عناصر الموضوع
الغضب
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «الغين، والضاد، والباء، أصل صحيح يدل على شدة وقوة. يقال: إن الغضبة: الصخرة الصلبة. قالوا: ومنه اشتق الغضب، لأنه اشتداد السخط»1.
وعرف ابن منظور الغضب: بـأنه «نقيض الرضا»2.
يقال: رجل غضوب: شديد الغضب. والغضوب: الحية الخبيثة. والغضوب: الناقة العبوس. والمغضوب: الذي ركبه الجدري، فإذا غطى الجدري جلد المجدور، قيل: أصبح جلده غضبة واحدة. والغضابي: الكدر في معاشرته، مأخوذ من الغضاب، وهو: القذى في العينين3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي
اختلفت عبارات العلماء في تعريف الغضب، لكنها جميعًا تدور حول فكرة واحدة ومعنى واحد، وهي تتقارب كثيرًا مع معنى هذه اللفظة في معاجم اللغة.
فقد عرفه الغزالي بأنه: «غليان دم القلب بطلب الانتقام»4.
وعرفه الثعالبي بأنه: «غليان القلب بسبب ما يؤلم»5.
وقال الجرجاني: «الغضب تغير يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفي للصدر»6.
وقد عرف الطبري رحمه الله غضب الله بأنه: «إحلال عقوبته بمن غضب عليه، إما في دنياه وإما في آخرته»7.
وردت مادة (غضب) في القرآن الكريم (٢٤) مرة8.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١٨ |
(ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ [الممتحنة:١٣] |
المصدر |
١٤ |
(ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [البقرة:٩٠] |
اسم الفاعل |
١ |
(ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الأنبياء:٨٧] |
اسم المفعول |
١ |
(ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الفاتحة:٧] |
الصفة المشبهة |
٢ |
(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [طه:٨٦] |
وجاء الغضب في القرآن الكريم بمعناه اللغوي الدال على ثوران دم القلب وإرادة الانتقام، وإذا أضيف إلى الخالق سبحانه فهو صفة له لائقة بذاته سبحانه، ومن لوازمها الانتقام والعقاب9.
السخط:
السخط لغة:
الكراهية للشيء، وعدم الرضا به10.
السخط اصطلاحًا:
الغضب الشديد المقتضي للعقوبة 11.
الصلة بين السخط والغضب:
الغضب يكون من الصغير على الكبير ومن الكبير على الصغير، والسخط لا يكون إلا من الكبير على الصغير12.
الانتقام:
الانتقام لغة:
أصل هذه المادة يدل على إنكار شيءٍ وعيبه، يقال: لم أرض منه حتى نقمت وانتقمت، إذا كافأه عقوبةً بما صنع. والنقمة العقوبة، وانتقم الله منه أي: عاقبه13.
الانتقام اصطلاحًا:
هو إنزال العقوبة مصحوبًا بكراهية تصل إلى حد السخط14.
والمنتقم «هو المبالغ في العقوبة لمن يشاء. وهو مفتعل من نقم ينقم إذا بلغت به الكراهة حد السخط»15.
الصلة بين الانتقام والغضب:
الانتقام له صلة بالغضب؛ لأن الغضبان يتوق إلى الانتقام ممن يغضب منه غالبًا.
الغيظ:
الغيظ لغةً:
الغيظ: الغضب، وقيل: هو أشد من الغضب، وقيل: هو سورته وأوله16.
الغيظ اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي، قال الأصفهاني: الغيظ: أشد الغضب، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه17.
الصلة بين الغيظ والغضب:
قال ابن دريد: «الغيظ فوق الغضب؛ وقد فصل قومٌ من أهل اللغة بين الغيظ والغضب فقالوا: الغيظ أشد من الغضب؛ وقال قوم: الغيظ سورة الغضب وأوله»18.
وقال أبو هلال العسكري في التفريق بين الغيظ والغضب: «الإنسان يجوز أن يغتاظ من نفسه ولا يجوز أن يغضب عليها، وذلك أن الغضب إرادة الضرر للمغضوب عليه ولا يجوز أن يريد الانسان الضرر لنفسه، والغيظ يقرب من باب الغم»19.
أولًا: غضب الله سبحانه وتعالى:
الغضب صفة من صفات الفعل الثابتة لله عز وجل على الوجه اللائق به20.
يقول الشنقيطي: «اعلم أن الغضب صفة وصف الله بها نفسه إذا انتهكت حرماته، تظهر آثارها في المغضوب عليهم. نعوذ بالله من غضبه جل وعلا. ونحن معاشر المسلمين نمرها كما جاءت؛ فنصدق ربنا في كل ما وصف به نفسه، ولا نكذب بشيء من ذلك مع تنزيهنا التام له جل وعلا عن مشابهة المخلوقين سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا»21.
وهذه الصفة ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة.
قال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [المجادلة: ١٤].
وقال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الممتحنة: ١٣].
وثبت في حديث الشفاعة الطويل عندما يفزع الناس إلى الأنبياء، يطلبون منهم الشفاعة، فكل نبي يأتونه يقول لهم: (إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله)22.
وما رواه ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: (اشتد غضب الله على من قتله النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل الله اشتد غضب الله على قومٍ دموا وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم)23.
وذكر شيخ المفسرين أقوال العلماء في إسناد الغضب إلى الله تعالى، فقال: «واختلف في صفة الغضب من الله جل ذكره. فقال بعضهم: غضب الله على من غضب عليه من خلقه، إحلال عقوبته بمن غضب عليه، إما في دنياه وإما في آخرته، كما وصف به نفسه جل ذكره في كتابه فقال: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [الزخرف: ٥٥].
وكما قال: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [المائدة: ٦٠].
وقال بعضهم: غضب الله على من غضب عليه من عباده، ذمٌ منه لهم ولأفعالهم، وشتمٌ لهم منه بالقول. وقال بعضهم: الغضب منه معنى مفهوم كالذي يعرف من معاني الغضب، غير أنه وإن كان كذلك من جهة الإثبات، فمخالف معناه منه معنى ما يكون من غضب الآدميين الذين يزعجهم ويحركهم ويشق عليهم ويؤذيهم. لأن الله جل ثناؤه لا تحل ذاته الآفات، ولكنه له صفة، كما العلم له صفة، والقدرة له صفة، على ما يعقل من جهة الإثبات، وإن خالفت معاني ذلك معاني علوم العباد، التي هي معارف القلوب، وقواهم التي توجد مع وجود الأفعال وتعدم مع عدمها»24.
ومعظم الآيات القرآنية التي تحدثت عن الغضب أسندت الغضب إلى الله عز وجل كما بينا سابقًا، كما في قوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١١٢].
قال الآلوسي: «وباؤا بغضب من الله؛ أي نزلوا وتمكنوا بما حل بهم من البلاء والنقم في الدنيا، أو بما تحقق لهم من العذاب في العقبى، أو بما كتب عليهم من المكاره فيهما، أو رجعوا بغضب أي: صار عليهم، ولذا لم يحتج إلى اعتبار المرجوع إليه أو صاروا أحقاء به أو استحقوا العذاب بسببه وهو بعيد. وأصل البواء بالفتح والضم، مساواة الأجزاء ثم استعمل في كل مساواة فيقال: هو باء فلان أي كفؤه، ومنه بؤ لشسع نعل كليب وفي وصف الغضب بكونه من الله تعالى تعظيم لشأنه بعد تعظيم وتفخيم بعد تفخيم»25.
ثانيًا: غضب الإنسان:
«الغضب من شيم بني آدم، فلا يذم، ولا يمدح إلا من جهة آثاره ومقاصده»26.
ومعنى ذلك: أن الغضب ظاهرة انفعالية وعاطفة شعورية طبيعية لدى الإنسان، وهو صحي إذا تم توجيهه بالطريقة الصحيحة، ولم يحصل فيه خروج عن ضوابط الشرع والعقل. ولكن عند فقدان السيطرة والقدرة على التحكم، يصبح الغضب مدمرًا ومؤديًا إلى مشاكل جمة في العلاقات الإنسانية.
قال ابن منظور: «قال ابن عرفة: الغضب من المخلوقين شيء يداخل قلوبهم ومنه محمود ومذموم، فالمذموم ما كان في غير الحق، والمحمود ما كان في جانب الدين والحق، وأما غضب الله فهو إنكاره على من عصاه فيعاقبه»27.
ومن هنا فإن الغضب المتعلق بالإنسان ينقسم إلى قسمين28:
الأول: الغضب المذموم.
وهو الغضب الدنيوي، الذي يكون في غير الحق. وإنما يكون لهوى النفوس، يتجاوز فيه العبد بقوله، فيشتم ويقذف، ويجرح الآخرين بكلمات مؤذية، ويتجاوز فيه بفعله، فيضرب ويتلف أموال الآخرين وأملاكهم.
وإذا أطلق الغضب فإنما يطلق على هذا النوع في الأغلب الأعم، لهذا حذر منه الإسلام أيما تحذير، واعتبره أساس كل مصيبة وبليه، وسببًا لجلب الدمار والخراب، والقتل والأعمال العدوانية.
فقد روى البخاري عن أبي هريرة قال: (إن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني: قال: (لا تغضب)، فردد مرارًا قال: (لا تغضب)29.
وروى الإمام أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يباعدني من غضب الله عز وجل؟ قال: (لا تغضب)30.
وقد أشارت الآيات القرآنية إلى هذا النوع من الغضب، في سياق الحديث عن صفات المؤمنين، الذين يتصفون بالعفو والمسامحة، ولا يجعلهم الغضب يظلمون الآخرين ويتجاوزون في العقوبة.
قال تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الشورى: ٣٧].
«يعني: إذا غضبوا على أحد يتجاوزون ويكظمون الغيظ»31.
ففي هذه الآية يمدح الله عز وجل عباده المؤمنين الذين «من شيمتهم المغفرة عند الغضب؛ أي: إمساك أنفسهم عن الاندفاع مع داعية الغضب فلا يغول الغضب أحلامهم»32.
وقريب من هذا المعنى ما جاء في قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [آل عمران: ١٣٤].
الثاني: الغضب المحمود.
وهو الذي يكون لله، ومن أجل الله، وإذا انتهكت محارم الله. ويكون للحق إذا اعتدي على الإنسان بدون وجه حق على ماله، أو نفسه، أو عرضه، أو ولده. فهذا الغضب يكون مستساغًا شرعًا، وقد يكون واجبًا، لكن يجب أن يتصرف أثناء غضبه هذا بحدود دينه، وبما يوافق الحق والعدالة.
قال ابن حبان: «والخلق مجبولون على الغضب والحلم معا فمن غضب وحلم في نفس الغضب فإن ذلك ليس بمذموم ما لم يخرجه غضبه إلى المكروه من القول والفعل»33.
ويقول صاحب الظلال: «الغضب انفعال بشري ينبع من فطرته. وهو ليس شرا كله. فالغضب لله ولدينه وللحق والعدل غضب مطلوب وفيه الخير. ومن ثم لا يحرم الغضب في ذاته ولا يجعله خطيئة. بل يعترف بوجوده في الفطرة والطبيعة، فيعفي الإنسان من الحيرة والتمزق بين فطرته وأمر دينه. ولكنه في الوقت ذاته يقوده إلى أن يغلب غضبه، وأن يغفر ويعفو، ويحسب له هذا صفة مثلى من صفات الإيمان المحببة. هذا مع أنه عرف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه لم يغضب لنفسه قط، إنما كان يغضب لله، فإذا غضب لله لم يقم لغضبه شيء. ولكن هذه درجة تلك النفس المحمدية العظيمة لا يكلف الله نفوس المؤمنين إياها. وإن كان يحببهم فيها. إنما يكتفي منهم بالمغفرة عند الغضب، والعفو عند القدرة، والاستعلاء على شعور الانتقام، ما دام الأمر في حدود الدائرة الشخصية المتعلقة بالأفراد»34.
وغضب الأنبياء عليهم السلام من هذا القسم المحمود، فقد كانوا لا ينتقمون لحظوظ أنفسهم، وإنما يغضبون حين تنتهك محارم الله، وهذا ما تدل عليه الآيات القرآنية التي أسندت الغضب لموسى ويونس عليهما السلام. وفيما يلي بيان ذلك:
١. غضب موسى عليه السلام.
ذكر القرآن الكريم انفعال موسى عليه السلام وغضبه الناتج عن عبادة قومه للعجل في موضعين اثنين:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الأعراف: ١٥٠].
وقال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [طه: ٨٦].
ففي هذين الموضعين بين الحق سبحانه وتعالى أن السبب الذي أدى إلى انفعال الغضب عند موسى عليه السلام، هو اتخاذ قومه عجلًا يعبدونه ويعكفون عليه، وهذا الغضب من القسم المحمود الذي يؤجر عليه فاعله، ولا يلام عليه، وليس مخطئًا فيه «فغضب موسى عليه السلام إنما هو لله، وغيرة على دين الله، ورفضًا للباطل والمنكر، والكفر والضلال، وهو مأجور على هذا الغضب»35.
٢. غضب يونس عليه السلام.
ذكر القرآن الكريم غضب يونس عليه السلام في سورة الأنبياء في قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأنبياء: ٨٧].
فقد غضب يونس عليه السلام من قومه، فحين دعاهم إلى الله تعالى وحذرهم من غضبه وعقابه، أبوا الاستجابة لدعوته، وأصروا على كفرهم وعنادهم، وتمردهم وطغيانهم، فتوعدهم بالعذاب، فخرج من بين أظهرهم مغاضبًا لهم36.
وقوله تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ) اختلف أهل التفسير فيها على أقوال ثلاثة هي:
القول الأول: مغاضبًا بمعنى: غضبان، وهو من المفاعلة التي لا تقتضي اشتراكًا، نحو قولك: عاقبت اللص، وسافرت، وشارفت الأمر. وكأنه استعمل هنا للمبالغة. وغضبه كان على قومه «لشدة شكيمتهم وتمادي إصرارهم مع طول دعوته إياهم»37. وهذا الذي رجحه ابن الجوزي38، والآلوسي39.
القول الثاني: مغاضبًا بمعنى: مغاضبًا لقومه، أغضبهم بمفارقته وتخوفهم حلول العذاب، وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه، فأوعدهم بالعذاب. وهي من المفاعلة التي تقتضي اشتراكًا. وهذا الذي رجحه الزمخشري40، والقاسمي41. ومن المعاصرين الشعراوي42، والدكتور فضل عباس43.
القول الثالث: مغاضبًا بمعنى: مغاضبًا لربه، أي: مغاضبًا من أجل ربه. كما تقول غضبت لك، أي: من أجلك. والمؤمن يغضب لله عز وجل إذا عصي. وهذا قول ابن مسعود من الصحابة، وقول الحسن وابن جبير من التابعين، وهو القول الذي رجحه الطبري44، والقرطبي45.
ويمكن الجمع بين هذه الأقوال الثلاثة على النحو التالي: إن يونس عليه السلام غضب من عدم استجابة قومه لدعوة الله. فكان غضبه لله، ومن أجل الله، وحصل بينه وبين قومه مغاضبة بسبب توعده لهم بالعذاب، وخرج من عند قومه وهو غضبان. ففسر كل فريق كلمة مغاضبا من خلال غضب يونس عليه السلام في مراحله الثلاث. عند مناظرة قومه، وعند خروجه من عندهم، وعند عدم أخذه الإذن من الله في الخروج.
وهذا الموضع بين أن غضب يونس عليه السلام كان لله، وكرهًا وبغضًا لعبادة الأصنام التي أصر عليها قومه. كما بين خطأ يونس عليه السلام في سرعة خروجه من عند قومه دون إذن من ربه. ولذا طلب المغفرة من ربه قائلا: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ). وهذا الخروج السريع ليونس عليه السلام عجل من توبة قومه، ورجوعهم إلى الله سبحانه. فما إن خرج يونس عليه السلام مغضبًا من عند قومه، وتحققوا أن العذاب واقع بهم لا محالة، «خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم، وأنعامهم، ومواشيهم، وفرقوا بين الأمهات وأولادها. ثم تضرعوا إلى الله عز وجل وجأروا إليه»46.
الأسباب الموجبة لغضب الله تعالى
بالنظر في الآيات القرآنية التي أسندت الغضب إلى الله تعالى، فإنه يتبين أن أسباب غضب الله عز وجل، هي: الكفر والنفاق، وارتكاب كبائر الذنوب. وهذا ما سنقف عليه في النقاط الآتية:
أولًا: الكفر والنفاق:
بينت الآيات القرآنية التي تحدثت عن غضب الله عز وجل، أن أهم أسباب هذا الغضب هو الكفر بالله تعالى وبآياته، وبالنظر في الآيات القرآنية التي تحدثت عن هذا السبب، نجدها جميعًا تتعلق باليهود. وجاء ذلك في مواضع ثلاثة:
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة: ٦١].
تبين هذه الآية أن غضب الله تعالى الذي حل باليهود، كان بسبب عصيانهم وكفرهم بآيات الله. يقول القاسمي: «(ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) أي: رجعوا به أو صاروا أحقاء به. من قولهم: باء فلان بفلان، أي: صار حقيقًا أن يقتل بمقابلته. والبوء بالغضب العظيم بسبب أنهم كانوا يكفرون بآيات الله الباهرة التي ظهرت على يدي عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، ويقتلون النبيين بغير الحق كزكريا ويحيى عليهما السلام. وقتل الأنبياء في بني إسرائيل كان ظاهرًا»47.
وقال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [البقرة: ٩٠].
قوله: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) أي: أن غضب الله تعالى عليهم كان بسبب كفرهم بالأنبياء السابقين أولًا، ثم بسبب كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم48.
يقول سيد قطب: «لكأن هذا الكفر هو الثمن المقابل لأنفسهم! والإنسان يعادل نفسه بثمن ما، يكثر أو يقل. أما أن يعادلها بالكفر فتلك أبأس الصفقات وأخسرها ولكن هذا هو الواقع. وإن بدا تمثيلًا وتصويرًا. لقد خسروا أنفسهم في الدنيا فلم ينضموا إلى الموكب الكريم العزيز، ولقد خسروا أنفسهم في الآخرة بما ينتظرهم من العذاب المهين. وبماذا خرجوا في النهاية؟ خرجوا بالكفر، هو وحده الذي كسبوه وأخذوه! وكان الذي حملهم على هذا كله هو حسدهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يختاره الله للرسالة التي انتظروها فيهم، وحقدهم لأن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده. وكان هذا بغيًا منهم وظلمًا فعادوا من هذا الظلم بغضب على غضب وهناك ينتظرهم عذاب مهين، جزاء الاستكبار والحسد والبغي الذميم»49.
وقال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١١٢].
وهذه الآية تؤكد أيضًا أن وقوع غضب الله تعالى على اليهود، إنما كان بسبب كفرهم وعصيانهم.
ومما يتصل بالكفر بالله تعالى، الردة عن دين الله، وقد بينت آيات القرآن الكريم أن الردة عن الإسلام جريمة عظيمة تستوجب غضب الله تعالى، ويظهر ذلك جليًا في قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النحل: ١٠٦].
فمن اختار الكفر على الإيمان بعد أن عرف الإيمان وعرف ما فيه من خير له وللبشرية جمعاء، فقد استحق غضب المولى عز وجل؛ لأن «القلب الذي يذوق الإسلام ويعرفه، لا يمكن أن يرتد ارتدادًا حقيقيًّا أبدًا»50.
ويتعلق غضب الله تعالى كذلك بالمنافقين الذين ارتدوا سرًّا من بعد ما تبين لهم الهدى، وما ذلك إلا لأن الشيطان قد زين لهم الكفر. قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [محمد: ٢٥].
وهذه الآية نزلت في شأن المنافقين51.
«أي: إن الذين فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر، من بعد ما ظهر لهم الهدى بما جاءهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعجزات الظاهرة والدلائل الواضحة، زين لهم الشيطان خطاياهم، وسهل لهم الوقوع فيها، وحسن لهم الكفر، وخدعهم وغرهم بالأماني والآمال، ووعدهم بطول العمر ومد الأجل»52.
ثانيًا: كبائر الذنوب:
من أسباب غضب الله على العبد ارتكاب المعاصي العظيمة والوقوع في الكبائر. ولا شك أن غضب الله عز وجل شيء عظيم وليس هينًا، لذا نجد أنه جاء متعلقًا بكبائر الذنوب، وكل المعاصي التي اقترنت بغضب الله تعالى هي من الكبائر التي ينبغي على المسلم أن يحذر من الوقوع فيها. وأهم المعاصي التي جاءت مقترنة بغضب الله تعالى:
١. الشرك بالله.
«الشرك هو اتخاذ ند من دون الله، يدعوه كما يدعو الله، ويرجوه كما يرجو الله، ويخافه كما يخاف الله، ويحبه كما يحب الله»53. ويترتب على ذلك التوجه لغير الله تعالى بالعبادة، ولا شك أن هذا من أعظم الذنوب ومن أكبر الكبائر، لأن الله تعالى هو خالق الخلق، وهو وحده الحقيق بهذه العبادة، فمن عبد غيره فقد انحرف عن الطريق القويم، وضل السبيل. ومن هنا فقد استحق من يشرك بالله تعالى غضبه ومقته، كما تدل على ذلك الآيات القرآنية.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأعراف: ٧١]
فهذه الآية تدل على نزول غضب الله تعالى على قوم هود عليه السلام، بسبب إشراكهم بالله وعبادتهم الأصنام، مع أنها أصنام لا تضر ولا تنفع، وهم الذين اخترعوها وجعلوها آلهة من دون الله.
وممن استحق غضب الله تعالى بسبب الشرك بالله اليهود، الذين عبدوا العجل بعد أن صنعه لهم السامري بيديه، قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأعراف: ١٥٢].
والمقصود بغضب الله على بني إسرائيل الذي أصابهم بسبب عبادتهم للعجل، كما يقول الزمخشري: «الغضب ما أمروا به من قتل أنفسهم. والذلة: خروجهم من ديارهم لأن ذل الغربة مثل مضروب. وقيل: هو ما نال أبناءهم وهم بنو قريظة والنضير، من غضب الله تعالى بالقتل والجلاء، ومن الذلة بضرب الجزية المفترين المتكذبين على الله، ولا فرية أعظم من قول السامري: هذا إلهكم وإله موسى. ويجوز أن يتعلق في الحياة الدنيا بالذلة وحدها ويراد: سينالهم غضب في الآخرة، وذلة في الحياة الدنيا، وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله»54.
ويرى الشوكاني أن الغضب يشمل الدنيا والآخرة، فهو يتضمن «ما نزل بهم من العقوبة في الدنيا بقتل أنفسهم، وما سينزل بهم في الآخرة من العذاب»55.
٢. القتل.
مما لا شك فيه أن قتل النفس بغير حق جريمة بشعة يندى لها الجبين، وهي من الكبائر التي يستحق فاعلها غضب الله تعالى والطرد من رحمته.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء: ٩٣].
ويلاحظ أن الله تعالى رتب على كبيرة القتل وعيدًا عظيمًا وعذابًا شديدًا.
يقول السعدي: «وذكر هنا وعيد القاتل عمدًا، وعيدًا ترجف له القلوب وتنصدع له الأفئدة، وتنزعج منه أولو العقول. فلم يرد في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله، ألا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم، أي: فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجهنم، بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسار. فعياذًا بالله من كل سبب يبعد عن رحمته»56.
٣. التولي يوم الزحف.
جعل الإسلام الفرار من المعركة من الكبائر، والذي يترتب عليه غضب الله تعالى. وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في الحديث الذي يرويه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)57.
فهذا الحديث يدل على أن التولي يوم الزحف من الكبائر، لذلك ترتب عليه غضب الله، كما يقول تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ) [الأنفال: ١٥-١٦].
ففي هذه الآية «نهى الله المؤمنين عن التولي يوم الزحف، وتوعدهم عليه، والنهي والتوعد يدلان على أن الثبات واجب»58.
«فالتولي يوم الزحف من أكبر الكبائر، وأفحش الأمور، لأنه يدل على الجبن، والضعف والخور، والإسلام يربي المسلم على الشجاعة والثبات والعزة، ولأن الفرار أمام الأعداء عند اللقاء يسلب الأمة عزتها وكرامتها وشرفها، ويجعل السلطة لأعداء الإسلام والدين، وذلك موت أدبي للأمة فإما أن نعيش كرامًا أعزاء، وإما أن نموت أحرارًا شهداء، والاستشهاد في سبيل الله والوطن حياة كريمة.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [آل عمران:١٦٩].
لهذا أمرنا الله تعالى بالثبات أمام الأعداء مهما كانت عدتهم، وقدرتهم، ونهانا عن الفرار من الزحف وعده من أعظم الكبائر التي تجلب غضب الله تعالى، وتحبط الأعمال، وتودي بصاحبها في نار جهنم وبئس القرار فأمر الله المجاهدين بالصبر والثبات أمام الأعداء، لأن التولي فيه إضعاف لصفوف المسلمين، وتثبيط لعزائم المقاتلين، وإحداث فرقة بين صفوفهم، وفي ذلك صد عن سبيل الله عز وجل وتقوية للعدو، وكفى بذلك إثمًا وعارًا في الدنيا والآخرة، لذلك أمرنا بالصبر وذكر الله تعالى أنه يعاقب الفارين بأشد أنواع العذاب. وأنه يكرم الشهداء في سبيله أعظم أنواع الإكرام والعزة»59.
يتناول هذا المبحث أصناف الناس الذين غضب الله عليهم كما ورد في آيات القرآن الكريم.
أولًا: عبدة الأوثان:
لا شك أن عبادة الأوثان معصية ممقوتة، وموجبة لغضب الله تعالى، لأنه لا بد من «العلم والاعتراف بأن الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وإفراده وحده بالعبادة كلها وإخلاص الدين لله وحده»60.
والأنبياء جميعًا كانوا يدعون أقوامهم لعبادة الله وحده وعدم الإشراك به، وكانوا يخاطبوهم قائلين: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [الأعراف: ٥٩].
ولكن هناك من لم يستجب لهذه الدعوة وانحرف عن المنهج القويم فعبد الأوثان بدلًا من أن يعبد الله سبحانه وتعالى. ومن هؤلاء قوم هود عليه السلام، الذين قال الله عنهم: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأعراف: ٧٠ -٧١].
فهؤلاء قد استحقوا غضب الله تعالى لأنهم عبدو الأوثان وأصروا على عبادتها وتجاهلوا آيات الله عز وجل.
يقول البيضاوي: «(ﮋ ﮌ ﮍ) قد وجب وحق عليكم، أو نزل عليكم على أن المتوقع كالواقع، (ﮎ ﮏ ﮐ) عذاب من الارتجاس وهو الاضطراب. (ﮑ) إرادة انتقام.
(ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) أي: في أشياء سميتموها آلهة وليس فيها معنى الإلهية، لأن المستحق للعبادة بالذات هو الموجد للكل، وأنها لو استحقت كان استحقاقها بجعله تعالى إما بإنزال آية أو بنصب حجة، بين أن منتهى حجتهم وسندهم أن الأصنام تسمى آلهة من غير دليل يدل على تحقق المسمى.
وإسناد الاطلاق إلى من لا يؤبه بقوله إظهارا لغاية جهالتهم وفرط غباوتهم.
واستدل به على أن الاسم هو المسمى وأن اللغات توقيفية إذ لو لم يكن كذلك لم يتوجه الذم والإبطال بأنها أسماء مخترعة لم ينزل الله بها سلطانا وضعفهما ظاهر»61.
ثانيًا: اليهود:
صدر عن اليهود الكثير من الأعمال والمعاصي الشنيعة، التي جعلت أنبياءهم يتبرؤون منهم ويلعنونهم، كما قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [المائدة: ٧٨].
ولا شك أن هذه الأعمال التي فعلوها هي التي جلبت غضب الله عليهم.
قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الفاتحة: ٦-٧].
والمغضوب عليهم هم اليهود كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم62.
وإنما وصف اليهود بهذا الوصف لأن «المغضوب عليهم هم الذين خرجوا عن الحق بعد علمهم به، والذين بلغهم شرع الله ودينه فرفضوه ولم يتقبلوه، انصرافًا عن الدليل، ورضاء بما ورثوه من القيل، ووقوفا عند التقليد، وعكوفا على هوى غير رشيد»63.
فقد خص الله تعالى اليهود بالغضب، لأنهم قاصدون للمعصية، فقد عرفوا الحق الذي أمرهم الله به، ولكنهم تركوا العمل به واتبعوا الباطل64.
ومن الممارسات التي فعلها اليهود واستحقوا عليها غضب الله تعالى:
١. الكفر بآيات الله وقتل الأنبياء.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة: ٦١].
(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) أحيطت بهم إحاطة القبة بمن ضربت عليه، أو ألصقت بهم، من ضرب الطين على الحائط، مجازاة لهم على كفران النعمة. واليهود في غالب الأمر أذلاء مساكين، إما على الحقيقة أو على التكلف مخافة أن تضاعف جزيتهم.
(ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) رجعوا به، أو صاروا أحقاء بغضبه، من باء فلان بفلان إذا كان حقيقا بأن يقتل به، وأصل البوء المساواة. ذلك إشارة إلى ما سبق من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب. بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق بسبب كفرهم بالمعجزات، التي من جملتها ما عد عليهم من فلق البحر، وإظلال الغمام، وإنزال المن والسلوى، وانفجار العيون من الحجر. أو بالكتب المنزلة: كالإنجيل، والفرقان وقتلهم الأنبياء فإنهم قتلوا شعياء وزكريا ويحيى وغيرهم بغير الحق عندهم، إذ لم يروا منهم ما يعتقدون به جواز قتلهم، وإنما حملهم على ذلك اتباع الهوى وحب الدنيا كما أشار إليه بقوله: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) أي: جرهم العصيان والتمادي والاعتداء فيه إلى الكفر بالآيات65.
٢. الكفر بما أنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [البقرة: ٨٩ -٩٠].
فاليهود كفروا حسدًا على خروج النبوءة منهم إلى العرب، «والظاهر أن المراد (ﮃ ﮄ ﮅ) الغضب الشديد، على حد قوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ) [النور: ٣٥].أي: نور عظيم»66.
«إن الحسد ليأكل صدورهم، وإن الشره ليعمي أبصارهم، حتى إنهم ليهلكون أنفسهم، ويحرمونها موارد الخير، لأن غيرهم قد سبقهم إلى هذا الخير ونال منه. وهو خير لا ينفد أبدًا، يسع الناس جميعًا، ومع هذا فهم يريدونه خالصًا لهم من دون الناس، لا ينال أحد شيئًا منه وقد غضب الله عليهم غضبًا بعد غضب، غضب عليهم أولًا، لأنهم عرفوا الحق ولم ينصروه، بل خذلوه ومكروا به وحاربوه وغضب عليهم ثانيًا، لأنهم نقضوا الميثاق الذي أخذه الله عليهم فى الكتاب الذي بين أيديهم، ثم حرفوا فى كتابهم هذا وبدلوا، واستباحوا حرمته، وهذا كفر بكتابهم بعد كفرهم بمحمد وبما نزل عليه. وهذا ما جعلهم بمعرض من غضب الله، حالًا بعد حال، ومرة بعد مرة»67.
٣. عبادة العجل.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأعراف: ١٥٢].
وتقرر هذه الآية أن اليهود الذين عبدوا العجل من دون الله، قد استحقوا غضب الله تعالى، وستنالهم الذلة في الحياة الدنيا.
إن الذين اتخذوا العجل من بني إسرائيل إلها ومعبودا بعد غيبة رسولهم موسى عليه السلام، وبقوا على تأليهه واستمروا على عبادته كالسامري وأتباعه، سيصيبهم عذاب شديد من ربهم، وهو المذكور في سورة البقرة، وهو أن الله تعالى لن يقبل توبتهم حتى يقتتلوا، ويقتل بعضهم بعضا: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة: ٥٤].
وسينالهم أيضًا ذلة وصغار في الحياة الدنيا، بخروجهم من ديارهم وتشردهم، وهوانهم على الناس واحتقارهم لهم، وتهالكهم على حب الدنيا، فهم الماديون المنبوذون المكروهون في كل أمة، وتلك هي ذلة عظيمة المعنى وأما قيام دولتهم في فلسطين فهي محنة للمسلمين، فربما أناس سلط عليهم من هو شر لهم، وقد أثبتت الدراسات العلمية أن بقاء دولة الصهاينة في فلسطين شيء مستحيل، ولا تؤيده الظروف والقرائن المشاهدة، وقد بشرت الأحاديث النبوية بقتلهم وطردهم منها، ولكل أجل كتاب68.
٤. الطغيان.
قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [طه: ٨٠ -٨١].
والطغيان هو تجاوز الحد في العصيان69.
ولا شك أن اليهود قد بلغوا أبعد مدى في الظلم والمعصية، وتجاوزوا في ذلك كل الحدود.
قال ابن عاشور: «والطغيان: أشد الكبر. ومعنى النهي عن الطغيان في الرزق: النهي عن ترك الشكر عليه وقلة الاكتراث بعبادة المنعم. وحرف (في) الظرفية استعارة تبعية شبه ملابسة الطغيان للنعمة بحلول الطغيان فيها تشبيها للنعمة الكثيرة بالوعاء المحيط بالمنعم عليه، والحلول: النزول والإقامة بالمكان شبهت إصابة آثار الغضب إياهم بحلول الجيش ونحوه بديار قوم، وهوى: سقط من علو، وقد استعير هنا للهلاك الذي لا نهوض بعده وهو الهوي من جبل أو سطح بقرينة التهديد»70.
ثالثًا: المرتدون:
الردة: «هي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر، وتارة بالفعل. والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين، صريح كالسجود للصنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها»71.
والردة تؤدي إلى حبوط العمل، كما يدل على ذلك قوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [البقرة: ٢١٧].
والمرتدون الذين عرفوا الإسلام ثم خلفوه وراء ظهورهم، استحقوا بفعلهم هذا غضب الله تعالى.
قال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النحل: ١٠٦ -١٠٧].
«أي: إن من كفر بالله بعد الإيمان والتبصر فعليه غضب من الله إلا إذا أكره على ذلك وقلبه ملىء بالإيمان بالله والتصديق برسوله، فلا تثريب عليه كما فعل عمار بن ياسر، ولكن غضب الله وشديد عقابه لمن طابت أنفسهم بالكفر، واعتقدوه طائعين مختارين، لعظيم جرمهم، وكبير إثمهم. ثم بين سبب هذا الغضب فقال: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) أي: ذلك الغضب من الله، والعذاب العظيم من أجل أنهم آثروا الحياة الدنيا وزينتها على نعيم الآخرة»72.
ويشير هذا النص القرآني «إلى هذا الوعيد الذي توعد الله به سبحانه، أولئك الذين كفروا بعد إيمانهم، وعادوا إلى الكفر الذي كانوا فيه، وأنسوا إليه كما يأنس الغريب بلقاء أهله، بعد غيبة وفراق، فلم يقع فى نفوسهم وحشة للكفر، ولا تكره له. فهذا الغضب الذي صبه الله عليهم، وهذا العذاب العظيم الذي أعده لهم، إنما هو بسبب أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، وآثروا العافية مع الكفر، على البلاء مع الإيمان»73.
رابعًا: المنافقون.
«النفاق: هو إظهار الإسلام والخير، وإبطان الكفر والشر. وهو مخالفة الباطن للظاهر، وإظهار القول باللسان، أو الفعل؛ بخلاف ما في القلب من الاعتقاد. والمنافق: يخالف قوله فعله، وسره علانيته؛ فهو يدخل الإسلام من باب، ويخرج من باب آخر، ويدخل في الإيمان ظاهرًا، ويخرج منه باطنًا؛ فهذا هو النفاق الأكبر»74.
فالمنافقون الذين يسعون إلى إضعاف المسلمين والكيد للإسلام وأهله، قد استحقوا غضب المولى عز وجل.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ) [الفتح: ٦].
«ويلاحظ في الآية تقديم المنافقين على المشركين، وذلك لأن المنافقين أشد على المؤمنين من الكافر المجاهر، لأن المؤمن كان يتوقى المشرك المجاهر وكان يخالط المنافق لظنه بإيمانه، وهو كان يفشي أسراره، وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك)75.
والمنافق على صورة الشيطان فإنه لا يأتي الإنسان على أني عدوك، وإنما يأتيه على أني صديقك، والمجاهر على خلاف الشيطان من وجه، ولأن المنافق كان يظن أن يتخلص للمخادعة، والكافر لا يقطع بأن المؤمن إن غلب يفديه، فأول ما أخبر الله أخبر عن المنافق»76.
«وقد جمع النص بين المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات في صفة ظن السوء بالله وعدم الثقة بنصرته للمؤمنين. وفي أنهم جميعا (ﮡ ﮢ ﮣ) فهم محصورون فيها، وهي تدور عليهم وتقع بهم. وفي غضب الله عليهم ولعنته لهم، وفيما أعده لهم من سوء المصير ذلك أن النفاق صفة مرذولة لا تقل عن الشرك سوءا، بل إنها أحط ولأن أذى المنافقين والمنافقات للجماعة المسلمة لا يقل عن أذى المشركين والمشركات، وإن اختلف هذا الأذى وذاك في مظهره ونوعه»77.
من خلال تتبع الآيات القرآنية التي أسندت الغضب لله عز وجل، يتبين أنه يترتب على الغضب مجموعة من الآثار في الدنيا والآخرة، وفيما يأتي بيان أهم هذه الآثار:
أولًا: أثر الغضب في الدنيا:
يتضح من خلال الآيات القرآنية التي تحدثت عن الذين وقع عليهم غضب الله تعالى، أن هذا الغضب كان له آثار سلبية في الدنيا على المغضوب عليهم، وأهم هذه الآثار:
١. الذل والهوان.
قال تعالى في شأن اليهود: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١١٢].
وقال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأعراف: ١٥٢].
وتدل الآيتان السابقتان على أن الذلة ملازمة لليهود أينما حلوا، لا تفارقهم في أي زمان ومكان، والذي ضربها عليهم وأوقعها بهم هو الله الحكيم، وكذلك المسكنة وهي الهوان والضعف والجبن والإذلال، فهم في ذلة ومسكنة، حيثما حلوا وأقاموا، سواء كانوا مضطهدين مستضعفين مطاردين، أو كانوا مسيطرين متمكنين حاكمين، وسواء عاشوا مشتتين في بقاع الأرض، أو كانول في عز وسلطان وكيان على أرض فلسطين.
«وتوحي لنا كلمة (ﮊ) المبنية للمجهول أن تاريخ اليهود كله يقوم على المطاردة والملاحقة، فهم دائمًا مطاردين من قبل الأمم والشعوب التي تحرص على أن (تثقفهم) وتدركهم وتمسك بهم، فإذا ما (ﮊ) فهم في ذلة ومسكنة، وجبن وضعف وهوان قد ينجون من الذلة فترة، وقد ترفع عنهم مدة، ولكن ذلك موقوت محدد قصير، ثم يعودون إلى الذلة المضروبة عليهم، المحيطة بهم، والملازمة لهم»78.
٢. المسخ.
من آثار غضب الله تعالى في الدنيا المسخ، وهذا أيضًا متعلق باليهود الذين غضب الله تعالى عليهم، فكانت النتيجة أن مسخهم قردة وخنازير.
قال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [المائدة: ٦٠].
فهذه العقوبة الإلهية السريعة علامة على الغضب الإلهي على اليهود، يقول الطبري: « وجعل منهم المسوخ القردة والخنازير، غضبًا منه عليهم وسخطًا، فعجل لهم الخزي والنكال في الدنيا»79.
«وجمهور المفسرين على أن معنى ذلك أنهم مسخوا فكانوا قردة وخنازير حقيقة، وانقرضوا؛ لأن الممسوخ لا يكون له نسل»80.
٣. الهلاك.
قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [طه: ٨١].
ومعنى هوى «أي: تردى وهلك. وقيل: وقع في الهاوية».81.
قال الزمخشري: «هوى هلك. وأصله أن يسقط من جبل فيهلك ويقولون: هوت أمه. أو سقط سقوطًا لا نهوض بعده»82.
ويرى الزجاج أن الهلاك إنما يكون في الآخرة، يقول في معنى (هوى): «أي: هلك وصار إلى الهاوية، وهي قعر نار جهنم»83.
ويرى الباحث أن الهلاك الذي تتحدث عنه الآية يمكن أن يكون في الدنيا ويمكن أن يكون للآخرة، فإن غضب الله تعالى يهلك المغضوب عليه في الدنيا قبل الآخرة.
ثانيًا: أثر الغضب في الآخرة:
توعد الله سبحانه وتعالى المغضوب عليه بالعذاب في الآخرة فقال: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأعراف: ٧١].
وصيغة (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) تدل على الوعيد بالعذاب.
ومعظم الآيات القرآنية التي تحدثت عن غضب الله تعالى، أشارت لما يترتب على هذا الغضب في الآخرة، وما ينتظر المغضوب عليهم من عذاب يوم القيامة، ونجد أن الآيات القرآنية وصفت هذا العذاب بأنه: عظيم، وشديد، ومهين. وورد الحديث عن عذاب الآخرة في الآيات الآتية:
١. العذاب المهين.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [البقرة: ٩٠].
٢. العذاب العظيم.
قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النساء: ٩٣].
وقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [النحل: ١٠٦].
٣. العذاب الشديد.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الشورى: ١٦].
وقال تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [المجادلة: ١٤ - ١٥].
٤. عذاب جهنم.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ) [الأنفال: ١٦].
وقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ) [الفتح: ٦].
موضوعات ذات صلة: |
الرضا، السماحة، المحبة |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٤٢٨
2 لسان العرب، ابن منظور ١/٦٤٨
3 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٣/٤٨، الصحاح، الجوهري ١/٢١٤ .
4 إحياء علوم الدين للغزالي ٣ /٢٢٤.
5 الجواهر الحسان، الثعالبي ص٥٤ .
6 التعريفات، الجرجاني ص٢٠٩ .
7 جامع البيان، الطبري ١/٨٠ .
8 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص٤٩٩، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب الغين ص٨٤٩.
9 انظر: عمدة الحفاظ، السمين الحلبي، ٣/١٦٥، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٤/١٣٥-١٣٦.
10 لسان العرب، ابن منظور ٧/٣١٣ .
11 المفردات، الراغب الأصفهاني ٤٠٢ .
12 الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص٢٤٦.
13 انظر: الصحاح، الجوهري ٥/٢٠٤٥، مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٦٤، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٥٩٠.
14 نضرة النعيم ٩/٤٠٠٧.
15 النهاية في غريب الأثر، ابن الأثير ٥/٢٣١.
16 انظر:لسان العرب، ابن منظور ٧/٤٥٠.
17 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٦١٩.
18 جمهرة اللغة، ابن دريد ٢/٢٣.
19 الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري ص٢٦٩.
20 شرح العقيدة الواسطية، ابن عثيمين ص١٨٧.
21 أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٧٦.
22 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله عز وجل: (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه)، ٢/١٣٥، رقم ٣٣٢٠.
23 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب ما أصاب النبي صلى الله عليه وسلم من الجراح يوم أحدٍ، ٥/٧١ ، رقم ٤٠٧٤.
24 جامع البيان، الطبري ١/١٨٨-١٨٩.
25 روح المعاني، الألوسي ١/٢٧٦.
26 قواعد وفوائد من الأربعين النووية، ناظم سلطان، ص ١٤٨.
27 لسان العرب، ابن منظور ١/٦٤٩.
28 انظر لمزيد من التفصيلات حول أقسام الغضب: الغضب، سناء سليمان، ص٣٤- ٣٧.
29 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، ٣/١٦١، رقم ٦١١٦.
30 أخرجه أحمد في مسنده، ٢ /١٧٥.
وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم ٢٧٤٧.
31 تفسير السمرقندي ٣/٢٣٣.
32 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/١١١.
33 روضة العقلاء ابن حبان البستي ١/١٤١.
34 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣١٦٤.
35 مواقف الأنبياء في القرآن، صلاح الخالدي ص٢٣١.
36 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤ /٥٨٦.
37 روح المعاني، الألوسي ١٧/٨٣ .
38 زاد المسير، ابن الجوزي ٥ /٢٦٣ .
39 روح المعاني، الألوسي ١٧/٨٤.
40 الكشاف، الزمخشري ٢/٥٨١ .
41 محاسن التأويل، القاسمي ١١/٤٣٠٠.
42 تفسير الشعراوي ١٥ /٩٦٢٢.
43 القصص القرآني، فضل عباس ٣٤٨.
44 جامع البيان، الطبري ٧/٧٥٠-٧٥١.
45 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣٢٩.
46 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٥٨٦.
47 محاسن التأويل، القاسمي ١/٣١٥.
48 تفسير ابن أبي حاتم ١/١٧٣.
49 في ظلال القرآن ١/٩٠.
50 في ظلال القرآن ١/٢٢٨.
51 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٤/١٤٩، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١١٢، التفسير المنير، الزحيلي ٢٦/١٢٣.
52 التفسير المنير، الزحيلي ٢٦/١٢٣.
53 توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الإمام ابن القيم، أحمد بن عيسى ٢/٢٦٦.
54 الكشاف ٢/١٦٢.
55 فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٥٠.
56 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٩٣.
57 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٢٧٦٦، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى)، ٤/١٠.
58 الجواهر الحسان، الثعالبي ١/٤٣٤.
59 الفقه على المذاهب الأربعة، ابن الجزيري ٥/٣٩٠.
60 القول السديد شرح كتاب التوحيد، السعدي ص١٧.
61 أنوار التنزيل، البيضاوي ٣/١٩.
62 أخرجه أحمد في مسنده رقم ١٩٣٨١، ٢٣/١٢٣.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٧/٧٨١.
63 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١/٥٧.
64 انظر: مدارج السالكين، ابن القيم، ١/١١.
65 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٨٣.
66 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٦٠٦.
67 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ١/١٩- ١١٠.
68 التفسير المنير، الزحيلي، ٩/١٠٦.
69 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٢٠.
70 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/٢٧٦.
71 روضة الطالبين وعمدة المفتين، النووي ١٠/٦٤ .
72 تفسير المراغي ١٤/١٤٦.
73 التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم الخطيب ٧/٣٧٩.
74 الإيمان، عبد الله بن عبد الحميد الأثري ص٢٤٧.
75 قال عنه الألباني موضوع.
انظر: السلسلة الضعيفة ٣/٣٠٨ .
76 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/٧٠.
77 في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٣١٩.
78 حقائق قرآنية حول القضية الفلسطينية، صلاح الخالدي ص٩٤.
79 جامع البيان، الطبري ١٠/٤٣٧.
80 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٦/٣٧١.
81 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٣٣.
82 الكشاف، الزمخشري ٣/٧٩- ٨٠.
83 معاني القرآن، الزجاج ٣/٣٧٠.