عناصر الموضوع
الغلو
أولًا: المعنى اللغوي:
أصل مادة (غلو) تدل على ارتفاعٍ ومجاوزة قدرٍ. يقال: غلا السعر يغلو غلاءً، وذلك ارتفاعه. وغلا الرجل في الأمر غلوًا، إذا جاوز حده1.
ويقال: «غلا في الأمر والقول والدين غلوًا: جاوز القدر»2.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو في الدين)3، أي: التشدد فيه ومجاوزة الحد، والحديث الآخر: (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق)4.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرفه بعض العلماء بأنه: «مجاوزة الحد، بأن يزاد في الشيء، في حمده أو ذمه على ما يستحق»5.
وعرفه الحافظ ابن حجر بأنه: «المبالغة في الشيء، والتشديد فيه بتجاوز الحد»6.
وردت مادة (غلو) في القرآن الكريم مرتين فقط7.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٢ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [النساء:١٧١] |
وجاء الغلو في الاستعمال القرآني بمعناها اللغوي، وهو الإفراط ومجاوزة الحد8.
ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [المائدة:٧٧] أي: لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق9.
الطغيان:
الطغيان لغة:
كل شيء يجاوز القدر فقد طغى، مثل ما طغى الماء على قوم نوحٍ، وكما طغت الصيحة على ثمود. والطاغية: الجبار العنيد10.
الطغيان اصطلاحًا:
تجاوز الحد في العصيان 11.
الصلة بين الطغيان والغلو:
ومن خلال النصوص السابقة نتبين أن الطغيان هو مجاوزة القدر والحد الواجب؛ وهو بهذا لا يكاد يفترق عن الغلو إلا بما يصاحبه - غالبًا - من الاستعلاء والتكبر والتجبر كتكبر وطغيان فرعون. أما الغلو فلا يلزم معه تكبر أو استعلاء، فكثيرًا ما يغالي في دين الله تعالى قوم ضعاف من الفقراء أو العامة ونحوهم.
البغي:
البغي لغة:
هو الظلم وقصد الفساد، ومنه قوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [البقرة:١٧٣].
«أي غير باغ على المسلمين، مفارق لجماعتهم، ولا عاد عليهم بسيفه. ويقال: غير عاد في الأكل حتى يشبع ويتزود»12.
البغي اصطلاحًا:
البغي: طلب الاستعلاء بغير حق13.
الصلة بين البغي والغلو:
البغي هو قصد الفساد بإجماع أهل اللغة كما ذكر الزجاج، وكأن الذي يفرقه عن الاعتداء أن الاعتداء فيه قصد المجاوزة وإن لم يبغ فسادا، أما البغي فهو قصد الفساد ابتداء.
الوسطية:
الوسطية لغة:
ما بين طرفي الشيء أو هو النصف، يقال: جلس فلان وسط القوم، أي صار في وسطهم. وشيء بين الجيد والرديء، والشجاعة وسط بين التهور والجبن، والاعتدال في النفقة: وسط بين الإسراف والتقتير أو البخل، والتوسط بين الناس: الوساطة14.
الوسطية اصطلاحا:
الوسطية تعني الاعتدال والتوازن، ويعنى بها التعادل بين طرفين متقابلين أو متضادين بدون إفراط أو تفريط بحيث لا ينفرد أحدهما بالتأثير ويطرد الطرف المقابل، وبحيث لا يأخذ أحد الطرفين أكثر من حقه، ويطغى على مقابله ويحيف عليه، وهذه الوسطية هي العدل والطريق الأوسط الذي تجتمع عنده الفضيلة15.
الصلة بين الوسطية والغلو:
الوسطية تعني الاعتدال بين الغلو والتساهل، والغلو تمسك بالطرف المتشدد.
للغلو في الدين أضرار كثيرة بينها القرآن الكريم وهذه الأضرار يعود أثرها على الخلق، كما تعود على الدين نفسه بالتشويه والنقص، وهي على نوعين:
أولًا: أضرار دينية:
الغلو ضلال عن الحق، وقول على الله بغير علم، وابتداع في الدين، وتشويه لصورته، وتنفير للناس منه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [النساء:١٧١].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المائدة:٧٧].
فبين سبحانه في هذه الآية أن هذا الغلو من أهل الكتاب إنما هو ضلال وقول بغير الحق وابتداع لا ينطلق من شرع الله؛ وإنما ينطلق من اتباع الهوى والتقليد بغير بينة، وتكرار مادة الضلال فيه ثلاث مرات يؤكد أن الغلو إمعان في الضلال.
قال الطبري: «(ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ)، يقول: لا تفرطوا في القول فيما تدينون به من أمر المسيح، فتجاوزوا فيه الحق إلى الباطل»16.
فتبين بذلك أن الغلو تجاوز الحق إلى الباطل، وصدق الله تعالى حيث قال: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ) [يونس:٣٢].
فالمغالي متزيد على الله تعالى، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه يستحسن شرعا لم يأت به الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فكأنه يعتقد نقصان الشرع فراح يستدرك عليه، أو يعتقد تمامه وكماله فيلزمه اعتقاد تقصير محمد صلى الله عليه وسلم في التبليغ أو كتمانه ما أمر بتبليغه؛ ومن ثم «قال ابن الماجشون سمعت مالكًا يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة، لأن الله يقول: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ)[المائدة:٣].
فما لم يكن يومئذٍ دينا لا يكون اليوم دينا. وقال الشافعي رحمه الله: من استحسن -يعني: بدعة- فقد شرع. وقال أحمد بن حنبل رحمه الله: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة» 17.
«وتدلنا هذه الآية أيضًا أن ضلالهم هذا كان آتيًا من غلوهم في الدين. وها نحن نرى بعد ذلك كيف يفصل القرآن هذا الإجمال:
(ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [التوبة:٣٠].
(ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [المائدة:٧٢].
(ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [المائدة:٧٣-١١٦].
(ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [آل عمران:٧٩-٨٠]» 18.
ثانيًا: أضرار على الخلق:
للغلو أضرار كثيرة على العباد؛ وهو من ضروب الفساد التي نهى الله تعالى عنها في كتابه الكريم.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [البقرة:٢٠٥].
وقال سبحانه: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [القصص:٧٧].
وهذه الأضرار؛ منها أضرار مجتمعية تعود على المجتمع بالخراب والدمار ويصطلي الناس بنارها، ومنها أضرار عالمية تعود على الناس كافة بصدهم عن سبيل الله تعالى، ومنعم من الدخول في رحمة الله وفضله بصدهم عن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله تعالى رحمة للعالمين، قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأنبياء:١٠٧].
ومن ثم يمكننا أن نقسم هذه الأضرار التي تعود على البشر من جراء الغلو إلى:
١. أضرار مجتمعية محلية.
فمن هذه الأضرار المجتمعية المحلية:
ذم القرآن التفرق ونهى عنه وبين سوء عاقبته؛ قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنفال:٤٦].
ومما لا شك فيه أن اعتقاد طائفة من الناس أنهم قد اختصوا بفهم زائد في الدين فوق ما عليه السواد الأعظم من أهل العلم وأولي الأمر منهم ممن تجب طاعتهم على عامة الأمة فإن ذلك سيؤدي بلا شك إلى تفريق الأمة وتمزيقها بين من يتبع هؤلاء الخارجين على أهل العلم وأولي الأمر، وبين من يتمسك بما عليه سواد الأمة، وهذا التفرق والتشرذم مما يضعف قوة الأمة ويذهب قوتها؛ كما هو واضح من نص الآية السابقة.
فبين الله تعالى أن عاقبة التفرق والتنازع الفشل وذهاب الريح وضعف القوى؛ «فأمر تعالى بالثبات عند قتال الأعداء والصبر على مبارزتهم،، وأن يطيعوا الله ورسوله في حالهم ذلك. فما أمرهم الله تعالى به ائتمروا، وما نهاهم عنه انزجروا، ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضًا فيختلفوا فيكون سببًا لتخاذلهم وفشلهم.
(ﭗ ﭘ) أي: قوتكم وحدتكم وما كنتم فيه من الإقبال»19.
يحدث هذا عندما يدعي طائفة من الناس - هم المغالون في الدين - أن ما هم عليه من الغلو هو الدين الحق، وهو - بلا شك - ليس في استطاعة كل واحد من الناس - هذا على فرض كونه في أصله من الحق - فما بالكم إذا كان ذلك فهما مغلوطا في أغلبه يلبس فيه الحق بالباطل لموافقة الأهواء المريضة؛ فحينئذ قد يشعر غير القادرين على متابعة هؤلاء الغلاة - وهم جمهور الأمة وسوادها الأعظم - بالحرج ظنا منهم أنهم واقعون في التقصير، والحق أن الغلاة هم الخارجون على الشرع، وهم أولى بالحرج وأحق به ولا حرج على من سلك سبيل القصد والتوسط والاعتدال.
وهؤلاء المغالون يزعمون أنهم على الحق ويدعون الناس لاتباع ما هم عليه من الغلو والابتداع، كما حكى الله تعالى عن اليهود والنصارى؛ حيث لم يكتفوا بتحريف ملة إبراهيم بل يزعمون أنهم هم وحدهم على الهدى ويدعون الناس للدخول في ملتهم حتى يحصلوا الهدى على زعمهم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [البقرة:١٣٥-١٤٠].
استحلال الدماء والأموال، وإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار:
يترتب على الغلو آثار عديدة منها استحلال دماء الناس وأموالهم بناء على اعتقاد كفرهم ممن يغالي بتكفير المسلمين بالمعاصي كما هي عقيدة فرق الخوارج والمكفرة قديمًا وحديثًا.
وإذا كان الخوارج المعاصرون يغالون فيعتقدون أنهم أفضل وأعلم وأفهم من أهل العلم في زمانهم - فيسارعون بتخطئتهم بل وتكفيرهم في إنكارهم عليهم اعتقادهم الباطل بتكفير عصاة المسلمين مما ينتج عنه استحلال دمائهم وأموالهم - فلقد سبق أسلافهم فخطئوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واتهموه بالعصيان وأمروه بتقوى الله.
فعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، قال: (بعث عليٌ رضي الله عنه، إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبةٍ فقسمها بين الأربعة الأقرع بن حابسٍ الحنظلي، ثم المجاشعي، وعيينة بن بدرٍ الفزاري، وزيدٍ الطائي، ثم أحد بني نبهان، وعلقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلابٍ، فغضبت قريشٌ، والأنصار، قالوا: يعطي صناديد أهل نجدٍ ويدعنا، قال: (إنما أتألفهم). فأقبل رجلٌ غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية محلوقٌ، فقال: اتق الله يا محمد، فقال: (من يطع الله إذا عصيت؟ أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني) فسأله رجلٌ قتله، - أحسبه خالد بن الوليد - فمنعه، فلما ولى قال: (إن من ضئضئ هذا، أو: في عقب هذا قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عادٍ)20.
فأمثال هؤلاء الغلاة الذين لا يوقرون كبيرا، ولا يطيعون إماما هم الذين (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان)، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويشيعون الفوضى والفساد في الأرض، لا يرجعون إلى إمام عدل، ولا يوقرون عالمًا ولا أحدًا من أولي الأمر.
وماذا يرجا من انصياعهم لإمام أو توقير لعالم وقد انتقصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجابهوه بما يؤذيه وما لا يليق (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [التوبة:٦١].
٢. أضرار إنسانية عالمية.
تتخطى أضرار الغلو وآفاته الصعيد المحلي إلى الصعيد العالمي؛ فصاحب الغلو لا يقتصر غلوه على بني وطنه؛ بل يتعداه بالفساد إلى الناس جميعا؛ لأجل ذلك تراه يعيث في الأرض فسادًا، (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:٢٠٥].
حيث الكراهية الشديدة للآخر المخالف في العقيدة كراهية تخرج عن حد الكراهية لأجل الكفر؛ بل تتعدى ذلك إلى كراهية الخلق والرغبة في التعجيل بهم إلى النار عن طريق القتل وإزهاق الأرواح، دون تأن بهم لهدايتهم أو لإتاحة الفرصة لهم لرؤية سماحة الإسلام وصورته الغراء التي تغري باعتناقه والدخول فيه أو حسن الظن بأهله.
كل ذلك يشوه صورة الإسلام عند من لا يعرفه من الآخرين، ويصدهم عن الإيمان به، ويحرمهم من الدخول في رحمة الله: الرحمة المهداة للعالمين؛ وذلك بسبب ما يقوم به ذلك المغالي في بلاد غير المسلمين من تخريب أو تدمير بسبب كفرهم ظنا منه أن الحرب إنما شرعت لأجل قتل الناس لا لأجل دعوتهم وهدايتهم بصد صناديد الكفر الذين يصدون الناس عن دين الله تعالى، ويمنعون وصول الدعوة والهداية إليهم.
الغلو في الدين يأخذ أشكالا متعددة فهناك الغلو في الاعتقاد، والغلو في العبادة، والغلو في السلوك، والاعتقادي منه الكلي والجزئي.
أولًا: الغلو الاعتقادي:
فالمراد بالغلو الاعتقادي الكلي ما يتعلق بكليات الشريعة وأصولها كالغلو في الأولياء الصالحين بما يصل إلى الكفر كاعتقاد معرفتهم الغيب، أو قدرتهم على ما لا يقدر عليه غير الله كإغاثة المضطر وقضاء الحوائج، ونحو ذلك مما يعتقده الجهلة والمبتدعة، والغلو في عقيدة الولاء والبراء بالبراءة من العاصين، والغلو بتكفير العصاة، و وهذا النوع هو أشد أنواع الغلو.
وقد ذكر الله ما كان من المشركين في زمان النبي صلى الله عليه وسلم من غلو في الأولياء والأنبياء والصالحين - شابههم فيه بعض أهل الغلو في زماننا؛ فقال سبحانه: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [يونس:١٨].
فقول هؤلاء المشركين كقول غيرهم من غلاة أهل زماننا «فيمن يتخذونهم وسطاء بينهم وبين الخالق: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)» 21.
أما الاعتقادي فهو ما يخشى فيه من فساد الاعتقاد كالغلو في الأولياء الصالحين بما لا يصل إلى الكفر كاعتقاد وجوب شد الرحال لزيارتهم مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم22، ونحو ذلك.
ومن الغلو العقدي: ما حكاه القرآن الكريم من غلو اليهود والنصارى، وسبقت الإشارة إليه في شواهد الغلو في مواضع عديدة.
ثانيًا: الغلو التعبدي:
وهو الغلو بأحكام الشريعة العملية مثل العبادات بمختلف أشكالها القولية والفعلية، ولا شك أن هذا النوع أقل خطرًا، لكنه مدخلٌ بعد ذلك للنوع الأول «ويجري مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات، فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثيرٍ من الشريعة بالمعارضة، كما تصير القاعدة الكلية معارضةً أيضًا»23.
فمن ذلك ما كان يفعله أهل الجاهلية من طوافهم بالبيت عراة، وإدخال الصفير والتصفيق في طوافهم بالبيت، ونحو ذلك.
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأعراف:٣٣].
وفي تفسيرها يقول الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يتجردون من ثيابهم للطواف بالبيت، ويحرمون أكل طيبات ما أحل الله لهم من رزقه: أيها القوم، إن الله لم يحرم ما تحرمونه، بل أحل ذلك لعباده المؤمنين وطيبه لهم، وإنما حرم ربي القبائح من الأشياء وهي (ﮄ) (ﮅ ﮆ ﮇ)، فكان علانية (ﮈ ﮉ)، منها فكان سرًا في خفاء» 24.
وقوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الأنفال:٣٥].
قال ابن عباسٍ والحسن: المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق. قال ابن عباسٍ: كانت قريشٌ تطوف بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون»25.
ثالثًا: الغلو السلوكي:
فمن ذلك الغلو بالتشدد في معاملة الناس؛ بحيث لا يصبر على أخطائهم وزلاتهم، ولا يقبل أعذارهم، ولا يقيل عثراتهم، ولا يرضى منهم إلا بمثالية واستقامة تامة لا تكون إلا في النبيين والصديقين.
والناظر في كتاب الله تعالى يجد أن الله تعالى قد أمر بالتوسط والاعتدال في كل شيء؛ وهذا هو المفهوم من إطلاق الوصف بالوسطية في قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة:١٤٣].
وأمر تعالى بالاعتدال في معاملة الناس فقال: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الأعراف:١٩٩].
«قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معناه: خذ العفو من أخلاق الناس، واترك الغلظة عليهم، وقال: أمر بذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم في المشركين» 26.
وأمر بالاعتدال في الإنفاق فقال: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الإسراء:٢٩-٣٠].
وقال في صفات عباد الرحمن: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الفرقان:٦٧].
فالاعتدال والتوسط والقيام بالحق والقسط - إن لم يكن العفو والصفح والإحسان - مطلوب في كل شيء لا سيما في معاملة المرء لإخوانه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [النساء:١٣٥].
وقال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة:١٠٩].
وادعاء النسخ في مثل هذه الآيات لا ينافي العمل بها في سياقات مشابهة لما نزلت فيه من حيث حال الداعين والمدعوين والظروف المحيطة بالدعوة.
وقال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الشورى:٤٠-٤٣].
وليس ثمة أفضل من طريقة القرآن في بيان العدل والتوسط والإحسان في معاملة الناس؛ فقد ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب: عدل وفضل وظلم.
فمرتبة العدل، جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله.
ومرتبة الفضل: تقتضي الإصلاح والعفو عن المسيء، ولهذا قال: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) يجزيه أجرا عظيما، وثوابا كثيرا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به.
وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فليعف عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.
وأما مرتبة الظلم فقد ذكرها بقوله: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) الذين يجنون على غيرهم ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم.
(ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) أي: انتصر ممن ظلمه بعد وقوع الظلم عليه (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) أي: لا حرج عليهم في ذلك.
ودل قوله: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) وقوله: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) أنه لا بد من إصابة البغي والظلم ووقوعه.
وأما إرادة البغي على الغير، وإرادة ظلمه من غير أن يقع منه شيء، فهذا لا يجازى بمثله، وإنما يؤدب تأديبا يردعه عن قول أو فعل صدر منه.
(ﯨ ﯩ) أي: إنما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) وهذا شامل للظلم والبغي على الناس، في دمائهم وأموالهم وأعراضهم. (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) أي: موجع للقلوب والأبدان، بحسب ظلمهم وبغيهم.
(ﯹ ﯺ) على ما يناله من أذى الخلق (ﯻ) لهم، بأن سمح لهم عما يصدر منهم، (ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) أي: لمن الأمور التي حث الله عليها وأكدها، وأخبر أنه لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة، ومن الأمور التي لا يوفق لها إلا أولو العزائم والهمم، وذوو الألباب والبصائر.
فإن ترك الانتصار للنفس بالقول أو الفعل، من أشق شيء عليها، والصبر على الأذى، والصفح عنه، ومغفرته، ومقابلته بالإحسان، أشق وأشق، ولكنه يسير على من يسره الله عليه، وجاهد نفسه على الاتصاف به، واستعان الله على ذلك، ثم إذا ذاق العبد حلاوته، ووجد آثاره، تلقاه برحب الصدر، وسعة الخلق، والتلذذ فيه»27.
وهذا كما بينا مع جميع الناس فقد قال الله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ) [البقرة:٨٣].
وإذا كان المرء مأمورًا بالعفو والصفح والإحسان مع جميع الخلق فمع إخوانه من باب أولى.
أولًا: أسباب ذاتية:
للغلو أسباب ذاتية ترجع إلى الغالي نفسه منها:
١. اتباع الهوي.
قال سبحانه في آية المائدة: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المائدة:٧٧].
«والغلو نقيض التقصير. ومعناه الخروج عن الحد، وذلك لأن الحق بين طرفي الإفراط والتفريط، ودين الله بين الغلو والتقصير. وقوله غير الحق صفة المصدر، أي لا تغلوا في دينكم غلوًا غير الحق، أي غلوًا باطلًا، لأن الغلو في الدين نوعان: غلو حقٍ، وهو أن يبالغ في تقريره وتأكيده، وغلو باطلٍ وهو أن يتكلف في تقرير الشبه وإخفاء الدلائل، وذلك الغلو هو أن اليهود لعنهم الله نسبوه -أي: عيسى عليه السلام- إلى الزنا. وإلى أنه كذابٌ، والنصارى ادعوا فيه الإلهية.
ثم قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ). الأهواء هاهنا: المذاهب التي تدعو إليها الشهوة دون الحجة. قال الشعبي: ما ذكر الله لفظ الهوى في القرآن إلا ذمه.
قال تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [ص:٢٦].
وقال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ) [طه:١٦].
وقال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [النجم:٣].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الجاثية:٢٣].
قال أبو عبيدة: لم نجد الهوى يوضع إلا في موضع الشر. لا يقال: فلانٌ يهوى الخير، إنما يقال: يريد الخير ويحبه. وقال بعضهم: الهوى إلهٌ يعبد من دون الله. وقيل: سمي الهوى هوًى لأنه يهوي بصاحبه في النار، وقال رجل لا بن عباسٍ: الحمد لله الذي جعل هواي على هواك، فقال ابن عباسٍ: كل هوًى ضلالةٌ 28.
فنلاحظ أن الله تعالى ربط بين الغلو واتباع الهوى فقال: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) فكأن الجملة الثانية: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) قد وقعت بمثابة عطف البيان من الجملة الأولى (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) «جملة (ﭚ ﭛ): لا محل لها معطوفة على جملة جواب النداء» 29؛ ذلك أن الغلو اتباع للهوى.
٢. اتباع خطوات الشيطان.
لا شك أن أهم أسباب الغلو بجميع أنواعه هو اتباع الشيطان؛ فهو الذي يزين الباطل لأتباعه، وهو الذي يأمر الناس بالسوء والفحشاء والضلال في العقيدة بأن يقولوا على الله ما لا يعلمون.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [البقرة:١٦٨-١٦٩].
فقد أخبر ربنا سبحانه أن من أهم أسباب الغلو اتباع الشيطان فهو الذي يتدرج بالمرء خطوة خطوة نحو الضلال حتى يوقعه في الكفر بأن يتقول على الله ما لا يعلم؛ فينسب له سبحانه الولد والشريك ويصفه بما لا يليق به مما تنزه عنه ربنا سبحانه وتعالى جده.
قال الرازي: «احذر أن تتعداه إلى ما يدعوك إليه الشيطان، وزجر المكلف بهذا الكلام عن تخطي الحلال إلى الشبه كما زجره عن تخطيه إلى الحرام لأن الشيطان إنما يلقي إلى المرء ما يجري مجرى الشبهة فيزين بذلك ما لا يحل له فزجر الله تعالى عن ذلك، ثم بين العلة في هذا: التحذير، وهو كونه عدوا مبنيا أي متظاهرٌ بالعداوة، وذلك لأن الشيطان التزم أمورًا سبعةً في العداوة.
أربعةٌ منها في قوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النساء:١١٩].
وثلاثةٌ منها في قوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأعراف:١٦-١٧].
فلما التزم الشيطان هذه الأمور كان عدوًا مظاهرًا بالعداوة فلهذا وصفه الله تعالى بذلك.
وأما قوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) فهذا كالتفصيل لجملة عداوته، وهو مشتملٌ على أمورٍ ثلاثةٍ:
أولها: (ﯻ)، وهو متناولٌ جميع المعاصي سواءٌ كانت تلك المعاصي من أفعال الجوارح أو من أفعال القلوب.
وثانيها: (ﯼ) وهي نوعٌ من السوء، لأنها أقبح أنواعه، وهو الذي يستعظم ويستفحش من المعاصي.
وثالثها: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ)وكأنه أقبح أنواع الفحشاء، لأنه وصف الله تعالى بما لا ينبغي من أعظم أنواع الكبائر، فصارت هذه الجملة كالتفسير لقوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) فيدخل في الآية أن الشيطان يدعو إلى الصغائر والكبائر والكفر والجهل بالله»30
٣. الجهل.
هو سبب كل بلاء وسبب الغلو بصفة خاصة مع ركوب الهوى، وهو سبب كل مظاهر الغلو في حياتنا.
فالخروج على المسلمين بتكفيرهم وتقتيلهم ونحو ذلك إنما هو راجع إلى الجهل بالضبط الشرعي للأمر، وتشديد النصوص في أمر تكفير المسلم، واستحلال ماله ودمه.
وكذلك الغلو في الأولياء والصالحين بعبادتهم من دون الله إنما يرجع للجهل بما يجب نحوهم من المحبة والاقتداء دون اعتقاد قدرتهم عل التصرف في الأمور، وغيره من العقائد الفاسدة التي أورثها الجهل بالعقيدة الصحيحة.
وقد بين القرآن الكريم أن هذا الجهل كان هو السبب الأعظم في ضلال من ضل من الأمم السابقة، وفيما وقعو فيه من شرك بالله تعالى.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأعراف:١٣٨-١٣٩].
«يخبر تعالى عما قاله جهلة بني إسرائيل لموسى، عليه السلام، حين جاوزوا البحر، وقد رأوا من آيات الله وعظيم سلطانه ما رأوا، (ﭕ) أي: فمروا (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) قال بعض المفسرين: كانوا من الكنعانيين. وقيل: كانوا من لخمٍ.
قال ابن جريجٍ: وكانوا يعبدون أصنامًا على صور البقر، فلهذا أثار ذلك شبهةً لهم في عبادتهم العجل بعد ذلك، فقالوا: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) أي: تجهلون عظمة الله وجلاله، وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل.
(ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) أي: هالكٌ (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)»31.
فظهر من الآية أن سبب غلو بني إسرائيل في عبادة تلك الأصنام إنما كان بسبب جهلهم عظمة الله وجلاله، وما يجب أن ينزه عنه من الشريك والمثيل.
٤. التقليد.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الزخرف:١٥-٢٥].
«ذكر الله تعالى احتجاج الكفار لمذهبهم ليبين فساد منزعهم، وذلك أنهم جعلوا إمهال الله لهم وإنعامه عليهم وهم يعبدون الأصنام، دليلا على أنه يرضى عبادة الأصنام دينا، وأن ذلك كالأمر به، فنفى الله عن الكفرة أن يكون لهم علم بهذا وليس عندهم كتاب منزل يقتضي ذلك، وإنما هم يظنون ويخرصون ويخمنون، وهذا هو الخرص والتخرص.
وقرأ جمهور الناس: «على أمةٍ» بضم الهمزة، وهي بمعنى الملة والديانة، والآية على هذا تعيب عليهم التقليد»32.
فالجهل وتقليد الآباء هو ما أوقعهم فيما هم فيه من الغلو في نسبة الولد إلى الله، وادعائهم أن الملائكة بنات الله وغير ذلك من صنوف الشرك.
٥. الخوض في المتشابهات.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [آل عمران:٧-٩].
فبين ربنا سبحانه أن سبب ضلال هؤلاء إنما جاء من قبل خوضهم في المتشابه: إما ابتغاء الفتنة، وإما ابتغاء تأويله، وهذا غالب حال أهل الغلو.
ثانيًا: أسباب مجتمعية وعالمية:
لعل من الإنصاف أن نقول أيضا: إن من أسباب الغلو كذلك: العوامل والظروف المجتمعية والعالمية مثل: محاربة الدين، المحن والابتلاء، انتشار المعاصي والفتن، ترك الحكم بما أنزل الله.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [البقرة:٢١٧].
وقال تعالى (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة:١٠٩].
وهذا يكشف لنا مقدار ما يضمر أعداؤنا لنا من الحسد والحقد والبغض والعداوة؛ ولا شك أن ذلك كله مما يهيج مشاعر الغلاة؛ فيشتطون غضبا ويزدادون في تعنتهم وغلوهم، ويتخذون من تلك العداوة التي تظهر بين الحين والحين في صور شتى أيسرها ما يبدو من أفواههم من البغضاء من فلتات الألسن، وأكثرها ضررا ما يلحقون ببلاد المسلمين من غدر وتخريب وتدمير وقتل وإزهاق لنفوس الأبرياء، ولكن هذا كله لا ينبغي أن يواجه بأفعال الطيش والحماقة والتهور، وإنما يواجه بالإعداد الجيد دون استفزاز أو استنفار للعدو في وقت لا يكون للمسلمين طاقة بمواجهة أولئك الأعداء.
لكن أهل الغلو لا ينطلقون إلا من تلك المحاذير - لا يحركهم غيرها: الطيش والحماقة والتهور.
للغلو مظاهر عديدة كلها تدل على التشدد والمغالاة والتطرف والانحراف عن وسطية الإسلام السمحة؛ فمن ذلك: التكفير، الابتداع في الدين، الاعتداء على الناس وأموالهم، ادعاء العلم والتدين والغلو في المحبة أو الكراهية.
قال سبحانه في آية المائدة: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المائدة:٧٧].
قال ابن العربي في هذه الآية «نهى الله سبحانه أهل الكتاب عن الغلو في الدين من طريقيه: في التوحيد، وفي العمل؛ فغلوهم في التوحيد نسبتهم له الولد سبحانه، وغلوهم في العمل ما ابتدعوه من الرهبانية في التحليل والتحريم والعبادة والتكليف. وقال صلى الله عليه وسلم: (لتركبن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراعٍ، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه»33. وهذا صحيحٌ لا كلام فيه.
وقد ثبت في الصحاح (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع امرأةً من الليل تصلي، فقال: من هذه؟ قيل: الحولاء بنت تويتٍ لا تنام الليل كله. فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرفت الكراهية في وجهه، وقال: إن الله لا يمل حتى تملوا، اكلفوا من العمل ما تطيقون)3435.
فدل ذلك على شمول الغلو للاعتقاد والعمل؛ فغلوهم في الاعتقاد نسبتهم له الولد سبحانه، وغلوهم في العمل ما ابتدعوه من الرهبانية في التحليل والتحريم والعبادة والتكليف.
أولًا: التكفير:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [البقرة:١١٣].
فأخبر سبحانه أن كل واحد من الفريقين يكفر الآخر، وينكر ما معه من الحق، وهذا من الغلو الذي شابههم فيه أصحاب الفرق المبتدعة من المسلمين؛ حيث يتبرأ كل فريق من مخالفيه؛ وإن كانوا من أهل الملة يشاركونهم في أصول الدين وقواعده، وهذا من الظلم الواضح البين.
ويتدرج ذلك إلى الغلو في التكفير كما هو حال الخوارج وغيرهم من جماعات التكفير في تكفير عصاة المسلمين وإخراجهم من دائرة الإسلام إلى الكفر.
ثانيًا: الابتداع في الدين:
لما كان أهل الغلو هم الذين غالوا فانحرفوا عن سواء السبيل وقصده، وعن الصراط المستقيم الذي أمروا بلزومه لزمهم بذلك أن يكونوا من أهل البدع في الدين.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأنعام:١٥٣].
«فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه، وهو السنة، والسبل هي سبل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم، وهم أهل البدع، وليس المراد سبل المعاصي؛ لأن المعاصي من حيث هي معاصٍ لم يضعها أحدٌ طريقًا تسلك دائمًا على مضاهاة التشريع، وإنما هذا الوصف خاصٌ بالبدع المحدثات.
ويدل على هذا ما روى إسماعيل عن سليمان بن حربٍ، قال: حدثنا حماد بن زيدٍ عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائلٍ عن عبد الله قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا خطًا طويلًا، وخط لنا سليمان خطًا طويلًا، وخط عن يمينه وعن يساره، فقال: هذا سبيل الله ثم خط لنا خطوطًا عن يمينه ويساره وقال: هذه سبلٌ وعلى كل سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه ثم تلا هذه الآية: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) يعني الخطوط (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ))36.
قال بكر بن العلاء: «أحسبه أراد شيطانًا من الإنس، وهي البدع، والله أعلم».
وعن عمر بن سلمة الهمداني ؛ قال: «كنا جلوسًا في حلقة ابن مسعودٍ في المسجد وهو بطحاء قبل أن يحصب، فقال له عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وكان أتى غازيًا: ما الصراط المستقيم يا أبا عبد الرحمن؟ قال: هو ورب الكعبة الذي ثبت عليه أبوك حتى دخل الجنة.
ثم حلف على ذلك ثلاث أيمانٍ ولاءً، ثم خط في البطحاء خطًا بيده، وخط بجنبيه خطوطًا، وقال: ترككم نبيكم صلى الله عليه وسلم على طرفه، وطرفه الآخر في الجنة، فمن ثبت عليه، دخل الجنة، ومن أخذ في هذه الخطوط هلك.
وفي روايةٍ: «يا أبا عبد الرحمن! ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدناه، وطرفه في الجنة، وعن يمينه جوادٌ وعن يساره جوادٌ، وعليها رجالٌ يدعون من مر بهم: هلم لك! هلم لك! فمن أخذ منهم في تلك الطرق؛ انتهت به إلى النار، ومن استقام إلى الطريق الأعظم؛ انتهى به إلى الجنة، ثم تلا ابن مسعودٍ: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) الآية كلها.
وعن مجاهدٍ في قوله: (ﮀ ﮁ ﮂ)، قال: البدع والشبهات.
وعن عبد الرحمن بن مهدي: قد سئل مالك بن أنسٍ عن السنة؟ قال: هي ما لا اسم له غير السنة، وتلا: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ).
قال بكر بن العلاء: يريد إن شاء الله حديث ابن مسعودٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم خط له خطًا»، وذكر الحديث.
فهذا التفسير يدل على شمول الآية لجميع طرق البدع، لا تختص ببدعةٍ دون أخرى.
ومن الآيات قول الله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النحل:٩].
فالسبيل القصد هو طريق الحق، وما سواه جائرٌ عن الحق؛ أي: عادلٌ عنه، وهي طرق البدع والضلالات، أعاذنا الله من سلوكها بفضله، وكفى بالجائر أن يحذر منه، فالمساق يدل على التحذير والنهي.
وذكر ابن وضاحٍ ؛ قال: «سئل عاصم بن بهدلة، وقيل له: أبا بكرٍ!، هل رأيت قول الله تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النحل:٩]؟ قال: حدثنا أبو وائلٍ عن عبد الله بن مسعودٍ ؛ قال: (خط عبد الله خطًا مستقيمًا، وخط خطوطًا عن يمينه وخطوطًا عن شماله، فقال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا، فقال للخط المستقيم: هذا سبيل الله، وللخطوط التي عن يمينه وشماله: هذه سبلٌ متفرقةٌ، على كل سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه ؛ والسبيل مشتركةٌ؛ قال الله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) إلى آخرها).
عن التستري: (ﭮ ﭯ): طريق السنة، (ﭰ ﭱ)؛يعني: إلى النار، وذلك الملل والبدع».
وعن مجاهدٍ: (ﭮ ﭯ) ؛ أي المقتصد منها بين الغلو والتقصير، وذلك يفيد أن الجائر هو الغالي أو المقصر، وكلاهما من أوصاف البدع37.
وكلام الشاطبي هنا فيما قرره واضح في أن أهل البدع هم أهل الغلو والجور والانحراف عن قصد السبيل، وقد أيد ذلك بما نقله عن الصحابة والتابعين من أهل العلم، قال: «وعن عليٍ رضي الله عنه أنه كان يقرؤها أي(ﭰ ﭱ): (فمنكم جائرٌ) ؛ قالوا: يعني هذه الأمة، فكأن هذه الآية مع الآية قبلها يتواردان على معنًى واحدٍ.
ومنها قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأنعام:١٥٩].
هذه الآية قد جاء تفسيرها في الحديث من طريق عائشة رضي الله عنها، قالت:
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) من هم؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: هم أصحاب الأهواء، وأصحاب البدع، وأصحاب الضلالة؛ من هذه الأمة، يا عائشة إن لكل ذنبٍ توبةً، ما خلا أصحاب الأهواء والبدع، ليس لهم توبةٌ، وأنا بريءٌ منهم وهم مني برآءٌ.)38.
قال الشاطبي: «قال ابن عطية: هذه الآية تعم أهل الأهواء والبدع والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدال والخوض في الكلام، هذه كلها عرضةٌ للزلل ومظنةٌ لسوء المعتقد.
ويريد والله أعلم بأهل التعمق في الفروع ما ذكره أبو عمر بن عبد البر في فصل ذم الرأي من «كتاب العلم» له»39.
وحاصل الأمر أن المبتدع يغالي فيشق على نفسه ويلزمها ما رفعه الله تعالى عنه من الحرج والتكليف بما فيه مشقة زائدة؛ قال الشاطبي: «وحاصله أن الشارع طالبه برفع الحرج، وهو يطالب نفسه بوضعه وإدخاله على نفسه وتكليفها ما لا يستطاع، مع زيادة الإخلال بكثيرٍ من الواجبات والسنن التي هي أولى مما دخل فيه، ومعلومٌ أن هذه بدعةٌ مذمومةٌ» 40.
ثالثًا: الاعتداء على الناس وأموالهم:
فهم يعتدون على جميع الناس، غلوا منهم وتشددا ورغبة في الانتقام منهم، وتعجيل عقوبتهم بدلا من الصبر على دعوتهم والترفق بهم لهدايتهم، وحالهم في ذلك حال من قال الله تعالى فيهم: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة:٢٠٥].
وإذا كانوا كذلك مع الناس جميعا فإنهم لشططهم وغلوهم تجدهم مع أهل الإسلام أشد غلوا وعداوة، منا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عادٍ)41.
رابعًا: ادعاء العلم والتدين:
المبتدعة يدعون لأنفسهم علما لدنيا باطنيا يتميزون به عن الأمة؛ وذلك حتى لا يكون لأحد عليهم حجة؛ لأن العلم الظاهر الذي أنزله الله على رسوله وجعل فيه الحجة - لا يشهد لهم في شيء مما هم عليه من الباطل، وهم لا يستجيبون لما جاء به الله ورسوله فيما لا يوافق أهواءهم؛ وأخبر تعالى أنه لا يمنع من اتباع الهدى إلا اتباع الهوى، وأن عدم الاستجابة للهدى دليل على اتباع الهوى.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [القصص:٥٠].
لذا لجئوا - كذبا وزورا منهم وافتراء على الله ورسوله - إلى ادعاء علم مؤداه أن الله تعالى قد اختصهم به دون خلقه جميعا بما في ذلك أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول أحد محققيهم42: «لقد فنى الصوفيه في حب مولاهم وتخلقوا بأخلاقه وتأدبوا بآدابه وتربوا في محاربيه وعاشوا في ذكره ومناجاته فعلمهم وطهرهم وزكاهم واصطفاهم واجتباهم وأحبهم ورضى عنهم ففتح لقلوبهم ملكوت السموات والأرض يريهم عجائب كونه وبدائع قدرته وبدائع قدرته وأسرار خليقته وأفاض عليهم هداياه وعطاياه علوما وأذواقا أو كما يقول الصوفيه أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا من الحي الذي لا يموت.
ومن هذا الفناء جاءهم الخلود وبهذا التخلق أصبحوا ائمة يهدون إلى الله بأمره ويقفون حراسا على آياته ومشاهده مبشرين بكلماته متحدثين عن حضراته داعين إلى محبته ومناجاته مترنمين في آفاقه وجدا وشوقا بتسبيحه وذكره.
يقول العلامة الإمام الكلاباذي واصفًا لمقاماتهم وأحوالهم سبقت لهم من الله الحسنى وألزمهم كلمة التقوى وعزف بنفوسهم عن الدنيا صدقت مجاهداتهم فنالوا علوم الدراسة وخلصت علها معاملاتهم فمنحوا علوم الوراثه وصفت سرائرهم فأكرموا بصدق الفراسة ثبتت أقدامهم وزكت أفهامهم أنارت أعلامهم فهموا عن الله وساروا إلى الله وأعرضوا عما سوى الله خرقت الحجب أنوارهم وجالت حول العرش أسرارهم وجلت عند ذي العرش أخطارهم وعميت عما دون العرش ابصارهم فهم أجسام روحانيون وفي الأرض سماويون ومع الخلق ربانيون»43.
وهذا الذي ذكرناه قطرة من بحر ما ورد عن الصوفية من ادعاء باطل للعلم لا ينازعون فيه أهل العلم وحدهم؛ بل ينازعون في ذلك رب العرش العظيم في صفة علام الغيوب.
ولا يقصر أهل التشيع عن هذا الغلو الصوفي بل يزيدون عليه ويتجاوزونه بمراحل كبيرة تطفح بها كتبهم المعتمدة لديهم، وليس المجال مجال النقل عنهم في ذلك44.
وكذلك بقية الفرق من الخوارج والمرجئة وغيرهم ممن اختص ببدعة في دين الله تعالى إنما يدعون جهلا واتباعا للهوى علما تميزوا به عن سائر الخلق.
خامسًا: الغلو في المحبة:
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة:١٦٥].
«من الناس من يتخذ من دون الله أندادًا أي: أمثالا. مع أن الآيات منعت من أن يكون له ند واحد فضلا عن جماعتها يسوون بينهم وبين الله إذ يحبونهم كحب الله أي: يعظمونهم ويخضعون لهم كتعظيم الله والخضوع له.
والأنداد: إما الأوثان التي اتخذوها آلهة لتقربهم إلى الله زلفى، ورجوا منها النفع والضر، وقصدوها بالمسائل، ونذروا لها النذور وقربوا لها القرابين. وإما رؤساؤهم الذين يتبعونهم فيما يأتون وما يذرون، لا سيما في الأوامر والنواهي. ورجح هذا، لأنه تعالى ذكر بعد هذه الآية (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [البقرة:١٦٦].
وذلك لا يليق إلا بمن اتخذ الرجال أندادا وأمثالا لله تعالى يلتزمون من تعظيمهم والانقياد لهم ما يلتزمه المؤمنون من الانقياد لله تعالى والذين آمنوا أشد حبًا لله من المشركين لأندادهم، لأن أولئك أشركوا في المحبة، والمؤمنون أخلصوها كلها لله، ولأنهم يعلمون أن جميع الكمالات له ومنه، ولأنهم لا يعدلون عنه إلى غيره، بخلاف المشركين فكانوا يعبدون الصنم زمانا ثم يرفضونه إلى غيره أو يأكلونه، كما أكلت باهلة إلهها من حيس، عام المجاعة»45.
ومثل هذا الذي ذكره القاسمي ما يفعله العامة الذين قصدوا قبور الأولياء من ألوان الغلو فيهم؛ حيث رجوا منها النفع والضر، وقصدوها بالمسائل، ونذروا لها النذور وقربوا لها القرابين، وغير ذلك مما دعاهم إليه مغالاتهم في محبتهم باعتقاد ما لا يجوز فيهم ووصفهم بما لا يصح إلا لله تعالى؛ فدعاهم هذا الغلو الاعتقادي إلى غلو في السلوك ينافي ما أمرهم الله تعالى به من توحيده وعدم الإشراك به.
وفي هذه الآيات بين الله تعالى أن الغلو في محبة المتبوعين يفضي إلى الاتباع بغير هدى من الله، وهو يفضي بصاحبه إلى الشرك بالله؛ لأن مرجعه إلى الإشراك في محبة الله تعالى؛ بله الغلو في محبة المتبوعين أكثر من محبته سبحانه، وبين ما يؤول إليه أمرهم في الآخرة من تبرؤ المتبوعين من أتباعهم، وما آل إليه أمرهم من العذاب والحسرات التي لا تنقضي، والأمنيات الباطلة بأن يعودوا إلى الدنيا فيتبرئوا من هؤلاء المتبوعين كما تبرئوا منهم، ثم بين حالهم في الدنيا، وكيف أنهم كانوا يتركون اتباع ما انزل الله تعالى لاتباع ما وجدوا عليه آباءهم بغير دليل ولا بينة معرضين عن هدي الله تعالى تقليدا لآبائهم وأوليائهم.
١. ترك اتباع الهوى والتجرد لطلب الحق.
التجرد في طلب الحق أصل مكين من أصول الهداية، وذلك أن الهوى هو الميل النفسي إلى الشيء؛ فإن وافق الهدى، وإلا هوى بصاحبه.
قال الراغب: «الهوى: ميل النفس إلى الشهوة. وقيل: سمي بذلك لأنه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية، وفي الآخرة إلى الهاوية، والهوي: سقوط من علو إلى سفل»46.
ولذا نهى الله تعالى في كتابه في نصوص كثيرة عن اتباع الهوى.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [النساء:١٣٥].
وقال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [ص:٢١] الآيات إلى قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [ص:٢٦].
فهذا حوار جرى بين نبي الله داود عليه السلام وهذين الخصمين، وعاتبه الله تعالى فيه لميله لأحد الخصمين مأخوذا بقوة حجته فسارع إلى الحكم له بقوله (ﮨ ﮩ) دون استماع للخصم الآخر، «والقضية كما عرضها أحد الخصمين تحمل ظلمًا صارخًا مثيرًا لا يحتمل التأويل.
ومن ثم اندفع داود يقضي على إثر سماعه لهذه المظلمة الصارخة؛ ولم يوجه إلى الخصم الآخر حديثًا، ولم يطلب إليه بيانًا، ولم يسمع له حجة. ولكنه مضى يحكم: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) (أي الأقوياء المخالطين بعضهم لبعض) (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ).
ويبدو أنه عند هذه المرحلة اختفى عنه الرجلان: فقد كانا ملكين جاءا للامتحان! امتحان النبي الملك الذي ولاه الله أمر الناس، ليقضي بينهم بالحق والعدل، وليتبين الحق قبل إصدار الحكم» 47.
فيمكن أن يقال: إن الله عد تسرع داود عليه السلام بالحكم دون سماع حجة الآخر من الهوى - وهو وإن كان ميلا غير مقصود بتأثير عارض سحر بيان الخصم - فإنه مما لا يتسامح فيه في حق الأنبياء والمصطفين الأخيار؛ فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين 48؛ فحذر الله تعالى نبيه من اتباع الهوى لما يفضي إليه من الضلال عن الحق.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الجاثية:٢٣].
وأخبر تعالى أنه لا يمنع من اتباع الهدى إلا اتباع الهوى، وأن عدم الاستجابة للهدى دليل على اتباع الهوى.
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [القصص:٥٠].
وترك اتباع الهوى يقتضي الإخلاص والتجرد لله في طلب الحق والانصياع له، قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [سبأ:٤٦].
«والقيام في قوله: (ﯮ ﯯ) مراد به المعنى المجازي وهو التأهب للعمل والاجتهاد فيه كقوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [النساء:١٢٧].
واللام للتعليل، أي لأجل الله ولذاته، أي جاعلين عملكم لله لا لمرضاة صاحب ولا عشيرة، وهذا عكس قوله تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [العنكبوت:٢٥].
أولأجل معرفة الله والتدبر في صفاته»49.
٢. ترك التقليد بغير دليل.
ترك التقليد بغير بينة أصل مكين كذلك من أصول الهداية في القرآن الكريم؛ ومن أجل ذلك نعى الله على أولئك الغلاة الذين يتبعون آباءهم أو علماءهم أو أحبارهم ورهبانهم أو سادتهم ورؤساءهم دون هدى من الله.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [البقرة:١٦٥-١٦٦].
وقال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [لقمان:٢١].
فبين الله تعالى في هذه الآيات أن الاتباع بغير هدى من الله يفضي بصاحبه إلى الشرك بالله؛ لأن مرجعه إلى الإشراك في محبة الله تعالى.
٣. ترك التكلم بغير علم.
من وسائل الهداية كذلك لترك الغلو: ترك التكلم بغير علم، قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الأنعام:٥٠].
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره الله تعالى أن يخبر محاوريه بذلك، ويبين لهم أنه لا يتكلم بشيء من قبل نفسه بل يتبع ما يوحى إليه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأنعام:١٤٣-١٤٤].
وقال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الأنعام:١٤٤-١٤٥].
فعظم سبحانه إثم من يحل أو يحرم من قبل نفسه فيضل الناس بغير علم، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم في الوقت نفسه أن يعلم محاوريه بوقوفه صلى الله عليه وسلم عند حدود ما أنزل الله إليه فلا يحرم إلا ما حرم الله تعالى.
ولذا أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحاج محاوريه بسؤالهم عن دليل قولهم فقال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الأنعام:١٤٨-١٥٠].
٤. ترك الأخذ بمجرد الظن والشك.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [النساء:١٥٥-١٥٨].
فنعى الله سبحانه على أهل الكتاب اعتقادهم قتل المسيح وصلبه بمجرد الظن دون بينة يكونون بها على يقين من أمرهم.
وربط تعالى بين اتباع الظن والوقوع في الضلال واتباع الهوى، فقال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأنعام:١١٦-١١٩].
فبين سبحانه أن ضلال أكثر الناس من الغلاة إنما هو بسبب اتباع الظن، واتباع الهوى بغير دليل ولا بينة.
ولذا قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [يونس:٣٦].
٥. الالتزام بالكتاب والسنة النبوية.
الالتزام بالكتاب والسنة هما طريق النجاة الأوكد، وسبيله الأوحد فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض)50.
عن العرباض بن سارية، قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بعد صلاة الغداة موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجلٌ: إن هذه موعظة مودعٍ فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن عبدٌ حبشيٌ، فإنه من يعش منكم يرى اختلافًا كثيرًا، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالةٌ فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ) 51.
فالالتزام بالكتاب والسنة هما سبيل النجاة من الغواية ومن كل غلو وإفراط أو تفريط.
٦. سؤال أهل العلم.
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الأنبياء:٧].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما شفاء العي السؤال)52
وقديما قالوا: «السؤال نصف العلم»؛ فمن ثم وجب على كل من التبس عليه شيء في دين الله تعالى أن يسأل عنه أهل العلم المشهورين العاملين به.
٧. محاورة الغلاة والرد على شبهاتهم.
قال تعالى مقررا مبدأ الحوار والجدال مع أهل الكتاب بالتي هي أحسن: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [العنكبوت:٤٦].
وقال تعالى معلمًا المؤمنين ما ينصحون به أهل الكتاب في محاورتهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المائدة:٧٧].
وإذا كان ذلك مع المخالف من أهل الملل الأخرى فلا شك أنه مع الموافق في الدين والعقيدة أولى وأنجع، وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالتناصح والتشاور والتخاطب بالتي هي أحسن؛ فقال عز من قائل: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [آل عمران:١٥٩].
وقال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الإسراء:٥٣].
ولا شك أنه لا بديل للحوار الجاد الذي تصدق فيه النوايا إلا المزيد من التباعد والفرقة؛ وذلك أن الحوار هو المتنفس الطبيعي لإخراج ما تكظمه الصدور، ومن ثم فإن انقطاع الحوار يؤدي حتما إلى الانفجار الرافض لتكميم الأفواه أو صمم الآذان عن الاستماع إلى الآخر ومحاورته وتفهمه، وما تلك الثورات التي عجت بها المنطقة العربية كلها أخيرا إلا نتيجة حتمية لضعف الحوار بين أولي الأمر وطوائف الشعب.
٨. الاعتبار بحال الغلاة والمخالفين للكتاب والسنة ومصيرهم.
ينبغي على أهل العلم أن يلفتوا هؤلاء الغلاة للاعتبار بحال ومآل من سبقهم من الغلاة والمخالفين في الكتاب والسنة؛ فيتأملون ما نزل بأهل الكتاب قبلهم من سخط الله وغضبه بسبب غلوهم، وكيف كان التشديد سببا لتشديد الله عليهم فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حق بني إسرائيل والبقرة (لو اعترضوا أدنى بقرة لكفتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم)53
٩. استثمار الوقت بالعمل الصالح.
وذلك أن من أسباب وقوع الغلاة فيما هم فيه من الغلو والتشديد والتنطع ما يعانيه البعض منهم من فراغ يحدو بعضهم إلى زيادة التعمق فيما لا يجب عليه، والبحث عما لم يوجب ربنا علينا علمه من المتشابه، أو الميل إلى المزيد من التعبد بما لم يأت به الشرع، ونحو ذلك مما هو من آفة فراغ العقول.
وعلاج ذلك أن يعلم العبد أهمية الوقت، وأنه قد خلق لأمر عظيم وغاية شريفة، وهي ما أخبر الله تعالى عنه في كتابه حيث قال: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)[الذاريات:٥٩].
ومما يدل على أهمية الوقت كثرة إقسام الله تعالى به في كتايه الكريم؛ ككقسمه تعالى بالفجر، والضحى، والليل، والعصر.
والعبادة ليست منحصرة في الصلاة والصيام والزكاة والحج وتلاوة القرآن، بل تشمل سائر الفروض والواجبات التي أمرنا الله تعالى بها.
وجملة القول في ذلك، أن تعلم أن العبادة منهج شامل للحياة كلها، يقتضي أن تكون حياتك كلها وفق منهج الله تعالى، وعلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس وفق ما تهواه نفسك.
قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الأنعام:١٦٢-١٦٣].
فما من لحظة من لحظات حياتك إلا ولله تعالى عليك فيها أمر أو نهي فالتكليف شامل للأوقات كلها وللعمر كله، لا تخلو لحظة من لحظات الحياة عن تكليف لله تعالى كلفنا به إما على سبيل الوجوب أو على سبيل الندب والاستحباب، وإن كنا قد صرنا في زمان قد وجبت علينا فيه واجبات كثيرة، تكاد تمنع المرء من فعل كثير من المستحبات، فضلًا عن أن ينشغل عنها بالمباحات أو المكروهات، وأعاذنا الله من المحرمات أن نقع فيها ونتلهى بها عما أمرنا به من الطاعات وما أحله لنا من المباحات.
فالعجب كل العجب بعد ذلك لمن يبحث عن مزيد من الواجبات لم يوجبها الشرع، أو استحباب أمور متكلفة زائدة على ما استحبه الشرع الحنيف.
فاعلم يا عبد الله أنك لن تزول قدماك يوم القيامة من عند ربك حتى يسألك عما عملت في هذه الأوقات.
قال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الحجر:٩٢-٩٣].
وقال أيضًا: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [النمل:٨٤].
وقال سبحانه في بيان سؤاله المجرمين عن مدة لبثهم في الأرض وما عملوا فيها: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [المؤمنون:١١٢-١١٦].
فسوف يسأل الله سبحانه عباده لا محالة عن أعمارهم وأوقاتهم وما عملوا فيها، ففي الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل في علمه)54.
فليسأل كل نفسه: ماذا أعد لهذا السؤال؟ وبماذا سوف يجيب يومئذ وهو موثق بالأغلال أمام ذي الجلال، فيومئذ لن ينفعه غلوه وتنطعه، ولن ينفعه إلا ما وافق فيه هدي الحبيب صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [المدثر:٣٨-٣٩].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردٌ)55.
١٠. البيئة الصالحة التي ينشر فيها العدل والحق ويؤخذ على يد الظالم.
بعد كل ما سبق، وقبل كل ما سبق تأتي قيمة البيئة الصالحة؛ فلا شك أن من أسباب انتشار الغلو ما يعانيه الغلاة من شعور بالتناقض بين ما ينبغي أن يكون في مجتمعاتهم من معاني الإسلام السامية وبين ما هو واقع فعلا من مخالفات جسيمة تعم كافة المجالات والمستويات؛ فينشأ لديهم من جراء ذلك ردة فعل عنيفة تدعوهم إلى المبالغة في كل ما فرط فيه أبناء مجتمعاتهم، حتى يؤول أمرهم إلى الغلو والتشدد واعتياد ذلك في كل شيء من قول أو فعل أو اعتقاد.
وليس أدل على أهمية عامل البيئة الصالحة وأثرها في تقويم أهلها، ومساعدة الناس على لزوم الجادة من حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عمن سبقنا من قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا، وراح يسأل عن توبة فدله العالم على ضرورة الانتقال إلى بيئة صالحة تعينه على التوبة. (فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوءٍ)56.
وصدق الله تعالى إذ يقول: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأعراف:٥٨].
موضوعات ذات صلة: |
الاستقامة، الطغيان، الهداية، الوسطية |
1 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العتق باب أي الرقاب أفضل، ١/١٤٤، رقم ٢٤١٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان باب كون الإيمان بالله أفضل الأعمال، ١/٨٩، رقم ٨٤.
2 كتاب الأفعال، ابن القطاع ٢/٤٤٤.
3 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي، رقم ٢٩٣٠، ٢/١٠٠٨.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٥٢٢، رقم ٢٦٨٠.
4 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٠/٣٤٦، رقم ١٣٠٥٢.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٤٧، رقم ٢٢٤٦.
5 اقتضاء الصراط المستقيم، ابن تيمية١/ ٢٨٩.
6 فتح الباري، ابن حجر ١٣/ ٢٧٨.
7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٥٠٤.
8 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي (٢/٢٦٠)، المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٦٤.
9 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (٣/١٥٩).
10 انظر: العين، الفراهيدي ٤/٤٣٥.
11 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٢٠.
12 غريب القرآن، ابن قتيبة ص٦٥.
13 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٨١.
14 انظر: الصحاح، الجوهري ٣/ ١١٦٧، المصباح المنير، الفيومي ٢/ ٦٥٨، لسان العرب، ابن منظور ٧/ ٤٢٦.
15 انظر: مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية، عثمان ضميرية، ص ١٥٦.
16 جامع البيان ١٠/٤٨٧.
17 السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات، الشقيري ص ٦.
18 المصطلحات الأربعة في القرآن، محمد عاصم الحداد ص ٤٨.
19 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٧٢.
20 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وإلى عادٍ أخاهم هودًا)، ٤/١٣٧، رقم ٣٣٤٤.
21 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٢/٢٨٠.
22 أخرج البخاري في صحيحه، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، ٢/٦٠، ١١٨٩: عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى).
23 الاعتصام، الشاطبي ٢/٧١٢.
24 جامع البيان، الطبري ١٢/٤٠٢.
25 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٩١.
26 جامع البيان، الطبري ١٣/٣٢٩.
27 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٦٠.
28 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤١١.
29 الجدول في إعراب القرآن، محمود صافي ٦/٤٢٥.
30 مفاتيح الغيب، الرازي ٥/١٨٦.
31 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٦٧.
32 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٥٠.
33 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي (لتتبعن سنن من كان قبلكم)، ٩/١٠٣، رقم ٧٣٢٠، ومسلم في صحيحه، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى، رقم ٢٦٦٩.
34 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من أحب الدين إلى الله أدومه، ١/١٧، رقم ٤٣، ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب أمر من نعس في صلاته، ١/٥٤٢، رقم ٧٨٥.
35 أحكام القرآن، ابن العربي ٢/١٤١.
36 أخرجه أحمد في مسنده، ٧/٢٠٨، رقم ٤١٤٢، والنسائي في الكبرى، ١٠/٩٥، رقم ١١١٠٩.
37 الاعتصام ١/٧٦.
38 نوادر الأصول، الحكيم الترمذي ٢/٢٤٥.
والحديث ذكره الدارقطني في العلل، ٢/١٦٣، وابن الجوزي في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، ١/١٣٧.
39 الاعتصام ١/٧٦.
40 المصدر السابق ١/٤١٥.
41 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر)، ٤/١٣٧، رقم ٣٣٤٤.
42 التعرف لمذهب أهل التصوف، الكلاباذي الحنفي ص ٥.
43 المصدر السابق.
44 انظر: أصول الكافي ص ١٣٤، ١٥٨-١٥٩.
45 محاسن التأويل، القاسمي ١/٤٦١.
46 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٥٤.
47 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/ ٢٠٨.
48 هذا هو ما ندين الله به مما يليق بحق الأنبياء، لا ما ورد في كثير من كتب التفسير من الإسرائيليات من أن القصة تعريض بنبي الله داود عليه السلام من أنه أراد أن يتزوج بامرأة أوريا فقدمه في الغزو وعرضه للقتل ليتزوج امرأته، فمثل هذا لا يصح به أثر بحمد الله تعالى.
انظر: لباب التأويل، الخازن ٥/ ٢٨٧.
49 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/ ٤٢١.
50 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ١/١٧٢.
51 أخرجه أحمد في مسنده، ٢٨/٣٦٧، والترمذي في سننه، أبواب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة، ٥/٤٤، رقم ٢٦٧٦.
قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٤٩٩، رقم ٢٥٤٩.
52 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب في المجروح يتيمم، ١/٩٣، رقم ٣٣٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٠٥، رقم ٤٣٦٣.
53 قال الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف ١/٦٦: «قلت غريب، وأخرجه الطبري في تفسيره موقوفا على ابن عباس...وكذلك أخرجه أيضا من كلام أبي العالية، وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره من كلام عبيدة السليماني، وعزاه ابن كثير في تفسيره لابن مردويه في تفسيره عن سرور بن المغيرة عن زاذان عن عباد بن منصور عن الحسن عن حديث أبي رافع عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن بني إسرائيل قالوا وإنا إن شاء الله لمهتدون ما أعطوه أبدا ولو أنهم اعترضوا...إلى آخره..وروى البزار في مسنده من حديث عباد بن منصور عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن بني إسرائيل لو أخذوا أدنى بقرة لأجزأتهم.انتهى.
والأظهر: وقف الأثر على ابن عباس، رضي الله عنه.
54 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب يوم القيامة والرقائق والورع، باب في القيامة، ٤/٦١٢، رقم ٢٤١٦.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٢٢٠، رقم ٧٢٩٩.
55 أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا، كتاب الاعتصام، باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم فأخطأ، ٩/١٠٧، وأخرجه موصولًا مسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، ٣/١٣٤٣، رقم ١٧١٨.
56 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل، ٤/٢١١٨، رقم ٢٧٦٦.