عناصر الموضوع

التعريف بعيسى عليه السلام

صفات عيسى عليه السلام

ذكر عيسى عليه السلام في القرآن الكريم

التعريف بمريم عليها السلام

حمل مريم بعيسى عليهما السلام

حوارات عيسى عليه السلام

معجزات عيسى عليه السلام

رفع عيسى عليه السلام ونـزوله

عيسى عليه السلام

التعريف بعيسى عليه السلام

أولًا: اسمه ونسبه:

ذكر الله تعالى اسمه ونسبه في كتابه العزيز، فسماه المسيح عيسى، ونسبه إلى أمه مريم، ولم يزد على ذلك: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [آل عمران: ٤٥].

فهو إذًا: المسيح عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله.

وعيسى: اسم علم، وهو اسم أعجمي غير منصرف، وهو عبراني أو سرياني1.

ثانيًا: لقبه:

تسميته بالمسيح: التسمية بـ (المسيح) في حق عيسى عليه السلام على سبيل المدح، قالوا: وهو لقب من الألقاب المشرفة كالصديق والفاروق.

أما سبب تسميته بالمسيح:

قيل: أصله مشيحا بالعبرانية، ومعناه: المبارك.

وقيل: سمي عيسى عليه السلام مسيحًا؛ لأنه ما كان يمسح بيده ذا عاهة إلا برىء من مرضه.

وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه كان يمسح الأرض، أي: يقطعها.

وقيل: كان مسيحًا؛ لأنه كان يمسح رأس اليتامى لله تعالى.

وقيل: لأنه مسح من الأوزار والآثام.

وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه لم يكن في قدمه خمص2، فكان ممسوح القدمين.

وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه كان ممسوحًا بدهن طاهر مبارك يمسح به الأنبياء ولا يمسح به غيرهم، ثم قالوا وهذا الدهن يجوز أن يكون الله تعالى جعله علامة حتى تعرف الملائكة أن كل من مسح به وقت الولادة فإنه يكون نبيًا.

وقيل: سمي مسيحًا؛ لأنه مسحه جبريل عليه السلام بجناحه وقت ولادته؛ ليكون ذلك صونًا له عن مس الشيطان3.

ولما كانت العادة أن ينسب الأولاد إلى آبائهم، نسب عيسى عليه السلام إلى أمه ليكون ذلك دليلًا على براءتها، وأنه لا أب له في الحقيقة.

صفات عيسى عليه السلام

عيسى عليه السلام نبي الله ورسوله، فهو إذًا متصف بكل الصفات التي تؤهله لهذه المكانة العالية والمقام الرفيع.

أولًا: صفاته الخُلُقية:

  1. خلق عيسى عليه السلام بغير أب.

    وقد مرت بنا قصة حمل مريم بابنها عيسى عليه السلام.

    كلام عيسى عليه السلام في المهد.

    قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [آل عمران: ٤٥-٤٦].

    (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة: ١١٠].

    (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [مريم: ٢٧-٣٣].

    إذًا فقد أنطق الله تعالى عيسى عليه السلام في مهده، دلالةً على براءة أمه مما قذفها به المفترون عليها، وحجة له على نبوته عليه السلام . والمهد: الحجر حجر أمه، أو موضع اضطجاع الصبي وقت تربيته44.

  2. أنه عليه السلام ينفخ في الطين فيكون روحًا بإذن الله.

    قال تعالى: ( ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [آل عمران: ٤٩].

    (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ) [المائدة: ١١٠].

    فمن معجزات عيسى عليه السلام أنه يصور من الطين شكل طير، ثم ينفخ فيه، فيكون طيرًا حقيقيا ذا حياة، فيطير عيانًا بإذن الله عز وجل.

    وقوله: (ﮏ ﮐ) فيه دليلٌ على أنه لولا الإذن من الله عز وجل لم يقدر على ذلك، وأن خلق ذلك كان بفعل الله سبحانه، أجراه على يد عيسى عليه السلام، فكون عيسى عليه السلام خالقًا بيده، ونافخًا بفيه إنما هو ليبين تلبسه بالمعجزة، وأنها جاءت من قبله، وأما الإيجاد من العدم، وخلق الحياة في ذلك الطين فمن الله تعالى وحده لا شريك له45.

  3. إبراء الأكمه والأبرص.

    قال تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران: ٤٩].

    (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [المائدة: ١١٠].

    () معناه: أزيل المرض يقال: برأ المريض وأبرأه غيره، ويقال: برىء المريض أيضًا.

    (): هو الأعمى الذي لا يبصر شيئًا لا ليلًا ولا نهارًا. وهذا ما رجحه الطبري رحمه الله.

    (): البرص، المرض المعروف46.

    وذكر هذين الداءين خاصة؛ لأن الاحتجاج على بني إسرائيل في معنى النبوة لا يقوم إلا بالإبراء من العلل التي لا يبرىء منها طبيب بوجه، إلا من أعطاه الله مثل الذي أعطى عيسى عليه السلام.

    وقد روي أنه ربما كان يجتمع عليه ألوف من المرضى، من أطاق منهم أتاه، ومن لم يطق أتاه عيسى عليه السلام، وما يداوي إلا بالدعاء.

    وكان الغالب على زمان عيسى عليه السلام الطب، فأراهم الله المعجزة في جنس علمهم47.

  4. إحياء الموتى.

    قال تعالى: ( ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [آل عمران: ٤٩].

    (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [المائدة: ١١٠].

    كرر بإذن الله دفعًا لتوهم الألوهية، فإن الإحياء ليس من جنس الأفعال البشرية48.

  5. الإنباء بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.

    قال تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [آل عمران: ٤٩]

    يعني: وأخبركم بما تأكلون، مما لم أعاينه وأشاهده معكم في وقت أكلكم، وما ترفعونه فتخبأونه ولا تأكلونه.

    وهذا كله من الإنباء بالغيب الذي لا سبيل لأحد من البشر عليه إلا بإذن الله49.

  6. نزول المائدة.

    قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [المائدة: ١١٢-١١٥].

    هذه قصة المائدة، وهي مما امتن الله به على عبده ورسوله عيسى عليه السلام، لما أجاب دعاءه بنزولها، بعد طلب من قومه، فأنزلها الله آية ودلالة ومعجزة باهرة وحجة قاطعة على قدرته تعالى، وعلى نبوته عليه السلام 50.

    رفع عيسى عليه السلام ونـزوله

    أولًا: رفع عيسى عليه السلام إلى السماء:

    لما تآمر أعداء الله من اليهود على قتل عيسى عليه السلام والخلاص منه ومن دعوته، نجاه الله سبحانه وتعالى منهم، ورد كيدهم في نحورهم، فرفعه إليه.

    يدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [آل عمران: ٥٥].

    قال ابن جرير رحمه الله: «يعني بذلك جل ثناؤه: ومكر الله بالقوم الذين حاولوا قتل عيسى عليه السلام مع كفرهم بالله وتكذيبهم عيسى - عليه السلام - فيما أتاهم به من عند ربهم، إذ قال الله جل ثناؤه: (ﭧ ﭨ). فتوفاه ورفعه إليه.

    ثم اختلف أهل التأويل في معنى الوفاة التي ذكرها الله عز وجل في هذه الآية:

    فقال بعضهم: هي وفاة نوم، وكان معنى الكلام على مذهبهم إني منيمك ورافعك في نومك.

    وقال آخرون: معنى ذلك إني قابضك من الأرض فرافعك إلي، قالوا: ومعنى الوفاة القبض، لما يقال: توفيت من فلان ما لي عليه، بمعنى: قبضته واستوفيته، قالوا: فمعنى قوله: (ﭧ ﭨ ﭩ) أي: قابضك من الأرض حيًا إلى جواري، وآخذك إلى ما عندي بغير موت، ورافعك من بين المشركين وأهل الكفر بك

    وقال آخرون: معنى ذلك إني متوفيك وفاة موت.

    وقال آخرون: معنى ذلك إذ قال الله يا عيسى إني رافعك إليَّ، ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا. وقال: هذا من المقدم الذي معناه التأخير، والمؤخر الذي معناه التقديم.

    قال أبو جعفر: «وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال: معنى ذلك إني قابضك من الأرض ورافعك إليَّ؛ لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال ثم يمكث في الأرض)51 مدة ذكرها اختلفت الرواية في مبلغها، ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه»52.

    وأكد الله تعالى أن عيسى عليه السلام لم يقتل، ولم يصلب، بل شبه على اليهود الذين أرادوا ذلك، فظنوا أنهم صلبوه.

    قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النساء:١٥٧].

    أما قضية الرفع فبينا أقوال المفسرين فيها، وعلماء أهل السنة على أنه عليه السلام رفع ببدنه وروحه إلى السماء53، أما كيف شبه لهم؟ فهناك تفسيرات عديدة لمسألة التشبيه على الناس في مسألة الصلب، و نلخص التفسيرات التي لا تعارض القرآن الكريم بما يلي:

  1. لم يصلب اليهود أحدًا، لكنهم ادعوا ذلك ليشبهوا على من قلدهم و يكذبوا عليهم بعد أن نجى الله المسيح عليه السلام من مكرهم54.
  2. صلب اليهود واحدًا من الناس و ادعوا أنه هو المسيح ابن مريم عليه السلام؛ ليشبهوا الأمر على الناس بعد أن نجى الله نبيه عليه السلام، وهذا التفسير هو ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله في كتابه «الفصل في الملل والأهواء والنحل» حيث يقول رحمه الله: «إنما عنى بذلك تعالى أن أولئك الفساق الذين دبروا هذا الباطل وتواطؤوا عليه أنهم كذبة، وهم شبهوا على من قلدهم وكذبوا عليهم، فأخبروهم أنهم صلبوه وقتلوه، وهم كاذبون في ذلك، عالمون أنهم كذبة»55. و يضيف ابن حزم في شرح جملة (شبه لهم) قائلًا: «إنما هو إخبار عن الذين يقولون بتقليد أسلافهم من النصارى واليهود أنه عليه السلام قتل و صلب، فهؤلاء شبه لهم القول، أي: أدخلوا في شبهة منه. وكان المشبهون لهم شيوخ السوء في ذلك الوقت، وشُرَطهم المدعون لهم أنهم قتلوه وصلبوه، وهم يعلمون أنه لم يكن ذلك. وإنما أخذوا من أمكنهم فقتلوه وصلبوه في استتار ومنع من حضور الناس. ثم أنزلوه ودفنوه تمويهًا على العامة الذين شبه لهم الخبر»56.
  3. صلب اليهود أحد تلاميذ المسيح عليه السلام الذين افتدوا نبيهم بأنفسهم، فادعى التلميذ بأنه هو المسيح عليه السلام عندما طلبه الجنود. فشبه الأمر لليهود بأن ظنوا أنهم صلبوا المسيح عليه السلام وقتلوه.
  4. صلب اليهود أحد الذين وشوا بالمسيح عليه السلام بعد أن جعل اليهود يرونه على صورة المسيح عليه السلام . فظنه اليهود بأنه هو المسيح عليه السلام فصلبوه وقتلوه. فشبه الأمر لليهود بأن ظنوا أنهم صلبوا المسيح عليه السلام وقتلوه57.

    والناظر إلى التفسيرات الأربعة أعلاه يرى عدم تعارضها مع الآية: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ) [النساء: ١٥٧].

    لكن النظريتين الأخيرتين تعتمدان في الأغلب على أناجيل النصارى الذين لا نصدقهم في ادعاءاتهم ولا نكذبهم؛ حيث لم يخالفوا في قصتهم عن شبيه المسيح نصًا من نصوص الشريعة الإسلامية من قرآن أو حديث58.

    ثانيًا: نزوله عليه السلام آخر الزمان:

    وردت الإشارة إلى هذا النزول في القرآن الكريم حسب أقوال المفسرين، ففي قوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الزخرف: ٦١].

    قال ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وقتادة: إنه خروج عيسى عليه السلام، وذلك من أعلام الساعة؛ لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة، كما أن خروج الدجال من أعلام الساعة59.

    وفي قوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [النساء: ١٥٩].

    قال ابن جرير رحمه الله: «يعني قبل موت عيسى -عليه السلام- يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال، فتصير الملل كلها واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفية، دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم»60.

    وأما في السنة فقد تواترت الأحاديث على نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان61، وفي الصحيحين:

    عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحدٌ)62.

    وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعضٍ أمراء، تكرمة الله هذه الأمة)63.

    وأما الحكمة من نزوله، فللعلماء في ذلك أقوال، منها:

    • الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه، فبين تعالى كذبهم، وأنه الذي يقتلهم.
    • نزوله لدنو أجله ليدفن في الأرض؛ إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها.
    • أنه دعا الله لما رأى صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأمته أن يجعله منهم، فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل في آخر الزمان مجددًا لأمر الإسلام، فيوافق خروج الدجال فيقتله.
    • تكذيبه لكل من ادعى إلهيته أو بنوته لله تعالى. قال ابن حجر رحمه الله: «والأول أوجه»64.

      وأما مدة بقائه في الأرض فقد اختلفت في ذلك الروايات بين سبع سنين، أو تسع عشرة، أو أربعين سنة65.

      موضوعات ذات صلة:

      الإنجيل، أهل الكتاب، مريم، موسى، النصارى


1 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ١/٣٥٣، المصباح المنير، الفيومي ٢/٤٤٠، لسان العرب، ابن منظور ٦/١٥٢، تاج العروس ١٦/٢٩٧، الكليات، الكفوي ١/٦٦٢.

2 الأخمص باطن القدم وما رق من أسفلها وتجافى عن الأرض وقيل الأخمص خصر القدم، والأخمص ما دخل من باطن القدم فلم يصب الأرض، فالأخمص من القدم الموضع الذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطء.

انظر: النهاية، ابن الأثير ٢/٨٠، لسان العرب، ابن منظور ٧/٣٠.

3 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٣٩٠، تفسير السمعاني ١/٣١٥، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٤٤، البحر المحيط، أبو حيان ٢/٤٨٠.

4 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب: (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم)، رقم ٤٥٤٦، ٦/٣٤.

5 فتح القدير، الشوكاني ١/٣٩١.

6 تفسير المراغي ٣/١٥٠.

7 انظر: أشراط الساعة ص١٥١.

8 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين، ٤/١١٦، رقم ٣٢٣٩.

9 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب (واذكر في الكتاب مريم)، ٤/١٦٦، رقم ٣٤٣٨.

10 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (واذكر في الكتاب مريم)، ٤/١٦٦، رقم ٣٤٤٠.

11 انظر: فتح الباري، ابن حجر ٦/٤٨٦.

12 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير ٢/٣٣٤.

13 انظر: النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير ١/٢٧٥، لسان العرب، ابن منظور ٣/١٢٢.

14 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، ١/١٥١، رقم ١٦٥.

15 انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/٢٢٨.

16 وقيل: لا يبرح منه حتى يبلغ الحلم، فإذا بلغ خير، فإن أحب أن يقيم فيه أقام، وإن أحب أن يذهب ذهب حيث شاء.

انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/٢٢٨.

17 انظر: تاريخ ابن الوردي ١/٣٠، المختصر في أخبار البشر، عماد الدين أبو الفداء ١/١٩.

18 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب: (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم)، رقم ٤٥٤٦، ٦/٣٤.

وانظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير ١/٢٢٨، البداية والنهاية، ابن كثير ٢/٥٧.

19 وذهب بعض العلماء إلى كونها لم ترضع ثديا قط.

انظر: تفسير السمعاني ١/٣١٤، الكشاف، الزمخشري ١/٣٨٦، البحر المحيط، أبو حيان ٢/٤٦١.

20 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٨٠٥، الكشاف، الزمخشري ١/٣٦٨، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٢٦.

21 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وإذا قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه)، رقم ٣٤٣٣، ٤/١٦٤، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، رقم ٢٤٣١، ١٨٨٦.

22 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: (وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك)، ٤/١٦٤، رقم ٣٤٣٢.

23 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٣/٣٨٧- ٣٩١.

24 مفاتيح الغيب ٢١/٥٢٤.

وانظر: جامع البيان، الطبري ١٨/١٦٦، المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٣٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/١٧٣.

25 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٣/٢٥٤.

26 دعوة عيسى في الكتاب والسنة ص٧.

27 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٣/٤، مفاتيح الغيب ٢١/١٧٤، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١١٨.

28 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٢/١٤٥، المختصر في تاريخ البشر، عماد الدين أبو الفداء ١/١٩.

29 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٣/٤،

30 أضواء البيان ٣/٣٨٩.

31 انظر: دعوة عيسى عليه السلام في الكتاب والسنة ص٨- ٩.

32 انظر: عيسى المسيح والتوحيد ص٢٢١.

33 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأنبياء، باب قوله تعالى: (واذكر في الكتاب مريم)، ٤/١٦٧، رقم ٣٤٤٢.

34 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/١٥.

35 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٢٥١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٣٢، البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٤/٤١٦، التحرير والتنوير ٧/١١٢.

36 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٢٥١، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٣٢، البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٤/٤١٦، التحرير والتنوير ٧/١١٢.

37 تفسير القرآن العظيم ١/٣٦٦.

38 جامع البيان ٧/١٣١.

39 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٩٧.

40 جامع البيان ٧/١٣١.

41 والحق الذي جاء في القرآن عن حقيقة المسيح عليه السلام أنه مخلوق كبقية البشر، هو الذي جاء في الإنجيل، فقد جاء فيه: أن المسيح ولد بعد أن لم يكن شيئًا انظر: لوقا ٢: ٤-٧، ومتى ٢: ١-٦، وختن بعد أن كان أغلف انظر: لوقا ٢: ٢١، وكان يصلي ويجتهد في عبادة الله انظر: لوقا ٩: ١٨، ٢٨، ٢٩، ومتى ١٤: ٢٢، وشب واكتهل بعد أن كان صبيًا انظر: لوقا ٢: ٤٢، ٣: ٢٣، وجاع فأكل انظر: متى ٤: ٢، ٢٦: ١٧-٢٥، ومرقس ١١: ١٢، ١٤: ١، ١٤: ١٢-٢٦، لوقا ١٤: ١، يوحنا ١٣: ١-٤، وعطش ثم شرب انظر: يوحنا ٤: ٧-١٠، ومشى ثم تعب فجلس انظر: متى ٥: ١، ١٣: ١-٢، يوحنا ٤: ٧، وركب الجحش في البر والسفينة في البحر انظر: متى ٥: ١، ١٣: ١-٢، يوحنا ٤: ٧، وبصق على الأرض انظر: مرقس ٧: ٣٣، ٨: ٢٣، يوحنا ٩: ٦، وكان يحزن فيبكي انظر: مرقس ١٤: ٣٣- ٣٤، لوقا ١٩: ٤١، وغير ذلك من الصفات التي تدل على أنه مخلوق مثل بقية البشر، لا يختلف عنهم، إلا أن الله اصطفاه بالرسالة كغيره من الرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين انظر: المسيح عيسى ابن مريم مصدق لما بين يديه من التوراة/١١- ١٤.

42 التبصير في الدين، الإسفرائيني ص ١٦٩.

43 بل إن التأكيد على دعوة التوحيد ثابتة في كتبهم، ففي إنجيل يوحنا: «وهذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته» يوحنا ١٧: ٣.ففي هذا النص التصريح بأن الله هو الإله الحق الذي لا إله غيره، بأن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله، فهو ليس إلهًا، ولا ابن إله، ولا ثالث ثلاثة كما تزعم النصارى.

44 انظر: عيسى المسيح والتوحيد، محمد عطا الرحيم ص٢٢١- ٢٣٠.

45 والحق الذي جاء في القرآن عن حقيقة المسيح عليه السلام أنه مخلوق كبقية البشر، هو الذي جاء في الإنجيل، فقد جاء فيه: أن المسيح ولد بعد أن لم يكن شيئًا انظر: لوقا ٢: ٤-٧، ومتى ٢: ١-٦، وختن بعد أن كان أغلف انظر: لوقا ٢: ٢١، وكان يصلي ويجتهد في عبادة الله انظر: لوقا ٩: ١٨، ٢٨، ٢٩، ومتى ١٤: ٢٢، وشب واكتهل بعد أن كان صبيًا انظر: لوقا ٢: ٤٢، ٣: ٢٣، وجاع فأكل انظر: متى ٤: ٢، ٢٦: ١٧-٢٥، ومرقس ١١: ١٢، ١٤: ١، ١٤: ١٢-٢٦، لوقا ١٤: ١، يوحنا ١٣: ١-٤، وعطش ثم شرب انظر: يوحنا ٤: ٧-١٠، ومشى ثم تعب فجلس انظر: متى ٥: ١، ١٣: ١-٢، يوحنا ٤: ٧، وركب الجحش في البر والسفينة في البحر انظر: متى ٥: ١، ١٣: ١-٢، يوحنا ٤: ٧، وبصق على الأرض انظر: مرقس ٧: ٣٣، ٨: ٢٣، يوحنا ٩: ٦، وكان يحزن فيبكي انظر: مرقس ١٤: ٣٣- ٣٤، لوقا ١٩: ٤١، وغير ذلك من الصفات التي تدل على أنه مخلوق مثل بقية البشر، لا يختلف عنهم، إلا أن الله اصطفاه بالرسالة كغيره من الرسل، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين انظر: المسيح عيسى ابن مريم مصدق لما بين يديه من التوراة/١١- ١٤.

46 التبصير في الدين، الإسفرائيني ص ١٦٩.

47 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٥٣، مفاتيح الغيب، الرازي ١٩/١٣.

48 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٤١٨، ١٨/١٨٩، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٣٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٢٤، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٧، أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٥٣٥.

49 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٣٩، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٢٨، ٢٢٩، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٤، فتح القدير، الشوكاني ١/٣٩٢، محاسن التأويل، القاسمي ٢/٣٢٠، تفسير المراغي ٣/١٥٧، ١٥٨، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٢٥١.

50 البرص: داء معروف، وهو بياض يقع في الجسد، برِصَ بَرَصًا، والأنثى برصاء. انظر: لسان العرب ٧/٥.

51 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٤٣١، المحرر الوجيز، ابن عطية ١/٤٣٩- ٤٤٠، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٢٩، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٨، البحر المحيط في التفسير، أبو حيان ٣/١٦٥، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٤، تفسير المراغي ٣/١٥٨.

52 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٨.

53 انظر: جامع البيان، الطبري ٦/٤٣٢، أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٨، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٤٥، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣/٢٥٢.

54 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٢٥.

55 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعضٍ أمراء، تكرمة الله هذه الأمة».أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم، رقم ١٥٦، ١/١٣٧.

56 جامع البيان، الطبري ٣/٢٨٩- ٢٩١.

57 انظر: الجامع لأحكام القرآن ٤/٦٤- ٦٥، مجموع فتاوي ابن تيمية ٤/٣٢٢.

58 ويقوي هذا الاحتمال ما نقله إنجيل يوحنا بأن يسوع تحدى اليهود بأنهم سيطلبونه ولا يجدونه: «فقال لهم يسوع: أنا معكم زمانًا يسيرًا بعد، ثم أمضي إلى الذي أرسلني.ستطلبونني ولا تجدونني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا» يوحنا ٧: ٣٤-٣٥.

59 الفصل ١/٧٦.

60 الفصل ١/٧٧.وذهب قريبًا من هذا الاستنتاج النصراني «ملمن» في كتابه «تاريخ الديانة النصرانية» حيث يقول: «إن تنفيذ الحكم كان وقت الغلس، وإسدال ثوب الظلام، فيستنتج من ذلك إمكان استبدال المسيح بأحد المجرمين الذين كانوا في سجون القدس منتظرين تنفيذ حكم القتل عليهم كما اعتقد بعض الطوائف، وصدقهم القرآن».

61 ويؤيد هذه القصة ما ورد في إنجيل برنابا، فقد جاء فيه أن الله ألقى شبه عيسى عليه السلام على يهوذا، وأنه رفع إلى السماء.و قد مهد لهذا بإعلان أن المسيح عليه السلام سوف يحيا إلى نحو منتهى العالم، وأن جبريل قد أخبره بخيانة يهوذا، ثم أعلن يسوع أن الله سيصعده من الأرض، وسيغير منظر الخائن يهوذا حتى يظنه كل أحد أنه يسوع برنابا ١١٢: ١٥.ثم يؤكد إنجيل برنابا القول بأن المسيح عليه السلام لم يوضع على الصليب أبدًا، بل ألقى الله شبهه على يهوذا الاسخريوطي فصلب بديلًا عنه.و مما قاله برنابا: «الحق أقول إن صوت يهوذا وشخصه ووجهه بلغت من الشبه بيسوع أن اعتقد تلاميذه و المؤمنون به كافة أنه يسوع» إنجيل برنابا: تحقيق سيف الله أحمد فاضل/٢٩٢.

62 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ١/٨٠٥، الكشاف ١/٣٦٨، المحرر الوجيز ١/٤٢٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٢٧.

63 انظر: الجامع لأحكام القرآن ١٦/٧٠، تفسير القرآن العظيم ٤/١٣٣.

64 جامع البيان ٦/١٨.

65 انظر أقوال أهل العلم في تواتر الأحاديث في هذه المسألة: التصريح بما تواتر في نزول المسيح، الكشميري، ص ٥٦.