [آل عمران:١٤٠].

          أي: وليكرم فئة منكم بالشهادة ليمنحها عنده كرامة الشهداء ما دامت أعمارهم قد انتهت، وآجالهم قد حلت فلئن يموتوا شهداء خير لهم«122.

          وفي هذه الآية بيان الحكمة من ابتلاء المؤمنين بظهور الكفار يوم أحد فمنها تمييز أهل الإيمان والصبر، ومنها إدراك بعض المؤمنين الشهادةكما وضحت آية أخرىالحكمة من ابتلاء المؤمنين بالجهاد (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [محمد:٤].

          فقوله «ليبلو بعضكم ببعض» أي «فيصير من قتل من المؤمنين إلى الثواب، ومن قتل من الكفار الى العذاب»123، ثم بين بعد ذلك الثواب وهو الجنة التي عرفها لهم.

          ثانيًا: تمييز الخبيث من الطيب واختيار القيادات الراشدة:

          ١. تمييز الخبيث من الطيب.

          في الفتن وخصوصًا الفتن الجماعية تظهر معادن الناس وصفاتهم من الصبر والشجاعة والزهد والتواضع والثبات والكرم، مما يناقضها كالشح والجبن والجشع والكبرياء وغيره.

          وتنكشف حقيقة النفوس المدعية، فمدعي الإيمان والثبات قد يولي هاربًا ويتراجع عن كل شيء فتقام عليه الحجة.

          قال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [محمد:٣١].

          وفي الفتنة يثبت من عصمهم الله بالإيمان، فيتحملون الأمانة الكبرى، وبذلك يتم نفي الخبث عن الدعوة124، بأن يسقط المنافقون والمداهنون ويتنحون عن المؤمنين، وهؤلاء لا يجدون عند الناس إلا الاستخفاف، بينما يكبر في أعين الناس وقلوبهم أولئك المجاهدون المضحون في سبيل الدعوة، بل حتى في نظر خصومهم

          ومن حكمة الله تعالى عدم دخول المتكبرين المتطلعين إلى الزعامة في الإسلام ابتداءً، ولو دخلوا خلال الصف المؤمن لخذلوهم، وفرقوا بينهم.

          وهكذا فالجماعات تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث وتجمع قواها فيشتد عودها ويصلب، فلا يبقى صامدًا إلا أصلبها عودًا وأقواها طبيعة وأشدها اتصالًا بالله وهؤلاء هم الذين يسلمون الراية في النهاية125.

          وإن المحن تساعد على تنقية الصف المؤمن من أعدائه الباطنيين المتغلغلين بين صفوفه126، فقد يدخل الصف المؤمن وقت الرخاء من يتظاهر بالإسلام فيكون الابتلاء وسيلة لمعرفتهم ثم تنقية الجماعة المؤمنة منهم، وهذا ما حدث أثناء حروب الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة حيث حاول المنافقون تثبيط المسلمين عن الخروج للقتال، فقال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران:١٧٩].

          قال ابن كثير: «أي: لابد أن يعقد شيئًا من المحنة يظهر فيه وليه ويفضح به عدوه، يعرف به المؤمن الصابر والمنافق الفاجر، يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن الله به المؤمنين، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهتك به ستار المنافقين، فظهر مخالفتهم ونكولهم عن الجهاد وخيانتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم»127.

          وقيل: «أي ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من الاختلاط بالمنافقين حتى يميز بينكم»128.

          ونجد كثيرًا من الآيات تربط بين الفتنة الجماعية والنفاق،وذلك لأنهم حريصون على بث الفتن والمحن والشر بين المؤمنين كما أن هناك تلازمًا بين كلمتي الفتنة والنفاق129.

          وقد كشف القرآن عن صفات المنافقين كي لا ينخدع بهم المؤمنون، وذلك في سورة التوبة التي تظهر كيدهم حيث يقول تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [التوبة:٤٧-٤٩].

          كما يقول تعالى في نفس السورة: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [التوبة:١٢٥-١٢٦].

          يوضح تعالى حال المنافقين حين التعرض للفتنة والابتلاء واستعدادهم للكفر مع أنهم مع المسلمين يرون دلائل صدق النبوة ! وتمر الأعوام وهم يرون صدقه وخذلان أعدائه فلا يتعظون، مما يدل على فساد فطرتهم فلا يعظهم الابتلاء ولا يردهم الامتحان.

          يقول الشوكاني: «وأما الذين في قلوبهم مرض: وهم المنافقون فزادتهم السورة المنزلة رجسًا إلى رجسهم أي: خبثًا إلى خبثهم، الذي هم عليه من الكفر وفساد الاعتقاد فتشددوا فيه ورسخوه في أنفسهم واستمروا عليه إلى أن ماتوا كفارًا منافقين. و«يفتنون» يختبرون ويبتليهم الله سبحانه بالقحط والشدة وبالأمراض والأوجاع أو بأمرهم بالغزو والجهاد مع النبي «ثم لا يتوبون» بسبب ذلك «ولا هم يذكرون» وهذا تعجيب من حال المنافقين وتصلبهم في النفاق«130.

          ومن الأمور التي كشفها الله من أعمال المنافقين مسجد ضرار الذي بناه المنافقون قرب مسجد قباء، والذي أرادوا به فرقة المسلمين.

          وبعد أن ذكرت الآيات العشر الأوائل من سورة العنكبوت أنواعًا للفتن التي يواجهها المؤمنون، قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [العنكبوت:١١].

          أي: ليكشف المؤمنين الذين صدقوا بالجهاد والصبر من ضعفاء الإيمان والمنافقين، فالبلايا كواشف، فما كانت الفتنة إلا ليتبين الذين آمنوا ويتبين المنافقون.

          ٢. اختيار القيادات الراشدة.

          وتمر بمراحل أهمها:

        1. الإيقاظ من الغفلة.

          إن الفتن التي تصيب العبد قد تصاحبها هزة وجدانية تجعله يتيقظ ويستدرك أخطاءه وخصوصا لمن شغلته الدنيا عن الآخرة، فيفيق بالفتن وبذلك يقول ابن ناصر الدمشقي: «ومن فوائد الابتلاء مقت الدنيا لأنكادها وبعث النفس على العمل ليوم معادها، فإنه إذا تفكر في ذهاب أحبابه علم أنهم شربوا بكأس لا بد له من شرابه»، ويقول: «تيقظ المبتلي من غفلته، وطيب نفسه ببره وإخراج صدقته»131.

          ويجعلها ابن قيم الجوزية أول منازل العبودية فاليقظة: «وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين، ولله ما أنفع هذه الروعة أو ما أعظم قدرها وخطرها! وما أشد إعانتها على السلوك وكأنها هي القومة لله المذكورة في قوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [سبأ:٤٦].

          فالقومة لله هي اليقظة من سنة الغفلة وأول أنوارها: لحظ القلب إلى النعمة على اليأس من عدها والوقوف على حدها والتفرغ إلى معرفة المنة بها، والعلم بالتقصير في حقها»132.

          وتتبع اليقظة خطوات أولها إعمال الفكر إلى الوجهة المطلوبة، فإذا استحكمت يقظته أوجب له الفكرة، وإذا صحت فكرته أوجبت له البصيرة من إدراك الوعد والوعيد، والبصيرة تنبت في القلب الفراسة الصادقة التي تفرق بين الحق والباطل، فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل) ثم قرأ (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)[الحجر:٧٥]133.

          ثم بعد ذلك يأخذ في القصد والعزم134.

          ويكون من ثمرات اليقظة من الغفلة أن يحصل أمران:

          الأول: الحذر من الشيطان وكيده، وأغراء الشيطان يكون للفرد وللجماعة الغافلة فكثير من الفتن التي حولنا لا نجد لها تفسيرا إلا تحريض الشيطان، ولعل الواقع المرير ومصائبه أيقظت الكثير من الغافلين ولا يعصمهم منه إلا اللجوء إلى الله والاعتصام بشرعه.

          والثاني: حصول التوبة: ومن ثمرات اليقظة من الغفلة أن يتعرف الإنسان على ذنبه فيتوب منه، والفتن والمحن طريق لذلك:

          يقول ابن قيم الجوزية: «فالتوبة جامعة لمقام المحاسبة ومقام الخوف، لا يتصور وجودها بدونهما».135

        2. تقوية الصف المسلم.

          وذلك عند الخروج من الفتن بتعميق المحبة بينهم بعد تنقية صفهم من الأعداء فيخرج قويًا متماسكًا يصعب اختراقه وهدمه. فالابتلاء يؤلف بين القلوب ويتأسى بعضهم ببعض فتزداد المودة، لأن جو الفتن قد يسوده التراحم والتعاطف حين يرى بعضهم عنت البعض الآخر. والشدائد تزيد الجماعات تماسكا واقترابًا، وقد شبه بعض الدعاة الجماعات حين تعرضها للابتلاء بقطعة الاسفنج التي كلما زاد الضغط عليها قل حجمها وتقاربت أجزاؤها وطردت الهواء من فجواتها، فالصف المسلم يقل عدده لكنه يشتد صلابة لأنه فرغ من أصحاب الأفئدة الهواء»136.

          ويترتب على ذلك فوائد منها:

          • إغاظة الأعداء: ولا شك في أن خروج المسلمين من محنهم ثابتين أقوياء في عقيدتهم وأصلب تماسكًا رغم ما أصابهم، فيه إغاظة للمشركين وكل أعداء الصف المؤمن.
          • ظهور القدوة الحسنة والقيادة الراشدة: فحين تظهر الفتنة أناسا صابرين، وينالون من المكافأة والرفعة عند الله فسيكونون قدوة لغيرهم، ومثل ذلك في بقية الشيم التي تظهر في الفتنة فلا زال شهداء الأمم من الرعيل الأول قدوة للمسلمين يذكرون صبرهم عند الشدائد وفي مقارعة الأعداء سواء في معارك الأعداء أو المعارك الفكرية، فمن ذلك من صمد في محنة العقيدة كالإمام مالك وابن تيمية والغزالي، وغيرهم كثير هم قدوة ومنارة يهتدى بها على الطريق الصحيح، قال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [التوبة:١١١].

            وبعد ظهور القيادات الراشدة واختيارها يحصل التمكين للأمة، الفتن وسيلة تربوية للإعداد وترسيخ الإيمان، والتحلي بالصبر وكظم الغيظ، وذلك لأخذ الأهبة والاستعداد لأداء الأمانة رحمة من الله بالجماعة وتعهده لها بالرعاية، واعداد الخلف من بعدهم، وعلى هذا نرى الرعيل الأول الذي تخرج من مدرسة الأنبياء يقومون بأعباء الدعوة بعد أن ورثوا تركتها الثقيلة حيث أدخلهم الله مدرسة الابتلاء مع أنبيائهم مسخرأ أعداءه ليربي بهم أولياءه ليعدهم لحمل الأمانة

            وعلى هذا فالابتلاء يسبق التمكين حيث تمتحن الجماعة المؤمنة حتى يكون من يستخلفهم الله أقوياء أمناء لا يخونون ولا يفرطون، فيوسف عليه السلام يخرج من السجن ليتبوأ على عرش مصر وخزائنها، ومع ذلك يظل مراقبًا لربه يجوع يومًا ويشبع يومًا، وهنا يتجلى الفارق بين من يخرج من السجن ليتولى الحكم، ومن يخرج من الحكم إلى السجن وهم كثير.

            ويندرج تحت هذه حكمة الله في ابتلاء هذه الأمة حيث لم يبتل أمة كما ابتليت أمة الإسلام بأعدائها لوعده تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) فالشهادة على الناس تكون من التمكين، والاجتباء للأمة لتبليغ رسالة الإسلام كما إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اجتباه الله لتبليغ الناس ولا يصلح لمثل ذلك إلا بعد التمحيص بأنواعه، قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الحج:٧٨].

            «والظاهر أن الأمر بالجهاد في هذه الآية يبرز فيه بوضوح جهاد الدعوة لا جهاد القتال»137.

            سبل النجاة من الفتن

            أولًا: الدعاء والصبر:

            ١. الدعاء مع الفتنة.

            إن اللجوء إلى الله بالذكر والدعاء في أيام الفتن من أقوم السبل للنجاة منها كبيرها وصغيرها، ففتنة زينة الدنيا وشهواتها تصد العبد عن ربه وتوصله للغفلة، فلا بد من لجوئه إلى ىالله أن يصرف عنه فتنتها، ومن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم (وأعوذ بك من فتنة المحيا)138.

            ولما كان الأولاد والأزواج من أعظم فتن الدنيا كما مر، نجد القرآن الكريم إن من صفات عباد الرحمن الدعاء بأن يجعلهم قرة عين كما قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الفرقان:٧٤].

            والدعاء من عدو الإنسان الأول: ( ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [المؤمنون:٩٧-٩٨].

            وفي فتنة لقاء العدو وقتال الكفار ذكر القرآن الكريم دعاء أصحاب طالوت ( ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [البقرة:٢٥٠].

            ومن أمثلة الدعاء من فتنة الدين دعاء أصحاب الكهف حين لجوءهم إليه (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الكهف:١٠].

            وذكر الله والتماس العون منه مع الأخذ بالأسباب والتوكل على الله في حصول نفعها، فقد قال تعالى حاكيًا عن ابراهيم الخليل عليه السلام (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الشعراء:٨٠].

            ويلاحظ فيها أدبه مع الله بنسبة المرض لمن وقع عليه ونسبة الشفاء لله، والرقى من القرآن والأدعية المأثورة من أنفع الأسباب في التطبب، وقد صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ابتلاء أيوب عليه السلام بمرضه أعظم أسوة، وقد حكى عنه القرآن قوله: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الأنبياء:٨٣].

            ويلاحظ التلطف في دعائه حيث اكتفى بتقرير حاله واظهارعجزه وحاجته بأوجز وأوضح معنى، فكانت الإستجابة (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الأنبياء:٨٤].

            وللدعاء أثر كبير في مواطن الاضطرار في صرف البلاء، قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النمل:٦٢].

            والتماس العون من الله دليل التوكل عليه قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الطلاق:٣].

            فإذا علم الله من العبد صدق التوجه هيأ له الأسباب للخير ما لم تكن في حسبانه.ومن الأمور التي تعين على الصبر ذكر الله تعالى، بالدعاء في مواطن الشدة، ولنا في أصحاب فرعون السحرة مثلًا حين عرفوا الحق فآمنوالم يرهبوا وعيد فرعون، بل لجأوا إلى الله ليثبتهم(ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأعراف:١٢٦].

            ٢. الصبر عند الفتنة.

            إذا كان الصبر واجبًا تجاه الابتلاءات الفردية، فهو آكد في مجال الفتن والمحن العامة لأن نفعه وعاقبته يعود على الأمة جمعاء، حيث يكون من أعظم الأسلحة النافعة للثبات وعدم التخبط، ومن ثم النهوض، وإخراج الأمة من جديد وإلا فعند عدمه يقع ما هو أكبر منه.

            للصبر أهمية في تربية النفوس ليكون بها من قوة الإيمان ما تواجه به فتنة السراء والضراء كما قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الحديد:٢٣].

            بعد أن بين إن ما يصيب الإنسان من الله وقدره، قال الشوكاني: «أي أخبرناكم بذلك لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا، ولا تفرحوا بما أعطاكم منها فإن كل ذلك يزول عن قريب، وكل زائل عن قريب لا يستحق أن يفرح بحصوله ولا يحزن على فواته»139، «وقيمة هذه الحقيقة في النفس البشرية أن تسكب فيها السكون والطمأنينة عند استقبال الأحداث خيرها وشرها فلا تجزع الجزع الذي تطير به شعاعًا وتذهب معه حسرات عند الضراء، ولا تفرح الفرح الذي تستطار به وتفقد الاتزان عند السراء»140.

            وإذا كانت الفتنة تدعو إلى الحرص على الجماعة التي هي خير من العزلة فإن ذلك مجاهدة تحتاج إلى صبر ومصابرة للقيام بمهمة الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

            والصبر مطلوب في كل فتنة وفي كل مجال فالصبر على الطاعة والصبر على المعصية في زمن انتشار المفاسد والمعاصي وخصوصًا في زماننا هذا حيث تفشي المنكرات والمجاهرة بالفسق والفجور حتى أصبح الماسك على دينه كالقابض على الجمر، فكلما زادت هذه الفتنة وواجهها الإنسان بالصبر زاد أجره وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمانٌ الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر)141.

            ومن الفتن العامة التي تحتاج إلى الصبر مايلاقيه الدعاة إلى الله قديمًا وحديثًا، فطريق الدعوة شاق طويل كثير المتاعب فلذا يحتاج إلى همة عالية وصبر شديد، لأن الداعية يطلب من الآخرين تغييرًا قد لا تطيقه نفوسهم كتجردهم من الأهواء والشهوات والوقوف عند حدود ما أمر الله به.

            ولا شك أن الداعية يثقل عليه إعراض الناس، ولكن ربما التحديات تزيده صلابة وهذا شأن أولياء الله، وإعراض الكثير عن دعوة المرسلين سنة لا تتغير.

            قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)[فصلت:٤-٥].

            ويدعو القرآن للصبر تجاه المعرضين، لأن محنة الداعية قد تتعدى وتتجاوز القول إلى الفعل وهو أمر قديم وحديث (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [آل عمران:١٨٦].

            والآية وصفت الأذى المسموع بالكثرة، وهو الحرب الكلامية على أهل الإيمان من التشويه والتشويش والإفتراء والتحريف فلا بد من إحتمالها بالصبر والتقوى التي لا بد منها، فالصبر للثبات في وجه الباطل والتقوى للتعفف من مقابلة الخصم بأسلحته الخبيثة، كما قرن تعالى بين أهل الكتاب والمشركين لإتفاقهم على عداوة الإسلام142.

            ومن مجالات الصبر في فتنة الأمة استبطاء النصر وهي فتنة عظيمة، فالله تعالى وعد المتقين بالنصر بعد الصبر وكتب لهم التمكين في الأرض ليكون الدين كله لله، وهذه المنزلة لا يبلغها المؤمنون سريعًا إلا بعد الشدائد حين تزيغ الإبصار وتبلغ القلوب الحناجر (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [البقرة:٢١٤].

            فقولهم: متى نصر الله؟ استبطاءً له واستعجالًاوكلما اشتد الكرب كان الفرج قربيًا فجاءهم الجواب بأن النصر قريب حين نجحوا في الابتلاء، ومثل ذلك قوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [يوسف:١١٠].

            ومع اشتداد الفتن يحتاج العبد إلى مزيد من الصبر والمجاهدة ضد الشيطان كي لا يقنطه ولا يسخطه ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي فيدع الدعاء)143.

            والصبر مطلوب عند البأس وملاقاة العدو، لأن الفرار كبيرة، فالصبر هنا شرط أساسي للنصر.

            قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:١٧٧].

            «وإنما نصب الصابرين على المدح والحث على الصبر في هذه الأحوال لشدته وصعوبته»144.

            وذلك لأن المفاجآت في الحروب تحتاج إلى صبر وثبات فقد يختل الصف بسبب الإشاعات المثبطة للهمم وهو ما سمي حديثًا ب(الحرب النفسية) فلذلك قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [آل عمران:١٣٩].

            وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرًا)145.

            وفتن الحروب لا تخص المقاتلين وحدهم بل تعم الأمة بالبلاء وربما تجتمع الابتلاءات فيها من الخوف والجوع ونقص الأنفس والثمرات.

            والصبر على الأخوة في الله للحفاظ على بنيان المجتمع وتقوية روابط المحبة أمر مهم، فلا تقابل الإساءة بالإساءة فيكون عونًا للشيطان بل تقابل بالصبر والحلم بأن يدرأ بالحسنة السيئة فيعود المخطأ إلى صوابه.

            يقول تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ )[فصلت:٣٤-٣٥].

            ونحن في زمن الفتنة وتكالب الأعداء ما أحوجنا لذلك بأن يصبر المسلم على زلة أخيه وأن يحتسب ذلك لله

            فقد أخبر الله أن الصبر يورث درجة الإمامة فقال: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [السجدة:٢٤].

            «أي: جعلناهم أئمة لصبرهم على مشاق التكليف والهداية للناس»146.

            وإذا كان الصبر مثابًا عليه في كل مجالاته فهو عند وقوع الفتن والاختلاف والأهواء أكثر ثوابًا وذلك بإسداء النصح والأمر بالمعروف الذي يحتاج إلى معاناة كبيرة في مثل تلك الظروف يدل عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ائتمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر حتى إذا رأيتم شحًا فإن من ورائكم أيام الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجل يعملون مثل عملكم)147.

            والصبر كله خير وبه يستعان على كيد الأعداء والمتربصين بالأمة كما قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)[آل عمران:١٢٠].

            ثانيًا: الالتزام بهدايات الوحي وتجنب العجب والغرور:

            ١. الالتزام بهدايات الوحي.

            بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم انه لا سلامة من الفتن كلها إلا بالتمسك بهدايات الوحي وهما الكتاب والسنة، والأدلة على ذلك من القران الكريم كثيرة، فإذا أردنا النهوض بالأمة من جديد في عصر تلاطمت فيه الفتن فلا بد من دراسة ظروف ميلادها الأول، عند ذلك ندرك أهمية الاهتداء بالكتاب والسنة وتطبيقات السيرة في عملية البعث الإسلامي أو إخراج الأمة ونهوضها من جديد.

            والاعتصام بالكتاب والسنة جاء ضمنًا في سياق الأمر بطاعة الله ورسوله بأسلوب الترغيب حيث رتب الرحمة عليها والثواب فقال تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [آل عمران:١٣٢].

            وقال كذلك: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النساء:٦٩].

            وحذر تعالى من عدم الطاعة فقال: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [المائدة:٩٢].

            ومن متممات الطاعة رد الحكم لله والرسول قرانا وسنة في الأمر كله، ولا نجاة للأمة إلا بإتباعهما، فهما المصدران الأساسيان وفيهما المنهج الكامل للحياة فمتى ما عصفت بالأمة الفتن علم أنها زاغت عن الطريق وحادت عن المنبع الأصلي، وبعدت عن هذين المصدرين و ما عليها إلا الرجوع إليهما

            وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم أمرين لا تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله و سنة نبيه)148.

            وفي حديث آخر قال: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)149.

            وقد وعظ الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقيل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا فقال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، و إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجد، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)150.

            فالرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد بمثل هذه الأحاديث أن جميع الفتن عائدة إلى اختلال في تطبيق هذين المصدرين، وإن الاكتفاء بواحد منها لا يكفي لأن السنة شارحة وموضحة ومقيدة للكتاب، فضلًا عن أحكام مضافة في السنة فالادعاء بالاكتفاء بالقرآن كما ذهب إلى ذلك فرق مبتدعة قديمًا وحديثًا ـ ضياع للقرآن وللإسلام وانحراف عنهما.

            كما يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك إلى الاقتداء بالخلفاء الراشدين المهديين من بعده، لأن عصورهم شهدت تطبيقًا حيًا للقران والسنة.

            ويلاحظ كذلك من الأدلة أن الالتزام والاعتصام بالكتاب يعني التطبيق الكامل لهما، وليس الاقتصار على النسك والعبادة وبعض المظاهر، والعودة إلى الشريعة تقتضي ذلك وفي جميع نواحي الحياة، ولذلك فإن جميع ما سنذكره من الضوابط اللاحقة عائدة إلى هذا الأصل وهو الاعتصام بالكتاب والسنة. وبما أن القرآن حذرنا من فتنة عامة فقال: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الأنفال:٢٥].

            بعد أن أمر بالاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم إذن فالعودة ـ استجابة للرسول ـ ترفع عنا الفتن و المحن.

            ومن ثمرة الالتزام بهذا الضابط مواجهة الفتن والابتلاءات بخلق إسلامي نتعلمه من الكتاب والسنة، فمن ذلك التزام الرفق و التأني والحلم و الحكم بالعدل151.

            وبسبب الابتعاد عن اتباع منهج الكتاب والسنة حدثت الفتن في ماضي المسلمين وحاضرهم و ازدادت كلما ابتعدوا حتى غدت النكبات والمحن نصيب المسلمين، وإذا تدبرنا الأمر نجد مرد ذلك للتقصير في كثير من الفرائض والسنن التي أدت إلى تخاذل المسلمين وطمع الاعداء فيهم، ولا بد من إحياء فريضتيين مهمتين اقصيت من حياة المسلمين و لا بد من الالتزام بها في مواجهة الفتن و المحن و هما: إحياء رسالة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، وإحياء فريضة الجهاد و إعداد القوة.

            ٢. تجنب العجب والغرور والكبر.

            من العواصم من الفتن وخصوصا الفتن الاجتماعية تجنب العجب والغرور لأنهما داءان مهلكان يظهر أثرهما في أعمال تصدر وتسيء للآخرين، ولذلك فقد ذم الله الكبر والمتكبر بأنه مصروف عن الحق فقال: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الأعراف:١٤٦].

            كما نهت عنه أحاديث كثيرة لأنه من الصفات الخاصة بالله سبحانه وتعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدة فيهما ألقيته في جهنم ولا أبالي)152.

            والتكبر درجات أعلاها وأهلكها التكبر على الله سبحانه وتعالى بدافع الجهل والطغيان مثل فرعون، ثم التكبر على الرسل وعدم طاعتهم، ثم التكبر على العباد بأن يعظم نفسه ويستحقر غيره، وكان الكبر والعجب سببا ودافعا لكل المناهضين والمكذبين للأنبياء عليهم السلام، وخاصة زعماء قريش.

            كما أن العجب مذموم في كل الحالات ومنها الحرب، وكان سببا في تراجع جيش المسلمين في بداية معركة حنين، قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)[التوبة:٢٥]153.

            وقد يعجب الإنسان بنفسه وهو مخطئ، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ مهلكات شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه)154.

            وقد يكون العجب بالنفس، وبالمـال، وبالأتبـاع والأولاد والعشيرة، وبالقوة، وبالنسب، وبالرأي والعلم - وقيل: آفة العلم الخيلاء - وبالعمل والعبادة.

            والكبر والعجب يورث بعضهما البعض، ويورثان الغرور، فتظهر آفة الكبر في إعجاب المرء بنفسه وتعاليه، كما أن العجب يورث التكبر ويؤدي إلى الطغيان والتجبر، وكلاهما يسبب الخصام والحسد والبغضاء لأن العجب يظهر في التفاخر، واستجهال الناس، والاستبداد بالرأي والسفه عليهم155، ومن ثم سخط الله سبحانه وتعالى وعقوبته، فقد قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)[النحل:٢٣]156.

            وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبرٍ)157.

            وفي آخر: (قالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين)158.

            [انظر: الابتلاء: المعينات على اجتياز الابتلاء]

            موضوعات ذات صلة:

            الابتلاء، الأذى، الاستهزاء، الإكراه، الثبات


1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٤٧٢.

2 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/٢١٧٥.

3 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٩/٢٩٨.

4 انظر: النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير ٣/٤١٠، فتح الباري، ابن حجر ١٣/٢٣، لسان العرب، ابن منظور ١٣/٣١٨.

5 تهذيب اللغة ١٤/٢٩٦.

6 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٣/٣١٧.

7 التعريفات، الجرجاني ص٢١٢.

8 فتح الباري، ابن حجر ١١/١٧٦.

9 انظر: المعجم المفهرس الشامل لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الفاء، ص٨٦٥-٨٦٦.

10 انظر: الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، مقاتل بن سليمان، ص٦٣-٦٥، الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٣٦٤-٣٦٥.

11 انظر: الصحاح، الجوهري ٦/٢٢٨٥.

12 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١٢٤٧.

13 انظر: العين، الفراهيدي ٣/٦، المصباح المنير، الفيومي ص١٤٣.

14 مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/١٥-١٧ بتصرف.

15 التعريفات، الجرجاني ص٨٩.

16 الكشاف ٣ /١١٦.

17 مختصر تفسير ابن كثير، الصابوني، ٢/٥٠٧.

18 المفردات، الأصفهاني، ص٦١.

19 انظر: الصبر في القرآن الكريم، يوسف القرضاوي، ص٤٢.

20 إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي ١/٧.

21 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، ٣/٢٢٩٥، رقم ٢٩٩٩.

22 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٣٧٨.

23 انظر: مختصر تفسير ابن كثير، الصابوني، ٣/٢٢٤، في ظلال القرآن، سيد قطب ٢٤/٣٠٥٦.

24 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/٣١٧- ٣١٨.

25 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٠/٢١٣، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٠/١٨١.

26 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب ما جاء أن فتنة هذه الأمة في المال، ٤/٥٦٩، رقم ٢٣٣٧.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٣٠، رقم ٢١٤٨.

27 أخرجه الدارمي في سننه، المقدمة، باب فضل العلم والعالم، ١/٨١، رقم ٣٣٨.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٢٥، رقم ٦٦٢٤.

28 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثًا، ١/٧٢٥، رقم ١٠٤٨.

29 انظر: السياسة المالية في الإسلام، الخطيب، عبد الكريم، ص ٤٦- ٤٧ ط٢ دار الفكر العربي، القاهرة، ١٩٧٦م.

30 انظر: تلبيس إبليس، ابن الجوزي، ص ١٧١-١٧٧.

وقد رد على استدلال الحارث المحاسبي والذي تابعه فيه أبوحامد الغزالي بحديث أبي ذر مع كعب الاحبار عند موت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وقال إن الحديث غير صحيح لأن أبا ذر توفي سنة ٢٥هـ وعبدالرحمن بن عوف توفي سنة ٣٢هـ.

31 أخرجه أحمد في مسنده، ٤/١٩٧.

وصححه الألباني في تعليقه على المشكاة، رقم ٣٧٥٦.

32 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب ما جاء أن فتنة هذه الأمة في المال، ٤/٥٦٩، رقم ٢٣٣٧.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٣٠، رقم ٢١٤٨.

33 الإسلام وأوضاعنا الإقتصادية، محمد الغزالي، ص ١٥٤.

34 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٩/٥٦١، رقم ١٨٠٣١، والترمذي في سننه، أبواب الزهد، باب ما جاء مثل الدنيا.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٨، رقم ٣٠٢٤.

35 انظر المفردات، الراغب ص ٧٢٧.

36 مختصر تفسير ابن كثير، الصابوني ٣/١٣٢-١٣٣.

37 انظر الإسلام وأوضاعنا الإقتصادية، الشيخ الغزالي، ص٤٤-٥٧.

38 الكشاف، الزمخشري ٢/٦٥٤.

39 ويطلق في الاصل على سرقة غنائم الحرب قبل أن تقسم على المجاهدين من قبل الحاكم.

40 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «من غشنا فليس منا»، رقم ١٦٤، ١/٩٩.

41 الحلال والحرام في الإسلام، القرضاوي، ص ٢٣٨.

42 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأقضية، باب في كراهية الرشوة، ٢/٩، رقم ٣٥٨٠، والترمذي في سننه، أبواب الأحكام، باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم، ٣/٦٢٢، رقم ١٣٣٦، وابن ماجه، كتاب الأحكام، باب التغليض في الحيف والرشوة، ٢/٧٧٥، رقم ٢٣١٣.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩١٠، رقم ٥١١٤.

43 انظر: النظرية الإقتصادية في الإسلام، فكري أحمد نعمان، ص ٢٩٤.

44 انظر: إحياء علوم الدين، الامام الغزالي، ٢/١١٧.

45 أخرجه الترمذي في سننه، كتاب صفة القيامة، باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص ٤/٩٥ رقم ٢٥٣٢ وقال: هذا حديث صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٢٢١، رقم ٧٣٠٠.

46 السياسة المالية في الإسلام وصلتها بالمعاملات المعاصرة، عبد الكريم الخطيب، ص٢١٢.

47 انظر بعض هذه الاسس في: السياسة المالية في الإسلام، الخطيب، عبد الكريم، ص ٢١٢، وانظر: مشكلة الفقر وسبل علاجها في ضوء الإسلام، عبد الرحمن آل سعود، ١/٢٤٦-٢٥٢.

48 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، ١/٧٠٣ رقم ١٠١٥.الدارمي، كتاب الرقاق، باب في أكل الطيب، ٥/٦٠٨ رقم ٢٧٢٠.

49 أخرجه معلقًا البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، ٧/١٤٠، ووصله ابن ماجه في سننه، كتاب اللباس، باب إلبس ما شئت ما أخطأك سرف أو مخيلة، ٢/١١٩٢، رقم ٣٦٠٥. وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٣٠، رقم ٤٥٠٥.

50 انظر: الإنفاق وأثره في بناء شخصية المسلم، أحمد محمد عبد الخالق، حيث ذكر ثمانية آثار وهي:١- انه يربي المسلم على الثقة بالله،٢- الثقة في وعده بالمضاعفة الى سبعمائة ضعف، ٣-على الصدق مع الله، ٤- على تزكيــة النفس وتطهيرها من الشـــح والبخل، ٥- على تحري الحلال، ٦- الإحساس بالاخرين، ٧- على الإخلاص،٨- الاستعداد للقاء الله، بحث منشور في مجلة الخيرية العدد٦٨ رجب ١٤١٦هـ -السعودية ص ٢٤-٢٧.

51 انظر: الحلال والحرام في الإسلام، أحمد عساف، ص ٢٩٢.

52 المصدر السابق ص ٢٦٣.

53 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة التغابن، ٥/٤١٩، رقم ٣٣١٧.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

54 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرضاع، باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، ٢/١٠٩٠ رقم ١٤٦.

55 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب أكثر أهل الجنة..وبيان الفتنة بالنساء ٣/٢٠٩٨ح ٢٧٤٥.

56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم النساء، ٦/١٢٤، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وبيان الفتنة بالنساء، رقم ٢٧٤٠- ٢٧٤١، ٣/٢٠٩٧.

57 الكشاف، الزمخشري، ٢/٢١٣ - ٢١٤

58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، رقم ١٦، ١/١٤.

59 مختصر تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، الصابوني، ٣/ ٥١٠.

والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ٢/٥٣٢، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

60 الكشاف، الزمخشري، ٤/٥٥٠.

61 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الهبات، باب كراهية تفضيل بعض الأولاد في الهبة، ٢/١٢٤٢، رقم ١٦٢٣.

62 إحياء علوم الدين، الإمام الغزالي، ٣/٤٣٢، مختصر منهاج القاصدين، ابن قدامة المقدسي ص ٢٧٠.

63 إتحاف السادة المتقين، الزبيدي، ٨/١٤١.

64 راجع إحياء علوم الدين، الغزالي ٣/٢٧٦.

65 النظام السياسي الإسلامي مقارنًا بالدولة القانونية، منير حميدالبياتي ص٢٠٩.

وانظر: الحاكم وأصول الحكم، صبحي عبد سعيد ص٤٧-٥٠.

66 انظر: النظام السياسي الإسلامي، منير حميد البياتي، ص٢٤٠.

67 فصلت كتب السياسة الشرعية حقوق وواجبات الحاكم كالماوردي، والأحكام السلطانية، أبو يعلى وابن تيمية والشهرستاني، وابن خلدون، وعبد الوهاب خلاف وانظر: فقه المسؤولية في الإسلام، لعلي عبد الحليم محمود، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، ١٩٩٥، ص٢٥٠-٢٧٧.

68 تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والإجتماعي، حسن إبراهيم حسن، ط٧، مكتبة النهضة المصرية، ١٩٦٤، ١/٤٦٤.

69 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب تأويل قوله تعالى: (من بعد وصية...)، ٣/١٨٩، ومسلـم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، ٢/١٤٥٩.

70 الحريات العامة في الدولة الإسلامية، راشد الغنوشي ص٢٧.

71 انظر: تاريخ المذاهب الإسلامية، أبو زهرة، محمد، ١/٢٨.

72 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الفتن، باب ما جاء في الأئمة المضلين، ٤/٥٠٤، وابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب ما يكون من الفتن، رقم ٣٩٥٢.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٦٤، رقم ١٧٧٣.

73 أخرجه أحمد في مسنده، ١/٢٨٩، رقم ١٤٣.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٣٩.

74 انظر: النظام السياسي الإسلامي، منير حميد البياتي، ص١٦٣-١٦٤.

75 ديوان محمد هانئ الأندلسي، تحقيق محمد اليعلاوي ص١٨١.

76 فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، ٥/٩٥.

77 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، ٣/١٩٩٤، رقم ٢٥٧٧.

78 السنن الإلهية، عبد الكريم زيدان، ص١١٥.

79 النظام السياسي الإسلامي مقارنا بالدولة القانونية، منيرحميد البياتي، ص١٤٩-١٥٠.

80 مفاتيح الغيب، الرازي، ١٨/٧٦.

81 انظر: الفتنة وموقف المسلم منها، عبد الحميد السحيباني، ٢١٣-٢١٦.

82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب التعوذ من الفتن،رقم ٦٠٠١، ٥/٢٣٤٠، وباب الحيس ٥١٠٩ ٥/٢٠٦٩.

83 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء ٢٩٠٨، ٤/٢٢٣١ـ٢٢٣٢..

84 أخرجه البخاري في الأدب المفرد، رقم ٣٠٠، والترمذي في سننه، أبواب الزهد، ٤/٥٧٤، رقم ٢٣٤٦.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠٤٤، رقم ٦٠٤٢.

85 أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة، ٢/٢٢٨-٢٢٩، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه ووجد مؤونته، ٢/١٠١٨، رقم ١٤٠٠.

86 أخرجه أحمد في مسنده، ٣١/١٠، رقم ١٨٧١٥، والترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب في فضل مكة، ٥/٧٢٢، رقم ٣٩٢٥، وابن ماجه في سننه، كتاب المناسب، باب فضل مكة، ٢/١٠٣٧، رقم ٣١٠٨.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٩٢، رقم ٧٠٨٩.

87 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة، ٥/٦٦، رقم ٣٩٢٦.

88 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، ٥/٥٢٨، رقم ٣٥٠٢.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٧٢، رقم ١٢٦٨.

89 انظر مفاتيح الغيب، الرازي ٥/١٤١.

90 جامع البيان، الطبري، ٢/٣٦١.

91 انظر، الابتلاء في الدعوات، عبد القادر أبو فارس، ص٤١ -٨٩.

92 انظر: فقه الفتن، الأدريسي ص٣١٧.

93 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في صلاة العتمة، رقم ٤٣٣٣.

وصححه الألباني في تعليقه على المشكاة، رقم ١٢٥٣.

94 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة، رقم ٥٥٢، ١/١٥١.

قال النووي في المجموع ٤/١٩١: إسناده صحيح أو حسن.

95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ستر المؤمن على نفسه، رقم ٥٧٢١، ٥/٢٢٥٤، ومسلم في صحيحه، كتب الزهد والرقائق، باب ستر المؤمن على نفسه، رقم ٢٩٩٠، ٤/٥٥٩١.

96 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٦/٤١٥.

97 مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٨/١٦٥- ١٦٧.

98 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب ذم من مات ولم يغزو،. رقم ١٩١٠، ٣/١٥١٧.

99 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب حديث كعب، رقم ٤١٥٦، ٤/١٦٠٣، ومسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه، رقم ٢٧٦٩، ٤/٢١٢٠.

100 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله: (فاذهب أنت وربك فقاتلا)، ٦/٥١، رقم ٤٦٠٩.

101 أخرجه أبو داود في سننه، أبواب الإجارة، باب في النهي عن العينة، رقم ٣٤٦٢، ٣/٢٧٤.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/١٣٦، رقم ٤٢٣.

102 معالم التنزيل ١/٣٩١.

103 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، رقم ٢١٦٧، ٤/٤٦٦.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٧٨، رقم ١٨٤٨.

104 الكشاف، الزمخشري، ص٣٩٤-٣٩٥

105 أخرجه أحمد في مسنده، ٥/١٨٣.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم ٤٠٤.

106 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثر المسائل بدون حاجة، ٣/١٣٤٠، رقم ١٧١٥.

107 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الفتن، باب سترون بعدي أمورا، ٢/٨٧، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، رقم ١٨٤٨، ٢/١٤٧٦.

108 أخرجه أحمد في مسنده، ١٠/٣٠٨، رقم ٦١٦٦.

وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٢/٧٥١، رقم ٩٨٤.

109 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب رحمة الناس بالبهائم، ٧/٧٧-٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم، ٣/١٩٩٩، رقم ٢٥٨٦.

110 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من الإيمان أن يحب، رقم ١٣، ١/١٤.

111 أخرجه أحمد في مسنده، ٣٧/٥١٧، رقم ٢٢٨٧٧.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٣٠، رقم ٦٦٥٩.

112 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغصب، باب لا يظلم المسلم المسلم، رقم ٢٣١٠، ٢/٨٦٢، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، رقم ٢٥٨٠، ٤/١٩٩٦.

113 أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، رقم ٤٦٧، ١/١٨٢.

114 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة، والنسائي في السنن الكبرى، رقم ٩١٧٥، ٥/٢٨٤.

وصححه الألباني في الإرواء، ٦/٢١٥.

115 الكشاف، الزمخشري، ٣/٤٣٩.

116 معالم التنزيل، البغوي ٥/٩٧.

117 مختصر ابن كثير، الصابوني ٣/٣٠.

118 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب علامات النبوة، ٦/٦١٩، رقم ٣٦١٢.

119 زبدة التفسير من فتح القدير، الأشقر، ص٨٥.

120 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى والطب، باب ما جاء في كفارة المرض، ٧/١١٤، رقم ٥٦٤١.

121 فوائد البلوى، العز بن عبد السلام، ص١٥.

122 بصائر المسلم المعاصر، الميداني ص ٣٨٦.

123 معالم التنزيل، البغوي ٦/١٧٥.

124 انظر: فقه السيرة النبوية، منير محمد غضبان، ص١٩١.

125 انظر: الظلال،سيد قطب، ٥/٢٧٢١.

126 الابتلاء والمحن في الدعوات، أبو فارس محمد عبد القادر، ص١٣٧.

127 مختصر تفسير ابن كثير، الصابوني، ١/٣٤٠.

128 زبدة التفسير، الأشقر، ص ٩٢.

129 انظر: الفتنة وموقف المسلم منها، عبد الحميد السحيباني، ص٣٧٥.

130 زبدة التفسير، الأشقر، ص٢٦٤.

131 برد الأكباد، ابن ناصر الدمشقي، ص٦٨.

132 تهذيب مدارج السالكين، عبد المنعم صالح، ص١٠١.

133 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب من سورة الحجر، ٥/ ٢٩٨، رقم ٣١٢٧.

134 انظر: تهذيب مدارج السالكين، عبد المنعم صالح ص١٠١-١١١.

135 المصدر السابق ص١١٥.

136 انظر: الجوانب المشرقة للابتلاء، إبراهيم حجازي، مجلة المجتمع، العدد، ١٢١٩، ١/١٠/١٩٩٦، الكويت ص٥٨.

137 بصائر المسلم المعاصر، عبد الرحمن حبنكة، ص ٣٩١.

وانظر: معالم التنزيل، البغوي، ٥/٢٩.

138 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب التعوذ من المحيا والممات، رقم ٦٣٦٧، ١١/١٧٦.

139 زبدة التفسير، الأشقر، ص٧٢٢

140 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٦/٣٤٩٣.

141 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الفتن، ٤/٥٢٦.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٩٥٧.

142 انظر: الصبر الجميل، سليم الهلالي، ص٤٠-٤١

143 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد مالم يعجل، ٧/١٥٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل، رقم ٢٧٣٥، ٣/٢٠٩٥.

144 مختصر تفسير ابن كثير، الصابوني، ١/١٥٥.

145 أخرجه أحمد في مسنده، ٥/١٩، رقم ٢٨٠٣.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٥١، رقم ٦٨٠٦.

146 زبدة التفسير، الأشقر، ص٥٤٧

147 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب التفسير، باب ومن سورة المائدة، ٥/٢٥٧، رقم ٣٠٥٨.

قال الترمذي: حسن غريب.

وصحح الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٤٩٤.

148 أخرجه مالك في الموطأ، كتاب القدر، باب النهي عن القول بالقدر، ٢/٨٩٩، والحاكم في المستدرك، ١/٩٣.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٦٦، رقم ٢٩٣٧.

149 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٨/٣٦٧، رقم ١٧١٤٢، وابن ماجه في سننه، كتاب المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، ١/١٦، رقم ٤٣.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٠٥، رقم ٤٣٦٩.

150 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب لزوم السنة، ٥/١٣، رقم ٤٦٠٧، والترمذي في سننه، كتاب العلم، باب ماجاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، ٥/٤٤، رقم ٢٦٧٦.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٩٩، رقم ٢٥٤٩.

151 انظر: الضوابط الشرعية لموقف المسلم في الفتن محاضرة، صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، ص ١٥.

152 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الكبر، رقم ٢٦٢٠، ٤/٢٠٤٣.

153 التوبة ٩: ٢٥ ومثلها الحشر ٥٩: ٢، الكهف ١٨: ١٠٤.

154 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، ٤/٥١٢، والترمذي في سننه، أبواب التفسير، باب ومن سورة المائدة، رقم ٥٠٥١، ٥/ ٣٢٣، وابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكـــم أنفسكم)، رقم ٤٠١٤، ٢/ ١٣٣٠- ١٣٣١. وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٨٤، رقم ٣٠٤٥.

155 انظر: إحياء علوم الدين، أبو حامد الغزالي، ٣/٥٢٠- ٥٤٦، ٥٧١- ٥٨٥.

156 النحل: ٢٣، ومثلها غافر: ٣٥ن ٦٠، إبراهيم: ١٥، الفرقان: ٢١

157 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، ١/ ٩٢، رقم ٩١.

158 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء رقم ٢٨٤٦، ٣/٢١٨٦.