عناصر الموضوع
الغم
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «الغين والميم أصلٌ واحد صحيح يدل على تغطية وإطباق. تقول: غممت الشيء أغمه، أي غطيته وغم الهلال، إذا لم ير. وفي الحديث: (فإن غم عليكم فاقدروا له)1. أي: غطي الهلال. ويقال: يومٌ غمٌ وليلة غمة، إذا كانا مظلمين. وغمه الأمر يغمه غمًا، وهو شيء يغشى القلب»2.
يقال: أمرٌ غمة، أي مبهمٌ ملتبسٌ3.
و«الغم: ضد الفرج، والغمة: الضيقة»4.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرفه أبو هلال العسكري بقوله: «الغم معنىً ينقبض القلب معه، ويكون لوقوع ضرر قد كان، أو توقع ضرر يكون، أو يتوهمه. وقيل: الغم: ما لا يقدر الإنسان على إزالته كموت المحبوب»5.
وقال ابن حجر: «هو ما يضيق على القلب»6.
وردت مادة (غمم) في القرآن الكريم (٧) مرات 7.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
المصدر |
٦ |
(ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [آل عمران:١٥٣] |
الاسم |
١ |
(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [يونس:٧١] |
وجاء الغم في القرآن بمعناه اللغوي، وهو: الكرب أو الحزن يحصل للقلب بسببٍ ما، ومنه قوله تعالى: (ﭐﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [يونس:٧١]. وذلك من الغم؛ لأن الصدر يضيق به8.
الهم:
الهم: لغة:
ما هممت به في نفسك. تقول: أهمني هذا الأمر. والهم: الحزن. والهمة: ما هممت به من أمرٍ لتفعله. ويقال: أهمني الشيء، أي: أحزنني. والمهمات من الأمور: الشدائد9.
الهم اصطلاحًا:
الهم الحزن الذي يذيب الإنسان. يقال: هممت الشحم فانهم، والهم: ما هممت به في نفسك، وهو الأصل10.
الصلة بين الهم والغم:
قال المناوي: «وقيل: الهم والغم والحزن من واد واحد؛ وهي ما يصيب القلب من الألم من فوات محبوب، إلا أن الغم أشدهما، والحزن أسهلهما»11.
الحزن:
الحزن لغة:
أصل مادة (حزن) تدل على خشونة الشيء وشدةٌ فيه 12.
والحُزْن والحَزَن: خلاف السرور13.
الحزن اصطلاحًا:
«عبارة عما يحصل لوقوع مكروه، أو فوات محبوب في الماضي»14.
الصلة بين الحزن والغم:
قال المناوي: «وقيل: الهم والغم والحزن من واد واحد؛ وهي ما يصيب القلب من الألم من فوات محبوب، إلا أن الغم أشدهما، والحزن أسهلهما»15.
الكرب:
الكرب لغة:
في الصحاح: «الكربة بالضم: الغم الذي يأخذ بالنفس، وكذلك الكرب. تقول منه: كربه الغم، إذا اشتد عليه. والكرائب: الشدائد، الواحدة كريبة»16.
الكرب اصطلاحًا:
قال الراغب: «الكرب: الغم الشديد. قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنبياء: ٧٦].
والكربة كالغمة، وأصل ذلك من: كرب الأرض، وهو قلبها بالحفر، فالغم يثير النفس إثارة ذلك»17.
الصلة بين الغم والكرب:
أن الكرب تكاثف الغم مع ضيق الصدر ولهذا يقال لليوم الحار يوم كرب أي كرب من فيه وقد كرب الرجل وهو مكروب وقد كربه إذا غمه وضيق صدره»18.
السرور:
السرور لغة:
يقال: سررت برؤية فلانٍ وسرني لقاؤه، وقد سررته أسره أي فرحته، السرور خلاف الحزن؛ تقول: سرني فلانٌ مسرةً، والسرور: ما ينكتم من الفرح 19.
السرور اصطلاحًا:
«حالة نفسانية تعرض عند حصول اعتقاد وعلم أو ظن لحصول شيء لذيذ»20.
وقيل: هو انشراح الصدر بلذة فيها طمأنينة الصدر عاجلًا وآجلًا21.
الصلة بين السرور والغم:
بينهما تضاد، فالسرور خلاف الحزن، والغم انقباض القلب مع الحزن.
نص القرآن الكريم على أن أنبياء الله عليهم السلام أصابهم الغم كما قال عن يونس: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الأنبياء:٨٨].
فهو عليه السلام لم ينج من الغم إلا لأنه كان قد أصيب به من جراء ما حل به من البلاء.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحزن لإصرار المشركين على عنادهم وكفرهم الذي فيه هلاكهم، فينزل عليه نحو قوله تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [فاطر:٨].
وقوله سبحانه: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الشعراء:٣]: أي: لعلك «مهلك (ﭚ) أي: مما تحرص عليهم وتحزن عليهم (ﭛ ﭜ ﭝ)، وهذه تسلية من الله لرسوله، صلوات الله وسلامه عليه، في عدم إيمان من لم يؤمن به من الكفار، كما قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [فاطر:٨].
قال مجاهد، وعكرمة، والحسن، وقتادة، وعطية، والضحاك: (ﭘ ﭙ ﭚ) أي: قاتل نفسك»22.
وبيانه كذلك في قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الكهف:٦].
فقد دلت الآية على أن سبب حزنه صلى الله عليه وسلم عدم إيمان هؤلاء المشركين، «وقوله (ﭤ) تقرير وتوفيق بمعنى الإنكار عليه أي لا تكن كذلك، و «الباخع نفسه» هو مهلكها وجدا وحزنا على أمر ما وقوله (ﭧ ﭨ): استعارة فصيحة، من حيث لهم إدبار وتباعد عن الإيمان، وإعراض عن الشرع فكأنهم من فرط إدبارهم قد بعدوا فهو في آثارهم يحزن عليهم، وقوله (ﭬ ﭭ): أي بالقرآن الذي يحدثك به، (ﭮ) نصب على المصدر، قال الزجاج: و «الأسف» المبالغة في حزن أو غضب»23.
واختار ابن عطية أن «الأسف» في الآية بمعنى الحزن لا الغضب لأنه بسبب شيء لا يملكه ولا تصرف له فيه، قال: «و «الأسف» في هذا الموضع الحزن، لأنه على من لا يملكه ولا هو تحت يد الأسف، ولو كان الأسف من مقتدر على من هو في قبضته وملكه لكان غضبا، كقوله تعالى: (ﮨ ﮩ) [الزخرف:٥٥]: أي أغضبونا وإذا تأملت هذا في كلام العرب اطرد، وذكره منذر بن سعيد. وقال قتادة: هنا (ﭮ): غضبًا، قال مجاهد (ﭮ): جزعا، وقال قتادة أيضا: حزنا»24.
ودلت الآيات على أن أنبياء الله عليهم السلام ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد أصابهم الغم، وما ذلك إلا لأنهم بشر يصيبهم ما يصيب البشر.
ومما هو صورة جلية للحزن ما قصه القرآن الكريم من خبر نبي الله يعقوب عليه السلام الذي أصابه من فراق ابنه يوسف ثم أخيه بنيامين حزن عظيم بلغ به حدا فقد معه بصره، كما قال سبحانه وتعالى مخبرًا عن حاله: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [يوسف:٨٤-٨٧].
والمعنى: «وتولى يعقوب عليه الصلاة والسلام عن أولاده بعد ما أخبروه هذا الخبر، واشتد به الأسف والأسى، وابيضت عيناه من الحزن الذي في قلبه، والكمد الذي أوجب له كثرة البكاء، حيث ابيضت عيناه من ذلك.(ﯨ ﯩ) أي: ممتلئ القلب من الحزن الشديد، (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) أي: ظهر منه ما كمن من الهم القديم والشوق المقيم، وذكرته هذه المصيبة الخفيفة بالنسبة للأولى، المصيبة الأولى. فقال له أولاده متعجبين من حاله: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) أي: لا تزال تذكر يوسف في جميع أحوالك. (ﯰ ﯱ ﯲ) أي: فانيا لا حراك فيك ولا قدرة على الكلام. (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) أي: لا تترك ذكره مع قدرتك على ذكره أبدا. (ﯸ) يعقوب (ﯹ ﯺ ﯻ) أي: ما أبث من الكلام (ﯼ) الذي في قلبي (ﯽﯾ) وحده، لا إليكم ولا إلى غيركم من الخلق، فقولوا ما شئتم (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) من أنه سيردهم علي ويقر عيني بالاجتماع بهم»25.
وتضمنت الآيات أن يعقوب عليه السلام أصابه من فراق ابنه يوسف حزن عظيم -كما تقدم- ودل على ذلك قوله: (ﯡﯢﯣ): «والأسف أشد الحزن، أسف كحزن. ونداء الأسف مجاز. نزل الأسف منزلة من يعقل فيقول له: احضر فهذا أوان حضورك، وأضاف الأسف إلى ضمير نفسه لأن هذا الأسف جزئي مختص به من بين جزئيات جنس الأسف. والألف عوض عن ياء المتكلم فإنها في النداء تبدل ألفا»26.
وصور القرآن الكريم آثار هذا الحزن في فعله عليه السلام وقوله: فأما فعله فهو أنه أعرض عن أبنائه، وأما قوله فقد تقدم.
قال الرازي: «واعلم أن يعقوب عليه السلام لما سمع كلام أبنائه ضاق قلبه جدًا وأعرض عنهم وفارقهم ثم بالآخرة طلبهم وعاد إليهم. أما المقام الأول: وهو أنه أعرض عنهم، وفر منهم فهو قوله: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ). واعلم أنه لما ضاق صدره بسبب الكلام الذي سمعه من أبنائه في حق بنيامين عظم أسفه على يوسف عليه السلام: وقال يا أسفى على يوسف»27.
كما أن هذا الحزن قد أثر عليه تأثيرًا بينا بدا عليه ومن ذلك ابيضاض عينيه، «(ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ): قيل: لم يبصر بهما ست سنين، وأنه عمي، قاله مقاتل. وقيل: قد تبيض العين ويبقى شيء من الرؤية، والله أعلم بحال يعقوب»28.
وقد يؤيد أن بصره قد ذهب قوله تعالى على لسان يوسف: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [يوسف:٩٣].
وتضمنت الآية أن سبب ابيضاض عينيه حزنه، قال ابن عاشور: «ومن في قوله: (ﯦ ﯧ) سببية. والحزن سبب البكاء الكثير الذي هو سبب ابيضاض العينين. وعندي أن ابيضاض العينين كناية عن عدم الإبصار وأن الحزن هو السبب لعدم الإبصار كما هو الظاهر. فإن توالي إحساس الحزن على الدماغ قد أفضى إلى تعطيل عمل عصب الإبصار»29.
ودل ابيضاض عينيه على أنه ما زال يشعر بهذا الحزن منذ أمد طويل، ثم إن بعض الحوادث قد تؤدي إلى تجدد هذا الحزن وتجدد الشعور بألمه كما حدث له من فقد ولده الثاني «بنيامين» الذي ذكره ما أصابه من الحزن بفقد يوسف فكان الحزن على الثاني مجددا للحزن على الأول مع ما انضم إليه من مكوث الثالث أيضا بأرض مصر: «وإنما ذكر القرآن تحسره على يوسف عليه السلام ولم يذكر تحسره على ابنيه الآخرين لأن ذلك التحسر هو الذي يتعلق بهذه القصة فلا يقتضي ذكره أن يعقوب عليه السلام لم يتحسر قط إلا على يوسف، مع أن الواو لا تفيد ترتيب الجمل المعطوفة بها»30.
وأفاض الرازي في ذكر علة الاقتصار على النص على الحزن على يوسف وحده فقال: وإنما عظم حزنه على مفارقة يوسف عند هذه الواقعة لوجوه:
الوجه الأول: أن الحزن الجديد يقوي الحزن القديم الكامن والقدح إذا وقع على القدح كان أوجع.
والوجه الثاني: أن بنيامين ويوسف كانا من أم واحدة وكانت المشابهة بينهما في الصورة والصفة أكمل، فكان يعقوب عليه السلام يتسلى برؤيته عن رؤية يوسف عليه السلام، فلما وقع ما وقع زال ما يوجب السلوة فعظم الألم والوجد.
الوجه الثالث: أن المصيبة في يوسف كانت أصل مصائبه التي عليها ترتب سائر المصائب والرزايا، وكان الأسف عليه أسفا على الكل.
الوجه الرابع: أن هذه المصائب الجديدة كانت أسبابها جارية مجرى الأمور التي يمكن معرفتها والبحث عنها. وأما واقعة يوسف فهو عليه السلام كان يعلم كذبهم في السبب الذي ذكروه، وأما السبب الحقيقي فما كان معلوما له، وأيضا أنه عليه السلام كان يعلم أن هؤلاء في الحياة وأما يوسف فما كان يعلم أنه حي أو ميت، فلهذه الأسباب عظم وجده على مفارقته وقويت مصيبته على الجهل بحاله31.
والخلاصة أن يعقوب عليه السلام أصابه غم وحزن عظيم لشدة ما نزل به من البلاء حتى بدا ذلك على بدنه وفعله وقوله وهو ما قصه القرآن الكريم، قال الرازي: «واعلم أن أشرف أعضاء الإنسان هذه الثلاثة، فبين تعالى أنها كانت غريقة في الغم فاللسان كان مشغولا بقوله: يا أسفى والعين بالبكاء والبياض والقلب بالغم الشديد الذي يشبه الوعاء المملوء الذي شد ولا يمكن خروج الماء منه وهذا مبالغة في وصف ذلك الغم»32.
وهذا الذي بدا منه عليه السلام غير مستغرب لأنه جار على الطبيعة التي فطر عليها البشر كلهم، وما كان الأنبياء إلا بشرا كما قال سبحانه: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الأنبياء:٧-٨].
وقال جل وعلا: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الفرقان:٢٠].
قال القرطبي: «فإن سأل قوم عن معنى شدة حزن يعقوب صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا فللعلماء في هذا ثلاثة أجوبة:
منها: أن يعقوب صلى الله عليه وسلم لما علم أن يوسف صلى الله عليه وسلم حي خاف على دينه، فاشتد حزنه لذلك.
وقيل: إنما حزن لأنه سلمه إليهم صغيرا، فندم على ذلك.
والجواب الثالث: وهو أبينها، هو أن الحزن ليس بمحظور، وإنما المحظور الولولة وشق الثياب، والكلام بما لا ينبغي وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب)33»34.
فكان حزنه جاريًا على ما فطر الله عليه البشر، ومثل ذلك لا يتعلق به حكم شرعي وإلا كان تكليفًا بما لا يطاق.
قال الشاطبي: «الأوصاف التي طبع عليها الإنسان كالشهوة إلى الطعام والشراب لا يطلب برفعها، ولا بإزالة ما غرز في الجبلة منها، فإنه من تكليف ما لا يطاق، كما لا يطلب بتحسين ما قبح من خلقة جسمه، ولا تكميل ما نقص منها فإن ذلك غير مقدور للإنسان، ومثل هذا لا يقصد الشارع طلبًا له ولا نهيًا عنه، ولكن يطلب قهر النفس عن الجنوح إلا ما لا يحل، وإرسالها بمقدار الاعتدال فيما يحل، وذلك راجع إلى ما ينشأ من الأفعال من جهة تلك الأوصاف مما هو داخل تحت الاكتساب»35.
وقال: «إن ثبت بالدليل أن ثم أوصافا تماثل ما تقدم في كونها مطبوعا عليها الإنسان، فحكمها حكمها لأن الأوصاف المطبوع عليها ضربان:
منها: ما يكون ذلك فيه مشاهدا ومحسوسا كالذي تقدم.
ومنها: ما يكون خفيا حتى يثبت بالبرهان فيه ذلك، ومثاله العجلة، فإن ظاهر القرآن أنها مما طبع الإنسان عليه، لقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الأنبياء:٣٧].
وإذا ثبت هذا، فالذي تعلق به الطلب ظاهرا من الإنسان على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما لم يكن داخلا تحت كسبه قطعا، وهذا قليل، كقوله: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة:١٣٢].
وحكمه أن الطلب به مصروف إلى ما تعلق به.
والثاني: ما كان داخلا تحت كسبه قطعا، وذلك جمهور الأفعال المكلف بها التي هي داخلة تحت كسبه، والطلب المتعلق بها على حقيقته في صحة التكليف بها سواء علينا أكانت مطلوبة لنفسها أم لغيرها.
والثالث: ما قد يشتبه أمره، كالحب والبغض وما في معناهما، فحق الناظر فيها أن ينظر في حقائقها، فحيث ثبتت له من القسمين حكم عليه بحكمه، والذي يظهر من أمر الحب والبغض والجبن والشجاعة والغضب والخوف ونحوها أنها داخلة على الإنسان اضطرارا، إما لأنها من أصل الخلقة، فلا يطلب إلا بتوابعها، فإن ما في فطرة الإنسان من الأوصاف يتبعها بلا بد أفعال اكتسابية، فالطلب وارد على تلك الأفعال لا على ما نشأت عنه، كما لا تدخل القدرة ولا العجز تحت الطلب، وإما لأن له باعثا من غيره فتثور فيه فيقتضي لذلك أفعالا أخر، فإن كان المثير لها هو السابق وكان مما يدخل تحت كسبه، فالطلب يرد عليه كقوله: (تهادوا تحابوا)36»37.
وعليه فيكون النهي في (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)[فاطر:٨].
و(ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [آل عمران: ١٣٩]. متوجهًا لا إلى الحزن نفسه، بل إلى ما يعقبه وينتج عنه من أقوال وأفعال.
قال في التحرير: «على أن البكاء من الحزن أمر جبلي فلا يستغرب صدوره من نبيء، أو أن التصبر عند المصائب لم يكن من سنة الشريعة الإسرائيلية بل كان من سننهم إظهار الحزن والجزع عند المصائب. وقد حكت التوراة بكاء بني إسرائيل على موسى عليه السلام أربعين يوما، وحكت تمزيق بعض الأنبياء ثيابهم من الجزع. وإنما التصبر في المصيبة كمال بلغت إليه الشريعة الإسلامية»38.
وما ذكره ابن عاشور من أن سنة بني إسرائيل كانت إظهار الحزن والجزع وما نقل من تمزيق الأنبياء ثيابهم غير مسلم، وإذا لم نعده شيئا مفترى لا يليق بأنبياء الله فأكبر شأنه أن يكون من الإسرائيليات التي أمرنا ألا نصدقها ولا نكذبها وأن نكل علمها إلى الله لئلا نكذب بحق أو نصدق بباطل. بل إن رائحة الافتراء تفوح من مثل هذا لأن مثله لا يليق بأنبياء الله عليهم السلام. وقد نقل بعض المفسرين ذلك في معرض الرد على من ظن أن يعقوب عليه السلام جاء بما لا يليق من الجزع والشكوى.
قال الرازي: «من الجهال من عاب يعقوب عليه السلام على قوله: (ﯡ ﯢ ﯣ) قال: لأن هذا إظهار للجزع وجار مجرى الشكاية من الله وأنه لا يجوز، والعلماء بينوا أنه ليس الأمر كما ظنه هذا الجاهل»39.
وربما كان وراء هذا الزعم بعض الإسرائيليات والروايات المنكرة ومنها ما روى ابن أبي حاتم بسنده عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان ليعقوب النبي عليه السلام، أخ مؤاخ له، فقال له ذات يوم: ما الذي أذهب بصرك وقوس ظهرك؟ قال: الذي أذهب بصري البكاء على يوسف، وأما الذي قوس ظهري فالحزن على بنيامين، فأتاه جبريل، عليه السلام، فقال: يا يعقوب، إن الله يقرئك السلام ويقول لك: أما تستحيي أن تشكوني إلى غيري؟ فقال يعقوب: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله. فقال جبريل، عليه السلام: الله أعلم بما تشكو)40.
ثم رد الرازي على ذلك فقال: «وتقريره أنه عليه السلام لم يذكر هذه الكلمة ثم عظم بكاؤه، وهو المراد من قوله: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) ثم أمسك لسانه عن النياحة، وذكر مالا ينبغي، وهو المراد من قوله: (ﯨ ﯩ) ثم إنه ما أظهر الشكاية مع أحد من الخلق بدليل قوله: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) وكل ذلك يدل على أنه لما عظمت مصيبته وقويت محنته فإنه صبر وتجرع الغصة وما أظهر الشكاية فلا جرم استوجب به المدح العظيم والثناء العظيم.
روي أن يوسف عليه السلام سأل جبريل هل لك علم بيعقوب؟ قال نعم قال: وكيف حزنه؟ قال: حزن سبعين ثكلى وهي التي لها ولد واحد ثم يموت. قال: فهل له فيه أجر؟ قال: نعم أجر مائة شهيد41»42.
وقال أيضًا: «وأما البكاء فليس من المعاصي. وروي أن النبي عليه الصلاة والسلام: بكى على ولده إبراهيم عليه السلام وقال: (إن القلب ليحزن والعين تدمع، ولا نقول: ما يسخط الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون)43.
وأيضًا فاستيلاء الحزن على الإنسان ليس باختياره، فلا يكون ذلك داخلا تحت التكليف وأما التأوه وإرسال البكاء فقد يصير بحيث لا يقدر على دفعه، وأما ما ورد في الروايات التي ذكرتم فالمعاتبة فيها إنما كانت لأجل أن حسنات الأبرار سيئات المقربين. وأيضا ففيه دقيقة أخرى وهي أن الإنسان إذا كان في موضع التحير والتردد لا بد وأن يرجع إلى الله تعالى، فيعقوب عليه السلام ما كان يعلم أن يوسف بقي حيا أم صار ميتا، فكان متوقفا فيه وبسبب توقفه كان يكثر الرجوع إلى الله تعالى وينقطع قلبه عن الالتفات عن كل ما سوى الله تعالى إلا في هذه الواقعة»44.
إن من أسباب الغم إما فوات المحبوب أو توقع فواته، وإما حصول مكروه أو توقع حصوله. والقلوب تتفاوت في الهم والغم كثرة واستمرارًا بحسب ما فيها من الإيمان أو الفسوق والعصيان «فهي على قلبين: قلب هو عرش الرحمن، ففيه النور والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير، وقلب هو عرش الشيطان، فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم. فهو حزين علي ما مضى، مهموم بما يستقبل، مغموم في الحال»45.
ويشهد لهذا المعنى قوله سبحانه: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [المعارج:١٩-٢١].
أي: أنه «يحب ما يسره ويهرب مما يكره»46؛ فإذا فات ما يحبه أو توقع فواته، أو حصل ما يكره أو توقع حصوله حزن.
والناس يتفاوتون في الغموم بتفاوت بواعثهم وأحوالهم وما يحمله كل واحد منهم من المسئوليات.
فمن الغموم التي تدخل في فوات المحبوب أو توقع فواته، غموم سامية، ذات دلالات طيبة؛ كالحزن الذي أشار القرآن الكريم إلى نزوله بالأنبياء بسبب إعراض من يدعونهم إلى الحق وإهلاكهم أنفسهم بالصد والتكذيب كالذي دل عليه قوله عز وجل: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [فاطر:٨].
وقوله: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الكهف:٦].
ويلحق بذلك غموم العالم في حل المعضلات التي يحتاج المسلمون فيها إلى جواب، وخصوصًا إذا استعصت المسألة واستغلقت، وكذلك غم إمام المسلمين بمشكلات رعيته. «قال مولى لعمر بن عبد العزيز له حين رجع من جنازة سليمان: مالي أراك مغتمًا؟ فقال عمر: لمثل ما أنا فيه يغتم؛ ليس أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في شرق ولا غرب، إلا وأنا أريد أن أؤدي إليه حقه، غير كاتب إلي فيه، ولا طالبه مني»47.
ومن الغموم الشريفة غم الداعية في نشر الدين وحمل الرسالة، والأخذ بيد المدعو إلى طريق الهداية، وغموم العابد في تصحيح عبادته في القصد والأداء، وغم المسلم بما يصيب إخوانه في أقطار الأرض.
ومن الغموم التي تدخل في حصول مكروه أو توقع حصوله، ما يكون ناشئًا عن المعاصي، كالغموم التي تصيب المذنب بعد ذنبه، مثل الذي يحدث في غم من أصاب دمًا حرامًا، أو غم الزانية بحملها، وهو داخل ضمن عموم المصائب التي هي أثر للمعاصي، قال جل وعلا: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [الشورى:٣٠].
ومن الغموم ما يكون بسبب ظلم الآخرين خاصة الأقرباء، كما قال الشاعر48:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند
ولهذا كان الظالمون فتنة وامتحانا للمستضعفين بما ينالهم منهم من أذى نفسي وبدني، كما كانوا هم فتنة للظالمين بأن حملهم كبرهم وظلمهم عن النهي عن الحق والنأي عنه.
قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الأنعام:٥٣].
ومن ذلك الغموم الحاصلة بسبب مصائب الدنيا، كالأمراض المزمنة والخطيرة، وعقوق الأبناء وتسلط الزوجة، واعوجاج الزوج.
ومن الغموم ما يكون بسبب الخوف من المستقبل وما يخبئه الزمان، كغموم الأب بذريته من بعده، وخاصة إذا كانوا ضعفاء وليس لديه ما يخلفه لهم. وهكذا تتنوع الغموم والهموم49.
ولقد أشار ابن القيم في بعض كتبه إلى هذه الأسباب، فقال: «والفرح لذة تقع في القلب بإدراك المحبوب، ونيل المشتهى، فيتولد من إدراكه حالة تسمى الفرح والسرور، كما أن الحزن والغم من فقد المحبوب، فإذا فقده تولد من فقده حالة تسمى الحزن والغم»50.
ويقول كذلك: «فالحزن يتولد من مفارقة المحبوب ليس له سبب سواه، وإن تولد من حصول مكروه، فذلك المكروه إنما كان كذلك لما فات به من المحبوب، فلا كان حزن إذا ولا هم ولا غم ولا أذى ولا كرب إلا في مفارقة المحبوب؛ ولهذا كان حزن الفقر والمرض والألم والجهل والخمول والضيق وسوء الحال ونحو ذلك على فراق المحبوب، من المال والوجد والعافية والعلم والسعة وحسن الحال؛ ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى مفارقة المشتهيات من أعظم العقوبات، فقال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [سبأ:٥٤].
فالفرح والسرور بالظفر بالمحبوب، والهم والغم والحزن والأسف بفوات المحبوب، فأطيب العيش عيش المحب الواصل إلى محبوبه، وأمر العيش عيش من حيل بينه وبين محبوبه»51.
وفي هذا المعنى يقول أبو حامد الغزالي: «الغم لا يخلو من أربعة أوجه: إما لشهوة بطنه وفرجه، وإما على ما يخلفه من ماله، وإما على جهله بحاله بعد الموت ومآله، وإما لخوفه على ما قدمه من عصيانه. فإن كان ذلك لشهوة بطنه وفرجه، فهو كمشتهي داء ليقابله بداء مثله، فإن معنى لذة الطعام إزالة ألم الجوع، ولذلك إذا زال الجوع وامتلأت المعدة، كره عين ما اشتهاه، كمن يشتهي القعود في الشمس ليناله الحر، حتى يتلذذ بالرجوع إلى الظل، وكمن يشتهي الحبس في حمام حار، ليدرك لذة ماء الثلج، إذا شربه، وهو عين الرقاعة والخرق. وإن كان ذلك على ما يخلفه من ماله، فهو بجهله بخساسة الدنيا وحقارتها، بالإضافة إلى الملك الكبير والنعيم المقيم الموعود للمتقين.
وإن كان ذلك لجهله بعاقبة أمره بعد الموت، فعليه أن يطلب العلم الحقيقي، الذي يكشف له حال الإنسان بعد موته، كما قال حارثة للنبي صلى الله عليه وسلم: (كأني أنظر إلى عرش ربي بارزًا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يتلاعنون فيها)52.
وهذا العلم إنما يحصل بالبحث عن حقيقة النفس وماهيتها، ووجه علاقتها بالبدن، ووجه خاصيتها التي خلقت لها، ووجه التذاذه بخاصيته وكماله، مع معرفة الرذائل المانعة له من كماله، وقد نبه الشرع عليه في مواضع كثيرة، وأمر بالتفكر في النفس، كما أمر بالتفكر في ملكوت السموات والأرض. وإن كان ذلك لما سبق من عصيانه، فلا ينفع الغم فيه، بل المداواة، وهو المبادرة إلى التوبة وإصلاح ما فرط من أمره»53.
وتلك المعاني التي ذكرها ابن القيم والغزالي دل عليها عموم قوله تعالى: (ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الرعد:٢٨].
ويلزم من ذلك أن العبد إذا أعرض عن ذكر الله أحاطت الغموم بقلبه من كل جانب.
قال ابن الجوزي: «لا يجتمع حب الدنيا وحب الآخرة. رأيت سبب الهموم والغموم الإعراض عن الله عز وجل والإقبال على الدنيا، وكلما فات منها شيء وقع الغم لفواته»54.
وجاء في بحر الفوائد للكلاباذي: «إن الإنسان إذا أصابه غم، فأحب أن يتسلى بشيء، أو ضاق صدره من أمر، فأراد أن يفرح، أو أصابته وحشة، فأحب إزالتها عنه، ربما يغني، وهو أن ينغم ويرجع صوته لشيء من الشعر والزجل والمنظوم من الكلام، يطلب بذلك راحة وفرحة، مما هو فيه من الوحشة أو الكرب والغم. والأنبياء والرسل وأفاضل الأولياء والصديقون همومهم هم المعاد، وكربهم كرب الدين، ووحشتهم مما دون الله، وضيق صدورهم عما يشغلهم عن الله، فهم لا يتفرحون من كربهم إلا بذكر ربهم، ولا ينسلون عن غمومهم وهمومهم إلا بمولاهم، فيرجعون أصواتهم بقراءة القرآن، الذي من محبوبهم بدأ وإليه يعود، وبخشيته من قلوبهم، ورقة من أفواه أفئدتهم، ويزان محبته بين ضلوعهم، وماء الاشتياق يجري على خدودهم، فتحسن لذلك أصواتهم؛ لأن حسن الصوت بالقرآن هو قراءته على خشية من الله»55.
خلق الله العباد وجعلهم يبتلون ويمتحنون ليميز الخبيث من الطيب، وليعلم المجاهدين والصابرين ومن يخافه بالغيب، وليختبرهم أيهم أحسن عملا؛ فالخير والشر يصيب الناس جميعًا في هذه الحياة الدنيا ليس يسلم منه أحد.
قال سبحانه وتعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [الأنبياء:٣٥].
فقوله جل وعلا: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ): «يشمل سائر نفوس الخلائق، وإن هذا كأس لا بد من شربه وإن طال بالعبد المدى، وعمر سنين، ولكن الله تعالى أوجد عباده في الدنيا، وأمرهم، ونهاهم، وابتلاهم بالخير والشر، بالغنى والفقر، والعز والذل والحياة والموت، فتنة منه تعالى ليبلوهم أيهم أحسن عملًا، ومن يفتتن عند مواقع الفتن ومن ينجو.
(ﰄ ﰅ) فنجازيكم بأعمالكم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر (ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ)[فصلت:٤٦]»56.
وهذا كقوله سبحانه: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة:١٥٥-١٥٦].
«أي: لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله، ويبتلى المؤمن على قدر دينه، إن كان في دينه صلابة زيد في البلاء»57.
ومن الابتلاء بالشر ما يصيب المؤمنين من غم بسبب ما ينالهم من أذى على ألسنة المشركين كما قال سبحانه: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [آل عمران:١٨٦].
و«هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته والمعنى: لتختبرن ولتمتحنن في أموالكم بالمصائب والأرزاء بالإنفاق في سبيل الله وسائر تكاليف الشرع. والابتلاء في الأنفس بالموت والأمراض وفقد الأحباب. وبدأ بذكر الأموال لكثرة المصائب بها»58.
و«اللام لام القسم تقديره والله لتبلون أي لتختبرن فتوقع عليكم المحن ليعلم المؤمن من غيره. والاختبار طلب المعرفة ليعرف الجيد من الرديء وذلك في وصف الله محال لأن الله تعالى عالم بحقائق الأشياء كلها قبل أن يخلقها فعلى هذا يكون معنى الاختبار في وصف الله تعالى أنه يعامل العبد معاملة المختبر (ﯜ ﯝ) يعني بالابتلاء في الأموال بالنقصان منها وقيل بأداء ما فرض فيها من الحقوق، (ﯞ): يعني بالمصائب والأمراض والقتل وفقد الأقارب والعشائر خوطب بهذه الآية المسلمون ليوطنوا أنفسهم على احتمال الأذى وما سيلقون من الشدائد والمصائب ليصبروا على ذلك حتى إذ لقوها لقوها وهم مستعدون بالصبر لها لا يرهقهم ما يرهق غيرهم ممن تصيبه الشدة بغتة فينكرها ويشمئز منها»59.
وأما الأذى المنصوص عليه في الآية فهو ما يصيب المؤمنين من الغم والحزن بسبب ما ينالهم من استهزاء وسب وتشكيك واستخفاف بهم وبدينهم على ألسنة المشركين، كما قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة:٢١٢].
وقال سبحانه: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [المطففين:٢٩-٣٢].
«وهو الضر بالقول كقوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [آل عمران:١١١].
ولذلك وصفه هنا بالكثير، أي الخارج عن الحد الذي تحتمله النفوس غالبا، وكل ذلك مما يفضي إلى الفشل، فأمرهم الله بالصبر على ذلك حتى يحصل لهم النصر، وأمرهم بالتقوى أي الدوام على أمور الإيمان والإقبال على بثه وتأييده»60.
وعطف «الأذى الكثير» في الآية على البلاء في الأموال والأنفس يدل على أنه جزء من البلاء الذي يقصد منه التمحيص ورفع منزلة العبد عند الله وتطهيره من الذنوب والآثام، وقد وقع ذلك صريحا في ما روى البخاري بسنده من طريق عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، وعن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه)61.
و«أصل المصيبة الرمية بالسهم ثم استعملت في كل نازلة.
وقال الراغب: أصاب يستعمل في الخير والشر قال الله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [التوبة:٥٠] الآية.
قال: وقيل الإصابة في الخير مأخوذة من الصوب: وهو المطر الذي ينزل بقدر الحاجة من غير ضرر، وفي الشر مأخوذة من إصابة السهم62.
وقال الكرماني: المصيبة في اللغة: ما ينزل بالإنسان مطلقا، وفي العرف: ما نزل به من مكروه خاصة وهو المراد هنا»63.
و«الوصب: الوجع اللازم ومنه قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ)[الصافات:٩].
أي: لازم ثابت. والنصب: التعب وقد نصب ينصب نصبا -كفرح يفرح فرحا-، ونصبه غيره وأنصبه لغتان»64.
والمعنى: «(ما يصيب المسلم من نصب) تعب (ولا وصب) مرض أو مرض دائم ملازم (ولا هم) بفتح الهاء وتشديد الميم (ولا حَزَن) بفتحتين، ولغير أبي ذر (ولا حُزْن) بضم فسكون، هما من أمراض الباطن، ولذلك ساغ عطفهما على الوصب.
وقيل الهم يختص بما هو آت والحزن بما مضى (ولا أذى) يلحقه من تعدي الغير عليه (ولا غم) -بالغين المعجمة- وهو ما يضيق على القلب، وقيل: إن الهم ينشأ عن الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به والحزن يحدث لفقد ما يشق على المرء فقده والغم كرب يحدث للقلب بسبب ما حصل. وقال المظهري: الغم الحزن الذي يغم الرجل، أي: يصيره بحيث يقرب أن يغمى عليه والحزن أسهل منه»65.
وظاهر الحديث أن الله سبحانه وتعالى يحط عن المؤمن ذنوبه بسبب ما يصيبه من هم وتعب وأذى ومصائب وهو ما رجحه ابن حجر فقال: «وفي هذا الحديث تعقب على الشيخ عز الدين بن عبد السلام حيث قال: ظن بعض الجهلة أن المصاب مأجور، وهو خطأ صريح فإن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب، والمصائب ليست منها، بل الأجر على الصبر والرضا.
ووجه التعقب أن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الأجر بمجرد حصول المصيبة، وأما الصبر والرضا فقدر زائد يمكن أن يثاب عليهما زيادة على ثواب المصيبة. قال القرافي المصائب كفارات جزما سواء اقترن بها الرضا أم لا لكن إن اقترن بها الرضا عظم التكفير وإلا قل، -كذا قال- والتحقيق أن المصيبة كفارة لذنب يوازيها وبالرضا يؤجر على ذلك، فإن لم يكن للمصاب ذنب عوض عن ذلك من الثواب بما يوازيه. وزعم القرافي أنه لا يجوز لأحد أن يقول للمصاب جعل الله هذه المصيبة كفارة لذنبك لأن الشارع قد جعلها كفارة فسؤال التكفير طلب لتحصيل الحاصل وهو إساءة أدب على الشارع -كذا قال-، وتعقب بما ورد من جواز الدعاء بما هو واقع كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له، وأجيب عنه بأن الكلام فيما لم يرد فيه شيء وأما ما ورد فهو مشروع ليثاب من امتثل الأمر فيه على ذلك»66.
وقال في إرشاد الساري: «وفيه رد على قول القائل إن الثواب والعقاب إنما هو على الكسب، والمصائب ليست منه بل الأجر على الصبر عليها والرضا بها، فإن الأحاديث الصحيحة صريحة في ثبوت الثواب بمجرد حصولها، وأما الصبر والرضا فقدر زائد لكن الثواب عليه زيادة على ثواب المصيبة»67.
فهذه النصوص القرآنية وما يسندها من الأحاديث النبوية تدل على أن الغم قد يكون بلاء يبتلى به المؤمن ترفع به درجاته وتحط عنه بها سيئاته ويعظم به أجره.
غير أن النصوص القرآنية قد دلت أيضا على أن كل شر يصيب العبد سببه شيء كسبته يداه، قال جل وعلا: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [الشورى:٣٠].
ففي هذه الآية: «يقول تعالى ذكره: وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم (ﰁ ﰂ ﰃ) يقول: فإنما يصيبكم ذلك عقوبة من الله لكم بما اجترمتم من الآثام فيما بينكم وبين ربكم ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم، فلا يعاقبكم بها»68.
ولا ريب في أن الهم من هذه المصائب، وهو أثر لها أيضًا؛ فإن الإنسان يصيبه الهم والحزن لما يحل به من بلاء ومصائب.
وعن أبي قلابة، قال: نزلت: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الزلزلة:٧-٨].
وأبو بكر رضي الله عنه يأكل، فأمسك فقال: (يا رسول الله إني لراء ما عملت من خير أو شر؟ فقال: (أرأيت ما رأيت مما تكره فهو من مثاقيل ذر الشر، وتدخر مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة)، قال: قال أبو إدريس: فأرى مصداقها في كتاب الله، قال: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ)»69.
وعن ابن عباس قوله: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ). الآية، قال: «يعجل للمؤمنين عقوبتهم بذنوبهم ولا يؤاخذون بها في الآخرة»70.
وظاهر هذه النصوص أن المصائب عقوبات على الذنوب والمعاصي والآثام.
قال ابن عطية: «وأما معنى الآية فاختلف الناس فيه، فقالت فرقة: هي إخبار من الله تعالى بأن الرزايا والمصائب في الدنيا إنما هي مجازاة من الله تعالى على ذنوب المرء وخطاياه، وأن الله تعالى يعفو عن كثير فلا يعاقب عليه بمصيبة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر»71.
وقال عمران بن حصين -وقد سئل عن مرضه-: إن أحبه إلي أحبه إلي الله، وهذا بما كسبت يداي، وعفو ربي كثير. وقال مرة الهمداني: رأيت على ظهر كف شريح قرحة فقلت: ما هذا؟ قال هذا بما كسبت يدي (ﰄ ﰅ ﰆ)، وقيل لأبي سليمان الداراني: ما بال الفضلاء لا يلومون من أساء إليهم؟ فقال لأنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي ابتلاهم بذنوبهم. وروي عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله أكرم من أن يثني على عبده العقوبة إذا أصابته في الدنيا بما كسبت يداه)72.
وقال الحسن بن أبي الحسن، معنى الآية في الحدود: أي ما أصابكم من حد من حدود الله، وتلك مصائب تنزل بشخص الإنسان ونفسه، فإنما هي بكسب أيديكم ويعفوا عن كثيرٍ، فستره على العبد حتى لا يحد عليه»73.
ومن هذا الباب أيضًا قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [النساء:١٢٣-١٢٤].
وظاهر الآية أن كل سوء عمله المرء جزي به يستوي في ذلك المؤمن والكافر، قال القرطبي: «قال الجمهور: لفظ الآية عام، والكافر والمؤمن مجازى بعمله السوء، فأما مجازاة الكافر فالنار، لأن كفره أوبقه، وأما المؤمن فبنكبات الدنيا»74.
ثم استدل على ذلك بما في صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: (لما نزلت (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) بلغت من المسلمين مبلغا شديدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قاربوا، وسددوا، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة، حتى النكبة ينكبها، أو الشوكة يشاكها)75.
وفي مسند أحمد عن أبي بكر بن أبي زهير، قال: أخبرت أن أبا بكر قال: (يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) فكل سوء عملنا جزينا به ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء76؟) قال: بلى. قال: (فهو ما تجزون به)77.
والآثار في هذا الباب كثيرة78.
وعليه فالهم والحزن ونحوها مترددة بين كونها بلاء أو عقوبة:
وقد أخرج الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن حيان قال: صحبت ابن عمر من مكة إلى المدينة فقال لنافع: لا تمر بي على المصلوب -يعني ابن الزبير-، قال: فما فجئه في جوف الليل أن صك محمله جذعه79، فجلس يمسح عينيه ثم قال: يرحمك الله أبا خبيب إن كنت وإن كنت، ولقد سمعت أباك الزبير يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يعمل سوء يجز به في الدنيا أو في الآخرة)، فإن يك هذا بذاك فهيه هيه، قال الله تعالى (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)»80.
قال الترمذي: «وهذا عام، ثم ميز رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يجز به في الدنيا أو الآخرة) وليس يجمع الجزاء في الموطنين»81.
وقال القرطبي: «فدخل فيه البر والفاجر والعدو والولي والمؤمن والكافر، ثم ميز رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين الموطنين فقال: (يجز به في الدنيا أو في الآخرة) وليس يجمع عليه الجزاء في الموطنين»82.
قال: «ثم ميز رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر بين الفريقين عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي قال: (لما نزلت (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ما هذه بمبقية منا، قال: (يا أبا بكر إنما يجزى المؤمن بها في الدنيا ويجزى بها الكافر يوم القيامة)»83.
والمعنى: أن ما يصيب الكافر من بأساء وضراء في الحياة الدنيا لا يضع عنه عقوبة الآخرة كما توضع بذلك عن المؤمن.
قال الحكيم الترمذي تعليقًا على حديث ابن عمر السابق: «فلما رأى ابن عمر فعله ثم رآه مصلوبًا، ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذلك، وذلك لأن المؤمن من يجزى بالسوء في الدنيا بالنصب والتعب ونوائب الدنيا والحزن والغم، والكافر يصيبه ذلك وليس ذاك جزاء له بالسوء الذي قد عمل، وادخر جزاؤه إلى يوم القيامة؛ لأن جميع ما يصيب الكافر من المصائب لا يصبر فيها، وإن صبر فصبره تجلد لا حسبة وتسليم.
والمؤمن في كل ذلك صابر محتسب مذعن، والكافر ساخط على ربه مضمر على عداوته، لأن المؤمن حبب إليه الإيمان وزين في قلبه فالتذت نفسه وطابت فلان القلب ورق الفؤاد وراحت النفس وطابت بلذتها فانقاد له واستسلم وألقي بيديه سلمًا، فإن جاءته أحوال المكاره تحملها وهو في ذلك راض عنه طيب النفس يحمده بلسانه ويرجوه بقلبه وطابت نفسه بما يرى من رحمة الله تعالى عليه بأنه قد محصه وطهره، وإذا خرج من الدنيا انقطع رجاؤه من جميع الخلق وكان متعلق رجائه خالقه.
فإذا أعطى صحيفته يوم القيامة فأتى على سيئاته قيل له تجاوز عن قراءتها فقد تجاوزنا عنك بما أصابك في الدنيا»84.
لقد وصف القرآن الكريم للغم أدوية ربانية تداوي آلامه وتبدل مكانها رضا وطمأنينة وتسليمًا، ويمكن إجمالها في ما يأتي:
أولًا: الإيمان بالله:
وهو من أنفع الأدوية في النجاة من الغم وعلاجه، وقد قرر القرآن الكريم أن الإيمان بالله سبب لهوان المصائب إذا ما نزلت كما هي سبب لكبح النفس عن الطغيان في حال النعمة.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الحديد:٢٢-٢٣].
وإننا -إذا تأملنا نصوص القرآن الكريم- نلمح أن هوان هذه المصائب ينتج عن أمرين:
أحدهما: ما ينبني على الإيمان من اعتقاد العبد أنه ملك لله المتصرف في شؤون خلقه بقدرته وحكمته وتدبيره، وإيمانه بأن المرجع إليه يوم القيامة الذي يعد الفوز فيه هو الفوز المبين، والخسران فيه هو الخسران العظيم، ولا تعد الدنيا كلها -إذا ما قيست به- إلا متاعًا قليلًا.
كما قال جل وعلا: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة:١٥٥-١٥٦].
«ففي قول العبد إنا لله وإنا إليه راجعون تفويض منه إلى الله وأنه راض بكل ما نزل به من المصائب»85.
وهذا القول إنما يصدر عن الذين تخلقوا بالصبر واستداموه حتى صار وصفا راسخا لهم، ولذلك «وصف الصابرين بأنهم: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) لإفادة أن صبرهم أكمل الصبر.
إذ هو صبر مقترن ببصيرة في أمر الله تعالى، إذ يعلمون عند المصيبة أنهم ملك لله تعالى يتصرف فيهم كيف يشاء، فلا يجزعون مما يأتيهم، ويعلمون أنهم صائرون إليه فيثيبهم على ذلك.
فالمراد من القول هنا القول المطابق للاعتقاد، إذ الكلام إنما وضع للصدق، وإنما يكون ذلك القول معتبرًا إذا كان تعبيرًا عما في الضمير، فليس لمن قال هاته الكلمات بدون اعتقاد لها فضل، وإنما هو كالذي ينعق بما لا يسمع.
وقد علمهم الله هذه الكلمة الجامعة لتكون شعارهم عند المصيبة، لأن الاعتقاد يقوى بالتصريح لأن استحضار النفس للمدركات المعنوية ضعيف يحتاج إلى التقوية بشيء من الحس، ولأن في تصريحهم بذلك إعلانا لهذا الاعتقاد وتعليما له للناس»86.
وهم إذا قالوا ذلك هانت المصائب في نفوسهم وخفت ألمها، ولهم فوق ذلك منحة أخرى: وهي أن يبدلهم الله خيرا مما فقدوا، فقد روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة، أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ)، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها)87.
والثاني: ما وعد الله عز وجل -ووعده الحق- من أن يلقي في نفس المؤمن الهدى، قال سبحانه: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [التغابن:١١].
وقد تضمن مطلع الآية تذكيرا بأن كل ما يصيب العبد من خير أو شر إنما هو بأمر الله، ومن علم ذلك سلم أمره لله، «وقوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) يحتمل أن يريد المصائب التي هي رزايا وخصها بالذكر بأنها الأهم على الناس والأبين أثرًا في أنفسهم، ويحتمل أن يريد جميع الحوادث من خير وشر، وذلك أن الحكم واحد في أنها (ﭣ ﭤ)، والإذن في هذا الموضع عبارة عن العلم والإرادة وتمكين الوقوع»88.
وتكرر هذا في سور أخرى فأخبر سبحانه في هذه الآية «بما أخبر به في سورة الحديد: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الحديد:٢٢].
وهكذا قال هاهنا: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) قال ابن عباس: بأمر الله، يعني: عن قدره ومشيئته (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) أي: ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه، ويقينا صادقا، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيرا منه»89.
وقال ابن عطية: «وقوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) قال فيه المفسرون المعنى: ومن آمن وعرف أن كل شيء بقضاء الله وقدره، وعلمه، هانت عليه مصيبته وسلم الأمر لله تعالى»90.
فعلى هذا القول تكون الهداية هداية الإرشاد إلى معرفة الله والإيمان بقدره وحكمته. وقد دلت الآية على أن الله سبحانه وتعالى هو الذي يلقي الهداية في نفس العبد ويؤيده ما «قرأ سعيد بن جبير وطلحة بن مصرف: «نهد» بالنون»91.
«وقرأ أبو بكر الصديق، وعاصم الجحدري، وأبو نهيك: «يهد» بياءٍ مفتوحة. ونصب الدال «قلبه» بالرفع. قال الزجاج: هذا من هدأ يهدأ: إذا سكن. فالمعنى: إذا سلم لأمر الله سكن قلبه»92.
ومعناه حصول الطمأنينة فيه.
ومن لوازم الإيمان بالله الإيمان بالقدر خيره وشره.
ثانيًا: الإيمان بالقدر:
إذا حقق المغموم الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، وآمن أن كل شيء بقضاء الله وقدره، ولا راد لما قدر وقضى من أحدٍ من مخلوقاته، ووقف وقفة مع نفسه عند حلول الهم والحزن بسبب ما نزل به، وتذكر بأن الذي قدر هو رب الأرض والسماء، ورب العرش العظيم، ورب الخلق أجمعين، وعرف أن هذا من تمام أركان الإيمان (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [القمر:٤٩].
(وتؤمن بالقدر خيره وشره)93؛ نزل في قلبه الطمأنينة والسكينة، وزال عنه ما حل به الغموم والهموم والأحزان.
قال ابن القيم: «وقيل: أكثر الناس همًا بالدنيا أكثرهم همًا في الآخرة، وأقلهم همًا بالدنيا أقلهم همًا في الآخرة. فالإيمان بالقدر والرضى به: يذهب عن العبد الهم والغم والحزن»94.
وينتج عن الإيمان بالله وبالقدر خيره وشره قناعة العبد بما قسم الله له من رزق وصحة ونحوها.
ثالثًا: القناعة:
القناعة هي قبول الحظ المقسوم للإنسان من الرزق والمال والأولاد والقوة والصحة والمتاع، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس)95.
وأثر القناعة كسبب لدفع الهموم هام جدًا، إذ إن كل قنوع غير متشوف لما في أيد الناس، وغير ساخط على حاله من الفقر أو الصحة أو غيره. لذلك وصف الله أهل السعادة بالصبر حال البلاء والجود حال العافية، وجعلها خلقا لهم من دون سائر الناس.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [هود:٩-١١].
ويروى: (الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن، والرغبة في الدنيا تطيل الهم والحزن)96.
قيل لبعض الحكماء: «فما سرور الدنيا؟ قال: الرضاء بما رزقت. قال: فما غمها؟ قال: الحرص على ما لعلك لا تناله»97.
وقال ابن القيم: «وإنما تحصل الهموم والغموم والأحزان من جهتين، أحداهما: الرغبة في الدنيا والحرص عليها. والثاني: التقصير في أعمال البر والطاعة»98.
وقال أيضًا: «الرابع عشر (من استواء النعمة والبلية عند المؤمن في الرضى بهما؛ لأنهما من الرضى عن الله): أن السخط باب الهم والغم والحزن، وشتات القلب، وكسف البال، وسوء الحال، والظن بالله خلاف ما هو أهله، والرضى يخلصه من ذلك كله، ويفتح له باب جنة الدنيا قبل جنة الآخرة»99.
رابعًا: طاعة الله ورسوله:
وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فرع عن الإيمان بالله، وهو أنجح وسيلة للنجاة من الغم والهم والحزن والشفاء منه، وذلك بالالتزام بما أمر الله به ورسوله، والانتهاء عما نهى الله عنه ورسوله، ففيهما كمال السعادة، وذهاب الغموم والهموم والأحزان.
قال الله تعالى: (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [آل عمران:١٣٢].
وقال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [المائدة:٩٢].
وقال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأنفال:١].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأنفال:٤٦].
وقال تعالى : (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [النور:٥٤].
وقال: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [النور:٥٢].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن الله قد ضمن السعادة لمن أطاعه وأطاع رسوله، وتوعد بالشقاء لمن لم يفعل ذلك، فمناط السعادة طاعة الله ورسوله، كما قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [النساء:٦٩]»100.
وقال ابن القيم: «قال بعض العلماء: فكرت في سعي العقلاء فرأيت سعيهم كلهم في مطلوب واحد، وإن اختلفت طرقهم في تحصيله، رأيتهم جميعهم إنما يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم؛ فهذا في الأكل والشرب، وهذا في التجارة والكسب، وهذا بالنكاح، وهذا بسماع الغناء والأصوات المطربة، وهذا باللهو واللعب. فقلت: هذا المطلوب مطلوب العقلاء، ولكن الطرق كلها غير موصلة إليه، بل لعل أكثرها إنما يوصل الى ضده، ولم أر في جميع هذه الطرق طريقًا موصلًا اليه.
بل لعل أكثرها إنما يؤثر إلى الإقبال على الله وحده، ومعالمته وحده، وإيثار مرضاته على كل شيء، فإن سالك هذا الطريق فاته حظه من الدنيا فقد ظفر بالحظ العالي الذي لا فوت معه، وإن حصل للعبد حصل له كل شيء، وإن فاته فاته كل شيء، وإن ظفر بحظه من الدنيا ناله على أهنى الوجوه، فليس للعبد أنفع من هذا الطريق، ولا أوصل منه إلى لذته وبهجته وسعادته. وبالله التوفيق»101.
وقال أيضًا في سياق تفسير قوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [النساء:٥٩].
«وقد اتفق السلف والخلف على أن الرد إلى الله هو: الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته، والرد إلى سنته بعد وفاته؛ سعادة الدارين. ثم قال تعالى: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ): أي هذا الذي أمرتكم به من طاعتي وطاعة رسولي وأولياء الأمر، ورد ما تنازعتم فيه إلي وإلى رسولي، خير لكم في معاشكم ومعادكم، وهو سعادتكم في الدارين، فهو خير لكم، وأحسن عاقبة.
فدل هذا على أن طاعة الله ورسوله، وتحكيم الله ورسوله، هو سبب السعادة عاجلًا وآجلًا، ومن تدبر العالم والشرور الواقعة فيه، علم أن كل شر في العالم سببه مخالفة الرسول، والخروج عن طاعته، وكل خير في العالم فإنه بسبب طاعة الرسول، وكذلك شرور الآخرة وآلامها وعذابها، إنما هو من موجبات مخالفة الرسول ومقتضياتها، فعاد شر الدنيا والآخرة إلى مخالفة الرسول وما يترتب عليه.
فلو أن الناس أطاعوا الرسول حق طاعته لم يكن في الأرض شر قط، وهذا كما أنه معلوم في الشرور العامة، والمصائب الواقعة في الأرض، فكذلك هو في الشر والألم والغم الذي يصيب العبد في نفسه، فإنما هو بسبب مخالفة الرسول؛ ولأن طاعته هي الحصن الذي من دخله كان من الآمنين، والكهف الذي من لجأ إليه كان من الناجين؛ فعلم أن شرور الدنيا والآخرة إنما هو الجهل بما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم والخروج عنه، وهذا برهان قاطع على أنه لا نجاة للعبد ولا سعادة إلا: بالاجتهاد في معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم علمًا، والقيام به عملًا كمال السعادة»102.
وقد خص القرآن الكريم في هذا الباب من عموم الطاعات ثنتين: الصبر والصلاة.
خامسًا وسادسًا: الصبر والصلاة:
أمر القرآن الكريم المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما أمر بني إسرائيل بأن يستعينوا على ما نزل بهم من البلاء بالصبر والصلاة، فقال سبحانه مخاطبا بني إسرائيل: (ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [البقرة:٤٥-٤٦].
قال ابن جرير: «يعني بقوله جل ثناؤه: (ﮰ ﮱ): استعينوا على الوفاء بعهدي الذي عاهدتموني في كتابكم من طاعتي واتباع أمري، وترك ما تهوونه من الرياسة وحب الدنيا إلى ما تكرهونه من التسليم لأمري، واتباع رسولي محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر عليه والصلاة»103.
و«الصبر: الإمساك في ضيق، يقال: صبرت الدابة: حبستها بلا علف، وصبرت فلانًا: خلفته خلفة لا خروج له منها.
والصبر: حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه، فالصبر لفظ عام، وربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النفس لمصيبة سمي صبرا لا غير، ويضاده الجزع، وإن كان في محاربة سمي شجاعة، ويضاده الجبن، وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحب الصدر، ويضاده الضجر، وإن كان في إمساك الكلام سمي كتمانا، ويضاده المذل، وقد سمى الله تعالى كل ذلك صبرًا»104.
ولما عطف الصبر على الصلاة قال بعض المفسرين إن المقصود به الصيام، وذلك لتضمن الصيام للصبر.
قال ابن جرير: «وقد قيل: إن معنى «الصبر» في هذا الموضع: الصوم، و«الصوم» بعض معاني «الصبر». وتأويل من تأول ذلك عندنا أن الله تعالى ذكره أمرهم بالصبر على ما كرهته نفوسهم من طاعة الله، وترك معاصيه. وأصل الصبر: منع النفس محابها، وكفها عن هواها؛ ولذلك قيل للصابر على المصيبة: صابر، لكفه نفسه عن الجزع؛ وقيل لشهر رمضان «شهر الصبر»، لصبر صائميه عن المطاعم والمشارب نهارا، وصبره إياهم عن ذلك: حبسه لهم، وكفه إياهم عنه، كما تصبر الرجل المسيء للقتل فتحبسه عليه حتى تقتله. ولذلك قيل: قتل فلان فلانًا صبرًا، يعني به: حبسه عليه حتى قتله، فالمقتول «مصبور»، والقاتل «صابر»»105.
ويحتمل أن يكون الصبر على إطلاقه وحينئذ «ففيما أمروا بالصبر عليه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه أداء الفرائض، قاله ابن عباس ومقاتل. والثاني: أنه ترك المعاصي، قاله قتادة. والثالث: عدم الرئاسة»106.
وأما الأمر الثاني الذي أمروا أن يستعينوا به فهو الصلاة: (ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [البقرة:٤٥-٤٦].
و«خص الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات تنويها بذكرها وكان عليه السلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة»107.
قال ابن جرير: «فإن قال لنا قائل: قد علمنا معنى الأمر بالاستعانة بالصبر على الوفاء بالعهد والمحافظة على الطاعة، فما معنى الأمر بالاستعانة بالصلاة على طاعة الله، وترك معاصيه، والتعري عن الرياسة، وترك الدنيا؟ قيل: إن الصلاة فيها تلاوة كتاب الله، الداعية آياته إلى رفض الدنيا وهجر نعيمها، المسلية النفوس عن زينتها وغرورها، المذكرة الآخرة وما أعد الله فيها لأهلها. ففي الاعتبار بها المعونة لأهل طاعة الله على الجد فيها، كما روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة108»109.
هذا ومع أن الله عز وجل قد أمر بالاستعانة بالصبر والصلاة، غير أنه أخبر أنها ستثقل على كثير من الناس: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ): «(ﯕ): يعني الصلاة وقيل الاستعانة (ﯖ) أي ثقيلة (ﯗ ﯘ ﯙ) يعني المؤمنين، وقيل: الخائفين، وقيل: المطيعين المتواضعين لله، وأصل الخشوع السكون؛ فالخاشع ساكن إلى الطاعة، وقيل: الخشوع الضراعة، وأكثر ما تستعمل في الجوارح.
وإنما كانت الصلاة ثقيلة على غير الخاشعين لأن من لا يرجو لها ثوابًا ولا يخاف على تركها عقابًا فهي ثقيلة عليه. وأما الخاشع الذي يرجو لها ثوابا ويخاف على تركها عقابا فهي سهلة عليه»110.
فلما كان الصبر والصلاة عونا على البلاء بأنواعه ومخففا لوقعه في النفس «أمر الله جل ثناؤه الذين وصف أمرهم من أحبار بني إسرائيل أن يجعلوا مفزعهم في الوفاء بعهد الله الذي عاهدوه إلى الاستعانة بالصبر والصلاة كما أمر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له: (ﮆ) يا محمد (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [طه:١٣٠].
فأمره جل ثناؤه في نوائبه بالفزع إلى الصبر والصلاة»111.
وكما توجه هذا الأمر لأهل الكتاب، فقد أمر به المسلمون أيضا كما في قوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [البقرة:١٥٣-١٥٤].
وهو ما يؤكد أن هذه الوصية الإلهية قد توجهت إلى المؤمنين من أتباع جميع أنبياء الله عليهم السلام.
سابعًا: الدعاء:
في معرض خبره سبحانه عن الذين أمرنا أن نقتدي بهم من الأنبياء، قص القرآن الكريم دعوة يونس عليه السلام في بطن الحوت.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الأنبياء:٨٧-٨٨].
أما «النون» فهو: الحوت ولقب به يونس لأنه التقمه ولبث في بطنه112.
ومعنى أنه ذهب مغاضبًا: أي لقومه، «وذلك أن يونس بن متى، عليه السلام، بعثه الله إلى أهل قرية «نينوى»، وهي قرية من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله، فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضبا لهم»113.
قال السعدي: «والظاهر أن عجلته ومغاضبته لقومه وخروجه من بين أظهرهم قبل أن يأمره الله بذلك، ظن أن الله لا يقدر عليه، أي: يضيق عليه في بطن الحوت فركب في السفينة مع أناس، فاقترعوا، من يلقون منهم في البحر؟ لما خافوا الغرق إن بقوا كلهم، فأصابت القرعة يونس، فالتقمه الحوت، وذهب به إلى ظلمات البحار، فنادى في تلك الظلمات: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) فأقر لله تعالى بكمال الألوهية، ونزهه عن كل نقص، وعيب وآفة، واعترف بظلم نفسه وجنايته. قال الله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ)[الصافات:١٤٣-١٤٤].
ولهذا قال هنا: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) أي الشدة التي وقع فيها (ﮬ ﮭ ﮮ) وهذا وعد وبشارة لكل مؤمن وقع في شدة وغم أن الله تعالى سينجيه منها ويكشف عنه ويخفف لإيمانه كما فعل بـ «يونس» عليه السلام»114.
وقد تضمنت الآية أن يونس عليه السلام قد أصابه من البلاء الذي نزل به غم فكشفه عز وجل عنه بكشف أسبابه حين توجه إليه داعيا مخلصا، كما تضمنت أن هذا الدعاء مستجاب من جميع المؤمنين كما استجيب منه عليه السلام.
وقد وقع النص على ذلك صراحة في ما روى الترمذي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له)115.
وفي رواية للحاكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (هل أدلكم على اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى؟ الدعوة التي دعا بها يونس حيث ناداه في الظلمات الثلاث، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين). فقال رجل: يا رسول الله، هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تسمع قول الله عز وجل: (ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ))116.
وعليه فالدعاء من أعظم أسباب علاج الغم وتفريج الكربة لمن توجه إلى الله مخلصًا متضرعًا. وقد تضمنت السنة -في هذا الباب- أدعية نبوية مأثورة كثيرة جدًا مبثوثة في كتب الأدعية والأذكار، منها:
ثامنًا: الذكر والاستغفار والتوبة:
من أسباب النجاة من الغم: المداومة على الذكر الشرعي: كقراءة القرآن الكريم مع التدبر والتفكر، والإكثار من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والتوبة والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، مصحوبًا كل ذلك بالتذلل والخضوع لمالك الملك، ومفرج الكروب، وكاشف الهم والغم، الرب العظيم الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا، وذلك في كل حال من الأحوال، وفي كل وقت من الأوقات، ليلًا ونهارًا؛ فيزيل بذلك الهم والغم عن القلب، ويجلب له الفرح والسرور والبسط.
ويشهد لذلك قوله سبحانه عن يونس: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الأنبياء:٨٧-٨٨].
أي: «واذكر قصة صاحب الحوت، وهو يونس بن متى عليه السلام، أرسله الله إلى قومه فدعاهم فلم يؤمنوا، فتوعدهم بالعذاب فلم ينيبوا، ولم يصبر عليهم كما أمره الله، وخرج من بينهم غاضبًا عليهم، ضائقًا صدره بعصيانهم، وظن أن الله لن يضيق عليه ويؤاخذه بهذه المخالفة، فابتلاه الله بشدة الضيق والحبس، والتقمه الحوت في البحر، فنادى ربه في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت تائبًا معترفًا بظلمه؛ لتركه الصبر على قومه، قائلا: لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين. فاستجبنا له دعاءه، وخلصناه من غم هذه الشدة، وكذلك ننجي المصدقين العاملين بشرعنا»125.
وقد روى ابن جرير بسنده عن سعد بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اسم الله الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى، دعوة يونس بن متى، قال: فقلت: يا رسول الله، هي ليونس بن متى خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: هي ليونس بن متى خاصةً، وللمؤمنين عامة إذا دعوا بها، ألم تسمع قول الله تبارك وتعالى (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) فهو شرط الله لمن دعاه بها)126.
هذا ومع تضمن كلام يونس عليه السلام لمعنى الدعاء فإنه لم يكن صريحًا.
كما نص على ذلك القرطبي في تفسير الآية، قال: «وليس هاهنا صريح دعاء وإنما هو مضمون قوله: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) فاعترف بالظلم فكان تلويحا»127.
وقد نص القرآن الكريم على أنه تسبيح في قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الصافات:١٤٣-١٤٤].
وتضمنت كلام يونس عليه السلام السالف إشارة إلى التوبة والاعتراف بالتقصير أيضا فإنها سبب في زوال الغموم.
وهو نص على أن الذكر والاستغفار سبب لرفع الكروب ورفع أسبابها.
وذكر ابن القيم رحمه الله خمسة عشر نوعًا من الدواء يذهب الله بها الهم والحزن وهي128:
الأول: توحيد الربوبية.
الثاني: توحيد الإلهية.
الثالث: التوحيد العلمي الاعتقادي.
الرابع: تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك.
الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.
السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء، وهو أسماؤه وصفاته، ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات: الحي القيوم.
السابع: الاستعانة به وحده.
الثامن: إقرار العبد له بالرجاء.
التاسع: تحقيق التوكل عليه والتفويض إليه، والاعتراف له بأن ناصيته في يده، يصرفه كيف يشاء، وأنه ماض فيه حكمه، عدل فيه قضاؤه.
العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن، ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان، وأن يستضيء به في ظلمات الشبهات واللهوات، وأن يتسلى به عن كل فائت، ويتعزى به عن كل مصيبة، ويستشفي به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه، وشفاء همه وغمه.
الحادي عشر: الاستغفار.
الثاني عشر: التوبة.
الثالث عشر: الجهاد.
الرابع عشر: الصلاة. الخامس عشر: البراءة من الحول والقوة، وتفويضهما إلى من هما بيده.
موضوعات ذات صلة: |
البشرى، البكاء، الحزن، الرضا، السعادة، الفرح، اليأس |
1 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان، ومن رأى كله واسعا، ٣/٢٥، رقم ١٩٠٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، ٢/٧٥٩، رقم ١٠٨٠.
2 مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٣٧٧.
3 الصحاح، الجوهري ٥/١٩٩٨.
4 جمهرة اللغة، ابن دريد ١/١٦٠.
5 انظر: الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص ٥٦٠.
6 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص ٢٥٤.
7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص ٥٠٥، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب العين ص٨٥٦.
8 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٢/٢٣٣.
9 العين، الفراهيدي ٣/٣٥٧.
10 المفردات، الراغب الأصبهاني ص ٨٤٥.
11 انظر فيض القدير، المناوي ٥/١٤٨.
12 انظر: مقاييس اللغة ٢/٥٤.
13 انظر: الصحاح، الجوهري ٥/٢٠٩٨.
14 التعريفات، الجرجاني ص ١١٧.
15 فيض القدير ٥/١٤٨.
16 الصحاح، الجوهري ١/٢١١.
17 المفردات ص ٧٠٦.
18 الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص١٨٥.
19 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/٣٦١.
20 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ١٩٣.
21 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٢٨.
22 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٣٥.
23 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٤٩٦.
24 المصدر السابق.
25 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٠٤.
26 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٣/٤٢.
27 مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/٤٩٦.
28 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢٤٨.
29 التحرير والتنوير ١٣/٤٣.
30 المصدر السابق ١٣/٤٢.
31 مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/٤٩٦، باختصار.
32 المصدر السابق ١٨/٤٩٩.
33 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه، ٤/١٨٠٧، رقم ٢٣١٥.
34 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢٤٨.
35 الموافقات الشاطبي ٢/١٧٥.
36 أخرجه أحمد في مسنده، ١٥/١٤١، رقم ٩٢٥٠.
وحسنه الألباني في إرواء الغليل ٦/٤٤.
37 الموافقات، الشاطبي ٢/١٧٦.
38 التحرير والتنوير ١٣/٤٣.
39 مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/٤٩٧
40 عزاه ابن كثير في تفسره ٤/٤٠٦ إلى ابن أبي حاتم ، وقال: وهذا حديث غريب، فيه نكارة.
41 انظر: جامع البيان، الطبري ١٦/٢٢٧-٢٢٩.
42 مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/٤٩٧.
43 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا بك لمحزونون)، ٢/٨٣، رقم ١٣٠٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم، ٤/١٨٠٧، رقم ٢٣١٥.
44 المصدر السابق ١٨/٤٩٨.
45 الفوائد، ابن القيم ص ٢٧.
46 لباب التأويل، الخازن ٤/٣٤١.
47 انظر: الهم والحزن، ابن أبي الدنيا ص ٤٩.
48 هو طرفة بن العبد، انظر ديوانه ص ١٨.
49 انظر: علاج الهموم، محمد المنجد ص ١.
50 مدارج السالكين ٣/١٥٧.
51 المصدر السابق ٣/١٨٨.
52 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ٣/٢٦٧، رقم ٣٣٦٧، وعبد بن حميد في مسنده، ١/١٦٥، رقم ٤٤٥.
53 انظر: ميزان العمل، أبو حامد الغزالي ص ١٢٧.
54 صيد الخاطر ص ١١٠.
55 بحر الفوائد ص ٢١٠.
56 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٢٣.
57 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٧٩.
58 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٣٠٣.
59 لباب التأويل، الخازن ١/٣٢٩.
60 التحرير والتنوير ٤/١٩٠.
61 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، ٧/١١٤، رقم ٥٦٤١، ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض، أو حزن، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، ٤/١٩٩٢، رقم ٢٥٧٢.
62 المفردات ص ٤٩٥.
63 انظر: فتح الباري، ابن حجر ١٠/١٠٤.
64 شرح صحيح مسلم، النووي ١٦/١٣٠’
65 إرشاد الساري، القسطلاني ٨/٣٤٠.
66 فتح الباري، ابن حجر ١٠/١٠٥.
67 إرشاد الساري، القسطلاني ٨/٣٤١.
68 جامع البيان، الطبري ٢١/٥٣٨.
69 المصدر السابق ٢١/٥٣٩.
70 المصدر السابق.
71 قال ابن جرير: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم....الآية»ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:»لا يصيب ابن آدم خدش عودٍ، ولا عثرة قدم، ولا اختلاج عرقٍ إلا بذنب، وما يعفو عنه أكثر» جامع البيان، الطبري ٢١/٥٣٩.وهو مرسل كما هو واضح.
72 أخرجه أحمد في مسنده، ٢/٧٨، رقم ٦٤٩، والترمذي في سننه، أبواب الإيمان، باب ما جاء لا يزني الزاني وهو مؤمن، ٥/١٦، رقم ٢٦٢٦.
قال الترمذي: حديث حسن غريب.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، ص٧٨٣، رقم ٥٤٢٣.
73 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٧.
74 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٣٩٦.
75 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض، أو حزن، أو نحو ذلك حتى الشوكة يشاكها، ٤/١٩٩٣، رقم ٢٥٧٤.
76 الأذى.
77 أخرجه أحمد في مسنده، ١/٢٣٠، رقم ٦٨.
وصححه بن حبان، كما في فتح الباري، ابن حجر ١٠/١٠٤.
78 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٥/٣٩٦-٣٩٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤١٧-٤٢١.
79 أي: اصطدم به، وكان لا يريد أن يمر عليه..ومعنى صك: ضرب، والمحمل: شقان على البعير يحمل فيهما، والحبل الذي يعلق به السيف.
انظر: تاج العروس، الزبيدي ٢٨/٣٤٦.
80 نوادر الأصول، الحكيم الترمذي ٢/١٦.
81 المصدر السابق.
82 الجامع لأحكام القرآن ٥/٣٩٧.
83 المصدر السابق.
84 نوادر الأصول، الحكيم الترمذي ٢/١٧.
85 لباب التأويل، الخازن ١/٩٤.
86 التحرير والتنوير ٢/٥٧.
87 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة، ٢/٦٣١، رقم ٩١٨.
88 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣١٩.
89 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٣٧.
90 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣١٩.
91 المصدر السابق.
92 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٢٩٣، أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٢١٨.
93 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، والإسلام، والقدر وعلامة الساعة، ١/٣٦، رقم ٨.
94 مدارج السالكين ٢/٢٢١.
95 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الغنى غنى النفس، ٨/٩٥، رقم ٦٤٤٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب ليس الغنى عن كثرة العرض، ٢/٧٢٦، رقم ١٠٥١.
96 أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، ٦/١٧٧، رقم ٦١٢٠ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الزهد في الدنيا يريح القلب، والجسد). ثم قال:لم يرو هذا الحديث عن علي بن زيد إلا أشعث بن براز، تفرد به يحيى بن بسطام.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠/٢٨٦: وفيه أشعث بن نزار ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم.
وفي حلية الأولياء لأبي نعيم ٦/٢٨٨ عن عبد الله الداري قال:» كان أهل العلم بالله والقبول منه يقولون: إن الزهد في الدنيا يريح القلب والبدن وإن الرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن وإن الشبع يقسي القلب ويفتر البدن».
97 انظر: سراج الملوك، الطرطوشي ص ١٥٧.
98 عدة الصابرين ص ٢٢٧.
99 مدارج السالكين ٢/٢٠٧.
100 منهاج السنة ٣/٢٤٤.
101 الجواب الكافي ص ١٣٦.
102 زاد المهاجر إلى ربه ص ٤٣.
103 جامع البيان، الطبري ١/١٠.
104 المفردات ص ٤٧٤.
105 جامع البيان، الطبري ١/١١.
106 زاد المسير ١/٦١.
107 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٣٧١.
108 عن حذيفة قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة). أخرجه أبو داود في سننه، أبواب قيام الليل، باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، ٢/٣٥، رقم ١٣١٩، وأحمد في مسنده، ٣٨/٣٣٠، رقم ٢٣٢٩٩.وحسنه الألباني.
109 جامع البيان، الطبري ١/١٢.
110 لباب التأويل، الخازن ١/٤٣.
111 جامع البيان، الطبري ١/١٤.
112 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٣٦٦.
113 المصدر السابق.
114 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٢٩.
115 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، ٥/٥٢٩، والحاكم في المستدرك، كتاب الدعاء، والتكبير، والتهليل، والتسبيح والذكر، ١/٦٨٤، رقم ١٨٦٢. وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ولم يتعقبه الذهبي.وصححه الألباني.
116 المستدرك على الصحيحين، ١/٦٨٥، رقم ١٨٦٥.
117 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الكرب، ٨/٧٥، رقم ٦٣٤٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الدعاء عند الكرب، ٤/٢٠٩٢، رقم ٢٧٣٠.
118 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من غزا بصبي للخدمة، ٤/٣٦، رقم ٢٨٩٣.
119 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم، ٥/٥٢٠، رقم ٣٤٨٤.
وحسنه الألباني في الكلم الطيب ص ١١٦.
120 أخرجه أبو داود في سننه، أبواب النوم، باب ما يقول إذا أصبح، ٤/٣٢٤، رقم ٥٠٩٠.
وحسنه الألباني في الكلم الطيب ص١١٧.
121 أخرجه أبو داود في سننه، باب في الاستغفار، ٢/٨٧، رقم ١٥٢٥.
وصححه الألباني في الكلم الطيب ص ١١٧.
122 أخرجه أحمد في مسنده، ٦/٢٤٦، رقم ٣٧١٢.
وصححه الألباني في الكلم الطيب ص ١١٨.
123 أخرجه أحمد في مسنده، ٣/٦٥، رقم ١٤٦٢.
وصححه الألباني في الصحيحة رقم ١٩٩.
124 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ٤/٦٣٦، رقم ٢٤٥٧.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم ٩٥٤.
125 التفسير الميسر ص ٣٢٩.
126 جامع البيان، الطبري ١٨/٥١٩.
127 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣٣٤.
128 انظر: زاد المعاد ٤/١٨٠.