عناصر الموضوع
السؤال
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «السين والهمزة واللام كلمة واحدة، يقال: سأل يسأل سؤالًا ومسألة، وتساءل الرجال أي سأل بعضهم بعضًا، ومن أكثر منه يقال له: رجل سؤالة وسؤله كهمزة: كثير السؤال»1. ولهذا فالفقير يسمى سائلًا إذا كان مستدعيًا لشيء ، ولأنه من طبعه أن يسأل كثيرًا2، حتى يعطى وتقضى حاجته، ومن يكثر السؤال يصبح ملحًا، وجمع السائل الفقير: السؤّال3. وبه فسّر قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [الضحى:١٠] وفسّره الحسن بطالب العلم4. فالسائل هو الطالب.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
عرف العلماء السؤال بأنه استدعاء معرفة، أو ما يؤدي إلى المعرفة5، أو ما يؤدّي إلى المال، فاستدعاء المعرفة جوابه على اللّسان، واليد خليفة له بالكتابة أو الإشارة، واستدعاء المال جوابه على اليد، واللّسان خليفة لها، إمّا بوعد أو برد6.
يقول الراغب الأصفهاني: والسؤال على ضربين:
الأول: طلب مقال، وجوابه المقال: وهذا مثاله : قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ) [الأحقاف:٣١]. وقال: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [الأحقاف:٣٢].
والثاني: طلب نوال: وجوابه النوال: وعلى الثاني قوله: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [يونس:٨٩]. أي: أعطيتما ما سألتما7.
وردت مادة (سأل) في القرآن الكريم (١٢٩) مرة8.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٢١ |
(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الملك:٨] |
الفعل المضارع |
٧٨ |
(ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [القيامة:٦] |
فعل الأمر |
١٦ |
(ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [يوسف:٨٢] |
اسم الفاعل |
٧ |
(ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الذاريات:١٩] |
اسم المفعول |
٥ |
(ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الإسراء:٣٦] |
مصدر |
٢ |
(ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [ص:٢٤] |
وجاء السؤال في القرآن الكريم على وجهين9:
الأول:بمعناه اللغوي، وهو استدعاء معرفة أو ما يؤدي إليها، أو استدعاء مال أو ما يؤدي إليه، قال الله سبحانه وتعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الأحزاب:٦٣].
الثاني: الحساب: ومنه قوله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الحجر:٩٢] أي:لنحاسبنهم على ما كان منهم.
الاستخبار:
الاستخبار لغةً:
يقول ابن فارس:«الخاء والباء والرّاء أصلان، فالأوّل ؛ من الخبر وهو العلم، والثّاني :من الخبراء، وهي الأرض اللّيّنة، وهو يدلّ على لينٍ ورخاوةٍ وغزرٍ. ويقال: استخبره أي سأله عن الخبر وطلب أن يخبره. والخبير العالم، قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الفرقان:٥٩].
الاستخبار اصطلاحًا:
أما اصطلاحًا فهو طلب خبر ما ليس عندك.
الصلة بين السّؤال والاستخبار:
يقول أبو الهلال العسكري: أن الاستخبار طلب الخبر فقط والسّؤال يكون طلب الخبر الأمر والنّهي وهو أن يسال السّائل غيره أن يأمره بالشي أو ينهاه عنه والسّؤال والأمر سواء في الصّيغة، وإنّما يختلفان في الرّتبة، فالسؤال من الأدنى في الرّتبة والأمر من الأرفع فيها10. يقول الراغب الأصفهاني: وكل استخبار سؤال، وليس كل سؤال استخبارًا11.
الاستفهام:
الاستفهام لغةً:
هو مصدر من الاستفعال، وهو من الفهم، يقول ابن فارس: «الفاء والهاء والميم علم الشّيء»12. يقال «استفهم أي سأله أن يفهّمه ، وقد استفهمني الشيء فأفهمته وفهّمته تفهيمًا»13. والاستفهام طلب الإفهام وهو أخص من الاستخبار14.
الاستفهام اصطلاحًا:
هو «استعلام ما في ضمير المخاطب»15. أو هو «طلب المتكلم من مخاطبة أن يحصل في ذهنه ما لم يكن حاصلاً عنده مما سأله عنه»16. أو هو طلب حصول صورة الشيء في الذهن تصديقًا أو تصورًا، فإن كانت تلك الصورة هي وقوع نسبة بين الشيئين، فحصولها هو التصديق وإلا فهو تصور17.
الصلة بين السّؤال والاستفهام:
قال صاحب الفروق اللغوية: إن الاستفهام لا يكون إلّا لما يجهله المستفهم أو يشك فيه ؛ وذلك أن المستفهم طالب لأن يفهم ،ويجوز أن يكون السّائل يسأل عمّا يعلم لا يعلم ، فالفرق بينهما ظاهر18.
١. السؤال الاستفهامي.
والاستفهام طلب الفهم أو معرفة ما هو خارج الذهن، بواسطة أدوات استفهامية. (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الماعون:١].
فقوله عز وجل: (ﭦ) حرف يستعمل في موضع السؤال والاستفهام19؛ كقوله: (ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [الشورى:٤٤].
والاستفهام يرد مجازًا على غير حقيقته، بحيث إن المستفهم لا يرجو من سؤاله حصول علم لم يكن قبل السؤال، والسؤال في هذا الصنف من الله تعالى ولا ريب، وقد أحصى علماء اللغة أغراضًا مجازية كثيرة يمكن أن يستعمل الاستفهام لها، ومن تلك الأغراض ما يلي20:
٢. السؤال الإنكاري.
وهو إنكار على المخاطب المستفهم عنه بالسؤال23، ومنه الأسئلة التي استخدمها موسى عليه السلام للتعبير عن إنكاره لما جرى أمام عينيه من تعدٍّ وظلم ظاهر، كما جاء في قوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الكهف:٧١].
وقوله تعالى: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [الكهف:٧٤].
وقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الكهف:٧٧].
إن أسئلة نبي الله موسى الإنكارية المتكررة هي التي جعلت الخضر عليه السلام لا يجد مناصًا من تبيين حكمة ما فعل لموسى عليه السلام، وهذا يدل على فاعلية السؤال وقوة تأثيره في القصة، إذ أثمر معرفةً وفهمًا وتفسيرًا لأمور كانت أسبابها غير معروفة وغير ظاهرة للعيان.
٣. السؤال الطلبي.
الطلب هو محاولة وجدان الشّيء24 وأخذه، والسؤال الطلبي: هو سؤال يتضمن معاني الطلب أمرًا أو نهيًا25، ومنه قوله تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الفرقان:٥٩] أي: فاطلب بالله ما تطلب26. ومن أمثلته، قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ) [سبأ:٥٢] أي: التناول، وهو من بعد الطلب27. ومثاله قوله تعالى: (ﭪ ﭫ) [البقرة:١٢٨].
٤. السؤال التقريري.
«هو حمل المخاطب على الإقرار والاعتراف بأمرٍ قد استقر عنده»28.
ومن أمثلته في القرآن، قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [طه:١٧].
فهذا السؤال هو سؤال تقريرٍ والحكمة في هذا السّؤال تنبيهه وتوقيفه على أنّها عصًا حتّى إذا قلبها حيّةً علم أنها معجزةٌ عظيمةٌ29. ويقال: «قررت عنده الخبر حتّى استقر ثبت بعد أن حققته له، وقرر المسألة أو الرّأي: صححه وحققه»30.
٥. السؤال التوبيخي.
التوبيخ هو الملامة31 والتهديد والتأنيب32، والسؤال التوبيخي هو توبيخ المخاطب على فعل وقع، لماذا وقع، أو على ترك فعل ما كان ينبغى ألا يقع33 .
يقول قطرب: السّؤال ضربان: سؤال استعلامٍ وسؤال توبيخٍ، فقوله تعالى: (ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الرحمن:٣٩]. يعني: استعلامًا. وقوله: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الحجر:٩٢] يعني: توبيخًا وتقريعًا34.
ومن التوبيخ لأعداء الله قوله سبحانه: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الصافات:١٥١-١٥٣].
هناك أسئلة كثيرة وردت في الخطاب القرآني حول القضايا الاعتقادية، والتي صدق وجزم بها المؤمن بدون ريب أو شك؛ لأنها من الأشياء التي يجب الاعتقاد بها ضرورة، ويمكن أن ندرجها حول أصول الإيمان ؛لأنها واجبات فرضت فرض عين على كل مسلم ومسلمة. ومن هذه الأسئلة ما كان حول الخالق سبحانه، وما يكون يوم القيامة ومتى تقوم الساعة، وما هو مصير العباد في ذلك، ناهيك عن السؤال الذي أحيل به الجواب إلى الله عز وجل، وهو سؤال الروح.
١. السؤال عن الخالق.
يقول سبحانه وتعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:١٨٦].
أخرج ابن أبي حاتم أنه جاء رجلٌ إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللّه أقريبٌ ربّنا فنناجيه، أم بعيدٌ فنناديه؟ فسكت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فأنزل اللّه: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)35، إذا دعوني، استجبت لهم36.
والفاء في قوله: (ﯭ ﯮ) ، جواب إذا، وفيه حذف تقديره: فقل لهم إنّي قريبٌ؛ لأنّه لا يترتّب على الشّرط القرب، إنّما يترتّب الإخبار عن القرب37.
فالله عز وجل قريب من كل شيء، عالم بكل شيء، يصدقه قوله سبحانه وتعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الواقعة:٨٥] وهو قرب العلم والإحاطة وارتفاع الجهات، لا قرب الذات38.
قال أبو حيان: «والقرب المنسوب إلى اللّه يستحيل أن يكون مكانيًّا، وإنّما قصد منه سماع الدعاء، والإسراع في الإجابة»39.
وفي هذا إرشاد لنناجيه ولا ننادي عليه برفع الصوت، فهو قريب لا يحتاج لكي ينادى عليه، كما أنه قريب من عابده، و(أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)40.
وفي الحديث القدسي: (أنا عند ظنّ عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم، وإن اقترب إليّ شبرًا اقتربت منه ذراعًا، وإن اقترب إليّ ذراعًا اقتربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولةً)41. فهذا قربه من عابده42.
وقد ورد أن اليهود سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: كيف يسمع ربك دعاءنا، وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة خمسمائة عام، وأن غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام؟! فنزل قوله: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)، هذا لما لم يعرفوا الصانع، ألا تراهم جعلوا له الولد، وجعلوا له شركاء، فخرج سؤالهم ، مخرج سؤال المتعنت، لا المسترشد»43.
عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليسألنّكم النّاس عن كلّ شيءٍ حتّى يقولوا: الله خلق كلّ شيءٍ فمن خلقه؟) قال يزيد: فحدّثني نجبة بن صبيغٍ السّلميّ: أنّه رأى ركبًا أتوا أبا هريرة، فسألوه عن ذلك فقال: الله أكبر ما حدّثني خليلي بشيءٍ ، إلّا وقد رأيته وأنا أنتظره، قال جعفرٌ: بلغني أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سألكم النّاس عن هذا فقولوا: الله كان قبل كلّ شيءٍ، والله خلق كلّ شيءٍ والله كائنٌ بعد كلّ شيءٍ)44.
٢. السؤال عن يوم القيامة.
قال عز وجل: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [النازعات:٤٢-٤٤].
وقال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ) [الأعراف:١٨٧].
قال ابن عادل الحنبلي: «لما سمع المشركون أخبار القيامة، ووصفها بالأوصاف الهائلة مثل: (ﮮ ﮯ)، و(ﯸ)، و(ﭜ)، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً، متى تكون الساعة؟»45.
والمعنى: في أي شيء هم من سؤال الساعة، ألم يعلموا أنك أنت من علاماتها، فإنك بعثت في نسيم الساعة، واسمك نبي آخر الزمان.
وأما قوله تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [الأعراف:١٨٧] حفي عن الشيء إذا سأل، وحفي بالشيء، عني به، وحفى بالشيء أيضًا حفاوة فرح به. قال الزجاج: «كأنك حفيٌّ، أي فرحٌ بسؤالهم»46.
وفي الآية دلالة على أن المقصد من سؤال الكفار عن الساعة للتمويه والتلبيس على ضعفة الإيمان من الناس؛ لأنهم عرفوا أن وقت الساعة ليس بيد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن سألوه عنها ومتى وقتها وطلبوا الاستعجال بها، عرفوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس بيده الجواب عنها فيستغلوا ذلك في التحريض ضد النبي صلى الله عليه وسلم ودينه.
كما دل إخفاء الساعة عن الخلق بما فيهم الملائكة المقربون والأنبياء المرسلون ؛ لأن ذلك أدعى إلى الطاعة، وأزجر عن المعصية، ومثله كإخفاء الأجل والصلاة الوسطى وليلة القدر ، فالله عز وجل كتم وقت قيام الساعة عن الخلق ليسرع المكلفون إلى التوبة والطاعة فى جميع الأوقات ؛ فإنه لو علم وقت قيامها لتقاصر الخلق عنها وأخروا الطاعة47.
هناك ثلاثة آراء في السائلين عن الساعة، فالرأي الأول: منهم من قال إن السائلين هم قريش ، قال أبو جعفر: عني بذلك قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش48. فسؤالهم ينبئ عن شكهم من قيامها، قال عز وجل: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النمل:٦٦].
وقصدهم من طرح تلك النوعية من الأسئلة : التمويه والتلبيس على ضعاف الإيمان ، ونسوا أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (بعثت أنا والسّاعة كهاتين)49.
يقول الشاطبي: «إن الله تعالى قال بعد سؤالهم عن السّاعة أيّان مرساها: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [النازعات:٤٣] ، أي: إنّ السّؤال عن هذا سؤالٌ عمّا لا يعني؛ إذ يكفي من علمها أنّه لا بدّ منها، ولذلك لمّا سئل صلى الله عليه وسلم عن السّاعة ، قال للسّائل: (ما أعددت لها؟)50؛ إعراضًا عن صريح سؤاله إلى ما يتعلّق بها ممّا فيه فائدةٌ، ولم يجبه عمّا سأل»51.
الرأي الثاني: السائلون هم اليهود52: قال ابن عباس: أتى قوم من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيًّا؟ أي: متى قيامها؟53.
وهذه الطائفة يمكن أن يكونوا من المؤمنين بالبعث، لكنهم لم يؤمنوا بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
والرأي الثالث: السائلون هم من المؤمنين بالبعث والنشور والساعة ، وكان سؤالهم سؤال استهداء، كأنه لما قيل لهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) [الانفطار:١].
و(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الانشقاق:١].
قالوا: متى تكون الساعة؟ فنزلت هذه الآية54.
هل في الآيتين تكرار لنفس الجواب؟
قال الخازن: عبر عن الجواب في السؤال الأول بقوله تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الأعراف:١٨٧] وعن الجواب في السؤال الثاني بقوله تعالى: (ﭘ ﭙ ﭚ) [الأحزاب:٦٣] فهل من فرق بين الصورتين في الجوابين؟
قلت: فيه فرق لطيف، وهو أنه لما كان السؤال الأول واقعاً عن وقت قيام الساعة عبر عن الجواب فيه بقوله تعالى علم وقت قيامها عند ربي. أي: يعلم جليّة أمرها، ومتى يكون على التّحديد55.
فهو سبحانه قد استأثر به ولم يطلع عليه ملكًا مقربًا ولا نبيًّا مرسلًا.
ولما كان السؤال الثاني واقعاً عن أحوالها وشدائدها وثقلها ؛ عبر عن الجواب فيه بقوله سبحانه وتعالى عند الله ؛ لأنه أعظم الأسماء56 مهابة وجلالة وعظمة وهيبة.
٣. السؤال عن مصير العباد في الآخرة.
يقول الله تعالى: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [الصافات:٥٠-٥١].
وقال تعالى: (ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [المدثر:٣٩-٤٠].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [ص:٦٢].
وقال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الطور:٢٥-٢٨].
لا شك إن مصير العباد بيده سبحانه، فهو وحده القادر على محاسبتهم على القطمير والنقير، ولا يماري في ذلك إلا كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب، على الأغلب أنها: ولهذا ما يؤيده قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [القيامة:١٣].
وفي ذلك اليوم فإن ملك الملوك سوف يخبر كل إنسان بجميع أنواع الأعمال التي قام بها في القديم ، وفي الحديث سواء كانت صغيرة أم كبيرة، ومصداق ذلك في قوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [الكهف:٤٩].
يقول السعدي: «فإليه ينتهي العلم والحكم، والرحمة وسائر الكمالات»57.
وقال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [هود:١٠٩].
ويقول الله عز وجل عن أهل الجنة58 بأنهم سوف يتساءلون تساؤل راحة وتنعم عن الفضائل والمعارف، وعما جرى لهم وعليهم في الدنيا، فالتعبير عنه بصيغة الماضي للتأكيد والدلالة على تحقق الوقوع حتمًا59.
فالآية تدل على أن هناك أوقات سمر واجتماع بين المؤمنين من أهل الجنة الذي خلت بالهم من كل المشاغل، فيتخلله شراب، وفي وقت الشراب يحلو الحديث والتساؤل، ومن أسئلتهم أنهم يتذكرون أحوالهم في الدنيا، ويكون هذا من تمام النعمة عليهم، ويقول أحدهم: إنه كان لي قرين وصاحب سوء ملازم لي في الدنيا، وكان هذا الصاحب كافر بالبعث، بل منكر له، فهو ينكر على المؤمن إيمانه بالله ، ويوبخه على تصديقه بوعد الله وما أعد للمؤمنين في الجنة. يقول المراغي: «والحديث ذو شجون، فهم يتحادثون في شتى الفضائل والمعارف وفيما سلف لهم من شئون الدنيا، وما أحلى تذكر ما فات حين رفاهية الحال، وفراغ البال، واطمئنان النفس، وخلوّها من المخاوف العاجلة والآجلة»60.
وتأكد هذا الموقف من خلال قوله تعالى:(ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [المدثر:٣٩-٤٠].
فمن تمام نعيم أهل الجنة الذين يجلسون في الغرفات آمنون مكرمون أنهم يتساءلون فيما بينهم عن المجرمين الذين حبسوا في سقر، بسبب تكذيبهم لدعوة الله، ورفضوا الاستجابة لأمر الله عز وجل.
يقول ابن عاشور: «ومعنى يتساءلون يجوز أن يكون على ظاهر صيغة التّفاعل للدّلالة على صدور الفعل من جانبين، أي: يسأل أصحاب اليمين بعضهم بعضًا عن شأن المجرمين، وتكون جملة ما سلككم في سقر بيانًا لجملة يتساءلون»61.
وقال تعالى في سورة الطور: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الطور:٢٥].
في المقابل نجد أن الله عز وجل يخبرنا عن أهل النار الطغاة المستكبرين الذين كانوا يعدون أنفسهم من الأشراف والرؤساء، يتساءلون فيما بينهم لماذا لا نرى رجالًا كنا نعدهم من الأشرار، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [ص:٦٢].
لحظة التذكر هذه تدل على حالة أسف وتوبيخ لأنفسهم ولذواتهم، إذ لم يجدوا المستضعفين والمخالفين والفقراء والمؤمنين بالله عز وجل معهم في جهنم. يقول ابن الجوزي: قال الفراء: «وهذا استفهام بمعنى التعجّب والتوبيخ، والمعنى أنهم يوبّخون أنفسهم على ما صنعوا بالمؤمنين»62. وصدق الله العظيم حين قال: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [ص:٦٤].
قال الرازي معلقًا على الموقفين: «واعلم أنّه تعالى ذكر من أحوال أهل النّار أنواعًا فالأوّل: مرجعهم ومآبهم، فقال: (ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [ص:٥٥].وهذا في مقابلة قوله: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [ص:٤٩]. فبيّن تعالى أنّ حال الطّاغين مضادٌّ لحال المتّقين»63.
فالمؤمنون لهم جنات عدن مفتحة لهم الأبواب، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الكهف:٣١].
والكافرون الطغاة الظلمة لهم نار جهنم يصلونها، قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الكهف:٢٩].
وعليه فإنه لا بد من تصنيف الناس يوم القيامة ، كل حسب عمله وحسب إيمانه وتقواه، فهو سبحانه يعطينا سؤالًا استفهاميًّا استنكاريًّا فيقول تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [القلم:٣٥].
وإجابة الاستفهام معروفة أنهم لا يستوون ؛ فليس المسلمون كالمجرمين. فالسؤال ينكر بشكل بليغ كيف يطالب هؤلاء مساواة المسلم مع المجرم، وكيف يستوي عند هؤلاء من أسلم نفسه لله واتبع منهجه وآمن بربه وبشرعه مع من خرج على منهج الله ورفض اتباعه وعصى وأبى، وأفسد في الأرض...لا يستوون.
أورد عمر سليمان الأشقر توجيهًا منهجيًّا لمن توهم أن في النصوص تعارض في موضوع مساءلة الكفار يوم القيامة، قال رحمه الله: «فإن قيل: قررتم فيما سبق أن الكفار يسألون ويجادلون ويتكلمون ويعتذرون، فيكف تفعلون بالنصوص الدالة على خلاف ذلك، كقوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [القصص:٧٨]مضاد لقوله: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [العنكبوت:١٣].
وقوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [النحل:٩٣] يتناقض مع قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [المؤمنون:١٠١]ونحو ذلك من النصوص»64.
قال القرطبي رحمه الله: «فنقول: ليس بين هذه النصوص وتلك تعارض، وقد وفق أهل العلم بينهما بوجوه عدة:
الأول: أن الكفار لا يسألون سؤال شفاء وراحة، وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ، لم عملتم كذا وكذا؟ وكذا يقال في تكليمهم واعتذارهم، أي لا يكلمهم الله بما يحبونه، بل يكلمهم بما لا يحبون بطريقة فيها تقريع وتوبيخ.
الثاني: أنهم لا يسألون سؤال استفهام، لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم، وإنما يسألون سؤال تقرير، فيقال لهم: لم فعلتم كذا؟ قال الحسن وقتادة: لا يسألون عن ذنوبهم، لأن الله حفظها عليهم وكتبتها عليهم الملائكة.
الثالث: أنهم يسألون في يوم القيامة في موطن دون موطن، قال القرطبي: «القيامة مواطن، فموطن يكون فيه سؤال وكلام، وموطن لا يكون ذلك»65.
قال الإمام أحمد في أجوبته القرآنيّة: «أوّل ما تبعث الخلائق على مقدار ستّين سنةً، لا ينطقون، ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون، ثمّ يؤذن لهم في الكلام فيتكلّمون، فذلك قوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [السجدة:١٢] الآية، فإذا أذن لهم في الكلام تكلّموا واختصموا ؛ فذلك قوله تعالى: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [الزمر:٣١] عند الحساب وإعطاء المظالم، ثمّ يقال لهم بعد ذلك (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [ق:٢٨] يعني في الدّنيا، فإنّ العذاب مع هذا القول كائنٌ»66.
٤. السؤال عن الروح.
قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الإسراء٨٥].
إن الله عز وجل أخبرنا عن الروح بعد أن سئل عنها رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ولم يعطنا عن كيفيتها علمًا، يقول أبو الحسن الأشعري: «إن الله لم يخبر عنها ما هي، لا أنها جوهر ولا أنها عرض»67. ويقول فهد الرومي: «صرف الجواب عن ماهيتها؛ لأنه ليس من شئون العقل ولا من مداركه»68.
أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عبد الله وهو ابن مسعود69، قال: (بينما أنا أمشي مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حرثٍ، وهو متّكئٌ على عسيبٍ، إذ مرّ بنفرٍ من اليهود، فقال بعضهم لبعضٍ: سلوه عن الرّوح، فقالوا: ما رابكم إليه، لا يستقبلكم بشيءٍ تكرهونه، فقالوا: سلوه، فقام إليه بعضهم فسأله عن الرّوح، قال: فأسكت النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فلم يردّ عليه شيئًا، فعلمت أنّه يوحى إليه، قال: فقمت مكاني، فلمّا نزل الوحي قال: ((ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الإسراء:٨٥])70.
قال ابن وهبٍ عن مالكٍ: لم يأته في ذلك جوابٌ، وقد قال بكر بن مضر في رواية ابن وهبٍ عنه: إنّ اليهود قالوا: سلوه عن الرّوح، فإن أخبركم فليس بنبيٍّ، وإن لم يخبركم فهو نبيٌّ، فسألوه فنزلت الآية71.
القرآن الكريم كلام الله، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، ولهذا فإن آياته في غاية الدقة والإحكام وتشريعاته واضحة بينة فصلها الخبير العليم، من أجل إسعاد البشرية، فكان القرآن العظيم هو المصدر الأول للتشريع، ولأجل هذا ذكر القرآن عددًا من التساؤلات حول الجانب التشريعي كالإنفاق والرزق والمال والخراج والإرث، ثم ذكر القرآن الكريم تساؤلات عن اليتامى والخمر والميسر والمحيض والحلال والحرام وعن القتال في الأشهر الحرم وتقسيم الغنائم. يقول ابن عاشور: وجميع الآيات الّتي افتتحت بيسئلونك هي متضمّنةٌ لأحكامٍ وقع السّؤال عنها فيكون موقعها في القرآن مع آياتٍ تناسبها نزلت في وقتها أو قرنت بها72.
وتفصيل كل ذلك في المطالب التالية:
١. السؤال عن الإنفاق.
قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [البقرة:٢١٥].
وقال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة:٢١٩].
يقول الطبري: «يسألك أصحابك يا محمد، أي شيء ينفقون من أموالهم فيتصدقون به؟ وعلى من ينفقونه؟ فقل لهم: أنفقوه وتصدقوا به واجعلوه لآبائكم وأمهاتكم وأقربيكم، ولليتامى منكم، والمساكين، وابن السبيل، فإنكم ما تأتوا من خير وتصنعوه إليهم فإن الله به عليم، وهو محصيه لكم حتى يوفّيكم أجوركم عليه يوم القيامة، ويثيبكم على ما أطعتموه بإحسانكم عليه»73.
فالصحابة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على من ينبغي أن يفضلوا؟ فأعلم الله عز وجل أن أول من تفضّل عليه الوالدان والأقربون74.
وفي الآية دلالة على أن المنفق في سبيل الله لا بد أن ييسر الله له من ينفق عليه وعلى عياله.
قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [آل عمران:١٣٤].
لأنه يقرض الله قرضًا حسنًا، ولن يضيع الله مال من أقرضه ، وصدق الله حين قال: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [المزمل:٢٠].
كما أن على الناس أن يعلموا أن المال في الحقيقة هو مال الله، ولكنه استخلفه عباده ليرى كيف يعملون.
وقد ذكر ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عن ابن عبّاسٍ: «أنّ نفرًا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، حين أمروا بالنّفقة في سبيل اللّه، أتوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبيّ اللّه: إنّا لا ندري ما هذه النّفقة الّتي أمرتنا بها في أموالنا فما ننفق منها؟ فأنزل اللّه في ذلك: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة:٢١٩] وكان قبل ذلك ينفق ماله حتّى ما يجد ما يتصدّق به، ولا ما يأكل حتّى يتصدّق عليه»75.
وأورد الطبري بسنده عن السدي قال: «يوم نزلت هذه الآية لم تكن زكاة، وإنما هي النفقة ينفقها الرجل على أهله، والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة»76.
٢. السؤال عن الإرث.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [النساء:١٧٦].
ورد في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
أحدها: أن جابر بن عبد الله مرض، فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «كيف أصنع في مالي يا رسول الله، كيف أقضي في مالي؟ فلم يجبني بشيءٍ، حتّى نزلت آية الميراث»77.
والثاني: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنتين لها، فقالت: يا رسول قتل أبو هاتين معك يوم أحد، وقد استفاء عمهما مالهما، فنزلت، روي عن جابر بن عبد الله أيضاً78.
والثالث: أن عبد الرحمن أخا حسان بن ثابت مات، وترك امرأة ، وخمس بنات، فأخذ ورثته ماله، ولم يعطوا امرأته ، ولا بناته شيئا، فجاءت امرأته تشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، هذا قول السدي.
الإرث: ملك ما يتركه الميت لمن بعده ممن هو أولى به في حكم الله79. أو هو تركة الماضي للباقي80 بدون كسب.
قال أبو حيان الأندلسي: روي عن أبي بكرٍ رضي الله عنه أنّه قال في خطبته: «ألا إنّ آية أوّل سورة النّساء أنزلها اللّه في الولد والوالد، والآية الثّانية أنزلها اللّه في الزّوج والزّوجة والأخوة من الأمّ، والآية الّتي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام»81.
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، قال: «كان المال للولد، وكانت الوصيّة للوالدين، فنسخ اللّه من ذلك ما أحبّ، فجعل للذّكر مثل حظّ الأنثيين، وجعل للأبوين لكلّ واحدٍ منهما السّدس، وجعل للمرأة الثّمن والرّبع، وللزّوج الشّطر والرّبع»82.
٣. السؤال عن اليتامى.
يقول الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [البقرة:٢٢٠].
ورد في تفسير عبد الرزاق عن قتادة قال: لمّا نزلت: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأنعام:١٥٢]، وقوله: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [النساء:١٠]اعتزل النّاس اليتامى، فلم يخالطوهم في مأكولٍ، ولا مشروبٍ، ولا مالٍ، فشقّ ذلك على النّاس، فسألوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل اللّه: (ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [البقرة:٢٢٠]83.
وفي الآية دلالة على أن المقصد الأسمى من هذه الآية هو رعاية شأن اليتيم، والحرص على جلب المنافع له، فمن فعل ذلك فقد تخلق بأخلاق الصالحين والأنبياء ، وأهم موضوع في رعاية اليتيم مخالطته، وهو ما دل عليه قوله تعالى: (ﭞ ﭟ) لأن الناس خافوا من التعامل مع اليتامى خوف أكل أموالهم أو ظلمهم، فأخبرهم أن الإصلاح لشأنهم هو الحل، وذلك بكفالتهم ورعاية مصالحهم رعاية شاملة، بدءًا من الإصلاح الإنساني بمراعاة مشاعر اليتيم وإكرامه كإنسان له كيان محترم، ناهيك عن مراعاته كطفل فقد حنان الأبوة أو الأمومة.
ثم الإصلاح الاجتماعي في إيجاد مأوى ومسكن له ، فنحميه من التشرد والنوم في الطرقات، وكذلك الإصلاح المالي في كل جوانبه، فلا نأكل ماله ظلمًا، ومن فعل ذلك فسوف يعاقبه الله بالنار تأكل بطنه.
قال تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النساء:١٠].
بل إن القرآن أوصانا بعدم الاقتراب من ماله إلا في مجالات تنميته وزيادته، فقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [الأنعام:١٥٢].
لما نزل قوله: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)، أشفق المسلمون من خلطة اليتامى فعزلوا لهم بيتًا، وعزلوا طعامهم وخدمهم وثيابهم، فشق ذلك عليهم جميعًا، فسألوا عن ذلك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: (ﭕ ﭖ ﭗ) الآية84.
إن السؤال عن اليتامى فيه إضمار ، لأنه تعالى لم يبين في أي حكم85 لكنه يحتوي على ما يعمل الناس في أموال اليتامى، من المخالطة وأنواع المصالح86.
وإضماره -واللّه أعلم- أن يقال: يسألونك عن مخالطة اليتامى، يبين ذلك قوله: (ﭞ ﭟ ﭠ) أن السؤال كان عن المخالطة87.
وقوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [البقرة:٢٢٠] أي: هو يعلم حين تخلط مالك بماله فهل نيتك إصلاح مالك أم ماله، ويعلم من يريد أن ينمي مال اليتيم ويربيه أم يفسده.
وفي قصة موسى عليه السلام مع الخضر، نجد أن الخضر عليه السلام يبذل قصارى جهده لبناء جدار في قرية رفضت ضيافته، ونحن نعلم كم في ذلك من مشقة وعنت، لكنه يبين مقصده من أفعاله تلك بأنه فعل ما فعل من أجل يتيمين، ومراعاة لمصالحهما.
يقول الله تعالى عنه: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الكهف:٨٢].
٤. السؤال عن الخمر والميسر.
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة:٢١٩].
يسألونك يا محمد عن حكم الخمر وحكم القمار، فقل لهما إنّ في تعاطيهما ضررًا عظيمًا وإثمًا كبيرًا، ومنافع مادية ضئيلة، لأنّ ضياع العقل وذهاب المال، وتعريض البدن للمرض في الخمر وما يسببه القمار من خراب البيوت، ودمار الأسر، وحدوث العداوة والبغضاء بين اللاعبين لا يساوي ما فيهما من نفع قليل تافه88.
ولهذا من حِكَمِ تسمية الخمر بهذا الاسم : أنها تستر العقل وتخامره وتخالطه وتغطيه89.
والسؤال فيه إضمار لأنه تعالى لم يبين أي حكم، فكأنه قال: يسألونك عن شرب الخمر والعمل بالقمار، فقال: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ)، وهذا دل على أن السؤال كان عن شرب الخمر والعمل بالميسر90.
فإذا تعارضت المصلحة والمفسدة روعي أكبرهما، فعطلت المفسدة الكبرى، ولو بإهمال مصلحة لا توازي تلك المفسدة91.
وفي الآية تأكيد على أن الخمر والميسر إثم، لقوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [البقرة:٢١٩].
وقد حرم الله الإثم، أي: الذنب الذي يؤثم صاحبه، قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [الأعراف:٣٣].
وعلى كل فإنه قد يكون في الشيء المحرم فيه منفعة، ولكن ليس كل ما فيه منفعة يجوز استعماله، وقد قال الله عز وجل في الخمر والميسر: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [البقرة:٢١٩] فأخبر أن فيهما منافع، ولكن الضر أكبر ، وهكذا المحرمات، قد ينتفع الزاني بالزنا وهو محرم، فليس كل شيء فيه نفع يجوز فعله، بل يجب على الإنسان أن يتبع شرع الله، في الإباحة والحرمة، والغالب أن ما نهى الله عز وجل عنه ونهى عنه رسوله أن نفعه مستغرق في مضراته، وضره أعظم وأشد وأكثر. ولهذا فإن القاعدة الأصولية تقول: إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ ولذلك حرم الله تعالى الخمر مع أن فيه منافع، لكن المفسدة فيه كانت أعظم من المصلحة، (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [البقرة:٢١٩].
فمفاسد الخمر: من زوال العقل وانتشار الفساد والصد عن سبيل الله وعن الصلاة، أكبر من جلب المصلحة الكامنة في الربح الزهيد المترتب على بيع الخمر ونحوه، فيقدم درء المفاسد على المصالح.
٥. السؤال عن المحيض.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [البقرة:٢٢٢].
كانت العرب في الجاهلية إذا حاضت المرأة لم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يساكنوها في بيت ولم يجالسوها على فراش كفعل المجوس واليهود ، فسأل أبو الدحداح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: «يا رسول الله، كيف نصنع بالنساء إذا حضن؟ فأنزل الله: (ﮠ ﮡ ﮢ)»92.
وفي الآية دلالة على أن المراد بالاعتزال عن الحيض جماعهنّ، وذلك أن المجوس واليهود كانوا يجتنبون الحيّض في كل شيء، وكان النصارى يجامعوهن ولا يبالون بالحيض، فأنزل الله تعالى بالاقتصاد بين هذين الأمرين، وخير الأمور أوسطها93.
لكن مسألة استخدام الحائض ومباشرة بدنها إذا كانت مؤتزرة وبالاستمتاع بها فوق الإزار، فهذا مما أباحه الشرع. وقد دل الأمر باعتزال النساء في المحيض على أن السؤال عن المحيض إنما كان عن الاعتزال، وإن لم يكن في السؤال بيان المراد94.
ومن الأحكام الخاصة بالرجال في هذه المسألة أنه كره العلماء الصلاة في ثياب النساء، مخافة أن يكون أصابها شيء من دم الحيض95.
٦. السؤال عن الحلال والحرام.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [المائدة:٤].
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: يسألك، يا محمد ، أصحابك: ما الذي أحل لهم أكله من المطاعم والمآكل؟ فقل لهم: أحل لكم منها الطيبات، وهي الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح وأحل لكم أيضًا مع ذلك، صيد ما علّمتم من الجوارح، وهن الكواسب من سباع البهائم96.
وفي الآية دلالة على أن السؤال الحاصل يتضمن معنى القول، ماذا أحل لنا؟ وكان التفاتًا من الحاضر إلى الغائب للتنبيه ولتوجيه الذهن97.
والخطاب للنّبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد به العرب، وكانت العرب تستقذر أشياء كثيرة فلا تأكلها، وتستطيب أشياء تأكلها فأحلّ اللّه عز وجل لهم ما استطابوه، ممّا لم ينزل بتحريمه تلاوةٌ مثل: لحوم الأنعام وألبانها، ومثل: الدّوابّ الّتي كانوا يأكلونها من الضّباب واليرابيع والأرانب والظباء وغيرها98.
كما دل قوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ) : على أن سؤالهم كان عن الطيبات، ومما يصطاد من الجوارح99.
فالطيبات هي الحلال وكل شيءٍ لم يأت تحريمه في القرآن العظيم ولا في سنة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما سمي الحلال طيبًا، وإن لم يكن مستلذًا تشبيهًا بما يستلذ100.
وقال الراغب الأصفهاني: «هو الحلال الذي لا يعقب إثما»101.
ولا ضرر منه بالبدن والعقل. لكن المسألة الخطيرة هي أنه لا يجوز لنا أن نحكم بأن هذا طيب وهذا خبيث ثم نبنى على ذلك التحريم والتحليل، فإننا لا نعرف مثلما يعرف خالقنا عن كيفية وجدوى ترتيب الأشياء بالنسبة لنا، حتى لا نقع في دائرة الذين يستطيبون المسائل الضارة، كهؤلاء الذين يتناولون المخدرات والسموم والخمور102.
ورد في سبب نزولها أن زيد بن الخيل الطّائي، وعدي بن حاتم الطّائي سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالا: إنّا نصطاد بالكلاب، فماذا يحل منه وما يحرم؟ فنزلت الآية103.
قال ابن تيمية: لما نزل قوله تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [المائدة:٣] جاء بعدها، قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [المائدة:٤].
فأخبر أنّه أحلّها ذلك اليوم، وسورة المائدة مدنيّةٌ بالإجماع، وسورة الأنعام مكّيّةٌ بالإجماع، فعلم أنّ تحليل الطّيّبات كان بالمدينة لا بمكّة104.
يقول رشيد رضا مؤكدًا هذه القاعدة الأصولية: «إنه من المعلوم أنّ الله سخّر هذه الأرض وما فيها للنّاس ينتفعون بها، وإنّما المحظور عليهم هو ما يضرّهم ، ولكنّ النّاس لا يقفون عند حدود الفطرة، بل دأبهم الجناية على فطرتهم، ومن ذلك أنّ العرب استباحت أكل الميتة والدّم المسفوح من الخبائث الضّارّة، وحرّمت على أنفسها بعض الطّيّبات كالبحيرة والسّائبة وغير ذلك، ولأجل هذا كانت الحاجة قاضيةً ببيان ما يحلّه الله وما حرّمه ممّا أحلّوه، وذلك قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)»105.
إن صيغة المضارع المستعملة هنا للدلالة على تجدد السؤال، أي تكرره أو توقع تكرره ، وعليه فوجه فصل جملة (ﮔ) أنها استئناف بياني ناشئ عن جملة (ﭑ ﭒ ﭓ) [المائدة:٣].
وقوله: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المائدة:٣] ، أو هي استئناف ابتدائي: للانتقال من بيان المحرمات إلى بيان الحلال بالذات، وإن كان السؤال لم يقع، وإنما قصد به توقع السؤال، كأنه قيل: إن سألوك عن كذا فجوابه كذا لتوقع السؤال106.
يقول أبو حيان الأندلسي: «والظّاهر أنّ المعنى: ماذا أحلّ لهم من المطاعم، لأنّه لمّا ذكر ما حرّم من الميتة وما عطف عليه من الخبائث، سألوا عمّا يحلّ لهم؟ ولمّا كان يسألونك الفاعل فيه ضميرٌ غائبٌ قال لهم بضمير الغائب»107.
وقوله: (ﮕ ﮖ)؟ استفهام معلّق للسؤال، وإن لم يكن السؤال من أفعال القلوب إلاّ أنّه كان سبب العلم، والعلم يعلق، فكذلك سببه108.
قوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ):
قال الماتريدي: « اختلف في هذه الآية: هذا المسألة من المسائل التي وقعت ثم أجاب الله عنها، وكان الجواب ملتصقًا بالسؤال، قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [المائدة:٤].
والله لم يتكلم بهذا الجواب في القرآن قبل أن يسألوا، بل بعد أن سألوا»109.
وأما القول في قوله عز وجل: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ): كأنهم سألوا رسول اللّه ، صلى الله عليه وسلم عما يحل من الجوارح؛ فذكر ذلك لهم، مع ما ذكر في بعض القصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل الكلاب، فأتاه أناس، فقالوا: ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها؟ فنزل قوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) الآية110.
قال الشّافعي رحمه الله: « أصل التحريم، نص كتاب، أو سنّة، أو جملة كتاب، أو سنّة، أو إجماع. قال اللّه عز وجل: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [المائدة:٤] الآية. وإنّما تكون الطّيّبات والخبائث عند الآكلين كانوا لها، وهم العرب الّذين سألوا عن هذا، ونزلت فيهم الأحكام، وكانوا يكرهون من خبيث المآكل ما لا يكرهها غيرهم»111.
وقال ابن كثير: « إنّ آية التّحريم، أعني قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ) [المائدة:٣]إلى آخرها، محكمةٌ لم يدخلها نسخٌ ولا تخصيصٌ، وكذا ينبغي أن تكون آية التّحليل محكمةٌ، أعني قوله: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [المائدة:٤] فينبغي ألّا يكون بينهما تعارضٌ أصلًا وتكون السّنّة جاءت لبيان ذلك »112.
٧. السؤال عن القتال في الشهر الحرام.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [البقرة:٢١٧].
يسألونك يا محمد أصحابك عن قتال في الشهر الحرام وهو رجب113. فقل يا محمد إن القتال فيه واستحلال الدم وسفكه فيه عظيم عند الله114.
لكن الصد عن سبيل الله مع الكفر به، وعن المسجد الحرام، وإخراجكم عنه إذ أنتم أهله وولاته، أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم115.
وفي الآية دلالة على أن ظاهرها يحرم القتال في أشهر الحج، لكن فيه دليل على حل القتال بقوله: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ) [البقرة:٢١٧].
والفتنة الشرك، أي : إن الشرك فيه أكبر وأعظم من القتل116.
أنّ رجلًا من بني تميمٍ أرسله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في سريّةٍ، فلقي ابن الحضرميّ يحمل خمرًا من الطّائف إلى مكّة فرماه بسهمٍ فقتله، وذلك في آخر يومٍ من جمادى الآخرة وأوّل يومٍ من رجبٍ، وكان بين رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وبين قريشٍ عهدٌ، فقالت قريشٌ: أفي الشّهر الحرام قتلتم ولنا عهدٌ؟ فأنزل اللّه عز وجل: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [البقرة:٢١٧] إلى قوله: (ﮂ ﮃ ﮄ) [البقرة:٢١٧] يقول: كلّ هذا أكبر من قتل ابن الحضرميّ، ثمّ قال: (ﮉ) [البقرة:٢١٧]. يعني: الكفر باللّه، وعبادة الأوثان أكبر من هذا كلّه117.
فهذه القضية أظهرت قضيتين:
الأولى: القتال في الأشهر الحرم وحرمة القتال فيه.
والقضية الثانية: متعلقة في الكفر بالله عز وجل والصد عن سبيله وإيذاء العباد والبلاد لدرجة الفتنة عن الدين وإخراج الناس من أوطانهم وديارهم.
فهذا السؤال أجاب عن هذه المعادلة بشكل جريء وبين أن الصد عن سبيل الله وفتنة الناس عن دينها أعظم حرمة من التستر وراء حرمة القتال في الأشهر الحرم. إنها واقعية الإسلام العظمى التي لا تخدم المثاليات الميتة، بل هي الحلول المناسبة لكل حالة ولكل موقف ولكل ظرف، فلكل حادثة سياقها الذي خرجت منه ولا يجوز الحكم عليها بحكم التاريخ.
٨. السؤال عن تقسيم الغنائم.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الأنفال:١].
السؤال عن الغنائم يحتمل وجهين: الأول: يحتمل أنهم سألوا عن حلها وحرمتها؛ لأنها كانت لا تحل في الابتداء. والثاني: يحتمل السؤال عن قسمتها، وهو ما روي في بعض القصة أن الناس كانوا يوم بدر ثلاثة أثلاث: ثلث في نحر العدو، وثلث خلفهم ردءًا لهم، وثلث مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يحرسونه، فلما فتح اللّه عليهم اختلفوا في الغنائم، فقال الأوائل: نحن أحق بالغنائم، نحن ولينا القتال، وقال من كان ردءًا لهم: لستم بأولى بها منا، وكنا لكم ردءًا، وقال حرس رسول اللّه: لستم بأحق بها منا، كنا نحن حرسًا لرسول اللّه فتنازعوا فيها إلى رسول اللّه، فنزل (ﭑ ﭒ ﭓ) [الأنفال:١]118.
وفي الآية دلالة على أن سؤالهم يتضمن العطاء، فكأنهم يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أعطنا، لكن الله جعل الخمس مخصوصًا لأهله صلى الله عليه وسلم، وذلك على ما نزل به الكتاب وجرت به السنة.
أما قوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)[الأنفال:٤١] ، فقد بين أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قسم هذا الخمس على خمسة أنصباء، خمسٍ للنبي صلى الله عليه وسلم ، وخمس ليتامى المسلمين لا ليتامى آل النبي صلى الله عليه وسلم ، وخمس في المساكين - مساكين المسلمين لا مساكين النبي صلى الله عليه وسلم وخمس لابن السبيل.
قال الشّافعي رحمه الله: « قال محمد بن إسحاق: سئل عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن الأنفال، فقال: فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنزلت (ﭑ ﭒ ﭓ)، انتزعه اللّه منا حين اختلفنا، وساءت أخلاقنا، فجعله اللّه عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم يجعله حيث شاء»119. أي: كانت غنائم معركة بدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء، بعد أن سلمها المسلمون وردها صلى الله عليه وسلم بعد ذلك على فقرائهم.
هذه الحادثة حصلت للصحابة بعد معركة بدر الكبرى، والتي كانت بلا شك مفصلًا عظيمًا في تاريخ هذه الأمة بل كانت أعظم معركة في تاريخ الإسلام، ولهذا سميت بيوم الفرقان، الذي يفرق بين الحق والباطل، وأنتجت أعظم رجال بعد الأنبياء، وساهمت في تحرير الإنسانية من عبادة العباد إلى عبادة الله عز وجل ، وهذا السؤال القرآني في بداية سورة الأنفال جاء ليبين لنا الحالة البشرية بكل رغباتها وشهواتها الفطرية التي لا تغيب عن الصحابة رغم معاشرتهم الطويلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد اختلفوا على سيف ورمح ودرع ؛ ولهذا جاء العتاب من رب الأرباب وأسند الأمر إلى الله ورسوله.
يتناول هذا المبحث ثلاث قضايا إخباربة تاريخية لكنها في غاية الأهمية:
القضية الأولى السؤال عن أصحاب الكهف وبيان سر هروبهم من بلدتهم التي كانوا يسكنون فيها إلى كهف مظلم، تاركين المال والجاه والغنى والسلطان والطعام والشراب والنوم الهنيء إلى حيث لا مال ولا جاه ولا طعام بل ظلام ونوم على التراب.
أما السؤال الثاني فكان عن قضية إخبارية عن ملك عادل متواضع، يجوب الأرض شرقًا وغربًا، لا هم له سوى مساعدة الناس وإنقاذهم من الجهل والعدوان والظلم.
أما السؤال الثالث، فكان عن قصة نبي ورسول من أولي العزم، ظن في وهلة أنه أعلم الأرض، فأخبره الله تعالى أن هناك من هو أعلم منه، فأظهر حرصه العظيم على اتباع ذلك العالم الذي آتاه الله عز وجل من لدنه علمًا، رغم بعد المسافة بينهما.
والمدقق يجد أن المقصد من هذه الأسئلة أن تكون دليلًا قويًّا على صدق نبوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. والمطالب المتعلقة بهذا المبحث:
١. السؤال عن أصحاب الكهف.
قال تعالى: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الكهف: ٩-١٤].
ثم قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [الكهف:١٩].
ذكر محمّد بن إسحاق سبب نزول هذه القصّة مشروحًا ، فقال كان النّضر بن الحارث من شياطين قريشٍ وكان يؤذي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وينصب له العداوة ، وكان قد قدم الحيرة وتعلّم بها أحاديث رستم وإسفنديار، وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا جلس مجلسًا ذكر فيه اللّه وحدّث قومه ما أصاب من كان قبلهم من الأمم، وكان النّضر يخلفه في مجلسه إذا قام، فقال: أنا واللّه يا معشر قريشٍ أحسن حديثًا منه، فهلمّوا فأنا أحدّثكم بأحسن من حديثه، ثمّ يحدّثهم عن ملوك فارس، ثمّ إنّ قريشًا بعثوه وبعثوا معه عتبة بن أبي معيطٍ إلى أحبار اليهود بالمدينة وقالوا لهما: سلوهم عن محمّدٍ وصفته وأخبروهم بقوله فإنّهم أهل الكتاب الأوّل، وعندهم من العلم ما ليس عندنا من علم الأنبياء ، فخرجا حتّى قدما إلى المدينة فسألوا أحبار اليهود عن أحوال محمّدٍ ، فقال أحبار اليهود: سلوه عن ثلاثٍ: عن فتيةٍ ذهبوا في الدّهر الأوّل ما كان من أمرهم فإنّ حديثهم عجبٌ، وعن رجلٍ طوّافٍ قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه، وسلوه عن الرّوح وما هو؟ فإن أخبركم فهو نبيٌّ وإلّا فهو متقوّلٌ، فلمّا قدم النّضر وصاحبه مكّة قالا: قد جئناكم بفصل ما بيننا وبين محمّدٍ، وأخبروا بما قاله اليهود فجاؤوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسألوه فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (أخبركم بما سألتم عنه غدًا) ولم يستثن، فانصرفوا عنه ومكث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون خمس عشرة ليلةً حتّى أرجف أهل مكّة به، وقالوا: وعدنا محمّدٌ غدًا واليوم خمس عشرة ليلةً فشقّ عليه ذلك، ثمّ جاءه جبريل من عند اللّه بسورة أصحاب الكهف وفيها معاتبة اللّه إيّاه على حزنه عليهم، وفيها خبر أولئك الفتية، وخبر الرّجل الطّوّاف»120.
يقول فخر الدين الرازي: «اعلم أنّ القوم تعجّبوا من قصّة أصحاب الكهف وسألوا عنها الرّسول على سبيل الامتحان فقال تعالى: أم حسبت أنّهم كانوا عجبًا من آياتنا فقط، فلا تحسبنّ ذلك فإنّ آياتنا كلّها عجبٌ، فإنّ من كان قادرًا على تخليق السموات والأرض ثمّ يزيّنها ثمّ يجعلها بعد ذلك صعيدًا جرزًا خاليةً عن الكلّ كيف يستبعدون من قدرته وحفظه ورحمته حفظ طائفةٍ مدّة ثلاثمائة سنةٍ وأكثر في النّوم، هذا هو الوجه في تقرير النّظم، واللّه أعلم»121.
وقد اختلف أهل العلم في سبب مصير هؤلاء الفتية إلى الكهف، فقال بعضهم: أنهم كانوا مسلمين على دين عيسى، وكان لهم ملك عابد وثن، دعاهم إلى عبادة الأصنام، فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم، أو يقتلهم، فاستخفوا منه في الكهف122.
والفتية: جمع فتى، والفتى: بمعنى الكامل من الرجال123. قال سهل: إنما سماهم فتية لأنهم آمنوا به بلا واسطة، وقاموا إليه بإسقاط العلائق عن أنفسهم124.
وقوله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ) [الكهف:١٩] بعثهم الله عز وجل من رقدتهم ونومهم الذي يشبه الموت؛ وحفظ أجسادهم وأشعارهم وأبشارهم وثيابهم، حيث لم يفقدوا رغم طول الزمان جزءاً من أحوالهم وهيئاتهم بعد ثلاثمائة سنة وتسع سنين125، فحفظهم من البلى على طول الزمان126، لما علم ما يكون منهم، وهو التساؤل127.
ويسأل بعضهم بعضًا عن مقدار نومهم، واللام في: (ﮨ) لام العاقبة، كاللام في: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [القصص:٨] ؛لأنهم لم يبعثوا لمجرد السؤال128، لكنهم سألوا ليعرفوا عظيم قدرة الله فيزدادوا يقينًا في إيمانهم ؛ إذ لبثوا مدة عظيمة من الزمان وهيئهم وثيابهم لم يتغيرا129. فالمقصود من التساؤل إظهار القدرة الإلهية على الإنامة والبعث جميعًا130.
والتساؤل الذي حصل مداره أن واحدًا منهم قال: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الكهف:١٩] فأجابه واحد منهم على سؤاله قائلًا: لبثنا يومًا؛ لأنه أطول مدة النوم المعهود، فلما رأى الشمس لم تغرب قال (ﯕ ﯖ ﯗ) لأنهم أنيموا أول النهار ونبهوا آخره131. فكأنه حصل بينهم تنازع واختلاف في حقيقة مدة اللبث في الكهف.
وهذه الحالة مشابهة لقصة العزير، حين قال الله تعالى عنه: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [البقرة:٢٥٩].
٢. السؤال عن ذي القرنين.
قال الله عز وجل في كتابه العزيز يصف ذي القرنين: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الكهف:٨٣-٨٥].
وفي الآية دلالة على أن القرآن العظيم لم يؤرخ لهذا الزعيم التقي الراشد، ولم يقم له تمثالًا، إنما ركز على الأوصاف التي تعني الحق وتعني الخلق. فيكفي أن نعلم أنه إنسان مكّنه الله في الأرض ، يعني: أعطاه من أسباب القوة وأسباب المهابة والسيطرة، وأعطاه من كلّ مقوّمات القوة: أعطاه المال والعلم والجيوش، فلم يكتف بذلك كله، بل (ﭜ ﭝ ﭞ) [الكهف:٨٥].
يعني: أخذ بالأسباب التي تؤدّي إلى الخير. من جهة أخرى فإن القرآن وهو يحدثنا عن شخصيات الأبطال في قصص؛ لم يهتم بمسألة تأريخ عريق لهذه الشخصيات، ولم يعطها أي نوع من الخصوصية ؛ بل أرادها أن تكون شخصيات عامة لتكون مثلًا يحتذى، ويتم بها الاعتبار، وتحدث الأثر المراد من القصة ، ولو تم تشخيصهم وتعيينهم لقال الناس: إنها حادثة خاصة بهؤلاء، أو أنهم نماذج لا تتكرر؛ لذلك أبهمهم القرآن ليكونوا عبرة وأسوة تسير في الزمان كله.
إن التمكين لذي القرنين كان بمنحه الأسباب التالية:
٣. السؤال عن موسى وصاحبه.
قال تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [الكهف:٦٠ - ٦٥].
من الواضح أن موسى عليه السلام استخدم السؤال ليعرف مكان الخضر عليه السلام ويتعلم منه، روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في صاحب موسى فمرّ بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ فقال أبي: نعم سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه يقول: (بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال: أتعلم أحدًا أعلم منك؟ فقال موسى: لا فأوحى الله عز وجل إلى موسى: بلى عبدنا خضر. فسأل السبيل إلى لقيه، فجعل الله له الحوت آية، وقيل له: إذا فقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه... الحديث)135.
كما استخدم عليه السلام السؤال في اتباعه الخضر، قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الكهف:٦٦].
قال القرطبي في تفسير الآية: «هذا سؤال الملاطف المستنزل المبالغ في حسن الأدب، والمعنى هل يتفق لك ويخف عليك»136.
وقد استخدم نبي الله موسى عليه السلام السؤال هنا لتحقيق أغراض ،منها: الاتباع، والتعلم الراشد.
إن طلب الخضر من نبي الله موسى عليه السلام أن لا يسأله عن شيء حتى يبينه له، يدل على أن السؤال من الوسائل المهمة لمعرفة أسباب القيام ببعض الأمور التي لا يرى لها حكمًا ظاهرة، فيجلي أسرارها وخفاياها.
كان السؤال وسيلة موسى عليه السلام الوحيدة التي استخدمها للتعبير عن إنكاره لما يجرى أمام عينيه، لأنه في تصوره تعدٍّ وظلم في الظاهر، ولهذا كثرت أسئلته الإنكارية التي أوردها القرآن كما جاءت في قوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الكهف:٧١].
وقوله تعالى: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [الكهف:٧٤].
وقوله تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الكهف:٧٧].
فموسى عليه السلام بشخصيته التي لا تتحمل القهر لم يصبر ، على تصرفات الخضر، أكثر من الأسئلة بطريقة منكرة، وهذا يدل على فاعلية السؤال وقوة تأثيره في القصة، إذ أثمر معرفةً وفهمًا وتفسيرًا لأمور كانت أسبابها غامضة وغير معروفة وغير ظاهرة للعيان.
وفعل موسى عليه السلام يدل على الآتي: على أنه لا ينبغي لأحد ترك طلب العلم والازدياد منه والرحلة فيه وإن كان قد بلغ فيه مبلغه ، ويدل على وجوب التواضع لمن هو أعلم منه137.
وفي الآيات دلالات على أن الاشتغال بالنوافل وترك التعلم، يورث الجهل ، وهذا يتنافى مع مقصد الشريعة التي تأمر أصحابها بزيادة العلم، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجعل من دعائه: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [طه:١١٤].
وقال تعالى مخبرًا عن موسى عليه السلام، (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الكهف:٦٦].
وقال تعالى حاثا الأمة: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [التوبة:١٢٢].
ومن دلالات الآيات أن موسى عليه السلام لما اجتمع بصاحبه، تواضع له كما يتواضع التلاميذ لأساتذتهم، واتبعه في صورة مستفيد منه، وهذا مما يدلّ على أنه نبيٌّ مثله، يوحى إليه كما يوحى إليه، لكن الله عز وجل قد خصّ صاحب موسى عليه السلام من العلوم اللدنيّة والأسرار النبويّة بما لم يطلع الله عليه نبيه موسى الكليم عليه السلام.
وفي قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الكهف:٦٦]دلالة على أن موسى عليه السلام أفضل من صاحبه، وأن الخضر لن يفضل موسى أبدًا، ومع ذلك لما آتاه الله شيئًا من العلم سأله سؤال المتأدب المتلطف معه.
وقد وجه القرآن الكريم المتعلمين إلى الحرص على السؤال والتعلم حتى لو كان من يتعلم منه أقل فضلًا ممن يتعلم، فنبي الله موسى عليه السلام كان حريصًا على التعلم من الخضر مع كونه أفضل منه.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الكهف:٦٦].
قال الرازي: «إن موسى عليه السلام مع كثرة علمه وعمله وعلو منصبه واستجماع موجبات الشرف التام في حقه، ذهب إلى الخضر لطلب العلم وتواضع له»138.
قال الرازي: «اعلم أن هذه تدل على أن موسى عليه السلام راعى أنواعًا كثيرة من الأدب عندما أراد أن يتعلم من الخضر، حيث جعل نفسه تابعًا (ﮏ ﮐ) [الكهف:٦٦].
وثانيها :أنه استأذن في هذه التبعية، هل تأذن لي أن أجعل نفسي تبعًا لك ، وهذا مبالغة عظيمة في التواضع»139.
وأن الأمور لا تجري أو تقاس على حسب الظاهر منها، بل ربما يكون الأمر على خلاف الأمر الظاهر ، فلا نستعجل بالأحكام على الخلق ، وأن على المسلم أن يعتقد دائمًا أن هناك من هو أعلم منه، وهذا نتعلمه من موقف موسى عليه السلام حين سئل عن هذا الموضوع، فأجاب: ليس على الأرض من هو أعلم مني - ولم يستثن - ولم يقل: إن شاء الله ، فأوحى الله إليه أنه يوجد من هو أعلم منك في الأرض في مجمع البحرين.
ولقد دلت هذه القصة على مشروعية الصحبة في طلب العلم، وهذا ما فعله موسى عليه السلام حين خرج ومعه فتاه.
إن القرآن الكريم لم يخبرنا عن اسم صاحب موسى عليه السلام، لتبقى سلسلة المفاجآت المتوالية هي المسيطرة على هذا الجو الغامض الذي أحاط بسيدنا موسى عليه السلام، قال سيد قطب: «إنما يراد به أن يمثل الحكمة الكونية العليا، التي لا ترتب النتائج القريبة على المقدمات المنظورة، بل تهدف إلى أغراض بعيدة لا تراها العين المحدودة»140.
في هذا المبحث سوف ينحصر الحديث عن سؤالين في القرآن الكريم، وهما سؤال عن الأهلة وسؤال عن الجبال، والمدقق يجد أنهما مخلوقات كونية لها تأثير بالغ في حياة الناس، وخصوصًا الهلال الذي عبر عنه بالجمع رغم أنه واحد، وذلك لعظم فوائده ، وملخص الأمر يدور على أن المرء لا بد أن يسأل عما ينفعه ويترك السؤال عما لا يعنيه. وهذا المبحث له مطلبان:
١. السؤال عن الأهلة.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [البقرة:١٨٩].
روي عن معاذ بن جبلٍ، وثعلبة بن غنمٍ الأنصاريين قالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو دقيقًا مثل الخيط، ثمّ يزيد؛ حتّى يمتلىء ويستوي، ويستدير، ثمّ لا يزال ينقص حتّى يعود كما بدأ، لا يكون على حالةٍ واحدةٍ؛ كالشّمس، فأنزل الله تعالى هذه الآية: (ﮮ ﮯ ﮰ)141.
ثم معنى السؤال عن الأهلة : هو أنهم لما رأوا الشمس تطلع دائمًا على حالة واحدة، ورأوا القمر مختلف الأحوال فحملهم ذلك على السؤال عن حال القمر، فأخبر عز وجل أنه جعل الهلال معرفًا للخلق الأوقات ومعرفة وقت الحج ، وعدة النساء وتعرف الشهور، ورمضان ونعرف شهر الحج، وآجال العقود في البيع والإيجار، وسداد الديون وأوقات الزرع، إلخ، لأنه لو جعل معرفة ذلك بالأيام لاشتد حساب ذلك عليهم، ولتعذر معرفة السنين والأوقات بالأيام ، فجعل عز وجل بلطفه وبرحمته، الأهلة ليعرفوا بذلك الآجال، ويعرفوا وقت الزكاة؛ طلبًا للتخفيف والتيسير عليهم142. وقيل: إنهم لمّا سألوا عن شيء قليل الجدوى أجيبوا بما فيه فائدةٌ، وعدل عن سؤالهم إذ لا فائدة فيه143.
وفي الآية دلالة على أن المرء لا بد أن يسأل عما ينفعه ويترك السؤال عما لا يعنيه. فالجواب عن الأهلة بهذا الشكل أفاد بأن السؤال عن سر الاختلاف، ليس فيه منفعة شرعية، وإنما ينبغي الاهتمام بما فيه منفعة دينية144. وشاهده في السنة قوله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)145. كما أفادتنا الآية الشهور القمرية لها فوائد عظيمة، إذ بها تعرف كثير من العبادات، وما سمّي الهلال هلالًا إلا لأنه حين يرى يهل الناس بذكر الله146، وقيل: هو من البيان، أي: لظهوره وقت رؤيته بعد خفائه، ولذلك يقال: تهلّل وجهه: ظهر فيه بشرٌ وسرورٌ147. فالهلال ليلتان من أول الشهر أو ثلاث، وما بينهما «قمرٌ»148. ويقال له: «بدرٌ» من ١٢ إلى ١٤ 149، ولقد جمع الهلال، رغم إفراده؛ اعتبارًا باختلاف أزمانه ، وعلى اعتبار أنه هلالًا في شهر غير كونه هلالًا في آخر150. إن مذهب العرب من الزمان الأول أن تكون السنة قمرية لا شمسية، وهذا الحكم توارثوه عن إبراهيم وإسماعيل، عليها السلام ، فأما عند اليهود والنصارى، فليس الأمر كذلك، فالسنة عندهم شمسية.
ويؤيد هذا تجريد الجواب من كلمة قل التي ذكرت في مواقع السؤال من القرآن نحو: مع ما في هذا النظم العجيب من زيادة إخراج الكلام في صورة الحكم الكلي ؛ إذ جاء بحكم عام في سياق الشرط فقال: (ﯪ ﯫ) وقال: (ﯰ ﯱ ﯲ) ولو قيل: وليدعوني فأستجيب لهم لكان حكمًا جزئيُّا خاصًّا بهم، فقد ظهر وجه اتصال الآية بالآيات قبلها ومناسبتها لهن وارتباطها بهن من غير أن يكون هنالك اعتراض جملة»151.
٢. السؤال عن الجبال.
قال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [طه:١٠٥-١٠٧].
قال مقاتل: « نزلت في رجال من ثقيف152 أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا يا محمد: كيف تكون الجبال يوم القيامة؟ فنزلت هذه الآية »153. وزاد ابن عاشور فقال: «وثقيف أهل جبالٍ لأنّ موطنهم الطّائف وفيه جبل كرى، وسواءٌ كان سؤالهم استهزاءً أم استرشادًا، فقد أنبأهم اللّه بمصير الجبال إبطالًا لشبهتهم وتعليمًا للمؤمنين»154.
أولًا: مقاصد السؤال:
يمكن تحديد مقاصد السؤال من خلال النقاط التالية:
١. التعنت.
وهو طلب العنت وهو المشقّة155.
وقال ابن منظور: « أصل التعنت التشديد»156، وإدخال المشقة والأذى على الغير157. ومنه سؤال اليهود النبي الكريم عن الروح، (ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الإسراء:٨٥].
حيث كانوا يقصدون من مسائلهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم المزلة والإنقاص. ولذلك يقال لكل من يتعنت في السؤال فإنه يطلب مزلته158، وإيذاء المسؤول وإدخال المشقة عليه، ووضح كذلك من سؤال بني إسرائيل لموسى عليه السلام: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [الفرقان:٢١].
فقد سألوه سؤال تعنت، لا سؤال مسترشد ، والأمثلة على التعنت كثيرة، ومنها ما فعلته قريش عندما طلبت من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بمعجزات وآيات اقترحوها، ولو تدبرت قريش كلام الله لوجدوا في القرآن المسطور وفي الكون المنظور أضعافًا مضاعفة من هاته الآيات التي طلبوها.
قال تعالى عنهم: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الإسراء:٩٠-٩٣].
٢. الاحتجاج.
وهو الاستقامة في النّظر سواء كان من جهة ما يطلب معرفته أو من جهة غيره159.
وغالبًا يصدر عن المشركين، على خصمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجّة. ومثاله: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [البقرة:٢١٧].
والحجة من الاحتجاج، قال اللّه تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البقرة:١٥٠].
وفي الآية: (ﮣ ﮤ ﮥ) [ص:٢٣]. أي: غلبني في الاحتجاج160.
ومن أضداده الاعتلال، وهو الاحتجاج بما ليس حجة161، وفي حديث الدّجّال: (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه)162، أي: مغالبه بإظهار الحجّة عليه163.
ومن الأمثلة عليه قوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [المائدة:١٠٩].
قال ابن عطية: « سؤال موجه للرسل والهدف منه: « لتقوم الحجة على الأمم ويبتدأ حسابهم على الواضح المستبين لكل مفطور»164.
يقول الماتريدي: « إنه سبحانه « يسأل الرسل عن تبليغ الرسالة إلى قومهم، ويسأل قومهم عن إجابتهم لهم؛ ليقطع احتجاجهم، وإن لم يكن لهم الحجاج»165.
٣. الاستهزاء.
يقول الله تعالى مخبرًا عن استهزاء وسخرية كفار قريش من المؤمنين: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [الأنعام:٥٣].
وكسؤال المنافقين تهكمًا وتكبرًا وتبخترًا، ومثاله ما رواه البخاري عن أبي موسى، قال: ( سئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها، فلمّا أكثر عليه غضب، ثمّ قال للنّاس: (سلوني عمّا شئتم) قال رجلٌ: من أبي؟ قال: (أبوك حذافة) فقام آخر فقال: من أبي يا رسول اللّه؟ فقال: (أبوك سالمٌ مولى شيبة) فلمّا رأى عمر ما في وجهه قال: يا رسول اللّه، إنّا نتوب إلى اللّه عزّ وجلّ )166.
وتعليق الاستهزاء بالله عز وجل مجازٌ جلّ ربّنا عن الاستهزاء ، قال تعالى: (ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [البقرة:١٥] أي: يجازيهم على استهزائهم.. (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [التوبة:٦٥-٦٦].
أورد الطبري بسنده عن قتادة: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)، قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وركب من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها! فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا، فقال: عليّ بهؤلاء النفر! فدعاهم فقال : (قلتم كذا وكذا) ! فحلفوا: ما كنا إلا نخوض ونلعب!167.
٤. الاسترشاد.
أصله أن يسأل الرجل من يرشده، وهذا مقصد المؤمن من أسئلته، فمقصده من سؤاله الاسترشاد، ومعرفة أحكام الله سبحانه وتعالى، وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم في المسائل ليعمل بها ، ومثّلوا لسؤال الاسترشاد الذي من هذا القبيل بسؤال الملائكة إذ قالوا لربّهم كما جاء في سورة البقرة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [البقرة:٣٠].
وقد يطرح المتكلم سؤالًا استفهاميًّا ظاهره يشعر بالاستشكال أو الاعتراض، وغرضه الاسترشاد، ويمكن أن نعتبر من الأمثلة على هذا أسئلة موسى للخضر في اعتراضاته على تصرّفاته، كما أبان الله لنا في سورة الكهف، (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الكهف:٧١].
٥. التقرير.
وهو تحصيل ما لم يصرح به القول168، يراد منه أن يكون المسؤول متيقظًا لما يراد به من الاطلاع عليه، كما قال الله عز وجل لموسى عليه السلام: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [طه:١٧]169. ومنه الطلب من القوم الإقرار بالشيء.
قال الماتريدي: «وهو كقوله: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المائدة:١١٦].
هذا السؤال تقريري لا غير؛ لأنه كان يعلم أنه لم يقل لهم ذلك، لكنه سألهم تقريرًا؛ ليقروا بذلك؛ لئلا يقولوا: هو قال لهم ذلك»170.
وقوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [الزخرف:٤٩] أسلوب إنشائي في صورة نداء غرضه التقرير. وكقوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الزمر:٣٦].
٦. الامتحان.
وهو من المحن171، وهو الاختبار.
قال تعالى: (ﮮ) [الممتحنة:١٠].
وذلك حتى تظهر حال المسؤول على حقيقتها فيعترف بقصوره عن الإحاطة بالأشياء، كفعل الملائكة عند قوله تعالى: (ﭹ ﭺ ﭻ)[البقرة:٣١].
بقولهم: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[البقرة:٣٢]172.
٧. التعجب والبراءة.
وهو استعظام شيء زائد على غيره لمزيّة فيه173، وذلك حين يكون السؤال بريئًا غير موجه بهدف أو مقصد، وليس المقصود منه الإساءة والشتم والإغاضة، بل المقصود الإيضاح حول موضوع معين تعجب منه. ومن التعجيب قوله جلّ ثناؤه: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [البقرة:٢٨].
وكذلك يمكن تمثيله بسؤال زكريا عليه السلام لمريم عليها السلام حين وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف ، قال تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [آل عمران:٣٧].
فعندها قال زكريا: (ﰅ ﰆ ﰇ) [آل عمران:٣٧].
ومثله كذلك ما ورد في قوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [يس:٧٧].
يقول الواحدي: «ألا يرى أنه مخلوق من نطفة، ثم هو يخاصم! وهذا تعجيب من جهله، وإنكار عليه خصومته، أي: كيف لا يتفكر في بدء خلقه حتى يدع خصومته»174.
ومعنى الكلام: التعجّب من جهل هذا المعاند الألد المكابر المخاصم في إنكاره البعث ، فالكلام يفهم حالة من التّعجيب الشديد من تطوّر الإنسان من أمهن حالةٍ إلى أبدع حالةٍ ، وهي حالة الخصومة والإبانة النّاشئتين عن التّفكير والتّعقّل، والدّلالة على كفرانه النّعمة وصرفه ما أنعم به عليه في عصيان المنعم عليه175.
ثانيًا: آداب السؤال:
هناك عدد لا بأس من الآداب تتعلق بالسائل تجاه المسؤول، نختار منها الآتي:
فاختيار الوقت ومكانه الذي يتفرغ فيه المسؤول أمر في غاية الأدب، فلا تشغل المفتي وهو مشغول أو نائم ، فيتصل به تلفونيًا قبل الفجر أو بعده ، فهذا لم ترع المناسبة والأعراف ، لهذا أدبنا الله عز وجل أن نستأذن قبل أن نلج الأماكن الخاصة بالآخرين، قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [النور:٥٨].
ولهذا كانت أسئلة الصحابة للنبي الكريم ضمن الأسئلة الاستفهامية وليس التعجيزية، ومثاله: قوله تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ) [البقرة:٢٢٠].
وقوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ) [البقرة:٢٢٢].
وقوله تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ) [البقرة:٢١٥].
وقوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ) [البقرة:١٨٩].
وقوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [المائدة:٤].
ولو كانت يهود أو قريش تعرف مقام ربها ومقام نبيها ما سألت رسول الله إنزال كتاب من السماء، ولهذا جاء الخطاب القرآني مستهجناً هذه الطريقة في السؤال، قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النساء:١٥٣].
وهو مستنبط من قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [المجادلة:١٢] .
وقت النبي الكريم ليس كوقت واحد من المسلمين، فإن كثرت المناجاة وكثرت المسائل زاد التكليف وعظمت المشقة، ولهذا كان لا بد من منهج يحدد التعامل مع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في عرض المسائل، قال فخر الدين الرازي، « قال ابن عبّاسٍ: إنّ المسلمين أكثروا المسائل على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتّى شقّوا عليه، وأراد اللّه أن يخفّف عن نبيّه، فلمّا نزلت هذه الآية شحّ كثيرٌ من النّاس فكفّوا عن المسألة » 176.
لا بد للسائل أن تكون عبارته جميلة ومحتشمة مليئة بالتلطف والأدب، وتراعي نفسية المسؤول، وفيها هيبة للعالم الذي يسأل، وخالية من العبارات السوقية ، بل ينادي المفتي بم يليق به من مقام، وقد كان موسى عليه السلام في غاية التلطف عند سؤال الخضر في اتباعه والتعلم منه، قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الكهف:٦٦].
ففي أحيان كثيرة، يكون السؤال غامضًا غير واضح في طرحه، مبهم في إلقائه مما يؤدي إلى إحراج المسؤول. لأنه قد يجيب عن شيء غير ما قصده السائل، فعندها يقول: سألت العالم الفلاني فأجابني عن مسألتي بالطريقة التالية، لكن قصد المسؤول كان غير قصد السائل فيكون التباسًا للجميع ، وهذا مأخوذ من سؤال يهود النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عن الروح، (ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [الإسراء:٨٥].
فالروح كما نعلم موجود خفي، والسؤال عنه بهذا الشكل أمر غير لائق ؛ لأنه غامض بل في غاية الإبهام، ولذلك كان القصد منه تعجيزي بحت.
فهو يسمع من واحد، فيجيبه، فلا يقتنع ثم يسأل عالمًا آخر، فيجيبه ربما بجواب آخر مخالف تماماً للأول، فعندها يقول إن فلانا أعلم من فلان، وينسى أن المسألة فيها نظر وخلاف، وأن الصحابة الثقات العدول اختلفوا مع بعضهم البعض ، ويمكن أخذ هذا الأدب من قوله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [البقرة:١٠٨]
وهذا مستنبط من سؤال الصحابة رضي الله عنهم نبيهم الكريم عن الخمر والميسر، وغيرها من الأسئلة ذوات الأحكام المفيدة ، والتي لها تعلق في حياتهم؛ كقوله تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [البقرة:٢١٩].
وذلك من باب قوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [طه:١١٤].
فلا بد أن يكون السؤال عبادة لله عز وجل وليس امتحانًا أو اختبارًا أو إيقاعًا في ورطة أو تشهيرًا...إلخ.
قال أبو السعود في قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)[الكهف:٧٠] أي: « لا تفاتحني بالسؤال عن حكمته فضلًا عن المناقشة والاعتراض (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [الكهف:٧٠] أي: حتى أبتدأ ببيانه، وفيه إيذان بأن كل ما صدر عنه فله حكمة وغاية حميدة البتة، وهذا من أدب المتعلم مع العالم»177.
ويركز على الأسئلة الخاصة به ، والتي تزيد من إيمانه وعمله وتحسن من سلوكه ومعاملاته وإنتاجه، وليعلم أن حسن السؤال نصف العلم. وهذا مستنبط من قوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [المائدة:١٠١].
وهذه الآية أصل في النهي عن كل سؤال فيه تعنت وتكلف ما يعني، قال الصابوني: «أي لا تسألوا الرسول عن أمور لا حاجة لكم بها ، إن ظهرت لكم ساءتكم»178.
ففي الآية نهي وتحذير من الله عز وجل للمؤمنين عن أشياء لا يطيقونها أو أن يسألوا عن أشياء قد نهوا عنها أو لا يعلمونها كسؤال النصارى عيسى أن ينزل ربنا عليهم مائدة من السماء. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (ذروني ما تركتكم، فإنّما هلك أهل الكتاب قبلكم أو من كان قبلكم بكثرة اختلافهم على أنبيائهم، وكثرة سؤالهم)179.
وقال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الإسراء:٣٦].
وقد أورد صاحب الزوائد بابًا أسماه: باب سبب النهي عن كثرة السؤال: عن سعدٍ قال: كان النّاس يتساءلون عن الشّيء من أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسألون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو حلالٌ، فلا يزالون يسألون فيه حتّى يحرم عليهم180.
وعن الزّهريّ قال أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقّاصٍ عن أبيه: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (إنّ أعظم النّاس في المسلمين جرمًا من سأل عن مسألةٍ لم تحرّم فحرّم على المسلمين من أجل مسألته)181.
موضوعات ذات صلة: |
الاستعانة، الاستغاثة، الدعاء، الشك، العلم |
1 مقاييس اللغة، ابن فارس، ص٥٠١.
وانظر: تاج العروس، الزبيدي، ٢٩/١٥٨.
2 العين، الفراهيدي، ٧/٣٠١.
3 تهذيب اللغة، الأزهري، ١٣/٤٨.
4 تاج العروس، الزبيدي، ٢٩/١٦٠.
5 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٤٣٧.
6 الكليات، الكفوي، ١/٥٠١.
7 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٢١٠.
8 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٣٣٦- ٣٣٨.
9 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص٢٦٨-٢٦٩، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي ٢/١٦٠.
10 الفروق اللغوية ص ٣٧.
11 تفسير الراغب الأصفهاني ٥/٤٦٦.
12 مقاييس اللغة، ابن فارس، ٤/٤٥٧.
13 لسان العرب، ابن منظور، ١٢/٤٥٩.
14 تفسير الراغب الأصفهاني، ٥/٤٦٦.
15 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص٤٩.
16 الكليات، الكفوي ص٩٧.
17 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص٥٩.
18 الفروق اللغوية، العسكري، ص٣٧.
19 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ١٠/٦٢٢.
20 الصاحبي في فقه اللغة، ابن فارس، ص٤٥.
21 المخصص، ابن سيده المرسي، ٥/٢٣٤.
22 الوسيط، الواحدي ٢/٢٤٧.
23 من بلاغة القرآن، البدوي، ص١٢٦.
24 العين، الفراهيدي، ٧/٤٣٠.
25 السؤال في ضوء القرآن الكريم، وردة مصطفى كحيل، ص٢٤.
26 غرائب التفسير، الكرماني، ٢/٨٢٠.
27 غريب الحديث، الحربي، ٢/٨٨٤.
28 السؤال في ضوء القرآن الكريم، كحيل، ص٢١.
29 معالم التنزيل، البغوي، ٣/٢٥٨.
وانظر: إيجاز البيان عن معاني القرآن، النيسابوري، ٢/٥٤٦.
30 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٠٢/٧٢٥.
31 العين، الفراهيدي، ٤/٣١٥.
32 الصحاح، الجوهري، ١/٤٣٤.
33 من بلاغة القرآن، البدوي، ص١٢٦.
34 معالم التنزيل، البغوي، ٣/٦٧.
وانظر: إيجاز البيان عن معاني القرآن، النيسابوري، ١/٤٧٥.
35 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب التفسير، باب ومن سورة البقرة، رقم ٢٩٧٣.
قال الترمذي: حسن صحيح.
وصححه الألباني في صحيح الترمذي ٢٥٩٠.
36 تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم، ١/٣١٤.
37 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، ٢/٢٠٥.
38 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٢/٤٨.
39 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، ٢/٢٠٥.وانظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ١/١٢٥، تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٢/٤٨.
40 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، رقم ٢١٥.
41 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب في حسن الظن بالله عز وجل، رقم ٣٦٠٣.
قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٣٥٢، رقم ٨١٣٧.
42 التفسير القيم، ابن القيم، ص٢٥٦.
43 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ٢/٣٠٨.
44 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها، رقم ٢١٦.
45 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي، ٢٠/١٤٩.
46 غرائب التفسير، الكرماني، ١/٤٣٠.
47 روح البيان، إسماعيل حقي، ٣/٢٩٢.
48 جامع البيان، الطبري، ١٣/٢٩١.
49 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والسّاعة كهاتين»، رقم ٦٥٠٤.
50 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب ما جاء في قول الرّجل ويلك، رقم ٦١٦٧.
51 الموافقات، الشاطبي، ١/٤٥.
52 النكت والعيون، الماوردي، ٢/٢٨٤.
53 الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب، ٤/٢٦٦٠.
54 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ١٠/٤١٥.
55 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٥١٨.
56 لباب التأويل، الخازن، ٢/٢٧٩.
57 تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٨٢١.
58 تفسير يحيى بن سلام، ٢/٨٣١.
59 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٧/١٩٢.وانظر: البحر المديد، ابن عجيبة، ٤/٥٩٨.
60 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٩/٣٢٥.
61 تفسير المراغي، ٢٣/٥٩.
62 زاد المسير، ابن الجوزي، ٣/٥٨١.
63 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٦/٤٠٣
64 القيامة الكبرى، عمر سليمان الأشقر، ص٢٠٠.
65 التذكرة في أحوال الموتي وأمور الآخرة، القرطبي، ١/٣٢٩.
66 لوامع الأنوار البهية، السفاريني، ٢/١٧٤.
67 مقالات الإسلاميين، الأشعري، ص٣٣٤.
68 اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر، فهد الرومي، ٢/٧١٣.
69 فتح الباري، ابن حجر، ٨/٤٠١.
وانظر: أحكام القرآن، ابن العربي، ٣/٢١٤.
70 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب سؤال اليهود النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الرّوح، رقم ٢٧٩٤.
71 أحكام القرآن، ابن العربي، ٣/٢١٥.
72 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢/١٩٠.
73 جامع البيان، الطبري، ٤/٢٩١.
74 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج، ١/٢٨٧.
75 تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم، ٢/٣٨١.
76 جامع البيان، الطبري، ٤/٢٩٤.
77 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب عيادة المغمى عليه، رقم ٥٦٥١.
78 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الفرائض، باب ما جاء في ميراث الصلب، ٣/١٢٠، رقم ٢٨٩١، والترمذي في سننه، أبواب الفرائض،باب ما جاء في ميراث البنات، ٤/٤١٤، رقم ٢٠٩٢.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وحسنه الألباني في الإرواء، ٦/١٢٢، رقم ١٦٧٧.
79 تفسير ابن فورك، من أول سورة المؤمنون، إلى آخر سورة السجدة، ص٦٩.
80 المصدر السابق ص ٢٣٢.
81 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، ٤/١٥٠.
82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب لا وصية لوارث، رقم ٢٧٤٧.
83 جامع البيان، الطبري، ٤/٣٤٩.
84 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٢/١٢٠-١٢١.
85 المصدر السابق ٢/١٢٠.
86 المصدر السابق ٢/١١٧.
87 المصدر السابق ٢/١٢٠.
88 منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام، الرحيلي، ٢/٧٨٩.
89 مناظرة بين الإسلام والنصرانية، مجموعة من العلماء، ص٤٢٥.
90 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٢/١٢٠.
91 منحة القريب المجيب في الرد على عباد الصليب، عبد العزيز آل معمر، ٢/٦٨٦.
92 الكشف والبيان، الثعلبي، ٢/١٥٦.
93 المصدر السابق، ٢/١٥٨.
94 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٣/٣٧٤.
95 غريب الحديث، الهروي، ١/٣١١.
96 جامع البيان، الطبري، ٩/٥٤٣.
97 زهرة التفاسير، أبو زهرة، ٤/٢٠٣٦.
98 تهذيب اللغة، الأزهري، ١٤/٣٠.
99 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٣/٤٥٦.
100 النكت والعيون، الماوردي، ٢/١٤.
101 تفسير الراغب الأصفهاني، ٤/٢٧٠.
102 تفسير الشعراوي، ٥/٢٩٣٢.
103 تفسير القرآن، السمعاني، ٢/١٢.
104 الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ١/١٦٢.
105 المنار، محمد رشيد رضا، ٦/١٤٠.
106 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٥/٣٦.
107 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، ٤/١٧٨.
108 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي، ٧/٢٠٣.
109 شرح العقيدة السفارينية، ابن عثيمين، ص٤١٨.
110 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٣/٤٥٧.
111 الأم، الشافعي، ٢/٢٧١.
112 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٢٠.
113 جامع البيان، الطبري، ٤/٢٩٩.
114 المصدر السابق، ٤/٣٠٠.
115 المصدر السابق، ٤/٣٠٥.
116 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٢/٦٥.
117 تفسير مجاهد، ص٢٣١.
118 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ١/٣١٨.
119 الأم، الشافعي، ٧/٣٥٣.
120 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢١/٧٥.
121 المصدر السابق.
122 جامع البيان، الطبري، ١٧/٦٠٥.
123 زاد المسير، ابن الجوزي، ٣/٦٦.
124 تفسير التستري، ١/٩٧.
125 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٥/١٤٥.
126 معالم التنزيل، البغوي، ٥/١٥٩.
127 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٧/١٥١.
128 معالم التنزيل، البغوي، ٥/١٥٩.
129 الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب، ٦/٤٣٤٦.
130 مدارك التنزيل، النسفي، ٢/٢٩١.
131 النكت والعيون، الماوردي، ٣/٢٩٣.
132 ذو القرنين، القائد الفاتح والحاكم الصالح، محمد خير، ص٢٥٨-٢٥٩.
133 مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم، ص٣٠٤.
134 المصدر السابق.
135 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الخروج في طلب العلم، رقم ٧٨.
136 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١١/١٧.
137 الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب، ٦/٤٤٢٧.
138 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي، ٢١/١٣٥.
139 المصدر السابق ٢١/١٣٧.
140 التصور الفني في القرآن، سيد قطب، ص١٨٤.
141 انظر: أسباب النّزول، الواحدي، رقم ١٠٩، الدر المنثور، السيوطي ١/٤٩٠.
142 تأويلات أهل السنة، الماتريدي ٢/٦٠.
143 غرائب التفسير، الكرماني ١/٢٠٢.
144 البحر المديد، ابن عجيبة، ١/٢٣٩.
145 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة، ٢/١٣١٥.رقم ٣٩٧٦.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠٢٧، رقم ٥٩١١.
146 الكشف والبيان، الثعلبي، ٢/٨٥.
147 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي، ٣/٣٣٢.
148 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي، ١/١١٢.
149 اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل الحنبلي، ٣/٣٣٢.
150 المصدر السابق.
151 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢/١٧٦.
152 تفسير مقاتل بن سليمان، ٣/٤١.
153 زاد المسير، ابن الجوزي، ٣/١٧٦.
154 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٦/٣٠٧.
155 انظر: طلبة الطلبة، النسفي، ص٢٤.
156 لسان العرب، ابن منظور، ٢/٦١.
157 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص١٠٢.
158 شمس العلوم، الحميري، ٧/٤٨٠٠.
159 الفروق اللغوية، العسكري، ص٧٠.
160 لسان العرب، ابن منظور، ٥/٣٧٨.
161 التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي، ص١٠٢.
162 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، رقم٢٩٣٧.
163 تاج العروس، الزبيدي، ٥/٤٦٨.
164 المحرر الوجيز، ابن عطية، ٢/٢٥٦.
165 انظر: تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٣/٦٤٦.
166 أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب العلم، باب الغضب في الموعظة والتّعليم إذا رأى ما يكره، رقم٩٢.
167 جامع البيان، الطبري ١٤/٣٣٤.
168 الفروق اللغوية، العسكري، ص٦٤.
169 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٢/٢٤٨.
170 المصدر السابق، ٤/٣٦٠.
171 تأويلات أهل السنة، الماتريدي، ٢/٢٤٨.
172 شمس العلوم، الحميري، ٩/٦٢٣٨.
173 اللباب في قواعد اللغة وآلات الأدب النحو والصرف والبلاغة والعروض واللغة والمثل، محمد علي السراج، ص١١٨.
174 الوسيط، الواحدي، ٣/٥٢٠.
175 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ١٤/١٠٣.
176 مفاتيح الغيب، الرازي، ٢٩/٤٩٥.
177 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٥/٢٣٥.
178 صفوة التفاسير، الصابوني، ١/٣٤٠.
179 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، ٢/٩٧٥، رقم ١٣٣٧.
180 أخرجه البزّار في مسنده، ٤/٦٢، رقم ١٢٢٩.
181 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب توقيره صلى الله عليه وسلم، رقم ٢٣٥٨.