عناصر الموضوع
عيسى عليه السلام
أولًا: اسمه ونسبه:
ذكر الله تعالى اسمه ونسبه في كتابه العزيز، فسماه المسيح عيسى، ونسبه إلى أمه مريم، ولم يزد على ذلك: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [آل عمران: ٤٥].
فهو إذًا: المسيح عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله.
وعيسى: اسم علم، وهو اسم أعجمي غير منصرف، وهو عبراني أو سرياني1.
ثانيًا: لقبه:
تسميته بالمسيح: التسمية بـ (المسيح) في حق عيسى عليه السلام على سبيل المدح، قالوا: وهو لقب من الألقاب المشرفة كالصديق والفاروق.
أما سبب تسميته بالمسيح:
قيل: أصله مشيحا بالعبرانية، ومعناه: المبارك.
وقيل: سمي عيسى عليه السلام مسيحًا؛ لأنه ما كان يمسح بيده ذا عاهة إلا برىء من مرضه.
وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه كان يمسح الأرض، أي: يقطعها.
وقيل: كان مسيحًا؛ لأنه كان يمسح رأس اليتامى لله تعالى.
وقيل: لأنه مسح من الأوزار والآثام.
وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه لم يكن في قدمه خمص2، فكان ممسوح القدمين.
وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه كان ممسوحًا بدهن طاهر مبارك يمسح به الأنبياء ولا يمسح به غيرهم، ثم قالوا وهذا الدهن يجوز أن يكون الله تعالى جعله علامة حتى تعرف الملائكة أن كل من مسح به وقت الولادة فإنه يكون نبيًا.
وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه مسحه جبريل عليه السلام بجناحه وقت ولادته؛ ليكون ذلك صونًا له عن مس الشيطان3.
ولما كانت العادة أن ينسب الأولاد إلى آبائهم، نسب عيسى عليه السلام إلى أمه ليكون ذلك دليلًا على براءتها، وأنه لا أب له في الحقيقة.
عيسى عليه السلام نبي الله ورسوله، فهو إذًا متصف بكل الصفات التي تؤهله لهذه المكانة العالية والمقام الرفيع.
أولًا: صفاته الخُلُقية:
ثانيًا: صفاته الخَلْقية:
كان عيسى عليه السلام مربوع القامة، ليس بالطويل ولا بالقصير7، أحمر اللون، آدم، جعد، سبط الرأس.
فعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ورأيت عيسى رجلًا مربوعًا، مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس)8.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت عيسى وموسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمر، جعد، عريض الصدر)9.
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وأراني الليلة عند الكعبة في المنام، فإذا رجل آدم، كأحسن ما يرى من أدم الرجال، تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء، واضعًا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت، فقلت: من هذا ؟ فقالوا: هذا المسيح ابن مريم)10.
أما قوله: (أحمر)، و(آدم) على الروايتين: الأحمر عند العرب: الشديد البياض مع الحمرة، والآدم: الأسمر، ويمكن الجمع بين الوصفين بأنه أحمر لونه بسبب كالتعب وهو في الأصل أسمر11.
وقوله: (جعد)، (سبط الرأس): فصفة الجعودة هنا في الجسم لا في الشعر؛ لأنه وصف الشعر بالسبط، والسبط من الشعر المنبسط المسترسل، وهو ضد الجعد12، وأما الجعد في الجسم فهو المجتمع الشديد13.
وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عروة بن مسعود رضي الله عنه، فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عرض علي الأنبياء، فإذا موسى ضرب من الرجال، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام، فإذا أقرب من رأيت به شبهًا عروة بن مسعود)14.
ذكر عيسى عليه السلام في القرآن الكريم
ورد ذكر عيسى عليه السلام في القرآن الكريم (٢٥) مرة، في (١١) سورة.
وأما قصته عليه السلام فقد وردت في السور الآتية:
السورة | الآيات |
آل عمران | ٤٥-٦٢ |
النساء | ١٥٧-١٥٩، ١٧١-١٧٣ |
المائدة | ٤٦، ١١٠-١١٨ |
مريم | ٢٢-٣٤ |
الزخرف | ٦٣-٦٥ |
الصف | ٦، ١٤ |
أولًا: اسمها ونسبها:
ورد في القرآن انتساب مريم والدة عيسى إلى عمران عليهم السلام: (ﯦ ﯧ ﯨ)[التحريم: ١٢].
أبوها: هو عمران الرجل العابد الطاهر وهو من رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم15، يصل نسبه إلى النبي الكريم داود عليه السلام.
وأمها: هي حنة العابدة الطاهرة التي كرمها الله فأجاب دعوتها ورزقها بمريم.
وزوج أختها أو زوج خالتها «أشياع» هو زكريا النبي الكريم عليهم السلام جميعًا.
فلا ريب حينئذ أن يكون هذا البيت المبارك بيت آل عمران من البيوت القليلة المباركة التي حظيت بتشريف الله تعالى لها بقوله: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [آل عمران: ٣٣ - ٣٤].
ثانيًا: الحمل بمريم عليها السلام:
أشار الله تعالى لقصة حمل أم مريم بها ووضعها في قوله: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [آل عمران: ٣٥ - ٣٦].
ثالثًا: الوضع والوفاء بالنذر:
لما حملت أم مريم عليهما السلام حررت ما في بطنها، وكانت لم تعلم بعد ما هو ذكر أم أنثى، والمحرر عندهم لا يعمل للدنيا ولا يتزوج ويتفرغ لعمل الآخرة ويعبد الله، فيجعل للمعبد يقوم بخدمته ولا يخرج منه16، ولم يكن يحرر إلا الغلمان.
ثم مات عمران وحنة حامل بمريم، فلما وضعت إذ هي أنثى، فقالت عند ذلك: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [آل عمران: ٣٦].
و(مريم) معناه: العابدة17.
وقد استجاب الله دعاء أم مريم هذا كما أجابها حين اشتهت الحمل، فأعاذها مريم وابنها من الشيطان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخًا من مس الشيطان، غير مريم وابنها) ثم يقول أبو هريرة: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [آل عمران: ٣٦]18.
رابعًا: مكانة مريم عليها السلام وفضلها:
لمريم عليها السلام مكانة كبيرة تمتاز بها عن سائر نساء العالمين، فقد وضع الله مريم بين أهل الصلاح والنقاء، فترعرعت ونشأت في جو إيماني طاهر عفيف، وقد بين الله تعالى فضلها ومكانتها في مواطن من كتابه، كما جاء ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن دلائله:
كان حمل مريم عليها السلام معجزة لم يكتب لها التكرار، فقد أراد الله تعالى لمريم البتول الطاهرة أن تحمل بابنها عيسى عليه السلام، هذا الحمل الذي هو معجزة كبرى وآية عظمى على قدرته جل جلاله، وهو بيان لمكانة هذه الطاهرة القانتة.
بين الله تعالى هذه القصة الغريبة، والمعجزة الباهرة في كتابه تعالى فقال: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [آل عمران: ٤٥ -٤٧].
وقال: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [مريم: ١٦-٢٢].
إذًا فمريم قد حملت، وكان حملها بغير زواج وهي التقية النقية، بل كان من غير أن يمسها بشر أيًا كان، فقد أرسل الله تعالى إليها ملائكة تبشرها بهذه البشارة: الحمل بولد هو كلمة الله تعالى، واسمه: عيسى ابن مريم، وهذا الولد له الكثير من الميزات والخصائص التي انفرد بها عمن سواه، فكانت ردة فعلها وهي الطاهرة النقية البتول العذراء أن تساءلت كيف لها أن تحمل ولم يمسسها بشر، فأخبرت بأن هذه هي إرادة الله تعالى، وأن هذا الأمر هين على الله تعالى، وهو أمر قد قضاه وتكفل به، فما كان للطائعة القانتة إلا الاستسلام.
والملك المرسل إلى مريم هو جبريل -عند أكثر المفسرين- وقد تمثل لها على هيئة بشر سوي، فخافت مريم واستعاذت بالله منه ظانة به ظن سوء، لكنه أخبرها بأنه رسول من الله، كلف ببشارتها بأن الله سيهب لها غلامًا ذكر اسمه وصفته، فوصفه بأجمل الصفات وأثنى عليه عظيم الثناء23.
أما عن كيفية الحمل فقد نفخ فيها نفخة فحملت بإذن الله، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأنبياء: ٩١].
(ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [التحريم: ١٢].
قال الرازي رحمه الله: ذكر الله تعالى أمر النفخ في آيات فقال: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [التحريم: ١٢].
أي: في عيسى عليه السلام، كما قال لآدم عليه السلام: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الحجر: ٢٩].
وقال: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الأنبياء: ٩١] لأن عيسى عليه السلام كان في بطنها.
واختلفوا في النافخ فقال بعضهم: كان النفخ من الله تعالى لقوله: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [التحريم: ١٢].
وظاهره يفيد أن النافخ هو الله تعالى؛ لقوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران: ٥٩].
ومقتضى التشبيه حصول المشابهة إلا فيما أخرجه الدليل، وفي حق آدم النافخ هو الله تعالى؛ لقوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الحجر: ٢٩] فكذا هاهنا.
وقال آخرون: النافخ هو جبريل عليه السلام؛ لأن الظاهر من قول جبريل عليه السلام: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [مريم: ١٩] أنه أمر أن يكون من قبله حتى يحصل الحمل لمريم عليها السلام، فلا بد من إحالة النفخ إليه24.
واختلفوا في كيفية النفخ، هل نفخ الله في درعها؟ هل نفث الله في جيبها؟
وقد كفانا الله مؤونة البحث بقوله: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [مريم: ٢١].
قال الشيخ محمد عبده رحمه الله: «أعلم أن الكافرين بآيات الله ينكرون الحمل بعيسى من غير أب جمودًا على العادات، وذهولًا عن كيفية ابتداء خلق جميع المخلوقات، ولو كان لهم دليل عقلي على استحالة ذلك لكانوا معذورين، ولكن لا دليل لهم إلا أن هذا غير معتاد، وهم في كل يوم يرون من شؤون الكون ما لم يكن معتادًا من قبل، فمنه ما يعرفون به سببًا ويعبرون عنه بالاكتشاف والاختراع، ومنه ما لا يعرفون له سببًا ويعبرون عنه بفلتات الطبيعة.
ونحن نرى علماء الغرب وفلاسفته متفقين على إمكان التولد الذاتي، أي: تولد الحيوان من غير حيوان، أو من الجماد، وهم يبحثون ويحاولون أن يصلوا إلى ذلك بتجاربهم، وإذا كان تولد الحيوان من الجماد جائزًا فتولد الحيوان من حيوان واحد أولى بالجواز وأقرب إلى الحصول.
نعم إنه خلاف الأصل، وأن كونه جائزا لا يقتضي وقوعه بالفعل، ونحن نستدل على وقوعه بالفعل بخبر الوحي الذي قام الدليل على صدقه.
إذا تمهد هذا فنقول: إن الله المسخر للأرواح المنبثة في الكائنات، وقد أرسل روحًا من عنده إلى مريم، فتمثل لها بشرًا، ونفخ فيها، فأحدثت نفخته التلقيح في رحمها، فحملت بعيسى عليه السلام »25.
وصدق الشيخ رحمه الله، فالاستنساخ المعروف اليوم دليل إلى ما ذهب إليه من إمكان حصول الشيء المخالف للعادة، والبعيد عن التصور.
قال الله جل جلاله: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [مريم: ٢٣ - ٢٦].
(ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [المؤمنون: ٥٠].
لما انتهت مدة الحمل أحست مريم عليها السلام ألم الوضع، فاحتضنت جذع النخلة لشدة ما تجد من الألم، وتمنت الموت حينئذ لما توقعته من أذى قومها، (وأنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد، ولا يصدقونها في خبرها، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة، تصبح عندهم -فيما يظنون- عاهرة زانية)26، فجاءها صوت من تحتها يطمئنها، ويطلب منها ألا تحزن، وأمرت بهز جذع النخلة والأكل مما فيها من الرطب، والشرب من جدول الماء، وعلمت طريقة التصرف إن رآها بشر أو تعرض لها أحد، فقد أمرت بالصوم عن الكلام.
والذي نادى مريم من تحتها: قيل: هو جبريل عليه السلام. وقيل: بل عيسى عليه السلام أنطقه لها حين وضعته تطييبًا لقلبها، وإزالة للوحشة عنها؛ حتى تشاهد في أول الأمر ما بشرها به جبريل عليه السلام من علو شأن ذلك الولد27، وأيًّا كان فالقصد منه طمأنتها وإيناسها.
ومكان الربوة مكان ولادة عيسى عليه السلام قيل: الغوطة بدمشق. وهذا أشهر الأقوال؛ لأن صفة الغوطة أنها ذات قرار ومعين على الكمال، وقيل: هي الرملة من فلسطين. وقيل: بأرض مصر. وقيل: الربوة بيت المقدس. ويترجح أن الربوة بيت لحم وهي قرية قريبة من بيت المقدس؛ لأن ولادة عيسى هنالك كانت، وحينئذ كان الإيواء28.
أما الصوم: فالمقصود به الصمت، صيانةً لها عن الكلام مع المتهمين لها؛ ولأن عيسى عليه السلام تكلم عنها29.
وأما حكمة خلق عيسى عليه السلام بلا أب فقد قال الشنقيطي رحمه الله: «من حكم خلقه عيسى من امرأة بغير زوج؛ ليجعل ذلك آية للناس، أي: علامة دالة على كمال قدرته، وأنه تعالى يخلق ما يشاء كيف يشاء، إن شاء خلقه من أنثى بدون ذكر كما فعل بعيسى، وإن شاء خلقه من ذكر بدون أنثى كما فعل بحواء، وإن شاء خلقه بدون الذكر والأنثى معًا كما فعل بآدم، وإن شاء خلقه من ذكر وأنثى كما فعل بسائر بني آدم، فسبحان الله العظيم القادر على كل شيء»30.
وقصة الحمل بعيسى عليه السلام وقصة ولادته دليل على بشريته عليه السلام.
مواجهتها لقومها: بعد ذلك كله جاءت مواجهتها لقومها التي أخبر الله سبحانه وتعالى عنها بقوله: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [مريم: ٢٧ - ٢٨].
جاءت مريم إلى قومها وهي تعلم براءة نفسها ونزاهتها، وهي واثقة من تبرئة الله سبحانه وتعالى لها، قال لها قومها تلك المقولة، وعجبوا من ذلك وهي من أهل بيت طيب طاهر معروف بالصلاح والزهد والعبادة، فلم تتول هي الإجابة لنفي التهمة عنها، ولكنها أشارت إلى وليدها، وهي تعلم أنه ليس من أهل الكلام حتى يتولى الرد عنها (ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [مريم: ٢٩].
ولكن من إيمانها بربها وثقتها به فعلت ذلك، فأنطق الله صاحب المهد ببراءتها ونزاهتها، فنطق عيسى عليه السلام بعد هذه الإشارة: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [مريم:٣٠-٣٣].
ومن الملاحظ أن عيسى عليه السلام لم يرد مباشرة على التهمة الموجهة لأمه، بل إن مضمون كلامه فيه ردٌ قويٌ عليهم بما زعموا، فإن الله سبحانه وتعالى لا يعطي الكتاب والنبوة لولد من زنى، إضافة إلى ما وهبه الله من الأوصاف الجميلة التي توحي ببركته ونزاهة أمه وطهارتها31.
أولًا: حوار عيسى عليه السلام مع ربه عز وجل:
عيسى عليه السلام نبي الله تعالى ورسوله، فهو واحد من الأنبياء الذين أرسلهم الله لهداية البشر، ورسول تعتبر تعاليمه ورسالته تكملة وامتدادًا لتعاليم الرسل الذين جاؤوا من قبله، وتهيئة للتعاليم التي سيأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم32.
ودعوة كل الرسل هي الدعوة إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله تعالى وحده، قال جل جلاله: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [النحل: ٣٦].
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنبياء: ٢٥].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوةٌ لعلاتٍ أمهاتهم شتى ودينهم واحدٌ)33.
وعن قتادة رحمه الله: أرسلت الرسل بالإخلاص والتوحيد، لا يقبل منهم عمل حتى يقولوه ويقروا به، والشرائع مختلفة، في التوراة شريعة، وفي الإنجيل شريعة، وفي القرآن شريعة، حلال وحرام، وهذا كله في الإخلاص لله والتوحيد له34.
فالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام هم أصحاب الدعوة إلى التوحيد، وأهم أكثر البشر التزامًا بهذه الدعوة وتحقيقًا لها، ومنهم عيسى ابن مريم عليهما السلام الذي وصفه ربه عز وجل بأنه من الصالحين: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [آل عمران: ٤٦].
ومن اتصف بالصلاح كان قدوة حسنة لمتبعيه.
وقد ظهر إجلاله عليه السلام لربه تعالى، وإخلاصه له، وعبوديته، فها هو يدعو قومه إلى التوحيد، ويبين لهم عاقبة الشرك: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المائدة: ٧٢].
(ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الزخرف: ٦٣ - ٦٤].
وقد حكى الله تعالى حوارًا يكون بينه عز وجل وبين عيسى عليه السلام، يقر فيه عيسى عليه السلام بعبوديته، وافتقاره إلى الله تعالى، وأنه اجتهد وأخلص في دعوة قومه إلى التوحيد، وإفراد العبادة لله سبحانه، رغم ما حصل من انحراف بعضهم، وتأليههم لعيسى عليه السلام.
قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ) [المائدة: ١١٦-١٢٠].
قال جمهور المفسرين: هذا القول يكون من الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق؛ لأن عبادة النصارى لعيسى عليه السلام حدثت بعد رفعه، والمراد به توبيخ النصارى، وتبرئة عيسى عليه السلام مما نسبوه إليه، فيقول الله هذا الكلام لعيسى عليه السلام، فيتبرأ عيسى عليه السلام ويقول: سبحانك عن هذا الكلام القبيح، وعما لا يليق بك.
وقد تقدم في هذه السورة ما يثبت براءة عيسى عليه السلام من مثل هذه المقالة، وذلك قوله: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المائدة: ٧٢]35.
ثانيًا: حوار عيسى عليه السلام مع بني إسرائيل:
بدأ عيسى عليه السلام حواره مع قومه وهو في المهد، فقد رد عن أمه بقوله: (ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [مريم: ٢٩ - ٣٣].
وكان عيسى عليه السلام قد بعث لدعوة بني إسرائيل خاصة.
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ) [آل عمران: ٤٩].
فدعاهم عليه السلام إلى التوحيد، وإلى إخلاص العبادة لله تعالى وحده: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [آل عمران: ٥١].
(ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المائدة: ٧٢].
(ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [مريم: ٣٦].
(ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الزخرف: ٦٤].
وكان عيسى عليه السلام قد أرسل مقررًا لشريعة موسى عليه السلام في التوراة، مع ما جاء به في الإنجيل، قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [آل عمران: ٥٠].
قال ابن كثير رحمه الله: «فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة، وهو الصحيح من القولين، ومن العلماء من قال: لم ينسخ منها شيئًا، وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ، وكشف لهم عن الغطاء في ذلك، كما قال في الآية الأخرى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الزخرف: ٦٣] والله أعلم»36.
ومنه أيضًا قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [المائدة: ٤٦].
كما تضمنت دعوة عيسى عليه السلام البشارة بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ) [الصف: ٦].
واتخذ عيسى عليه السلام من قومه أنصارًا، قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [آل عمران: ٥٢].
(ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ) [الصف: ١٤].
فطلب النصرة ليحتمي بها من قومه، ويظهر الدعوة. وهذه سنة الله في أنبيائه وأوليائه، وقد قال لوط عليه السلام: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [هود: ٨٠].
أي: عشيرة وأصحاب ينصرونني37.
وكان من أساليبه عليه السلام أن دعاهم بالحكمة، قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [آل عمران: ٤٨].
(ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ) [المائدة: ١١٠].
وبالموعظة: قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [المائدة: ١١٢].
قال الإمام الطبري رحمه الله: «وأما قوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) فإنه يعني: قال عيسى للحواريين القائلين له: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) : راقبوا الله أيها القوم، وخافوا أن ينزل بكم من الله عقوبة على قولكم هذا، فإن الله لا يعجزه شيء أراده، وفي شككم في قدرة الله على إنزال مائدة من السماء كفر به، فاتقوا الله أن ينزل بكم نقمته (ﯫ ﯬ ﯭ)»38.
واستعمل معهم الترغيب والترهيب: قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المائدة: ٧٢].
فكان من قوم عيسى عليه السلام فئة معتدلة، آمنت به واتبعت دعوته، قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [آل عمران: ٥٢ - ٥٣].
(ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ) [الصف: ١٤].
ومنهم فئة مفرطة كفرت ولم تؤمن: (ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙﰚ) [الصف: ١٤].
وتجاوزوا ذلك إلى التآمر عليه -عليه السلام- ومحاولة قتله، قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [آل عمران: ٥٤-٥٥].
وثالثة أفرطت في حقه عليه السلام، وخالفت دعوته، فقالوا مرة: بأنه هو الله، وقالت أخرى: بأنه ابن الله، وثالثة: بأنه ثالث ثلاثة، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.
وقد رد الله تعالى في كتابه كل هذه الادعاءات؛ سعيًا إلى بيان الحقيقة وتصحيحًا للعقيدة، فاستنكر كون المسيح إلهًا، وشنع على من قال بأنه ابن الله، كما رفض عقيدة التثليث39.
وأخبر سبحانه أن غلو النصارى في المسيح، واعتقادهم أنه إله أو ابن لله كفر بالله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [المائدة: ١٧].
(ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [التوبة: ٣٠].
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ) [النساء: ١٧١].
(ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [المائدة: ٧٣]4041.
عيسى عليه السلام نبي الله ورسوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [البقرة: ٢٥٣].
وقد أيد الله أنبياءه ورسله بالمعجزات الباهرات، والآيات الظاهرات، الدالة على صدقهم فيما جاؤوا به من عند الله عز وجل.
والمعجزة: فعل يظهر على يدي مدعي النبوة، بخلاف العادة، في زمان التكليف، موافقًا لدعواه، وهو يدعو الخلق إلى معارضته، ويتحداهم أن يأتوا بمثله فيعجزوا عنه؛ فيبين به صدق ما يظهر على يده42.
قال العلماء: إن الله تعالى جعل معجزات الأنبياء من جنس أبرع وأشهر ما يكون في زمانهم؛ ليكون أبلغ في التأثير على أقوامهم، وإظهار نبوتهم، فلما كان الغالب في زمان موسى عليه السلام هو السحر؛ جعل معجزته ما هو أقرب إلى طريقتهم، ولـما كان الغالب في أيام عيسى عليه السلام الطب؛ جعل معجزاته من جنس تلك الطريقة، فجاء عليه السلام بغرائب لا تعرف في أصول الطب، وكذلك لـما كان الغالب في أيام الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الفصاحة والبلاغة؛ جعل معجزته ما كان لائقًا بذلك الزمان، وهو فصاحة القرآن43.
ومن معجزات عيسى عليه السلام:
وقد مرت بنا قصة حمل مريم بابنها عيسى عليه السلام.
كلام عيسى عليه السلام في المهد.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [آل عمران: ٤٥-٤٦].
(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة: ١١٠].
(ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [مريم: ٢٧-٣٣].
إذًا فقد أنطق الله تعالى عيسى عليه السلام في مهده، دلالةً على براءة أمه مما قذفها به المفترون عليها، وحجة له على نبوته عليه السلام . والمهد: الحجر حجر أمه، أو موضع اضطجاع الصبي وقت تربيته44.
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [آل عمران: ٤٩].
(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [المائدة: ١١٠].
فمن معجزات عيسى عليه السلام أنه يصور من الطين شكل طير، ثم ينفخ فيه، فيكون طيرًا حقيقيا ذا حياة، فيطير عيانًا بإذن الله عز وجل.
وقوله: (ﮏ ﮐ) فيه دليلٌ على أنه لولا الإذن من الله عز وجل لم يقدر على ذلك، وأن خلق ذلك كان بفعل الله سبحانه، أجراه على يد عيسى عليه السلام، فكون عيسى عليه السلام خالقًا بيده، ونافخًا بفيه إنما هو ليبين تلبسه بالمعجزة، وأنها جاءت من قبله، وأما الإيجاد من العدم، وخلق الحياة في ذلك الطين فمن الله تعالى وحده لا شريك له45.
قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران: ٤٩].
(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [المائدة: ١١٠].
(ﮒ) معناه: أزيل المرض يقال: برأ المريض وأبرأه غيره، ويقال: برىء المريض أيضًا.
(ﮓ): هو الأعمى الذي لا يبصر شيئًا لا ليلًا ولا نهارًا. وهذا ما رجحه الطبري رحمه الله.
(ﮔ): البرص، المرض المعروف46.
وذكر هذين الداءين خاصة؛ لأن الاحتجاج على بني إسرائيل في معنى النبوة لا يقوم إلا بالإبراء من العلل التي لا يبرىء منها طبيب بوجه، إلا من أعطاه الله مثل الذي أعطى عيسى عليه السلام.
وقد روي أنه ربما كان يجتمع عليه ألوف من المرضى، من أطاق منهم أتاه، ومن لم يطق أتاه عيسى عليه السلام، وما يداوي إلا بالدعاء.
وكان الغالب على زمان عيسى عليه السلام الطب، فأراهم الله المعجزة في جنس علمهم47.
قال تعالى: ( ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [آل عمران: ٤٩].
(ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [المائدة: ١١٠].
كرر بإذن الله دفعًا لتوهم الألوهية، فإن الإحياء ليس من جنس الأفعال البشرية48.
قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [آل عمران: ٤٩]
يعني: وأخبركم بما تأكلون، مما لم أعاينه وأشاهده معكم في وقت أكلكم، وما ترفعونه فتخبأونه ولا تأكلونه.
وهذا كله من الإنباء بالغيب الذي لا سبيل لأحد من البشر عليه إلا بإذن الله49.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [المائدة: ١١٢-١١٥].
هذه قصة المائدة، وهي مما امتن الله به على عبده ورسوله عيسى عليه السلام، لما أجاب دعاءه بنزولها، بعد طلب من قومه، فأنزلها الله آية ودلالة ومعجزة باهرة وحجة قاطعة على قدرته تعالى، وعلى نبوته عليه السلام 50.
أولًا: رفع عيسى عليه السلام إلى السماء:
لما تآمر أعداء الله من اليهود على قتل عيسى عليه السلام والخلاص منه ومن دعوته، نجاه الله سبحانه وتعالى منهم، ورد كيدهم في نحورهم، فرفعه إليه.
يدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [آل عمران: ٥٥].
قال ابن جرير رحمه الله: «يعني بذلك جل ثناؤه: ومكر الله بالقوم الذين حاولوا قتل عيسى عليه السلام مع كفرهم بالله وتكذيبهم عيسى - عليه السلام - فيما أتاهم به من عند ربهم، إذ قال الله جل ثناؤه: (ﭧ ﭨ). فتوفاه ورفعه إليه.
ثم اختلف أهل التأويل في معنى الوفاة التي ذكرها الله عز وجل في هذه الآية:
فقال بعضهم: هي وفاة نوم، وكان معنى الكلام على مذهبهم إني منيمك ورافعك في نومك.
وقال آخرون: معنى ذلك إني قابضك من الأرض فرافعك إلي، قالوا: ومعنى الوفاة القبض، لما يقال: توفيت من فلان ما لي عليه، بمعنى: قبضته واستوفيته، قالوا: فمعنى قوله: (ﭧ ﭨ ﭩ) أي: قابضك من الأرض حيًا إلى جواري، وآخذك إلى ما عندي بغير موت، ورافعك من بين المشركين وأهل الكفر بك
وقال آخرون: معنى ذلك إني متوفيك وفاة موت.
وقال آخرون: معنى ذلك إذ قال الله يا عيسى إني رافعك إليَّ، ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا. وقال: هذا من المقدم الذي معناه التأخير، والمؤخر الذي معناه التقديم.
قال أبو جعفر: «وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال: معنى ذلك إني قابضك من الأرض ورافعك إليَّ؛ لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال ثم يمكث في الأرض)51 مدة ذكرها اختلفت الرواية في مبلغها، ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه»52.
وأكد الله تعالى أن عيسى عليه السلام لم يقتل، ولم يصلب، بل شبه على اليهود الذين أرادوا ذلك، فظنوا أنهم صلبوه.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النساء:١٥٧].
أما قضية الرفع فبينا أقوال المفسرين فيها، وعلماء أهل السنة على أنه عليه السلام رفع ببدنه وروحه إلى السماء53، أما كيف شبه لهم؟ فهناك تفسيرات عديدة لمسألة التشبيه على الناس في مسألة الصلب، و نلخص التفسيرات التي لا تعارض القرآن الكريم بما يلي:
والناظر إلى التفسيرات الأربعة أعلاه يرى عدم تعارضها مع الآية: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ) [النساء: ١٥٧].
لكن النظريتين الأخيرتين تعتمدان في الأغلب على أناجيل النصارى الذين لا نصدقهم في ادعاءاتهم ولا نكذبهم؛ حيث لم يخالفوا في قصتهم عن شبيه المسيح نصًا من نصوص الشريعة الإسلامية من قرآن أو حديث58.
ثانيًا: نزوله عليه السلام آخر الزمان:
وردت الإشارة إلى هذا النزول في القرآن الكريم حسب أقوال المفسرين، ففي قوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الزخرف: ٦١].
قال ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وقتادة: إنه خروج عيسى عليه السلام، وذلك من أعلام الساعة؛ لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة، كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة59.
وفي قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [النساء: ١٥٩].
قال ابن جرير رحمه الله: «يعني قبل موت عيسى -عليه السلام- يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال، فتصير الملل كلها واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفية، دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم»60.
وأما في السنة فقد تواترت الأحاديث على نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان61، وفي الصحيحين:
عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحدٌ)62.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعضٍ أمراء، تكرمة الله هذه الأمة)63.
وأما الحكمة من نزوله، فللعلماء في ذلك أقوال، منها:
وأما مدة بقائه في الأرض فقد اختلفت في ذلك الروايات بين سبع سنين، أو تسع عشرة، أو أربعين سنة65.
موضوعات ذات صلة: |
الإنجيل، أهل الكتاب، مريم، موسى، النصارى |
1 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ١/٣٥٣، المصباح المنير، الفيومي ٢/٤٤٠، لسان العرب، ابن منظور ٦/١٥٢، تاج العروس ١٦/٢٩٧، الكليات، الكفوي ١/٦٦٢.
2 الأخمص باطن القدم وما رق من أسفلها وتجافى عن الأرض وقيل الأخمص خصر القدم، والأخمص ما دخل من باطن القدم فلم يصب الأرض، فالأخمص من القدم الموضع الذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطء.
انظر: النهاية، ابن الأثير ٢/٨٠، لسان العرب، ابن منظور ٧/٣٠.
3 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٣٩٠، تفسير السمعاني ١/٣١٥، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٤٤، البحر المحيط، أبو حيان ٢/٤٨٠.
4 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب: (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم)، رقم ٤٥٤٦، ٦/٣٤.
5 فتح القدير، الشوكاني ١/٣٩١.
6 تفسير المراغي ٣/١٥٠.
7 انظر: أشراط الساعة ص١٥١.
8 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين، ٤/١١٦، رقم ٣٢٣٩.
9 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب (واذكر في الكتاب مريم)، ٤/١٦٦، رقم ٣٤٣٨.
10 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (واذكر في الكتاب مريم)، ٤/١٦٦، رقم ٣٤٤٠.
11 انظر: فتح الباري، ابن حجر ٦/٤٨٦.
12 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٢/٣٣٤.
13 انظر: النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير ١/٢٧٥، لسان العرب، ابن منظور ٣/١٢٢.
14 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، ١/١٥١، رقم ١٦٥.
15 انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/٢٢٨.
16 وقيل: لا يبرح منه حتى يبلغ الحلم، فإذا بلغ خير، فإن أحب أن يقيم فيه أقام، وإن أحب أن يذهب ذهب حيث شاء.
انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/٢٢٨.
17 انظر: تاريخ ابن الوردي ١/٣٠، المختصر في أخبار البشر، عماد الدين أبو الفداء ١/١٩.
18 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب: (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم)، رقم ٤٥٤٦، ٦/٣٤.
وانظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/٢٢٨، البداية والنهاية، ابن كثير ٢/٥٧.
19 وذهب بعض العلماء إلى كونها لم ترضع ثديا قط.
انظر: تفسير السمعاني ١/٣١٤، الكشاف، الزمخشري ١/٣٨٦، البحر المحيط، أبو حيان ٢/٤٦١.
20 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٨٠٥، الكشاف، الزمخشري ١/٣٦٨، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٢٦.
21 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وإذا قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه)، رقم ٣٤٣٣، ٤/١٦٤، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، رقم ٢٤٣١، ١٨٨٦.
22 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك)، ٤/١٦٤، رقم ٣٤٣٢.
23 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٣٨٧- ٣٩١.
24 مفاتيح الغيب ٢١/٥٢٤.
وانظر: جامع البيان، الطبري ١٨/١٦٦، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٣٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٧٣.
25 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٣/٢٥٤.
26 دعوة عيسى في الكتاب والسنة ص٧.
27 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٣/٤، مفاتيح الغيب ٢١/١٧٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١١٨.
28 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٤٥، المختصر في تاريخ البشر، عماد الدين أبو الفداء ١/١٩.
29 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٣/٤،
30 أضواء البيان ٣/٣٨٩.
31 انظر: دعوة عيسى عليه السلام في الكتاب والسنة ص٨- ٩.
32 انظر: عيسى المسيح والتوحيد ص٢٢١.
33 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم)، ٤/١٦٧، رقم ٣٤٤٢.
34 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/١٥.
35 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٢٥١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٣٢، البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٤/٤١٦، التحرير والتنوير ٧/١١٢.
36 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٢٥١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٣٢، البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٤/٤١٦، التحرير والتنوير ٧/١١٢.
37 تفسير القرآن العظيم ١/٣٦٦.
38 جامع البيان ٧/١٣١.
39 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٩٧.
40 جامع البيان ٧/١٣١.
41 والحق الذي جاء في القرآن عن حقيقة المسيح عليه السلام أنه مخلوق كبقية البشر، هو الذي جاء في الإنجيل، فقد جاء فيه: أن المسيح ولد بعد أن لم يكن شيئًا انظر: لوقا ٢: ٤-٧، ومتى ٢: ١-٦، وختن بعد أن كان أغلف انظر: لوقا ٢: ٢١، وكان يصلي ويجتهد في عبادة الله انظر: لوقا ٩: ١٨، ٢٨، ٢٩، ومتى ١٤: ٢٢، وشب واكتهل بعد أن كان صبيًا انظر: لوقا ٢: ٤٢، ٣: ٢٣، وجاع فأكل انظر: متى ٤: ٢، ٢٦: ١٧-٢٥، ومرقس ١١: ١٢، ١٤: ١، ١٤: ١٢-٢٦، لوقا ١٤: ١، يوحنا ١٣: ١-٤، وعطش ثم شرب انظر: يوحنا ٤: ٧-١٠، ومشى ثم تعب فجلس انظر: متى ٥: ١، ١٣: ١-٢، يوحنا ٤: ٧، وركب الجحش في البر والسفينة في البحر انظر: متى ٥: ١، ١٣: ١-٢، يوحنا ٤: ٧، وبصق على الأرض انظر: مرقس ٧: ٣٣، ٨: ٢٣، يوحنا ٩: ٦، وكان يحزن فيبكي انظر: مرقس ١٤: ٣٣- ٣٤، لوقا ١٩: ٤١، وغير ذلك من الصفات التي تدل على أنه مخلوق مثل بقية البشر، لا يختلف عنهم، إلا أن الله اصطفاه بالرسالة كغيره من الرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين انظر: المسيح عيسى ابن مريم مصدق لما بين يديه من التوراة/١١- ١٤.
42 التبصير في الدين، الإسفرائيني ص ١٦٩.
43 بل إن التأكيد على دعوة التوحيد ثابتة في كتبهم، ففي إنجيل يوحنا: «وهذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته» يوحنا ١٧: ٣.ففي هذا النص التصريح بأن الله هو الإله الحق الذي لا إله غيره، بأن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله، فهو ليس إلهًا، ولا ابن إله، ولا ثالث ثلاثة كما تزعم النصارى.
44 انظر: عيسى المسيح والتوحيد، محمد عطا الرحيم ص٢٢١- ٢٣٠.
45 والحق الذي جاء في القرآن عن حقيقة المسيح عليه السلام أنه مخلوق كبقية البشر، هو الذي جاء في الإنجيل، فقد جاء فيه: أن المسيح ولد بعد أن لم يكن شيئًا انظر: لوقا ٢: ٤-٧، ومتى ٢: ١-٦، وختن بعد أن كان أغلف انظر: لوقا ٢: ٢١، وكان يصلي ويجتهد في عبادة الله انظر: لوقا ٩: ١٨، ٢٨، ٢٩، ومتى ١٤: ٢٢، وشب واكتهل بعد أن كان صبيًا انظر: لوقا ٢: ٤٢، ٣: ٢٣، وجاع فأكل انظر: متى ٤: ٢، ٢٦: ١٧-٢٥، ومرقس ١١: ١٢، ١٤: ١، ١٤: ١٢-٢٦، لوقا ١٤: ١، يوحنا ١٣: ١-٤، وعطش ثم شرب انظر: يوحنا ٤: ٧-١٠، ومشى ثم تعب فجلس انظر: متى ٥: ١، ١٣: ١-٢، يوحنا ٤: ٧، وركب الجحش في البر والسفينة في البحر انظر: متى ٥: ١، ١٣: ١-٢، يوحنا ٤: ٧، وبصق على الأرض انظر: مرقس ٧: ٣٣، ٨: ٢٣، يوحنا ٩: ٦، وكان يحزن فيبكي انظر: مرقس ١٤: ٣٣- ٣٤، لوقا ١٩: ٤١، وغير ذلك من الصفات التي تدل على أنه مخلوق مثل بقية البشر، لا يختلف عنهم، إلا أن الله اصطفاه بالرسالة كغيره من الرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين انظر: المسيح عيسى ابن مريم مصدق لما بين يديه من التوراة/١١- ١٤.
46 التبصير في الدين، الإسفرائيني ص ١٦٩.
47 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٥٣، مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/١٣.
48 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٤١٨، ١٨/١٨٩، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٣٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٢٤، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٧، أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٥٣٥.
49 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٣٩، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٢٨، ٢٢٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٤، فتح القدير، الشوكاني ١/٣٩٢، محاسن التأويل، القاسمي ٢/٣٢٠، تفسير المراغي ٣/١٥٧، ١٥٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٢٥١.
50 البرص: داء معروف، وهو بياض يقع في الجسد، برِصَ بَرَصًا، والأنثى برصاء. انظر: لسان العرب ٧/٥.
51 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٤٣١، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٣٩- ٤٤٠، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٢٩، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٨، البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٣/١٦٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٤، تفسير المراغي ٣/١٥٨.
52 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٨.
53 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٤٣٢، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٢٥٢.
54 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٢٥.
55 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعضٍ أمراء، تكرمة الله هذه الأمة».أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم، رقم ١٥٦، ١/١٣٧.
56 جامع البيان، الطبري ٣/٢٨٩- ٢٩١.
57 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٤/٦٤- ٦٥، مجموع فتاوي ابن تيمية ٤/٣٢٢.
58 ويقوي هذا الاحتمال ما نقله إنجيل يوحنا بأن يسوع تحدى اليهود بأنهم سيطلبونه ولا يجدونه: «فقال لهم يسوع: أنا معكم زمانًا يسيرًا بعد، ثم أمضي إلى الذي أرسلني.ستطلبونني ولا تجدونني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا» يوحنا ٧: ٣٤-٣٥.
59 الفصل ١/٧٦.
60 الفصل ١/٧٧.وذهب قريبًا من هذا الاستنتاج النصراني «ملمن» في كتابه «تاريخ الديانة النصرانية» حيث يقول: «إن تنفيذ الحكم كان وقت الغلس، وإسدال ثوب الظلام، فيستنتج من ذلك إمكان استبدال المسيح بأحد المجرمين الذين كانوا في سجون القدس منتظرين تنفيذ حكم القتل عليهم كما اعتقد بعض الطوائف، وصدقهم القرآن».
61 ويؤيد هذه القصة ما ورد في إنجيل برنابا، فقد جاء فيه أن الله ألقى شبه عيسى عليه السلام على يهوذا، وأنه رفع إلى السماء.و قد مهد لهذا بإعلان أن المسيح عليه السلام سوف يحيا إلى نحو منتهى العالم، وأن جبريل قد أخبره بخيانة يهوذا، ثم أعلن يسوع أن الله سيصعده من الأرض، وسيغير منظر الخائن يهوذا حتى يظنه كل أحد أنه يسوع برنابا ١١٢: ١٥.ثم يؤكد إنجيل برنابا القول بأن المسيح عليه السلام لم يوضع على الصليب أبدًا، بل ألقى الله شبهه على يهوذا الاسخريوطي فصلب بديلًا عنه.و مما قاله برنابا: «الحق أقول إن صوت يهوذا وشخصه ووجهه بلغت من الشبه بيسوع أن اعتقد تلاميذه و المؤمنون به كافة أنه يسوع» إنجيل برنابا: تحقيق سيف الله أحمد فاضل/٢٩٢.
62 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٨٠٥، الكشاف ١/٣٦٨، المحرر الوجيز ١/٤٢٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٧.
63 انظر: الجامع لأحكام القرآن ١٦/٧٠، تفسير القرآن العظيم ٤/١٣٣.
64 جامع البيان ٦/١٨.
65 انظر أقوال أهل العلم في تواتر الأحاديث في هذه المسألة: التصريح بما تواتر في نزول المسيح، الكشميري، ص ٥٦.