عناصر الموضوع
الغرور
أولًا: المعنى اللغوي:
تعددت المعاني اللغوية لمادة غرر، ومن ذلك:
الغرور، بفتح الغين المعجمة الذي يغر، وهو ما اغتر به من متاع الدنيا، ويأتي بمعنى الباطل1، والخداع، يقال: « (غره) يغره بالضم (غرورًا) خدعه»2، ويأتي أيضًا بمعنى الحمق، وسمي الأحمق بذلك؛ لأنه يغرك في أول مجلسه بتعاقله، فإذا انتهى إلى آخر كلامه تبين حمقه3.
والغرار: النقصان، ومنه: غرار النوم: قلته، ونقصان لبن الناقة4.
ويلحظ في المعاني اللغوية أنها تشترك في معنى النقص الذي لا يظهر للوهلة الأولى، حتى الخداع أو الحمق، فإنه لا يظهر كنهه وحقيقته إلا بعد انكشافه، وهما في الحقيقة نقص بمن اتصف بهما.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال الراغب الأصفهاني: «الغرور: كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان»5.
وعرفه الغزالي: «سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع عن شبهة وخدعة من الشيطان»6.
وقال البيضاوي: « إظهار النفع فيما فيه الضرر»7.
وقال ابن عادل: «الغرور عبارة عن الحالة التي يستحسن ظاهرها، ويحصل الندم عند انكشاف الحال فيها»8.
وردت مادة (غرر) في القرآن الكريم (٢٧) مرة9.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٩ |
(ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأنفال:٤٩] |
الفعل المضارع |
٦ |
(ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [لقمان:٣٣] |
المصدر |
٩ |
(ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [آل عمران:١٨٥] |
اسم |
٣ |
(ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [لقمان:٣٣] |
وجاء الغرور في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي، وهو كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان10.
الخداع:
الخداع لغة:
المنع، والحيلة، فالخدع: إظهار خلاف ما تخفيه، أو ما كان ظاهره خلاف باطنه11.
الخداع اصطلاحًا:
إظهار خير يتوسل به إلى إبطان شر يؤول إليه أمر ذلك الخير المظهر، أو هو إظهار ما يخالف الإضمار، والخدعة بالضم: ما يخدع به الإنسان، كاللعبة لما يلعب به12.
الصلة بين الغرور والخداع:
الغرور فيه خداع، لأنه يغر الإنسان فيخدعه ويصده عن الصواب إلى الخطأ، وعن الحق إلى الباطل، وهذه مخادعة.
والغرور إيهام يحمل الإنسان على فعل ما يضره، أما الخدع فهو أن يستر عنه وجه الصواب فيوقعه في مكروه13.
الوهم:
الوهم لغة:
من خطرات القلب، والجمع أوهامٌ، وللقلب وهمٌ، وتوهم الشيء: تخيله وتمثله، سواء أكان في الوجود أو لم يكن14. وكثيرًا ما يستعمل الوهم في الظن الفاسد15.
الوهم اصطلاحًا:
من الوهميات، وهي قضايا كاذبة يحكم بها الوهم في أمور غير محسوسة16.
الصلة بين الغرور والوهم:
الغرور إيهام حال السرور فيما الأمر بخلافه، وليس كل وهم غرورًا؛ لأنه قد يوهمه أمرًا مخوفًا ليحذر منه، فلا يكون في هذه الحال قد غره17.
الكبر:
الكبر لغة:
تدل على خلاف الصغر، والكبر: معظم الأمر، والكِبر: العظمة، وكذلك الكبرياء18.
الكبر اصطلاحًا:
قال الراغب الأصفهاني: «الكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره»19.
الصلة بين الغرور والكبر:
الغرور نتيجة المغالاة في الكبر والفخر بغير وجه حق، والجامع بينهما الاستعلاء.
العجب:
العجب لغةً:
العُجب: الزهو والكبـر، ورجلٌ معجبٌ: مزهوٌ بما يكون منه حسنًا أو قبيحًا20.
العجب اصطلاحًا:
مسرة بحصول أمر، يصحبها تطاول به على من لم يحصل له مثله، بقول أو ما في حكمه من فعل أو ترك أو اعتقاد21.
الصلة بين الغرور والعجب:
أقرب ما يكون العجب إلى الكبر، وهما معا يعدان مدخلا للغرور، غير أن الفرق بين الكبر والإعجاب يتجلى في كونهما قد يجتمعان في الذم ويفترقان في المعنى، فالإعجاب يكون في النفس وما تظنه من فضائلها، والكبر يكون بالمنزلة وما تظنه من علوها22.
للغرور أسباب متعددة، عرض إليها القرآن الكريم، وحث على الانتباه إليها والحذر منها؛ كي لا يكون المؤمن من أصحاب الغرور والغفلة، وفيما يأتي عرض لأهم الأسباب وفق النقاط الآتية:
أولًا: الفهم الخاطئ للدين:
حرف الكفار دينهم وأمدهم الشيطان بالأماني الكاذبة، فبدلوا وغيروا وفق أهوائهم، وافتروا على الله واختلقوا الأكاذيب، وهم بعد ذلك كله يوهمون أنفسهم أن ما اختلقوه من الباطل صواب، وأن تمنيهم على الله ينجيهم، وعن هؤلاء قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [آل عمران: ٢٤].
والمعنى: غرهم وأطمعهم وثبتهم على دينهم الباطل ما خدعوا به أنفسهم، من زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه23.
وقيل: هو قولهم: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)، وهي أربعون يومًا -وهن الأيام التي عبدوا فيها العجل- ثم يخرجنا منها ربنا، اغترارًا منهم. وقيل: غرهم قولهم: نحن على الحق وأنتم على الباطل24، وأن الله قد وعد أباهم يعقوب أن لا يدخل أحدًا من ولده النار إلا تحلة القسم25.
ونتيجة لهذا الغرور الباطل توعدهم الله تعالى بالوعيد الشديد والعذاب الأليم قائلا سبحانه: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [آل عمران: ٢٥].
فأكذبهم الله على ذلك كله، وفي هذا تهديد لهم واستعظام لما أعد لهم في ذلك اليوم، وأنهم يقعون فيما لا حيلة لهم فيه، وإن ما حدثوا به أنفسهم وسهلوه عليها تعلل بباطل وطمع فيما لا يكون ولا يحصل لهم26.
وفي هذا تنبيه للعلماء العاملين المخلصين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أن لا يشتروا بدين الله ثمنا قليلا، وأن يحفظوا على الناس دينهم، فلا يغتروا بما في أيدي الناس من متاع الدنيا فيلبسوا عليهم دينهم، وعليهم أن يتذكروا أن الله تعالى سائلهم عما ائتمنهم، ومحاسبهم على أقوالهم، ومجازيهم على أفعالهم.
ومن الآيات التي حذرت من التلاعب بالدين: قوله تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الأنعام: ٧٠].
وقوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الأعراف: ٥١].
فهؤلاء تلاعبوا بالدين الذي شرع لهم، واتخذوه لهوًا ولعبًا، أي: أكلًا وشربًا. وقيل: هو ما زينه الشيطان لهم من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ونحو ذلك من خصال الجاهلية27.
ثانيًا: متاع الحياة الدنيا:
تشغل الدنيا قلوب الناس جميعا غير أن الناس يتفاوتون بمقدار ما تأخذ الدنيا من ألبابهم وعقولهم وأفعالهم، فمن شغلته الدنيا عن الآخرة هلك، ومن اشتغل فيها بطاعة الله واتخذها سلما للآخرة نجا، (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [آل عمران: ١٨٥].
وقال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الحديد: ٢٠].
أي: وما لذات الدنيا وشهواتها وما فيها من زينتها وزخارفها إلا متعة يمتعكموها الغرور والخداع المضمحل الذي لا حقيقة له عند الامتحان، ولا صحة له عند الاختبار. فأنتم تلتذون بما متعكم الغرور من دنياكم ثم هو عائد عليكم بالفجائع والمصائب والمكاره، وفي هذا تحذير لكم من الركون إلى الدنيا فتسكنوا إليها، فإنما أنتم منها في غرور تمتعون، ثم أنتم عنها بعد قليل راحلون28.
فالغرور في الآية «الخدع والترجية بالباطل، والحياة الدنيا وكل ما فيها من الأموال فهي متاع قليل تخدع المرء وتمنيه الأباطيل»29.
فشبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه، وهذا لمن آثرها على الآخرة. فأما من طلب بها الآخرة فهي له متاع بلاغ»30.
أخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن سابط في قوله (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [آل عمران: ١٨٥] قال: «كزاد الراعي، تزوده الكف من التمر، أو الشيء من الدقيق، أو الشيء يشرب عليه اللبن»31.
وأخرج الترمذي عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن موضع سوطٍ في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها، اقرءوا إن شئتم: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ))32.
وقد حذر القرآن الكريم من الاغترار بالحياة الدنيا فقال جل شأنه مخاطبًا الناس جميعًا: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [لقمان: ٣٣].
يعني: «لا يغرنكم ما في الدنيا من زينتها وزهوتها، فتركنوا إليها وتطمئنوا بها وتتركوا الآخرة والعمل لها»33.
وأرشد القرآن الكريم إلى أن الوقوع في غرور الدنيا عاقبته وخيمة ونتائجه أليمة، فبينت الآيات أن جهنم عاقبة من اغتر وغوى، قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الجاثية: ٣٥].
وقد يتجاوز الغرور الكفار إلى المؤمنين، فالحياة الدنيا للكافرين والمؤمنين جميعًا غرور، فيلحق الغرور المؤمنين إذا ضيعوا أمر الله تعالى -وهي الأعمال الصالحة- وتدنسوا بالشهوات، فهم وقتئذ يشاركون الكفار في الغرور34.
ثالثًا: أصدقاء السوء:
إن الصحبة الصالحة طريق إلى الجنة، أما المبطلون والمفسدون الذين ملكت الدنيا عليهم مجامع النفوس وشغلتهم عن علام الغيوب، فما عسى أحدهم أن يرشد خليله! وإلى أين سيأخذ بيده وناصيته؟! إنه يقوده إلى الهلاك، وإلى طريق السعير وبئس المصير.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [فاطر: ٤٠].
أي: وما يعد (ﮋ) وهم الرؤساء من المشركين، يعد بعضهم (ﮌ) وهم الأتباع، (ﮍ ﮎ) وهو قولهم لأتباعهم أن الأصنام تشفع لهم، وأنه لا حساب عليهم ولا عقاب35، وذلك تغرير من الرؤساء للأتباع، ومن السلف إلى الخلف.
أما الذين لا ينجرون وراء غرور من يعايشونهم ويخالطونهم فإنهم يسلمون من الاقتران بهم في الهاوية والعذاب الأليم يوم القيامة، وفي هذا حوار المغرورين مع المتقين يوم القيامة قبل أن يضرب الله بينهما سورا:(ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الحديد: ١٤].
وفي الآيات تحذير من قرناء السوء، فلا يجر قرين السوء لقرينه إلا الهلاك والثبور، ثم إنه يتبرأ منه يوم القيامة، قال تعالى: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) وعندها يتمنى التابع المتابع للرؤساء الظلمة لو أن له عودة للدنيا فيتبرأ منهم، ولكن حين لا تنفع الأماني (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة: ١٦٦ - ١٦٧].
إن مجالسة أصحاب الأهواء والضلال تورث مجالسهم القسوة، وتجعله شريكا في إثم المجلس وإن لم يشاركهم الإثم، وفي هذا جاء القرآن محذرا من مجالستهم، قال تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [النساء: ١٤٠].
رابعًا: الشيطان:
يعد الشيطان من أخطر مداخل الغرور إلى الإنسان، فهو مخادع كذاب، وكان الإغواء والغرور في مستهل جولاته مع أبي البشر آدم وحواء عليهما السلام، قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الأعراف: ٢١- ٢٢].
فقد أقسم إبليس وحلف لهما: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) يعني: فخدعهما بغرور، يقال: ما زال فلان يدلي فلانا بغرور، يعني: ما زال يخدعه ويكلمه بزخرف من القول الباطل. ومعنى الآية أن إبليس لعنه الله غر آدم باليمين الكاذبة، وكان آدم عليه الصلاة والسلام يظن أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا، وإبليس أول من حلف بالله كاذبا، فلما حلف إبليس ظن آدم أنه صادق فاغتر به36.
وذكر الأزهري لهذه اللفظة أصلين: أحدهما أن الرجل العطشان يتدلى في البئر ليأخذ الماء فلا يجد فيها ماء، فوضعت التدلية موضع الطمع فيما لا يجدي نفعا، والغرور إظهار النصح مع إبطان الغش، وهو أن إبليس حطهما من منزلة الطاعة إلى حالة المعصية؛ لأن التدلي لا يكون إلا من علو إلى أسفل، والأصل الثاني لقوله (ﯶ ﯷ) أي: جرأهما على أكل الشجرة، وأصله: دللهما من الدلال والدالة وهى الجراءة37.
وقد حذرنا الله تعالى من غدر الشيطان وغروره قائلًا: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [لقمان: ٣٣].
قال أبو حيان: «والغرور: الشيطان بإجماع»38، وهو مروي عن ابن عباس ومقاتل وغيرهما، والمعنى: لا يخدعنكم بالله الشيطان، فيمنيكم الأماني، ويعدكم من الله العدات الكاذبة، ويحملكم على الإصرار على كفركم بالله39.
قال القرطبي: «والغرور بفتح الغين: الشيطان، يغر الناس بالتمنية والمواعيد الكاذبة. قال ابن عرفة: الغرور ما رأيت له ظاهرا تحبه وفيه باطن مكروه أو مجهول. والشيطان غرور؛ لأنه يحمل على محاب النفس، ووراء ذلك ما يسوء. قال: ومن هذا بيع الغرر، وهو ما كان له ظاهر بيع يغر وباطن مجهول»40.
والملاحظ في الآيات التحذير الشديد من الاغترار بالشيطان، فعلى الإنسان أن يخذله ويكذبه فيما يغره فيه حتى لا يكون تبعا له.
خامسًا: الأماني الباطلة:
قال تعالى:(ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الحديد: ١٤].
والأماني: هي الأطماع، مثل قولهم: سيهلك محمد هذا العام. أو طول الآمال في امتداد الأعمار (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) وهو الموت على النفاق41.
وقال تعالى: (ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النساء: ١٢٠].
«معنى وعد الشيطان ما يصل مفهومه إلى قلب الإنسان، من نحو ما يجده من أنه سيطول عمرك، وتنال من الدنيا لذتك، وستعتلي على أعدائك، فإنما الدنيا دول، فستدور لك كما دارت لغيرك، وكل هذا غرور وتمنية وتطويل للأمل، وسيهجم عن قريب عليه الأجل، وقد أبطل أيام عمره في رجاء ما لم يدرك منه شيئًا، فالعاقل من لم يعرج على هذا، وجدَّ في الطاعة ما أمكنه، وعلم أنه سينقطع عن الدنيا قريبًا، وعد نفسه من الموتى، وصدق الله في قوله: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) أي: إلا ما يغرهم بإيهام النفع فيما فيه الضر»42.
وقال ابن جرير: «يعد الشيطان المريد أولياءه الذين هم نصيبه المفروض: أن يكون لهم نصيرًا ممن أرادهم بسوء، وظهيرًا لهم عليه، يمنعهم منه ويدافع عنهم، ويمنيهم الظفر على من حاول مكروههم والفلج عليهم»43.
ومن المعلوم أن عدات الشيطان غرور وكذب، وأن أمانيه باطلة، حتى إذا حصحص الحق وصاروا إلى الحاجة إليه تنصل من وعوده إليهم، وفر من نصرتهم بعد أن وقعوا في وبال خداعه، عندها يقول لهم عدو الله: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [إبراهيم: ٢٢].
هذه عادة الشيطان في الإغواء والإضلال، وكذا كان حاله مع مشركي مكة قبيل معركة بدر، يُمنِّيهم الأماني الكاذبة بالنصر والظفر، ويزين لهم أعمالهم قائلا لهم: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الأنفال: ٤٨].
فلما تقابل المسلمون مع المشركين وحصحص الحق وعاين الشيطان جد الأمر ونزول عذاب الله بحزبه (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الأنفال: ٤٨].
فصارت عداته -عدو الله- إياهم عند حاجتهم إليه غرورًا كالسراب، وأصبحت أمانيه إياهم باطلة44.
سادسًا: الاغترار بإمهال الله تعالى وسعة رحمته:
يغتر الكفار كثيرًا بإمهال الله لهم وتأخيره العذاب عنهم.
وقد قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [لقمان: ٣٣]
قال الواحدي في تفسير قوله تعالى (ﯦ ﯧ ﯨ): « أي: بحلم الله وإمهاله»45.
ثم إن كثيرًا من الناس يرتكبون الذنوب ويغترون بعفو الله تعالى وصفحه، قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الانفطار: ٦].
قال الزجاج: « أي ما خدعك وسول لك حتى أضعت ما وجب عليك»؟!46.
والمعنى: أي شيء غرك وجرأك وسول لك حتى ارتكبت ما ارتكبت بحق ربك الكريم الذي تجاوز عنك في الدنيا ولم يعاقبك؟!47.
«وقرأ ابن جبير والأعمش: «ما أغرك»، فاحتمل أن تكون استفهامية، وأن تكون تعجبية، ومعنى «أغره»: أدخله في الغرة، أو جعله غارًّا»48.
وإنما قال (ما غرك بربك الكريم) لطفًا بعبده، وتلقينًا له حجته وعذره ليقول: غرني كرم الكريم. وقال الفضيل: لو سألني الله تعالى هذا السؤال لقلت: غرني ستورك المرخاة. وروي أن عليًّا صاح بغلام له مرَّات فلم يلبه، ثم أقبل فقال له: مالك لم تجبني؟ فقال: لثقتي بحلمك وأمني عقوبتك. فاستحسن جوابه وأعتقه49.
ويستفاد من الآية أنه يجب على المرء أن لا يغتر بكرم الله تعالى وعفوه وسعة رحمته وتفضله بالإنعام على عباده، فيرتكب المعاصي والذنوب ركونا إلى عفوه وغفرانه، فإن ذلك كفر للنعمة وخروج عن الحكمة في مقابلة المن والعطاء بالجحود والكفران، فمن فعل فمصيره الهلاك والخسران.
ومن غرور كفار أهل الكتاب طمعهم بمغفرة الله تعالى ورضوانه، وقولهم: سيغفر لنا. وادعاؤهم أنهم أحباب الله وأبناؤه، وأن الله لن يعذبهم بذنوبهم، وأنه لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى، ومنه: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [البقرة: ١١١].
أي: تلك أمانيهم التي تمنوها على الله باطلًا50.
وقد يطال الاغترار بإمهال الله تعالى وسعة رحمته عصاة المؤمنين لقولهم: إن الله غفور رحيم. وإنما يرجى عفوه فاتكلوا على ذلك وأهملوا الأعمال، وذلك من قبيل الرجاء، واتكؤوا على أن رحمة الله واسعة ونعمته شاملة وكرمه عميم، وإنهم موحدون يرجوه بوسيلة الإيمان والكرم والإحسان51.
بين القرآن الكريم مظاهر الغرور ومعظمها يندرج تحت البعد عن الدين والاغترار بالحياة الدنيا وزينتها وزخرفها، وتتجلى صفة الغرور في فتنة الدنيا كونها لذة سريعة الزوال لا دوام فيها ولا بقاء، فينخدع الإنسان بها ويفتتن ببهائها وزينتها ثم إنها سرعان ما تزول وكأنها لم تكن، ومن هذه المظاهر:
أولًا: التفاخر والتكاثر بالأموال والأولاد:
ما أن يعي الإنسان على الدنيا إلا ويكبر معه هم جمع المال وإنجاب الأبناء ذكورهم قبل إناثهم، حتى إن نظرة الرجل لإنجاب الذكور هي استمرار لتعلقه في الدنيا بعد موته، باعتبار أنهم من سيحملون اسمه، غير أن المال والولد كدمى الأطفال التي يلهون بها ساعة ثم يتركونها، وكذا المال والولد ومفاتن الدنيا يوم القيامة، فإنها إن كانت في طاعة تنفع يوم الشفاعة، وإن كان في معصية زالت لذتها وبقيت حسرتها.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الحديد: ٢٠].
جاءت هذه الآية في أعقاب آية سابقة لها تحث على الصدقة وتحرض على الإنفاق، ومناسبتها لما قبلها دحض سبب الشح المتمثل في الحرص على استبقاء المال لإنفاقه في لذائذ الحياة الدنيا، فضرب لهم مثل الحياة الدنيا بحال محقرة على أنها زائلة تحقيرا لحاصلها وتزهيدا فيها؛ لأن التعلق بها يعوق عن الفلاح52.
والمعنى في الآية: «اعلموا أيها الناس إن متاع الحياة الدنيا المعجلة لكم ما هي إلا لعب ولهو تتفكهون به، وزينة تتزينون بها، وتفاخر بينكم، يفخر بعضكم على بعض بما أولى فيها من رياشها، ويباهي بعضكم بعضا بكثرة الأموال والأولاد»53.
وقد ضرب الله تعالى للدنيا مثلًا آخر، وهو مثل مطر نزل من السماء فنبت به الزرع، ففرح الزارع بنباته، ويقال:(أعجب الكفار) يعني: الكفار بالله، لأنهم أشد إعجابًا بزينة الدنيا من المؤمنين، ثم إن هذا الزرع ييبس فيتغير فتراه مصفرًّا بعد خضرته ثم يكون يابسًا وحطامًا هالكًا، وكذا متاع الحياة الدنيا54.
قال سعيد بن جبير: «الغرة من الله أن يصرَّ العبد في معصية الله ويتمنى على الله في ذلك، والغرة في الدنيا أن يغتر بها وأن تشغله عن الآخرة أن يمهد لها ويعمل لها، وأما متاع الغرور فهو ما يلهيك عن طلب الآخرة، فهو متاع الغرور، وما لم يلهك فليس بمتاع الغرور، ولكنه متاع بلاغٍ إلى ما هو خيرٌ منها»55.
وعلى هذا فالحياة الدنيا غير مذمومة، بل المراد أن من صرف هذه الحياة الدنيا لا إلى طاعة الله بل إلى طاعة الشيطان ومتابعة الهوى، فذاك هو المذموم56.
وهذا شأن النفوس المريضة، إذا أنعم الله عليها صاحبها الغرور والبطر، وإذا أبليت قابلت البلاء بالضجر.
فيا عجبًا من إنسان إذا أنعم الله عليه أُعجب بنفسه، وتكبر مختالًا في زهوه، لا يشكر ربه، ولا يذكر فضله، ويتباعد عن بساط طاعته57، ثم هو يغتر بما رزقه بدلًا من شكره، فيفتري على الله بقوله: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [سبأ: ٣٥]!
ثانيًا: رد النصيحة، والجدال بالباطل:
ينظر المغرور إلى نفسه نظرة إعجاب، ويظن أن الحق ما قال ولا سواه، وأن الصواب ما فعل ولا يصح غيره، فلا يسمع الحق من أصحاب الحق، لأن غروره عمى قلبه وبصره، فهو يجادل في آيات الله، ولا يقبل نصيحة من أحد (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [غافر: ٤-٥].
أي: يماري في آيات الله ويخاصم بهوى نفسه وطبع جبلة عقله58.
والملاحظ في الآيتين أن الجدل في الآيات جاء بعده عدم قبول النصيحة من الأنبياء، ومن ثم تكذيبهم، وهذا بسبب الغرور بالباطل.
وكذا كان موقف الأمم التي غرها في دينها ما كانت تعبد من دون الله، فلم تقبل نصح أنبيائها، قال قوم نوح لنبيهم: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [هود: ٣٢ - ٣٤].
والنصح: «إخلاص العمل عن الفساد. وقيل: إنه بيان موضع الغي ليجتنب، وبيان موضع الرشد ليطلب»59.
وقال صاحب المنار: «النصح تحري الصلاح والخير للمنصوح له والإخلاص فيه قولًا وعملًا، والمعنى: إن نصحي لكم لا ينفعكم بمجرد إرادتي له فيما أدعوكم إليه، وإنما يتوقف نفعه على إرادة الله تعالى، وقد مضت سنته تعالى بما عرف بالتجارب أن نفع النصح له شرطان أو طرفان، هما الفاعل للنصح والقابل له، وإنما يقبله المستعد للرشاد، ويرفضه من غلب عليه الغي والفساد بمقارفة أسبابه من الغرور بالغنى والجاه والكبر»60.
وعلى شاكلة قوم نوح كان قوم صالح، فلم يتعظوا بنصحه لهم وقالوا لنبيهم: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأعراف:٧٧-٧٩].
ثالثًا: البغي والاستكبار:
البغي: التعدي، وبغى الرجل على الرجل: استطال. وبغت السماء: اشتد مطرها، وبغى الوالي: ظلم، وكل مجاوزة في الحد وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء فهو بغي61، والبغي في عدو الفرس اختيال ومرح62.
وأما التكبر والاستكبار فهما بمعنى التعظم63.
ومن معاني الاستكبار: «أن يتشبع المرء فيظهر من نفسه ما ليس له، وهو مذموم، ومنه ما ورد في القرآن نحو (ﮮ ﮯ) [البقرة: ٣٤]»64.
والمعنيان السابقان للبغي والاستكبار يلتقيان مع الغرور في كون الغرور يشمل كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة، وكونه سكون النفس إلى ما يوافق الهوى، وما البغي والاستكبار إلا متابعة للنفس على هواها وتحقيق لنزواتها ومبتغاها فيما يستحسن ظاهره، ويحصل الندم عند انكشاف الحال فيه، وكذا هو الغرور.
والملاحظ أن التضرع إلى الله يكون في حال الشدة والبلاء، أما في حال الخير والرخاء فإننا نجد عند كثير من الناس الكبر والبغي والبطر والغرور.
قال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [يونس: ٢٣].
والبغي العمل في الأرض بالفساد وبالمعاصي، من بغى الجرح إذا فسد، وأصله الطلب، أي: يطلبون الاستعلاء بالفساد. (ﮝ ﮞ) أي: بالتكذيب، ومنه بغت المرأة بغاءً إذا فجرت فطلبت غير زوجها65.
وقيل في معنى البغي أيضا أنه: «الكبر، وقيل: هو الظلم. وقيل: الحقد. وقيل: التعدي. وحقيقته: تجاوز الحد، فيشمل هذه المذكورة ويندرج بجميع أقسامه تحت المنكر، وإنما خص بالذكر اهتمامًا به لشدة ضرره ووبال عاقبته، وهو من الذنوب التي ترجع على فاعلها»66.
والباغي الذي اغتر بقوته وكبريائه ما يضر إلا نفسه، لأن وبال بغيه عائد إليه، فقد يمتع ببغيه متاع الحياة الدنيا ثم يعود إليه وبال بغيه في الدنيا وفي الآخرة أيضا، وفي الآية إيماء إلى أن البغي مجزي عليه في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فلقوله: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)، ولما جاء في الحديث: (ما من ذنبٍ أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم)67، وأما في الآخرة فكفى دلالة على ذلك ما أفادته الآية من التهديد والوعيد.
والخلاصة: إن البغي -وهو أشنع أنواع الظلم- يرجع على صاحبه؛ لما يولد من العداوة والبغضاء بين الأفراد، ولما يوقد من نيران الفتن والثورات في الشعوب، فمن يبغى على مثله تجده قد خلق له عدوًّا أو أعداءً ممن يبغي عليهم68.
ومن صور البطر والغرور بدلا من الحمد والشكر غرور قارون الذي ظن أن ما أوتيه بفضل منه لا تفضلا من المنعم، ويلحق به أيضا اغترار قوم قارون بما أوتيه قارون: قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [القصص: ٧٦].
(ﮭ ﮮ) أي: بكثرة ماله، كأنه جاوز الحد بالتكبر والتجبر عليهم، فطلب الفضل عليهم وأن يكونوا تحت أمره، أو ظلمهم69.
رابعًا: الاستهزاء بآيات الله تعالى:
إن هؤلاء استهزؤوا بآيات الله لأنهم اغتروا في الحياة الدنيا، فهم طمعوا في طول العمر وحسن العيش وكثرة المال وقوة الجاه، فاشتدت رغبتهم في هذه الأشياء، وأصبحوا محجوبين عن طلب الدين غارقين في طلب الدنيا؛ فاتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا70.
قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الأعراف: ٥١].
«يعني: أنهم تلاعبوا بدينهم الذي شرع لهم ولهوا عنه، وأصل اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه. ويقال: لهوت بكذا ولهيت عن كذا أي: اشتغلت عنه»71.
وقد اتخذ المشركون اللهو واللعب دينًا لأنفسهم، وهو ما زين لهم الشيطان من تحريم البحيرة وأخواتها، والمكاء والتصدية حول البيت، وسائر الخصال الذميمة التي كانوا يفعلونها في الجاهلية. وخدعهم عاجل ما هم فيه من خصب العيش ولذته، وشغلهم ما هم فيه من ذلك عن الإيمان بالله ورسله، وعن الأخذ بنصيبهم من الآخرة حتى أتتهم المنية على ذلك. والغرة غفلة في اليقظة، وهو طمع الإنسان في طول العمر وحسن العيش وكثرة المال والجاه ونيل الشهوات، فإذا حصل ذلك صار محجوبا عن الدين وطلب الخلاص؛ لأنه غريق في الدنيا بلذاته72.
قال ابن عباس: «وذلك أنهم كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعاهم إليه وهزؤوا به اغترارًا بالله»73.
وعلى شاكلة آية الأعراف السابقة كانت آية الجاثية، قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [الجاثية: ٣٥].
وقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الأنعام: ٧٠].
والمعنى: «ذر هؤلاء الذين اتخذوا دين الله وطاعتهم إياه لعبًا ولهوًا، فجعلوا حظوظهم من طاعتهم إياه اللعب بآياته، واللهو والاستهزاء بها إذا سمعوها وتليت عليهم، فأعرض عنهم، فإني لهم بالمرصاد، وإني لهم من وراء الانتقام منهم والعقوبة لهم على ما يفعلون، وعلى اغترارهم بزينة الحياة الدنيا ونسيانهم المعاد إلى الله تعالى ذكره والمصير إليه بعد الممات»74.
قال ابن عباس: «يعني: الكفار الذين إذا سمعوا آيات الله استهزؤوا بها وتلاعبوا عند ذكرها»75.
وقال مقاتل: «اتخذوا دينهم الإسلام لعبًا، يعني: باطلًا ولهوًا عنه»76.
خامسًا: الانغماس في الشهوات والشبهات:
إن الركون إلى الدنيا ومفاتنها وشهواتها يعد المدخل الرئيس للانزلاق في الشبهات والتزوير في العقائد رجاء موافقة الهوى، فالفتنة مقدمة للغرور.
وقال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الحديد: ١٤].
يعني: ينادي المنافقون المؤمنين من وراء ذلك السور حين حجز بينهم وبقوا في الظلمة (ﮆ ﮇ ﮈ) أي: في الدنيا نصلي ونصوم، (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) أي: أهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملتموها في المعاصي والشهوات، وكلها فتنة، (ﮏ) أي: بالإيمان والتوبة، وقيل: تربصتم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقلتم: يوشك أن يموت فنستريح منه، (ﮐ) أي: شككتم في نبوته وفيما أوعدكم به (ﮑ ﮒ) أي: الأباطيل، وذلك ما كنتم تتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) يعني: الموت، وقيل: هو إلقاؤهم في النار، وهو قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ) يعني الشيطان، قال قتادة: ما زالوا على خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله في النار77.
وقال تعالى:(ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الأعراف: ٥١].
«يعني أنهم تلاعبوا بدينهم الذي شرع لهم ولهوا عنه. وأصل اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه»78.
سادسًا: التسويف والأماني الباطلة:
قال ابن الجوزي: «فمن الناس من يغره تأخير العقوبة، ومنهم من كان يقطع بالعفو، وأكثرهم متزلزل الإيمان، فنسأل الله أن يميتنا مسلمين»79.
فالكفار كانوا يسوفون ويؤخرون في توبتهم إلى الله، ويمنون أنفسهم بعفوه وغفرانه.
وقال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الحديد: ١٤].
قال الزمخشري: «(ﮑ ﮒ) طول الآمال والطمع في امتداد الأعمار (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) وهو الموت (ﮗ ﮘ ﮙ) وغركم الشيطان بأن الله عفو كريم لا يعذبكم»80.
فهذا خداع من الشيطان بإمهال الله للإنسان وحلمه عليه، وأن هذا الإمهال مدعاة للرضا عنهم وعدم إنزال العذاب عليهم.
قال الطبري: «خدعكم بالله الشيطان، فأطمعكم بالنجاة من عقوبته والسلامة من عذابه»81.
بين القرآن الكريم عاقبة الغرور، وبيانها في النقاط الآتية:
أولًا: الاستدراج:
الاستدراج هو الإمهال والتأخير إلى أجل، فإن الله تعالى قد يعطي الكفار من الدنيا مع جحودهم وشركهم ما لا يعطيه للمؤمنين، ومن هنا جاء الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام والمراد به أمته: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ) [آل عمران: ١٩٦ - ١٩٧].
والمراد تصرفهم في التجارات والمكاسب، أي: لا يغرنكم أمنهم على أنفسهم وتصرفهم في البلاد كيف شاؤوا وأنتم معاشر المؤمنين خائفون، فإن ذلك لا يبقى إلا مدة قليلة ثم ينتقلون إلى أشد العذاب، وإنما وصفه الله تعالى بالقلة؛ لأن نعيم الدنيا مشوب بالآفات والحسرات، ثم إنه بالعاقبة ينقطع وينقضي82.
قال ابن كثير: «لا تنظروا إلى ما هؤلاء الكفار مترفون فيه من النعمة والغبطة والسرور، فعما قليل يزول هذا كله عنهم ويصبحون مرتهنين بأعمالهم السيئة، فإنما نمد لهم فيما هم فيه استدراجا»83.
وقال تعالى:(ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [غافر: ٤].
فلا يغررك إمهالهم وإقبالهم في دنياهم، وتقلبهم في بلاد الشام واليمن بالتجارات المربحة، والتكبر والتجبر بغير حق، فإنهم مأخوذون عما قريب بكفرهم أخذ من قبلهم84.
ثانيًا: الضلال:
لما أن كان الغرور من عمل الشيطان وتزيينه للنفوس أصبح من انساق إليه كأنما تتبع خطوات الشيطان وسار على نهجه واكتسب بعضا من صفة الغرور عنده.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النساء: ١١٧ - ١٢٠].
والإضلال: الصرف عن طريق الهداية إلى طريق الغواية، أو هو الدعاء إلى ترك الدين وتقبيحه في عينهم85.
والملاحظ هنا أن الإغواء والتغرير الذي قام به إبليس عندما شعر بعلوه وتكبره قام به أيضا فرعون بعد أن زهت نفسه واختالت فاغتر بنفسه ودعا قومه إلى الضلال موهما إياهم أنه طريق الرشاد، وهو في الحقيقة ضلال مبين، قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [طه: ٧٩].
ولما أن كان الشيطان المصدر الرئيس للتغرير بين الناس وكان لا يصدر عن تغريره إلا الضلال تلاه أهل الباطل في تغرير بعضهم بعضًا؛ لإضلالهم عن طريق الهداية.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [فاطر: ٤٠].
ثالثًا: استحقاق العقاب:
إن العذاب الأليم مصير المغرور الذي بدل في دين الله وشك في عطائه، وظن في نفسه من الصفات ما لا تجوز إلا لله.
قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الأعراف: ٥١].
والجريمة التي اقترفها هؤلاء كما قال ابن عباس: «أنهم كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعاهم إليه وهزؤوا به، اغترارًا بالله»86.
وكان من عقوبتهم نسيان الله لهم يوم القيامة، ومعنى الآية: عن ابن عباس قال: نسيهم الله من الخير، ولم ينسهم من الشر، والمعنى: نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا. وقال مجاهد: نتركهم في النار. وقال السدي: نتركهم من الرحمة كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا87.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يقول للعبد يوم القيامة: (ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. قال: فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثاني فيقول: أي فل ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس، وتربع؟ فيقول: بلى، أي رب. فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني)88.
قال تعالى: (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الجاثية: ٣٥].
في الآية دلالة على أنهم مأيوس من الرضا عنهم يوم الحشر بحيث يعلمون أن لا طائل في استعتابهم، فلذلك لا يشير أحد عليهم بأن يستعتبوا، وقد يكون المعنى أنهم يطردون ولا يجدون من يشير عليهم بأن يستعتبوا89.
وقال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الأنعام: ٧٠].
فهؤلاء لما جعلوا اللعب واللهو دينًا أو اتخذوا دينهم الذي كان ينبغي لهم لعبًا ولهوًا فقد أسلموا أنفسهم للهلاك، أو ارتهنوها للهلاك جزاء فعلهم، وقال العوفي: أسلموا إلى خزنة جهنم90.
وقال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الأعراف: ١٦٩].
جاءت هذه الآية في حق اليهود الذين ورثوا التوراة وتابعوا أسلافهم على المعاصي وضيعوا العمل بما فيها، ومع إقدامهم على هذا الذنب العظيم يتمنون على الله الأماني الباطلة الكاذبة بأن الله سيغفر لهم، وإن وجدوا من الغد مثله حلالا كان أو حراما أخذوه وتمنوا على الله المغفرة91.
قال مجاهد: «يعني: يأخذون ما يجدون حلالًا أو حرامًا ويتمنون المغفرة»92.
وهذا الغرور مهلك لأنه عكس ما ينبغي للمرء أن يكون، فالمؤمن ينبغي أن يبتعد عن الذنوب وأن لا يحرص على الدنيا، ويتهم نفسه بالتقصير، ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب بين يدي الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله). ومعنى قوله: (من دان نفسه) يقول: حاسب نفسه في الدنيا قبل أن يحاسب يوم القيامة»93.
وفي هذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافيةٌ»94.
ومن غرور الإنسان بالله تعالى ظنه أن مقامه في الجنة رغم فسقه وفجوره، قال تعالى في وصف هؤلاء: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [فصلت: ٥٠]
ترسم هذه الآية صورة الإنسان الذي لا يميز بين عطاء الله وبلائه، فهو يحسب أن ما أوتي من نعيم الدنيا لأجل أن الله تعالى يحبه، وأن له حظوة سيأخذها إن رد إلى الآخرة.
قال سيد قطب في وصف هذا المغرور: «انتفخ في عين نفسه فراح يتألى على الله، ويحسب لنفسه مقاما عنده ليس له! وهو غرور، عندئذ يجيء التهديد في موضعه لهذا الغرور: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) وهذا الإنسان إذا أنعم الله عليه استعظم وطغى وأعرض ونأى بجانبه، فأما إذا مسه الشر فيتخاذل ويتهاوى ويصغر ويتضاءل»95.
فهو لما ظن أن له الحسنى في الآخرة قاس أمر الآخرة على أمر الدنيا96.
من رحمة الله تعالى بنا أن أبان لنا في كتابه الكريم الداء وأتبعه بالعلاج الذي فيه الشفاء، فآيات القرآن الكريم تزخر في المقابلات بين الخير والشر، الإيمان والكفر، والنفقة والبخل، والجنة والنار، وفي ذلك إرشاد للمرء بأن يختار ما هو أهدى سبيلًا.
أولًا: الإيمان بأن الله تعالى هو المنعم:
إذا علم المرء أن المنعم هو الله وأن ما به من نعمة فمن الله فإنه يخضع لله ويتواضع له، ويعلم أن المال والولد والدنيا بكل زينتها ومفاتنها وبهارجها هي من الله، وأن زوالها بيد الله، حينها لا يسع الإنسان إلا الشكر للمنعم، فبالشكر تدوم النعم، أما الكبر والغرور فعاقبته الخذلان والخسران، وقد بين الله لنا أن متاع الدنيا إلى زوال، وأن ثمار عدم الاغترار بها المغفرة من الله والرضوان.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الحديد: ٢٠].
وإن من أعظم الفتن التي يتعرض لها المغرور أن يظن أن ما به من نعمة هي من نفسه حازها بعلمه وحوله وقدرته لا بقدرة المنعم سبحانه، فهذا قارون الذي أصابه الغرور بما آتاه الله، أنكر الواهب وتعلق بأوهام النفس قائلًا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [القصص: ٧٨].
وصاحب الجنة الذي حدثتنا عنه سورة الكهف ظن أن أمر بقاء جنته بيده وتغافل عن الله قائلًا: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الكهف: ٣٥].
بل وصل الغرور في فرعون أن يظن نفسه إلها، وأن ما تحت ملكه من خيرات وجنان هي من تدبيره ورعايته، فنسي المنعم سبحانه وقال لقومه: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ) [الزخرف: ٥١].
وشأن الإنسان بشكل عام أنه في الخيرات والنعم يغفل عن المنعم، وعند الضيق والكربات يتوجه إلى الله تعالى مقرا بذنبه راجيًا عفوه كي يذهب عنه ما ألم به من بلاء ويكشف عنه السوء.
قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الزمر: ٤٩ - ٥١].
يخبر تعالى عن حالة الإنسان وطبيعته، أنه حين يمسه ضر من مرض أو شدة أو كرب يلح في الدعاء، فإذا كشف الله ضره وأزال مشقته عاد بربه كافرًا ولمعروفه منكرًا قائلًا: إنما أوتيته علم من الله، إني له أهل، وإني مستحق له، لأني كريم عليه. أو على علم مني بطرق تحصيله.
وقد بين الله أن هذه فتنة يبتلي بها عباده لينظر من يشكره ممن يكفره، أما أهل الغرور فيعدون الفتنة منحة، ويشتبه عليهم الخير المحض بما قد يكون سببًا للخير أو للشر، ولا يقرون بنعمة ربهم، ولا يرون له حقًّا، فلم يزل دأبهم حتى أهلكوا، فما أغنى عنهم ما كسبوا.
ولما ذكر تعالى أنهم اغتروا بالمال وزعموا بجهلهم أنه يدل على حسن حال صاحبه أخبرهم تعالى أن بسط الرزق وقبضه لا يرجع لعلمهم، وأن مرجع ذلك عائد إلى الحكمة والرحمة، وأنه أعلم بحال عبيده، فقد يضيق عليهم الرزق لطفا بهم، لأنه لو بسطه لبغوا في الأرض، فيكون تعالى مراعيا في ذلك صلاح دينهم الذي هو مادة سعادتهم وفلاحهم97.
ثانيًا: التزود بالتقوى:
التقوى علاج كل علة، وسلاح المؤمن على مر الأزمان، وسد منيع في وجه الشيطان، فلا ينفذ الشيطان إلى نفس التقي فيسول له الكبر والغرور، وقد أوصى الله بها عباده جميعا، وخص المؤمنين بها، فهي سبيل النجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [يوسف: ٩٠].
وقال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الطلاق:٢].
وقال تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ) [الطلاق: ٤].
وقال تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [الطلاق: ٥].
يعني: من يصبر على طاعة الله تعالى، ويصبر على المصائب، وعن المعاصي، ييسر الله عليه أمره، ويوفقه ليعمل على طاعتة، ويعصمه عن معاصيه98.
ومجمل دعوى الأنبياء تقوم على توحيد الله تعالى وتقواه، فمعظم الأنبياء أوصوا أقوامهم بالتقوى، وبينوا لهم أن ما هم فيه من النعم من مال ومصانع وبنيان وأولاد؛ إنما هو بمشيئة رب السماوات والأرض.
قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الشعراء: ١٢٤ - ١٣٦].
وكان الله تعالى قد أعطاهم قوة عظيمة، وكان الواجب عليهم أن يستعينوا بقوتهم على طاعة الله، ولكنهم فخروا، واستكبروا، وأصابهم الغرور فقالوا على غرار قول فرعون وقارون: (من أشد منا قوةً)، واستعملوا قوتهم في معاصي الله، وفي العبث والسفه، فلذلك نهاهم نبيهم عن ذلك، وأمرهم بالتقوى99.
والآيات في سورة الشعراء فيها تسلسل واضح بأن الأمر بالتقوى دأب الأنبياء مع أقوامهم، فبعد ما سبق من الآيات في شأن هود مع قومه، تلتها آيات مشابهة في المضمون تعرض موقف صالح مع قومه ودعوته لتقوى الله وعدم الاغترار بأمر المسرفين قائلا لهم:(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الشعراء: ١٥٠ - ١٥١].
قال السعدي: «أي: الذين وصفهم ودأبهم الإفساد في الأرض بعمل المعاصي والدعوة إليها إفسادًا لا إصلاح فيه، وهذا أضر ما يكون لأنه شر محض وكأن أناسا عندهم مستعدون لمعارضة نبيهم موضعون في الدعوة لسبيل الغي، فنهاهم صالح عن الاغترار بهم»100.
ثالثًا: عدم اتباع خطوات الشيطان:
وسوسة الشيطان عبارة عن الخواطر التي يجدها الإنسان في قلبه، وفاعل هذه الخواطر هو الله تعالى، وهو المحدث لها في باطن الإنسان، وإنما الشيطان كالعرض، والله هو المقدر له على ذلك101.
ومع أن الله تعالى مكن الشيطان من الوسوسة إلا أنه لم يجعل له سلطانًا على الإنسان، إنما هو قرين يوسوس له ويزين المنكر والباطل، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)102.
ولما أن كان الشيطان من أهم أسباب دخول الغرور إلى نفس الإنسان، فقد نهي الإنسان من تتبع خطواته، لأن اتباعه طلب للفحشاء والمنكر:
قال تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [البقرة: ١٦٨ - ١٦٩]
وقال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأنعام: ١٤٢]
وقال عز من قائل: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النور: ٢١].
يعني: لا تتبعوا آثاره ومسالكه (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) يعني بالقبائح من الأقوال والأفعال وكل ما يكره الله عز وجل والآية عامة في حق كل أحد103.
وإن من أسباب النجاة عدم مجالسة المغرورين الذين غرهم الشيطان فأصبحوا عونا له وجندا من جنوده، وقد نهى الله تعالى نبيه عن مجالستهم وهم يخوضون في منكرهم مبينا أن الشيطان له الدور الأكبر في جر الناس إلى مجالس الباطل قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [الأنعام: ٦٨].
يخوضون في آياتنا في الاستهزاء بها والطعن فيها، وكانت قريش في أنديتهم يفعلون ذلك فأعرض عنهم فلا تجالسهم وقم عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره فلا بأس أن تجالسهم حينئذ وإما ينسينك الشيطان وإن شغلك بوسوسته حتى تنسى النهي عن مجالستهم.
أي: يخوضون في آيات الله بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها. (ﯽ ﯾ) فلا تجالسهم وقم عنهم. (ﰅ ﰆ ﰇ) بأن يشغلك بوسوسته حتى تنسى النهي104. وقرأ ابن عامر: (يُنَسِّيَنَّكَ) بالتشديد105.
رابعًا: الاتعاظ بمصارع المغرورين:
دعانا القرآن الكريم للسير في الأرض والنظر في مصارع الغابرين لا للتسلية والتأكد من الخبر؛ بل لأخذ المواعظ والعبر.
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [غافر: ٨٢، يوسف:١٠٩].
أفلم يسيروا فيدركوا أن مصير أسلافهم من المكذبين والغاوين كمصيرهم، وأن سنة الله الواضحة الآثار في آثار الغابرين ستنالهم.
فتدبروا سنن الله في الغابرين؟ أفلا تعقلون فتؤثروا المتاع الباقي على المتاع القصير؟106.
إن قارون لما أن اغتر بماله زاعمًا أن ما أوتيه بعلم من عنده، وخرج على قومه في زينته متباهيًا مغرورًا اغتر قومه بزينته قائلين: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [القصص: ٧٨ - ٧٩].
فماذا كانت العاقبة قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ)
«فلما انتهت بقارون حالة البغي والفخر، وازينت الدنيا عنده، وكثر بها إعجابه، بغته العذاب (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) جزاء من جنس عمله، فكما رفع نفسه على عباد الله، أنزله الله أسفل سافلين، هو وما اغتر به، من داره وأثاثه، ومتاعه»107.
ولما جاء العذاب لم يكن ينفع قارون جماعة أو أقارب أو أصدقاء أو جنود، لم يكن له عاصم من أمر الله فجاءه العذاب، فما نفعه مال ولا جاه فكان من المهلكين.
قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [القصص: ٨١ - ٨٢].
أما موقف المغرورين بزينته من قومه، فقد اتعظوا وبتفكير يسير علموا أن القليل الدائم خير من الزينة التي سرعان ما تذهب وتذهب أهلها معها، فمع سقوط قارون وهلاكه هوت معه الفتنة الطاغية التي جرفت بعض الناس وردتهم الضربة القاضية إلى الله وكشفت عن قلوبهم قناع الغفلة والضلال.
وقف قوم قارون -الذين اغتروا بماله بالأمس- يحمدون الله أن لم يستجب لهم ما تمنوه بالأمس، ولم يؤتهم ما آتى قارون. وهم يرون المصير البائس الذي انتهى إليه بين يوم وليلة. وأيقنوا أن الثراء ليس آية على رضي الله. فهو يوسع الرزق على من يشاء من عباده ويضيقه لأسباب أخرى غير الرضا والغضب. ولو كان دليل رضاه ما أخذ قارون هذا الأخذ الشديد العنيف. إنما هو الابتلاء الذي قد يعقبه البلاء. وعلموا أن الكافرين الذين يغترون بالنفس والمال لا يفلحون108.
وأما الغرور على صعيد الجماعات والأقوام فهو كثير في الأمم الغابرة، ومنه غرور قوم هود عليه السلام، فقد اغتروا بقوتهم وصدوا عن دعوة رسولهم، «فبعث الله إليهم هودًا نبيًّا وهو من أوسطهم نسبًا وأفضلهم حسبًا، فأمرهم أن يوحدوا الله ويكفوا عن ظلم الناس لم يأمرهم بغير ذلك، فكذبوه وقالوا من أشد منا قوةً، وبنوا المصانع وبطشوا بطشة الجبارين»109.
قال تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [فصلت: ١٥ -١٦].
«والاستكبار: المبالغة في الكبر، أي: التعاظم واحتقار الناس، فالسين والتاء فيه للمبالغة مثل: استجاب، والتعريف في الأرض للعهد، أي: أرضهم المعهودة. وإنما ذكر من مساويهم الاستكبار لأن تكبرهم هو الذين صرفهم عن اتباع رسولهم وعن توقع عقاب الله.
وقوله: (ﮏ ﮐ) زيادة تشنيع لاستكبارهم، فإن الاستكبار لا يكون بحق إذ لا مبرر للكبر بوجه من الوجوه لأن جميع الأمور المغريات بالكبر من العلم والمال والسلطان والقوة وغير ذلك لا تبلغ الإنسان مبلغ الخلو عن النقص وليس للضعيف الناقص حق في الكبر، ولذلك كان الكبر من خصائص الله تعالى. وهم قد اغتروا بقوة أجسامهم وعزة أمتهم وادعوا أنهم لا يغلبهم أحد، وهو معنى قولهم: من أشد منا قوة، فقولهم ذلك هو سبب استكبارهم؛ لأنه أورثهم الاستخفاف بمن عداهم، فلما جاءهم هود بإنكار ما هم عليه من الشرك والطغيان عظم عليهم ذلك لأنهم اعتادوا العجب بأنفسهم وأحوالهم فكذبوا رسولهم، فلما كان اغترارهم بقوتهم هو باعثهم على الكفر وكان قولهم: من أشد منا قوة دليلا عليه خص بالذكر»110.
وقوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) هذا تفسير الصاعقة التي أرسلها عليهم، أي: ريحًا باردة شديدة البرد وشديدة الصوت والهبوب.
(ﮪ ﮫ ﮬ) قيل: باردات. وقيل: متتابعات. وقيل: شداد.
(ﮭ) أي: لكي نذيقهم (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) أي: العذاب بالريح العقيم، (ﯕ ﯖ ﯗ) أي: أعظم وأشد، (ﯙ ﯚ ﯛ) 111.
ثم كانت عاقبة المتقين غير عاقبة المغرورين قال الله تعالى عن المتقين الذين استجابوا لدعوة نبيهم، ولم تفتنهم قوة أجسامهم، ولا وفرة أموالهم، ولا كبرياء نفوسهم: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [فصلت: ١٨].
قال الطبري: «فأما عادٌ قوم هود (ﮌ) على ربهم وتجبروا (ﮍ ﮎ) تكبرًا وعتوًّا بغير ما أذن الله لهم به»112.
وفي تفصيل أكثر لغرور قوم هود جاء في سورة الشعراء: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الشعراء: ١٢٣ - ١٣٥].
ولما لم يستجيبوا لنبيهم قال تعالى: (ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الشعراء: ١٣٩].
قال الطبري: «فأهلكنا عادا بتكذيبهم رسولنا. (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) يقول تعالى ذكره: إن في إهلاكنا عادا بتكذيبها رسولها، لعبرة وموعظة لقومك يا محمد، المكذبيك فيما أتيتهم به من عند ربك»113.
وفي الآيات، السابقة من عاقبة المغرورين ما يغني عن الشرح والبيان فإن من عرف الله تعالى لا يأمن مكر الله ومن نظر إلى فرعون وهامان وثمود وماذا حل بهم علم أنه لا مجال في هذه الحياة الدنيا للمغرورين114.
خامسًا: الزهد في الدنيا:
الزهد يصرف النفس عن شهواتها، ويعافيها من أسقامها، ويصحح سلوكها واعتقادها، ويورث النفس الأدب مع الله، والتواضع مع العباد، فحين يزهد المرء في الدنيا ويعلم أن ما فيها نعيم زائل وأن الذي يدوم ما أعده الله للصابرين، فإنه لا يغتر بكل مفاتنها ويقدم مغفرة الله ورضوانه على كل المتاع الزائل.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الحديد: ٢٠].
«(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) أي: مدة الحياة في هذه الدار الدنيا وإنما أراد من صرف حياته في غير طاعة الله فحياته مذمومة، ومن صرف حياته في طاعة الله فحياته خير كلها.
ثم وصفها بقوله: (ﭬ) أي: باطل لا حاصل له كلعب الصبيان.
(ﭭ) أي: فرح ساعة ثم ينقضي عن قريب.
(ﭮ) أي: منظر يتزينون به.
(ﭯ ﭰ) يعني إنكم تشتغلون في حياتكم بما يفتخر به بعضكم على بعض.
(ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) أي: مباهاة بكثرة الأموال والأولاد، وقيل: بجمع ما لا يحل له فيتطاول بماله وخدمه وولده على أولياء الله تعالى وأهل طاعته.
ثم ضرب لهذه الحياة مثلا فقال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) أي: الزرَّاع، إنما سمي الزرَّاع كفارًا؛ لسترهم الأرض بالبذر.
(ﭺ) أي: ما نبت بذلك الغيث.
(ﭻ ﭼ) أي: ييبس (ﭽ ﭾ) أي: بعد خضرته (ﭿ ﮀ ﮁ) أي: يتحطم ويتكسر بعد يبسه ويفنى.
(ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) أي: لمن كانت حياته بهذه الصفة.
قال أهل المعاني: زهد الله بهذه الآية في العمل للدنيا، وهذه صفة حياة الكافرين وحياة من يشتغل باللعب واللهو، ورغب في العمل للآخرة بقوله: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) أي: لأوليائه وأهل طاعته.
وقيل: عذاب شديد لأعدائه، ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه؛ لأن الآخرة إما عذاب وإما جنة.
(ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) أي: لمن عمل لها ولم يعمل للآخرة، فمن اشتغل في الدنيا بطلب الآخرة فهي له بلاغ إلى ما هو خير منه، وقيل: متاع الغرور لمن لم يشتغل فيها بطلب الآخرة»115.
وجاء في سورة يونس تصوير مشابه لآية الحديد السابقة حيث قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [يونس: ٢٤].
أي: إنما مثل ما تباهون في الدنيا وتفاخرون به من زينتها وأموالها، مع ما قد وكل بذلك من التكدير والتنغيص وزواله بالفناء والموت كمطر أرسله الله من السماء إلى الأرض فنبت بذلك المطر أنواعٌ من النبات، مختلطٌ بعضها ثم ييبس ويفنى، فكذلك يأتي الفناء على ما تتباهون به من دنياكم وزخارفها، فيفنيها ويهلكها كما أهلك أمرنا وقضاؤنا نبات هذه الأرض بعد حسنها وبهجتها، حتى صارت كأن لم تغن بالأمس، كأن لم تكن قبل ذلك نباتًا على ظهرها116.
ويعطي القرآن الكريم مثالًا حيًا لمن ملكت الدنيا قلبه، وشغلته عن الآخرة وظن أن الدنيا باقية له في قصة صاحب الجنة الذي نصحه صاحبه المؤمن غير أنه لم يرعوي، فماذا كانت النتيجة.
قال تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [الكهف: ٤١ - ٤٥].
وبعد أن قص القرآن الكريم علينا قصة ذلك المغرور بين لنا مثل الحياة الدنيا على الوجه الذي سبق بيانه في الآيتين السابقتين، ووجه التناسب بين قصة صاحب الجنة وبين الكلام عن تصوير سرعة ذهاب الحياة الدنيا أن الدنيا لا متعلق فيها لأحد، وأنه لا ينبغي لعاقل أن يتشبث فيها، ومن التناسب أيضا أن الآية التي تليها تتكلم عن زينة المال والأولاد، وأنهما زينة الحياة الدنيا وترشد إلى الالتفات إلى الباقيات الصالحات، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الكهف: ٤٦].
ومن جمال التناسب أيضا أن ما ولي هذه الآيات كان الكلام فيه عن الحشر والعرض والحساب يوم القيامة، في لفتة تنقل الإنسان من متاع زائل إلى يوم الخلود والبقاء.
سادسًا: تذكر الموت:
إن تذكر الموت يثني الإنسان عن الاغترار في كل متاع زائل، فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر هادم اللذات)، يعني الموت117.
وقد اقترن ذكر الموت مع تذكير الله تعالى للناس بأن الدنيا متاع الغرور، وذلك حتى يعلم الإنسان إذا تعلقت نفسه في الدنيا أنه ميت وأن أيامه في الدنيا معدودة فلا يغتر بها ويستعد للقاء الله.
قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [آل عمران: ١٨٥].
لا بد من أن يستقر في النفس حقيقة أن الحياة في هذه الأرض موقوتة، محدودة بأجل ثم تأتي نهايتها حتما يموت الصالحون ويموت الطالحون. يموت المجاهدون ويموت القاعدون. يموت المستعلون بالعقيدة ويموت المستذلون للعبيد. يموت ذوو الاهتمامات الكبيرة والأهداف العالية، ويموت التافهون الذين يعيشون فقط للمتاع الرخيص.
الكل يموت كل نفس تذوق هذه الجرعة، وتفارق هذه الحياة لا فارق بين نفس ونفس في تذوق هذه الجرعة من هذه الكأس الدائرة على الجميع.
(ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) إنها متاع، ولكنه ليس متاع الحقيقة، ولا متاع الصحو واليقظة إنها متاع الغرور. المتاع الذي يخدع الإنسان فيحسبه متاعًا. أو المتاع الذي ينشئ الغرور والخداع! فأما المتاع الحق. المتاع الذي يستحق الجهد في تحصيله فهو ذاك هو الفوز بالجنة بعد الزحزحة عن النار. وعندما تكون هذه الحقيقة قد استقرت في النفس. عندما تكون النفس قد أخرجت من حسابها حكاية الحرص على الحياة -إذ كل نفس ذائقة الموت على كل حال- وأخرجت من حسابها حكاية متاع الغرور الزائل. عندئذ يحدث الله المؤمنين عما ينتظرهم من بلاء في الأموال والأنفس118.
وفي آية الأنبياء قرن الله تعالى تذكير الناس بالموت بمسألة الابتلاء، وأعقبه تذكير الناس بالرجوع لله رب العالمين.
قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ) [الأنبياء: ٣٥].
ربما لأن الموت ابتلاء لأقارب الميت من الأحياء، والتذكير بالرجعة إليه حتى ينزع الدنيا من قلوب العباد، فهو موت ثم رجعة إلى الله، فماذا بقي من نعيم الدنيا؟.
موضوعات ذات صلة: |
الاستكبار، الشيطان، العجب |
1 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/١٢- ١٣.
2 مختار الصحاح، الرازي ص ٢٢٥.
3 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٤/٥٤.
4 الصحاح، الجوهري ٢/٧٦٨.
5 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٦٠٤، وذكر هذا أيضًا الفيروزآبادى في بصائر ذوي التمييز ٤/١٢٩.
6 إحياء علوم الدين، الغزالي ٣/٣٧٩.
7 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٩٨.
8 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٧/٢٨.
9 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، عبد الله جلغوم، باب الغين، ص٨٤٧.
10 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي، ٤/١٢٩.
11 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١/١١١، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ١/١٣٢.
12 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ١٥٢.
13 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص ٢٥٩.
14 انظر، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٦٤٣.
15 الكليات، الكفوي ص ٩٤٣.
16 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ٢٥٥، مقاليد العلوم في الحدود والرسوم، السيوطي، ص ١٢٨.
17 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص ٢٥٩.
18 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/١٥٣-١٥٤.
19 المفردات ص٥٤٥.
20 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١/٥٨٢.
وانظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٢٤٣، المصباح المنير، الفيومي ٢/٣٩٣، تاج العروس، الزبيدي ٣/٣١٨.
21 البحر الزخار، ٦/٤٩٠ .
22 انظر: درر السلوك في سياسة الملوك، الماوردي ص ٦٠.
23 انظر: تفسير السمرقندي ١/٢٠٣، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٢٨.
24 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٢٩٢، تفسير ابن أبي حاتم، ٢/٦٢٣، لباب التأويل، الخازن ١/٢٣٥.
25 جامع البيان، الطبري ٦/٢٩٢.
26 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٢٩٢، لباب التأويل، الخازن ١/٢٣٥ .
27 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ٩/١٦٠، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/١٢٦.
28 انظر: جامع البيان، الطبري ٧/٤٥٣.
29 المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٥٥٠.
30 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٥٣.
31 جامع البيان، الطبري ٧/٤٥٣.
32 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بابٌ: ومن سورة آل عمران، رقم ٣٠١٣، ٥/٢٣٢.
وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح».
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١١٢٧، رقم ٦٦٣٥.
33 تفسير السمرقندي ٣/٣١.
34 انظر: أصناف المغرورين، الغزالي ص ٢٦.
35 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٦١٧، زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٥١٤.
36 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/١٨٨-١٨٩ .
37 انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، ابن القيم ١/١١٤، لباب التأويل، الخازن ٢/١٨٩.
38 البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ١٠/١٠٧.
39 انظر: تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٤٤٠، جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٣٩.
40 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٣٠٢.
41 انظر: البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ١٠/١٠٧، فتح القدير، الشوكاني ٥/٢٠٥.
42 التفسير البسيط، الواحدي ٧/١٠٥.
43 جامع البيان، الطبري ٩/٢٢٤.
44 انظر: المصدر السابق ٩/٢٢٥.
45 التفسير الوسيط، الواحدي ٣/٤٤٧.
46 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/٢٩٥.
47 انظر: تفسير السمعاني ٦/١٧٣، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٤١٠.
48 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٢٠/١٩٦.
49 انظر: أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل، الرازي، ص ٥٦٢.
50 التفسير البسيط، الواحدي ٣/٢٤٥.
51 انظر: أصناف المغرورين، الغزالي ص ٢٩، إحياء علوم الدين، الغزالي، ٣/٣٨٤.
52 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٤٠٠.
53 جامع البيان، الطبري ٢٣/١٩٣.
54 تفسير السمرقندي ٣/٤٠٨.
55 انظر: الزهد، نعيم بن حماد ٢/٣٥، معالم التنزيل، البغوي ٣/٥٩٣.
56 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٤٦٣.
57 لطائف الإشارات، القشيري ٣/٣٣٨.
58 تفسير التستري ص١٩.
59 تفسير السمعاني ٢/٤٢٦.
60 تفسير المنار، محمد رشيد رضا ١٢/٥٩.
61 الصحاح، الجوهري ٦/٢٢٨١.
62 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٨/١٧٩، البارع في اللغة، أبو علي القالي، ص٤٣٧.
63 مختار الصحاح، الرازي ص٢٦٥.
64 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٤٩.
65 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/١٤، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/٣٢٦.
66 فتح البيان في مقاصد القرآن، صديق خان ٧/٣٠٣.
67 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب النهي عن البغي، رقم ٤٩٠٢، ٧/٢٦٣، والترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ٤/٦٦٥.
قال الترمذي: هذا حديثٌ صحيحٌ.
68 انظر: تفسير المراغي ١١/٩١.
69 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ١٧/٤٤٧، أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٨٥، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٥/١٣.
70 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٩/١٣٥.
71 لباب التأويل، الخازن ٢/٢٠٥.
72 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٢٠٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/١٩٤.
73 جامع البيان، الطبري ١٢/٤٧٥.
74 المصدر السابق ١١/٤٤١.
75 التفسير البسيط، الواحدي ٨/٢١٤.
76 تفسير السمرقندي ١/٤٥٨.
77 انظر: لباب التأويل، الخازن ٤/٢٤٩.
78 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ٩/١٦٠، لباب التأويل، الخازن ٢/٢٠٥.
79 صيد الخاطر، ابن الجوزي ص٤٠٢ .
80 الكشاف، الزمخشري ٤/٤٧٦.
81 جامع البيان، الطبري ٢٣/١٨٥.
82 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٩/٤٧٢.
83 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/١٩٢.
84 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٥١.
85 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١/٤٧٢، فتح القدير، الشوكاني ١/٥٩٦.
86 جامع البيان، الطبري ١٢/٤٧٥.
87 انظر: جامع البيان، الطبري ١٢/٤٧٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٤٢٤.
88 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزهد والرقاق، رقم ٢٩٦٨، ٤/٢٢٧٩.
89 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٤/٢٤٥.
90 انظر: التفسير البسيط، الواحدي ٨/٢١٩، المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/٣٠٥.
91 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٢٦٥.
92 انظر: تفسير مجاهد ص ٣٤٦، جامع البيان، الطبري ١٣/٢١٢، تفسير ابن أبي حاتم ٥/١٦٠٧، تفسير ابن زمنين ٢/١٥١، تفسير السمرقندي ١/٥٦٢.
93 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في صفة أواني الحوض رقم ٢٤٥٩، ٤/٦٣٨، وابن ماجه في سننه كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، رقم ٤٢٦٠، ٢/١٤٢٣ وأحمد في مسنده ٢٨/٣٥٠.
وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، رقم ٥٣١٩، ١١/٤٩٩.
94 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ٧/٩٦.
95 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣١٢٩.
96 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٣/٢٤٢.
97 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٢٧.
98 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٣/٤٤٦، تفسير السمرقندي ٣/٤٦٢، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/٢٥٦.
99 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٥٩٥.
100 المصدر السابق ص ٥٩٦.
101 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/١٠١.
102 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاعتكاف، باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، رقم ٢٠٣٨، ٣/٥٠.
103 لباب التأويل، الخازن ٣/٢٨٩.
104 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٣٤، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٦٧.
105 حجة القراءات، ابن زنجلة ص ٢٥٦، النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ٢/٢٥٩.
106 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٠٣٥.
107 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦٢٤.
108 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٧١٣.
109 معالم التنزيل، البغوي ٢/٢٠٤.
110 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/٢٥٦.
111 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٥/٣٤٧.
112 جامع البيان، الطبري ٢١/٤٤٤.
113 المصدر السابق ١٩/٣٧٩.
114 أصناف المغرورين، الغزالي ص ٢٨.
115 لباب التأويل، الخازن ٤/٢٥٠.
116 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/٥٥- ٥٦ .
117 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر الموت والاستعداد له، رقم ٤٢٥٨، ٢/١٤٢٢، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح رقم ١٦٠٧، ١/٥٠٤.
118 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٥٣٨- ٥٣٩.