عناصر الموضوع
الغفلة
أولًا: المعنى اللغوي:
«الغين والفاء واللام، أصل صحيح يدل على ترك الشيء سهوًا، وربما كان عن عمد»1.
وعلى هذا فإن الغفلة تعني في اللغة: الترك والسهو، فيقال: «غَفَلَ عَنْهُ يَغْفُلُ غُفولًا وغَفْلَةً، وأَغْفَلَهُ عَنْهُ غَيْرُهُ وأَغْفَلَهُ: تركه وسها عنه»2.
وقال الراغب الأصفهاني: «وأرض غفلٌ: لا منار بها، ورجل غفلٌ: لم تسمه التجارب، وإغفال الكتاب تركه غير معجم»3.
ويتضح مما سبق أن مادة غفل تدور حول معنى: ترك الشيء سهوًا، وإذا أضيفت إليها الهمزة لتصبح أغفل، فإنها تكون بمعنى ترك الشيء عمدًا.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرفها الراغب الأصفهاني بأنها: «سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ»4.
وعرفها الجرجاني بأنها: «متابعة النفس على ما تشتهيه»5، ثم ذكر تعريفًا ثانيًا لأحد السلف الصالح، بقوله: «الغفلة: إبطال الوقت بالبطالة»6.
وعرفها المناوي بأنها: «فقد الشعور بما حقه أن يشعر به»7.
وردت مادة (غفل) في القرآن الكريم (٣٥) مرة 8.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٨ |
(ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الكهف:٢٨] |
الفعل المضارع |
١ |
(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [النساء:١٠٢] |
اسم الفاعل |
٢٨ |
( ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة:٧٤] |
مصدر |
٥ |
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأنبياء:١] |
وجاءت الغفلة في القرآن بمعناها في اللغة، وهي مصدر غفل، أي: ترك الشيء سهوًا، وربما كان عن عمد9.
السهو:
السهو لغةً:
هو النسيان والغفلة، وحملت المرأة ولدها سهوًا، أي: على حيض، والسهو: السكون، والمساهاة: حسن المخالفة10.
السهو اصطلاحًا: «ذهول عن المعلوم إن خطر على البال، ويتنبه صاحبه بأدنى تنبيه»11.
الصلة بين السهو والغفلة:
من خلال التعريفين: اللغوي، والاصطلاحي للسهو يتبين صحة ما ذهب إليه الأحمد نكري بأن السهو حالة متوسطة بين الإدراك والنسيان12، أما الغفلة فقد تكون عن إدراك أو نسيان أو حالة متوسطة بينهما، وعلى هذا فإن الغفلة أشمل من السهو.
النسيان:
النسيان لغة:
ترك الإنسان ضبط ما استودع؛ إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة، وإما عن قصدٍ؛ حتى ينحذف عن القلب ذكره13. فالنسيان ضد الذكر والحفظ، والنسيان: الترك والتضييع والتفريط14.
النسيان اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي.
الصلة بين النسيان والغفلة:
من خلال التعريفين اللغوي والاصطلاحي للنسيان يتبين أن النسيان هو الغفلة عن الذي لا يأثم عليه المسلم، ولا يثاب على تركه أيضًا، أما الغفلة فقد تكون عن إدراك أو نسيان أو حالة متوسطة بينهما، وعلى هذا فإن الغفلة أشمل من النسيان.
الذكر:
الذكر لغة:
«ضد النسيان، ذَكَرْتُ الشَّيءَ أَذْكُرُهُ ذِكْرًا وذُكْرًا، وهُوَ مِنِّي عَلَى ذِكْرٍ وعَلَى ذُكْرٍ، والضم أعلى، وذكرته ذكرًا حسنًا. وذكَّرتُكَ الله أن تفعل كذا وكذا كالقسم»15.
الذكر اصطلاحًا:
استحضار الله تعالى في سكنة من السكنات، أو في حركة من الحركات.
الصلة بين الذكر والغفلة:
من خلال التعريفين اللغوي والاصطلاحي للذكر يتبين أنه مرتبط بالغفلة، من حيث إن من ترك الذكر فقد دخل في وحل الغفلة، التي هي محل ترك معية الله تعالى ونصرته، أما الغفلة فهي متابعة النفس على ما تشتهيه، فلا يتداخل الذكر مع الغفلة، فهما نقيضان.
السمد:
السمد لغةً:
اللهو، فالسامد هو اللاهي؛ لأن اللاهي يمضي في أمره غير معرجٍ ولا متمكثٍ16.
السمد اصطلاحًا:
لهوٌ يعترض من يمضي في طريقه غير متريث ولا عالم بما يريد، ولا ما سيحل له.
الصلة بين السمد والغفلة:
من خلال التعريفين اللغوي والاصطلاحي للسمد تبين أنه يفيد اللهو بسبب عدم معرفة الواقع، وعدم معرفة عواقب الأمور، أما الغفلة فقد تكون عن إدراك أو نسيان، أو حالة متوسطة بينهما، وعلى هذا فإن الغفلة أشمل من السمد.
نزه الله تعالى نفسه الكريمة عن الغفلة في كتابه، وسوف نتناول ذلك بالبيان فيما يأتي:
أولًا: حفظ الله لأعمال العباد:
ورد في القرآن الكريم ما فيه تنزيه لله تعالى عن غفلة أعمال العباد في الدنيا، من ذلك قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة:١٤٠].
فقد زعمت اليهود والنصارى أن هؤلاء الأنبياء -عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- كانوا هودًا أو نصارى، فيخاطب الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ ليقول لهم: هل أنتم أعلم بهؤلاء الأنبياء أم الله تعالى المنزه عن كل نقص. ثم تبين الآية الكريمة -بصيغة الاستفهام التقريري- أنه ليس هناك أظلم ممن كتم الإسلام وهو يعلم أنه دين الله تعالى، وكتم محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاليهود والنصارى يجدون ذلك مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، ومع ذلك يتبعون الأهواء17، وجاءت الفاصلة في الآية الكريمة بالنفي المحض للغفلة في حق الذات العلية المنزه عن أية منقصة، ولعل السبب في التذييل بنفي الغفلة عن عملهم أنهم لم يكتفوا بالقول والكتم في القلب؛ بل إن ذلك الافتراء منهم تعدى إلى جوارحهم، والله أعلم.
وقد وردت آية كريمة تبين أن الله تعالى قد جعل درجات لعمل الخلق، وأنه ليس بغافل عنهم، وهي قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الأنعام:١٣٢].
والمعنى: إن الآية السابقة بينت أن الله تعالى لا يهلك أمة بظلم فعلته وهم غافلون، وليس ربك الله المالك المتصرف في شؤون خلقه بغافلٍ عما يعمل خلقه من الثقلين: الإنس والجن، فيجزي من استحق النار بالنار، ويثيب من استحق الجنة بالجنة رحمةً منه -تبارك وتعالى-، والدليل على أن الجن لهم ثواب وعقاب الإنس نفسه هو قوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأحقاف: ١٨-١٩]18.
وقوله: (ﰉ)، حيث قرأ ابن عامر وحده: (ﮕ) على الخطاب، وقرأ الباقون: (ﰉ)، وحجة كافة القراء عدا ابن عامر أن الآية السابقة في سياق الغيبة19.
ثانيًا: توفية الجزاء من الله لعباده:
وقد ورد في القرآن الكريم ما يثبت أن الله تعالى يوفي الجزاء لعباده على جميع الأعمال خيرها وشرها، ومن ذلك: قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [البقرة: ٨٥].
فإن هذه الآية الكريمة وردت في سياق الحديث عن بني إسرائيل، حيث أخذ الله عليهم العهد الموثق بالأيمان ألا يسفك بعضهم دماء بعض، وألا يخرجوا أنفسهم من ديارهم، ثم أقروا على أنفسهم، وحال يهود عصر الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أنهم يشهدون على هذا الإقرار، وقد وردت في سياق شهادة هؤلاء اليهود في عصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على هذا الميثاق الذي أخذ على أسلافهم، تأنيبًا لهم على تضييع أحكام ما في أيديهم من التوراة التي كانوا يقرون بحكمها، ثم هم أمام هذا العهد الموثق بالأيمان (الميثاق) ينقضونه بطريقة سيئة، ولا يلتزمون بأيٍ من بنوده، وليس الأمر إلى هذا الحد، بل إنهم يعلقون هذا الإخلال بأنه -زعمًا منهم- حكم التوراة، والله تعالى يسألهم؛ تأنيبًا لضمائرهم: أفتؤمنون ببعض التوراة، وتكفرون بالبعض الآخر، فتؤمنون بمفاداة الأسرى التي في التوراة، ولكن في التوراة أيضًا عدم القتل لأنفسهم، وعدم الإخراج من الديار، من يشرك بالله تعالى، ويعبد الأوثان من دونه ابتغاء عرض من عرض الدنيا، فبهذا كله يكفر اليهود رغم أنه في التوراة أيضًا، وهم يعلمون ذلك20.
ويبين الله تعالى أن من يفعل فعلة بني إسرائيل القدامى، كما فعل اليهود في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حينما غدروا ونكثوا عهودهم، فإن لهم عقوبة الخزي في الحياة الدنيا، كإخراج بني النضير إلى الشام، وقتل بني قريظة، وقتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم، والأمر الأصعب هو أن الذي أصابهم في الدنيا من الخزي والعقوبة لم يكن كفارة لذنوبهم ولكنهم: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) ولا يخفى على الله تعالى من أعمالهم شيء، فيجازون بأعمالهم.
ثم تستأنف الآية التالية لها ببيان صفاتهم، ومن ثم حالهم، بقوله: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) يعني: اختاروا الدنيا على الآخرة؛ (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)، أي: ليس لهم مانع يمنعهم من عذاب الله تعالى في الآخرة21.
ذكر القرآن الكريم نوعين من الغفلة: الغفلة الممدوحة، والغفلة المذمومة، وسوف نتناولهما بالبيان فيما يأتي:
أولًا: الغفلة الممدوحة:
الغفلة إذا أطلقت فإنها تعني تلك الصفة المذمومة التي هي السهو والنسيان وقلة من التحفظ والتذكر، لكن القرآن الكريم بين أن الطهارة والعفة هما بمثابة غفلة عن الحرام وغضب الله تعالى، كما ورد ذلك في شأن المؤمنات الطاهرات اللاتي يقع عليهن الإيذاء من الأفاكين الذين يشيعون الفحشاء والمنكر.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النور: ٢٣].
وهذه الآية تأتي في سياق بيان طهارة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما، فبعد أن ذكرت الآية السابقة تحبيب العفو والصفح من أبي بكر الصديق رضي الله عنه على مسطح؛ رجاء مغفرة الله تعالى ورحمته، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يكرمه بما أعطاه الله، وحينما قذف ابنته زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنا عائشة رضي الله عنها، وأقيم عليه حد القذف، منعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه من عطاء الله الذي آتاه، فلما نزلت الآية الثانية والعشرون من السورة قال: بلى أحب أن يغفر الله لي، ورجع إلى وصل مسطح، ثم تأتي الآية التالية؛ لتبين أن من يقذف الطاهرات العفيفة كأم عبد الله عائشة رضي الله عنها فعليه لعنة في الدنيا والآخرة، ويضاف إلى اللعنة (ﮡ)، وصفته الآية بأنه (ﮢ).
ورغم أن هذه الآية الكريمة نزلت في حق أمنا عائشة رضي الله عنها، إلا أنها عامة في حق كل غافلة عن الفواحش، وعقاب من يقذفهن22؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ابتلي هذا الابتلاء العظيم في أهل بيته؛ لتترسخ في شريعتنا مبادئ الغفلة المحمودة، الدالة على سماحة الإسلام الحنيف، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يتهم في عرضه، فعائشة رضي الله عنها زوجه، وأبوها الصديق، ومن اتهمت فيه لم يعهد عليه إلا كل خيرٍ، والصحابة رضي الله عنهم في حيرة من أمرهم، والوحي انقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرًا.
إن كل أحداث ذلك الابتلاء إنما كان لأجل ترسيخ المبادئ العامة للغفلة المحمودة، التي تظل فاعلةً في كل زمان ومكان، ومن هذه المبادئ:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [النور: ١١].
فقد سمي من هؤلاء الذين جاؤوا بالإفك: حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش23.
ومع ذلك فإن هؤلاء الصحابة استمروا على إيمانهم، ويوصفون بأنهم الرعيل الأول، وهذا يعلم الأمة جميعًا أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأنه ليس بأفضل من طاعة الله تعالى فيمن عصى الله في ذلك المطيع، كما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من رموا أم المؤمنين رضي الله عنها وصفوان بن المعطل رضي الله عنه، وكما كان من أبي بكر الصديق رضي الله عنه في التعامل الطيب الكريم مع مسطح بن أثاثة بعد الخطاب القرآني: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النور: ٢٢]24.
وإن مثل هذا الخلق الرفيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه إنما له صفة التغافل في القلب واللسان لمصلحة الدعوة الإسلامية، وهو جزء لا يتجزأ من الغفلة المحمودة.
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النور: ١٢].
وهي معاتبة إلهية لأولئك المؤمنين؛ لأنهم لم يتحركوا التحرك الذي ينشر حسن الظن برسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته والمؤمنين جميعًا، فلو أنهم بمجرد سماعهم لهذا الخبر أحسنوا الظن بإخوانهم كلهم خيرًا، وبينوا أن هذا الحدث إنما هو كذبٌ بين، ويبين الله تعالى أن ذلك التصرف الذي كان يتوجب على المؤمنين بدهيٌ ولا يحتاج إلى مزيد كلفة من التفكير؛ فلا يوجد أربعة شهداء، فإذ لم يوجد شهداء فمن قذف هو الكاذب25.
ولا شك أن هذا الأمر هو من أهم مبادئ وأسس الغفلة المحمودة، فإحقاق الحق وإبطال الباطل إنما ذلك إغفال للشر، وإظهار الخير، كما أن القرآن الكريم يبين أن المؤمنين بسبب سلبيتهم وغفلتهم عن ذلك الدور المنوط بهم، فقد وقعوا في الحرج في أخص خصوص الدين، وهو عرض الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وهذا يعلم المؤمنين جميعًا على اختلاف أزمانهم وأماكنهم أن يقوموا بواجبهم في الدفاع عن الدين، وليس بردود الأفعال التي قد تكون ملاحقة لخيوط الشر، ومن ثم الوقوع في فخوخه.
وأما تفسير قوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [النور: ١٧].
فقد ذكر القرآن الكريم أن من وقفوا موقف الحديث بغير علم والتكلم باللسان دون التفكير بالقلب تجاه هذا الانتهاك الصارخ تجاه عرض الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بأنهم يذكرهم الله تعالى بآيات الكتاب المبين؛ حتى لا يعودوا لمثل الفعل الذي فعلوه، ثم تذيل الآية بأسلوب الإلهاب والإغراء لصفة الإيمان، فيقول تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ)، أي: إن كنتم تعتبرون وتتعظون بعظات الله تعالى، وتأتمرون لأمره، وتنتهون عن نهيه26.
فإن كنتم كذلك فلا تعودوا لما وقعتم به. وعدم الشعور الصادق بحجم مصاب المسلمين هو بحد ذاته غفلة؛ ولذلك وجد من الصحابة من تحرك تجاه هذا المصاب الأليم، وهذه بعض مواقف منهم:
الموقف الأول: شهادة أسامة بن زيد رضي الله عنه بأنه لم يعلم عنها إلا كل خير، فقد جاء في صحيح البخاري: (فأما أسامة فقال: أهلك ولا نعلم إلا خيرًا)27.
الموقف الثاني: موقف الجارية بريرة، وذلك فيما روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: (وقالت بريرة: إن رأيت عليها أمرًا أغمصه أكثر من أنها جاريةٌ حديثة السن، تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن، فتأكله)28.
الموقف الثالث: قول الرسول صلى الله عليه وسلم عمن آذاه في أهل بيته، وردة فعل الصحابة رضي الله عنهم، حيث قال عليه السلام: (من يعذرنا في رجلٍ بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت من أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا)29.
إن كل ما حدث في هذه الحادثة الصعبة على المسلمين عامةً، إنما كانت بتقدير الله تعالى وعلمه؛ حتى تترسخ في الأذهان والقلوب وجوب الذب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ومن ثم التقدير والتبجيل والاحترام لهم في شتى المنابر، ومن أعظم أنواع الاحترام لهم السير على نهجهم، فهم السلف الصالح، وهم خير القرون، وإن اتباع هذا المنهج، والانسلاخ عن منهج الباطل والإغفال عنه، هو قمة الالتزام بشرع الله تعالى .
ثانيًا: الغفلة المذمومة:
سبقت الإشارة أن الغفلة في السياق القرآني -غالبًا- تكون مذمومة، باستثناء ما ذكر في ذلك الكلام السابق، وسيتم التركيز -إن شاء الله تعالى- فيما سيأتي على أنواع الغفلة المذمومة، وذلك كالآتي:
ورد ذلك في آيات، منها: قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأعراف: ١٣٦].
والمعنى: رغم كل الآيات الكونية والشرعية التي نزلت إلى فرعون وقومه، بما من شأن أي إنسان يراها ويلمسها أن يؤمن بالله تعالى، إلا أنهم بارزوا الله تعالى بالكفر، ونكث العهود لمرات عديدة، فاستحقوا النكال، بانتقام الله تعالى منهم انتقامًا ليس كذلك الذي كان الله تعالى يؤذيهم به، بل انتقام إهلاك؛ لأنهم وصلوا إلى محض العناد، وهذا الانتقام هو الإغراق في البحر؛ بسبب أنهم كذبوا بآيات الله تعالى الشرعية والكونية، على ما لها من العظمة بما عرف من صحة نسبتها إلى الله تعالى، ودل سبحانه على أنهم كذبوا بغير شبهةٍ عرضت لهم، بل عنادًا بقوله: (ﮱ) أي: جبلةً وطبعًا عن هذه الآيات (ﯔ)، فحالهم بعد هذه الآيات التي نزلت، كحالهم قبلها؛ فكأن هذه الآيات لم تأتهم أصلًا، فاستحقوا الأخذ بالعقاب30.
ورد ذلك في آيات، منها: ما ورد في كتاب الله تعالى ما يبين أن الكفار يقتصر فهمهم على ظاهر الحياة الدنيا، وأن الآخرة ليست في حسابات هؤلاء الكفار، فهم عنها غافلون، وهذه الآية هي قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الروم: ٧].
فقد بين الله تعالى في الآيات السابقة أنه وعد المؤمنين بنصر الله، وأن وعد الله لا خلف فيه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون حقيقة هذا الوعد، وتبين هذه الآية سبب عدم علمهم بوعد الله تعالى، وهو أن «علمهم منحصرٌ في الدنيا، وأيضًا لا يعلمون الدنيا كما هي، وإنما يعلمون ظاهرها، وهي ملاذها وملاعبها، ولا يعلمون باطنها، وهي مضارها ومتاعبها، ويعلمون وجودها الظاهر، ولا يعلمون فناءها»31، وهم عن الدار الآخرة غافلون غفلةً هم سببها؛ إذ إن جميع جوانب الهداية حاصلة عندهم، وفي ذاكرتهم، ومع ذلك فإنهم قد آثروا أن يكونوا في غفلةٍ عن الخير؛ بدافع أهوائهم32.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [مريم: ٣٩].
ورد في تفسيرها حديث شريف، وهو ما أورده أبو سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالموت كهيئة كبشٍ أملح، فينادي منادٍ: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول: وهل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت، و يا أهل النار خلودٌ فلا موت، ثم قرأ: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [مريم: ٣٩]. وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا (ﭚ ﭛ ﭜ) [مريم: ٣٩])33.
وفي رواية مسلم: (وأشار بيده إلى النار)34.
وهذا التفسير يبين خطر الغفلة التي تحل على من يقضي حياته في غير الإيمان بالله، بل ولربما يكذب ويحارب هذا الغافل دين الله تعالى، فربط الغفلة بالآخرة أمر مهم؛ حتى يذكر هذا الغافل بالله تعالى، وأنه سيبعث بعد موته لهذه الدار الآخرة: إما إلى جنة أو إلى نار، وعندما يذبح الموت، ويخلد من استقر في النعيم على ما هو عليه، فلا موت لنعيمه فضلًا عن حياته، وهكذا أهل النار يخلدون فيها، فلا موت لتعذبهم فضلًا عن حياتهم.
وقد ورد في القرآن الكريم ما يبين اقتراب الوعد الحق الذي هو القيامة، مع بيان طبيعة حال الكافرين يومئذٍ وتحسرهم؛ لأنهم كانوا في غفلة من ذلك اليوم، واعترافهم الواضح بأنهم كانوا ظالمين لأنفسهم، ومتجاوزين لكل الحدود، وذلك في قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الأنبياء: ٩٧].
يا ويلنا قد كنا نغفل عن ذلك اليوم رغم أنه الحق، بل إننا كنا ظالمين لأنفسنا بمعاصينا، ووضعنا العبادة في غير مواضعها35.
ومن المعلوم أن هذه الآية ذكرت في سياق بيان حكمة الله تعالى في خلقه الكافرين الذين حق عليهم الهلاك، فهم لا رجعة لهم إلى الدنيا، ثم بيان بعض علامات الساعة، ومنها يأجوج ومأجوج الذين هم من كل حدب ينسلون، فإن هذه الشواهد وغيرها مما ذكر سابقًا في الآية المذكورة يدلل على مدى الغفلة التي وقع فيها أولئك الكافرون، فلم يملكوا إلا الاعتراف الصريح بغفلتهم وعدم انتباههم لكل الإشارات التحذيرية التي كانت تساق إليهم؛ لعلهم يرجعون عن ظلمهم وتجاوزهم للحدود.
وأما قوله تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [ق: ٢٢].
فهذه الآية توضح أن الإنسان الكافر بعد أن يرى بعضًا من أهوال يوم القيامة يخاطبه الله تعالى بقوله: «لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم -أيها الإنسان- من الأهوال والشدائد، (ﮓ ﮔ ﮕ) يقول: فجلينا ذلك لك، وأظهرناه لعينيك، حتى رأيته وعاينته، فزالت الغفلة عنك»36.
وقد ورد في القرآن الكريم ما يبين خطر الغفلة عن الدعاء الذي هو العبادة والذكر في قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأحقاف: ٥].
فلا أحد أشد ضلالة من الذي يدعو من دون الله تعالى «حجرًا لا يستجيب له إذا دعاه أبدًا، ولا ينفعهم، وتلك الحجارة التي يعبدونها غافلة عن دعاء هؤلاء الكفار، لا تعقل ولا تفهم»37.
إن هذه الآية الكريمة بينت وحذرت أولئك الغافلين بأن ما يعبدون من دون الله تعالى هي أصلًا غافلة عما يدعو هؤلاء الكفار، فإنهم قد فعلوا ما ينكره العقل ابتداءً فضلًا عن عدم تلبيتهم نداء ربهم، فإن هؤلاء الكفار قد دخلوا في وحل الغفلة من أوسع أبوابها، فاستحقوا أن يوصفوا بأنهم أشد الخلق ضلالةً.
وقد ورد ذلك جليًّا في قوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الأعراف: ١٧٢ - ١٧٤].
فإن هذه الآيات الكريمة تبين الميثاق الأول الذي أخذ على بني آدم، وهم في عالم الذر، فيقول الله تعالى: واذكر يا محمد صلى الله عليه وسلم حين «استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم، فقررهم بتوحيده، وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك، وإقرارهم به»38.
فقال الله تعالى لهم: ألست بربكم الذي يستحق العبادة وحده؟ فقالوا جميعًا: بلى، شهد بعضنا على بعض، فأقروه بذلك والتزموا، ثم يذكر الله تعالى عذرين باطلين لهما، الأول: القول من المقرين بوحدانية الله تعالى إنا كنا لا نعلم ذلك، وكنا في عدم انتباه من ذلك، فهذا باطل؛ لأنهم مشهود عليهم بما أقروه وهم في عالم الذر؛ فهم مولودون على هذه الفطرة، ولا مجال لهم للتذرع بالغفلة. والعذر الآخر قول هؤلاء المقرين في عالم الذر بوحدانية الله تعالى: إنما ولدنا فوجدنا آباءنا مشركين، فاتبعنا منهاجهم، أفتهلكنا يا ربنا بإشراك من أشرك من آبائنا، واتباعنا منهاجهم على جهل منا بالحق؟!39.
وقد ورد ذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النساء: ١٠٢].
أخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي عن أبي عياش الزرقي قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، فاستقبلنا المشركون، عليهم خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، ثم قالوا: تأتي عليهم الآن صلاةٌ هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم. قال: فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات بين الظهر والعصر: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) قال: فحضرت، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذوا السلاح، قال: فصففنا خلفه صفين.
قال: ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفع، فرفعنا جميعًا، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه، والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا، جلس الآخرون، فسجدوا في مكانهم، ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، قال: ثم ركع، فركعوا جميعًا، ثم رفع، فرفعوا جميعًا، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه، والآخرون قيامٌ يحرسونهم، فلما جلس، جلس الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم، ثم انصرف، قال: فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة بعسفان، ومرة بأرض بني سليم)4041.
ومن الآية وسبب نزولها تعرف كيفية صلاة الخوف، ويتبين أيضًا أن من أساسيات الالتزام بالدين ألا يغفل المؤمن عن تربص الأعداء؛ ولذا شرعت صلاة الخوف لأهداف عظيمة، منها: اغتنام فرصة وجود النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المعركة، ومن ثم الفوز بالجماعة خلفه، ومن الأهداف: بيان أهمية الجماعة حتى في المعارك، ولكن في حالة الخوف، بكيفية تضمن -بعد توفيق الله تعالى- عدم ميل الأعداء على المؤمنين ميلةً واحدةً، ومن هنا يتبين أن الغفلة عن تربص الأعداء مذمومة بكل المقاييس، وليس أدل على هذا من تذييل الآية بقوله: (ﮊ ﮋ) ثم بيان أن الله تعالى أعد وهيأ للكافرين عذابًا سيهينهم بإذنه تعالى42.
إن أعداء الله تعالى قد دأبوا على النيل من الموحدين، فهم يسعون لإضعاف المؤمنين، والاجتهاد في نزع سلاح المجاهدين، الذين هم تحت راية الإمام، والذين هم يدافعون عن دين الله تعالى؛ ولذا فإن الله تعالى شرع صلاة الخوف، وبين خطر الغفلة عن السلاح؛ حتى لا يقع المسلمون فريسةً سهلة للكفار.
يقول تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) .
إن قصص القرآن وكذلك أمثاله وأقسامه دلت باستفاضة على وجوب الاتعاظ، وإن من أعظم ما دل على ذلك قوله تعالى عن فرعون وجثته: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [يونس: ٩٢].
حيث إن هذه الآية دلت على أن غالبية الناس يغفلون عن آيات الله تعالى التي هي مدعاة للحجر والشجر أن يصدع لها من خشية الله تعالى، رغم أن قصة فرعون وبقاء جثته خير دليلٍ وآيةٍ على قدرة الله تعالى.
وقد ورد ذلك جليًّا في قوله تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [آل عمران: ٩٩].
حيث يأمر الله تعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يستفهم من أهل الكتاب من اليهود والنصارى؛ لغرض الزجر والاتعاظ: فلم هؤلاء يصدون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سئلوا عنه، قالوا: لا نجده، كذبًا منهم وصدودًا، وهم يرجون بمكة غير الإسلام؛ بل يريدون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم هلاكًا؟!43.
والمشكلة فيهم، هي أنهم يشهدون على ذلك الصد والافتراء؛ ولذلك حسن أن تكون الخاتمة بتنزيه الله تعالى عن الغفلة؛ لأن أهل الكتاب غارقون في الغفلة، غير منتبهين لما سيؤولون إليه من العناء والشدة، إن هم أصروا على إجرامهم.
تنبغي الإشارة إلى أن الغفلة المنسوبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليست تلك التي يحاسب المرء عليها، أو التي هي منقصة تحل بالمرء إن وصف بها، فهي خارجة عن إرادة البشر ومعرفتهم عمومًا؛ إذ إنها مرتبطة بالفطرة من جهة، وبما حدث قبل ولادته صلى الله عليه وسلم من جهة أخرى.
وسنذكر -إن شاء الله- آيات الغفلة المنسوبة إلى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، من خلال ثلاث نقاط، وذلك فيما يأتي:
وقد ورد ذلك جليًّا في قوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [يوسف: ٣].
فإن سورة يوسف عليه السلام من أولها إلى نهايتها تتحدث عن قصة ذلك النبي الذي خلد القرآن الكريم ذكره في اسم هذه السورة، فإن هذه الآية تذكر أن الله تعالى القدوس يقص على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن ثم على أمته أحسن القصص من خلال هذا القرآن الكريم الموحى إليه، ثم تأتي الفاصلة ببيان أن هذه القصص الفضلى في حسنها وإحكام دلائلها وعبرها، ما كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم لينتبه إليها، أو أن يعلمها إلا بعد ذكرها في القرآن الكريم44، فإن هذه الآية الكريمة تبين أن الغفلة مفهوم دقيق، ينتسب إليه كل الخلق، ولو نجا منه أحدٌ لكان الأولى بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مع التذكير بأن غفلة الرسول صلى الله عليه وسلم مما لا يحاسب عليه الخلق، ولا ينسب عيبًا.
وقد بينت آية أخرى أن مما غفل عنه الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة دقائق ما ذكره القرآن الكريم قبل إنزاله؛ لبيان عجز الخلق، وأنه ما علا شأن مخلوق فإنه يبقى بحاجة إلى خالقه.
فقد قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [الشورى: ٥٢].
وتبين هذه الآية الكريمة أن أعظم طرق الوصول إلى الله هو التمسك بذلك القرآن الكريم الذي هو روحٌ من لدن رب العالمين، فهو الهادي للتي هي أقوم، فقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم غافلًا عن ذلك القرآن وذلك الإسلام، ولكنه ضياء من الظلمات بشتى صورها؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم ملتزم بتبليغ دعوة الله تعالى بما في ذلك النور الذي يشع من القرآن الكريم، فقد وصف صلى الله عليه وسلم بأنه يرشد إلى الاستقامة45.
وقد ورد في القرآن الكريم ما يدلل على أن الله تعالى نهى سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم عن الغفلة بشتى صورها، ومن ذلك قوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأعراف: ٢٠٥].
حيث أمرت الآية السابقة المؤمنين كافة أن يحسنوا الاستماع والإنصات للقرآن الكريم إذا قرئت آياته المتلوة، وبينت أن ذلك سبب الرحمة الواسعة من الله تعالى، وتأمر هذه الآية الكريمة الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم ومن ثم جميع أمته أن يستحضروا الله تعالى في أحوالهم وأقوالهم وأفعالهم، وأن تكون حال ذلك الاستحضار بتضرع وخيفة، وأيضًا تكون القراءة غير مجهور بها في فترة الغدو والآصال، ثم تذيل الآية بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم أمته عن الغفلة، فإن ترك الذكر غفلةٌ46، والنهي للرسول صلى الله عليه وسلم عن الغفلة لا يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم قد وقع بها؛ وإنما يأتي التحذير لبيان أن القدوة الحسنة المعصوم إذا كان منهيًّا عن تلك الغفلة، فمن باب أولى أن تنتهوا أيها الناس عمومًا عنها.
ورد ذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الكهف: ٢٨].
وقد ورد في سبب نزول هذه الآية والتي قبلها، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: جاء المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس وأهاليهم، فقالوا: يا رسول الله، إنك لو جلست في صدر المجلس، ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم -يعنون سلمان، وأبا ذر، وفقراء المسلمين، وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها- جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، والتي قبلها، والتي بعدها47، وعلى هذا فإن الآية تأمر رسولنا محمدًا صلى الله عليه وسلم، بأن يحبس نفسه مع هؤلاء الفقراء الداعين إلى الله تعالى حبس ملازمة لهم، فهم الذين لا ينفكون عن الدعاء إلى الله تعالى ليلًا ونهارًا، يبتغون وجه الله تعالى، (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) أي: لا تعرض عنهم، ولو بأن تنتبه إلى غيرهم تريد زينة زائفة من هؤلاء المستكبرين الكفار48.
يقول ابن عاشور: «وهذا الكلام تعريض بحماقة سادة المشركين الذين جعلوا همهم وعنايتهم بالأمور الظاهرة، وأهملوا الاعتبار بالحقائق والمكارم النفسية، فاستكبروا عن مجالسة أهل الفضل والعقول الراجحة والقلوب النيرة، وجعلوا همهم الصور الظاهرة»49.
ثم يذكر القرآن الكريم في آية قرآنية أخرى ما يحصن هؤلاء المستضعفين، وبقاءهم في حصن الدعوة، وذلك بأسلوب النهي عن طردهم، كما في قوله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الأنعام: ٥٢].
حيث تنهى هذه الآية الكريمة نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يطرد الفقراء المسلمين الداعين إلى الله تعالى صباح مساء مبتغين وجه الله تعالى عن مجالسته، فكلٌّ له حسابه عند الله تعالى، ولست من يحاسبهم، أو يحاسب عنهم، فإن طردتهم فإنك ساعتها تكون من الظالمين50.
ولا شك أن هذه الألفاظ صعبةٌ على النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم لمجرد أن نفسه حدثته بمجاملة سادة قريش طمعًا في إسلامهم، ومن هنا يتبين أن الغفلة باب واسع، قد يقع به خير الناس إن اجتهد في خدمة الدعوة وأعمل عقله لحظةً، وجامل من لا يستحق المجاملة، أو انفك عمن يؤمر الداعية بملازمته من أولئك الداعين إلى الله تعالى، الغيورين على دينه؛ ولذلك فإن كلمات الآية حاسمة في وجوب الانفكاك عمن أغفل الله تعالى قلبه عن ذكر الله تعالى، وكان أسير هواه، وكان أمره ضياعًا51.
سبقت الإشارة إلى أن الغفلة في عمومها مذمومة، وأنها نقيض ذكر الله تعالى، وينجم عنها كثير من المتاعب وإحلال غضب الله تعالى، ومن ثم عقابه، وسنستعرض -إن شاء الله تعالى- الأسباب التي تؤدي إلى الغفلة؛ حتى ينتبه لها، ويحذر منها، وهي تتلخص في سبعة أسباب:
١. الكفر.
وقد ورد في القرآن الكريم ما يدلل على ذلك صراحةً، في قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [يس: ٦].
فقد ذكرت الآيات السابقة أن الله تعالى خاطب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم مقررًا أنه من المرسلين، وأنه على صراط مستقيم، فهو الهادي إليه بإذن ربه تعالى؛ لأن هذا الصراط المستقيم الذي هو منهاج ودين، إنما هو منزلٌ من الله العزيز الرحيم؛ ثم تبين هذه الآية الكريمة أن هذا المنهاج المنزل من العزيز الرحيم إنما هو ليحذر العرب الذين لم يأت إليهم من ينذرهم ويحذرهم مما هم فيه من غرق في الكفر، من عبادة الأصنام والأوثان وعدم وجود شريعة الله تعالى بينهم52، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، وفي الشريعة: عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل، وهو الجور، وقيل: هو التصرف في ملك الغير ومجاوزة الحد53، فلما كانت تلك حالهم، وصفهم الله تعالى بأنهم غافلون غير منتبهين لسبب وجودهم، ولا لعاقبة أمرهم، وهذه الآية هي شاهدٌ على أن الكفر سبب للغفلة في عمومها، رغم أن العرب كانوا جهلةً لا يعرفون، إلا أن هذه الآية تبين جانبًا تأصيليًّا تعريفيًّا، وليس الحكم على العرب بعيب عندهم فحسب، وما يدل على ذلك الآية التي بعدها، وهي قوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [يس: ٧].
٢. الظلم.
وقد ورد ذلك في قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [البقرة: ١٤٤-١٤٥].
وإن هذا الخطاب القرآني يبين أن الله تعالى قد رأى كثرة توجه النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء لعل سيدنا جبريل عليه السلام يأتي بخبر من الله تعالى يأمر بتحويل القبلة؛ حيث إن حبها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن عاطفيًّا؛ لكنه كان حبًّا شرعيًّا بعدما عيرته اليهود بأنه لجأ إلى قبلتهم، واتخذت ذلك فرصةً للصد عن النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته الربانية، ولما كان هذا التوجه من القلب والجوارح فقد استجاب الله تعالى لنبيه طلبه الذي لم ينطق به تأدبًا منه عليه السلام، فقد كان يقلب وجهه إلى السماء، فتم تحويل القبلة، ثم بين أن أهل الكتاب يعلمون علم اليقين بأن ذلك حقٌّ من عند ربهم.
وذيلت الآية الكريمة بتنزيه الله تعالى عن الغفلة عما يعمل أهل الكتاب من تحريض على دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وهذا التذييل يدلل على مدى الغفلة التي يعيشها أهل الكتاب؛ فرغم أنهم يعلمون علمًا لا شك فيه ولا ريب، بأن ما حدث هو من عند الله تعالى، وأن الدعوة إلى الله تعالى أصلًا هي من عند ربهم، إلا أنهم غفلوا عن معرفة ما سيؤولون إليه من غضب الله تعالى، ومن ثم عقابه.
ثم تأتي الآية الكريمة لتفصل غفلتهم الكبيرة، وهي متابعة النفس لما تشتهيه، فهم إن جاء إليهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بكل معجزةٍ دالةٍ على نبوته ما توجهوا إلى القبلة نحو المسجد الحرام؛ لأنهم يعلمون -بدون معجزات- أنه صلى الله عليه وسلم على حق، ولكنهم لا يريدون التبعية له صلى الله عليه وسلم، فهم قد استغلوا توجه النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى القبلة نحو المسجد الأقصى ليبينوا أنه تبعٌ لهم.
ثم تذيل الآية الكريمة ببيان أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم إن اتبع أهواءهم، فصار يبحث عما يرضيهم، رغم أن الله تعالى قد بين له صلى الله عليه وسلم كل الدلائل التي تجعله يحذر من مكرهم، فعند ذلك كله إن سار في ركبهم -وحاشاه أن يكون كذلك- يكون من الذين تجاوزا الحدود، فوصف عندها من الظالمين، ووصف الظالمين؛ ليبين أن من يسير في ركب أهل الكتاب يكون من الظالمين، الذين غفلوا عن الحق وانصاعوا للباطل، واتبعوا ما تشتهيه أنفسهم، وإن من اتبع الغافلين كان منهم54.
وإن وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه من الظالمين إن اتبع أهواءهم «فيه لطفٌ للسامعين، وتحذير لهم عن متابعة الهوى، فإن من ليس من شأنه ذلك إذا نهي عنه، ورتب على فرض وقوعه ما رتب من الانتظام في سلك الراسخين في الظلم فما ظن من ليس كذلك؟!»55.
ومن هذا الخطاب القرآني يتبين أن الظلم الذي هو تجاوز للحدود رغم معرفة الحق، هو سبب مباشر من أسباب الغفلة التي هي متابعة النفس على ما تشتهيه، ويبرز ذلك عند معرفة أن الظالمين المحرضين ضد الحق حينما يوصفون بالغفلة، فقد غفلوا عن أن الله تعالى منزهٌ عن ذلك، فإذا فهم ذلك فعندها يكون من يتبع الباطل ظالمًا، وغارقًا في وحل الغفلة.
٣. الإعراض عن الوحي.
وقد ورد ذلك جليًّا في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأنبياء: ١- ٣].
ويتبين من هاتين الآيتين أن الفطرة السليمة تعي حجم الغفلة التي يقع بها الخلق عندما يحذرهم الله تعالى من الحساب، وتساق الأدلة على ذلك، ويتبين أيضًا أن هذا الخطاب القرآني يعظ الناس عمومًا، فيذكرهم بما سيؤولون إليه من جزاء، وعليهم أن ينتبهوا من غفلتهم وإعراضهم الذي هو حقٌّ.
وتفصل الآية التي بعدها سبب الإعراض عن الوحي وهو أنهم ما إن يأتهم شيء من القرآن محدثٌ تنزيله بحسب اقتضاء الحكمة، إلا استمعوه وهم في حالة استهزاء به، فقلوبهم غافلةٌ غير منتبهة إلى وعد الله الحق56.
٤. الرضا بالحياة الدنيا والركون إليها.
ورد ذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [يونس: ٧ - ٨].
والمعنى: إن الذين لا يخافون لقاء الله تعالى يوم القيامة، فهم لذلك مكذبون بالثواب والعقاب، متنافسون في زين الدنيا وزخارفها، راضون بها عوضًا من الآخرة، مطمئنين إليها، والذين هم عن آيات الله، وهي أدلته على وحدانيته وحججه على عباده في إخلاص العبادة له (ﭟ)، معرضون عنها لاهون، لا يتأملونها تأمل ناصح لنفسه، فيعلموا بها حقيقة ما دلتهم عليه، ويعرفوا بها بطول ما هم عليه مقيمون، هؤلاء الذين هذه صفتهم مصيرهم إلى النار؛ لأنهم كانوا لا يتحرون الكسب الحق، سواء أكان هذا الكسب قولًا أو فعلًا57.
ومن هذه الآية الكريمة يتبين أن الإنسان إذا عاش في الدنيا محبًّا لها، معتقدًا أنه مخلدٌ فيها، يجتهد في جمع المال والجاه فيها، فإنه يكون قد غفل عن سبب وجوده في الدنيا، وهو عبادة الله تعالى وحده، فالدنيا لا تكون خيرًا إلا إذا اعتبرها الإنسان مسجدًا للصلاح، ومنطلقًا للخير ورضا الله تعالى، فإذا غفل الإنسان سبب وجوده فإنه يغفل ما سيؤول إليه بعد الحياة، وهو الممات، فلا يعمل له، ولا يتزود له، وحينها فإنه سيلقى الله تعالى خاوي اليدين، وعاقبة أمره ذلٌّ وهوانٌ، وسيخسر الآخرة، وإن ظن أنه ربح الدنيا فهو أيضًا غافل؛ لأن التقوى هي السعادة وفيها راحة البال، والجميع حينها يحبه، والمتقي لله تعالى يكثر من الذكر، والذكر نقيض الغفلة، فإنه يتحصن منها.
٥. الكبر.
وقد ورد ذلك في قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأعراف: ١٤٦].
فالله تعالى بين في هذه الآية الكريمة أن المتكبرين في الأرض بالباطل، الذين يرون الحق والباطل، فيصرون على باطلهم طريقًا ومنهجًا سوف يصرفهم الله تعالى عن التفكر في آياته الكونية والشرعية وقبولها، والسبب أنهم كذبوا بهذه الآيات بنوعيها، وتذييل الآية بأنهم غافلون مناسب لما بينته من رؤية طريقي الحق والباطل، ومع ذلك لم يتعظوا58.
والغفلة في هذه الآية تحتمل المعنى الأشمل، وهو: متابعة النفس لما تشتهيه؛ لأن الأهواء سلاح إبليس، وهي الذنوب التي قد يغفل الإنسان عن التوبة منها؛ لأنها تكون ضمن ما تشتهي نفسه، ويتابع ما تطلبه تلك النفس، فإن الإنسان قد يعرف الحق، لكن الشهوات قد تغشي قلبه عن نعمة الانصياع القلبي والقولي والفعلي لما يطلب الشرع منه، وهذا الأمر هو الغفلة التي قد توصل إلى التكبر في الأرض؛ لاعتقاد هذا المتكبر أنه بيده مقاليد كل شيء.
ويلاحظ في هذه الآية الكريمة أنها جعلت من يرى طريق الحق وما يرشد إليه، وطريق الباطل وما يوصل إليه، ومع ذلك يلتزم الباطل، فإنه يكون في صف المتكبرين، الذين غفلوا حقيقة وجودهم وما سيؤولون إليه.
٦. تعطيل الحواس بعدم التفكر والتدبر والسمع والإبصار.
إن الله تعالى قد بين في كتابه العزيز أن الحواس مسؤول عنها ذلك الإنسان؛ فقد قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الإسراء: ٣٦].
«فلا تقل: سمعت، ولم تسمع، ولا تقل: رأيت، ولم تر، فإن الله سائلك عن ذلك كله»59.
وإن المسلم يستحضر بقلبه ذكر الله، ثم يقر اللسان بمقتضى ذلك، ثم يستمع الحق ولا يستمع الباطل ولا يكذب بقوله سمع وهو لا يسمع، وكذلك لا يقول رأيت وهو لا يرى، أما إذا اتبع هواه، وعطل حواسه عن واجباتها في التعرف إلى الله وذكره، فعندها من المؤكد أنه ستحل عليه الغفلة المذمومة، التي تمحق الحسنات، وتربي السيئات بعدم انتباه ذلك المسلم إلى واجباته، واستبدال ذلك بالفجور والعصيان.
٧. صحبة الأشرار.
إن صحبة الأشرار تؤدي إلى الغفلة من أوسع أبوابها؛ فقد تودي بالإنسان إلى غضب الله تعالى ومن ثم عقابه.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الفرقان: ٢٧ - ٢٩].
أي: «ويوم يعض الظالم نفسه المشرك بربه على يديه ندمًا وأسفًا على ما فرط في جنب الله، وأوبق نفسه بالكفر به في طاعة خليله الذي صدَّهُ عن سبيل ربه، يقول: يا ليتني اتخذت في الدنيا مع الرسول سبيلًا، يعني: طريقًا إلى النجاة من عذاب الله»60.
ويبقى هذا الكافر الظالم يصاحبه الندم على ما فرط في جنب الله؛ فقد جاءه القرآن الكريم وذُكِّرَ بالله تعالى بما فيه الكفاية للطاعة وعدم الغفلة عنها، ومع ذلك فقد غفل عن الحق، واتبع هواه بالاستماع إلى صحبته الشريرة، فاستحق غضب الله تعالى، ومن ثم عقابه في الدنيا بفضيحته ومعيشته النكدة، وفي الآخرة بالندم البالغ، ومن ثم دخول النار.
تبين من خلال الدراسة أن الغفلة في عمومها مذمومةٌ، وأنها تكون سببًا مباشرًا لغضب الله تعالى، ومن ثم عقابه.
وسنركز على الآثار المترتبة على الغفلة في الدنيا والآخرة، وذلك بالاستقصاء في آيات الله تعالى، والله الموفق والمستعان.
أولًا: الآثار الدنيوية:
وردت آيات عديدة تدلل على وبال العاقبة للغافلين في الدنيا قبل الآخرة، وذلك من خلال بيان العواقب الآتية:
وذلك في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الكهف: ٢٨].
فقد يغفل المسلم الداعية عن بعض الجوانب المهمة من الدين، كالإعراض ولو لحظة عن أهل الحق، حتى ولو كان ذلك بسبب نصرة الدعوة، فإن الغفلة عنهم تعني ركونًا إلى العقل في جلب الناس، والدخول في مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة)، وقد جاء في الحديث الشريف عن مصعب بن سعدٍ، قال: رأى سعدٌ رضي الله عنه، أن له فضلًا على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟!)61.
ومعنى الآية في هذا السياق: «جعلناه غافلًا بالختم عليه، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طاعة من جعل الله قلبه غافلًا عن ذكره، كأولئك الذين طلبوا منه أن ينحي الفقراء عن مجلسه، فإنهم طالبوا تنحية الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وهم غافلون عن ذكر الله»62.
وذلك في قوله تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأعراف: ١٣٦].
حيث جاءت هذه الآية بعد سرد كل الآيات البينات الدالة على صدق سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فقد غرقوا في الغفلة؛ ولذلك استحقت إرادة الله تعالى بالانتقام منهم، فأغرقهم الله في البحر بسبب تكذيبهم بآيات الله تعالى، والغفلة عنها63.
فقد قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الأعراف: ١٤٦].
حيث إن الغافلين - الذين كذبوا بآيات الله تعالى فهم المتكبرون- سيحل بهم عقاب، وهو إيجاب عدم القدرة على التفكر في آيات الله تعالى والاعتبار فيها، وسيرون الحق وما فيه من نجاة، وسيرون الباطل وما فيه من هلاك، ومع ذلك فإن أبوا إلا الانغماس في الباطل، وعميت بصيرتهم، وما عادوا يتفكرون فيما ينجيهم64.
فقد قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الروم: ٧].
فمن يغفل عن الآخرة، يكن من الذين لا يعرفون سبب وجودهم في الحياة الدنيا، فلا يعرف نفسه حق المعرفة، ولا يفقه هؤلاء الغافلون من الحياة إلا «معايشهم، متى يغرسون؟ ومتى يزرعون؟ ومتى يحصدون؟»65.
فقد قال -تعالى: (ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأنبياء: ٣].
حيث إن هذه الآية تبين حال الغافلين من الناس، لاهية قلوبهم، وبأنهم يصدون عن الحق بالتناجي فيما بينهم بسرية متناهية66.
ثانيًا: الآثار الأخروية:
إن للغفلة آثارًا كبيرة على من يغرق في وحلها في الآخرة، يوم لقاء الله تعالى.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [يونس: ٧ - ٨].
فقد بينت تلكما الآيتان أن الذي يغفل عن لقاء الله تعالى، ويركن إلى الدنيا ويرضى بمتاعها الزائل، فإن بيته الخالد يوم القيامة سيكون النار، وهذا بما كسب قلبه وقوله وعمله، فالغافلون هم من يكسبون من الكفر والتكذيب بالمعاد67، ومن هذه الآية يتبين أن من آثار الغفلة في الآخرة الدخول في النار.
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [مريم: ٣٩].
وقد تقدم الحديث عن هذه الآية، ويمكن القول: إن يوم القيامة سمي يوم الحسرة في هذه الآية؛ لأنه إذا ذبح الموت، ونودي بالخلود لأهل النار كما الجنة، عندها ينتهي أيُّ أملٍ في النجاة عند أهل النار، فهي الحسرة التي لا تعدلها حسرة فهو بالفعل «يوم الحسرة المُعَدَّة للجزاء بحيث لا يمكن فيها التلافي والتدارك على ما فات سوى الحسرة والندامة غير المفيدة؛ إذ قضي الأمر ونزل العذاب، وقد مضى زمان امتثال المأمور به»68.
ومن هذه الآية يتبين أن من آثار الغفلة في الآخرة الحسرة الكبيرة؛ لعلمهم اليقيني بأنهم مخلدون في النار.
منهج القرآن الكريم في علاج الغفلة
إن القرآن الكريم لا يذكر ذنبًا ولا معصية ولا مرضًا قلبيًّا إلا ويذكر العلاج الكافي والمناسب له، وإن الغفلة مرض يكاد يفتك بمن أصيب به، واستحكم قلبه وعقله وحياته، وعند المتابعة في آيات القرآن الكريم يتضح أنها عالجت ذلك المرض القاتل من خلال أمور عديدة، أهمها:
١. ذكر الله تعالى وعبادته.
قال تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [طه: ١٤- ١٦].
فالله تعالى يقول لنبينا موسى عليه السلام: إنني أنا الله لا معبود بحق إلا أنا فأطعني واعبدني عبادة لا تنساني أبدًا من خلالها، والمقصود الإقامة والمكث الأبدي على تلك الصلاة وتلك العبادة، ثم التذكير بالساعة؛ للتذكير بالعاقبة فإما إلى نار وإما إلى جنة، فلا يحرفنك يا موسى عليه السلام الذي لا يصدق إتيانها، اتباعًا لهواه، فهو الرَّديُّ إلى الهاوية69.
ولا شك أن هذا الذكر الأبدي والإقامة الدائمة على الصلاة، والتذكر الدائم للساعة وما فيها من أهوال، كل ذلك يحصن الإنسان المسلم من الغفلة.
٢. التوكل والتفكر والتدبر.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١٩٠ - ١٩١].
فإن مبدأ التفكر في خلق السماوات والأرض وما فيها من آيات كونية دالة على قدرته -جل جلاله-، واختلاف الليل والنهار، وما ينتج عن ذلك من فصول السنة وتغير المناخات، إن كل ذلك معجزات دالة على وجود الله تعالى، ومن ثم يصطحب الإنسان ذلك التأمل في تلك المخلوقات؛ ليعيش مع كمال الخوف مع كمال الحب لله تعالى، وإن الله تعالى قد وصف من يكون من المتفكرين في مخلوقات الله تعالى بأنهم أصحاب العقول النيرة70.
كيف لا؟! وهم الذاكرون لله تعالى بشتى أنواع الذكر ومزيد التوكل على الله تعالى حق توكله، والمتفكرين في خلق السماوات والأرض فيحملهم ذلك على الخوف من الله تعالى، ربنا ما خلقت هذا باطلًا، ننزهك يا ربنا، وأنت غنيٌ عن تنزيهنا لك، فأجرنا يا ربنا من النار، ولا شك أن هذه المشاعر تجعل من المسلم أنموذجًا تطبيقيًّا لهدي القرآن؛ فيجتنب الغفلة التي ذمها الله تعالى، والتي هي سبب دخول النار وقبل ذلك غضبه عز وجل.
٣. صحبة الصالحين ومجالسة الذاكرين.
قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ٧١].
فإن كلا الجنسين من المؤمنين المصدقين بالله ورسوله، والمؤمنات المصدقات بالله ورسوله، ولاؤهم جميعًا مبني على الأمر بالمعروف الذي فيه تعاون على الخير لأجل رضا الله تعالى، وأيضًا على النهي عن المنكر الذي فيه تعاون على اجتناب المنكر، وعلى طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن من تكون حاله كذلك، فإنه يبقى متصلًا بالله تعالى، كثير الذكر له جل جلاله، متجنبًا الغفلة بكافة أنواعها وأسبابها، وهؤلاء المؤمنون والمؤمنات المتصفون بذلك يستحقون رحمة الله تعالى71.
٤. اليقظة والحذر، والعلم والعمل.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [النساء: ٧١].
فالله تعالى ينادي المؤمنين بأحب النداءات، وذلك بوصفهم مؤمنين، فيقول: يا من آمنتم بي وصدقتموني، احذروا واحترزوا من عدوكم، ولا تمكنوه من أنفسكم؛ فخذوا السلاح والعدة لقتال عدوكم72.
ولا شك أن هذا يتطلب خبرة علمية وعملية، ومن قبل ذلك يقظة بالغةً، وقبل وبعد كل شيء اصطحاب معية الله تعالى، فإن من يفعل كل ذلك فقد نجا من الغفلة التي هي نذير عقاب الله تعالى.
موضوعات ذات صلة: |
التفكر، الذكر، العبرة، اللعب، اللهو، النسيان |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٣٨٦.
2 لسان العرب، ابن منظور ١١/٤٩٧.
3 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٦٠٩.
4 المصدر السابق.
5 التعريفات، الجرجاني ص١٦٢.
6 المصدر السابق.
7 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٢٥٢.
8 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٥٠٣.
9 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/٣٨٦.
10 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١٢٩٨، مجمل اللغة، ابن فارس ص٤٧٥.
11 مقاليد العلوم، السيوطي ص٦٥.
12 انظر: جامع العلوم في اصطلاحات الفنون ٢/١٣٩.
13 المفردات ٢/٦٣٤.
14 انظر: جامع البيان، الطبري ٥/١٥٥، إصلاح الوجوه والنظائر ص ٤٥٤-٤٥٥، نزهة الأعين النواظر ص ٥٧٩-٥٨٠.
15 جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/٦٩٤.
16 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/١٠٠.
17 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ١/٢٤٦.
18 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٨٧، لباب التأويل، الخازن ٢/١٥٩.
19 انظر: حجة القراءات، ابن زنجلة ص٢٧٢.
20 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٣٠٣، تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ١/١٥٧.
21 انظر: تفسير السمرقندي ١/٧١، تفسير القرآن، السمعاني ١/١٠٤.
22 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٧/٨١، الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٨/٥٠٥٢، إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/١٦٥.
23 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/١١٩.
24 انظر: فتح البيان، صديق خان ٩/١٨٩.
25 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٣/٢٢٥.
26 انظر: جامع البيان، الطبري ١٩/١٣٣.
27 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب إذا عدل رجل أحدًا، فقال: لا نعلم إلا خيرًا، أو قال: ما علمت إلا خيرًا ٣/١٦٧، رقم ٢٦٣٧.
28 المصدر السابق.
29 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشهادات، باب إذا عدل رجل أحدًا، فقال: لا نعلم إلا خيرًا، أو قال: ما علمت إلا خيرًا ٣/١٦٧، رقم ٢٦٣٧.
30 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٨/٤٣.
31 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/٨١.
32 انظر: المصدر السابق.
33 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله: (وأنذرهم يوم الحسرة)، ٦/٩٣، رقم ٤٧٣٠.
34 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم ٢٨٤٩، ٤/٢١٨٨.
35 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣٤٢، روح المعاني، الألوسي ٩/٨٨.
36 جامع البيان، الطبري ٢٢/٣٥٠.
37 الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١١/٦٨١٣.
38 جامع البيان، الطبري ١٣/٢٢٢.
39 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥/٢١٨.
40 أخرجه الإمام في مسنده، ٢٧/١٢٠، رقم ١٦٥٨٠، وأبو داود في سننه، كتاب الصلاة، تفريع صلاة المسافر، باب صلاة الخوف، ٢/١١، رقم ١٢٣٦، والنسائي في سننه، كتاب صلاة الخوف، ٣/١٧٦ رقم ١٥٤٩.
قال محقق المسند: «إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير أن صحابيه لم يخرج له سوى أبي داود والنسائي».
41 المحرر في أسباب نزول القرآن، خالد المزيني ١/٤٣٤ .
42 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ١/٤٦١.
43 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٣/٧١٧.
44 انظر: تفسير السمرقندي ٢/١٧٨.
45 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ٤/١٧٤ .
46 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٥/١٦٤٧.
47 انظر: أسباب النزول، الواحدي ص٢٩٧، لباب النقول، السيوطي ص١٣٠.
48 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٢٦٣.
49 التحرير والتنوير ١٥/٣٠٥.
50 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٢٥٧ .
51 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٧/٢٣٥٨.
52 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٥٦٣.
53 انظر: التعريفات، الجرجاني ص١٤٤.
54 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٢/٢١٧.
55 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ١/١٧٦.
56 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٥٤، الدر المنثور، السيوطي ٥/٦١٦.
57 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٢٥.
58 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٥/١٥٦٧، معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٣٤.
59 تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٧/٢٣٣١.
60 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٦٢.
61 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب، ٤/٣٦، رقم ٢٨٩٦.
62 فتح القدير، الشوكاني ٣/٣٣٤.
63 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٣/٢٦٦.
64 انظر: الدر المنثور، السيوطي ٣/٥٦٢.
65 المصدر السابق.
66 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٤٦٩.
67 انظر: المصدر السابق ٢/٤٨٥.
68 الفواتح الإلهية، الشيخ علوان ١/٥٠٠.
69 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٣٩١.
70 انظر: تفسير القرآن العزيز، ابن أبي زمنين ١/٣٤١.
71 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ٤/٣٠٦٦.
72 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٣٩٨.