عناصر الموضوع
غزوة بدر
أولًا: اسم الغزوة:
لقد وردت تسمية غزوة بدر بهذا الاسم في القرآن الكريم، استمدادًا من قوله سبحانه وتعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [آل عمران: ١٢٣].
وسماها ابن عباس رضي الله عنه أيضًا يوم بدر، حيث روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: (اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد) فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك، فخرج وهو يقول: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [القمر: ٤٥]1.
وسبب تسميتها بغزوة بدر: نسبة إلى بئر بدر بين مكة والمدينة، كان لرجل يسمى بدرًا، وهو المكان الذي تقابل فيه الجيشان، ونصر الله المسلمين على المشركين نصرًا عظيمًا2.
ثانيًا: حكمة ورودها في سورة الأنفال:
لما كانت سورة الأنفال تتحدث عن الأنفال وتقسيم الغنائم؛ حيث إن أول آية منها جاءت للحديث عن الأنفال، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ)[الأنفال: ١].
ولما كانت غزوة بدر أول معركة حربية خاض غمارها المسلمون من الصحابة بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غنموا أول غنيمة كبيرة من المشركين، وقد حصل بين بعض المسلمين فيها نزاع، واختصموا في شأنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كانت الإجابة عما ورد من تساؤلات الصحابة حول أنفال بدر في هذه السورة3. يقول الطاهر بن عاشور: «افتتاح السورة بـ (ﭑ ﭒ ﭓ) مؤذن بأن المسلمين لم يعلموا ماذا يكون في شأن المسمى عندهم الأنفال، وكان ذلك يوم بدر»4.
لذلك اشتملت سورة الأنفال على الآيات التي تتحدث عن غزوة بدر، فسماها بعض الصحابة بسورة بدر، حيث روي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: قلت لابن عباس رضي الله عنه: سورة الأنفال، قال: «تلك سورة بدر»5، وكان من أهم أسباب نزولها هو أحداث غزوة بدر الكبرى، حيث روي عن ابن عباس رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: (من قتل قتيلًا فله كذا وكذا). أما المشيخة فثبتوا تحت الرايات، وأما الشبان فتسارعوا إلى القتل والغنائم، فقالت المشيخة للشبان: أشركونا معكم، فإنا كنا ردًّا لكم، ولو كان فيكم شيءٌ لجئتم إلينا، فأبوا فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فنزلت: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ) [الأنفال: ١]. قسمت الغنائم بينهم بالسوية»6.
ثالثًا: زمان الغزوة ومكانها:
لقد دلت الآيات القرآنية أن زمان التقاء الجمعين من المؤمنين والكافرين يوم بدر ومكانه كان بترتيب من الله سبحانه وتعالى، حيث قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأنفال: ٤١- ٤٢].
وفي هذا دلالة واضحة على أن الفئة المؤمنة تسير برعاية الله وتدبيره، فهو سبحانه يتولى أمرها؛ ليقدر لها الخير والرشاد والغلبة والعزة.
أما زمان الغزوة: فلقد بين الله سبحانه وتعالى في قوله: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الأنفال: ٤٢]. أن المسلمين عندما خرجوا ليأخذوا العير، وخرج الكفار ليمنعوها من المسلمين، التقوا على غير ميعاد ولو تواعدوا لاختلفوا، ولكن الله جمعهم على غير ميعاد؛ ليقضي أمرًا كان مفعولًا؛ لإعزاز دينه وإهلاك أعدائه7.
وقد اتفق علماء السير على أن غزوة بدر كانت في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، ولكن اختلفوا في اليوم؛ فقيل: بأنها كانت في الثاني عشر. وقيل: في السابع عشر، وجمع العلماء بينهما بأن الثاني عشر ابتداء الخروج، والسابع عشر يوم الواقعة8.
وأما مكان الغزوة: فحدثت الغزوة بين مكة والمدينة حيث بئر بدر، وهي كانت لرجل يسمى بدرًا، فسمي به الموضع9.
وقد بين الله سبحانه وتعالى في قوله: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﮊ ﮋ ﭾ) أن من نعمة الله سبحانه وتعالى على المسلمين أن جعلهم بالعدوة الدنيا، أي: بجانب الوادي الأقرب من المدينة، وأن المشركين في جانب الوادي الأبعد عن المدينة، وأن ركب أبي سفيان وأصحابه -وهم عير قريش التي خرج المسلمون لأجلها- كانوا في موضع أسفل منهم جهة ساحل البحر على بعد ثلاثة أميال من بدر، فكان المسلمون بعيدين عن الماء، وكانت الأرض رملية تغوص فيها أقدامهم، بينما كان المشركون قريبين من الماء والأرض كانت صالحة للمشي وكانت العير خلف ظهورهم، ثم تغيرت الموازين بتدبير الله سبحانه وتعالى؛ لتكون الغلبة للمسلمين، حيث أنزل الله سبحانه وتعالى المطر، وهيأ لهم الأسباب، وسبقوا المشركين إلى الماء، وفي هذا دلالة واضحة على أن النصر يتحقق للمسلمين من عند الله؛ ليزدادوا إيمانًا وشكرًا وامتثالًا لأمره10.
رابعًا: حكمة تسميتها بالفرقان:
لقد سمى الله سبحانه وتعالى غزوة بدر بيوم الفرقان، حيث قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الأنفال: ٤١].
وسمي بالفرقان؛ لأن الله فرق فيه بين الحق والباطل، بأن أعلى كلمة الإيمان على كلمة الباطل، وأظهر دينه، ونصر نبيه وحزبه11.
ولهذه التسمية أهمية عظيمة في حياة المسلمين، وقد تحدث الأستاذ سيد قطب عن وصف الله سبحانه وتعالى ليوم بدر بأنه يوم الفرقان، وعن حكمة هذه التسمية قال: «كانت غزوة بدر، التي بدأت وانتهت بتدبير الله وتوجيهه وقيادته ومدده، فرقانًا بين الحق والباطل كما يقول المفسرون: إجمالًا وفرقانًا بمعنى: أشمل وأدق وأوسع وأعمق كثيرًا.
كانت فرقانًا بين الحق والباطل فعلًا ولكنه الحق الأصيل الذي قامت عليه السماوات والأرض، وقامت عليه فطرة الأحياء والأشياء الحق الذي يتمثل في تفرد الله سبحانه وتعالى بالألوهية والسلطان والتدبير والتقدير، وفي عبودية الكون كله سمائه وأرضه، أشيائه وأحيائه، لهذه الألوهية المتفردة، ولهذا السلطان المتوحد، ولهذا التدبير وهذا التقدير بلا معقب ولا شريك، والباطل الزائف الطارئ الذي كان يعم وجه الأرض إذ ذاك، ويغشي على ذلك الحق الأصيل، ويقيم في الأرض طواغيت تتصرف في حياة عباد الله بما تشاء، وأهواء تصرف أمر الحياة والأحياء، فهذا الفرقان الكبير الذي تم يوم بدر، حيث فرق بين ذلك الحق الكبير، وهذا الباطل الطاغي، وزيل بينهما فلم يعودا يلتبسان، لقد كانت فرقانًا بين الحق والباطل بهذا المدلول الشامل الواسع الدقيق العميق، على أبعاد وآماد، كانت فرقانًا بين هذا الحق وهذا الباطل في أعماق الضمير؛ فرقانًا بين الوحدانية المجردة المطلقة بكل شعبها في الضمير والشعور، وفي الخلق والسلوك، وفي العبادة والعبودية، وبين الشرك في كل صوره التي تشمل عبودية الضمير لغير الله من الأشخاص، والأهواء والقيم والأوضاع والتقاليد والعادات وكانت فرقانًا بين هذا الحق وهذا الباطل في الواقع الظاهر، كذلك فرقانًا بين العبودية الواقعية للأشخاص والأهواء، وللقيم والأوضاع، والشرائع والقوانين، وللتقاليد والعادات، وبين الرجوع في هذا كله لله الواحد الذي لا إله غيره، ولا متسلط سواه، ولا حاكم دونه، ولا مشرع إلا إياه، فارتفعت الهامات لا تنحني لغير الله، وتساوت الرؤوس فلا تخضع إلا لحاكميته وشرعه، وتحررت القطعان البشرية التي كانت مستعبدة للطغاة.
وكانت فرقانًا بين عهدين في تاريخ الحركة الإسلامية: عهد المصابرة والصبر والتجمع والانتظار، وعهد القوة والحركة والمبادأة والاندفاع، والإسلام بوصفه تصويرًا جديدا للحياة، ومنهجًا جديدًا للوجود الإنساني، ونظامًا جديدًا للمجتمع، وشكلًا جديدًا للدولة، بوصفه إعلانًا عاما لتحرير الإنسان في الأرض بتقرير ألوهية الله وحده وحاكميته، ومطاردة الطواغيت التي تغتصب ألوهيته»12.
إلى أن قال: وأخيرًا فلقد كانت بدر فرقانًا بين الحق والباطل بمدلول آخر، ذلك المدلول الذي يوحي به قول الله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنفال: ٧- ٨].
ولقد حق الحق وبطل الباطل بالموقعة، وكان هذا النصر العملي فرقانًا واقعيًّا بين الحق والباطل بهذا الاعتبار الذي أشار إليه قول الله سبحانه وتعالى في معرض بيان إرادته سبحانه من وراء المعركة، ومن وراء إخراج الرسول صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق، ومن وراء إفلات القافلة (غير ذات الشوكة) ولقاء الفئة ذات الشوكة، ولقد كان هذا كله فرقانًا بين منهج هذا الدين ذاته، تتضح به طبيعة هذا المنهج وحقيقته في حس المسلمين أنفسهم وإنه لفرقان ندرك به اليوم ضرورته، حينما ننظر إلى ما أصاب مفهومات هذا الدين من تميع في نفوس من يسمون أنفسهم مسلمين، حتى ليصل هذا التميع إلى مفهومات بعض من يقومون بدعوة الناس إلى هذا الدين، وهكذا كان يوم بدر: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) بهذه المدلولات المنوعة الشاملة العميقة، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير13.
لقد أخرجت قريش المؤمنين من ديارهم، وأخذت أموالهم بعد أن فشلت في إرغامهم على العودة للشرك، وقاسى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه صنوف الإيذاء في مكة، وصبروا حتى اضطرتهم قريش للهجرة، إلى أن نزل الإذن بالقتال في المدينة.
قال المفسرون: كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بألسنتهم وأيديهم، فيجيئون من بين مضروب ومشجوج، ويشكون ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم: (اصبروا فإني لم أومر بقتال)، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب اشتداد أذى قريش لهم، وترك المسلمون أموالهم وأرضهم وديارهم للمشركين في مكة، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ * ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) الحج: [٣٩-٤٠]14.
ففي هذه الآيات الكريمة أذن الله سبحانه وتعالى للمسلمين بعد الهجرة بقتال المشركين، الذين قاتلوهم واعتدوا عليهم، وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، فهذا إذن من الله ليدفعوا عن أنفسهم وعن عقيدتهم اعتداء المعتدين بعد أن بلغ الأمر أقصاه، وليحققوا لأنفسهم ولغيرهم حرية العقيدة والعبادة في ظل دين الله15.
ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بقافلة أبي سفيان قادمة من الشام وتحمل الأموال والتجارة، ندب المسلمين إليها، وأمرهم باعتراض القافلة بقصد الحصار الاقتصادي، وتعويض المسلمين ما صادره لهم المشركون في مكة من أموال وعقارات وممتلكات، فعلم المشركون بذلك، وأرسل أبو سفيان نذيرًا إلى أهل مكة؛ ليستنفرهم بعد أن غير وجهة القافلة، فعز على المشركين الحادث، وأحسوا بالخطر على وجودهم، وشعروا بقوة المؤمنين في المدينة، فحشدوا قواهم من قبائل العرب، ولما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه ثم خرج بجنده، وتقابل الجيشان في بدر16.
وفي ظل هذه الهجمة الشرسة من أعداء الله على الإسلام والمسلمين، فإن المسلمين اليوم مطالبون بأن يدفعوا عن أنفسهم الظلم، ويدافعوا عن دينهم وعقيدتهم، ويستردوا حقوقهم، فإن الحق بحاجة إلى قوة تحميه، يقول سيد قطب: «إن قوى الشر والضلال تعمل في هذه الأرض، والمعركة مستمرة بين الخير والشر والهدى والضلال، والصراع قائم بين قوى الإيمان وقوى الطغيان منذ أن خلق الله الإنسان، والشر جامح والباطل مسلح، وهو يبطش غير متحرج، ويضرب غير متورع ويملك أن يفتن الناس عن الخير -إن اهتدوا إليه- وعن الحق -إن تفتحت قلوبهم له-، فلابد للإيمان والخير والحق من قوة تحميها من البطش، وتقيها من الفتنة وتحرسها من الأشواك والسموم»17.
أولًا: إعداد المؤمنين:
إن معركة بدر لم تكن في حسبان المسلمين، ولم يستعدوا لها من حيث العدد والعتاد ومن الناحية النفسية أيضًا، لكنها فرضت عليهم من الله سبحانه وتعالى؛ ليحق الحق ويبطل الباطل، ولتحقيق العبودية لله،
قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الأنفال: ٤٢].
حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خرجوا ولم يكن في نيتهم قتال، وإنما كان قصدهم عير قريش18، حتى أن القرآن الكريم وصف حال بعض المسلمين وهم خارجون للقاء عدوهم بأنهم كانوا كارهين للخروج؛ لأنهم غير متأهبين للقتال غاية التأهب، فلم يستعدوا للقتال، وإنما خرجوا للقافلة وهم عدد يسير، بخلاف عدد أهل النفير فهم كثير، وهم الجيش الذي جاء من قريش19.
قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنفال: ٥ - ٨].
فلقد كان عدد قوات المسلمين في بدر لا يمثل قدرة الدولة الاسلامية، فكان عدد قوات المسلمين بضعة عشر وثلاثمائة، فيهم فارسان20.
وقد ذكرت بعض المصادر أسماء ثلاثمائة وأربعين من الصحابة البدريين21، وكان لديهم سبعون بعيرًا يتعاقبون ركوبها22.
ولما فرض الله سبحانه وتعالى المعركة عليهم، تسابق المسلمون إلى الجنة، وقد أعدوا لها من الإيمان والعبادة والصدق والإخلاص وحسن التوكل، وهذا هو الإعداد الحقيقي الذي يكون به النصر والعزة، فقد جاءت الآيات الكريمة في بداية سورة الأنفال وقبل الحديث عن أحداث غزوة بدر تصف صفات المؤمنين التي بها تصلح أعمالهم بما فيها جهادهم.
قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷH ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الأنفال: ٢ - ٤].
يقول السعدي: «قدَّم تعالى -أمام هذه الغزوة الكبرى المباركة- الصفات التي على المؤمنين أن يقوموا بها؛ لأن من قام بها استقامت أحواله وصلحت أعماله، التي من أكبرها الجهاد في سبيله. فكما أن إيمانهم هو الإيمان الحقيقي، وجزاءهم هو الحق الذي وعدهم الله به، كذلك أخرج الله رسوله صلى الله عليه وسلم من بيته إلى لقاء المشركين في بدر بالحق الذي يحبه الله سبحانه وتعالى، وقد قدره وقضاه، وإن كان المؤمنون لم يخطر ببالهم في ذلك الخروج أنه يكون بينهم وبين عدوهم قتال»23.
فالإعداد الإيماني وحسن التوكل على الله هو الإعداد الحقيقي الذي به يكون النصر والتأييد الإلهي رغم قلة العدد والعتاد، حيث قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)[آل عمران: ١٢٣].
وقد نزلت الآيات يأمر الله سبحانه وتعالى فيها المؤمنين بالتخطيط الجيد وإعداد أنواع القوة المعنوية والمادية المناسبة لكل زمان ومكان؛ لإرهاب عدو الله، وعدو المسلمين من الكفار الذين ظهرت عداوتهم كمشركي مكة في الماضي، ولإرهاب العدو الخفي الموالي لهؤلاء الأعداء، وهذا يشمل اليهود والمنافقين في الماضي، ومن تظهر عداوته بعدئذ24.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ) [الأنفال: ٦٠].
فالمسلمون في هذا العصر مطالبون بإعداد القوة الإيمانية وكذلك المادية بكل أصنافها حسب الاستطاعة، فالإسلام بحاجة لقوة تحمي عقيدته، وتحرر الإنسان، وترد الأعداء.
ثانيًا: إعداد المشركين:
منذ أن استنفر أبو سفيان قريشًا خرجت بكبريائها وخيلائها، حتى بلغت قوة المشركين ألف رجل فيهم عدد كبير من قادة قريش وسادتها ومعهم مائتا فرس، ومعهم القيان يضربن بالدفوف ويغنين25.
وقد وصف الله سبحانه وتعالى في معرض النهي عن التشبه بهم، حال الكافرين عند خروجهم من ديارهم لمقاتلة المسلمين، بأنهم خرجوا بأموالهم وعدتهم وعتادهم؛ بطرًا أي: طغيانًا وتكبرًا ورياءً للصد عن سبيل الله بإضلال الناس والحيلولة بينهم وبين الهداية26.
قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأنفال: ٤٧].
يقول القرطبي في بيان ما أعده المشركون يوم بدر، وموضحًا المقصود من هذه الآية: «يعني أبا جهل وأصحابه الخارجين يوم بدر، لنصرة العير، خرجوا بالقيان والمغنيات والمعازف، فلما وردوا الجحفة بعث خفاف الكناني - وكان صديقًا لأبي جهل- بهدايا إليه مع ابن عم له، وقال: إن شئت أمددتك بالرجال، وإن شئت أمددتك بنفسي، مع ما خف من قومي، فقال أبو جهل: إن كنا نقاتل الله كما يزعم محمد فوالله ما لنا بالله من طاقة، وإن كنا نقاتل الناس فوالله إن بنا على الناس لقوة، والله لا نرجع عن قتال محمد، حتى نرد بدرًا فنشرب فيها الخمور، وتعزف علينا القيان، فإن بدرًا موسم من مواسم العرب، وسوق من أسواقهم، حتى تسمع العرب بمخرجنا فتهابنا آخر الأبد، فوردوا بدرًا ولكن جرى ما جرى من هلاكهم»27.
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الكافرين ينفقون أموالهم، ويبذلون عدتهم وعتادهم؛ ليبعدوا الناس عن دين الله، لكن النتيجة تكون بخلاف ما يتوقعون، بأنهم سيغلبون، وسيكون إنفاقهم وإعدادهم حسرة وندامة، وإلى جهنم يحشرون.
قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [الأنفال: ٣٦].
«فأعظم بها حسرة وندامة لمن عاش منهم ومن هلك! أما الحي فحرم ماله وذهب باطلا في غير درك نفع، ورجع مغلوبًا مقهورًا محزونًا مسلوبًا. وأما الهالك، فقتل وسلب، وعجل به إلى نار الله يخلد فيها، نعوذ بالله من غضبه. وكان الذي تولى النفقة التي ذكرها الله في هذه الآية فيما ذكر، أبا سفيان»28.
أولًا: خروج المؤمنين للقتال:
لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم نجاة القافلة، وإصرار زعماء مكة على قتال النبي صلى الله عليه وسلم، واستنفار قوات قريش، استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأمر، فخرج المؤمنون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم أن بعض الصحابة أبدى عدم ارتياحه في البداية للمواجهة الحربية مع قريش، وقد صور القرآن الكريم خروج الفئة المؤمنة لبدر.
قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأنفال: ٥]29.
وروي في سبب نزول هذه الآية، عن أبي أيوب الأنصاري قال: (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالمدينة وبلغه أن عير أبي سفيان قد أقبلت: (ما ترون فيها لعل الله يغنمناها ويسلمنا)، فخرجنا فسرنا يومًا أو يومين فقال: (ما ترون فيهم؟)، فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا من طاقة بقتال القوم إنما أخرجنا للعير، فقال المقداد: لا تقولوا كما قال قوم موسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، فأنزل الله سبحانه وتعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأنفال: ٥]30.
وفي رواية قال المقداد: (لا نقول كما قال قوم موسى: اذهب أنت وربك فقاتلا، ولكنا نقاتل عن يمينك، وعن شمالك، وبين يديك وخلفك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم أشرق وجهه وسره)31.
بعد أن رأى النبي صلى الله عليه وسلم طاعة الصحابة وشجاعتهم واجتماع قادة المهاجرين على التأييد للتقدم، ومبايعة الأنصار له على المضي لما أراد الله، والصدق عند اللقاء32.
والله قد وعدهم إحدى الطائفتين حيث قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [الأنفال: ٧ ].
نظم النبي صلى الله عليه وسلم جنده، وعقد اللواء الأبيض، وسلمه إلى مصعب بن عمير، وأعطى رايتين سوداوين إلى سعد بن معاذ، وعلي بن أبي طالب، ومضى إلى بدر33.
لقد اختار الله للمؤمنين ذات الشوكة، فتقدموا نحو عدوهم بكل ثبات؛ لتحقيق وعد الله سبحانه وتعالى، وقد أمرهم الله سبحانه وتعالى بالثبات حين لقاء العدو والاستعانه به والإكثار من ذكره سبحانه وتعالى.
قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)[الأنفال: ٤٥- ٤٦].
«هذه هي النصائح التي تكفل النصر للمسلم: الثبات عند اللقاء، وذكر الله والالتجاء إليه، وطاعة الله وطاعة رسوله، وكذا قائد الجيش ورئيس الدولة مادام يأمر بما يرضي الله ورسوله، وعدم النزاع والشقاق، والصبر عند الشدائد»34.
إن في إرادة الله سبحانه وتعالى للمؤمنين طريق ذات الشوكة في بدر لدلالة واضحة للمؤمنين في كل زمان ومكان أن الله لا يقدر لهم إلا الخير، فما عليهم إلا الاستجابة والتسليم لأمر الله، فالله وعدهم بإحدى الطائفتين العير أو النفير، وكانوا يودون العير، ولكن الله اختار لهم النفير، فكانت العزة والغلبة والتمكين، وقد بين الله ذلك حيث قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنفال: ٧-٨].
«لقد أراد الله -وله الفضل والمنة- أن تكون ملحمة لا غنيمة، وأن تكون موقعة بين الحق والباطل؛ ليحق الحق ويثبته، ويبطل الباطل ويزهقه. وأراد أن يقطع دابر الكافرين، فيقتل منهم من يقتل، ويؤسر منهم من يؤسر، وتذل كبرياؤهم، وتخضد شوكتهم، وتعلو راية الإسلام، وتعلو معها كلمة الله، ويمكن الله للعصبة المسلمة التي تعيش بمنهج الله وتنطلق به؛ لتقرير ألوهية الله في الأرض، وتحطيم طاغوت الطواغيت، وأراد أن يكون هذا التمكين عن استحقاق لا عن جزاف -تعالى الله عن الجزاف- وبالجهد والجهاد، وبتكاليف الجهاد ومعاناتها في عالم الواقع وفي ميدان القتال»35.
ثانيًا: استغاثة الرسول صلى الله عليه وسلم بالله سبحانه وتعالى:
بعد أن نظم النبي صلى الله عليه وسلم جيشه وحرض المؤمنين على القتال، لجأ إلى الله سبحانه وتعالى مستغيثًا يدعوه بأن ينصر عباده وجنده، حيث بين سبحانه وتعالى في بيان استغاثة المؤمنين ولجوئهم إليه سبحانه وتعالى في غزوة بدر.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنفال: ٩].
وقد روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة رجل وبضعة عشر رجلا، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف أو يزيدون فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يده وجعل يهتف بربه: (اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض) فما زال يهتف بربه مادا يديه مستقبلا القبلة حتى سقط رداؤه، فأتاه أبوبكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ))36.
وروي أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: (اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد) فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك، فخرج وهو يقول: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [القمر: ٤٥])37.
إن في استغاثة النبي صلى الله عليه وسلم بالله في غزوة بدر، والذي بينته الآية الكريمة درسا ربانيًّا نبويًّا للمسلمين المستضعفين، ولكل قائد أو فرد في اللجوء إلى الله وحده، والتجرد من النفس؛ لأن ذل العبد وافتقاره إلى الله هو أول مفتاح من مفاتيح النصر، «فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم بإعلام القرآن أن للنصر في القتال أسبابًا حسية ومعنوية، وأن لله سننًا مطَّردة، وهو مع ذلك يعلم أن لله توفيقًا يمنحه من شاء من خلقه، فينصر به الضعفاء على الأقوياء، والفئة القليلة على الفئة الكثيرة بما لا ينقض به سننه، وأن له فوق ذلك آيات يؤيد بها رسله، فلما عرف من ضعف المؤمنين وقلتهم ما عرف استغاث الله سبحانه وتعالى ودعاه ليؤيدهم بالقوة المعنوية، التي تكون أجدر بالنصر من القوة المادية، وكان كل من علم بدعائه يتأسى به في هذا الدعاء ويستغيث ربه كما استغاث»38.
ثالثًا: مشهد النعاس:
إن من نعم الله سبحانه وتعالى على المؤمنين في بدر أن أنزل عليهم النعاس والمطر قبل الالتحام.
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنفال: ١١].
حيث ألقى الله سبحانه وتعالى عليهم النوم الخفيف أمنًا وطمأنينة وسكينة، فإن النعاس يذهب الخوف ويجدد النشاط والقوة، «وقيل: إنهم لما خافوا على أنفسهم؛ لكثرة عدوهم وعددهم، وقلة المسلمين وقلة عددهم، وعطشوا عطشًا شديدًا ألقى عليهم النوم؛ حتى حصلت لهم الراحة، وزال عنهم الكلال والعطش، وتمكنوا من قتال عدوهم، وكان ذاك النوم نعمة في حقهم؛ لأنه كان خفيفًا بحيث لو قصدهم العدو لعرفوا وصوله إليهم، وقدروا على دفعه عنهم، وقيل في كون هذا النوم كان أمنة من الله سبحانه وتعالى أنه وقع عليهم النعاس دفعة واحدة، فناموا كلهم مع كثرتهم، وحصول النعاس لهذا الجمع العظيم مع وجود الخوف الشديد أمر خارج عن العادة، فلهذا السبب قيل: إن ذلك النعاس كان في حكم المعجزة؛ لأنه أمر خارق للعادة»39.
ويقول سيد قطب في بيان هذا المشهد العجيب، الذي أنعم به الله على المؤمنين، والذي يدل على كمال قدرته، وعلى تدبيره سبحانه وتعالى ورعايته للفئة المؤمنة الصادقة: «أما قصة النعاس الذي غشي المسلمين قبل المعركة فهي قصة حالة نفسية عجيبة، لا تكون إلا بأمر الله وقدره وتدبيره لقد فزع المسلمون وهم يرون أنفسهم قلة في مواجهة خطر لم يحسبوا حسابه، ولم يتخذوا له عدته فإذا النعاس يغشاهم، ثم يصحون منه والسكينة تغمر نفوسهم، والطمأنينة تفيض على قلوبهم»40.
وقد بينت الآية الكريمة (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[الأنفال: ١١ ] نعمة أخرى من نعم الله على عباده المؤمنين ببدر، بأن أنزل عليهم المطر ليطهرهم؛ حيث إن المسلمين نزلوا على رمل تسوخ فيه أقدامهم، وقد سبقهم المشركون إلى ماء بدر، وأصبح المسلمون على غير ماء، وبعضهم محدث وبعضهم جنب، وأصابهم العطش، فأنزل الله مطرًا فشربوا منه، واغتسلوا وتوضئوا وسقوا الركاب وملئوا الأسقية، وأطفأ الغبار، ولبد الأرض، فثبت أقدامهم، وزالت عنهم وسوسة الشيطان، وطابت أنفسهم، وعظمت النعمة41.
رابعًا: تنزل الملائكة:
ثبت بالنصوص القرآنية وبالسنة النبوية إمداد الله سبحانه وتعالى للمسلمين بالملائكة؛ ليثبتوا المؤمنين ويقووا عزائمهم، ولتحطيم معنوية الكافرين بإلقاء الرعب في قلوبهم.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأنفال: ١٢ ].
لقد أنزل الله سبحانه وتعالى الملائكة في بدر؛ استجابة لاستغاثة النبي صلى الله عليه وسلم بالله، وتأييدًا للمؤمنين المخلصين، وعونًا وتثبيتًا، وتبشيرًا بالنصر وتكثيرًا للعدد.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الأنفال: ٩-١٠].
وكان تنزل الملائكة يردف بعضهم بعضًا ويتبعه، فيتقدم بعضهم ويعقبه الآخر، وهكذا تتابع الملائكة، وهذا ما دل عليه قوله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ)42، وكملت الآيات القرآنية بعضها بعضًا، وبينت حدوث هذا الإمداد على مرات، بألف أولًا، ثم بثلاثة آلاف، ثم بخمسة آلاف43.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [آل عمران: ١٢٣-١٢٦].
إن تأييد الله وإعانته للمؤمنين بتنزيل الملائكة؛ إشعار للمؤمنين بأنهم ليسوا وحدهم، فالله يختص أهل الحق والإيمان بالتأييد بشتى أنواع وأشكال العون، «إنه قوة عظمى وثبات راسخ للمؤمنين، حينما يوقنون بأنهم ليسوا وحدهم في الميدان، وأنهم إذا حققوا أسباب النصر، واجتنبوا موانعه، فإنهم أهل لمدد السماء، وهذا الشعور يعطيهم جرأة في مقابلة الأعداء»44.
«وإن الحكمة من هذا الإمداد تحصيل ما يكون سببًا لانتصار المسلمين، وهذا ما حصل بنزول الملائكة، فقد قاموا بكل ما يمكن أن يكون سببًا لنصر المسلمين، من بشارتهم بالنصر ومن تثبيتهم بما ألقوه في قلوبهم؛ من بواعث الأمل في نصرهم، والنشاط في قتالهم، وبما أظهروه لهم من أنهم معانون من الله تعالى، و أيضًا بما قام به بعضهم من الاشتراك الفعلي في القتال، ولا شك أن هذا الاشتراك الفعلي في القتال قوى قلوبهم، وثبتهم في القتال، وهذا ما دلت عليه الآية، وصرحت به الأحاديث النبوية»45.
وقد جاء في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: (هذا جبريل، آخذ برأس فرسه، عليه أداة الحرب)46.
وسواء قاتلت الملائكة مع المؤمنين أم اقتصرت مهمتهم على التأييد والمعونة والتثبيت؛ خروجًا من الخلاف الذي بين العلماء في ذلك، ولكن «بحسبنا أن نعلم أن الله لم يترك العصبة المسلمة وحدها في ذلك اليوم، وهي قلة والأعداء كثرة، وأن أمر هذه العصبة وأمر هذا الدين قد شارك فيه الملأ الأعلى مشاركة فعلية على النحو الذي يصفه الله سبحانه وتعالى في كلماته (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ).
لقد استجاب لهم ربهم وهم يستغيثون، وأنبأهم أنه ممدهم بألف من الملائكة مردفين، ومع عظمة هذا الأمر ودلالته على قيمة هذه العصبة وقيمة هذا الدين في ميزان الله، إلا أن الله سبحانه وتعالى لا يدع المسلمين يفهمون أن هناك سببًا ينشئ نتيجة، إنما يرد الأمر كله إليه سبحانه وتعالى؛ تصحيحًا لعقيدة المسلم وتصوره.
فهذه الاستجابة، وهذا المدد، وهذا الإخبار به كل ذلك لم يكن إلا بشرى، ولتطمئن به القلوب، أما النصر فلم يكن إلا من عند الله هذه هي الحقيقة الاعتقادية التي يقررها السياق القرآني هنا، حتى لا يتعلق قلب المسلم بسبب من الأسباب أصلًا»47.
خامسًا: استفتاح المشركين على أنفسهم:
لقد دعا المشركون الله بأن ينصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين، فكان ذلك بمنزلة استفتاح على أنفسهم، فالمسلمون هم الأهدى والأعلى والأكثر دينًا، حيث روي عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صغير قال: كان المستفتح أبا جهل، فإنه قال حين التقى القوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فاحنه -أي: أهلكه- الغداة. «فكان ذلك استفتاحه فأنزل الله: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭷ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأنفال: ١٩]48.
ففي هذه الآية الكريمة يخاطب الله أهل مكة على سبيل التهكم، إن تستفتحوا، أي: إن تستنصروا لأعلى الجندين وأهداهما، وتستقضوا الله وتستحكموه أن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين، فقد جاءكم ما سألتم، وتم النصر للأعلى والأهدى، وحدث الهلاك والذلة للأدنى والأضل49.
وفي بيان قوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ) يقول الشيخ الشعراوي: «أي: إن كنتم قد استفتحتم وطلبتم الفصل والحكم فقد جاءكم الفتح، وهذا الفتح كان في صالح المؤمنين، و أيضًا في صالح دعاء الكافرين، إنه جاء في الأمرين الاثنين؛ فتح للمؤمنين، وفي صالح دعاء الكفار. فأنتم -أيها الكافرون- قد دعوتم، فإما أن تكونوا قد دعوتم والله أجاب دعاءكم وهو شر عليكم، وهذا دليل على أنكم أغبياء في الدعاء، وما دام الفتح قد جاء، كان الواجب أن ينتهي كل فريق عند الحد الذي وقع، وكان على الكافرين أن يقتنعوا بأنهم انهزموا، وعلى المؤمنين أن يقتنعوا بأنهم انتصروا»50.
ثم يحذر الله سبحانه وتعالى الكافرين في الآية السابقة، ويخيرهم إن ينتهوا ويسلموا ويتركوا عداوة النبي صلى الله عليه وسلم فهو خير لهم وأجدى، وإن يعودوا إلى محاربته فسينصر الله المؤمنين ويهزم الكافرين، ولن تغني جماعتهم وقوتهم شيئًا ولو كثرت، وأن الله مع المؤمنين بالنصر والتأييد والتوفيق إلى سلوك طرق النجاح والفلاح، والعاقبة دائمًا للمتقين51.
سادسًا: مشهد المعركة ورؤية كلا الفريقين بعضهم بعضًا:
لقد شاء الله سبحانه وتعالى للفئتين - فئة المؤمنين وفئة الكافرين- أن تلتقيا، وأن يندلع بينهم القتال، وقد بدأ بالمبارزات الفردية بين عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة من جيش المشركين، وعلي وحمزة وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم من جيش المسلمين، وقد أنزل الله فيهم: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [الحج: ١٩]52.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى في منامه ليلة التقاء الجيشين أن المشركين قليلٌ عددهم، وقد أخبر الصحابة برؤيته، كي يرفع معنوياتهم، ويثبت قلوبهم، ويشجعهم للقتال.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [الأنفال: ٤٣].
فالله سبحانه وتعالى قدر هذه الرؤيا للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يقللهم في عينه ويبشر به الصحابة، ولو أراهم حسب الواقع لفشلوا وتنازعوا في أمر القتال، ولكن الله سلم من الفشل والنزاع53.
وكذلك شاء الله عند لقاء الجيشين أن يقلل المشركين في أعين المسلمين فيتجرؤوا ويتشجعوا، ويقلل المسلمين في أعين المشركين فيغتروا، وليعاين المؤمنون ما أخبرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيزدادوا يقينًا وشجاعة على القتال، ويكون النصر والعزة للمسلمين، والهزيمة والذل للكافرين.
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأنفال: ٤٤]54.
وهذا كله قبل القتال، أما في أثناء القتال فإن المشركين رأوا المسلمين مثلي عددهم؛ ليعمهم الفزع، ويضعف معنوياتهم، وجاء ذلك في قوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [آل عمران: ١٣]55.
وهذا المعنى الأصح فيما ورد من قولين في تفسير الآية، أن الفئة الكافرة رأت الفئة المؤمنة مثلي عدد الكافرة56.
وقد بين عدد من المفسرين وجه الحكمة واللطف بالمسلمين، برؤيتهم عدد الكافرين قليل، ففي ذلك تثبيت لهم وتنشيط وزيادة جرأة على القتال، ونزع للخوف من قلوبهم، ووجه الحكمة من تقليل المسلمين في أعين المشركين بداية المعركة، أن يغتروا بأنفسهم، وعدم الاستعداد والجد والحذر في مقاتلتهم، بل ومفاجأتهم بالعدد، ورؤيتهم كثر أثناء المعركة يفاجئهم ويبهتهم فيهابون منهم، ويدب الفزع في قلوبهم، فتكسر شوكتهم حين يرون ما ليس في حسابهم، فينهزموا بقدرة الله وإرادته57.
إن لطف الله بعباده المؤمنين، وإنعامه عليهم بنعمة الرؤية لبعضهم بعضًا في معركة بدر لآية من آيات الله للفئة المؤمنة، صاحبة الإيمان الصادق، الذي به استحقوا رعاية الله ورحمته وكرامته، لينصر دينه، وهذا وعد الله للمؤمنين في كل زمان ومكان، بأن ينصرهم ويهزم عدوهم، «فإن وعد الله بهزيمة الذين يكفرون ويكذبون وينحرفون عن منهج الله، قائم في كل لحظة، ووعد الله بنصر الفئة المؤمنة -ولو قل عددها- قائم كذلك في كل لحظة، وتوقف النصر على تأييد الله الذي يعطيه من يشاء حقيقة قائمة لم تنسخ، وسنة ماضية لم تتوقف، وليس على الفئة المؤمنة إلا أن تطمئن إلى هذه الحقيقة، وتثق في ذلك الوعد، وتأخذ للأمر عدته التي في طوقها كاملة، وتصبر حتى يأذن الله، ولا تستعجل ولا تقنط إذا طال عليها الأمد المغيب في علم الله، المدبر بحكمته، المؤجل لموعده الذي يحقق هذه الحكمة»58.
سابعًا: مشهد تزيين الشيطان للمشركين أعمالهم:
لقد زين إبليس أعمال المشركين بأن وسوس لهم وشجعهم على لقاء المسلمين لما خافوا الخروج.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنفال: ٤٨].
لقد أوهمهم الشيطان أنهم لا يقاتلون بكثرة عددهم، وأزال مخاوفهم من إتيان عدوهم بني بكر في ديارهم أثناء خروجهم، وقال لهم الشيطان: لا غالب لكم اليوم من بني آدم، وغرهم أنه مجيرٌ لهم، ويمنعهم من المسلمين، ولكن لما تزاحفت جنود الله من المؤمنين وجنود الشيطان من المشركين، ونظر بعضهم إلى بعض، نكص الشيطان على عقبيه ورجع مدبرًا هاربًا، وتبرأ منهم وتخلى عنهم، فهو يرى الملائكة الذين بعثهم الله بمدد للمؤمنين، والمشركون لا يرونهم59.
ففي هذا النص القرآني إثبات أن الشيطان زين للمشركين أعمالهم، وشجعهم على الخروج بإعلان إجارته لهم ونصرته إياهم، وأنه بعد ذلك لما تراءى الجمعان ورأى أحدهما الآخر خذلهم وتركهم يلاقون مصيرهم وحدهم، ولم يوف بعهده معهم، أما الكيفية التي زين لهم بها أعمالهم، والتي قال لهم بها: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) وهل جاء على صورة رجل؟ فلا نعلم؛ لعدم ورود نص قرآني أو حديث نبوي صحيح يبين ذلك60.
وهكذا الشيطان دائما يزين للناس أعمالهم ويضلهم، ثم يتخلى عنهم، قال تعالى: (ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)[النساء: ١٢٠].
ولكن كيد الشيطان ضعيف، لا يقوى على مقابلة أمر الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الفارق بين جند الشيطان كيف يوسوسون للمشركين ويضللونهم، وبين الملائكة الذين هم جند الرحمن يثبتون المؤمنين ويؤيدونهم ويعدونهم بنصر الله دون خذلان.
ثامنًا: مشهد المنافقين:
لقد قال المنافقون بالمدينة وأصحاب القلوب المريضة المليئة بالشهوات والشبهات والشكوك، ضعفاء الاعتقاد والايمان: إن المسلمين اغتروا بدينهم، وإنهم خرجوا مع قلتهم يقاتلون الجمع الكثير توهمًا أنهم ينصرون بسبب دينهم.
وقد وضح موقفهم هذا قول الله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الأنفال: ٤٩]61.
«إن هؤلاء الموصوفين بالنفاق ومرض القلوب إنما هم من أهل عسكر الكفار، لما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلة عددهم قالوا مشيرين إلى المسلمين: غر هؤلاء دينهم، أي: اغتروا فأدخلوا أنفسهم فيما لا طاقة لهم به، وكنى بالقلوب عن العقائد، والمرض أعم من النفاق؛ إذ يطلق مرض القلب على الكفر»62.
إن المنافقين وكذلك أصحاب القلوب المريضة وضعيفي الاعتقاد، من أسباب هدم بنيان المسلم بأراجيفهم وخداعهم، وما ينجي العبد منهم هو التوكل على الله، لذلك رد الله عليهم في الآية السابقة: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)[الأنفال: ٤٩].
«أي: ومن يكل أمره إلى الله ويؤمن إيمان اطمئنان بأنه ناصره ومعينه، وأنه لا يعجزه شيء ولا يمتنع عليه شيء أراده، يكفه ما يهمه وينصره على أعدائه وإن كثر عددهم وعظم استعدادهم؛ لأنه العزيز الغالب على أمره، الحكيم الذي يضع كل أمر في موضعه بمقتضى سننه في نظام العالم، ومن ذلك أن ينصر الحق على الباطل»63.
«ما أشبه موقف المنافقين بموقف الشيطان، إنه موقف المتخاذل المتفرج، المحرض على الشر، ثم المتخلي عن المؤازرة وقت الشدة والمحنة، أما الشيطان: فيوسوس بالباطل لأعوانه، ثم يحجم عن الشيء الذي زين به، وحبب فيه، وأغرى الناس عليه. فالواجب على العاقل الحذر منه، والتفكير في عواقب الأمور، وعدم الانسياق في تيار الأهواء والوساوس الشيطانية، فمن انجرف في سيل الشيطان فإن الله يعاقبه أشد العقاب.
وأما المنافقون -الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر- والذين في قلوبهم مرض فيصطادون عادة في الماء العكر، وينتهزون الفرص، ويوقعون الفتنة، وينتظرون الانحياز للغالب، ويشككون في قوة المؤمنين، ويتهمونهم بالتهور والطيش؛ لقلتهم عددًا وعددًا أمام الكثرة في العدد والعدد. وقد خيب الله الفريقين: الشيطان والمنافقين، فنصر الفئة المؤمنة القليلة على الفئة الكافرة الكثيرة، والله يؤيد بنصره من يشاء؛ لأن من يتوكل على الله، ويفوض أمره إليه، ويثق به، ويلجأ إليه، فإن الله حسبه وناصره ومؤيده»64.
إن نظرة الكافرين والمنافقين دائمًا نظرة مادية لا روحية، فما قاله المنافقون هو تقدير التكافؤ في أنظار الناس وفي موازين القوى العسكرية، ولكنه في ميزان الله مختلف قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [البقرة: ٢٤٩].
المقياس الحقيقي هو الإيمان والتوكل على الله.
يقول سيد قطب: «والمنافقون والذين في قلوبهم مرض لا يدركون حقيقة أسباب النصر وأسباب الهزيمة فهم يرون ظواهر الأمور، دون أن تهديهم بصيرة إلى بواطنها ودون أن يشعروا بالقوة الكامنة في العقيدة، والثقة في الله، والتوكل عليه، إن الواقع المادي الظاهر لا يختلف من ناحية مظهره عند القلوب المؤمنة وعند القلوب الخاوية من الإيمان، ولكن الذي يختلف هو التقدير والتقويم لهذا الواقع المادي الظاهر فالقلوب الخاوية تراه ولا ترى شيئًا وراءه، والقلوب المؤمنة ترى ما وراءه من «الواقع» الحقيقي!
الواقع الذي يشمل جميع القوى، ويوازن بينها موازنة صحيحة (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) هذا ما تدركه القلوب المؤمنة وتطمئن إليه وما هو محجوب عن القلوب الخاوية فلا تحسب حسابه!
وهذا ما يرجح الكفة، ويقرر النتيجة، ويفصل في القضية في نهاية المطاف في كل زمان وفي كل مكان إنهم لا يدركون الأمور ببصيرة المؤمن، ولا يزنون النتائج كذلك بميزان الإيمان إنها في حس المؤمن وميزانه صفقة رابحة دائمًا، فهي مؤدية إلى إحدى الحسنيين: النصر والغلب، أو الشهادة والجنة.
ثم إن حساب القوى في نفسه يختلف فهناك الله وهذا ما لا يدخل في حساب المنافقين والذين في قلوبهم مرض! والعصبة المسلمة في كل مكان وفي كل زمان مدعوة إلى أن تزن بميزان الإيمان والعقيدة، وأن تدرك ببصيرة المؤمن وقلبه، وأن ترى بنور الله وهداه، وألا تتعاظمها قوى الطاغوت الظاهرة، وألا تستهين بقوتها ووزنها فإن معها الله، وأن تلقي بالها دائمًا إلى تعليم الله سبحانه وتعالى للمؤمنين: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)»65.
تاسعًا: مشهد الأسرى والغنائم:
لقد نزلت الآيات معاتبةً للمسلمين في شأن الأسرى والغنائم.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأنفال: ٦٧ -٧٠].
حيث استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في أمر الأسرى، فأشار عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقتلهم ضمانا لقوة الدولة الإسلامية، حيث إنهم يشكلون عامل تحد وخطورة، ولأنهم أئمة الكفر وصناديد مكة، وأشار أبو بكر الصديق رضي الله عنه بأخذ الفدية منهم؛ إذ كان يرى أن في ذلك قوة للمسلمين على الكفار، وكان يأمل أن يهديهم الله تعالى للإسلام.
وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر، وقد تباين فداء الأسرى، فمن كان ذا مال أخذ فداؤه، وتتناقص الأموال المأخوذة منهم بعد ذلك تبعًا لكفاءتهم المالية، وقد حفظـت لنا المصـادر نمـاذج منـها، فمـن ذلك أنه استـوفى من العبـاس بن عبد المطـلـب مـائة أوقيــة من الذهب فداء عنه، ومن عقيل بن أبي طالب ثمانين أوقية، واستوفى من آخرين أربعين أوقية لكل منهم66.
«لقد كانت معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى تحفها الرحمة، والعدل، والحزم، والأهداف الدعوية، ولذلك تعددت أساليبه، وتنوعت طرق تعامله صلى الله عليه وسلم، فهناك من قتله، وبعضهم قبل فيهم الفداء، والبعض الآخر من عليهم، وآخرون اشترط عليهم تعليم عشرة من أبناء المسلمين مقابل المن عليهم»67.
وقد بين حديث ابن عباس ما دار في شأن الأسرى: قال ابن عباسٍ: (فلما أسروا الأسارى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ، وعمر: (ما ترون في هؤلاء الأسارى؟) فقال أبو بكرٍ: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فديةً فتكون لنا قوةً على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ترى يا ابن الخطاب؟) قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكرٍ، ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًا من عقيلٍ فيضرب عنقه، وتمكني من فلانٍ نسيبًا لعمر، فأضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكرٍ، ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيءٍ تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت، وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة) -شجرةٍ قريبةٍ من نبي الله صلى الله عليه وسلم - وأنزل الله عز وجل: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ) [الأنفال: ٦٧]. إلى قوله: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الأنفال: ٦٩]. فأحل الله الغنيمة لهم)68.
لقد نزل القرآن الكريم موافقًا لرأي عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شأن الأسرى، ومعاتبًا للمسلمين في شأن الأسرى والغنائم، فهذه الآيات عتاب من الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أنه ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم أسرى قبل الإثخان، أي: القتل والتخويف الشديد.
وما كان ينبغي للصحابة رضي الله عنهم أن يأخذوا الغنائم ويتنافسوا عليها وهي من عرض الدنيا قبل أن يعلموا حكم الله فيها، والله دائما يريد للمؤمنين الغلبة والعزة في الدنيا، ويريد لهم الآخرة بالأجر والثواب والجنة.
فالآيتان الكريمتان: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الأنفال: ٦٧ - ٦٨ ].
تبين أن الحكم المؤقت في غزوة بدر بالنسبة للأسرى كان قتلهم، بما يتناسب مع واقع الدولة الإسلامية آنذاك، وهذه قاعدة هامة في بناء الدولة، فحينما تكون ناشئة وفي مرحلة التكوين والإعداد، ينبغي ألا تظهر بمظهر اللين، حتى ترهب من قبل أعدائها69.
«فإنه ليس من سنة الأنبياء، ولا مما ينبغي لأحد منهم أن يكون له أسرى يفاديهم أو يمن عليهم إلا بعد أن يكون له الغلب والسلطان على أعدائه وأعداء الله الكافرين؛ لئلا يفضي أخذه فداء الأسرى إلى ضعف المؤمنين وقوة أعدائهم وجرأتهم عليهم، وما فعله المؤمنون من مفاداة أسرى بدر بالمال كان ذنبًا سببه إرادة جمهورهم عرض الحياة الدنيا قبل الإثخان الذي تقتضيه الحكمة بإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، ولولا كتاب من الله سبق من عدم عقابهم على ذنب أخذ الفداء -قبل إذنه سبحانه وتعالى وعلى خلاف سنته- لمسهم عذاب عظيم في أخذهم ذلك»70، فالله قضى وقدر وسبق إثباته في اللوح المحفوظ لأهل بدر أنه قد أحل لهم الغنائم والفداء، ورفع عنهم العذاب فلا يعاقب المخطئ على اجتهاده71.
وحكم الأسرى الذي استقرت عليه الشريعة أنه مفوض للإمام أن يختار الحكم الذي فيه المصلحة، إما بقتلهم أو إطلاق سراحهم، أو أخذ الفدية منهم، كما جاء في قوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [محمد: ٤].
«ولأن كل خصلة من هذه الخصال قد تكون أصلح في بعض الأسرى، فإن منهم من له قوة ونكاية في المسلمين، وبقاؤه ضرر عليهم، فقتله أصلح، ومنهم الضعيف الذي له مال كثير، ففداؤه أصلح، ومنهم حسن الرأي في المسلمين، يرجى إسلامه بالمن عليه، أو معونته للمسلمين بتخليص أسراهم، والدفع عنهم، فالمن عليه أصلح»72.
وبعد أن عاتب الله سبحانه وتعالى المسلمين على أخذ الفداء والغنيمة؛ لأنهم بفعلهم هذا يريدون عرض الدنيا؛ إذ ليس فيه مصلحة للدين.
قال تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [الأنفال: ٦٩].
أباح لهم الفداء وجعله من جملة الغنائم المباحة التي أبيحت لهم في مطلع السورة، فالمعنى أي: أبحت لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم من الفدية، حال كونه حلالًا لكم، طيبًا بنفسه لا حرمة فيه، أو كلوه أكلًا حلالًا لا شبهة فيه، والفائدة إزاحة ما وقع في نفوسهم من أكل الفداء بسبب تلك المعاتبة، أو حرمة الغنائم على الأولين من الأمم السابقة، ففي هذه الآية بيان للطف الله سبحانه وتعالى بهذه الأمة بأن أحل لها الغنائم73.
وبعد أن أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الفداء من الأسرى، وشق عليهم أخذ أموالهم منهم، أنزل الله هذه الآية: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأنفال: ٧٠]؛ لبيان الهدف من الأسر، وهو الاستمالة لهم، والترغيب لهم في الإسلام، وتهديدًا وإنذارًا لهم إذا بقوا على الكفر، ففي هذه الآية يأمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لمن وقع في أيديهم من الأسرى الذين أخذ منهم الفداء: إن يعلم الله في قلوبكم الآن أو في المستقبل إيمانًا وإخلاصًا وحسن نية وعزمًا على طاعة الله ورسوله، والتوبة عن الكفر، وعن جميع المعاصي، ومنها العزم على نصرة الرسول والتوبة عن محاربته، يؤتكم خيرًا مما أخذ منكم من الفداء، ويغفر لكم ما كان منكم من الشرك والسيئات، والله غفور لمن تاب عن المعاصي، رحيم بالمؤمنين، فهو يمدهم بعنايته وتوفيقه وإسعاده74.
إن هدف إسلامنا العظيم بأخذ الأسرى إنما ليلمس في قلوبهم مكامن الخير والرجاء والصلاح، وليوقظ في فطرتهم أجهزة الاستقبال والتلقي والتأثر والاستجابة للهدى، ولترغيبهم بالإسلام لا ليستذلهم انتقامًا، ولا ليسخرهم استغلالًا كما كانت تتجه فتوحات الرومان وغيرهم75.
عاشرًا: نهاية الغزوة:
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)[آل عمران: ١٢٣].
لقد انتهت غزوة بدر بنصر كبير للمؤمنين، أعز الله فيه الإسلام والمسلمين، وأذل فيه الكفر والكافرين، فكانت غزوة بدر من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام، وكان لها أثر كبير في إعلاء شأن الإسلام، وانتصار العقيدة، كما كانت أصداء انتصار المسلمين شديدة على أعداء الإسلام من يهود ومشركين.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [آل عمران: ١٣].
لقد أظهر المسلمون في المعركة بطولات فائقة، حيث كانوا يقاتلون وهم يؤملون إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، وعرفت الدنيا أن القوى الروحية لا تقهرها القوى المادية، وأن النفس البشرية إذا امتلأت بالإيمان وحب الشهادة تضاءلت أمامها شم الجبال الراسيات، والله هو القوي القاهر يمد عباده المؤمنين بنصر من عنده إذا صدقوا الإيمان، وأخلصوا له في الجهاد، وانتصروا على شهواتهم وأنفسهم، واتقوا الله حق تقواه نعم لقد انجلت المعركة عن نصر حاسم للمسلمين، وهزيمة منكرة للمشركين، فقتل سبعون من صناديدهم، وأسر سبعون76، ومن بقي سارع إلى الهرب، وقد قدم المسلمون يومئذ أربعة عشر شهيدًا: 77 منهم ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار78.
وإن من نتائج غزوة بدر أن قويت شوكة المسلمين، وأصبحوا مرهوبين في المدينة وما جاورها، وتعززت مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وارتفع نجم الإسلام فيها، ولم يعد المتشككون في المدينة يتجرؤون على إظهار كفرهم وعداوتهم للإسلام، وكذلك ازدادت ثقة المسلمين بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم، واشتد ساعدهم، ودخل عدد كبير من مشركي قريش في الإسلام، وإلى جانب ذلك كسب المسلمون من المعركة مهارات عسكرية، وأساليب جديدة في الحرب، وانتعش حال المسلمين المادي والاقتصادي بما أفاء الله عليهم من غنائم.
أما قريش فكانت خسارتها فادحة، فإضافة إلى مقتل أبي جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة وغيرهم من زعماء الكفر، وأسر عدد كبير منهم، فقد كانت المعركة خسارة معنوية عليهم، أما اليهود فقد هالهم أن ينتصر المسلمون في المعركة، وأن تقوى شوكتهم، فأخذوا يدبرون المكائد وينقضون العهود79.
«أراد الله للعصبة المسلمة أن تصبح أمة، وأن تصبح دولة، وأن يصبح لها قوة وسلطان، وأراد لها أن تقيس قوتها الحقيقية إلى قوة أعدائها، فترجح ببعض قوتها على قوة أعدائها! وأن تعلم أن النصر ليس بالعدد وليس بالعدة، وليس بالمال والخيل والزاد إنما هو بمقدار اتصال القلوب بقوة الله التي لا تقف لها قوة العباد. وأن يكون هذا كله عن تجربة واقعية، لا عن مجرد تصور واعتقاد قلبي، ذلك؛ لتتزود العصبة المسلمة من هذه التجربة الواقعية لمستقبلها كله، ولتوقن كل عصبة مسلمة أنها تملك في كل زمان وفي كل مكان أن تغلب خصومها وأعداءها، مهما تكن هي من القلة، ويكن عدوها من الكثرة، ومهما تكن هي من ضعف العدة المادية، ويكن عدوها من الاستعداد والعتاد وما كانت هذه الحقيقة لتستقر في القلوب كما استقرت بالمعركة الفاصلة بين قوة الإيمان وقوة الطغيان»80.
التوجيهات القرآنية بعد نهاية الغزوة
أولًا: إصلاح ذات البين:
إن من التوجيهات القرآنية العظيمة بغزوة بدر، أن من أسباب النصر تآلف القلوب وترابطها وتراحمها، فقوة الترابط هي القوة الثانية بعد قوة الإيمان.
لقد بينت الآيات القرآنية أن إصلاح ذات البين، ووحدة الكلمة على منهج الله سبحانه وتعالى أعظم عند الله من الدنيا والغنائم والأموال والمتاع، لذلك لما اختلف الصحابة وتنافسوا وتخاصموا في شأن الغنائم نزعها الله من أيديهم وجعلها لله ورسوله يحكمان فيها، وأنزل الله الآية الكريمة: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأنفال: ١].
ومعنى الآية، أي: وإذا كان أمر الغنائم لله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فاتقوا الله سبحانه وتعالى في أقوالكم وأفعالكم، واجتنبوا ما كنتم فيه من التنازع والاختلاف فيها، الموجب لسخط الله وغضبه، والموقع في الفرقة والعداوة الضارة بكم حال الحرب وغيرها، فلا تظالموا ولا تخاصموا ولا تشاجروا وأصلحوا ذات بينكم، حتى تتأكد الرابطة الإسلامية بين بعضكم، وتشيع المحبة والمودة والوفاق والوئام بين صفوفكم، فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بترابطكم، فلتجتمع كلمتكم، وليشتد أمركم، وليقو أزركم فتقدروا على إقامة الدين وقمع المفسدين81.
إن إصلاح ذات البين وتوحيد الصف ورفع الخصومة من أولى مقومات النصر، والتفرق من أسباب الهزيمة، لذلك أمر الله المسلمين بالطاعة، ونهاهم عن التنازع قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)[الأنفال: ٤٦].
أي: أطيعوا الله في كل ما أمر به ونهى، وكذا رسوله الكريم، وإياكم والنزاع فإنه مدعاة للفرقة وأساس الهزيمة، وإنما أهلك من كان قبلكم اختلافهم وكثرة اعتراضهم، فالنزاع أداة الهلاك، ومعول الهدم والشقاء، به تذهب الدولة، وتفنى القوة، وعليكم بالصبر، فهو سلاح المؤمن الذي لا يفل82.
لذلك عندما استجاب المسلمون لأمر الله سبحانه وتعالى، وأصلحوا بينهم، وكانوا يدا واحدة بلا عصبية قبلية جاهلية، أو تفرقة بين لون أو جنسية أو عشيرة، ولا تنافس على عرض دنيا زائل، بل كانوا صفًا واحدًا لهدف واحد، هو نصرة الدين والعقيدة، ورفع راية الحق، وقد ألف الله بينهم، وجعلهم أمة واحدة، متعاونة ومتناصرة، فكان التأييد الرباني.
قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الأنفال: ٦٢-٦٣].
هذا دليل واضح على أن من أهم أسباب النصر هو التآلف واتحاد الكلمة، فالله جمعهم وألف بين قلوبهم، وقد كانوا في الجاهلية أصحاب حروب وفتن وعداوات وعصبيات وحب للانتقام وإثارة الحروب لأتفه الأسباب، ومع أنك لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله القوى القادر الحكيم العليم ألف بين قلوبهم، وجمعهم على صراط سوي، وأزال كل تلك الخلافات بنور الإيمان83.
ثانيًا: تقسيم الغنائم:
اختلف الصحابة في شأن الغنائم، وتنافسوا عليها، ولم يكن حكمها قد نزل حتى ذلك الوقت، حتى نزل قول الله سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الأنفال: ١].
فأصبحت الغنائم لله ولرسوله، ثم بين الله سبحانه وتعالى إحلال الغنائم (وهي: المال المأخوذ من الكفار في المعركة)، وبين كيف توزع الغنائم.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الأنفال: ٤١].
فكانت هذه الآية تفصيلًا للغنيمة التي أجمل حكمها في بدء السورة، والتي اختص الله هذه الأمة بإحلالها، فبينت الآية أنها تقسم أخماسا، حيث يجعل الخمس لمن ذكرتهم الآية، والأربعة الأخماس الباقية للغانمين الذين شهدوا المعركة، بدليل بيان هذا الخمس والسكوت عن الباقي، وبدليل قوله سبحانه وتعالى: (ﭔ) حيث بين القرطبي أن إضافة الغنيمة للغانمين، ثم تعيين الخمس لمن سمى في كتابه، والسكوت عن الأربعة الأخماس، دل على أنها ملك للغانمين84.
أما الخمس الذي عينته الآية فأكثر المفسرين والفقهاء أن قوله سبحانه وتعالى: (ﭘ ﭙ) فهو على سبيل التبرك؛ لأن الدنيا والآخرة كلها لله، فيكون الخمس الباقي للخمسة أصناف التي ذكرت في الآية85 وهي: سهم الرسول صلى الله عليه وسلم يضعه حيث شاء، وسهم ذوي القربى أي: قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسهم اليتامى وهم أطفال المسلمين الذي هلك آباؤهم، والمساكين وهم أهل الحاجة من المسلمين، وابن السبيل وهو: المجتاز سفرا قد انقطع به86.
أما التوجيه الدائم بعد ذلك، فهو ما تضمنه شطر الآية الأخير: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) أن للإيمان أمارات تدل عليه، والله سبحانه وتعالى يعلق الاعتراف لأهل بدر بأنهم آمنوا بالله، وبما أنزله على عبده يوم الفرقان يوم التقى الجمعان على قبولهم لما شرع الله لهم في أمر الغنائم في صدر الآية، فيجعل هذا شرطًا لاعتبارهم عنده قد آمنوا بالله، وبما أنزله على عبده من القرآن، كما يجعله مقتضى لإعلانهم الإيمان، فدين الله واضح جازم، لا تميع فيه ولا غلو، بأن الإيمان ليس بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، فلا بد لقيامه من قبول ما شرعه الله، وتحقيقه في واقع الحياة 87.
ثالثًا: توجيهات عامة للمؤمنين:
١. النصر بيد الله.
لقد جاءت الآيات القرآنية ترسخ هذه القاعدة الربانية، وتبين أن الله سبحانه وتعالى هو الذي نصر المؤمنين في بدر، وهذا درس للمؤمنين بأن يثقوا بالله، ويتوكلوا عليه؛ لأنه صانع النصر، قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ .)[الأنفال: ١٠].
و قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ)[آل عمران: ١٢٣].
فلا نصر على العدو إلا بنصر الله وتأييده، لا بشدة بأس أو قوة أو سواها من الأسباب، فهو سبحانه الفاعل للنصر والمسخر له كتسخيره للأسباب الحسية والمعنوية88.
إن المتأمل في أحداث غزوة بدر يجد رعاية الله وحفظه للمؤمنين، بل يتضح له أنها كلها من تدبير الله سبحانه وتعالى، فالترتيب للمعركة كان من الله.
ودلت على ذلك الآيات: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأنفال: ٥-٨].
وكذلك الإعداد النفسي للمعركة من خلال مشهد النعاس، وإنزال المطر، ورؤية الفريقين لبعضهما، ودلت عليه الآيات (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[الأنفال: ١١].
و قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأنفال: ٤٤].
ونزول الملائكة قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنفال: ٩].
و قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأنفال: ١٢].
و أيضًا فإن موعد ومكان المعركة كان بترتيب الله قال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنفال: ٤٢]
لقد هيأ الله الأسباب وسخرها لنصر المسلمين في المعركة؛ ليكون النصر من عنده سبحانه، وفي هذا تعليم للمؤمنين الاعتماد على الله وحده، وتفويض أمورهم إليه؛ لأن النصر من عند الله وحده، وليس من الملائكة ولا غيرها، فالأسباب يجب أن يؤخذ بها، لكن يجب ألا يغتروا بها، بل الاعتماد على خالق الأسباب، فهو الناصر سبحانه، وقد أمر الله المسلمين أن يتذكروا نعمته عليهم، نعمة النصر بعد أن كانوا مستضعفين.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الأنفال: ٤٤]89.
٢. القتل والإصابة من الله.
فكما أن النصر من عند الله سبحانه وتعالى لمن أخذ بالأسباب، كذلك قتل الكافرين كان بإرادته سبحانه وتعالى، ووقع هذا القتل بيد المؤمنين، والله هو المميت والمقدر ذلك، فالمؤمن يضرب بالسيف، وينجرح العدو وينزف، لكن ألم تر جريحًا لم يمت، وألم تر غير مجروح يموت؟ إذن فالقتل هو من الله.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ) [الأنفال: ١٧].
وتدل الآية أن الله هو الذي يصيب الهدف، والعبد إنما يشارك بتكسبه وقصده، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي رمى حفنة التراب على وجوه المشركين، ولكن الله هو الذي أعانه وأظفره وصنع له، فأصابت الرمية المشركين بقوته وقدرته سبحانه وتعالى، ففي الآية أضاف الرمي إلى نبي الله، ثم نفاه عنه، وأخبر عن نفسه أنه الرامي، فيكون المعنى: وما أصبت إذ رميت، ولكن الله سبحانه وتعالى هو الذي أصاب90.
ففي هذا درس هام للمؤمنين في الأخذ بالأسباب، وترك النتائج على الله، ولكن لابد من اليقين وحسن التوكل على الله، ثم لابد ألا يفتخر العبد بأنه فعل كذا وكذا، أو قتل وضرب ورمى، فعلى المسلم ألا يعجب بعمله، بل يتواضع ويحتسب أجره عند الله؛ لأن التوفيق كله من الله، هو المسدد سبحانه وتعالى.
٣. الابتلاء بالنصر بعد القتال لشكر النعمة.
بعد أن بين الله سبحانه وتعالى أن النصر والتوفيق من عنده، بين أنه قادر على نصر المؤمنين من دون مباشرة قتال؛ ولكن الله أراد أن يمتحن المؤمنين، ويوصلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات، وأرفع المقامات، ويعطيهم أجرًا حسنًا وثوابًا جزيلا، وليعرفوا نعمه عليهم في إظهارهم على عدوهم مع كثرتهم وقلة عدد المؤمنين، فيعرفوا بذلك حقه ويشكروه على نعمته91.
قال تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الأنفال: ١٧ ].
وقد ذكر البقاعي الحكمة من ابتلاء المؤمنين بالجهاد، والظفر في المعركة مع أنه قادر على نصرهم بدون قتال، فذكر أن الله أراد أن يخالط المؤمنين من ذلك ما يكون لهم من مزاولته عاقبة حسنة، بل أحسن من الراحة؛ لأنه يفضي بهم إلى راحة دائمة، والدعة تفضي الى تعب طويل92.
٤. قوة الإيمان هي السلاح الأقوى والأنفع.
إن الإيمان الصادق والتسليم لله وقوة الاتصال به والالتزام بأوامره والانتهاء عما نهى، هو القوة الحقيقية والسلاح في المعركة، وهو الذي يجلب رعاية الله وكرامته ونصره، وقد أمر الله بإعداد القوة.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ) [الأنفال: ٦٠].
وأعظم قوة هي قوة الإيمان الصادق.
ونحن نتحدث عن غزوة بدر الكبرى إنما لنستشعر معاني الإيمان الذي فقد، ومعاني الرجولة التي انصرفنا عنها، ومعاني الجهاد الذي نكسنا عنه، ومعاني الإقبال على الله الذي أعرضنا عنه، نستشعر هذه المعاني كلها؛ لنحييها فينا، وفي أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن ننتصر اليوم في معاركنا الداخلية ضد الفساد والاستبداد، والخارجية ضد اليهود والاستكبار العالمي، كما انتصر أهل بدر في معركتهم، إن لم نكن مؤمنين كما كانوا، ورجالًا كما كانوا، ومجاهدين كما كانوا، وأبطالًا كما كانوا، نسأل الله أن يعيد للأمة عزها وكرامتها، وأن ينصرها على أعدائها.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو القائد العام للمسلمين في معركة بدر، وقد خاض المعركة بنفسه، ونعم القائد هو، إنه القدوة الكاملة، والقائد الرباني، كيف لا وهو أعرف الناس بالله سبحانه وتعالى وأتقاهم له، وأخشاهم، ويملك من القوة الإيمانية ما يملأ قلوب من معه من الصحابة إيمانًا وتقوى بمجرد نظرة منه أو جلسة معه. وكان له من الإرادة الجهادية ما يدفع الصحابة إلى الجهاد والاستشهاد لدرجة التسابق والمسارعة بمجرد إشارة أو نداء، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واعظ منبر وكفى، لا أميرًا فقط، وإنما كان المجاهد الكامل، والقائد القدوة، ومن أهم ما تميز به النبي صلى الله عليه وسلم في المعركة، وكان له الأثر الكبير على المسلمين المقاتلين، وكان عاملا أساسيًا من عوامل النصر في المعركة، ما يأتي:
١. تشجيع الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم وتبشير الجنود وبث الثقة.
لقد شجع الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه وحرضهم قبل القتال وأثناءه، وقوى عزائمهم ورفع معنوياتهم، حتى لا يكترثوا بتفوق المشركين عليهم بالعدة والعدد؛ وقد أثر ذلك على معنويات الكبار الذين مارسوا الحرب وعرفوها من المسلمين وكذلك على الأحداث الصغار الذين لم يمارسوا حربا ولا قتالًا93، وهذا امتثال لأمر الله بالتحريض على القتال، قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأنفال:٦٥].
لقد كان النبي يبشر الجنود ويبث فيهم الثقة بقوله لهم: (سيروا وأبشروا)94، وكان يخطب فيهم حاثًّا لهم على الجهاد، جاء في حديث أنس بن مالك أنه لما دنا المشركون يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة: (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض)95.
٢. استشارة الجند من الصحابة.
لقد شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين بلغه خبر خروج قريش، وسمع رأي المهاجرين والأنصار في لقاء المشركين، وقبل مشورة الحباب في تبديل معسكره في بدر حين نزل بأدنى ماء منها، فانتقل بالمسلمين الى حيث أشار الحباب، وبنى حوضًا على القليب الذي أتاه؛ واستشار المسلمين في أمر الأسرى بعد المعركة، وعمل بالرأي الذي أبداه أبو بكر الصديق رضي الله عنه96.
٣. المشاركة في القتال وبناء العريش.
لقد شارك النبي صلى الله عليه وسلم في القتال واتخذ مقرًا يسيطر منه على المعركة، فبنى العريش فوق رابية مشرفة على ساحة المعركة97، حيث روي عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من العريش يوم بدر وهو يثب في الدرع ويقول: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [القمر: ٤٥]98.
٤. ابتكار الصفوف في القتال بالمعركة.
ابتكر النبي صلى الله عليه وسلم نظام الصفوف في القتال؛ امتثالًا لقوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الصف: ٤].
والقتال بأسلوب الصفوف، يكون بترتيب المقاتلين صفين أو ثلاثة صفوف أو أكثر على حسب عددهم، وتكون الصفوف الأمامية من المسلحين بالرماح؛ لصد هجمات الفرسان، وتكون الصفوف المتعاقبة الأخرى من المسلحين بالنبال؛ لتسديدها على المهاجمين من الأعداء، وإن تطبيق الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الأسلوب القتالي في معركة بدر، كان عاملًا مهمًا من عوامل انتصاره على المشركين99.
هذه مزايا القائد القدوة في كل زمان ومكان، والتي جعلت المسلمين يقاتلون كرجل واحد، لغاية واحدة، بقيادة قائد واحد وهذا عامل مهم من عوامل النصر في كل حرب.
لقد جعل الله سبحانه وتعالى لأهل بدر من المنزلة والمكانة في الدنيا والآخرة ما ليس لغيرهم، حتى صار من المآثر والمفاخر أن يقال: فلان بدري، روي عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي، عن أبيه -وكان أبوه من أهل بدر- قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما تعدون أهل بدر فيكم، قال: من أفضل المسلمين أو كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدرًا من الملائكة)100.
وروى الشيخان في صحيحيهما قصة حاطب بن أبي بلتعة، وبعثه الكتاب إلى أهل مكة عام الفتح يخبرهم فيه بعزم رسول الله على قصد مكة، وأن عمر استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب عنقه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (أليس من أهل بدر؟ لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم)101.
وروى البخاري في صحيحه عن حميد قال: سمعت أنس بن مالك يقول: (أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى ترى ما أصنع، فقال: (ويحك، أو هبلت أو جنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس)102.
وفي رواية: (إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى)103.
قال الحافظ ابن كثير بعد ذكره هذا الحديث: «وفي هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر، فإن هذا لم يكن في حومة الوغى، بل كان من النظارة من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب، وهو يشرب من الحوض، ومع هذا أصاب بهذا الموقف الفردوس، التي هي أعلى الجنان، وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، التي أمر الشارع أمته إذا سألوا الله الجنة أن يسألوه إياها، فإذا كان هذا حال هذا، فما ظنك بمن كان واقفًا في نحر العدو؟!»104.
لقد كان لغزوة بدر حكم ودروس كثيرة، نذكر بعضها فيما يأتي:
موضوعات ذات صلة: |
غزوات الرسول مع اليهود، غزوة أحد، غزوة الأحزاب، غزوة تبوك |
1 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٣٩٥٣، كتاب المغازي، باب قصة غزوة بدر، ٥ /٧٣.
2 انظر: التفسير الواضح، حجازي، ١/٢٧٢، التفسير المنير، الزحيلي، ٤/٦٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ١/١٤٦.
3 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣١٥، التفسير الموضوعي لسور القرآن، مجموعة مؤلفين، ٣/١٣١.
4 التحرير والتنوير، ٩/٢٤٨.
5 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ٣٠٣١، كتاب التفسير، باب في سورة براءة والانفال والحشر، ٤/٢٣٢٢.
6 المستدرك على الصحيحين، رقم ٢٨٧٦، ٢/٢٤١، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي.
وانظر: لباب النقول في معرفة أسباب النزول، السيوطي، ١/٤٩.
7 انظر: تفسير المراغي، ١٠/٧.
8 انظر: تلخيص الحبير، ابن حجر، ٤/٢٤٠.
9 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٤/٦٦.
10 انظر: لباب التأويل، الخازن، ٢/٣١٥، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٢١، التفسير الواضح، حجازي، ١/٨٣٢، التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/١٩.
11 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٦٥، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٤/٢٣.
12 في ظلال القرآن، ٣/١٥٢١.
13 انظر: في ظلال القرآن، ٣/١٥٢٣، بتصرف.
14 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٣/٥٤٠، لباب التأويل، الخازن، ٣/٢٥٨، التفسير المنير، الزحيلي، ٩/٢٤٥، أسباب النزول، الواحدي، ١/٣٠٩.
15 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٤/٢٤٢٤، التفسير الواضح، حجازي، ٢/٥٨٩.
16 انظر: الموسوعة القرآنية، ابراهيم الإبياري، ١/١٢٢، التفسير الواضح، حجازي، ١/٨٠٧، التفسير المنير، الزحيلي، ٤/٦٥، ٩/٢٥٤.
17 في ظلال القرآن، ٤/٢٤٢٤.
18 انظر: السيرة النبوية، علي الصلابي، ٢/٣.
19 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣/٣٩٦، نظم الدرر، البقاعي، ٨/٢٢٤.
20 انظر: فتح الباري، ابن حجر، ٧/٢٩٢، جوامع السيرة، ابن حزم الاندلسي، ١/٨٥.
21 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير، ٣/٣١٥.
22 السيرة النبوية، ابن هشام، ١/٦١٣.
23 تيسير الكريم الرحمن، ١/٣١٥.
24 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/٥٠.
25 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير، ٣/٢٦٠، نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين ١/٢٨٧.
وقد ذكر ذلك في حديث عند مسلم، كتاب الجهاد، باب الإمداد بالملائكة، ٣/١٣٨٣.
26 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٢/٣٦٠، لباب التأويل، الخازن، ٢/٣١٧.
27 الجامع لأحكام القرآن، ٨/٢٥.
28 جامع البيان، الطبري، ١٣/٥٢٩.
29 انظر: موسوعة نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين، ١/٢٨٨، السيرة النبوية، الصلابي، ٢/٦.
30 لباب النقول، السيوطي، ١/٩٤.
31 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٣٩٥٢، كتاب المغازي، باب قصة غزوة بدر، ٥/٧٣.
32 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، ١/٥/٦، البداية والنهاية، ابن كثير، ٣/٢٦٢.
وانظر: صحيح مسلم، كتاب الجهاد، باب غزوة بدر، ١٧٧٩، ٣/١٤٠٣.
33 انظر: زاد المعاد، ابن القيم، ٣/١٥٤.
34 التفسير الواضح، حجازي، ١/٨٣٤.
35 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٣/١٤٨١.
36 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ١٧٦٣، كتاب الجهاد والسير، باب الامداد بالملائكة، ٣/١٣٨٣.
37 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٣٩٥٣، كتاب المغازي، باب قصة غزوة بدر، ٥ /٧٣.
38 تفسير المراغي، ٩/١٧٣.
39 لباب التأويل، الخازن، ٢/٢٩٧.
40 في ظلال القرآن، ٣/١٤٨٤.
41 انظر: لباب التأويل، الخازن، ٢/٢٩٧.
42 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٩/٢٦٤.
43 انظر: السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، أبو شهبة، ٢/١٤٤.
44 السيرة النبوية، علي الصلابي، ٢/٣١.
45 المستفاد من قصص القرآن، عبد الكريم زيدان، ٢/١٣١.
46 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٣٩٩٥، كتاب المغازي، باب شهود الملائكة، ٥/٨١.
47 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٣/١٤٨٣.
48 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، رقم ٣٢٦٤، ٢/٣٥٧، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين.
وانظر: لباب النقول في أسباب النزول، السيوطي، ١/٩٦.
49 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٩/٢٧٨.
50 الخواطر، ٨٤٦٢٥.
51 انظر: التفسير الواضح، حجازي، ١/٨١٥.
52 انظر: صحيح البخاري، ٣٩٦٩، كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، ٥/٧٥، صحيح مسلم، ٣٠٣٣، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: «هذان خصمان»، ٤/٢٣٢٣.
وانظر التفسير المنير، الزحيلي، ١٧/١٨١.
53 انظر: التفسير الواضح، حجازي، ١/٨٣٢.
54 انظر: السيرة النبوية في ضوء القرآن الكريم والسنة، أبو شهبة٢ /١٣٦.
55 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/١٩، السيرة النبوية في ضوء القرآن الكريم والسنة، أبو شهبة ٢/١٣٦.
56 انظر: روح المعاني، الألوسي، ٢/٩٣، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٢/١٣.
57 انظر: الكشاف، الزمخشري، ٢/٢٢٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٦٩، السيرة النبوية، علي الصلابي، ٢/٢٨.
58 في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/٣٧٢.
59 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣/٨، التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/٣٣، أنوار التنزيل، البيضاوي، ٣/٦٢.
60 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ١/٣٢٢.
61 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/٣١.
62 البحر المحيط في التفسير، أبو حيان الأندلسي، ٥/٣٣٢.
63 تفسير المراغي، ١٠/١٤.
64 التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/٣٥.
65 في ظلال القرآن، ١١/١٥٣٢، باختصار.
66 انظر: نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين، ١/٢٩٢.
67 السيرة النبوية، الصلابي، ٢/٤٩.
68 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ١٧٦٣، كتاب الجهاد، باب الامداد بالملائكة في غزوة بدر وإباحة الغنائم، ٣/١٣٨٣.
69 انظر: السيرة النبوية، الصلابي، ٢/٤٩، دراسات في السيرة، عدد من علماء الجامعة الاسلامية غزة، ص٢٩٩.
وانظر: التفسير الواضح، حجازي، ١/٨٥٤، التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/٧٤.
70 تفسير المراغي، ١٠/٣٧.
71 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٤/٦٤، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٤/٣٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٢٦.
72 المغني، ابن قدامة المقدسي، ٩/٢٢١.
73 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣٢٦، التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/٧٣.
74 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/٧٤، تفسير المراغي، ١٠/٣٨.
75 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٣/١٥٥٣.
76 انظر: حديث عمر بن الخطاب الذي أخرجه مسلم في صحيحه، ١٧٦٣، كتاب الجهاد والسير، باب الامداد بالملائكة، ٣/١٣٨٣.
77 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، ١/٧٠٦.
78 انظر: السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، أبو شهبة، ٢/١٤٢.
79 انظر: السيرة النبوية، علي الصلابي، ١/٥٩.
80 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٣/١٤٨١.
81 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣/٣٨٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/١٠، التفسير المنير، الزحيلي، ٩/٢٤٥، نظم الدرر، البقاعي، ٨/٢١٩.
82 انظر: التفسير الواضح، حجازي، ١/٨٣٤.
83 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/٥٧.
84 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣/٥٥٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٨/٣،التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/٦.
85 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣/٥٢٢، لباب التأويل، الخازن، ٢/٣١٢، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٥٩.
86 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ١٠/٦.
87 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٣/١٥٢٠.
88 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣/٤١٨، تفسير المراغي، ٩/١٧٤.
89 انظر: السيرة النبوية، الصلابي، ٢/٦٧.
90 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣/٤٤٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٧/٣٨٤، محاسن التأويل، القاسمي، ٥/٢٦٩، تفسير الشعراوي، ٨/٤٦١٥.
91 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣/٤٤٨، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٣١٧.
92 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ٨/٢٤٤.
93 انظر: الرسول القائد، محمود شيت خطاب، ١/١١٩.
94 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، ١/٦١٥.
95 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ١٩٠١، كتاب الجهاد، باب ثبوت الجنة، ٣/١٥٠٩.
96 انظر: الرسول القائد، محمود شيت خطاب، ١/١١٥.
97 انظر: السيرة النبوية، الصلابي، ٢/١٧.
98 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٤٨٧٥، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: سيهزم الجمع، ٦/١٤٣.
99 انظر: الرسول القائد، محمود شيت خطاب، ١/١١٤.
100 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ٣٩٩٢، كتاب المغازي، باب شهود الملائكة بدرا، ٥/٨٠.
101 أخرجه مسلم في صحيحه، ٢٤٩٤، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بدر، ٤/١٩٤١.
102 أخرجه البخاري في صحيحه، ٣٩٨٢، كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدر، ٥/٧٧.
103 أخرجه البخاري في صحيحه، ٦٥٥٠، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، ٨/١١٤.
104 البداية والنهاية، ٣/٣٩٨.
105 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ١٧٦٣، كتاب الجهاد والسير، باب الامداد بالملائكة في غزوة بدر، ٣/١٣٨٣.