عناصر الموضوع
السّحر
أولًا: المعنى اللغوي:
قال ابن فارس: «السّين والحاء والرّاء أصولٌ ثلاثةٌ متباينةٌ: أحدها عضوٌ من الأعضاء، والآخر خدعٌ وشبهه، والثّالث وقتٌ من الأوقات»1.
والسحر: «الأخذة التي تأخذ العين حتى تظن أن الأمر كما ترى وليس الأصل على ما ترى»2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
تعددت تعاريف السحر لدى العلماء، بسبب كثرة أنواعه المختلفة، قال الشافعي: «والسحر اسم جامع لمعان مختلفة»3، فكل عالم يعرف نوعاً من أنواع السحر دون غيره، فمنهم من يعرف سحر التخييل فقط، ومنهم من يعرف سحر التفريق فقط، وهكذا.
وقال الطبري: «معنى السحر: تخييل الشيء إلى المرء بخلاف ما هو به في عينه وحقيقته»4.
وعرفه البيضاوي بأنه: «ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما لا يستقل به الإنسان، وذلك لا يستتب إلا لمن يناسبه في الشرارة وخبث النفس»5.
ورد الجذر (س ح ر) في القرآن الكريم (٦٣) مرة، وما يخص موضوع (السحر) (٦٠) مرة 6.
والصيغ التي وردت، هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
١ |
(ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الأعراف:١١٦] |
الفعل المضارع |
٢ |
(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الأعراف:١٣٢] |
مصدر سماعي |
٢٨ |
(ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [يونس:٨١] |
اسم الفاعل |
٢٢ |
( ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [ص:٤] |
اسم المفعول |
٦ |
(ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الإسراء:٤٧] |
صيغة المبالغة |
١ |
(ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [الشعراء:٣٧] |
وجاء السحر في القرآن على أربعة أوجه7:
الأول: السحر المعروف الذي يأخذ بالعين والقلب ، ومنه قوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ) [البقرة:١٠٢].
الثاني: الكذب، ومنه قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ) [الأعراف:١١٦] يعني: بكذب.
الثالث: الجنون، ومنه قوله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الإسراء:٤٧] يعني: مجنونًا.
الرابع: الصرف، ومنه قوله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [المؤمنون:٨٩] يعني: تصرفون عن الحق.
الخداع:
الخداع لغة:
هو إظهار خلاف ما يخفيه الشخص8.
الخداع اصطلاحًا:
لا يخرج عن معناه اللغوي، قال ابن القيم: «والمخادعة: هي الاحتيال والمراوغة بإظهار الخير مع إبطان خلافه، ليحصل مقصود المخادع»9.
الصلة بين الخداع والسحر:
يتفق الخداع مع السحر في قضية إخفاء الحقيقة وإظهار خلافها، لكنه يختلف مع السحر من حيث الحكم والوسيلة، فحكم السحر كفر عند جمهور أهل العلم، بينما حكم الخداع يختلف باختلاف أهدافه، فقد يكون حراماً وقد يكون حلالاً.
الكهانة:
الكهانة لغة:
كهن له كمنع ونصر وكرم كهانة بالفتح، وتكهن تكهنًا: قضى له بالغيب؛ والكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار. والعرب تسمي كل من يتعاطى علمًا دقيقًا كاهنًا، ومنهم من كان يسمي المنجم، والطبيب، كاهنًا10.
الكهانة اصطلاحًا:
ادعاء علم الغيب11.
وقال ابن تيمية: الإخبار ببعض الغائبات عن الجن12.
الصلة بين الكهانة والسحر:
من خلال ما سبق يتبين لنا أن هناك فرقاً بين السحر وبين الكهانة من حيث التعريف، ومن حيث الوسيلة، فالكاهن من يدعي علم الغيب متوسلاٍ بالجن أو ببعض ما يزعم أنها استدلالات تعينه على معرفة علم الغيب، بينما الساحر يعتمد اعتماداً كليًّا على الجن والشياطين فيما يدعيه من علم الغيب13.
ومن حيث الحكم نجد بأن السحر والكهانة كلٌ منهما محرم شرعًا، وما جاء من أدلة في تحريم السحر، تصلح أيضًافي باب حكم الكهانة.
العرافة:
العراف لغة:
قال الجوهري: «والعراف الكاهن والطبيب»14.
العراف اصطلاحًا:
قال الخطابي: «هو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها»15.
وقيل عنه أيضًا: أنه من يدعي علم الغيب، وربما شمل الكاهن والمنجم والرمال16.
الصلة بين العرافة والسحر:
بينهما تقارب ظاهر بيّنٌ، فالعرافة من حيث ارتباطها بالجن لا تختلف عن السحر، فكلٌ من العرّاف والساحر لا يستغنيان عن الجن والشياطين في أعمالهما الكفرية.
ومن حيث الحكم فالعرافة محرمة كما السحر، وعقوبة العراف القتل مثل الساحر17.
السحر كلمة تكررت في كل العصور، واستخدمتها كل الأمم، بطرق ووسائل مختلفة، ونسجوا لها القصص والخيالات، ووقف الجميع أمام مسألة السحر، فمن منبهر مصدق معظّم، ومن جاحد مكذب، ومن مصدق لحقيقة السحر، مع اعتقاده بتوقف أثره على مشيئة الله.
وفي هذا المبحث سأناقش مسألة حقيقة السحر، وهل له حقيقة؟ أم أن المسالة لا تعدو أن تكون ضرباً من التمويه والتخييل ليس إلا؟
قال أبو حيان: «واختلف في حقيقة السحر على أقوال:
الأول: أنه قلب الأعيان واختراعها وتغيير صور الناس مما يشبه المعجزات والكرامات، كالطيران وقطع المسافات في ليلة.
الثاني: أنه خدع ومخاريق وتمويهات وشعوذة لا حقيقة لها...
الثالث: أنه أمر يأخذ بالعين على جهة الحيلة...
الرابع: أنه نوع من خدمة الجن، وهم الذين استخرجوه من جنس لطيف أجسامهم وهيئاتها، فلطف ودق وخفي.
الخامس: أنه مركب من أجسام تجمع وتحرق، وتتخذ منها أرمدة ومداد، ويتلى عليها أسماء وعزائم، ثم تستعمل فيما يحتاج إليها من السحر.
السادس: أن أصله طلسمات18..، تبنى على تأثير خصائص الكواكب...
قال بعض معاصرينا: هذه الأقوال كلها التي قالوها في حقيقة السحر أنواع من أنواع السحر، وقد ضم إليها أنواع أخر»19.
الخلاف في هذا المسألة بين جمهور العلماء من جهة، وبين المعتزلة وبعض أهل السنة من جهة أخرى.
فبينما يذهب جماهير العلماء إلى القول بأن للسحر حقيقة، مستدلين بما يلي:
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة:١٠٢].
وقال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:١٠٢].
وقال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الأعراف:١١٦].
وقال تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الفلق:٤].
فقد ذكر الله تعالى في الآية الأولى نتيجة هذا السحر وهو التفريق بين الزوجين، ولو لم يكن للسحر حقيقة لما أثر على العلاقة التي تكون بين الزوجين، وهي من أعظم العلاقات.
والآية الثانية بينت أن للسحر حقيقة وأثراً، إلا أن هذا الأثر متوقف على المشيئة، فلو لم يكن ثم حقيقة وأثر لما كان لذكر المشيئة هنا أي فائدة.
وفي الآية الثالثة يخبر تعالى أنهم أتوا بسحر ، وفي هذا دليل على أن للسحر حقيقة.
وفي الآية الأخيرة يأمرنا الله تعالى أن نستعيذ به من شر السحر، ولو لم يكن للسحر حقيقة ولا أثر لما أمرنا الله تعالى أن نستعيذ به من شره.
يذهب المعتزلة إلى القول بأن السحر لا حقيقة له ، وإنما هو من قبيل الخداع والشعوذة والتمويه.
واستدلوا بما يلي:
قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأعراف:١١٦].
وقالوا بأن القضية كانت مجرد تخييل فقط ولا حقيقة لها في الواقع، بدليل قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [طه:٦٦].
واستدلوا بقوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [طه:٦٩].
وقالوا مادام أنه نفى عنه الفلاح، فهذا يعني أنه ليس على حق، أو لا حقيقة لما معه من السحر.
لكن يقال لهم نفي الفلاح لا يدل على نفي الحقيقة، فنفي الفلاح إنما هو عقوبة وجزاء على هذا الفعل الشنيع.
وقالوا: لو سلمنا بحقيقة السحر لحدث التباس بينه وبين معجزات الأنبياء، فعاد ذلك على المعجزات بالإبطال.
وهذا غير صحيح ؛ فإن هناك فرقًا كبيرًا بين معجزات الأنبياء وبين سحر الساحرين.
معجزات الأنبياء سببها النبوة ، وأما ما يجري على يد السحرة فسببه الجن والشياطين الذين يستعين بهم الساحر.
كذلك معجزات الأنبياء غير معارضة، ولا يقدر أحد على المجيء بمثلها، بينما سحر السحرة غير سالم من المعارضة.
كذلك معجزات الأنبياء هي تأييد من الله تعالى لهم لهداية البشر، أما السحر فهو إضلال للبشر، وإبعاد لهم عن الله تعالى.
والذي يظهر في هذه المسالة : أن السحر له حقيقة وتأثير، لكن ذلك التأثير متوقف على قدر الله، كما قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:١٠٢].
لكن لا يعني هذا أنه لا يوجد من أنواع السحر ما هو تخييل وخفة يد وما شابه ذلك.
قال ابن حجر: «وقال القرطبي السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب ، غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس ، ومادته الوقوف على خواص الأشياء والعلم بوجوه تركيبها وأوقاته وأكثرها تخييلات بغير حقيقة، وإيهامات بغير ثبوت، فيعظم عند من لا يعرف ذلك، كما قال الله تعالى عن سحرة فرعون: (ﯦ ﯧ ﯨ) [الأعراف:١١٦].
مع أن حبالهم وعصيهم لم تخرج عن كونها حبالاً وعصياً، ثم قال: والحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرًا في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر، وفي الأبدان بالألم والسقم»20.
السحر وتأثيره على الأعيان، وحقيقة ذلك التأثير، ونطاق ذلك التأثير، من المسائل التي تثار في باب الحديث عن السحر.
فهل للسحر تأثير؟
وما حدود ذلك التأثير؟
وهل تأثيره مستقل بذاته أم مرتبط بالمشيئة؟
في هذا المبحث سأجيب على كل تلك التساؤلات.
أما هل للسحر تأثير؟
فنجد الجواب عنه فيما يلي:
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة:١٠٢].
فالآية الكريمة تذكر لنا أثراً من آثار هذا السحر، وهو أنه يؤثر في صرف القلوب المتحابة عن بعضها البعض، فبعد الحب بغض، وبعد القرب والتآلف بعد وتنافر، بل قد يصل الحال بالزوجين إلى الطلاق21.
ويكون ذلك التأثير من خلال«ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر، أو خلق أو نحو ذلك، أو عقد أو بغضة، أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة»22.
وذكر في الآية التفريق بين الزوجين، ليدلل على أنه ما دام السحر أثر على الزوجين «مع أن محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما ؛ لأن الله قال في حقهما: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الروم:٢١]»23، فمن باب أولى أن يؤثر على غيرهما.
قال الشوكاني رحمه الله: «في إسناد التفريق إلى السحرة، وجعل السحر سبباً لذلك دليل على أن للسحر تأثيراً في القلوب بالحب والبغض، والجمع والفرقة، والقرب والبعد.
وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الساحر لا يقدر على أكثر مما أخبر الله به من التفرقة؛ لأن الله ذكر ذلك في معرض الذم للسحر، وبين ما هو الغاية في تعليمه، فلو كان يقدر على أكثر من ذلك لذكره.
وقالت طائفة أخرى: إن ذلك خرج مخرج الأغلب، وأن الساحر يقدر على غير ذلك المنصوص عليه ، وقيل: ليس للسحر تأثير في نفسه أصلاً، لقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:١٠٢].
والحق أنه لا تنافي بين قوله: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة:١٠٢] وبين قوله: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:١٠٢].
فإن المستفاد من جميع ذلك أن للسحر تأثيراً في نفسه، ولكنه لا يؤثر ضرراً إلا فيمن أذن الله بتأثيره فيه.
وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيراً في نفسه وحقيقة ثابتة، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة وأبو حنيفة»24.
وقال القرطبي رحمه الله أيضًامبيناً أن للسحر تأثيرًا في القلوب وتفريقًا بين المتحابين: «ولا ينكر أن السحر له تأثير في القلوب، بالحب والبغض، وبإلقاء الشرور حتى يفرق الساحر بين المرء وزوجه، ويحول بين المرء وقلبه، وذلك بإدخال الآلام وعظيم الأسقام، وكل ذلك مدرك بالمشاهدة وإنكاره معاندة»25.
واستدل ابن قيم الجوزية بقوله تعالى: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الفلق:٤] على إثبات تأثير السحر26.
إذن فمسألة تأثير السحر مفروغ منها، وأنها ثابتة وأمر مجمع عليه، وإنما حدث خلاف في حدود ذلك التأثير، وقد بين الشوكاني والقرطبي فيما سبق هذه المسألة بما لا يحتاج إلى مزيد تفصيل.
أيضًا فإننا نجد فيما سبق من كلام الشوكاني رحمه الله إجابة لبقية التساؤلات وهي:
حدود تأثير السحر، وعلاقته بالمشيئة:
فتأثير السحر عام لا يختص بالزوجين فقط، كما أن هذا التأثير خاضع لمشيئة الله تعالى، وليس مستقلاً بذاته، قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:١٠٢].
ومما يدل أيضًا على تأثير السحر قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [طه:٦٦-٦٨].
فيذكر الله تعالى هنا أن السحر أثر في العيون، بل وصل الأمر إلى أن خاف موسى عليه السلام، على خلاف في السبب الذي خاف من أجله موسى، أهو خوف طبيعي على نفسه، أم خاف أن يلتبس الأمر على القوم فينصرفوا عن اتباعه27.
الحق في كل العصور يتعرض لحملات تشويه من قبل أهل الباطل، ومن خلال مطالعتنا لكتاب الله تعالى نجد بأن الكفار قد ألصقوا بالحق كل نقيصة وعيب.
وليتضح هذا الأمر، سأتناول هذه القضية من خلال النقاط الآتية:
أولًا: وصف الكتب المنزلة بالسّحر:
وكما وصف المشركون رسلهم بالسحرة، كذلك فقد وصفوا ما أنزل عليهم من الكتب بالسحر، والغاية هنا هي الغاية هناك، وهي التنفير عن الوحي والرسل، والصد عن سبيل الله، والكذب على الجماهير التي تبحث عن الحق وتطلبه.
وسأذكر هنا نماذج دالة على وصف الكفار للكتب المنزلة بالسحر، فمن ذلك:
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الأنعام:٧].
فيخبر الله تعالى أن الكفار الذين كتب الله عليهم الشقاء في الدنيا، والعذاب والنكال في الآخرة، مهما بذل معهم الرسول من الوسائل والحجج، فسيقابلونها بالتكذيب وينسبونها إلى السحر28، ولذلك ذكر الله تعالى أن المشركين لو عاينوا تنزيل الكتاب ولمسوه بأيديهم؛ ليتحققوا من أنه ليس بسحر يخدع العيون29، لما قابلوا ذلك إلا بقولهم: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأنعام:٧].
والله يخبر عنهم هنا أنهم سيقولون ذلك جازمين به غير شاكين فيه، فمن يهدي من أضل الله؟!
قال الشوكاني رحمه الله عند تفسير الآية السابقة: «في هذه الجملة بيان شدة صلابتهم في الكفر، وأنهم لا يؤمنون ولو أنزل الله على رسوله كتابًا مكتوبًا في قرطاس بمرأى منهم ومشاهدة فلمسوه بأيديهم، حتى يجتمع لهم إدراك الحاستين: حاسة البصر، وحاسة اللمس، لقال الذين كفروا منهم: إن هذا إلا سحر مبين، ولم يعملوا بما شاهدوا ولمسوا»30.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [هود:٧].
يذكر تعالى أن أهل الكفر حينما يسمعون آيات الله تخبرهم بأنهم مبعوثون بعد الموت، فإنهم يسارعون إلى اتهام هذا الوحي المنزل بأنه من قبيل السحر، وليس أي سحر، بل سحر بيّن غاية البيان وواضح غاية الوضوح.
قال الطبري رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [هود:٧]: «أي: ما هذا الذي تتلوه علينا مما تقول، إلا سحر لسامعه، مبين لسامعه عن حقيقته أنه سحر»31.
قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [سبأ:٤٣].
وما زال أهل الشرك والتنديد يتخبطون في غيهم وضلالهم، فمرة يتهمون المرسل ومرة يتهمون الرسول، ومرة يتهمون الوحي، وفي هذه الآية الكريمة يتهمون الرسول بأنه صاد عن دين الآباء والأجداد، ثم نراهم مرة أخرى يتهمون الوحي المنزل بأنه إفك افتراه الرسول، وفي آخر المطاف، حينما رأوا بأن الحق يظهر والناس يدخلون في دين الله أفواجاً، نجدهم يتهمون الوحي بأنه سحر واضح بيّن، وربما اقتسموا هذه التهم فيما بينهم، فمنهم من يقول إفك ومنهم من يقول سحر، وهكذا32.
قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الزخرف:٣٠].
حينما أتى الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، لم يكن أمام المشركين والمكذبين إلا طريقان اثنان لا ثالث لهما:
لكن هذا الأخير سيوقعهم في حرج، وهو أنهم أمام حق واضح غاية الوضوح، فلا بد من تهمة يلصقونها بالوحي -الحق الذي جاءهم-حتى يبرروا كفرهم وعنادهم، فلم يجدوا أمامهم سوى اتهام الوحي بأنه من قبيل السحر.
قال الطبري رحمه الله: «ولما جاء هؤلاء المشركين القرآن من عند الله، ورسول من الله أرسله إليهم بالدعاء إليه (ﮦ ﮧ ﮨ) يقول: هذا الذي جاءنا به هذا الرسول سحر يسحرنا به، ليس بوحي من الله (ﮩ ﮪ ﮫ) يقول: قالوا: وإنا به جاحدون، ننكر أن يكون هذا من الله»33.
فقدحوا -بهذه التهمة الكاذبة- قدحا شنيعا في الوحي الحق؛ حينما جعلوه من قبيل السحر، الذي لا يتعاطاه إلا أخبث الخلق وأرذلهم34.
وعجيب حال هؤلاء المشركين، نجدهم يتهمون الوحي الذي نزل على الرسول بأنه سحر، ثم نجدهم لا يمانعون أن يتبعوا هذا الوحي نفسه الذي اتهموه بأنه سحر، لكن بشرط أن ينزل على رجل من القريتين عظيم، فيا له من تخبط وتناقض صارخ، قال تعالى عنهم: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الزخرف:٣١].
قال تعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأحقاف:٧].
«يقول تعالى مخبراً عن المشركين في كفرهم وعنادهم: أنهم إذا تتلى عليهم آيات الله بينات، أي: في حال بيانها ووضوحها وجلائها، يقولون: (ﭦ ﭧ ﭨ) أي: سحر واضح»35.
فالله تعالى يريد أن يقيم الحجة البالغة على الخلق؛ حتى لا يبقى لمعتذر عذر، لذلك كان الوحي الذي أنزله الله تعالى على رسله في غاية الوضوح والبيان، وكان كله حقًّا لا مرية فيه ولا شك.
لكن من طبع الله على قلوبهم، قابلوا هذا الحق بالصد والاعراض، وألصقوا به التهم الكاذبة؛ ليبرروا كفرهم وعنادهم، فنجدهم هنا يتهمون الوحي المنزل من عند الله بأنه (ﭧ ﭨ)«يعنون: هذا القرآن خداع يخدعنا، ويأخذ بقلوب من سمعه -منا-فعل السحر (ﭨ)..: يبين لمن تأمله ممن سمعه أنه سحر»36.
وما ذلك إلا للتملص والهروب من التصديق والإيمان، ولتنفير الناس من الالتفاف حول الأنبياء والرسل والإيمان بما أوحاه الله إليهم من الكتاب.
وما يفعله المكذبون من وصف الوحي بالسحر المبين هو من «باب قلب الحقائق الذي لا يروج إلا على ضعفاء العقول، وإلا فبين الحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وبين السحر من المنافاة والمخالفة ما هو أعظم مما بين السماء والأرض، وكيف يقاس الحق -الذي علا وارتفع ارتفاعاً على الأفلاك وفاق بضوئه ونوره نور الشمس ، وقامت الأدلة الأفقية والنفسية عليه، وأقرت به وأذعنت أولو البصائر والعقول الرزينة- بالباطل الذي هو السحر الذي لا يصدر إلا من ضال ظالم خبيث النفس خبيث العمل؟! فهو مناسب له وموافق لحاله وهل هذا إلا من البهرجة؟»37.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الصف:٦].
لما بعث الله تعالى النبي محمدًا38 صلى الله عليه وسلم، وأيده بالبينات التي من أعظمها الوحي -القرآن- قال أهل الشرك (ﭮ ﭯ ﭰ) فاتهموا الوحي بالسحر البين الذي لا خفاء فيه، وهم حينما اتهموه بذلك يعلمون أنهم كاذبون، لكنه العناد والاستكبار، وإلا فلا تشابه ولا تقارب بين الوحي الذي هو غاية ومنتهى الحق، وبين السحر الذي هو غاية ومنتهى الباطل.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [المدثر:٢٤].
ما زالت التهمة للوحي بأنه سحر مستمرة، ولا يزال الكفار يتواصون بها، فبعد أن يبهرهم الحق المبين، ويدحض باطلهم الوحي الكريم، لا يجدون أمامهم سوى اتهام الوحي بأنه سحر، وهذا السحر تعلمه من غيره39.
وهذه التهمة لم تأت إلا بعد اجتماعات ومداولات استنفد فيها المشركون كل التهم والافتراءات ضد الرسول، وما أتى به من الوحي المبين.
وعجيب حالهم، كيف يصفون ما هو حق مبين، بما هو باطل مبين؟!
إذن فيما تقدم من الآيات بيّنت أن الكفار قد اتهموا الوحي بأنه من قبيل السحر، وكان لهم من وراء هذه التهمة أهداف وغايات من أهمها هدفان اثنان:
الهدف الأول: ليبرروا لأنفسهم الكفر والتكذيب.
الهدف الثاني: لينفروا الناس ويبعدوهم عن اتباع الوحي.
ثانيًا: وصف الرسل بالسّحر:
كثيرًا ما اتهم الكفار الرسل بالسحر، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
قال فرعون عن موسى في موطن من المواطن: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الشعراء:٣٤-٣٥].
وهو بهذا الاتهام يريد التنفير من اتباع موسى عليه السلام؛ ولذلك أخبر فرعون قومه بأن هدف موسى هو إخراجهم من أرضهم وديارهم، وبما أن الإخراج من الديار صعب على النفس باعتبار الحب الفطري المغروس في النفوس للوطن والبلاد، فقد استغل فرعون هذا الأمر، وصور لقومه موسى بأنه ساحر، وسحره خطير جداً يصل تأثيره إلى حد الإخراج من الديار، فمن أراد البقاء في دياره ووطنه فيجب عليه أن يقاطع هذا الساحر ويعاديه، وهذه التهمة بالسحر كما ألصقت -زورًا وبهتانًا- بموسى عليه السلام ألصقت أيضًا -زورًا وبهتانًا- بهارون عليه السلام.
قال تعالى حاكياً عن الكفار: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ) [طه:٦٣].
وفي موطن آخر نجد أن الطغاة قد أجمعوا على اتهام موسى بأنه ساحر؛ حينما لم يقدروا على مواجهة ما جاء به من الحق والدين، قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [غافر:٢٣-٢٤].
أي: أنه ساحر فيما أظهر من المعجزات، وكاذب في دعواه بأنه نبي مرسل إليهم من الله40.
قال تعالى عن كفار قريش حينما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم مبلغاً ومبشرًا ونذيرًا: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [يونس:٢].
هذه الآية وردت فيها قراءتان: القراءة الأولى : بإثبات الألف، فيكون الموصوف بالسحر هو الرسول، والقراءة الثانية : بحذف الألف فيكون الموصوف بالسحر هو الوحي أو الشرع الذي بعث به الرسول41.
وحجتهم في هذه القراءة «أن السحر يدل على الساحر ، لأن الفعل لا يكون إلا من فاعل ، والساحر قد يوجد ولا يوجد معه السحر»42.
وفي كلا الأمرين المقصود واحد وهو إثبات تهمة السحر؛ ليتم بعد ذلك التنفير والتشهير، والصد عن سبيل الله تعالى.
المهم أن كفار قريش تعجبوا من هذا الرسول البشري، وظنوا جهلاً أنه لا يمكن أن يكون الرسول إلى البشر إلا ملكاً، ونسوا أو تناسوا أن الله تعالى ما بعث قبل محمد صلى الله عليه وسلم إلا رجالاً من البشر، هذا التعجب الاستنكاري قادهم إلى اتهام النبي المرسل بأنه ساحر، بل وصفوا سحره بأنه بين واضح، وهذا من جهلهم وسفههم، وإلا فهم يعرفون السحرة ونفثهم وعقدهم وتمتماتهم، وليس هذا مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، بل هذا النبي الكريم قد جاء لمحاربة السحر والسحرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر...)43، فكيف يتناقض مع نفسه؟!
فيحارب السحر في الوقت الذي هو فيه يشتغل به، سبحانك هذا بهتان عظيم.
وهاهم أيضًا مرة أخرى يتهمونه بالسحر في قوله تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [ص:٤].
فاتهموا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر، وما فعلوا ذلك إلا من أجل التنفير عنه، والصد عن اتباع ما جاء به من الحق والدين، وكذلك هي سنة الكافرين مع رسلهم.
بل ما بعث الله تعالى رسولاً إلا واتهمه قومه بالسحر، ومصداق ذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الذاريات:٥٢].
وهم بهذا الاتهام يهدفون إلى هدم الرسالة، والطعن في الرسل لتنفير الناس عنهم؛ لأن كلاً من اتهامهم بالسحر أو الجنون يكفي لتشويههم وتشويه ما جاءوا به من الحق والدين، ونجد تاريخ الكفر ممتدًا إلى عصرنا الحديث، فنرى الحملات الإعلامية المتواصلة ضد أتباع الرسل من العلماء والدعاة، واتهامهم بشتى التهم، بهدف إبعاد الجماهير عنهم، حتى لا تتفطن الأمة لما يراد بها ويخطط لها من قبل الكافرين والمنافقين.
ثالثًا: وصف المعجزات والحجج بالسّحر:
إن موسى عليه السلام كان من أكثر الأنبياء تعرضاً للاتهام بالسحر، وما جاءهم بآية من آيات الله تعالى الدالة على صدق نبوته ورسالته، إلا وسارعوا لاتهامه واتهام ما جاء به بأنه سحر.
ولعل من أسباب ذلك، أن مهنة السحر كانت رائجة في عصرهم.
قال تعالى وهو يذكر بعض الآيات والمعجزات التي أيده الله بها لدعوة قومه إلى الله: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [النمل:١٢-١٣].
فكذبوا الرسول، وجحدوا الآيات، وجعلوا ما أقامه الله تعالى دليلاً لهدايتهم، من قبيل السحر والشعوذة، وزعموا أن هذه الآيات سحر بين وواضح لا يخفى على أحد، فاستحقوا بذلك العذاب، وباءوا بالخسران في الدنيا والآخرة.
وكذلك نجد الأمر في القوم الذين بعث الله إليهم عيسى عليه السلام، فقد أمده الله تعالى بمعجزات وآيات كثيرة، لا لشيء إلا لتقام عليهم الحجة، ويتبين لهم طريق الهداية واضحًا جليًّا، فقال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [المائدة:١١٠].
فوصف القوم الكافرون المعجزات والآيات البينات الواضحات بالسحر، كما في قراءة من حذف الألف في قوله: (ﮦ ﮧ)، ووصفوا الرسول بالساحر على قراءة من أثبت الألف في قوله: (ﮦ ﮧ)، وكلها قراءات صحيحة44.
كذلك فإن أهل الشرك والوثنية قد وصفوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الآيات والمعجزات بالسحر، رغم يقينهم بأنه ليس بساحر ولا كاهن، ولكنه الحقد والحسد والكبر المغروس في القلوب الضالة.
فنجد كفار قريش في موقف من المواقف يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم معجزة يرونها بأم أعينهم؛ ليستدلوا من خلالها على صدق نبوته ورسالته، وأنه مؤيد من الله تعالى بالمعجزات والبراهين، فطلبوا منه أن يشق لهم القمر في ليلة البدر، وزعموا أنهم سوف يؤمنون ويصدقون بما جاء به.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حريص على هداية قومه؛ فقد توجه إلى ربه تعالى طالباً منه أن يؤيده بهذه الآية العظيمة؛ حتى لا تبقى لأحد حجة على الله تعالى، فاستجاب الله تعالى لنبيه، وشق له القمر شقين، لكن شيئاً مما وعده به الكفار لم يحدث، بل قابلوا ذلك بالعناد والاستكبار، وفسروا هذه الآية والمعجزة العظيمة بأنها من قبيل السحر، فكانوا بهذا من المعاندين، وبالعذاب من الموعودين45.
قال تعالى حاكيًا عن نبأ انشقاق القمر: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [القمر:١-٢].
وزعموا أن هذه الآية العظيمة من قبيل السحر الذاهب الذي لا يثبت، أو من قبيل السحر الشديد القوي الدائم الذي أصبح لا يتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف السحرة الذين قد يقدرون على شيء أو شيئين فقط46.
إذن هؤلاء ثلاثة من الأنبياء والرسل من أولي العزم، أيدهم الله بالآيات والمعجزات، فما كان أمام القوم الكافرين إلا التهرب من اتباع الحق بحجة أنه من قبيل السحر، مع تمييزهم بين ما هو سحر وما ليس بسحر، ولكنه العناد والاستكبار.
السحر قضية من القضايا التي تحدث عنها القرآن كثيرًا، وزاد بيانها النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، كما أننا نجد العلماء والفقهاء قد أفردوا لها في كتبهم فصولًا وأبوابًا، وتحدثوا عنها بتفصيلات وتفريعات، وما ذلك إلا دليل واضح على أن هذه المسألة من المسائل الشرعية التي يتعلق بها كثير من الأحكام.
وفي هذا المبحث سأتكلم على كون السحر علمًا، وعلى حكمه من خلال مسألتين:
أولًا: إثبات أن السحر علم من العلوم:
لا ينكر أن السحر علم من العلوم الموجودة قديماً من حيث الأصل، ومع تقدم الزمان حدثت لهذا العلم تطورات من حيث الوسائل فقط، أما من حيث الأصل فهو باق على ما هو عليه، وهذا الثبات في الأصل والتجديد في الوسائل، هو ما جعل هذا العلم يحفظ ويصان من الضياع والاندثار.
وإذا وقفنا مع آية سورة البقرة التي تحدثت عن السحر؛ فإننا سنخرج بيقين بأن السحر علم، وهذه هي المسألة الأولى.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة:١٠٢].
ففي هذا الآية الكريمة عدة مواطن أثبتت أن السحر علم، هذه المواطن هي:
قوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [البقرة:١٠٢].
قوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [البقرة:١٠٢].
قوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة:١٠٢]
قوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [البقرة:١٠٢].
وقال تعالى في موطنين آخرين: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [طه:٧١].
إذن من خلال ما سبق تبين لنا جلياً أن السحر علم من العلوم، الذي له مصادره ومراجعه ورجالاته.
ثانيًا: بيان حكم هذا النوع من العلوم:
هذه المسالة هي الأهم في هذا المبحث، وهي بيان حكم هذا النوع من العلوم، وفي الآيات السابقة البيان الشافي والكافي لحكم هذا العلم.
قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [البقرة:١٠٢].
فالآية هذه مصرحة بأن السحر كفر.
والمعنى: أي أنك أيها الشخص إذا تعلمت هذا النوع من العلم فسوف يسلب منك دينك الحق وتكون من جملة الكافرين، ومادام أن هذا العلم يتسبب في كفر متعلمه، فما حكم هذا العلم إذن؟
الجواب في غاية الوضوح، إنه علم محرم، بل هو في درجة الكبائر من المحرمات، ولا يتعاطاه من في قلبه ذرة من إيمان.
قال النبي صلى الله عليه وسلم (اجتنبوا السبع الموبقات)47 وعد منهن السحر.
والله تعالى قد دافع عن نبيه سليمان عليه السلام حينما اتهم بأنه كان ساحراً، وكان يسيّر من تحت يده بالسحر، فقال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [البقرة:١٠٢].
فنفى الله عن نبيه السحر؛ لأن السحر كفر ينزه عنه أنبياء الله ورسله.
قال ابن حجر: «وفي إيراد المصنف هذه الآية إشارة إلى اختيار الحكم بكفر الساحر لقوله فيها: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [البقرة:١٠٢]فإن ظاهرها أنهم كفروا بذلك، ولا يكفّر بتعليم الشيء إلا وذلك الشيء كفر»48.
وقال الثعلبي عند قوله تعالى: «(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [البقرة:١٠٢] بالسحر فانّ السحر كفر»49.
والآيات والأحاديث الكثيرة التي تنفر من السحر وتحذر من الذهاب إلى السحرة أو تصديقهم، تعطينا بمجموعها حكم السحر وأنه كفر وشرك بالله العظيم.
فخلاصة هذا المبحث أن السحر علم من العلوم الكفرية التي نهى الله ورسوله عنها نهي تحريم، ورتبوا على ذلك العقاب في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
بما أنني أثبت فيما سبق بأن للسحر حقيقةً وتأثيرًا، فسأبين في هذا المبحث الطرق والوسائل لإبطال ذلك الأثر، وإزالة ذلك الضرر بإذن الله تعالى، وذلك من خلال النقاط الآتية:
١. السحر مهما عظم واشتد بأسه وخطره فهو باطل.
من خلال تتبع الآيات التي تتحدث عن السحر نجد أن الله تعالى يذكر فيها أن السحر باطل، وأن الساحر مهما بلغ من السحر فليس مفلحاً وعمله ليس موفّقاً، كذلك فالسحر من الفساد في الأرض، والله لا يحب الفساد ولا المفسدين، وما كان كذلك فهو باطل، والسحر أيضًا من أسلحة الطغاة، ومعلوم أن الطغاة وكيدهم إلى تباب وبوار.
ولو تأملنا في هذه النصوص لتبينت لنا هذه الحقيقة جلية واضحة:
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [يونس:٨١].
فيخبر موسى الطاغية فرعون ومن معه من السحرة بأن سحرهم باطل؛ لأنه من عمل المفسدين الذين لا يحبهم الله (ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ) [المائدة:٦٤].
ولا يتم عملهم، ولا يجعل لهم التمكين والغلبة في الأرض على عباده الموحدين، فأذهب الله سحرهم بما أيد به نبيه موسى عليه السلام من الآيات 50.
وقال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [يونس:٧٧].
قال الطبري رحمه الله: «قوله: (ﯶ ﯷ ﯸ)، يقول: ولا ينجح الساحرون ولا يبقون» 51.
وما دام أن الساحر لا ينجح فسحره أيضًا لا ينجح وهو -وإن حدث له تأثير بمشيئة الله- إلى زوال وبطلان، فالفلاح معلق بكل ما يحبه الله ويرضاه، وليس من قبيل ذلك السحر.
وفرعون حينما استخدم الكيد ضد موسى عليه السلام، كان من أعظم الكيد السحر الذي أراد أن يصادم به الحقيقة التي جاء بها موسى عليه السلام، وقد أخبر الله تعالى في القرآن الكريم بأن كيد فرعون في تباب، قال تعالى: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [غافر:٣٧].
«قال ابن عباس ومجاهد: يعني إلا في خسار»52، فكتب الله الخسارة والبطلان على كل الكيد الذي جاء به فرعون وجنده وأعوانه من السحرة.
٢. طرق إبطال السحر كما ورد في القرآن الكريم.
لقد ورد في القرآن الكريم عدة آيات تبين كيف يبطل السحر، وفيما يلي عرض لبعض تلك الآيات:
قال تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [طه:٦٩].
وقال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الشعراء:٤٥]
ففي هاتين الآيتين الكريمتين يبين الله تعالى أن المعجزات والآيات التي أيد بها رسله من أعظم ما يبطل السحر؛ لأن السحر عبارة عن كيد البشر وكذبهم، ممزوجاً بمكر وكيد شياطين الجن، ولا ثبات له أمام آيات الله العظيمة.
وقد يقول قائل: كان ذلك مع معجزات الأنبياء وتحديداً مع موسى، فكيف نبطل السحر الآن؟
والجواب: أننا نبطله بإذن الله تعالى بمعجزة نبينا الخالدة وهي القرآن الكريم، عن طريق ما يعرف في الشرع بالرقية الشرعية، التي ترتكز أساساً على القرآن الكريم، وقد جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك، إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا: هل معكم من دواء أو راق؟ فقالوا: إنكم لم تقرونا، ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلاً، فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن، ويجمع بزاقه ويتفل، فبرأ فأتوا بالشاء، فقالوا: لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه فضحك وقال: (وما أدراك أنها رقية، خذوها واضربوا لي بسهم)53.
فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الفاتحة -التي هي من القرآن وهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الخالدة- رقية، والرقية نافعة من ذوات السموم ومن المس والسحر والعين.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن سورة البقرة: (اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة). قال معاوية: بلغني أن البطلة: السحرة54.
فالقرآن الكريم معجزة باقية، يبطل الله به سحر الساحرين وكيدهم، كما أبطل الله تعالى سحر سحرة فرعون بالعصى معجزة موسى عليه السلام.
ومما يبطل به السحر بإذن الله تعالى: التوكل على الله وعدم الخوف من كيد الساحرين.
قال تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [طه:٦٨].
فالخوف باب من أبواب تسلط السحرة على الناس؛ لذلك قال تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأعراف:١١٦].
فالسحرة يستعينون بالخوف الذي في نفوس البشر للتأثير والسيطرة عليهم، ولكي نبطل على السحرة سحرهم لا بد أن نكون على ثقة تامة بالله تعالى، متمسكين به وحده، ولا نخاف أحداً سواه، ولا يتأتى لنا الأمان إلا بالتوحيد وصفاء العقيدة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الأنعام:٨٢].
كذلك مما يبطل به السحر اليقين بأن الله مبطل كيد الساحرين.
قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [يونس:٨١].
قال موسى ذلك متيقنًا بقدرة ربه تعالى، فاليقين الجازم بقدرة الله تعالى على إبطال السحر، من أعظم ما يبطل به السحر.
ولا شك أن هناك طرقًا لإبطال السحر، والتحصن منه، وردت في السنة وفي آثار السلف منها:
١. تمر العجوة.
فقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه بابًا سماه: (باب الدواء بالعجوة للسحر)55. ثم ساق تحته الحديث التالي: عن عامر بن سعد، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تصبح بسبع تمرات عجوة، لم يضره ذلك اليوم سم، ولا سحر) وقال غيره: (سبع تمرات)56.
٢. حل عقد السحر حين العثور عليه.
عن زيد بن أرقم، قال: ( سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك أياماً، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: إن رجلاً من اليهود سحرك عقد لك عقداً، فأرسل إليه رسول الله عليا ًرضي الله عنه، فاستخرجها فجاء بها فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال، فما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط )57.
إن الضرر والفساد المترتب على فعل السحر لا يكاد ينكره إلا مكابر، فكم فتك بالمجتمعات، وفكك من أسر، وفرق من شمل بعد الاجتماع، وكم أفسد من عقول، وأمرض من أبدان.
والله تعالى لا يحب الفساد في الأرض، ولا يحب المفسدين، وقد وضع الله أحكامًا صارمة للقضاء على فساد السحرة، نجد تلك الأحكام مبثوثة في القرآن والسنة.
وفي هذا المبحث سأتحدث عن جزاء السحرة كما ورد في القرآن الكريم.
أولًا: جزاء السحرة في الدنيا:
نفى الله عنهم الفلاح، وأثبت لهم اسم الفساد، ووصفهم بالمفترين، وهذا من أقبح الجزاء وأشنعه، وهم مستحقون له جزاء ما تعاطوه من سحر وكفر بالله تعالى.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [طه:٦٩].
وقال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [يونس:٨١].
وقال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [طه:٦١].
وفي هذه الآية أيضًا توعدهم الله تعالى بالهلاك والاستئصال في قوله: (ﯟ) أي يهلككم أو يستأصلكم58.
وأخبر الله تعالى أيضًا أنه سيبطل عمل الساحرين، وأنه سيجعلهم ينقلبون بالهزيمة والخسارة.
قال تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الأعراف:١١٨-١١٩].
كما أن جزاء الساحر في الدنيا القتل، وهو مذهب الجمهور59.
قال ابن قدامة: «وحد الساحر القتل، روي ذلك عن عمر، وعثمان بن عفان، وابن عمر، وحفصة، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز، وهو قول أبي حنيفة ومالك...عن بجالة قال: كنت كاتباً لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس، إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر، فقتلنا ثلاث سواحر في يوم، وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعاً، وقتلت حفصة جارية لها سحرتها، وقتل جندب بن كعب ساحراً كان يسحر بين يدي الوليد بن عقبة»60.
ثانيًا: جزاء الساحر في الآخرة:
أما عقوبة الساحر في الآخرة فهي مترتبة على عقوبته والحكم عليه في الدنيا.
فإن حكمنا عليه في الدنيا بالكفر والردة، فعقوبته يوم القيامة النار خالدًا فيها.
وإن لم نحكم عليه بالكفر والردة، فهو من المتوعدين بالعذاب إن مات ولم يتب -على خلاف في قبول توبته-، لكنه ليس من المخلدين في النار، ولو قتل في الدنيا حداً كان له ذلك كفارة يوم القيامة61.
بعد هذه المقدمة عن جزاء الساحر والحكم عليه، يحسن بنا أن نتناول هذه القضية بنوع من التفصيل، وذلك من خلال مسألتين:
المسالة الأولى: حكم الساحر.
اختلف الفقهاء في حكم الساحر، هل يكفر بفعله السحر أم لا، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو مذهب الجمهور (أبو حنيفة62، ومالك63، ورواية عن أحمد، وهو المعتمد عند الحنابلة64) أن الساحر كافر يجب قتله، ولا تقبل توبته.
قال ابن تيمية رحمه الله: «أكثر العلماء على أن الساحر كافر، يجب قتله، وقد ثبت قتل الساحر عن عمر ابن الخطاب، وعثمان ابن عفان، وحفصة بنت عمر، وعبد الله ابن عمر، وجندب ابن عبد الله، وروي ذلك مرفوعا عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم»65.
وقال أيضًا: «وقد يستدل على أن المفسد متى لم ينقطع شره إلا بقتله، فإنه يقتل، بما رواه عرفجة الأشجعي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتاكم وأمركم جمع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه) 66» 67.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: «الساحر جمع مع كفره السعي في الأرض بالفساد»68.
وقال ابن قدامة رحمه الله: «قال أصحابنا: ويكفر الساحر بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إباحته. وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يكفر، فإن حنبلًا روى عنه قال: قال عمي في العراف والكاهن والساحر: أرى أن يستتابوا من هذه الأفاعيل كلها، فإنه عندي في معنى المرتد، فإن تاب وراجع يعني يخلى سبيله، قلت له: يقتل؟ قال: لا، يحبس لعله يرجع، قلت له: لم لا تقتله؟ قال: إذا كان يصلي لعله يتوب ويرجع، وهذا يدل على أنه لم يكفره؛ لأنه لو كفره لقتله، وقوله في معنى المرتد، يعني في الاستتابة...وقال: قال علي رضي الله عنه: الساحر كافر، ويحتمل أن المدبرة تابت فسقط عنها القتل والكفر بتوبتها، ويحتمل أنها سحرتها بمعنى أنها ذهبت إلى ساحر سحر لها»69.
وقال أبو عبد الله المواق المالكي: «قول مالك وأصحابه أن الساحر كافر بالله تعالى، قال مالك: هو كالزنديق إذا عمل السحر بنفسه قتل، ولم يستتب»70.
القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد71 وإسحاق ابن راهويه72، أن الساحر يجب قتله، ولم يقطعا بكفره.
قال ابن قدامة: «وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يكفر، فإن حنبلاً روى عنه قال: قال عمي في العراف والكاهن والساحر: أرى أن يستتابا من هذه الأفاعيل كلها، فإنه عندي في معنى المرتد، فإن تاب وراجع يعني يخلى سبيله، قلت له: يقتل؟ قال: لا، يحبس لعله يرجع، قلت له: لم لا تقتله؟ قال: إذا كان يصلي لعله يتوب ويرجع، وهذا يدل على أنه لم يكفره؛ لأنه لو كفره لقتله»73.
وقال الماوردي مبيناً مذهب إسحاق وأحمد: «والثاني وهو مذهب أحمد ابن حبل74، وإسحاق ابن راهويه، أن الساحر يجب قتله، ولم يقطعا بكفره»75.
القول الثالث: مذهب الشافعي، وهو أن ما يفعله الساحر من السحر أنواع، فلا يكفر الساحر ولا يجب به قتله، إلا أن يكون ما يسحر به كفراً، فيصير باعتقاد الكفر كافراً، يجب قتله، بالكفر لا بالسحر76.
قال النووي مبيناً مذهب الشافعي: «عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع...وأنه قد يكون كفراً، وقد لا يكون كفراً، بل معصية كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر، وإلا فلا، وإذا لم يكن فيه ما يقتضي الكفر، عزر واستتيب منه، ولا يقتل عندنا، فإن تاب قبلت توبته»77.
أدلة الجمهور القائلين بكفر الساحر:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة:١٠٢].
ووجه الاستدلال في الآية:
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [طه:٦٩].
وجه الاستدلال من الآية: أن الآية نفت على وجه العموم جميع أنواع الفلاح عن الساحر، وأكد ذلك بالتعميم، ولا ينفى الفلاح العام عن أحد إلا إذا كان كافراً ولا خير فيه78.
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [البقرة:١٠٣]
ووجه الاستدلال من الآية: قول ابن كثير رحمه الله: «وقد استدل بقوله (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) ، من ذهب إلى تكفير الساحر، كما هو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل وطائفة من السلف»79.
وحينما ذكر السحر في مقابل الإيمان والتقوى، دل على كفر الساحر، كما قال الجصاص80.
أيضًا لا يقال للمؤمن المتقي: لو أنه آمن واتقى، وإنما يقال ذلك لمن كفر بالله، فدل ذلك على أن الساحر قد كفر بالله، كما قال حافظ حكمي81.
أدلة القول الثاني:
قال عمر ابن الخطاب: «اقتلوا كل ساحر»82
وجه الاستدلال: أن عمر أمر بقتل الساحر، ولا يدل القتل على الكفر.
أدلة القول الثالث:
ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها باعت مدبرة لها سحرتها83.
وجه الاستدلال: أن عائشة رضي الله عنها لم تحكم عليها بالكفر، مع إقرار الجارية بأنها قد سحرتها.
ومن خلال النظر والتأمل في أدلة الأقوال السابقة، فإن أدلة القول الأول قوية وصريحة وواضحة، في تكفير الساحر.
أما أدلة القول الثاني، فلا دلالة فيه على عدم كفر الساحر؛ لأن لفظ: اقتلوا، تفيد أن عقوبة الساحر القتل، ولا تنفي عدم كفره، فكفره ثابت في أدلة أخرى، بينتها في أدلة القول الأول.
وأما دليل القول الثالث، وهو حديث عائشة، فإنه قد خالفها فيه كثير من الصحابة، ويحتمل أن المدبرة قد تابت فسقط عنها حكم القتل والكفر84.
فأقوى الأقوال في هذه المسالة هو قول الجمهور، وهو القول بكفر الساحر، وذلك لقوة وصراحة ما استدلوا به من أدلة.
وممن رجح هذا القول ابن قدامة85 وشيخ الاسلام ابن تيمية86.
المسألة الثانية: عقوبة الساحر.
بعد أن تحدثت عن حكم الساحر، وبينت بأنه كافر، أنتقل هنا إلى الحديث عن عقوبته.
اختلف العلماء في عقوبة الساحر إلى قولين:
القول الأول: وهو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم، ولم يعلم عن الصحابة سواه، وهو قول الإمام ابي حنيفة مالك ورواية عن أحمد، وهو المعتمد عند الحنابلة، أنه إذا ثبتت جريمة السحر بحق إنسان بإقرار أو بيّنة، وجب قتله مطلقاً من غير استتابة، إلا أن يأتي تائباً قبل أن يقدر عليه.
نقل ابن قدامة عن جماعة من الصحابة قتل الساحر بدون استتابة87.
قال ابن عابدين: «قال أبو حنيفة: الساحر إذا أقر بسحره أو ثبت بالبينة يقتل ولا يستتاب منه»88.
وقال القرطبي: «ذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلام يكون كفراً يقتل ولا يستتاب ولا تقبل توبتاً، لأنه أمر يستسر به كالزنديق والزاني، ولأن الله تعالى سمى السحر كفرا بقوله: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ) «وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وإسحاق والشافعي»89.
القول الثاني: وهو مذهب الإمام الشافعي، ورواية عن أحمد، أن الساحر إذا عمل بسحره ما يبلغ الكفر وجب قتله كفراً، بعد الاستتابة، أما إذا لم يبلغ الكفر وقتل نفساً، قتل قصاصاً، وما سوى ذلك يعزر.
قال الشافعي في الأم: «والسحر اسم جامع لمعان مختلفة ،فيقال للساحر صف السحر الذي تسحر به ،فإن كان ما يسحر به كلام كفر صريح استتيب منه فإن تاب، وإلا قتل، وأخذ ماله فيئاً، وإن كان ما يسحر به كلاماً لا يكون كفراً وكان غير معروف، ولم يضر به أحداً نهي عنه فإن عاد عزر»90.
وكذلك قال ابن المنذر كما نقل عنه القرطبي، بأن الساحر إذا ثبت عنه أنه سحر بكلام يكون كفراً فإنه يجب قتله إذا لم يتب، إما إذا لم يبلغ سحره الكفر فلا يقتل91.
أدلة قول الجمهور:
استدل الجمهور بأدلة من الكتاب والسنة، منها:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [البقرة:١٠٢]
وجه الاستدلال: نفي الكفر عن سليمان عليه السلام في معرض اتهامه بالسحر، دليل على أن السحر كفر.
وحينما يحذر الملكان من أراد تعلم السحر، يعللان ذلك بأنه كفر ومن كفر بعد إسلامه فقد ارتد وعقوبة المرتد القتل؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (من بدل دينه اقتلوه)92.
قال عمر ابن الخطاب: «اقتلوا كل ساحر»93.
«عن يحيى بن أبي كثير، قال: إن غلاماً لعمر بن عبد العزيز أخذ ساحرة فألقاها في الماء فطفت، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: إن الله لم يأمرك أن تلقيها في الماء، فإن اعترفت فاقتلها»94.
ونقل ابن حزم قتل الساحر عن عمر بن الخطاب، وحفصة، وعبد الله ابن عمر، وعبيد الله ابنه، وعثمان، وقيس بن ربيعة95.
قال ابن قدامة بعد أن ذكر من قال من الصحابة بوجوب قتل الساحر: «وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعاً»96.
أدلة القول الثاني:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة)97.
وجه الاستدلال: أن النفس معصومة ما لم ترتكب أحد هذه الثلاثة الأمور.
ما ورد في الصحيحين من أن لبيد ابن الأعصم اليهودي سحر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقتله98.
روي عن عائشة رضي الله عنها أنها باعت مدبّرة لها سحرتها99.
وجه الاستدلال: «أنه لو وجب قتلها لما حل بيعها قاله ابن المنذر، وغيره»100.
تحرير محل النزاع:
اتفق الفقهاء على أن الساحر الذي بلغ بسحره الكفر يقتل مطلقًا، ويقتل أيضًا الساحر الذي لم يبلغ بسحره الكفر، لكن قتل بسحره نفسًا معصومة.
إنما حصل الخلاف في الساحر الذي لم يبلغ بسحره الكفر، ولم يقتل نفساً معصومة، فالجمهور كما تقدم، يقولون بقتله مطلقاً، ولو لم يكفر بسحره ؛ للأدلة الواردة، ولأن السحر الحقيقي لا يتأتى إلا بالتقرب إلى الشياطين، وعبادة الكواكب، ونحو ذلك.
وذلك عين الكفر، لذا كان حكمه القتل مطلقًا.
والشافعي ومن معه قالوا: لا يقتل، وإنما يعزر.
سبب الخلاف:
من خلال ما تقدم يظهر أن سبب الخلاف بين الجمهور وبين الشافعي ومن معه هو: هل السحر الحقيقي لا يتأتى إلا بالكفر، أم أن من السحر الحقيقي ما ليس بكفر؟
فالجمهور يرون أن السحر الحقيقي لا يتأتى إلا بالتقرب إلى الشياطين، وعبادة الكواكب ونحو ذلك، وذلك عين الكفر.
والشافعي ومن معه يرون أن من السحر الحقيقي ما يتأتى بدون الشرك والكفر، ولذا فصلوا فيه.
ومن خلال النظر في أدلة القولين: يظهر أن أدلة الجمهور أقوى دلالة في قتل الساحر الذي ثبت سحره، ولأن السحر الحقيقي لا يتحصل إلا بالتقرب إلى الشياطين، والشرك والكفر بالله العظيم، فيكون حد الساحر القتل مطلقًا.
وأما إن كان سحره من باب السحر المجازي، الذي يتأتى بالأدوية وبالكلام وخفة الحركة ونحو ذلك، فليس بكفر، بل معصية، حق صاحبها التعزير إذا لم يقتل نفسًا.
وأما قول المذهب الثاني: بأن السحر الحقيقي يتأتى بدون الشرك، ومحاولة «بعضهم من الجمع بين الأدلة المذكورة بحمل السحر على الذي يقتضي الكفر في قول من قال بالقتل، وحمله على الذي لا يقتضي الكفر في قول من قال بعدم القتل لا يصح ؛ لأن الآثار الواردة في قتله جاءت بقتل الساحر الذي سحره من نوع الشعوذة كساحر جندب الذي قتله، وليس ذلك مما يقتضي الكفر المخرج من ملة الإسلام، كما تقدم إيضاحه ؛ فالجمع غير ممكن»101.
أما ما استدل به أصحاب القول الثاني من حديث حرمة دم المرء المسلم إلا بإحدى ثلاث، فجماهير العلماء يرون بأن الساحر كافر، وعلى ذلك فهو حلال الدم، وعلى فرض أنه ليس بكافر، فإن هذا الدليل عام، وأدلة قتل الساحر خاصة، والخاص مقدم على العام.
وأما الاستدلال بقصة سحر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم يقتل لبيد، فقد أجيب عنه بما يلي:
الرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك قتل لبيد لكونه ليس بواجب، وإنما ترك قتله خشية أن تثار فتنة بين الناس، وهي أعظم من قتل رجل واحد، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس شراً )102، أو يكون في قتله تنفير عن الدخول في الإسلام103.
وأما الاستدلال بفعل عائشة رضي الله عنها، حينما أعتقت جارية لها سحرتها.
فيقال: لعل سحر تلك الأمة لم يكن فيه كفر، كأن يكون عن طريق الأدوية وما شابه ذلك، أو أنها لم تعمل بنفسها السحر وإنما عمل لها، أو أنها تابت فسقط عنها حكم القتل والكفر بتوبتها.
موضوعات ذات صلة: |
الباطل، الشر، الشرك، فرعون، موسى عليه السلام |
1 مقاييس اللغة ٣/١٣٨.
2 انظر: تهذيب اللغة ٤/١٦٩، مختار الصحاح، الرازي ص١٤٣..
3 الأم، الشافعي ١/٢٩٣.
4 جامع البيان، الطبري ٢/٤٤٦.
5 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٩٧.
6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٣٤٦-٣٤٧.
7 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٧٠-٢٧١.
8 انظر: المحكم والمحيط الأعظم ١/١٣٢.
9 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ١/٣٤٠.
10 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٣/٢٦٢، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١٥٨٥.
11 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٣٦/٨١.
12 النبوات ص١٣.
13 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٣٦/٨٢.
14 الصحاح ٤/١٤٠٢.
15 معالم السنن ٤/٢٢٩.
16 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٣.
17 انظر: الفروع، ابن مفلح ٦/١٦٨.
18 المراد بالطلسم في باب السحر: «خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع السفلية لجلب محبوب أو دفع أذى وهو لفظ يوناني لكل ما هو غامض مبهم كالألغاز والأحاجي».
انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٥٦٢.
19 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ١/٥٢٥.
20 فتح الباري، ابن حجر ١٠/٢٢٣.
21 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٤٤٧.
22 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٦٤.
23 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦١.
24 فتح القدير، الشوكاني ١/١٤١.
25 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٥٥.
26 انظر: التفسير القيم، ابن القيم ص ٦٣٤.
27 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٥/٢٨٣.
28 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٢/٨٩.
29 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٢/٨٩، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/١١.
30 فتح القدير، الشوكاني ٢/١١٦.
31 جامع البيان، الطبري ١٥/٢٥١.
32 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٣١٠.
33 جامع البيان، الطبري ٢١/٥٩١.
34 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٦٥.
35 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٧٥.
36 جامع البيان، الطبري ٢٢/٩٦.
37 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٨٠.
38 ومنهم من يقول بأن النبي الذي اتهموا ما جاءهم به من الوحي بالسحر، هو عيسى عليه السلام وليس محمدا صلى الله عليه وسلم، ذكر ذلك الشوكاني ورجحه.
انظر: فتح القدير، الشوكاني ٥/٢٦٣.
وفي كلا الحالين فالمقصود أنهم اتهموا الوحي المنزل والآيات بأنها من قبيل السحر.
39 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٦٦.
40 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٢/٣١٥.
41 انظر: معاني القراءات، الأزهري ١/٣٤٢.
42 حجة القراءات، ابن زنجلة ص ٣٢٧.
43 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: (إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا)، رقم ٢٧٦٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم ٨٩ .
44 انظر: الحجة للقراء السبعة، الفارسي.
45 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٦٥.
46 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١٩٧، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٢٩٠.
47 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: (إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا)، رقم ٢٧٦٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم ٨٩ .
48 فتح الباري ١٠/٢٢٥.
49 الكشف والبيان، الثعلبي ١/٢٤٤.
50 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/١٦٢.
51 المصدر السابق ١٥/١٥٦.
52 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٤٤.
53 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب الرقى بفاتحة الكتاب، ٧/١٣١، رقم ٥٧٣٦، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، ٤/١٧٢٧، رقم ٢٢٠١.
54 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، ١/٥٥٣، رقم ٨٠٤.
55 صحيح البخاري، كتاب الطب، ٧/١٣٨.
56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب الدواء بالعجوة للسحر، رقم ٥٧٦٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب فضل تمر المدينة، رقم ٢٠٤٧، واللفظ لمسلم.
57 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ٥/١٨٠، رقم ٥٠١٦.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٧٦١.
58 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٥/٢٨٠.
59 انظر: تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبدالله ص ٣٣٤.
60 المغني، ابن قدامة ٩/٣٠،٣١.
61 انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين ١/٤٩٠.
62 انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين ٤/٢٤٠، فتح القدير، ابن الهمام ٦/٩٩.
63 انظر: التاج والإكليل لمختصر خليل، العبدري ٨/٣٧١، بداية المجتهد، ابن رشد ٤/٢٤٢.
64 انظر: زاد المسير ١/٩٦.
65 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٩/٣٨٤.
66 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، رقم ١٨٥٢، ٣/١٤٧٩.
67 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٨/٣٤٦.
68 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٦٢٨.
69 المغني، ابن قدامة ٩/٢٩.
70 التاج والإكليل لمختصر خليل، العبدري ٨/٣٧١.
71 انظر: المغني، ابن قدامة ٩/٣٢.
72 انظر: الحاوي الكبير، الماوردي ١٣/١٦٥.
73 المغني، ابن قدامة ٩/٢٩.
74 الصواب أنها رواية عن أحمد.
75 الحاوي الكبير ١٣/١٦٥.
76 انظر: الأم، الشافعي ١/٢٩٣.
77 شرح النووي على صحيح مسلم ١٤/١٧٦.
78 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٣٩.
79 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٤٩.
80 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/٦٥.
81 انظر: معارج القبول بشرح سلم الوصول، حافظ حكمي ٢/٥٥٤.
82 أخرجه أحمد في مسنده، رقم١٦٥٧، ٢/٣٠٢.
83 أخرجه الحكام في المستدرك، كتاب الطيب، رقم٧٥١٦.
وصححه الألباني في الإرواء، رقم ١٧٥٧.
84 انظر: المغني، ابن قدامة ٩/٣٠.
85 انظر: المصدر السابق ٩/٣٥.
86 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٩/٣٨٤.
87 انظر: المغني، ابن قدامة ٩/٣٠.
88 الدر المختار وحاشية ابن عابدين٤/٢٤٠.
89 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٤٧.
90 الأم، الشافعي ١/٢٩٣.
91 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٤٨.
92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله، ٤/٦١، رقم ٣٠١٧.
93 أخرجه أحمد في مسنده، رقم١٦٥٧، ٢/٣٠٢.
94 انظر: المحلى بالآثار ١٢/٤١١.
95 انظر: المصدر السابق.
96 المغني، ابن قدامة ٩/٣١.
97 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: (أنّ النّفس بالنّفس)، رقم ٦٨٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب ما يباح به دم المسلم، رقم ١٦٧٦.
98 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب السحر، رقم٥٧٦٣، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب السحر، رقم ٢١٨٩، عن عائشة رضي الله عنها.
99 أخرجه الحكام في المستدرك، كتاب الطيب، رقم٧٥١٦.
وصححه الألباني في الإرواء، رقم ١٧٥٧.
100 أضواء البيان ٤/٥٥.
101 المصدر السابق.
102 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: (أنّ النّفس بالنّفس)، رقم ٦٨٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب ما يباح به دم المسلم، رقم ١٦٧٦.
103 انظر: فتح الباري، ابن حجر ١٠/٢٣١.