عناصر الموضوع

مفهوم السّحر

السحر في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

حقيقة السّحر

تأثير السّحر

وصف الحق بالسّحر

حكم السّحر

إبطال السّحر

جزاء السّحرة

السّحر

مفهوم السّحر

أولًا: المعنى اللغوي:

قال ابن فارس: «السّين والحاء والرّاء أصولٌ ثلاثةٌ متباينةٌ: أحدها عضوٌ من الأعضاء، والآخر خدعٌ وشبهه، والثّالث وقتٌ من الأوقات»1.

والسحر: «الأخذة التي تأخذ العين حتى تظن أن الأمر كما ترى وليس الأصل على ما ترى»2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

تعددت تعاريف السحر لدى العلماء، بسبب كثرة أنواعه المختلفة، قال الشافعي: «والسحر اسم جامع لمعان مختلفة»3، فكل عالم يعرف نوعاً من أنواع السحر دون غيره، فمنهم من يعرف سحر التخييل فقط، ومنهم من يعرف سحر التفريق فقط، وهكذا.

وقال الطبري: «معنى السحر: تخييل الشيء إلى المرء بخلاف ما هو به في عينه وحقيقته»4.

وعرفه البيضاوي بأنه: «ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما لا يستقل به الإنسان، وذلك لا يستتب إلا لمن يناسبه في الشرارة وخبث النفس»5.

السحر في الاستعمال القرآني

ورد الجذر (س ح ر) في القرآن الكريم (٦٣) مرة، وما يخص موضوع (السحر) (٦٠) مرة 6.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١

( ) [الأعراف:١١٦]

الفعل المضارع

٢

( ) [الأعراف:١٣٢]

مصدر سماعي

٢٨

( ) [يونس:٨١]

اسم الفاعل

٢٢

( ) [ص:٤]

اسم المفعول

٦

( ﯿ ) [الإسراء:٤٧]

صيغة المبالغة

١

( ﯿ ) [الشعراء:٣٧]

وجاء السحر في القرآن على أربعة أوجه7:

الأول: السحر المعروف الذي يأخذ بالعين والقلب ، ومنه قوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ) [البقرة:١٠٢].

الثاني: الكذب، ومنه قوله تعالى: (ﯧ ﯨ ) [الأعراف:١١٦] يعني: بكذب.

الثالث: الجنون، ومنه قوله تعالى: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الإسراء:٤٧] يعني: مجنونًا.

الرابع: الصرف، ومنه قوله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [المؤمنون:٨٩] يعني: تصرفون عن الحق.

الألفاظ ذات الصلة

الخداع:

الخداع لغة:

هو إظهار خلاف ما يخفيه الشخص8.

الخداع اصطلاحًا:

لا يخرج عن معناه اللغوي، قال ابن القيم: «والمخادعة: هي الاحتيال والمراوغة بإظهار الخير مع إبطان خلافه، ليحصل مقصود المخادع»9.

الصلة بين الخداع والسحر:

يتفق الخداع مع السحر في قضية إخفاء الحقيقة وإظهار خلافها، لكنه يختلف مع السحر من حيث الحكم والوسيلة، فحكم السحر كفر عند جمهور أهل العلم، بينما حكم الخداع يختلف باختلاف أهدافه، فقد يكون حراماً وقد يكون حلالاً.

الكهانة:

الكهانة لغة:

كهن له كمنع ونصر وكرم كهانة بالفتح، وتكهن تكهنًا: قضى له بالغيب؛ والكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار. والعرب تسمي كل من يتعاطى علمًا دقيقًا كاهنًا، ومنهم من كان يسمي المنجم، والطبيب، كاهنًا10.

الكهانة اصطلاحًا:

ادعاء علم الغيب11.

وقال ابن تيمية: الإخبار ببعض الغائبات عن الجن12.

الصلة بين الكهانة والسحر:

من خلال ما سبق يتبين لنا أن هناك فرقاً بين السحر وبين الكهانة من حيث التعريف، ومن حيث الوسيلة، فالكاهن من يدعي علم الغيب متوسلاٍ بالجن أو ببعض ما يزعم أنها استدلالات تعينه على معرفة علم الغيب، بينما الساحر يعتمد اعتماداً كليًّا على الجن والشياطين فيما يدعيه من علم الغيب13.

ومن حيث الحكم نجد بأن السحر والكهانة كلٌ منهما محرم شرعًا، وما جاء من أدلة في تحريم السحر، تصلح أيضًافي باب حكم الكهانة.

العرافة:

العراف لغة:

قال الجوهري: «والعراف الكاهن والطبيب»14.

العراف اصطلاحًا:

قال الخطابي: «هو الذي يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها»15.

وقيل عنه أيضًا: أنه من يدعي علم الغيب، وربما شمل الكاهن والمنجم والرمال16.

الصلة بين العرافة والسحر:

بينهما تقارب ظاهر بيّنٌ، فالعرافة من حيث ارتباطها بالجن لا تختلف عن السحر، فكلٌ من العرّاف والساحر لا يستغنيان عن الجن والشياطين في أعمالهما الكفرية.

ومن حيث الحكم فالعرافة محرمة كما السحر، وعقوبة العراف القتل مثل الساحر17.

حقيقة السّحر

السحر كلمة تكررت في كل العصور، واستخدمتها كل الأمم، بطرق ووسائل مختلفة، ونسجوا لها القصص والخيالات، ووقف الجميع أمام مسألة السحر، فمن منبهر مصدق معظّم، ومن جاحد مكذب، ومن مصدق لحقيقة السحر، مع اعتقاده بتوقف أثره على مشيئة الله.

وفي هذا المبحث سأناقش مسألة حقيقة السحر، وهل له حقيقة؟ أم أن المسالة لا تعدو أن تكون ضرباً من التمويه والتخييل ليس إلا؟

قال أبو حيان: «واختلف في حقيقة السحر على أقوال:

الأول: أنه قلب الأعيان واختراعها وتغيير صور الناس مما يشبه المعجزات والكرامات، كالطيران وقطع المسافات في ليلة.

الثاني: أنه خدع ومخاريق وتمويهات وشعوذة لا حقيقة لها...

الثالث: أنه أمر يأخذ بالعين على جهة الحيلة...

الرابع: أنه نوع من خدمة الجن، وهم الذين استخرجوه من جنس لطيف أجسامهم وهيئاتها، فلطف ودق وخفي.

الخامس: أنه مركب من أجسام تجمع وتحرق، وتتخذ منها أرمدة ومداد، ويتلى عليها أسماء وعزائم، ثم تستعمل فيما يحتاج إليها من السحر.

السادس: أن أصله طلسمات18..، تبنى على تأثير خصائص الكواكب...

قال بعض معاصرينا: هذه الأقوال كلها التي قالوها في حقيقة السحر أنواع من أنواع السحر، وقد ضم إليها أنواع أخر»19.

الخلاف في هذا المسألة بين جمهور العلماء من جهة، وبين المعتزلة وبعض أهل السنة من جهة أخرى.

فبينما يذهب جماهير العلماء إلى القول بأن للسحر حقيقة، مستدلين بما يلي:

قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة:١٠٢].

وقال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:١٠٢].

وقال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [الأعراف:١١٦].

وقال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الفلق:٤].

فقد ذكر الله تعالى في الآية الأولى نتيجة هذا السحر وهو التفريق بين الزوجين، ولو لم يكن للسحر حقيقة لما أثر على العلاقة التي تكون بين الزوجين، وهي من أعظم العلاقات.

والآية الثانية بينت أن للسحر حقيقة وأثراً، إلا أن هذا الأثر متوقف على المشيئة، فلو لم يكن ثم حقيقة وأثر لما كان لذكر المشيئة هنا أي فائدة.

وفي الآية الثالثة يخبر تعالى أنهم أتوا بسحر ، وفي هذا دليل على أن للسحر حقيقة.

وفي الآية الأخيرة يأمرنا الله تعالى أن نستعيذ به من شر السحر، ولو لم يكن للسحر حقيقة ولا أثر لما أمرنا الله تعالى أن نستعيذ به من شره.

يذهب المعتزلة إلى القول بأن السحر لا حقيقة له ، وإنما هو من قبيل الخداع والشعوذة والتمويه.

واستدلوا بما يلي:

قال تعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [الأعراف:١١٦].

وقالوا بأن القضية كانت مجرد تخييل فقط ولا حقيقة لها في الواقع، بدليل قوله تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ) [طه:٦٦].

واستدلوا بقوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) [طه:٦٩].

وقالوا مادام أنه نفى عنه الفلاح، فهذا يعني أنه ليس على حق، أو لا حقيقة لما معه من السحر.

لكن يقال لهم نفي الفلاح لا يدل على نفي الحقيقة، فنفي الفلاح إنما هو عقوبة وجزاء على هذا الفعل الشنيع.

وقالوا: لو سلمنا بحقيقة السحر لحدث التباس بينه وبين معجزات الأنبياء، فعاد ذلك على المعجزات بالإبطال.

وهذا غير صحيح ؛ فإن هناك فرقًا كبيرًا بين معجزات الأنبياء وبين سحر الساحرين.

معجزات الأنبياء سببها النبوة ، وأما ما يجري على يد السحرة فسببه الجن والشياطين الذين يستعين بهم الساحر.

كذلك معجزات الأنبياء غير معارضة، ولا يقدر أحد على المجيء بمثلها، بينما سحر السحرة غير سالم من المعارضة.

كذلك معجزات الأنبياء هي تأييد من الله تعالى لهم لهداية البشر، أما السحر فهو إضلال للبشر، وإبعاد لهم عن الله تعالى.

والذي يظهر في هذه المسالة : أن السحر له حقيقة وتأثير، لكن ذلك التأثير متوقف على قدر الله، كما قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:١٠٢].

لكن لا يعني هذا أنه لا يوجد من أنواع السحر ما هو تخييل وخفة يد وما شابه ذلك.

قال ابن حجر: «وقال القرطبي السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب ، غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس ، ومادته الوقوف على خواص الأشياء والعلم بوجوه تركيبها وأوقاته وأكثرها تخييلات بغير حقيقة، وإيهامات بغير ثبوت، فيعظم عند من لا يعرف ذلك، كما قال الله تعالى عن سحرة فرعون: (ﯦ ﯧ ﯨ) [الأعراف:١١٦].

مع أن حبالهم وعصيهم لم تخرج عن كونها حبالاً وعصياً، ثم قال: والحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرًا في القلوب كالحب والبغض وإلقاء الخير والشر، وفي الأبدان بالألم والسقم»20.

تأثير السّحر

السحر وتأثيره على الأعيان، وحقيقة ذلك التأثير، ونطاق ذلك التأثير، من المسائل التي تثار في باب الحديث عن السحر.

فهل للسحر تأثير؟

وما حدود ذلك التأثير؟

وهل تأثيره مستقل بذاته أم مرتبط بالمشيئة؟

في هذا المبحث سأجيب على كل تلك التساؤلات.

أما هل للسحر تأثير؟

فنجد الجواب عنه فيما يلي:

قال تعالى: ( ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة:١٠٢].

فالآية الكريمة تذكر لنا أثراً من آثار هذا السحر، وهو أنه يؤثر في صرف القلوب المتحابة عن بعضها البعض، فبعد الحب بغض، وبعد القرب والتآلف بعد وتنافر، بل قد يصل الحال بالزوجين إلى الطلاق21.

ويكون ذلك التأثير من خلال«ما يخيل إلى الرجل أو المرأة من الآخر من سوء منظر، أو خلق أو نحو ذلك، أو عقد أو بغضة، أو نحو ذلك من الأسباب المقتضية للفرقة»22.

وذكر في الآية التفريق بين الزوجين، ليدلل على أنه ما دام السحر أثر على الزوجين «مع أن محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما ؛ لأن الله قال في حقهما: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [الروم:٢١]»23، فمن باب أولى أن يؤثر على غيرهما.

قال الشوكاني رحمه الله: «في إسناد التفريق إلى السحرة، وجعل السحر سبباً لذلك دليل على أن للسحر تأثيراً في القلوب بالحب والبغض، والجمع والفرقة، والقرب والبعد.

وقد ذهبت طائفة من العلماء إلى أن الساحر لا يقدر على أكثر مما أخبر الله به من التفرقة؛ لأن الله ذكر ذلك في معرض الذم للسحر، وبين ما هو الغاية في تعليمه، فلو كان يقدر على أكثر من ذلك لذكره.

وقالت طائفة أخرى: إن ذلك خرج مخرج الأغلب، وأن الساحر يقدر على غير ذلك المنصوص عليه ، وقيل: ليس للسحر تأثير في نفسه أصلاً، لقوله تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:١٠٢].

والحق أنه لا تنافي بين قوله: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [البقرة:١٠٢] وبين قوله: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:١٠٢].

فإن المستفاد من جميع ذلك أن للسحر تأثيراً في نفسه، ولكنه لا يؤثر ضرراً إلا فيمن أذن الله بتأثيره فيه.

وقد أجمع أهل العلم على أن له تأثيراً في نفسه وحقيقة ثابتة، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة وأبو حنيفة»24.

وقال القرطبي رحمه الله أيضًامبيناً أن للسحر تأثيرًا في القلوب وتفريقًا بين المتحابين: «ولا ينكر أن السحر له تأثير في القلوب، بالحب والبغض، وبإلقاء الشرور حتى يفرق الساحر بين المرء وزوجه، ويحول بين المرء وقلبه، وذلك بإدخال الآلام وعظيم الأسقام، وكل ذلك مدرك بالمشاهدة وإنكاره معاندة»25.

واستدل ابن قيم الجوزية بقوله تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الفلق:٤] على إثبات تأثير السحر26.

إذن فمسألة تأثير السحر مفروغ منها، وأنها ثابتة وأمر مجمع عليه، وإنما حدث خلاف في حدود ذلك التأثير، وقد بين الشوكاني والقرطبي فيما سبق هذه المسألة بما لا يحتاج إلى مزيد تفصيل.

أيضًا فإننا نجد فيما سبق من كلام الشوكاني رحمه الله إجابة لبقية التساؤلات وهي:

حدود تأثير السحر، وعلاقته بالمشيئة:

فتأثير السحر عام لا يختص بالزوجين فقط، كما أن هذا التأثير خاضع لمشيئة الله تعالى، وليس مستقلاً بذاته، قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [البقرة:١٠٢].

ومما يدل أيضًا على تأثير السحر قوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [طه:٦٦-٦٨].

فيذكر الله تعالى هنا أن السحر أثر في العيون، بل وصل الأمر إلى أن خاف موسى عليه السلام، على خلاف في السبب الذي خاف من أجله موسى، أهو خوف طبيعي على نفسه، أم خاف أن يلتبس الأمر على القوم فينصرفوا عن اتباعه27.

وصف الحق بالسّحر

الحق في كل العصور يتعرض لحملات تشويه من قبل أهل الباطل، ومن خلال مطالعتنا لكتاب الله تعالى نجد بأن الكفار قد ألصقوا بالحق كل نقيصة وعيب.

وليتضح هذا الأمر، سأتناول هذه القضية من خلال النقاط الآتية:

أولًا: وصف الكتب المنزلة بالسّحر:

وكما وصف المشركون رسلهم بالسحرة، كذلك فقد وصفوا ما أنزل عليهم من الكتب بالسحر، والغاية هنا هي الغاية هناك، وهي التنفير عن الوحي والرسل، والصد عن سبيل الله، والكذب على الجماهير التي تبحث عن الحق وتطلبه.

وسأذكر هنا نماذج دالة على وصف الكفار للكتب المنزلة بالسحر، فمن ذلك:

قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الأنعام:٧].

فيخبر الله تعالى أن الكفار الذين كتب الله عليهم الشقاء في الدنيا، والعذاب والنكال في الآخرة، مهما بذل معهم الرسول من الوسائل والحجج، فسيقابلونها بالتكذيب وينسبونها إلى السحر28، ولذلك ذكر الله تعالى أن المشركين لو عاينوا تنزيل الكتاب ولمسوه بأيديهم؛ ليتحققوا من أنه ليس بسحر يخدع العيون29، لما قابلوا ذلك إلا بقولهم: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الأنعام:٧].

والله يخبر عنهم هنا أنهم سيقولون ذلك جازمين به غير شاكين فيه، فمن يهدي من أضل الله؟!

قال الشوكاني رحمه الله عند تفسير الآية السابقة: «في هذه الجملة بيان شدة صلابتهم في الكفر، وأنهم لا يؤمنون ولو أنزل الله على رسوله كتابًا مكتوبًا في قرطاس بمرأى منهم ومشاهدة فلمسوه بأيديهم، حتى يجتمع لهم إدراك الحاستين: حاسة البصر، وحاسة اللمس، لقال الذين كفروا منهم: إن هذا إلا سحر مبين، ولم يعملوا بما شاهدوا ولمسوا»30.

قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [هود:٧].

يذكر تعالى أن أهل الكفر حينما يسمعون آيات الله تخبرهم بأنهم مبعوثون بعد الموت، فإنهم يسارعون إلى اتهام هذا الوحي المنزل بأنه من قبيل السحر، وليس أي سحر، بل سحر بيّن غاية البيان وواضح غاية الوضوح.

قال الطبري رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: ( ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [هود:٧]: «أي: ما هذا الذي تتلوه علينا مما تقول، إلا سحر لسامعه، مبين لسامعه عن حقيقته أنه سحر»31.

قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [سبأ:٤٣].

وما زال أهل الشرك والتنديد يتخبطون في غيهم وضلالهم، فمرة يتهمون المرسل ومرة يتهمون الرسول، ومرة يتهمون الوحي، وفي هذه الآية الكريمة يتهمون الرسول بأنه صاد عن دين الآباء والأجداد، ثم نراهم مرة أخرى يتهمون الوحي المنزل بأنه إفك افتراه الرسول، وفي آخر المطاف، حينما رأوا بأن الحق يظهر والناس يدخلون في دين الله أفواجاً، نجدهم يتهمون الوحي بأنه سحر واضح بيّن، وربما اقتسموا هذه التهم فيما بينهم، فمنهم من يقول إفك ومنهم من يقول سحر، وهكذا32.

قال تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الزخرف:٣٠].

حينما أتى الحق الذي لا مرية فيه ولا شك، لم يكن أمام المشركين والمكذبين إلا طريقان اثنان لا ثالث لهما:


1 مقاييس اللغة ٣/١٣٨.

2 انظر: تهذيب اللغة ٤/١٦٩، مختار الصحاح، الرازي ص١٤٣..

3 الأم، الشافعي ١/٢٩٣.

4 جامع البيان، الطبري ٢/٤٤٦.

5 أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٩٧.

6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٣٤٦-٣٤٧.

7 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٧٠-٢٧١.

8 انظر: المحكم والمحيط الأعظم ١/١٣٢.

9 إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ١/٣٤٠.

10 انظر: لسان العرب، ابن منظور، ١٣/٢٦٢، القاموس المحيط، الفيروزآبادي ص١٥٨٥.

11 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٣٦/٨١.

12 النبوات ص١٣.

13 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٣٦/٨٢.

14 الصحاح ٤/١٤٠٢.

15 معالم السنن ٤/٢٢٩.

16 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/٣.

17 انظر: الفروع، ابن مفلح ٦/١٦٨.

18 المراد بالطلسم في باب السحر: «خطوط وأعداد يزعم كاتبها أنه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية بالطبائع السفلية لجلب محبوب أو دفع أذى وهو لفظ يوناني لكل ما هو غامض مبهم كالألغاز والأحاجي».

انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٥٦٢.

19 البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي ١/٥٢٥.

20 فتح الباري، ابن حجر ١٠/٢٢٣.

21 انظر: جامع البيان، الطبري ٢/٤٤٧.

22 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٦٤.

23 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٦١.

24 فتح القدير، الشوكاني ١/١٤١.

25 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٥٥.

26 انظر: التفسير القيم، ابن القيم ص ٦٣٤.

27 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٥/٢٨٣.

28 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٢/٨٩.

29 انظر: تفسير القرآن، السمعاني ٢/٨٩، زاد المسير، ابن الجوزي ٢/١١.

30 فتح القدير، الشوكاني ٢/١١٦.

31 جامع البيان، الطبري ١٥/٢٥١.

32 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٣١٠.

33 جامع البيان، الطبري ٢١/٥٩١.

34 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٦٥.

35 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٧٥.

36 جامع البيان، الطبري ٢٢/٩٦.

37 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٧٨٠.

38 ومنهم من يقول بأن النبي الذي اتهموا ما جاءهم به من الوحي بالسحر، هو عيسى عليه السلام وليس محمدا صلى الله عليه وسلم، ذكر ذلك الشوكاني ورجحه.

انظر: فتح القدير، الشوكاني ٥/٢٦٣.

وفي كلا الحالين فالمقصود أنهم اتهموا الوحي المنزل والآيات بأنها من قبيل السحر.

39 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٦٦.

40 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٢/٣١٥.

41 انظر: معاني القراءات، الأزهري ١/٣٤٢.

42 حجة القراءات، ابن زنجلة ص ٣٢٧.

43 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: (إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا)، رقم ٢٧٦٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم ٨٩ .

44 انظر: الحجة للقراء السبعة، الفارسي.

45 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٦٥.

46 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١٩٧، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٩/٢٩٠.

47 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: (إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا)، رقم ٢٧٦٦، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها، رقم ٨٩ .

48 فتح الباري ١٠/٢٢٥.

49 الكشف والبيان، الثعلبي ١/٢٤٤.

50 انظر: جامع البيان، الطبري ١٥/١٦٢.

51 المصدر السابق ١٥/١٥٦.

52 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٤٤.

53 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب الرقى بفاتحة الكتاب، ٧/١٣١، رقم ٥٧٣٦، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار، ٤/١٧٢٧، رقم ٢٢٠١.

54 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، ١/٥٥٣، رقم ٨٠٤.

55 صحيح البخاري، كتاب الطب، ٧/١٣٨.

56 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب الدواء بالعجوة للسحر، رقم ٥٧٦٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب فضل تمر المدينة، رقم ٢٠٤٧، واللفظ لمسلم.

57 أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ٥/١٨٠، رقم ٥٠١٦.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم ٢٧٦١.

58 انظر: معالم التنزيل، البغوي ٥/٢٨٠.

59 انظر: تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبدالله ص ٣٣٤.

60 المغني، ابن قدامة ٩/٣٠،٣١.

61 انظر: القول المفيد على كتاب التوحيد، ابن عثيمين ١/٤٩٠.

62 انظر: الدر المختار وحاشية ابن عابدين ٤/٢٤٠، فتح القدير، ابن الهمام ٦/٩٩.

63 انظر: التاج والإكليل لمختصر خليل، العبدري ٨/٣٧١، بداية المجتهد، ابن رشد ٤/٢٤٢.

64 انظر: زاد المسير ١/٩٦.

65 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٩/٣٨٤.

66 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، رقم ١٨٥٢، ٣/١٤٧٩.

67 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٨/٣٤٦.

68 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٣/٦٢٨.

69 المغني، ابن قدامة ٩/٢٩.

70 التاج والإكليل لمختصر خليل، العبدري ٨/٣٧١.

71 انظر: المغني، ابن قدامة ٩/٣٢.

72 انظر: الحاوي الكبير، الماوردي ١٣/١٦٥.

73 المغني، ابن قدامة ٩/٢٩.

74 الصواب أنها رواية عن أحمد.

75 الحاوي الكبير ١٣/١٦٥.

76 انظر: الأم، الشافعي ١/٢٩٣.

77 شرح النووي على صحيح مسلم ١٤/١٧٦.

78 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٣٩.

79 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٢٤٩.

80 انظر: أحكام القرآن، الجصاص ١/٦٥.

81 انظر: معارج القبول بشرح سلم الوصول، حافظ حكمي ٢/٥٥٤.

82 أخرجه أحمد في مسنده، رقم١٦٥٧، ٢/٣٠٢.

83 أخرجه الحكام في المستدرك، كتاب الطيب، رقم٧٥١٦.

وصححه الألباني في الإرواء، رقم ١٧٥٧.

84 انظر: المغني، ابن قدامة ٩/٣٠.

85 انظر: المصدر السابق ٩/٣٥.

86 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٩/٣٨٤.

87 انظر: المغني، ابن قدامة ٩/٣٠.

88 الدر المختار وحاشية ابن عابدين٤/٢٤٠.

89 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٤٧.

90 الأم، الشافعي ١/٢٩٣.

91 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٤٨.

92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله، ٤/٦١، رقم ٣٠١٧.

93 أخرجه أحمد في مسنده، رقم١٦٥٧، ٢/٣٠٢.

94 انظر: المحلى بالآثار ١٢/٤١١.

95 انظر: المصدر السابق.

96 المغني، ابن قدامة ٩/٣١.

97 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: (أنّ النّفس بالنّفس)، رقم ٦٨٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب ما يباح به دم المسلم، رقم ١٦٧٦.

98 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب السحر، رقم٥٧٦٣، ومسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب السحر، رقم ٢١٨٩، عن عائشة رضي الله عنها.

99 أخرجه الحكام في المستدرك، كتاب الطيب، رقم٧٥١٦.

وصححه الألباني في الإرواء، رقم ١٧٥٧.

100 أضواء البيان ٤/٥٥.

101 المصدر السابق.

102 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: (أنّ النّفس بالنّفس)، رقم ٦٨٧٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الأيمان، باب ما يباح به دم المسلم، رقم ١٦٧٦.

103 انظر: فتح الباري، ابن حجر ١٠/٢٣١.