العين
أولًا: المعنى اللغوي:
العين والياء والنون أصلٌ صحيح يدل على عضوٍ من خلاله يبصر وينظر، ويترتب على ذلك الأصل اللغوي معان عديدة1، أوصلها العلامة مرتضى الزبيدي رحمه الله نقلًا عن بعض مشايخه إلى ما يزيد على المائة، وكل معانيها ترجع إلى ما ذكر، فالباصرة أصل في معناها، وهو الذي جزم به الكثيرون2، وتطلق العين في اللغة، ويراد بها: عين الينبوع3، وعين الجاسوس4، وعين الشيء ونفسه5، وعين التأمل والمعاينة6، وعين الشرف والأشراف7، وعين المال الحاضر8، وعين الحسد9.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
نظرًا لأن المعاني اللغوية كلها رجعت إلى معنى واحد، هو أصلها والبقية فرع عنه، فسيكون التعريف الاصطلاحي تبعًا له، وعليه فإن التعريف الاصطلاحي قد تغلب عليه السمة التشريحية الطبية، وفي ضوء هذا عرفوا العين في الاصطلاح بأنها عبارة عن: «عضو صغير معقد، يتم به الإبصار، مكون من عدة أجزاء، على شكل كرة، موجودة داخل محجر، تدرك الأشكال والحركات والنتوءات والألوان واختلافات الإضاءة بصورة معكوسة»10.
وردت مادة (عين) في القرآن الكريم (٦١) مرة 11.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الإفراد |
١٨ |
(ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [المائدة:٤٥] |
التثنية |
٧ |
(ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [يوسف:٨٤] |
الجمع |
٣٢ |
(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [التوبة:٩٢] |
الصفة المشبهة |
٤ |
(ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الدخان:٥٤] |
وجاءت العين في القرآن على خمسة وجوه12:
أحدها: العين الباصرة الجارحة: ومنه قوله تعالى: (ﭐﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ)[البلد: ٨].
الثاني: الماء الجاري أو النهر: ومنه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)[الإنسان: ٦].
الثالث: الحفظ والكلاءة والرعاية: ومنه قوله تعالى: (ﭐﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [القمر: ١٣ - ١٤]. يعني: بحفظنا ورعايتنا.
الرابع: القلب: ومنه قوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الكهف: ١٠١]. يعني: قلوبهم.
الخامس: بمعنى النفس: ومنه قوله تعالى: (ﭓ ﭔﱅ) [مريم: ٢٦].يعني: طيبي نفسًا.
الظرف:
الطرف لغة:
يطلق الطرف في اللغة على ثلاثة معانٍ، وهي: تحريك جفني العين؛ بأن يطبق الجفن على الجفن، وبمعنى العين نفسها ويكون جمعًا ويكون واحدًا13، وبمعنى النظر إلى الشيء مد البصر، يقال: طرفت إليه مد بصري، أي: نظرت إلى نهايته14.
الطرف اصطلاحًا:
لا يختلف معناه الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
الصلة بين الطرف والعين:
إن الطرف في المعاني اللغوية الأول والثالث يكون جزءًا من معنى العين ومدلولها، وفي المعنى اللغوي الثاني يكون مرادفًا لها.
البصر:
البصر لغةً:
هو إدراك العين، ويطلق على القوة الباصرة، وهو قوة مرتبة في العصبين المجوفين التي من شأنها إدراك أشباح الصور، بانعكاس الضوء فيها؛ إذ البصر هو حاسة الرؤية، وورد في القرآن مع ما يتعلق به من العمليات؛ ليدل على العلم القوي المضاهي لإدراك الرؤية، فيقال: بصر بالشيء: علمه عن عيان، فهو بصير به15.
البصر اصطلاحًا:
«هو القوة المودعة في العصبتين المجوفتين اللتين تتلاقيان ثم تفترقان، فيتأديان إلى العين تدرك بها الأضواء والألوان والأشكال»16.
الصلة البصر والعين:
«الفرق بين العين والبصر أن العين آلة البصر وهي الحدقة، والبصر اسم للرؤية؛ ولهذا يقال: إحدى عينيه عمياء، ولا يقال: أحد بصريه أعمى، وربما يجري البصر على العين الصحيحة مجازًا، ولا يجري على العين العمياء، فيدلل هذا على أنه اسم للرؤية، ويسمى العلم بالشيء إذا كان جليًا بصرًا، يقال: لك فيه بصر، يراد أنك تعلمه كما يراه غيرك »17.
النظر:
النظر لغةً:
«النظر: حس العين، وتقول: نظرت إلى كذا وكذا من نظر العين ونظر القلب، وإذا قلت: نظرت إليه لم يكن إلا بالعين، وإذا قلت: نظرت في الأمر احتمل أن يكون تفكرًا فيه، وتدبرًا بالقلب، والنظر: الفكر في الشيء تقدره وتقيسه منك، والنظر يقع على الأجسام والمعاني، فما كان بالأبصار فهو للأجسام وما كان بالبصائر كان للمعاني»18.
النظر اصطلاحًا:
«تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به التأمل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص، وهو الرَّويَّة»19.
الصلة بين النظر والعين:
إن النظر له خاصية من خواص العين، وليس مرادفًا لها.
الرؤية:
الرؤية لغة:
وتعني إدراك المرئي والإقبال بالبصر نحوه، قد يدرك وقد لا يدرك؛ ولذلك قد ينظر الشخص ولا يرى المرئي، وعليه فيجوز أن يقال لله تعالى: إنه راءٍ، ويقال: إنه ناظر.
والرؤية اصطلاحًا:
«المشاهدة بالبصر حيث كان في الدنيا والآخرة»20.
الصلة الرؤية والعين:
وبهذا يتضح الفرق بين النظر والرؤية، كما يتضح ببيان أن الرؤية من توابع النظر ولوازمه غالبًا؛ لذا أجريت كلمة النظر على الرؤية على سبيل إطلاق اسم السبب على المسبب.
وردت العين في القرآن الكريم متعددة ومتنوعة، ولذا اختلف تصنيف العين إلى أصناف مختلفة، نتناولها في أربعة أنواع.
أولًا: الأعين الممنون بها على كل البشر:
امتن الله تعالى علي بني البشر بنعم عظيمة آفاقية وأنفسية لا تعد ولا تحصى، ومن الآفاقية هذه العيون المائية التي بها قوام كل شيء حي، والتي ذكر الله تعالى بها البشر في قوله تعالى: :ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ) [يس: ٣٣-٣٥].
ومظاهر الامتنان في الآيات الكريمة -وبخاصة العيون- كثيرة وظاهرة، من أبرزها أمران:
الأول: التعبير بالتفجير في قوله: :ﮚ) للدلالة على الكثرة والقوة.
الثاني: مجيء العيون بصيغة الجمع؛ للدلالة على الكثرة والتعدد والتنوع، وهذا من عظيم فضل الله تعالى على عباده.
ومن النعم الأنفسية العظيمة هذه التى أكرمنا الله عز وجل؛ لنبصر بها، ولا يقدر عظم نعمة إلا من حرمها، نسأل الله تعالى أن يمتعنا بأبصارنا وأسماعنا وقوتنا ما أحيانا وأبقانا، اللهم آمين.
وهذا الامتنان ورد صريحًا في قوله تعالى: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [البلد: ٨].
ويلاحظ على هذا الموطن الكريم أمران:
أولهما: أهمية نعمة البصر، وعظم نفعها، وذلك؛ لتقديمها على بقية النعم المذكورة معها.
ثانيهما: أنه ليس المراد بالعينين وما بعدها العضو وحده، بل ما يترتب عليه من آثار وتبعات، ينتج عنها الثواب والعقاب «من أمانة البصر والنطق؛ تمهيدًا لما يلي في السورة، من تقرير تبعات الرشد، ومسئولية الكلمة بعد وسائل الإدراك الحسي من بصر ونطق، ثم يأتي بعد ذلك التذكير بما هدي تعالى الإنسان إليه من إدراك مميز لمعالم الطريقين في قوله تعالى: (ﮠ ﮡ) [البلد: ١٠]»21 والله أعلم.
ثانيًا: عين الإنسان:
المستقرئ لآيات القرآن يجد أن (عين الإنسان) وصفت بصفات مدح في آيات، وبصفات ذم في آيات أخر، وقطعت عن المدح والذم في مجموعة ثالثة، ويمكن جمع هذا في ثلاث مسائل:
١. الأعين الممدوحة وصفاتها.
أقصد بالمدح ما جاء في القرآن وصفًا للعين في سياق المدح تصريحًا أو تلويحًا، من أمور تتعلق بالمؤمنين في الدنيا أو الآخرة، وكذلك ما ورد بصيغة الأمر مما يتعلق بشأن العين، واعتباره مدحًا؛ لأن الله تعالى لا يأمر بالفحشاء، بل يأمر بكل فضل وخير، ولا ينهى إلا عن كل سوء وشر، وعلى هذا اعتبرت قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الحجر: ٨٨ ] من قبيل المدح.
ووصفت العين بناء عليه بـ(الثابتة غير المتطلعة) وهكذا.
والله تعالى وصف المؤمنين في كتابه بأوصاف عدة، فوصف أفعالهم مرة، وأقوالهم أخرى، ووجوههم ثالثة وهكذا، وكما هو معلوم أن تعدد الصفات يدل على شرف الموصوف.
وعلى هذه الشاكلة يأتينا وصف أعين المؤمنين في القرآن بصفات متعددة، يمكن تجليتها في السطور الآتية:
يقصد بها: العين التي يفيض دمعها، وينزل منها منهمرًا مدرارًا، إما من خشية الله تعالى، أو خوفًا من التقصير في عبادته، أو فوت طاعته وقربه، ونحو ذلك، مأخوذ من قولهم «فاض الماء: إذا سال منصبًا، ومنه: فاض صدره بالسر أي: سال، ورجل فياضٌ، أي: سخي، وحديث مستفيضٌ: منتشر، والفيض: الماء الكثير، يقال: إنه أعطاه غيضًا من فيض، أي: قليلًا من كثير»22.
وورد هذا الوصف في آيتين، هما قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [المائدة: ٨٣].
وقوله تعالى (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [التوبة: ٩٢].
فالآية الأولى: واردة في سياق الآيات النازلة في نصارى الشام الذين كانوا بالحبشة وأتوا المدينة مع اثنين وستين راهبًا مصاحبين للمسلمين الراجعين من الحبشة، وسمعوا القرآن وأسلموا كما ذكره جمع من المفسرين 23.
وتظهر بلاغة التعبير القرآني عنهم ههنا من وجهين:
الأول: التعبير بقوله: :ﭗ) الدالة على الرؤية البصرية، والتي هي من أقوى أسباب العلم الحسي، مبالغة في مدحهم، حيث يراهم الرائي وهم على تلك الصورة من رقة القلب وشدة التأثر عند سماع الحق24.
الثاني: التعبير بـ:ﯝ) ومعناه: امتلاء العين من الدمع حتى تفيض؛ لأن الفيض أن يمتلأ الإناء أو غيره حتى يطلع ما فيه من جوانبه، فوضع الفيض موضع الامتلاء، وهو من إقامة المسبب مقام السبب مبالغة في وصفهم بالبكاء، فجعلت أعينهم كأنها تفيض بأنفسها، أى: تسيل من الدمع من أجل البكاء، من قولك: دمعت عينه دمعًا25، وفي ذلك بيان لغاية رقة قلوبهم، وشدة خشيتهم، ومسارعتهم إلى قبول الحق، وعدم إبائهم إياه 26.
والآية الثانية: واردة في سياق الذين رفع الله تعالى عنهم الحرج من ذوي الأعذار ممن تخلفوا عن غزوة تبوك؛ لعذرهم، وعرف هؤلاء بـ(البكائين)، وحق لهم أن يعرفوا بذلك، وأن ينزل الله تعالى رفع الحرج عنهم من فوق سبع سموات؛ لشدة إخلاصهم، ورغبتهم الصادقة في الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم للغزو والجهاد، ونظرًا لقوة إيمانهم وفرط محبتهم للاستشهاد وصفهم الله تعالى بأبلغ وصف - كالآية السابقة - فقال: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ)، ولاشك أن التعبير بذلك أبلغ من قولنا: (يفيض دمع أعينهم)؛ لأن العين في التعبير القرآني جعلت كأنها كلها دمع فائض27.
هذا الوصف -كما يقول ابن فارس- يدل على معنيين، أحدهما برد، والآخر تمكن.
فالأول: القـر، وهو البرد، ومنه: يوم قار، أي: بارد، ويقال: أقر الله عينه، إذا سر ورضي، وقرة العين: ما يسر ويفرح من الأمور، ونظرًا لأن للسرور دمعة باردة، وللحزن دمعة حارة قالوا لمن يدعى عليه: أسخن الله دمعه.
والثاني: التمكن، يقال: قر واستقر، أي: هدأ واطمأن، وقولهم: قرت عينه، أي: أعطاه الله تعالى ما تسكن به عينه فلا يطمح إلى غيره 28، وعليه قال بعض أهل اللغة: إن معنى قرة العين أن يصادف عينه ما يرضاه قلبه، فتقر عينه عن النظر إلى غيره، يعني: لا تنظر إلى غيره29.
ووصف العين بالقريرة يشمل المعنيين معًا، حيث إنها تكون باردة ودمعتها كذلك عند فرحها وسرورها، كما تكون عندئذ قارة ثابتة غير متطلعة لما ليس لها غالبًا.
والدعاء بقول بعضهم: أقر الله عينك معناه: «صادفت عينك سرورًا فنامت وذهب سهرها، وصادفت ما يرضيك، أي: بلغك الله أقصى أملك، حتى تقر عينك من النظر إلى غيره؛ استغناء ورضى بما في يديك»30.
ورد هذا المعنى في القرآن في سبع آيات:
قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [ مريم: ٢٦]
وقال أيضًا: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [ طه: ٤٠]
وقال أيضًا: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [ الفرقان: ٧٤]
وقال أيضًا: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ) [ القصص: ٩]
وقال أيضًا: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [ القصص: ١٣]
وقال أيضًا: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [السجدة: ١٧].
وقال: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الأحزاب: ٥١].
ويلاحظ على هذه الآيات المباركات أمور:
الأول: أن الله تعالى عبر بالفعل (تقر- وقري) في أربع آيات، وبالاسم (قرة) في ثلاث، وهذا أراه في قمة البلاغة، حيث استعمل الفعل -وهو موضوع؛ للدلالة على التجدد والحدوث- حينما كان المقام مقتضيًا لذلك في هذه المواضع، فمثلًا في قصة أم موسى عليه السلام كان قلبها متلهفًا على وليدها وفلذة كبدها، فرده الله تعالى إليها؛ لإرضاعه وتربيته فترة ما، كي تقر عينها بوليدها؛ لأنه غاب عنها فترة من الزمان، وسيغيب فترة أخرى بعد انتهاء الإرضاع، فلكي تتجدد لها قرة العين مرة بعد مرة جاء التعبير بالفعل، في موضعي (طه والقصص)، وكذلك الحال بالنسبة لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتجدد لهن الفرح والسرور وقرة العين أيضًا، هذا عن صيغة المضارع، أما صيغة الأمر في قصة مريم فيلـمح منها الدلالة على إنشاء قرة العين لمريم عليها السلام، وطيب نفسها، وذهاب الخوف عنها حاضرًا ومستقبلًا، عند ولادتها عيسى عليه السلام، ولا أدل على ذلك من صيغة الأمر. والله أعلم.
الثاني: التعبير بإفراد العين (عين، عينها) في ثلاث آيات، والتعبير بجمعها (أعين) في ثلاث أخرى أيضًا، وأرى أن الإفراد ورد لمـا كان حديث الآيات عن شخص مفرد بعينه، وهي أم موسى عليه السلام في سورتي (طه والقصص)، وامرأة فرعون في موضع من سورة (القصص)، ولـما كان الحديث عن جمع من الناس كعباد الرحمن في الفرقان، وأهل الجنة في السجدة، وأمهات المؤمنين في الأحزاب ناسب ذلك الإتيان بصيغة الجمع في الجميع. والله أعلم.
الثالث: التعبير بعطف نفي الحزن على قرة العين في قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)؛ لتنويع المنة على أم موسى؛ لأن قرة عينها يكون برجوع موسى عليه السلام إليها، وانتفاء حزنها يكون بتحقق سلامته من الهلاك ومن الغرق وبوصوله إلى أحسن مأوى31. والله أعلم.
هذا الوصف للعين جاء بطريق الإشارة من غير تصريح في موضعين من كتاب الله تعالى.
قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الحجر: ٨٨ ].
وقال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [طه: ١٣١].
وهذان الموضعان استفيد منهما الوصف بطريق الأمر، حيث أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم -والأمر للأمة أيضا- بأن لا تتطلع عينه، ولا تطمح نفسه إلى ما في أيدي الآخرين، وما منحهم الله تعالى إياه من نعم وآلاء، وليقنع بما رزقه الله تعالى إياه، ولعل هذه النعم من قبيل الابتلاء والفتنة لهم، فضلًا عن أنه من متاع الدنيا، وكل أمرها إلى زوال.
واعتبار هذا الوصف الضمني من قبيل الصفات المحمودة؛ لأنه أمر من قبل الله تعالى، والله جلا وعز لا يأمر إلا بكل خير، مما فيه محبته ورضاه سبحانه وتعالى كما مر، وهذا بلا شك على رأس المحامد كلها، عن ابن عباس في قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ) الآية. قال: نهى الرجل أن يتمنى مال صاحبه32.
ومد النظر تطويله وأن لا يكاد يرده؛ استحسانا للمنظور إليه.
والمراد: لا تنظرن بعين الرغبة إلى ما متعنا به بعض الخلق، فما أعطيناك في الدنيا من القرآن خير وأفضل مما أعطيناهم من الأموال، فاستغن بما أعطيناك من القرآن والدين والعلم، ولا تنظر إلى أموالهم33.
وقريب من هذين الموضعين قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الكهف: ٢٨].
حيث ينهى الله تعالى فيه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن لا يجاوز بصره ضعفاء المؤمنين، رغبة في مجالسة الأشراف، وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا على إيمان الرؤساء؛ طمعًا في إيمان أتباعهم، ولم يمل إلى الدنيا قط ولا إلى أهلها، وإنما كان يلين في بعض الأحيان للرؤساء؛ طمعًا في إيمانهم، فعوتب بهذه الآية، وأمر بأن يجعل إقباله على فقراء المسلمين، وألا يلتفت إلى غيرهم34.
والملاحظ على الآيات الكريمة أمور:
الأول: أن (مد العين) هنا كأنه اقترن به تمنٍ ورجاء، ولذلك عبر عن الميل إلى زينة الدنيا بـ(مد العين)35.
الثاني: التعبير بلفظ التثنية في (عينيك) يدل على المبالغة في النهي، أي: مدًا عظيمًا بالتمني والاشتهاء المؤكد، ولذلك ثنى العين؛ احتزازًا عن حديث النفس36.
الثالث: ظاهر قوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) يفيد النهي عن الإعراض، أي: لا تعرض عن هؤلاء الفقراء لأجل الأغنياء، ولذلك ضمن فعل العدو معنى الإعراض، فعدي إلى المفعول بـ (عن) وكان حقه أن يتعدى إليه بنفسه، يقال: عداه إذا جاوزه37. والله أعلم.
هي: العين التي تنعم وتسعد بكل ما هو طيب المخبر، أو حسن المظهر، ولا يكون كمال اللذة إلا في الجنة بنعيم الله تعالى للمؤمنين.
ووردت الإشارة إلى هذا الوصف في موطن واحد، عند الحديث عن بعض ألوان النعيم للمؤمنين في الجنة، وهو قوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الزخرف: ٧١].
فقوله تعالى: (ﯥ ﯦ) من لذذت الشيء واستلذذته، والمعنى: ما من شيء اشتهته نفس أو استلذته عين إلا وهو في الجنة، وقد جمع الله تعالى جميع نعيم الجنة في هذين الوصفين، فإنه ما من نعمة إلا وهي نصيب النفس أو العين، وتمام النعيم الخلود؛ لأنه لو انقطع لم تطب38.
هذا ويلاحظ على هذا الموضع الكريم أمور:
أولها: اشتماله على جميع أنواع النعيم، وألوان المتع لأهل الجنة بأوجز عبارة وأدقها؛ لأنه ما من نعمة إلا وفيها حظ للنفس أو العين، كما مر.
ثانيها: اختصاص العين بالذكر هنا دون بقية الجوارح؛ «لأنها رائد النفس والقلب، وللدلالة على فرط حسن نعيم الجنة، وإلا ما قبلته العين والنفس»39.
ثالثها: قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ) رافع لكل ألمٍ وتنغيص عن أهل الجنة «فإن كل نعيم زائل موجب لكلفة الحفظ وخوف الزوال، ومستعقب للتحسر في مستقبل الحال» 40 نسأل الله تعالى أن نكون جميعًا من أهل فضله ورضوانه في الحال والمآل، اللهم آمين.
٢. الأعين المذمومة وصفاتها.
سيرًا على سنن القرآن الكريم في الجمع بين الترغيب والترهيب والمدح والذم، ألفينا الحديث فيه عن العين جامعًا بين هذين الأسلوبين، ومر بنا سابقًا العين المحمودة وصفاتها، وهذا بلا شك من قبيل الترغيب والمدح؛ ليمتثل المؤمنون الصادقون هذه الصفات، ولهم عند ربهم حسن المثوبة في الجنات، والآن سنعرض الأسلوب الآخر، وهو من قبيل الترهيب والذم؛ ليجتنبه المؤمنون ويحذروه، وستعرض هذه الصفات حسب ترتيبها المصحفي فيما يلي:
يقصد بها: العين التي عطلت عن إدراك الحقائق والبينات من غير علة أو آفة من الآفات، ويدخل في ذلك عدم الاهتداء إلى الهدى، وسلوك طريقه دخولا أوليًّا.
وورد هذا الوصف للعين في القرآن الكريم في موضع واحد هو قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأعراف: ١٧٩].
والآية الكريمة واردة في سياق ذم بني البشر الذين تنكبوا الصراط المستقيم، وكفروا بربهم الذي أخذ عليهم العهد في عالم الذر، وتأكد هذا المعنى بذكر قصة الذي أوتي آيات الله ثم انسلخ منها، واتضح هنا أكثر ببيان أن بعضًا من أشقياء الجن والإنس عطلوا حواسهم فلم يستعملوها فيما ينجيهم من عذاب الله تعالى، وخزي الآخرة.
ومعنى نفي الفقه والإبصار والسمع هنا عن آلاتها الكائنة فيهم: أنهم عطلوا أعمالها بترك استعمالها في أهم ما تصلح له، وهو معرفة ما يحصل به الخير الأبدي، ويدفع به الضر السرمدي؛ لأن آلات الإدراك والعلم خلقها الله؛ لتحصيل المنافع ودفع المضار، فلما لم يستعملوها في جلب أفضل المنافع، ودفع أكبر المضار نفى عنهم عملها على وجه العموم للمبالغة؛ لأن الفعل في حيز
النفي يعم مثل النكرة، فهذا عام أريد به الخصوص للمبالغة.
وليس في تقديم الأعين على الآذان مخالفة لما جرى عليه اصطلاح القرآن من تقديم السمع على البصر؛ لأن الترتيب في آية سورة الأعراف سلك طريق الترقي من القلوب التي هي مقر المدركات إلى آلات الإدراك، القلوب ثم الأعين ثم الآذان، فللقلوب المرتبة الأولى في الارتقاء41.
يليها العين حيث تمثل المرتبة الثانية في الإدراك.
ثم الأذن التي تمثل المرتبة الثالثة في الإدراك.
فالآية وردت بترتيب آلات الإدراك، وهي علي حد قوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [الأعراف: ١٩٥].
والآية وإن كانت واردة في شأن الأصنام إلا أنها وصفت بما وصف به عابدوها قبل ذلك من نفي أو تعطيل آلات الإدراك والعلم، أو أنهم خوطبوا على وفق ما يعتقدونه فيها. والله أعلم.
وسبحان من هذا كلامه وبيانه، وصدق الله حين وصفه بقوله: (ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [النساء: ٨٢].
هي: العين التي تحتقر ما تقع عليه وتستصغره؛ تقليلًا لشأنه، وتهوينًا من أمره.
وهذا الوصف مأخوذ من قولهم: زريت عليه: أي: عبته، وأزريت به: أي قصرت به، وازدريت، أصله: افتعلت، والإزراء: التهاون بالناس42.
وعليه فالعين المزدرية أي: المحتقرة للآخرين، المستصغرة لشأنهم، وقد ورد هذا الوصف في موضع واحد، هو قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [هود: ٣١].
والآية واردة في ثنايا قصة سيدنا نوح عليه السلام ومجادلته قومه، وفي هذا السياق نفى نوح عليه السلام «أربعة أمور:
أولها: أنه ليس عنده خزائن، فهو في الأموال دونهم، فالله تعالى لم يبعث رسولا يعطيه خزائن الأرض، لكن يبعثه بما هو أعز وأغلى وهو إثراء الروح والنفس بمحبة الله ورجاء ثوابه وتقوى الله تعالى وخوف عقابه.
ثانيها: نفى أنه يعلم الغيب، فما جاء إلا هاديًا للحق وداعيًا إلى الله تعالى، وذلك لا يقتضي علم الغيب الذي اختص الله تعالى به نفسه، وهو في هذا مثلكم.
ثالثها: أنه لا يقول إنه ملك، وهو بشر مثلكم نشأ بينكم وعرفتم حياته، وأنه بشر كسائر البشر.
رابعها: نفى أنه يقول للمؤمنين الذين تحتقرهم أعينكم: لن يؤتيهم الله خيرًا، بل لهم الخير كل الخير، وأشار بقوله: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [هود: ٣١].
إلى أن الاعتبار ليس للصورة ولكن إلى نور القلوب43.
وهنا نسب الازدراء للأعين لأحد أمرين:
الأول: إما بالنظر إلى قولهم: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [هود: ٢٧].
الثاني: أو الإشعار بأنهم قالوا ذلك لقصور نظرهم، ولو تدبروا في شأنهم ما فعلوا ذلك.
أي: لا أقول في شأن الذين استرذلتموهم واحتقرتموهم لفقرهم من المؤمنين: لن يؤتيهم الله خيرًا في الدنيا أو في الآخرة، فعسى الله أن يؤتيهم خيري الدارين44، والله أعلم.
يقصد بها: العين المضطربة كثيرة الحركة والتجول من شدة الخوف والفزع لعظيم ما دهاها.
أو هي: الهلعة التي تدور هلعًا من شدة الخوف.
واستفيد هذا الوصف من قوله تعالى في وصف المنافقين: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأحزاب: ١٩ ].
وهذه الآية الكريمة واردة في سياق غزوة الخندق من سورة الأحزاب؛ لتصف بعضًا من أحوال المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وبيان أن المنافقين قوم جبناء خوارون بخلاء، فإذا جاء الخوف واقترب الوقت الذي يتوقع فيه اللقاء بينكم وبين أعدائكم، رأيتهم -أيها الرسول الكريم- ينظرون إليك بجبن وهلع، تدور أعينهم في مآقيهم يمينًا وشمالًا، كحال المغشي عليه من الموت، وجيء بصيغة المضارع في (ﮓ)؛ ليدل على تكرر هذا النظر وتجدده.
وجملة (ﮕ ﮖ): حال من ضمير (ﮓ) لتصوير هيئة نظرهم نظر الخائف المذعور الذي يحدق بعينيه إلى جهات يحذر أن تأتيه المصائب من إحداها.
والدور والدوران: تحرك جسم حركة دائرية -كحركة الرحى- منتقل من موضع إلى موضع، فينتهي إلى حيث ابتدأ، يقال: دار الشيء يدور دورًا ودورانًا وأدار الشيء: جعل حركاته تتواتر بعضها إثر بعض45.
ومشتقات هذا الفعل تدور حول هذا المعنى، فالدار اسم للمكان المحدود المحيط بسكانه بحيث يكون حولهم، ومنه سميت الدارة لكل أرض تحيط بها جبال، وقالوا: دارت الرحى حول قطبها. وسموا الصنم: دوارا -بضم الدال وفتحها-؛ لأنه يدور به زائروه كالطواف، وسموا ما يحيط بالقمر والشمس دائرة، وسميت مصيبة الحرب دائرة؛ لأنهم تخيلوها محيطة بالذي نزلت به لا يجد منها مفرًا.
وعليه فمعنى (ﮕ ﮖ): أنها تضطرب في أجفانها كحركة الجسم الدائري من سرعة تنقلها محملقة إلى الجهات المحيطة، وشبه نظرهم بنظر الذي يغشى عليه بسبب النزع عند الموت فإن عينيه تضطربان، ويصير حاله في أقصى دركات الوهن والخوف والفزع.
وفي الآية الكريمة حذف تقديره: تدور أعينهم دورانا كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت، فحذف المصدر وهو (دورانا) وما أضيفت الكاف إليه وهو (دوران) وما أضيف (دوران) إليه وهو (عين) وأقيم (الذي) مقام (عين)، وإنما وجب هذا التقدير؛ ليستقيم معنى الكلام46، والله أعلم.
ويقارب هذه الآية في المعنى قوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ) [محمد: ٢٠ ].
وهي الأخرى تصف المنافقين بهذه الحالة من الهلع والخوف والذعر الذي ينتابهم حين يطالبون بالقتال أو الاشتراك فيه مع المؤمنين، إلا أن الآية السابقة دلت على هذا الوصف مع الحركة والاضطراب، وهذه دلت عليه مع السكون وثبات الحدقة وعدم التحريك، وفي ذلك يقول ابن عاشور:
«ووجه الشبه: ثبات الحدقة وعدم التحريك، أي: ينظرون إليك نظر المتحير بحيث يتجه إلى صوب واحد، ولا يشتغل بالمرئيات؛ لأنه شاغل عن النظر»47.
فسبحان من هذا كلامه، ومنطقه وبيانه.
هي: العين التي لا يكون بين جفنيها شق، حتى تصير كأنها ممسوحة.
والطمس: إزالة الأثر بالمحو كلية، كما تطمس الريح الأثر، يقال: أعمى طميس ومطموس: إذا كان لا يتبين له جفن، ولا يرى شفر عينه48.
وهذا الوصف ورد في موضعين، هما قوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [يس: ٦٦].
وقوله تعالى: (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [القمر:٣٧].
والآية الأولى: واردة في سياق ذم الكفار وتوبيخهم على تركهم سلوك طريق الحق مع وضوحه، فبين الله تعالى لهم هنا بعض مظاهر قدرته عليهم.
والمعنى: لو نشاء لأعميناهم فعدلوا عن الهدى، فلو أرادوا أن يمشوا مستبقين الطريق المألوف لم يستطيعوا، فكيف بغيره؟ ومن أين يبصرون لو فعلنا بهم ذلك؟!
والثانية: واردة في سياق قصة لوط عليه السلام مع قومه، حيث تعرض الآية مشهدًا من مشاهدها، حيث راودوه عن ضيفه من الملائكة الكرام، ونهاهم لوط عليه السلام عن ذلك، وحذرهم عقاب الله، إلا أنهم لم يرعووا، فطمس الله أعينهم فلم يروا الأضياف، وخرجوا من بينهم سالمين.
ويلاحظ على الآيتين الكريمتين هنا أمران:
الأول: أن الطمس لم يقع في الآية الأولى، بل هو وارد على سبيل التهديد والوعيد، ويدل عليه وقوع فعل المشيئة في أسلوب الشرط، ولعل هذا من فرط رحمة الله تعالى بعباده، إذ لم يعاجلهم بالعقوبة، حتى لو كانوا كفارًا، بينما وقع الطمس في قصة لوط عليه السلام، حيث ضربهم جبريل عليه السلام على أعينهم فأعماهم، وورد الفعل ماضيًا (ﮙ)؛ ليؤكد ذلك.
الثاني: الدلالة على تمكن الطمس وقوته عند وقوعه، وذلك للتعبير بحرف الاستعلاء (على) في الموطن الأول، مع أن الطمس يتعدى بنفسه 49 كما جاءنا في الموطن الثاني. والله أعلم.
يقصد بها: العين التي تنظر خلسة إلى ما لا يحل لها.
أو المراد: العين التي يومئ صاحبها بخلاف ما يظهر من غدر أو قتل أو ضرب أو خيانة ونحوها فإذا كان ظهور تلك الخيانة من قبل عينه كانت عينه من خائنة الأعين50.
وهذا الوصف وردت الإشارة إليه في آية واحدة هي قوله تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [غافر: ١٩].
علق سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما على الآية السابقة فقال: الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها، فإن رأى منهم غفلة نظر إليها، فإن خاف أن يفطنوا به غض بصره، وقد اطلع الله من قلبه أنه ود أنه نظر إلى عورتها51.
وذكر ابن حجر عن بعض أهل العلم: أن معنى (ﭲ ﭳ ﭴ): أن الله يعلم النظرة المسترقة إلى ما لا يحل، وأما خائنة الأعين التي ذكرت في الخصائص النبوية52.
فهي الإشارة بالعين إلى أمر مباح لكن على خلاف ما يظهر منه بالقول.
قلت53: وكذا السكوت المشعر بالتقرير فإنه يقوم مقام القول54.
ولما كانت هذه الخيانة من قبل العين أضيفت إليها، وكان يحرم عليه صلى الله عليه وسلم خائنة الأعين في غير الحرب، ومكايدة العدو وهي أن يشير إلى مباح من غير أن يظهره من ضرب، أو قتل أو نحوه - كما مر - مما يحل أن ينطق به، ولا يحرم ذلك على الأمة إلا في محظور 55.
وفي ضوء ذلك نعلم أن هذا الوصف للعين ذمه القرآن الكريم، وذم متصفيه مما يؤكد أهمية ابتعاد المسلم عنه، وبخاصة إذا كان في أمر محظور نهى الشرع عنه، ولم يكن في مكيدة أو حرب، والله أعلم.
٣. أعين لا توصف بمدح ولا ذم.
مر بنا حديث القرآن عن العين المحمودة أولًا، ثم المذمومة ثانيًا، وها نحن أولاء في هذا الموضع نقف على صفات العين الخارجة عن المدح والذم، وهي مرتبة حسب ترتيبها المصحفي كما يلي:
هي: العين التي وقع عليها تأثير السحر، فيخيل إليها أنها ترى أشياء غير حقيقية أو واقعية.
أو هي: العين الواقعة تحت التأثير النفسي للسحر، فلا ترى الأشياء على حقيقتها.
وهذا الوصف للعين ورد في موضع واحد من كتاب الله تعالى، وهو قوله تعالى: (ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الأعراف: ١١٦].
ويلاحظ على الآية الكريمة أمران:
أولهما: أن الله تعالى نسب السحر إلى الأعين، ولم ينسبه إلى الناس أنفسهم؛ للدلالة على أنهم سحروا أعين الناس وعقولهم، أى: خيلوا إلى الأبصار -بما فعلوا من التمويه والتخييل- أن صنيعهم له حقيقة في الخارج مع أنه لم يكن إلا مجرد صنعة وخيال، فتأثيرهم في الرؤية لا في تغيير الحقيقة، ولذا لم يقل سبحانه سحروا الناس56.
ثانيهما: أن لفظ (الأعين) الوارد على أحد أوزان جمع القلة (أفعل)، مراد به الكثرة لا القلة؛ لأن الناس في هذا اليوم جمعهم فرعون من كل حدب وصوب لرؤية هذا الحدث الجلل، تصديقًا لقوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [طه: ٥٩].
وقوله تعالى: (ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [الشعراء: ٣٩: ٤٠].
ونحو ذلك من الآيات المفيدة كثرة الناس في هذا المشهد المهيب، أو أن جمع القلة على بابه والمقصود به طائفة مخصوصة من الناس، وهم قوم فرعون ومن جمعهم لمثل هذا الأمر، والله أعلم.
هي: العين التي غلب البياض على حدقتها من شدة الحزن، المستلزم لكثرة البكاء فتذهب الرؤية عنها 57.
واخترت هذه التسمية بدلًا من (البيضاء)؛ لأن كلمة (البيضاء) توحي بأن هذا الوصف ذاتي للموصوف، وليس الأمر كذلك، بل جاءها البياض، وغلب على العين بعد ذلك لسبب من الأسباب كالحزن وكثرة البكاء ونحوهما، وهذا الوصف وارد في موطن واحد في قوله تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [يوسف: ٨٤].
والآية مسوقة -كما هو معلوم- ضمن قصة يوسف عليه السلام؛ لبيان عظم حزن أبيه يعقوب عليه السلام عليه، وللمفسرين في ابيضاض العين قولان:
أولهما: أنه ذهب بصره كلية.
ثانيهما: أنه ضعف بصره؛ لبياض حصل فيه من كثرة بكائه58.
وذهب بعضهم: إلى أن الآية من قبيل المجاز، وعليه فقوله: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) كناية عن غلبة البكاء59، وليس ثمة ذهاب للبصر أو بعضه.
وأرجح القول الأول، حيث إن ظاهر القرآن يؤيده في قوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [يوسف: ٩٣] إلى أن قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [يوسف: ٩٦].
فقوله: (ﯤ ﯥ) و (ﭘ ﭙ) يقتضيان سبق العمى، الذي أفضى إليه شدة الحزن وكثرة البكاء، والله أعلم.
ثالثًا: العيون الممنون بها على بعض الأقوام السابقين.
مَنَّ الله تعالى على بعض الأقوام السابقين -كما منَّ علينا أيضًا- ببعض عيون الأرض؛ لإصلاح معايشهم ومنافعهم، ومن هؤلاء الأقوام:
١. قوم هود عليه السلام.
قوم هود عليه السلام كانوا يسكنون الأحقاف، وهي جبال رملية قرب حضرموت من ناحية اليمن، وقد جاؤوا بعد قوم نوح عليه السلام، وكانوا ممن زاغت قلوبهم بعد فترة من الطوفان الذي طهر وجه الأرض من العصاة.
وقد وردت هذه القصة في (الأعراف) وفي (هود) مفصلة، كما وردت في سورة (المؤمنون) بدون ذكر اسم هود أو عاد، وهي تعرض هنا في (الشعراء) مختصرة بين طرفيها: طرف دعوة هود لقومه، وطرف العاقبة التي انتهى إليها المكذبون منهم60، وقبل هلاكهم ذكرهم نبيهم عليه السلام بعظيم نعم الله تعالى عليهم، والتي منها عيون الماء، ولولاها -بعد الله تعالى- ما كانت لهم حياة ولا وجود ألبتة، لكنهم لم يستجيبوا ولم يؤمنوا فحاق بهم سوء العذاب، وهذا ما ذكره الله تعالى بقوله: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الشعراء: ١٣١-١٣٥].
هذا ويلاحظ على الآيات الكريمة أمور كما يلي:
أولها: أن سيدنا هودًا عليه السلام استعمل مع قومه في دعوته (أسلوب التفصيل بعد الإجمال) في قوله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الشعراء: ١٣٢- ١٣٣].
وهذا بلا شك أوقع في النفس، وأبلغ في الموعظة والنصح، ولعل دعاة اليوم يستفيدون من مثل هذه المناهج الدعوية للقرآن الكريم.
ثانيها: ابتدأ هود عليه السلام في تعداد النعم بذكر الأنعام؛ لأنها أجل نعمة على أهل ذلك البلد، فمنها أقواتهم ولباسهم وعليها أسفارهم، وكانوا أهل حل وترحال، وعطف عليها البنين؛ لأنهم نعمة عظيمة، وبها أنسهم وعونهم على أسباب الحياة وبقاء ذكرهم بعدهم، وكثرة سوادهم وعددهم61.
ثالثها: ثم ذكر عليه السلام (الجنات والعيون) بعد ذلك؛ لأن بها رفاهية حالهم، واتساع رزقهم، وعيش أنعامهم 62.
رابعها: ورود النعم المذكورة بصيغة الجمع يدل على تعددها وتنوعها، فهي ليست واحدة، بل أنعام وبنون وجنات وعيون، وهذا الجمع باعتبار التعدد والتنوع، أو باعتبار انفراد كل واحد من القوم بمجموع هذه النعم، وهذا فيه مزيد إكرام وإنعام لهم، ومع ذلك كله لم يتعظوا ولم ينتفعوا فنزل بهم ما أوعدوا به، والله أعلم.
٢. قوم صالح عليه السلام.
كما ذكر سيدنا هود عليه السلام قومه بنعم الله تعالى عليهم، ذكر سيدنا صالح عليه السلام قومه كذلك، ومما ذكرهم به هذه الجنات والعيون التى أغدقها الله عليهم، والزروع والنخيل المترتبة على هذه العيون، فالعيون ههنا لم توصف بمدح أو ذم، لكنها واردة في مقام الامتنان والتذكير بنعم الله تعالى، ولننظر إلى سيدنا صالح عليه السلام هنا وهو يذكر قومه بقوله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الشعراء: ١٤٦ - ١٤٩].
وقوله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) أي: في هذا الخير والسعة آمنين من الموت في البساتين والأنهار، ويقال: العيون هاهنا الآثار؛ لأن قوم صالح لم يكن لهم أنهار جارية 63.
هذا ويلاحظ على الآيات الكريمة هنا أمران:
الأول: أن العيون جاءت مجموعة أيضًا فهذا لتعددها أو تنوعها، وفي كلٍ مزيد إنعام وإكرام.
الثاني: ظاهر هذه الآيات يدل على أن الغالب على قوم هود هو اللذات المعنوية، وهي طلب الاستعلاء والبقاء والتفرد والتجبر، والغالب على قوم صالح هو اللذات الحسية، وهي طلب المأكول والمشروب والمساكن الطيبة الحصينة64.
٣. بنو إسرائيل.
امتن الله تعالى على بني إسرائيل بمنن عظيمة، وأنعم عليهم بنعم كثيرة متنوعة، ومن ذلك هذه العيون التي رزقهم الله تعالى إياها، والمشار إليها في موضعين من كتابه هما قوله تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [الشعراء: ٥٧ - ٥٩].
وقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الدخان: ٢٥ - ٢٨].
وفي تفسير العيون قولان:
أحدهما: عيون الماء، وهو قول الجمهور.
والثاني: عيون الذهب، قاله ابن جبير65.
والظاهر ما رجحه الجمهور؛ لأن الله تعالى قال: (ﰅ ﰆ ﰇ) بعد قوله: (ﰂ ﰃ)، مما يدل على أن العيون للماء وليست للذهب، فالعيون شيء، والكنوز شيء آخر، فضلًا عن أن الذهب أول ما يكتنز من المعادن، فلفظ الكنوز يدل عليه ويشمله، ولا ثمة داع أن يشار إليه ثانية، فلغة القرآن منزهة عن العبث، والتكرار غير المفيد، والله أعلم.
والموضعان يتحدثان عن إرث بني إسرائيل للجنات والعيون والكنوز والمقام الكريم، التي كانت لقوم فرعون بعد هلاكهم «والمعنى: أخرجناهم من بساتينهم التي فيها عيون الماء وكنوز الذهب والفضة، والمواضع التي كانوا يتنعمون فيها؛ لنسلمها إلى بني إسرائيل، وسمى الله الكنوز بهذا الاسم؛ لأنهم لم ينفقوا منها في طاعة الله تعالى، والمقام الكريم هو المنازل الحسنة والمجالس البهية»66.
وهذا يقتضي رجوع بني إسرائيل إلى مصر؛ لأن هذه الجنات والعيون والكنوز كانت لفرعون وقومه بمصر، ثم آلت لبني إسرائيل بعد غرق فرعون، فتمتعوا بها فترة معينة، ثم خرجوا إلى الأرض المقدسة التي دعاهم موسى عليه السلام لدخولها كما جاء في قوله تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [المائدة: ٢١].
ويلاحظ على هذه الآيات الكريمة أمران:
الأول: أن آيات سورة الشعراء بمثابة التفسير لآيات سورة الدخان، حيث فسرت القوم الآخرين بأنهم بنو إسرائيل، وهذا يعد من قبيل تفسير القرآن بالقرآن، وهو مقدم على كل تفسير.
الثاني: أن العبد بحسن طاعته وإقباله على ربه، يمنحه النعم الكثيرة والهبات الجزيلة، فبنو إسرائيل بإيمانهم أورثهم الله تعالى ما كان لفرعون، ولما طغى فرعون وتأله أهلكه، وأراح منه البلاد والعباد، والله أعلم.
رابعًا: عيون الجنة وحورها:
الناظر في كتاب الله تعالى يجد عددًا غير قليل من الآيات الكريمة، ورد فيه أوصاف لعيون الجنة وحورها مما يثير الاهتمام بها، ويؤهلها لدراسة مستقلة، لذا كانت هذه المسألة، وستكون الأوصاف مرتبة تبعًا لورودها بالمصحف في مسألتين:
١. عيون الجنة.
هي: العين التي يجري فيها ومنها الماء جريانًا سريعًا كثيرًا، غير بطيء ولا قليل.
والجري: المر السريع، وأصله كمر الماء، يقال: جرى الماء يجري جريًا وجريانًا67.
وقد ورد هذا الوصف للعين في القرآن في موضعين:
قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ) [ الرحمن: ٥٠].
وقال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ) [الغاشية: ١٢].
وكلا الموضعين ورد وصفًا لعيون الجنة، وجاء الأول بلفظ التثنية موافقة للسياق، وأن من خاف ربه- على خلاف بين المفسرين في المراد - له جنتان من صفتهما أنه (ﮂ ﮃ ﮄ) [ الرحمن: ٥٠ ].
وهاتان الجنتان تجريان بالزيادة والكرامة على أهل الجنة.
وقيل: تجريان بالماء الزلال، إحداهما التسنيم، والأخرى السلسبيل. وقيل: إحداهما من ماء، والأخرى من خمر. وقيل: تجريان في الأعالي والأسافل من جبل من مسك68.
فإن كان الجنتان اثنتين لكل من خاف مقام ربه، فلكل جنة منهما عين، فهما عينان لكل من خاف مقام ربه، وإن كان الجنتان جنسين فالتثنية مستعملة في إرادة الجمع، أي: عيون على عدد الجنات، وكذلك إذا كان المراد من تثنية (جنتان) الكثرة كما أن تثنية (عينان) للكثرة.
وفصل بين الأفنان وبين ذكر الفاكهة بذكر العينين مع أن الفاكهة بالأفنان أنسب؛ لأنه لما جرى ذكر الأفنان، وهي من جمال منظر الجنة، أعقب بما هو من محاسن الجنات، وهو عيون الماء؛ جمعا للنظيرين، ثم أعقب ذلك بما هو من جمال المنظر، أعني: الفواكه في أفنانها وملذات أذواقها69.
أما الإفراد في قوله: (ﮂ ﮃ ﮄ) فلعله؛ لأن عين اسم جنس، أي: عيون، أو عين مخصوصة ذكرت تشريفًا لها70، وقيل: في الجنة العالية عين جارية في غير أخدود71.
وسواء أكانت عينًا أم عينين أم عيونًا فهذا مما يدل على كرامة أهل الجنة عند المليك المقتدر سبحانه وتعالى، وأنه عز وجل يكرمهم بتعدد ألوان النعيم لهم، وذلك لتعدد أنواع الطاعات منهم، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعًا من أهل منه وكرمه، اللهم آمين.
العين النضاخة هي: الفوراة شديدة الفوران، كثيرة الماء مع حسنه وجماله.
وفي ذلك يقول صاحب اللسان: والنضخ شدة فور الماء في جيشانه وانفجاره من ينبوعه.
وقال أبو علي: ما كان من سفل إلى علو فهو نضخ، وعين نضاخة تجيش بالماء72.
ولم يرد هذا الوصف للعين إلا في موضع واحد من التنزيل، وهو قوله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ) [ الرحمن: ٦٦ ].
وعليه فـ(ﯼ) بمعنى: فوارتان، وجل المفسرين على ذلك، وقال الضحاك: (ﯼ) أي: ممتلئتان لا تنقطعان73.
وسواء أكان فورانها بالماء أم المسك والعنبر أم الخير والبركة ونحو ذلك مما ذكره المفسرون74، فهذا مما يدل على غاية إكرام الله تعالى لهم أيضًا، مع تعدده وتنوعه، ولا حرج على فضل الله تعالى.
والملحوظ هنا أن الله تعالى وصف العين بالنضخ وهو أدون، وفي الآيات السابقة بالجري، وهو أعظم؛ لأن الجري أقوى من النضخ، والجنات الموصوفة بالنضخ أدون وأقل درجة من السابقة؛ لأنه تعالى قال في هذين دون الأوليين: (ﯪ ﯫ ﯬ) [الرحمن: ٦٢].
وفي ذلك يقول صاحب (باهر البرهان): «(ﯼ) أي: فوارتان، والنضخ دون الجري، فلذلك كانتا دون الأوليين»75. والله أعلم.
الكافور: شجر من الفصيلة الغارية يتخذ منه مادة شفافة بلورية الشكل، يميل لونها إلى البياض، رائحتها عطرية وطعمها مر، وهو الذي يجعل في الطيب، وأصنافه كثيرة76.
وقيل: هو زيت يستخرج من شجرة تنبت في بلاد الصين، يغلى حطبها ويستخرج منه زيت يسمى الكافور، وهو ثخن قد يتصلب فيصير كالزبد، وإذا وقع حطب شجرة الكافور في الماء صار نبيذًا يتخمر فيصير مسكرًا، ولونه أبيض ذكي الرائحة منعش77.
وهذا الوصف ورد في موضع واحد أيضًا هو قوله تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) [ الإنسان: ٥ - ٦ ].
والكافور في الآية قيل: هو اسم عين في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده.
وعن قتادة: تمزج لهم بالكافور وتختم لهم بالمسك، وقيل: تخلق فيها رائحة الكافور وبياضه وبرده فكأنها مزجت بالكافور78.
وقوله: (ﰈ) أي: يمازجه ماء هذه العين التي تسمى كافورًا، وقال عكرمة: مزاجها طعمها.
وقيل: إنما الكافور في ريحها لا في طعمها، وقيل: أراد كالكافور في بياضه وطيب رائحته وبرده؛ لأن الكافور لا يشرب79، وعليه فشراب أهل الجنة هنا من عين ماؤها كالكافور بياضًا ورائحة وبرودة وفضلًا.
والملوحظ هنا أن الله تعالى عبر بقوله: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) ولم يقل: (يشرب منها) -مع أنه المتبادر من الكلام- لأمرين:
الأول: أن الفعل (يشرب) عدي بالباء؛ لتضمينه معنى التلذذ أو الارتواء، والمعنى: يتلذذ بها أو يروى بها عباد الله؛ لأن الشرب قد يكون أقل من الارتواء، يؤتى الشخص بإناء يشرب منه، فيشرب، لكن ليس إلى درجة الارتواء، فقد يرتوي وقد لايرتوي، وإذا أتي بشيء يشرب به فلابد أن يرتوي، وعليه (فشرب به) بمعنى ارتوى لغة80.
الثاني: أن (شرب به) يفيد معنى الوجود في المكان نفسه، يقال: شربت بالعين، وسكنت بالبلد أي: أقمت فيها؛ لأن الباء قد تكون للظرفية، إذن: شرب بالعين معناها: أنه كان قطعًا موجودًا ومقيمًا فيها أو حولها وشرب، أما شرب من العين ليس بالضرورة أن يكون في العين، إذن اللذة تكون بشيئين: بالمنظر وبالارتواء.
وفي ذلك يقول الراغب رادًا على من ذهب إلى زيادة الباء أو بعضيتها في الآية: «وقال بعضهم: الباء بمعنى (من) في قوله: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [المطففين: ٢٨].
وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [الإنسان: ٦].
والوجه ألا يصرف ذلك عما عليه، وأن العين هاهنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء بعينه، نحو: نزلت بعين، فصار كقولك: مكانًا يشرب به»81.
وعلى هذا فقوله: (ﭒﭓ) يدل لغة على الارتواء والوجود في المكان حين الشرب، فتجتمع لهم لذة الشرب مع الارتواء، ولذة المقام والوجود وعدم المفارقة، فلاهم يفارقون هذا النعيم وهذه العيون، ولا هي تفارقهم إلى غيرهم، وهذا أبعد للتنغيص والتكدير، ثم ختمت الآية بقوله تعالى: (ﭖ ﭗ) أي: يتصرفون فيها حيث شاؤوا وأين شاؤوا، من قصورهم ودورهم ومجالسهم ومحالهم، نسأل الله تعالى أن نكون منهم أجمعين.
الماء السلسبيل: هو الماء السهل اللذيذ، سلس الجري 82 والمساغ.
وقيل: هو عين في الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل، لا يشبه زنجبيل الدنيا، يشربها المقربون صرفًا، ويمزج لسائر أهل الجنة83.
وورد هذا الوصف أيضًا في موضع واحد من التنزيل، وهو قوله تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [ الإنسان: ١٧ - ١٨ ].
والسلسبيل صفة لعين ماء في الجنة -على الراجح- ووصفت بذلك؛ لسلاسة انحدارها في الحلق وسهولة مساغها، يقال: شراب سلسل وسلسال وسلسبيل، وهو ما كان من الشراب غاية في السلاسة، وجاءت الباء مبالغة في هذا المعنى، والمراد: أنها في طعم الزنجبيل، وليس فيها لذعة بل هي على نقيض اللذع وهو السلاسة84.
والزنجبيل: مما كانت العرب تستطيبه جدًا، فوعدهم الله تعالى أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة85.
وقال قتادة: سميت بذلك؛ لأنها سلسة منقاد ماؤها حيث شاؤوا86.
وحكى ابن جرير عن بعضهم أنها سميت بذلك؛ لسلاستها في الحلق، ورجح الطبري أنها تعم ذلك كله، والأمر كما قال87، والله أعلم.
وفي ترجيح كون (ﯘ) صفة للعين لا اسمًا لها يقول الطبري، بعد ذكره الأقوال الأخرى: «الصواب من القول في ذلك عندي أن قوله: (ﯗﯘ) صفة للعين، وصفت بالسلاسة في الحلق وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لإجماع أهل التأويل على أن قوله: (ﯘ) صفة لا اسم»88.
والله عز وجل جمع لأهل الجنة ألوانًا من النعيم والعيون، فجعل شرابهم جامعًا بين برد الكافور وطعم الزنجبيل من غير لذع وريح المسك، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن ذاك تارة، أما المقربون فإنهم يشربون من كلٍ صرفًا، كما قاله قتادة وغير واحد89، والله اعلم.
عين (التسنيم): هي عين يمزج بها الرحيق لأصحاب اليمين في الجنة، وأما المقربون فيشربونها صرفًا، وهي المذكورة في قوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [ المطففين: ٢٥ - ٢٨].
وجل المفسرين على هذا القول.
واللفظ مأخوذ من (سنم) أي: ارتفع، ومنه سنام البعير90.
والتسنيم: تفعيل من قول القائل: سنمتهم العين تسنيمًا، إذا أجريتها عليهم من فوقهم، فكان معناه في هذا الموضع: ومزاجه من ماء ينزل عليهم من فوقهم فينحدر عليهم91.
وسميت بذلك؛ لأنها عين في الجنة رفيعة القدر، أو أنها تجري فوق الغرف والقصور، أو لأنها أرفع شراب في الجنة أو أنها تجري في الهواء مسنمة فتنصب في أوانيهم، أو لأن ماءها عند الجري يرى فيه ارتفاع وانخفاض، فهو التسنيم أيضًا، وذلك لأن أصل هذه الكلمة للعلو والارتفاع92.
ولا مانع من الجمع بين هذه الأسباب كلها، ولا حرج على فضل الله تعالى أن تجتمع هذه الصفات لعين التسنيم، وبخاصة أن الجنة فضلت بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
والناظر في سياقات الآيات الواردة في عيون الجنة يلحظ أمرين:
الأول: أن بعض هذه العيون ورد في وصفها قوله تعالى: (ﯧ) وقوله: (ﮰﮱ) والبعض الآخر ليس كذلك، ومن خلال استقراء كتب التفسير وجدت أن العلة في ذلك المغايرة بين جزاء الأبرار والمقربين، وتفاوت درجة كل منهم، فإذا كان الحديث عن الأبرار جاءت الآيات بالشراب الممزوج بغيره لنزول رتبتهم عن رتبة المقربين، وإذا كان الحديث عن المقربين كان شرابهم خالصًا صرفًا لعلو مكانتهم.
الثاني: ورد في التعبير عن بعضها قوله: (ﯬ ﯭ) وذلك حين يكون الحديث عن المقربين؛ للدلالة علي شربهم حتى الري، مع الاستقرار والإقامة في المكان، علي ما سبقت الإشارة إليه، والله أعلم.
٢. الحور العين.
من مشتقات مادة (عين) مجيئها في القرآن الكريم بكسر العين (عين) وصفًا للحور العين، والعين في الأصل جمع (عيناء) وهي المرأة واسعة العين، وهو وصف كذلك للبقر الوحشي.
وورد هذا الوصف في القرآن للحور العين في أربع آيات هي:
قوله تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الصافات: ٤٨].
وقوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الدخان: ٥٤].
وقوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ) [الطور: ٢٠].
وقوله تعالى: (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الواقعة: ٢٢ - ٢٣].
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة يلحظ أمورًا:
الأول: أن الله تعالى وصف الحور فيها بأنهن (عين) وهذا الوصف فسره العلماء بتفسيرين:
الثاني: أنه تعالى وصفهن في بعض الآيات بأنهن (ﰁ ﰂ) ثم وصفهن ثانية بأنهن (ﭬ) وكأن الوصف الأخير وارد هنا على سبيل (الاحتراس)95، حيث إنه سبحانه لما وصفهن بأنهن قاصرات الطرف؛ لشدة عفتهن وحيائهن -لا من ضعف في العيون أو لعيب فيها- فلما وصفهن بالوصف الأول احترس بالوصف الثاني، حتي لا يظن بهن أي نوع من أنواع العيب يسبب لهن قصر النظر96، مع تشبيهن في بقية الآيات بالبيض أو اللؤلؤ المكنون، وهذا فيه من كمال الجمال ما فيه.
الثالث: الاقتصار في وصف الحور على هذه الصفة (ﭬ) في الآيات المذكورة مما يدل على أنها أصل لما سواها وغنية عنه، وليس سواها كذلك، حتى صارت هذه الصفة بمثابة العلم عليهن، فإذا ذكرت (العين) انصرف الذهن إليهن مباشرة.
وهذا غيض من فيض، وقليل من كثير، مما لم تره عين، أو تسمع به أذن، أو يخطر علي قلب بشر، فاللهم اجعلنا أجمعين من أهل فضلك ورضوانك في الدنيا والآخرة اللهم آمين اللهم آمين.
موضوعات ذات صلة: |
الآيات الكونية، البصر، التفكر، الرؤية |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/١٩٩ .
2 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/١٩٩، تاج العروس، الزبيدي ٣٥/٤٤٠ .
3 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٣/١٣٠، لسان العرب، ابن منظور ١٣/٣٠٣.
4 انظر: العين، الفراهيدي ٢/٢٥٤ .
5 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٣/٣٠٦.
6 انظر: العين، الفراهيدي ٢/٢٥٥، تهذيب اللغة، الأزهري ٣/١٣٢.
7 انظر: العين، الفراهيدي ٢/٢٥٥، تهذيب اللغة، الأزهري ٣/١٣٣، مقاييس اللغة، ابن فارس ٤/٢٠٣.
8 انظر: العين، الفراهيدي ٢/٢٥٤.
9 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٣/٣٠١.
10 انظر: أمراض العين وعلاجاتها، ابن سينا ص٢٦، أسرار العيون، محمود مصطفى ص٧، العين عناية ووقاية، خالد طبارة ص١٣.
11 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص ٤٩٥-٤٩٦، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، باب العين ص٨٤٤-٨٤٥.
12 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٣٤٤-٣٤٥، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي، ص٤٤٣-٤٤٤.
13 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٩/٢١٣.
14 انظر: معاني القرآن، الفراء ٢/٢٩٤، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٥٠١.
15 انظر: الحواس في القرآن الكريم، بليل عبد الكريم، مقال منشور على موقع شبكة الألوكة الإسلامية.
16 التعريفات، الجرجاني ص٤٦.
17 الفروق اللغوية، العسكري ص٣٨١.
18 لسان العرب، ابن منظور ٦/٤٤٦٦.
19 المفردات الراغب الأصفهاني ٢/٤٣٨.
20 التعريفات، الجرجاني ص١٠٩.
21 انظر: التفسير البياني للقرآن الكريم، بنت الشاطئ ١/١٨١.
22 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٦٤٨.
23 روي ذلك عن ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم.
انظر: جامع البيان، الطبري ١٠/٥٠٧، البسيط، الواحدي ٧/٤٩٣.
24 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٥/٢٣٢٨، التفسير الوسيط، طنطاوي ٤/٢٥٦.
25 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٦٦٩.
26 روح المعاني، الألوسي ٤/٥.
27 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٣٠١.
28 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٧، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٦/١٢٢، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ١/٤٦٠.
29 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٨/٢٢٥.
30 انظر: نظم الدرر، البقاعي ٥/٤٧٠.
31 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/٢١٩.
32 تفسير ابن أبي حاتم الرازي ٧/٢٢٧٣.
33 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٢٦٢.
34 انظر: الوسيط الواحدي ٣/١٤٥.
35 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٣٤٧.
36 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١١/٨٦.
37 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٣٠٥.
38 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٨٣.
39 غرائب التفسير وعجائب التأويل، الكرماني ٢/١٠٦٧.
40 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/٩٦.
41 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٣٥٩.
42 انظر: العين، الفراهيدي ٧/٣٨١، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٣٧٩.
43 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة ٧ /٣٧٠٢.
44 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٤/٢٠٣.
45 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٢٩٧.
46 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٢١٨، التفسير الوسيط، طنطاوي ١١/١٨٩، التفسير المنير، وهبة الزحيلي ٢١/٢٥٧.
47 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٦/٩١.
48 انظر: مجاز القرآن، أبو عبيدة معمر بن المثنى ٢/١٦٥، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/٢٩٣، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٢٤.
49 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/٥١.
50 انظر: عون المعبود، العظيم آبادي ٧/٢٤٩.
51 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، ٤/٣٢٧.
52 يشار بذلك إلى الحديث الصحيح الذي أخرجه مصعب بن سعد، عن سعد قال: لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، فجاء به حتى أوقفه على النبي، فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثًا، ثم أقبل على أصحابه، فقال: (أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟) فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ فقال: (إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين).
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد، باب قتل الأسير ولا يعرض عليه الإسلام، رقم ٢٦٨٣، ٣ /٥٩، والنسائي في الكبرى، كتاب المحاربة، باب الحكم في المرتد، رقم ٣٥١٦، ٣/٤٤٣.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٤/٣٠٠.
53 الكلام للإمام ابن حجر رحمه الله تعالى وجميع علمائنا المسلمين.
54 فتح الباري ١١/٩.
55 انظر: شرح السنة، البغوي ١١/٤٣.
56 انظر: تفسير السمعاني ٢/٢٠٤، زهرة التفاسير، أبو زهرة ١/٣٣٩، التفسير الوسيط، طنطاوي٥/٣٤٩.
57 انظر: تفسير السمعاني ٣/٥٨.
58 النكتب والعيون، الماوردي ٣/٦٩.
59 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٨/٤٩٨.
60 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٦١٠.
61 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/١٧٠.
62 انظر: المصدر السابق ١٩/١٧٠.
63 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٥٦٣.
64 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٢٥.
65 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٥/٢٥١.
66 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٠٦.
67 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٩٤.
68 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٤/٣٤٠، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٢١٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/١٧٨.
69 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٢٦٦.
70 انظر: البحر المحيط، أبو حيان١٠/٤٦٣.
71 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٣٨٧.
72 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٣/٦١، تاج العروس، الزبيدي ٧/٣٥٧.
73 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٥٠٧
74 انظر: الكشف والبيان، الثعلبى ٩/١٩٣.
75 انظر: باهر البرهان في معانى مشكلات القرآن، أبو القاسم النيسابورى.
76 انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٧٩٢.
77 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٩/٣٥٣.
78 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٤٢٠.
79 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ١٠/٩٥، معالم التنزيل، البغوي ٨/٢٩٣.
80 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي ابن أبي طالب ١٢/٧٩١٢.
81 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ١٦١، لمسات بيانية، فاضل السامرائي ص١٠٠.
82 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤١٨.
83 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٣٠٠، معالم التنزيل، البغوي ٨/٢٩٦.
84 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٤٢٣، السراج المنير، الشربيني ٤/٤٥٦.
85 معالم التنزيل، البغوي ٨/٢٩٦.
86 أخرجه عبد الرزاق في تفسيره ٢/٣٣٨، والطبري في تفسيره ٢٩/٢١٨.
87 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/١٠٩- ١١٠، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٩٢.
88 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/١٠٩- ١١٠.
89 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٩٢.
90 انظر: مختار الصحاح، الرازي ص٣٢٦.
91 انظر: جامع البيان، الطبري٢٤ /٣٠٠.
92 انظر: جامع البيان، الطبري٢٤ /٣٠٠، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٢٩.
93 انظر: العين، الفراهيدي ٢/٢٥٥، تهذيب اللغة، الأزهري ٣/١٣١، لسان العرب، ابن منظور ١٣/٣٠٢ .
94 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٣/١٣١، المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٥٩٩.
95 الاحتراس هو: أن يؤتي في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفع ذلك الوهم، وسمى بذلك لأن فيه التوقي والاحتراز عن توهم خلاف المقصود، ويسمى بـ «التكميل» أيضًا.
انظر: الإيضاح في علوم البلاغة، القزويني ٣/٢٠٨، الكليات، الكفوي ص ٥٥.
96 انظر: القاموس القويم، عبد الفتاح إبراهيم ٢/٤٦.