عناصر الموضوع
غزوة الأحزاب
أولًا: أسماؤها:
لقد سميت غزوة الأحزاب بذلك الاسم، بسبب اجتماع أحزاب وطوائف من المشركين فيها لمحاربة المسلمين، وعلى رأسهم قريش وغطفان ومعهم اليهود1، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى اسم الأحزاب في قوله: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الأحزاب: ٢٢].
وسميت أيضًا بغزوة الخندق؛ لأنه عندما علم المسلمون بقدوم الأحزاب استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، فأشار سلمان الفارسي رضي الله عنه عليه بحفر خندق حول المدينة يحول بينهم وبين الأحزاب ففعلوه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم2.
وقد وردت هذه التسمية على ألسنة الصحابة رضي الله عنهم، حيث روي عن عبد الرحمن وهو ابن عبد الله بن دينار، عن أبيه، أن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «أول يوم شهدته يوم الخندق»3، وعن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء بن عازب يحدث، قال: «لما كان يوم الأحزاب، وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته ينقل من تراب الخندق، حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه»4.
ثانيًا: حكمة تسمية سورة باسمها:
لما تحزب المشركون من قريش وغطفان وبعض العرب ويهود بني قريظة، واجتمعوا لغزو المسلمين في المدينة، وقد رد الله كيدهم وكفى الله المؤمنين القتال في غزوة الأحزاب، ذكر الله سبحانه وتعالى تفاصيل هذه الغزوة وقصتها في سورة سميت بسورة الأحزاب، ولما كانت غزوة الأحزاب حدًا فاصلًا لمرحلة جديدة، أعلن فيها النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن يأتي أحد بعد هذه الغزوة ليغزو المسلمين، بل هم سيقومون بغزو أعدائهم، حيث روي عن سليمان بن صرد، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: (نغزوهم، ولا يغزوننا)5.
ونصر الله سبحانه وتعالى في الغزوة نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين وأيدهم بجنوده من الملائكة الكرام والريح والخندق.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الأحزاب: ٩].
فكانت غزوة الأحزاب معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذلك سميت سورة باسمها تأييدًا للنبي صلى الله عليه وسلم وتخليدًا لهذه الغزوة، وبيانًا لأحداثها، ولما فيها من دروس وعبر للمؤمنين، وهذا من أعظم مقاصد القرآن الكريم6.
ثالثًا: زمان الغزوة ومكانها:
فأما زمان الغزوة: فذهب جمهور أهل السير والمغازي على أن غزوة الأحزاب كانت في شهر شوال من السنة الخامسة من الهجرة7، وذهب إلى هذا القول ابن سعد، وابن إسحاق، والواقدي، والطبري، وابن كثير8، وغيرهم.
وذهب طائفة من العلماء إلى أنها في السنة الرابعة من الهجرة، منهم الزهري، ومالك بن أنس، وموسى بن عقبة9، وابن حزم، والنووي10.
والذي يرجح هو رأي الجمهور، وهو ما رجحه ابن القيم فقال: «وكانت سنة خمسة من الهجرة في شوال على أصح القولين، إذ لا خلاف أن أحدًا كانت في شوال سنة ثلاث، وواعد المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام المقبل، وهو سنة أربع، ثم أخلفوه لأجل جدب تلك السنة، فرجعوا، فلما كانت سنة خمس جاؤوا لحربه، هذا قول أهل السير والمغازي»11.
وأما مكان الغزوة: فحدثت غزوة الأحزاب على مشارف المدينة المنورة، وقد حفر المسلمون الخندق على مشارفها وتحصنوا في المدينة للدفاع عنها، وكان حفر الخندق بإشارة من سلمان الفارسي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولمـا قبل النبي صلى الله عليه وسلم هذه المشورة تم حفر الخندق في السهل الواقع شمال غرب المدينة، وهو الجانب المكشوف الذي يخاف منه اقتحام العدو، حيث هذه المنطقة هي المنطقة الوحيدة المكشوفة من المناطق المحيطة بالمدينة المنورة؛ إذ أن جهات المدينة الأخرى محاطة بالبساتين الكثيفة والعوارض الطبيعية الأخرى، وذلك يحول دون إمكان إجراء القتال بقوات كبيرة في أطراف المدينة عدا الشمالية منها12.
وقد تجمعت جيوش الأحزاب حول المدينة، وجعل المسلمون ظهورهم إلى جبل سلع استعدادًا للقاء الأعداء والخندق بينهم13.
إن تحركات المسلمين المتواصلة في مختلف أنحاء شبه الجزيرة العربية، وتحديهم المستمر لقريش، وتهديدهم لطرق تجارتها، قد هيأت الظروف لتحالف المشركين مع اليهود لاجتثاث المسلمين من قاعدتهم المدينة، فإن قريشًا كانت تفكر بحملة عسكرية ضد الوجود الاسلامي، وتود لو أتيحت لها الفرصة للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام، وقد أتتهم الفرصة حينما اتصل بهم زعماء يهود بني النضير داعين قريشًا لحرب المسلمين14.
وكان يهود بني النضير وبني قينقاع الذين أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مغيظين، خرجوا وهم يحملون معهم أحقادهم على المسلمين، فما أن استقروا بخيبر حتى أخذوا يرسمون الخطط للانتقام من المسلمين ويسعون بكل ما في وسعهم للقضاء عليهم، فاتفقت كلمتهم على التوجه إلى القبائل العربية المختلفة لتحريضها على حرب الإسلام، وكونوا لهذا الغرض الخبيث وفدًا يتكون من سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، ونفر من وائل وتوجهوا إلى قريش. وقد نجح الوفد نجاحًا كبيرًا في مهمته حيث وافقت قريش التي كانت تنتظر الفرصة بعد الحصار الاقتصادي المضروب عليها من المسلمين، ووافقت غطفان طمعًا في خيرات المدينة وفي السلب والنهب، وتابعتهم قبائل أخرى، فتعاقدوا جميعًا، والتقى قصد قوى الشر في القضاء على الإسلام، وقد شهدوا أن الشرك خير من الإسلام، حتى نزلت في حقهم الآية الكريمة: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)[النساء: ٥١-٥٢]15.
وقد بين الطبري في تفسيره أن هذه الآية وصف من الله سبحانه وتعالى للذين أوتوا نصيبًا من الكتاب من اليهود بتعظيمهم غير الله بالعبادة، وتفضيلهم أهل الكفر بالله على أهل الإيمان به، وقولهم أن دين أهل التكذيب لله ولرسوله، أعدل وأصوب من دين أهل التصديق لله ولرسوله. وذكر آراء العلماء في سبب نزول الآية، وخلص إلى القول بأن ذلك خبر من الله سبحانه وتعالى عن جماعة من أهل الكتاب من يهود، وجائز أن يكون حييًا وآخر معه إما كعبًا وإما غيره16.
أولًا: مجيء الأحزاب وحصارهم المدينة:
لقد تجمعت الأحزاب لحرب المسلمين، فخرجت قريش وغطفان وغيرهم من القبائل، وقد تولى قيادة جموع الأحزاب أبو سفيان، وكان عددهم عشرة آلاف مقاتل، بينما كان عدد جيش المسلمين ثلاثة آلاف فقط، وخرجت يهود بني النضير ونقضت بني قريظة العهد، وقد تفاجأت الأحزاب بالخندق، وما كان أمامهم إلا أن يرابطوا أمامه، وأصبحت المدينة واقعة تحت حصار جموع الأحزاب17.
ولقد تحدث القرآن الكريم عن خروج الأحزاب وحصارهم المسلمين، ووصف الحالة التي أصابت المسلمين من فزع وجزع وخوف في تلك المحنة الرهيبة.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ)[الأحزاب: ٩-١١].
الآيات تشير إلى خروج قوات الأحزاب ومحاصرتهم المدينة، فقوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ) أي: جاءتكم جنود الأحزاب من قريش وغطفان وبني النضير وغيرهم، ونكر (ﭷ) لتفيد الكثرة، حيث جاؤوهم إلى المدينة من فوقهم أي: من فوق الوادي من قبل المشرق، ومن أسفل منهم أي: من بطن الوادي من قبل المغرب، فحاصر العدو المسلمين، حتى أصاب المسلمين الخوف والرعب، وتنوعت الظنون، وكثرت الهواجس.
ووصفت الآيات حالهم بتصوير بديع للهول الذي أصابهم، بأن زاغت الأبصار أي: عدلت عن مقرها وشخصت، وزالت القلوب عن أماكنها حتى بلغت الحناجر والحلقوم من شدة الخوف والفزع، فمن المعلوم أن من خاف وجبن تنتفخ رئته فترفع القلب الى الحنجرة، فزلزلوا واضطربت قلوبهم، وبلغوا غاية الضيق والشدة، وهذا ابتلاء واختبار من الله للمسلمين ولإيمانهم، وتمحيص للقوم؛ ليعرف المؤمن من المنافق، وراسخ الإيمان من المتزلزل18.
يقول سيد قطب في تصوير المشهد: «إنها صورة الهول الذي روع المدينة، والكرب الذي شملها، والذي لم ينج منه أحد من أهلها، وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب، من أعلاها ومن أسفلها. فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب، وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب، وظنها بالله، وسلوكها في الشدة، وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج، ومن ثم كان الابتلاء كاملًا والامتحان دقيقًا، والتمييز بين المؤمنين والمنافقين حاسمًا لا تردد فيه»19.
وعلل الإمام الرازي هذا الابتلاء بقوله: «عند ذلك امتحن الله المؤمنين فتميز الصادق عن المنافق، والامتحان من الله ليس لاستبانة الأمر له، بل لحكمة أخرى وهي أن الله سبحانه وتعالى عالم بما هم عليه؛ لكنه أراد إظهار الأمر لغيره من الملائكة والأنبياء، كما أن السيد إذا علم من عبده المخالفة وعزم على معاقبته على مخالفته، وعنده غيره من العبيد وغيرهم، فيأمره بأمر عالمًا بأنه يخالفه، فيبين الأمر عند الغير، فتقع المعاقبة على أحسن الوجوه، حيث لا يقع لأحد أنها بظلم أو من قلة حلم»20.
ثانيًا: موقف المؤمنين عند رؤية الأحزاب:
لقد كان موقف المؤمنين مشرفًا، وكان ظنهم بالله قويًّا، حيث بين الله سبحانه وتعالى موقف المؤمنين حين لقاء الأحزاب فقال: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [الأحزاب: ٢٢].
أي: وحين رأى المؤمنون وعاينوا جموع الأحزاب والكفار قد قدموا لمواجهة المدينة، ومحاربة الإسلام، لم يهنوا، بل قالوا على سبيل التسليم لأمر الله سبحانه وتعالى، والتصديق بوعده (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر القريب21.
فمن يثبت ويصبر حين الابتلاء ينال نصر الله سبحانه وتعالى، هذا وعد الله للمؤمنين في كل زمان ومكان.
إن الإيمان العميق والتربية النبوية جعلت المؤمنين يصمدون أمام الأخطار، فازدادوا إيمانًا، وأيقنوا أن نصر الله لابد أن يكون، فاستحقوا شهادة الله لهم بصدق إيمانهم، حيث قال تعالى: (ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ)22.
قال الطبري: «الذي وعدهم بقوله: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة: ٢١٤].
فأحسن الله عليهم بذلك من يقينهم، وتسليمهم لأمره الثناء، فقال: وما زادهم اجتماع الأحزاب عليهم إلا إيمانًا بالله سبحانه وتعالى وتسليمًا لقضائه وأمره، ورزقهم به النصر والظفر على الأعداء»23.
وهذا شأن المؤمن دائمًا أن يزداد إيمانًا مع كل آية من آيات الله سبحانه وتعالى، وأن يصدق بما وعد الله عباده المؤمنين، ويسلم لأمره وقضائه.
هكذا بين لنا القرآن موقف المؤمنين حين مواجهة عدوهم، ورسم لنا صورتهم المشرقة في مواجهة الهول والخطر، صورة وضيئة في وسط الظلام، مطمئنة في وسط الزلزال، واثقة بالله، راضية بقضاء الله، مستيقنة من نصر الله، بعد كل ما كان من خوف وبلبلة واضطراب، فكانوا نموذجًا فريدًا في تاريخ البشرية لم يعرف له نظير، فكانوا قدوة للمؤمنين في كل زمان ومكان، فعلينا ألا نيأس من أنفسنا ومن ضعف أمتنا، بل علينا أن نستمسك بالعروة الوثقى، عروة السماء، ونزيد من إيماننا، لننهض من الكبوة، ونسترد الثقة والطمأنينة، ونتخذ من الزلزال بشيرًا بالنصر، فنثبت ونستقر، ونقوى ونطمئن، ونسير في الطريق، حتى نحقق النصر والعزة والرفعة24.
ثالثًا: موقف المنافقين في الغزوة:
لقد بين القرآن الكريم موقف المنافقين في غزوة الأحزاب، حيث كشفت الآيات صفاتهم ومواقفهم المخزية، وما تولد عن نفاقهم من جبن في القلوب وتخاذل في الميدان، وانعدام ثقة بالله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وفرار من الموت لضعف اعتقادهم، وتثبيط الآخرين لترك مواقعهم.
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)[الأحزاب: ١٢-٢٠].
تفصل الآيات موقف المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويخفون الكفر، أصحاب القلوب المريضة والمليئة بالشبهات والشهوات، وتبين مقالتهم الشنيعة (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) أي: ما وعدنا الله إلا باطلًا من القول وخداعًا، ففي هذه المقولة تشكيك في وعد الله، واتهام للنبي بالخداع، وبيان كفرهم بإنكارهم وعد الله الصادق فيما وعدهم من النصر25.
فالمنافقون لم يكن لهم دافع للقتال لعدم إيمانهم، فمنهم من بدأ يثبط المؤمنين، ويطلب منهم الرجوع إلى المدينة، وقسم آخر يستأذن من الرسول صلى الله عليه وسلم للرجوع إلى المدينة، ويسوق أعذارًا واهية وكاذبة بادعاء أن بيوتهم عورة أي: مكشوفة على الأعداء، وقد نفى القرآن أن يكون كلامهم صحيحًا فقال: (ﯟ ﯠ ﯡ) وبين أن هدفهم هو سوق العذر أيًا كان بهدف الفرار من المعركة، وترك المسلمين في أشد الظروف وأحوجها26.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الأحزاب: ١٣].
«ونستفيد من هذه الآية أن موقف المنافقين كان سلبيًا، بل كانوا مرجفين، فهم بدلًا من المساعدة قاموا بأشد مما قام به الأحزاب، حيث انسحبوا في أحلك الأوقات ناشرين الأراجيف في الجيش الإسلامي بأن لا مقام لهم، وأن بيوتهم مكشوفة، ومعروف أن الأراجيف لها أثر كبير في هزيمة الجيوش، وهي أشد من وقع السيوف؛ وذلك لأنها تهبط الحالة المعنوية للجيش فيصيبه الخور والضعف»27.
وتستمر الآيات في كشف وفضح المنافقين، وبيان صفاتهم، (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الأحزاب: ١٤].
«يخبر سبحانه وتعالى عن هؤلاء الذين (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) أنهم لو دخل عليهم الأعداء من كل جانب من جوانب المدينة، وقطر من أقطارها، ثم سئلوا الفتنة، وهي الدخول في الكفر، لكفروا سريعًا، وهم لا يحافظون على الإيمان، ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع، هكذا فسرها قتادة، وعبد الرحمن بن زيد، وابن جرير، وهذا ذم لهم في غاية الذم»28، وهذا دليل واضح على ضعف الإيمان في نفوسهم، فلا عجب من تراجعهم وتسللهم من المعركة، فهذه سمة المترددين الجبناء الذين اعتادوا على الهرب من مواقف الصمود29.
هكذا المنافقون سريعو الغدر والارتداد عن الدين، وتركهم للمسلمين بدون تردد، فغدرهم ونقضهم للعهود من صفاتهم المتأصلة، لذلك قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [الأحزاب: ١٥].
فهم كانوا قد عاهدوا الله قبل المعركة ألا يهربوا منها، إلا أنهم خانوا العهد، وسيسألهم الله عن ذلك، وقد ذكر الطبري أن المقصود فعل بني حارثة في الخندق بعد أن هربوا يوم أحد، ثم عاهدوا الله ألا يعودوا، وقد عادوا30.
ثم يقرر القرآن الكريم أن الأجل معلوم عند الله سبحانه وتعالى، لا يستطيع أحد أن يفر أو يهرب منه، ولا أحد يستطيع أن يعصم أحدًا أو يمنعه من وقوع قضاء الله عليه.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ)[الأحزاب: ١٦، ١٧].
ففي هذه الآيات أمر من الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمنافقين بأن فرارهم من القتال لن يؤخر آجالهم، ولن يطيل في أعمارهم، ولن ينجيهم من الموت، وإن توهموا أنهم نجوا مؤقتًا فسيأتيهم أجل الله، ولا أحد يستطيع أن يمنع عنهم قدر الله، فقدره لابد آت، فمن الذي يمنعهم من الله إن أراد لهم سوءًا في أنفسهم -أي: شرًا وهزيمة- أو عافية وسلامة ونصرًا؟ لن يجد هؤلاء المنافقون إن أراد الله بهم سوءًا في أنفسهم وأموالهم من يليهم بالكفاية أو ينصرهم من الله فيدفع عنهم ما أراد الله بهم من سوء ذلك، فهذه دعوة لهم ليمتثلوا طاعة المنفرد بالأمور كلها، الذي نفذت مشيئته، ومضى قدره، ولم ينفع مع ترك ولايته ونصرته، وليٌ ولا ناصر 31.
ويقرر الله سبحانه وتعالى أنه عليم بالمرجفين من المنافقين وبأفعالهم وصفاتهم القبيحة، (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)[الأحزاب: ١٨].
فالحق سبحانه وتعالى يعلم المثبطين للمؤمنين عن القتال في سبيل الله، والقائلين لإخوانهم اتركوا ساحة القتال والتحقوا بنا في المدينة32.
«قال المفسرون: هؤلاء قوم من المنافقين كانوا يثبطون أنصار النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم قالوا لهم: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحمًا لالتقمهم أبو سفيان وحزبه، فخلوهم وتعالوا إلينا»33.
وهؤلاء لا يأتون البأس إلا قليلًا أي: لا يشهدون القتال إن شهدوا إلا تعذيرًا ودفعًا عن أنفسهم34.
فالمنافقون لم يكتفوا بالانسحاب والفرار من المعركة، بل قاموا بالتثبيط والإرجاف في الجيش، والدعوة للتمرد والانسحاب عن الجبهة وترك النبي صلى الله عليه وسلم وحده35.
وتتابع الآيات بيان صفاتهم القبيحة عند الخوف والأمن، (ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ)[الأحزاب: ١٩].
من صفاتهم أنهم أشحة « والشح: البخل بما في الوسع مما ينفع الغير، وأصله عدم بذل المال، ويستعمل مجازًا في منع المقدور من النصر أو الإعانة، والمعنى: يمنعونكم ما في وسعهم من المال أو المعونة، أي: إذا حضروا البأس منعوا فائدتهم عن المسلمين ما استطاعوا، ومن ذلك شحهم بأنفسهم وكل ما يشح به»36.
وقد بين القرطبي عدة معانٍ مقصودة من صفة الشح على المؤمنين، ذكرت عند السلف وهي: البخل في حفر الخندق، وفي النفقة في سبيل الله، وبالقتال معهم، وبالنفقة على فقرائهم ومساكينهم، وبالغنائم إذا أصابوا37.
قال الطبري: «إن الله وصف هؤلاء المنافقين بالجبن والشح، ولم يخصص وصفهم من معاني الشح، بمعنى دون معنى، فهم كما وصفهم الله به: أشحة على المؤمنين بالغنيمة والخير والنفقة في سبيل الله، على أهل مسكنة المسلمين»38.
والصفة الأخرى للمنافقين التي بينتها الآية السابقة وهي الجبن الشديد عند رؤية الأعداء، (ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) فهم من خوفهم الشديد من القتال، وجبنهم الذي خلع قلوبهم، إذا أقبل العدو يصيبهم الهلع، فينظرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وتدور أعينهم يمينًا وشمالًا، كدوران عين الذي يغشى عليه من سكرات الموت حذرًا وخورًا ولواذًا.
وإذا ما انتهى القتال وذهب الخوف آذوا المؤمنين، وخاصموهم بكلام مستكره، وألسنة سلطة، طعنًا وذمًّا خاطبوهم، بكلام حديد، ودعاوى غير صحيحة39.
(ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) «قال قتادة: ومعناه بسطوا ألسنتهم فيكم في وقت قسمة الغنيمة، يقولون: أعطنا أعطنا، فإنا قد شهدنا معكم، فعند الغنيمة أشح قوم وأبسطهم لسانًا، ووقت البأس أجبن قوم وأخوفهم، قال النحاس: هذا قول حسن؛ لأن بعده: أشحة على الخير»40.
فهم أشحة على الخير أي: هم بخلاء حريصون على مال الغنائم إذا ظفر المؤمنون، فيشاحون المؤمنين على الغنيمة ويطلبون منها41.
يقول الزمخشري: «فإذا ذهب الخوف وحيزت الغنائم ووقعت القسمة، نقلوا ذلك الشح عليكم إلى الخير -وهو المال والغنيمة- ونسوا تلك الحالة الأولى، واجترؤوا عليكم وضربوكم بألسنتهم وقالوا: وفروا قسمتنا فإنا قد شاهدناكم وقاتلنا معكم، وبمكاننا غلبتم عدوكم وبنا نصرتم عليه»42، ولأن المنافقين لم يؤمنوا، وأظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، أبطل الله أعمالهم وأحبطها، وهذا الأمر سهل هين على الله43.
ومن صفات المنافقين أنهم من شدة الخوف والجبن يحسبون الأحزاب لم يذهبوا لقتال المؤمنين، ويتمنوا أنه إذا أتى الأحزاب مرة أخرى وحاصروا المدينة أن يكونوا حينها قد خرجوا إلى البادية مع الأعراب وليسوا في المدينة خوفًا من القتل، وحتى لا ينالهم أذى، ويتمنون أن يسمعوا أخباركم بهلاككم، ولو كانوا في المعركة ما قاتلوا معهم إلا قليلًا لا وزن له، أي: تعذيرًا، لأنهم لا يقاتلون حسبة ولا رجاء ثواب.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الأحزاب: ٢٠]44.
هذه هي صفات المنافقين، فالمنافق مريض القلب والنفس، يظن بالله ورسوله ظن السوء، ولا يقاتل عن عقيدة، فينتهز أي فرصة للهروب من أي مهمة صعبة، وللتنصل من الواجبات، بل وتثبيط الآخرين، ويتصف بالشح وعدم حب الخير للآخرين، وخيانة العهود45.
إن هذه الصفات التي ذكرها الله عن المنافقين تنطبق على منافقي كل زمان ومكان «فهم نموذج مكرر في الأجيال والجماعات على مدار الزمان»46.
فلنتعرف على صفاتهم لنحذر منها ونعرف عدونا، فالآيات الكريمة كشفت صفاتهم لتحذر منهم.
يقول سيد قطب: «وبهذا الخط ينتهي رسم الصورة، صورة ذلك النموذج الذي كان عائشًا في الجماعة الإسلامية الناشئة في المدينة، والذي ما يزال يتكرر في كل جيل وكل قبيل، بنفس الملامح، وذات السمات ينتهي رسم الصورة وقد تركت في النفوس الاحتقار لهذا النموذج، والسخرية منه، والابتعاد عنه، وهوانه على الله وعلى الناس، ذلك كان حال المنافقين والذين في قلوبهم مرض والمرجفين في الصفوف، وتلك كانت صورتهم الرديئة»47.
أولًا: وصف عام للغزوة:
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[الأحزاب: ٩].
في هذه الآية الكريمة وصف عام للغزوة، حيث يذكر الله سبحانه وتعالى فيها المؤمنين بنعمته عليهم، ويمتن عليهم، إذ صرف عنهم أعداءهم، حين جاءت جنود الأحزاب وتجمعت لإبادتهم، والقضاء عليهم، واستئصال شوكتهم، فأرسل الله على الأحزاب ريحًا، وملائكة لم يروها، فزلزلتهم، وألقت الرعب في قلوبهم، وقلعت خيامهم، وكفأت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، وسفت التراب في وجوههم، فكان للملائكة دور كبير في نجدة المسلمين، وكانت الريح أبرز الجنود التي حسمت المعركة48.
عن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور)49.
«وفي هذه الآونة الشديدة وقع ثقل المقاومة على المؤمنين الخلص، الذين كانت قلوبهم عامرة بالإيمان، ونفوسهم في سبيل الدفاع عن الحق أشد من الصخرة صلابة وقوة، ولما وقف المؤمنون الموقف المشهود، ودافعوا دفاع الأبطال، وابتلاهم الله، فوقفوا وصبروا وصابروا أراد ربك أن يصرف عنهم السوء، وأن يتم نعمته عليهم ويكفيهم شر القتال على أحسن صورة وأكمل وضع، فألقى في قلوب المشركين الخوف»50.
وكان الله مطلعًا على المؤمنين، عليمًا بجميع أعمالهم، من حفر الخندق ومقاساة الشدائد، والاستعداد للقتال، والتحرز من العدو، وهو يجازيهم عليها51.
يقول سيد قطب في بيان الآية السابقة: «يجمل في الآية الأولى طبيعة ذلك الحادث، وبدءه ونهايته، قبل تفصيله وعرض مواقفه؛ لتبرز نعمة الله التي يذكرهم بها، ويطلب إليهم أن يتذكروها وليظهر أن الله الذي يأمر المؤمنين باتباع وحيه، والتوكل عليه وحده، وعدم طاعة الكافرين والمنافقين، هو الذي يحمي القائمين على دعوته ومنهجه، من عدوان الكافرين والمنافقين.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)[الأحزاب: ٩].
وهكذا يرسم في هذه البداءة المجملة بدء المعركة وختامها، والعناصر الحاسمة فيها مجيء جنود الأعداء، وإرسال ريح الله وجنوده التي لم يرها المؤمنون، ونصر الله المرتبط بعلم الله بهم، وبصره بعملهم»52.
ثانيًا: نهاية الغزوة:
قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)[الأحزاب: ٢٥].
لقد نصر الله المؤمنين وأعزهم، ورد الكافرين من قريش وغطفان واليهود والأحزاب جميعًا، ردهم خائبين خاسرين بكربهم وغمهم وغيظهم، لم يشفوا صدرًا ولم يحققوا أمرًا، فلم ينالوا ما كانوا يأملونه من الظفر على المؤمنين، أو أي خير من غنيمة أو أسر أو نصر، وكفى الله المؤمنين القتال؛ بأن أرسل على الأحزاب الريح والملائكة، فتفرقت جموعهم، وتشتت شملهم، وأوقع الرعب في نفوس الأحزاب، وثبت قلوب المؤمنين على الحق حتى جاءهم النصر من عند الله العزيز الحكيم، فالفضل بالنصر كله لله، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده53.
وقد روي من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، فلا شيء بعده)54.
«الله أكبر وأعظم به من نصر، الله أكبر وأعظم بها من معركة، سلاحها الفتاك هو الريح والملائكة والرعب، فمن كان معه الله سخر له ما يشاء، نصر الله المؤمنين بالرغم من إتيان الأعداء من كل الجهات فحاصروا المدينة المنورة حصارًا شديدًا، أتى النصر من الله البصير بأعمال المؤمنين الصادقين في نصرة دينه، وذلك بعد أن اشتد الامتحان وعظم، فزاغت الأبصار واضطربت القلوب وخافت، وظن المؤمنون أنهم ممتحنون فخافوا من الزلل، وظن المنافقون أن المسلمين سيستأصلون، ولكن خابت ظنون المنافقين ونصر الله عباده المتقين. واختبر المؤمنون اختبارًا عظيمًا، واضطربوا اضطرابًا شديدًا من هول الموقف، وبسبب خيانة المنافقين واليهود وهجوم الكافرين عليهم، إلا أنهم كانوا متيقنين بنصر الله سبحانه وتعالى، فحقق الله لهم وعده، ونصرهم على الأحزاب»55.
إن القرآن الكريم ومن خلال آيات غزوة الأحزاب، يرسخ في القلوب والنفوس الاعتقاد الصحيح، والتصور السليم، بأن النصر كله بيد الله، وأن الله ينصر عباده المؤمنين المخلصين، فالمسلمون اليوم مطالبون بترسيخ هذه المفاهيم الصحيحة، والارتكاز إلى الإيمان الصادق، وأن يستمدوا العون من الله سبحانه وتعالى، وأن يردوا أمرهم كله لله.
وإن من أهم نتائج الغزوة والآثار المترتبة على نصر المؤمنين وفشل الأحزاب، بأن كانت الغزوة بمنزلة حد فاصل لمرحلة جديدة، تمثلت في تغير ميزان القوى لصالح المسلمين، وانتقال الموقف من الدفاع إلى الهجوم، وذلك ما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم)56.
وهذا يعكس التغير الجذري في سياسة الدولة الإسلامية من اتباع سياسة الدفاع عن المدينة، إلى مرحلة الهجوم والتهديد، وذلك يشير بوضوح إلى أن مناطق الصراع قد انتقلت في أعقاب هذه الغزوة إلى مناطق أخرى مثل مكة وما حولها، وتبوك، وغيرهما بعيدا عن المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية57.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قائد المسلمين في غزوة الأحزاب، خاضها بنفسه، فكان القائد الرباني، والجندي المثالي، والقدوة الكاملة، فهو محل قدوة للمؤمنين دائمًا، في الصبر على الشدائد، والثبات في الحروب، والصدق عند اللقاء، وفي غزوة الأحزاب بذل صلى الله عليه وسلم كل غالٍ لنصرة دين الله، حفر الخندق مع اخوانه، وجاع مثلهم، وصبر وجاهد، فكان الصابر المحتسب، والشاكر الراضي، فاستحق أن يقتدى به في جميع أفعاله وأحواله، لذلك قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)[الأحزاب: ٢١].
هذه الآية أصل كبير وعظيم في وجوب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل الأمور، في أقواله وأفعاله وأحواله، واتباع سنته58.
فلابد من التأسي به، في صبره ومصابرته، ومجاهدته، ومرابطته، يقول البغوي: «اقتداء حسن، أن تنصروا دين الله، وتؤازروا الرسول، ولا تتخلفوا عنه، وتصبروا على ما يصيبكم كما فعل هو، إذ كسرت رباعيته، وجرح وجهه، وقتل عمه، وأوذي بضروب من الأذى فواساكم مع ذلك بنفسه، فافعلوا أنتم كذلك أيضًا، واستنوا بسنته»59.
قال بعض المفسرين: إن الخطاب في الآية السابقة عتاب للمنافقين، ودعوة للمتخلفين عن القتال للتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم60، وسواء كان الخطاب للمؤمنين أو لغيرهم، يبقى النبي صلى الله عليه وسلم حجة عليهم جميعًا، والقدوة لهم جميعًا بجهاده وجميع أحواله، والذي يقتدي به ويتخذه الأسوة الحسنة هو المؤمن الذي يرجو ثواب الله ويخافه، ويديم ذكره سبحانه وتعالى.
وإن من أهم ما تميز به النبي في المعركة، وكان له الأثر الكبير على المسلمين، ما يأتي:
١. استشارته لأصحابه وعبقريته.
حيث استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فيما ينبغي عمله لمواجهة الخطر الداهم، فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق شمال المدينة، فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا الأخذ برأيه السديد، والأمر بالتنفيذ، «وقد كان حفر الخندق مباغتة تامة للأحزاب، فلم تكن العرب تعرف هذا الأسلوب، كما لم تكن تعرف أسلوب القتال المناسب لاجتياز الخندق والتغلب على المدافعين عنه»61.
فكان حفر الخندق عاملًا أساسيًا من عوامل نصر المسلمين في الغزوة، والقائد العبقري هو الذي يستخدم أسلوبًا جديدًا في القتال.
٢. اتصافه بالقوة والحزم والرشد والجندية.
حيث «قرر الرسول صلى الله عليه وسلم البقاء في المدينة المنورة، وأمر بحفر الخندق، وانتخب منطقة الحفر في السهول الكائنة شمال المدينة، ووزع أعمال الحفر بالتساوي بين أصحابه، وسيطر على العمل، فلا يستطيع أحد ترك واجبه إلا بأمر منه، حتى أنجز أعمال حفر الخندق قبل وصول المشركين الى المدينة المنورة، واشتغل هو بنفسه بالحفر كبقية أصحابه تمامًا، بل استأثر دونهم بالأماكن الصلبة في منطقة حفر الخندق التي لم يستطع أصحابه التغلب عليها، كفلق الصخور القاسية! !
ثم قسم واجبات حراسة الموضع بين أصحابه، بحيث لا يغفل أحد عن شبر من الخندق ليلًا ونهارًا، على الرغم من برودة الطقس؛ وقد كان هو بنفسه لا يترك مقره إلا ليقوم بتفتيش الحراس والمواضع الدفاعية وليحرض المؤمنين على القتال، ويرفع من معنوياتهم، وأمن حرسًا قويًا للذراري الذين تركهم في دور المدينة، وأهم من ذلك كله سيطرته على أصحابه عندما تأزم الموقف حين وصلت الأحزاب الى ضواحي المدينة بقوات متفوقة على المسلمين، وحين نكثت قريظة عهدها، فأصبح الخطر يهدد المسلمين من داخل المدينة وخارجها»62.
٣. تأييد الله سبحانه وتعالى له بالمعجزات.
فقد حصلت خلال مرحلة حفر الخندق ثلاث معجزات حسية للنبي صلى الله عليه وسلم وهي تكثير الطعام الذي أعده الصحابي جابر بن عبد الله للرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن باركه صلى الله عليه وسلم، وأكل منه ألف صحابي حتى شبعوا وتركوا الكثير، ومن معجزاته إخباره لعمار بن ياسر وهو يعمل معهم بأمر غيبي يتعلق بقتله رضي الله عنه، وقيامه صلى الله عليه وسلم بتفتيت صخرة عظيمة عجز الصحابة عن كسرها، فقد ضربها ثلاث ضربات وفتتها، ومع كل ضربة كان صلى الله عليه وسلم يعلن عن تسلمه لمفاتيح أقاليم كل من الشام، وفارس، واليمن، وهي بشارة تنبئ عن اتساع الفتوحات الإسلامية والإخبار عنها في وقت كان المسلمون فيه محصورين في المدينة، يواجهون المشاق والخوف والجوع والبرد القارص63.
٤. الدعاء واللجوء إلى الله.
في غمرة الشدائد والمخاوف كان النبي صلى الله عليه وسلم يديم الدعاء خلال الحصار، ولا ينفك هو وأصحابه عن التوجه إلى رب السماء.
ففي حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الأحزاب فقال: (اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم)64.
وفي رواية: (اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم)65.
ثناء القرآن على المؤمنين في الغزوة
لقد أثنى القرآن الكريم على المؤمنين في غزوة الأحزاب، ومدحهم مدحًا عظيمًا، فهم مؤمنون حقًا، صادقون مع الله، ومع أنفسهم، استحقوا الثناء، فكانوا قدوة للمؤمنين في كل مكان وزمان.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الأحزاب: ٢٣].
يرسم لنا القرآن صورة مشرقة لهؤلاء الرجال المؤمنين الصادقين، الذين أوفوا بالعهود، وصبروا على البأساء والضراء، فمنهم من نذر نفسه لله فاستشهد في سبيله كحمزة، ومصعب بن عمير، وأنس بن النضر، وغيرهم من الصحابة الكرام، ومنهم من ينتظر إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة.
هؤلاء كاملو الإيمان، لم يغيروا عهدهم مع الله ولم يبدلوه كغيرهم من المنافقين الذين ينقضون العهود، والله سيثيب أهل الصدق بصدقهم ووفائهم لله بما عاهدوا، وسيعذب المنافقين بكفرهم ونفاقهم، إن شاء أو يتوب عليهم فيهديهم للإيمان والتوبة.
قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الأحزاب: ٢٤]66.
والآيات الكريمة السابقة تدل على أن الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه هم من المؤمنين الذين سلموا من النفاق، إذ ليس كل المؤمنين على درجة واحدة في إيمانهم، بل هم درجات في الإيمان، كما أنهم درجات عند الله، ودل على ذلك حرف الجر من للتبعيض، أي: بعض المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وفي قوله سبحانه وتعالى: (ﭓ) إشارة إلى أنهم أناس قد كملت رجولتهم، وسلمت لهم إنسانيتهم، فكانوا رجالًا حقا، لم ينتقص من إنسانيتهم شيء، فالكفر والشرك والنفاق وضعف الإيمان، كلها أمراض خبيثة تغتال إنسانية الإنسان، وتفقده معنى الرجولة فيه، فالرجل كل الرجل، هو من تحرر عقله من الضلال، وصفت روحه من الكدر، وسلم قلبه من الزيغ، ثم لا عليه بعد هذا ألا يمسك بيده شيئًا من جمال الصورة، أو وفرة المال، أو قوة السلطان.
وفي تنكير (ﭓ) معنى التفخيم، والتعظيم، فمن هؤلاء الرجال من مات، وهو على إيمانه الوثيق بالله، وفي موقف الجهاد في سبيل الله، قد وفى بما نذره لله، وعاهد الله عليه، ومنهم من ينتظر قضاء الله فيه، موتًا، أو استشهادًا في ميدان القتال، فهو على ترقب وانتظار لليوم الذي تتاح له فيه الفرصة للوفاء بنذره وعهده.
ففي قوله: (ﭠﭡ) إشارة إلى أن المؤمن الصادق الإيمان، ينتظر لقاء ربه، وهو في شوق إلى هذا اللقاء، يعد له اللحظات، ويستطيل أيام الحياة الدنيا، في طريقه إلى ربه، شأن من ينتظر أمرًا محبوبًا هو على موعد معه.
وفي قوله: (ﭢ ﭣ ﭤ) إشارة إلى أن إيمانهم بالله، ويقينهم بلقائه لم يزايل مكانه من قلوبهم لحظة، ولم ينحرف عن موضعه أيَّ انحراف، فهم على حال واحدة من أمر ربهم، ومن الثقة بما وعدهم الله على يد رسوله، على حين أن كثيرًا ممن كان معهم ممن أسلموا ولم يدخل الإيمان في قلوبهم، قد بدلوا مواقفهم، وكثرت تحركاتهم بين الإيمان والكفر.
فالمؤمنون الذين لم يبدلوا موقفهم، ولم يحيدوا عن طريقهم الذي استقاموا عليه- هؤلاء لهم من جزاء إيمانهم وإحسانهم، ما هم أهل له، من الإحسان والرضوان والذين بدلوا، ونافقوا، ولم يصدقوا في إيمانهم بالله- هؤلاء إما أن يعذبهم الله، إذا هم مضوا على نفاقهم، ولم تدركهم رحمة الله، فتخرجهم من هذا النفاق، وتعيدهم إلى الإيمان، وإما أن تنالهم رحمة الله، فيتوبوا من قريب، ويدخلوا في المؤمنين الصادقين67.
«وهذه الصورة الوضيئة لهذا النموذج من المؤمنين تذكر هنا تكملة لصورة الإيمان، في مقابل صورة النفاق، والضعف ونقض العهد من ذلك الفريق؛ لتتم المقابلة في معرض التربية بالأحداث وبالقرآن»68.
إن موقف يهود بني قريظة في غزوة الأحزاب موقف غدر وخيانة ونقض للعهود، فقد نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانضموا إلى الأحزاب من المشركين عونًا لهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وكانوا يسكنون العوالي في جنوب شرق المدينة مما يمكنهم من طعن المسلمين من الخلف، وكان لهذا الموقف أثره على المؤمنين بأن اشتد تأزم الوضع عليهم في ظل محاصرة الأحزاب للمدينة، ولكن الله ردهم هم والأحزاب خائبين مهزومين.
وكان نقض بني قريظة لوثيقة العهد التي أبرموها مع الرسول صلى الله عليه وسلم عند حصار قوات الأحزاب للمدينة في غزوة الخندق، وإصرارهم على خيانة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وتعريضهم أمن وسلامة المسلمين ودولتهم للخطر، سببًا في غزو المسلمين لهم، فقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقتالهم بعد انسحاب الأحزاب وانتهاء الحصار والخطر وعودته بالمسلمين من الخندق ووضعهم السلاح، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتوجه إلى ديار بني قريظة ومحاصرتهم69.
فكان القصاص سريعًا وحاسمًا، روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أصيب سعدٌ يوم الخندق، رماه رجلٌ من قريشٍ يقال له ابن العرقة رماه في الأكحل، فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمةً في المسجد يعوده من قريبٍ، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح، فاغتسل، فأتاه جبريل وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه اخرج إليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأين؟) فأشار إلى بني قريظة، فقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم فيهم إلى سعدٍ، قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى الذرية والنساء، وتقسم أموالهم)70.
والله سبحانه وتعالى بين أن بني قريظة الذين ظاهروا الأحزاب وكانوا عونًا لهم على المسلمين، قد أنزلهم من حصونهم الممتنعين فيها، وقذف في قلوبهم الرعب، وبين عاقبة غدرهم بأن سلط عليهم المؤمنين فأبادوهم.
قال تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)[الأحزاب: ٢٦].
«أنزل الله سبحانه وتعالى بقدرته وأمره يهود بني قريظة -الذين عاونوا الأحزاب، ونقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم- من حصونهم التي كانوا يتحصنون بها، وألقى في قلوبهم الرعب الشديد، حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه، الذي حكم فيهم قائلًا: آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم، إني أحكم فيهم أن تقتل الرجال، وتسبى الذراري والنساء، وتقسم الأموال»71.
يقول الطبري: «عن قتادة، قوله: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) وهم: بنو قريظة، ظاهروا أبا سفيان وراسلوه، فنكثوا العهد الذي بينهم وبين نبي الله، قال: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم عند زينب بنت جحش يغسل رأسه، وقد غسلت شقه، إذ أتاه جبرائيل، فقال: عفا الله عنك؛ ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة، فانهض إلى بني قريظة، فإني قد قطعت أوتارهم، وفتحت أبوابهم، وتركتهم في زلزال وبلبال؛ قال: فاستلأم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سلك سكة بني غنم، فاتبعه الناس وقد عصب حاجبه بالتراب؛ قال: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصروهم، وناداهم: (يا إخوان القردة)، فقالوا: يا أبا القاسم، ما كنت فحاشًا، فنزلوا على حكم ابن معاذ، وكان بينهم وبين قومه حلف، فرجوا أن تأخذه فيهم هوادة، وأومأ إليهم أبو لبابة إنه الذبح، فأنزل الله: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [الأنفال: ٢٧].
فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريهم، وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار، فقال قومه وعشيرته: آثرت المهاجرين بالعقار علينا؟ قال: فإنكم كنتم ذوي عقار، وإن المهاجرين كانوا لا عقار لهم. وذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر وقال: (قضى فيكم بحكم الله)»72.
يختم سبحانه وتعالى الآيات التي تتحدث عن غزوة الأحزاب وبني قريظة ببيان النعم الجليلة التي مَنَّ بها على المؤمنين بعد أن نصرهم عليهم، (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)[الأحزاب: ٢٧].
فالله أورث المؤمنين أرض أعدائهم من يهود بني قريظة، كما أورثهم ديارهم ومزارعهم ومساكنهم وأموالهم جزاءً لهم.
(ﮠ ﮡ ﮢ) اختلف المفسرون في تعيين هذه الأرض على أقوال: فقيل: خيبر، وقيل: حنين، وقيل: مكة، وقيل: فارس والروم، وقيل: كل أرض تفتح إلى يوم القيامة، والراجح القول الذي يشمل جميع الأقوال، أي: كل أرض تفتح إلى يوم القيامة، وفي هذا بشرى من الله للمؤمنين73.
الدروس المستفادة من غزوة الأحزاب
لقد كان لغزوة الأحزاب حكم ودروس كثيرة، نذكر بعضها فيما يأتي:
موضوعات ذات صلة: |
غزوة أحد، غزوة بدر، غزوة تبوك، غزوات الرسول مع اليهود |
1 انظر: حديث القرآن عن غزوات الرسول، محمد بن بكر آل عابد، ٢/٤١٣.
2 انظر: المصدر السابق.
3 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٤١٠٧، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب، ٥/١١٠.
4 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٤١٠٦، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب، ٥/١١٠.
5 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٤١٠٩، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب، ٥/١١٠.
6 انظر: التفسير الموضوعي لسور القرآن، مجموعة مؤلفين ٦/٦٣، ٦٦.
7 انظر: حديث القرآن عن غزوات الرسول، محمد بن بكر آل عابد، ٢/٤٠٨، السيرة النبوية، الصلابي، ٢/٢٥٧.
8 انظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد ٢/٥٠، المغازي، الواقدي ٢/٤٤٠، تاريخ الأمم والملوك، الطبري ٢/٥٦٤، السيرة النبوية، ابن كثير ٣/١٨١.
9 انظر: البداية والنهاية، ابن كثير، ٤/١٠٧.
10 انظر: جوامع السيرة، ابن حزم ص١٤٧، شرح صحيح مسلم، ٨/١٧٧، فتح الباري، ابن حجر، ٥/٢٧٨.
11 زاد المعاد، ٣/٢٤٠.
12 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، ٢/٢٢٤، السيرة النبوية، أبو حسن الندوي، ١/٣٤٧، الرسول القائد، محمود شيت خطاب، ١/٢٢٨.
13 انظر: غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، السيد الجميلي، ١/٧٦، الرسول القائد، محمود شيت خطاب، ١/٢٢٨.
14 انظر: نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين ١/٣٢٣.
15 انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، ٢/٢١٤، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، محمد بن سويلم أبو شهبة، ٢/٢٧٥، السيرة النبوية، علي الصلابي، ٢/٢٥٨، حديث القرآن عن غزوات الرسول، محمد بن بكر آل عابد، ٢/٤١٢.
16 انظر: جامع البيان، ٨/٤٦٨.
17 انظر: الطبقات، ابن سعد، ٢/٥١، السيرة النبوية، ابن هشام، ٢/٢١٥، السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، محمد بن سويلم أبو شهبة، ٢/٢٧٦.
18 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٢١٤، لباب التأويل، الخازن، ٣/٤١٦، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٧/٩٣، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي الكلبي، ٢/١٤٧.
19 في ظلال القرآن، ٥/٢٨٣٧.
20 مفاتيح الغيب، ٢٥/١٦١.
21 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٢٣٦، التفسير المنير، الزحيلي، ٢١/٢٦٠، حديث القرآن عن غزوات الرسول، محمد بن بكر آل عابد، ٢/٤٨٧.
22 انظر: السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة، محمد بن سويلم أبو شهبة، ٢/٢٨٢، حديث القرآن عن غزوات الرسول، محمد بن بكر آل عابد، ٢/٤٨٨.
23 جامع البيان في تأويل آي القرآن، ٢٠/٢٣٦.
24 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ٥/٢٨٤١، ٢٨٤٤.
25 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢١/٢٢٢، روح المعاني، الألوسي، ١١/١٥٦، حديث القرآن عن غزوات الرسول، محمد بن بكر آل عابد، ٢/٤٥٦.
26 انظر: تفسير المراغي، ٢١/١٤١، في ظلال القرآن، سيد قطب، ٥/٢٨٣٨، التفسير الموضوعي لسور القرآن، مجموعة المؤلفين ٦/٨٩.
27 حديث القرآن عن غزوات الرسول، محمد بن بكر آل عابد، ٢/٤٦٧.
28 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٣٩٠.
29 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢٩/٢٦٩.
30 انظر: جامع البيان، ٢٠/٢٢٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٣٩.
31 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٢٢٨، لباب التأويل، الخازن، ٣/٤١٧، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٦٠.
32 انظر: تفسير الشعراوي، ١٩/١١٩٦٨.
33 فتح القدير، الشوكاني، ٤/٣١٠.
34 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٢٣٠.
35 انظر: حديث القرآن عن غزوات الرسول، محمد بن بكر آل عابد، ٢/٤٨٦.
36 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢١/٢٩٦.
37 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٤/١٥٣.
38 جامع البيان، ٢٠/٢٣١.
39 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٤/٣١٠، الكشاف، الزمخشري، ٣/٥٣٠، روح المعاني، الألوسي، ١١/١٦٢، إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٧/٩٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٦٠، محاسن التأويل، القاسمي، ٨/٥٧.
40 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٤/١٥٤.
41 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٢٣٢، لباب التأويل، الخازن، ٣/٤١٨، التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي الكلبي، ٢/١٤٨.
42 الكشاف، ٣/٥٣٠.
43 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٦٠.
44 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٣٤٢، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٦٠.
45 انظر: التفسير الموضوعي لسور القرآن، مجموعة مؤلفين ٦/٩٢.
46 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٥/٢٨٣٨.
47 في ظلال القرآن، ٥/٢٨٤١.
48 انظر: التفسير الواضح، حجازي، ٣/٨٠، التفسير المنير، الزحيلي، ٢١/٢٦٦، تفسير المراغي، ٢١/١٣٩.
49 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ١٠٣٥، كتاب الجمعة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالصبا)، ٢/٣٣.
قال مصطفى البغا في تعليقه على الحديث: «الصبا هي الريح التي تهب من مشرق الشمس ونصرته بها -صلى الله عليه وسلم -كانت يوم الخندق إذ أرسلها الله تعالى على الأحزاب باردة في ليلة شاتية فقلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم وقلبت قدورهم كان ذلك سبب رجوعهم وانهزامهم.«الدبور» هي الريح التي تهب من مغرب الشمس وبها كان هلاك قوم عاد كما قص علينا القرآن الكريم.
50 التفسير الواضح، حجازي، ٣/٨١.
51 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢١/٢٦٦.
52 في ظلال القرآن، ٥/٢٨٣٦.
53 انظر: التفسير الواضح، حجازي، ٣/٨٥، التفسير المنير، الزحيلي، ٢١/٢٧٧.
54 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ٢٧١٦، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر مالم يعمل، ٤/٢٠٨٥.
55 التفسير الموضوعي لسور القرآن، مجموعة مؤلفين، ٦/٨٣.
56 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٤١١٠، حديث سليمان بن صرد، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب، ٥/١١٠.
57 انظر: نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين، ١/٣٢٨.
58 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٦/٣١٩.
59 معالم التنزيل، البغوي، ٣/٦٢٤.
60 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٢٣٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٤/١٥٥.
61 الرسول القائد، محمود شيت خطاب، ١/٢٣٥.
62 المصدر السابق ١/٢٣٧.
63 انظر: نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين، ١/٣٢٥.
64 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٤١١٥، كتاب المغازي، باب غزوة الخندق، ٥/١١١.
65 أخرجه البخاري في صحيحه، رقم ٣٠٢٤، كتاب الجهاد والسير، باب لا تمنوا لقاء العدو، ٤/٦٣.
66 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٢٤١، أنوار التنزيل، البيضاوي، ٤/٢٢٩، التفسير الموضوعي لسور القرآن، مجموعة مؤلفين، ٦/٩٨.
67 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب، ١١/٦٨٠.
68 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٥/٢٨٤٤.
69 انظر: نضرة النعيم، مجموعة مؤلفين، ١/٣٢٦، أيسر التفاسير، الجزائري، ٤/٢٦٠.
70 أخرجه مسلم في صحيحه، رقم ١٧٦٩، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتل من نقض العهد، ٣/١٣٨٩.
71 حديث القرآن عن غزوات الرسول، محمد بن بكر آل عابد، ٢/٤٩٥.
72 جامع البيان، ٢٠/٢٤٣.
73 انظر: جامع البيان، الطبري، ٢٠/٢٥٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١٤/١٦١.
74 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢١/٢٨٠.