زكريا عليه السلام
أولًا: اسمه ونسبه:
هو نبي الله زكريا، أبو نبي الله يحيى عليهما السلام، من بني إسرائيل، وينتسب لنبي الله يعقوب عليه السلام كما يفهم من قوله تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [مريم:٦].
وقوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) [الأنعام: ٨٤ - ٨٥]
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق أنه من ذرية سليمان بن داود عليهما السلام1.
وفي كتاب البدء والتاريخ: أنه من ولد داود وكان يعمل نجاراً وكانت تحته أخت مريم بنت عمران أم عيسى وكان يحيى وعيسى ابني خالة، وكفل زكريا مريم2.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: (كان زكريّا نجَّارًا) 3.
ثانيًا: زمانه عليه السلام:
عاش نبي الله زكريا عليه السلام قبل ميلاد عيسى عليه السلام، حيث عاصر ميلاد مريم وكفلها، واستجاب الله دعاءه ورزقه بيحيى عليهما السلام.
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [آل عمران: ٣٧].
ثالثًا: قرابته لمريم وعيسى عليهما السلام:
قيل: هو زوج أخت مريم عليها السلام.
وقيل: زوج خالتها.
قال ابن كثير: «وإنّما المحفوظ في بعض ألفاظ الصّحيح في حديث الإسراء: (فمررت بابني الخالة يحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة)4. فجاء على قول الجمهور، كما هو ظاهر الحديث، فإنّ أمّ يحيى أشياع بنت عمران أخت مريم بنت عمران.
وقيل: بل أشياع وهي امرأة زكريّا أمّ يحيى هي أخت حنّة امرأة عمران أمّ مريم، فيكون يحيى ابن خالة مريم، فاللّه أعلم»5.
رابعًا: وفاته عليه السلام:
قتل عليه السلام بتحريضٍ من قتلة يحيى عليه السلام6، وقتل اليهود للأنبياء من أشنع ما ارتكبوه من جرائم.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [آل عمران: ١١٢].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [آل عمران: ١٨١].
ذكر زكريا عليه السلام في القرآن الكريم
ورد ذكر زكريا عليه السلام في القرآن الكريم (٧) مرات، في (٤) سورة.
وأما قصته عليه السلام فقد وردت في السور الآتية:
السورة |
الآيات |
آل عمران |
٣٧-٤١ |
مريم |
٧-١١ |
الأنبياء |
٨٩-٩٠ |
كفالة زكريا لمريم عليهما السلام
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) [آل عمران: ٣٧].
تبدأ قصة زكريا عليه السلام كما في سورة آل عمران وهي سورة مدنية نزل صدرها بمناسبة قدوم وفد من نصارى نجران، وحوارهم مع النبي صلى الله عليه وسلم الذي دار محوره حول المسيح عليه السلام، ويبدأ الحديث عن زكريا بهذا العمل العظيم الذي حرص على القيام به ووفق إليه، كفالة اليتيمة مريم، تلك الطفلة التي تقبلها المولى عز وجل وأنبتها نباتاً حسناً، فكان كفالته لها نعمة من الله ورحمة.
أولًا: كيف تمت تلك الكفالة؟
تم هذا الأمر بتوفيق من الله عز وجل بعد أن تنافسوا وتنازعوا على كفالة مريم، كلٌّ يرجو لنفسه أن ينال هذا الشرف، فمريم بنت إمامهم ومعلمهم عمران عليه السلام الرجل الصالح الذي مات دون أن تكتحل عيناه برؤيتها، وحرصا على هذا الشرف ووفاء لمعلمهم وإمامهم كان تنافسهم وتسابقهم على كفالتها، ولما لم تجتمع لهم كلمة ولم يتفق لهم رأي وطال جدالهم حول من يستأثر بهذه المكرمة: اتفقوا على أن يقترعوا فيما بينهم. قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ).
قال ابن عبّاسٍ: اقترعوا فجرت الأقلام مع الجرية وعال قلم زكريّا الجرية فكفلها زكريّا7.
قال ابن حجر : ((وعال قلم زكريا) أي: ارتفع على الماء وفي إحدى الروايات وعلا، و(الجرية) بكسر الجيم والمعنى: أنهم اقترعوا على كفالة مريم أيهم يكفلها فأخرج كل واحد منهم قلما وألقوها كلها في الماء فجرت أقلامهم الجميع مع الجرية إلى أسفل وارتفع قلم زكريا فأخذها)8.
وفاز زكريا عليه السلام بالقرعة وتولى كفالة مريم رضي الله عنها.
قرئ: (وَكَفَلَهَا)، بالفاء المفتوحة المخففة على إسناد الفعل إلى زكريا عليه السلام: إخبار من الله بأنه هو الذي تولى كفالتها، بدليل قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ).
وقرئ بالتشديد (ﯷ) أي: جعل الله زكريا لها كافلًا.
والقراءتان صحيحتان، لا تعارض بينهما في المعنى، فالمولى عز وجل قد أكرم مريم رضي الله عنها بأن جعل زكريا لها كافلا، ولقد توجه زكريا وقصد كفالة مريم تقربًا إلى الله عز وجل ووفاءً وعرفانًا وبرًّا وإحسانًا، وزكريا عليه السلام وإن كان قد أقبل على كفالتها، وأصاب سهمه فإن الذي هداه إلى ذلك ووفقه ويسّر له ذلك الأمر هو الله عز وجل9.
كرامة لمريم عليها السلام:
قال تعالى: (ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ) [آل عمران: ٣٧].
قام نبي الله زكريا عليه السلام بكفالة مريم، وجعل مقامها في بيت المقدس، في موضعٍ تخلو فيه للعبادة وهو المحراب.
ولابد أن هذا المكان بمعزل عن الاختلاط بالرجال والظهور لهم، فهو خلوة لمريم تتعبّد لربها بصفاء ذهن وإقبال قلب.
(ﯿ ﰀ ﰁ) لم يحمله إليها، ولا هو مما يعهد في هذا الوقت من الزمن، وهو يعلم أنه لا يدخل عليها غيره؛ فهو القائم على كفالتها، حتى أثار ذلك الأمر دهشته وعجبه.
قال ابن كثير: «قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة وغيرهم: وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، وعن مجاهد قال: (ﯿ ﰀ ﰁ) أي: علمًا، أو قال: صحفًا فيها علم. والأول أصح.وفيه دلالة على كرامات الأولياء، وفي السنة لهذا نظائر كثيرة»10.
هذا الرزق كرامة من جملة الكرامات التي أظهرها الله لمريم تمهيدا وتهيئة للآية العجيبة التي تنتظرها.
موقف زكريا عليه السلام من هذه الكرامة: سأل زكريا مريم متعجبًا من أين لك هذا ؟ كيف وصل إليك قالت هو من عند الله؛ فعطاؤه ممدود، وفضله عظيم وخزائنه زاخرة. كما قال تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ) [الطلاق: ٣].
فالله سبحانه يعطي العباد من حيث لا يحتسبون، بدون تقدير منهم ولا تدبير، وفي الحديث (يمين الله ملأى لا يغيضها شيء، سحّـاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلـق السموات والأرض، فإنه لم يغض ما في يمينه) 11.
قال تعالى في سورة آل عمران: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [آل عمران: ٣٨].
وفي سورة مريم: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [مريم:٢-٦].
وفي سورة الأنبياء: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الأنبياء:٨٩].
لقد أكرم المولى عز وجل زكريا عليه السلام بإكرامه لمريم تلك اليتيمة ذات المكانة العظيمة، وكانت تلك الكرامة التي حدثت لمريم سببًا مباشرًا في توجّه زكريا عليه السلام إلى الله ودعائه بأن يرزقه ذرية طيبة.
ومن هنا تبدأ القصة، ولذا قال سبحانه: (ﭑ) أي: في ذلك الوقت وفي نفس المكان، وزكريا عليه السلام يشهد هذه الكرامة، ويرى تلك العجيبة، في المحراب مكان العبادة والطاعة، والرحمات والبركات والنفحات، يتوجه زكريا بالدعاء راجيًا من المولى عز وجل أن يرزقه ذرية طيبة، معلقا رجاءه بقدرة الله ورحمته ولطفه أن يرزقه الولد في غير حينه كما رأى الفاكهة في غير حينها.
قال القشيري: «لما رأى كرامة الله سبحانه مع مريم ازداد يقينا على يقين ورجاء على رجاء فسأل الولد على كبر سنه، وإجابته إلى ذلك كانت نقضا للعادة» 12.
لما رأى كرامة لمريم تدل على صلاحها وقربها من الله تمنى أن يكون له ولد صالح تقرّ به عينه، وينشرح له صدره.
وجاء الطلب بلفظ الهبة: «لأن الهبة إحسان محض، ليس في مقابلة شيء وهو يناسب ما لا دخل فيه للوالد، لكبر سنه، ولا للوالدة؛ لكونها عاقرا لا تلد»13.
ومنح الولد مع اجتماع موانعه من كبر السن والعقم أمر خارق للعادة، مظهر لعظيم قدرة الله وجليل صنعه ولطيف إرادته. لذلك كان التفسير بـ(لدن) التي هي أخص من (عند) لأن هبة الولد لزكريا مع كبر سنه وعقم زوجته فيه منحة وخصوصية من المولى القدير جل وعلا.
قال الرازي: «لأن حصول الولد في العرف والعادة له أسباب مخصوصة، فلما طلب الولد مع فقدان تلك الأسباب كان المعنى: أريد منك إلهي أن تعزل الأسباب في هذه الواقعة، وأن تحدث هذا الولد بمحض قدرتك من غير توسط شيء من الأسباب 14.
والذرية الطيبة الولد الصالح الذي تطيب به النفس ، ويبتهج الفؤاد وتقر به العين، فيوافق ما يتمناه أبواه ويرجوانه له من الصلاح.
«لما كان الباعث عليه ما شاهد من أمر مريم وخصوص كرامتها على الله، وامتلاء قلبه من شأنها لم يملك من نفسه إلا أن يسأل ربه أن يهبه مثلها كرامة ومكانة عند الله؛ ولذلك استجيب في عين ما سأل من الله، ووهب له يحيى وهو أشبه الأنبياء بعيسى عليه السلام، وأجمع الناس لما عند عيسى وأمه مريم الصديقة من صفات الكمال والكرامة...» 15 (ﭟ ﭠ ﭡ): قابله ومجيبه.
قال النبيّ المستجاب دعاؤه
ما كنت ربّي بالدّعاء شقيّا
هب لي بفضلك وارثًا متعبّدًا
واجعله يا ربّ العباد رضيّا
فأجاب دعوته وأنجز وعده
بفتاه أعني عبده زكريّا 16
وفي سورة مريم قال تعالى في مستهل السورة عن دعاء زكريا عليه السلام: (ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [مريم:١-١٥]
(ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ): تذكير للنبي صلى الله عليه وسلم ولسائر المخاطبين برحمة الله عز وجل بعبده ونبيه زكريا عليه السلام.
(ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ): دعا ربه خفية، ومن المعلوم أن إخفاء الدعاء أو الجهر به عند الله سواء فهو سبحانه لا يخفى عليه شيء، وللدعاء في السر مزية فهو أدعى للخضوع والخشوع والإخلاص، وأقرب للإجابة، يقول قتادة: إن الله يعلم القلب التقي، ويسمع الصوت الخفي17.
وفي الحديث: (أربعوا على أنفسكم فإنكم ليس تدعون أصم ولا غائبا إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم) 18.
(ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ): ضعفت عظامي وخارت قواي، «فالعظم عماد البدن ودعام الجسد فإذا أصابه الضعف والرخاوة تداعى ما وراءه وتساقط قواه ))19.
(ﭥ ﭦ ﭧ): وشاب شعر الرأس كناية عن كبر سنه، فالشيب يسري في الرأس وينتشر فيها، كما تسري النار وتشتعل في الهشيم. والمراد من هذا: «الإخبار عن الضعف والكبر ودلائله الظاهرة والباطنة»20. وفي هذا إشارة إلى ضعفه، وفقره إلى رحمة الله عز وجل.
حسن الرجاء:
(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ): لم أعهد منك ربي إلا إجابتي في دعوتي فأنت رجائي وغايتي، وأنت قصدي ووجهتي، عودتني على الكرم والإحسان.
ولم أكن بدعائي إياك خائبا في وقت من أوقات هذا العمر الطويل ، بل كلما دعوتك استجبت لي، وهذا توسل منه بما سلف من الاستجابة عند كل دعوة إثر تمهيد ما يستدعي الرحمة ويستجلب الرأفة من كبر السن، وضعف الحال، فإنه تعالى بعدما عود عبده بالإجابة دهرا طويلا لا يخيبه أبدا لا سيما عند الاضطرار وشدة الافتقار ، روي أن محتاجا قال لبعضهم: أنا الذي أحسنت إليّ وقت كذا، فقال: مرحبا بمن توسل بنا إلينا، وقضى حاجته... يقال: سعد بحاجته إذا ظفر بها، وشقي بها إذا خاب21.
إخلاص النية والحرص على الخير:
(ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) يخبر زكريا عليه السلام عن أسباب طلبه للولد فقد وهن منه العظم وشاب الشعر وتقدم به العمر، وهو خائف من أن يموت دون وارث له، يرث عنه النبوة والصلاح. قال الإمام القاسمي: «(ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)، أي: الذين يلون أمر رهطي من بعد موتي، لعدم صلاحية أحد منهم لأن يخلفني في القيام بما كنت أقوم به، من الإرشاد ووعظ العباد، وحفظ آداب الدين والتمسك بهديه المتين» 22.
( ﭳ ﭴ ﭵ ) : « و في الإخبار عنه بلفظ الماضي (وكان): إعلام بتقادم العهد في ذلك ، وغرض زكريا من هذا الكلام بيان استبعاد حصول الولد، فكان إيراده بلفظ الماضي أقوى» 23 في الدلالة، فهي لا تلد منذ شبابها، فكيف بها الآن؛ وقد بلغت من الكبر عتيا، !
(ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ):هب لي من لدنك من يلي أمري، (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ): المقصود هنا ليس ميراث الملك أو المال، وإنما ميراث النبوة والحكمة، فالأنبياء لا يورثون دينارا ولا درهما، وإنما يورثون الحكمة والهدى والصلاح، والميراث يكون في المال أو في الملك أو في العلم والحكمة أو في النبوة والصلاح، والأول مستبعدٌ لأنه لم يطلب الولد ليرث ماله فالأنبياء لا يورّثون مالا. وليس ميراث ملك لأن زكريا لم يكن ملكا وآل يعقوب لم يتوارثوا ملكا ويحيى عليه السلام لم يصبح ملكا. ومن هنا فإن الميراث الحقيقي الذي سيرثه عن أبيه هو الصلاح والعلم والحكمة.
قال الراغب: «(ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) يعني وراثة النبوة والعلم والفضيلة دون المال، فالمال لا قدر له عند الأنبياء حتى يتنافسوا فيه، بل قلما يقتنون المال ويملكونه»24.
سؤال الصلاح للولد:
(ﮂ ﮃ ﮄ): مرضيًّا عندك في جميع أحواله.قال ابن كثير: «مرضيا عندك وعند خلقك تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه»25، كما قال عز وجل في ختام سورة مريم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [مريم:٩٦].
أي: سيجعل لهم في قلوب العباد محبة ومودة.
قال الماوردي «فيها وجهان: أحدهما: حبا في الدنيا مع الأبرار، وهيبة عند الفجار، الثاني: يحبهم الله ويحبهم الناس... ويحتمل ثالثًا: أن يجعل ثناء حسنا...»26.
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانا فأحبه قال: فيحبه جبريل، ثم ينادى في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض وإذا أبغض عبدا دعا جبريل فيقول إني أبغض فلانا فأبغضه، قال فيبغضه جبريل، ثم ينادى في أهل السماء إن الله يبغض فلانا فأبغضوه، قال: فيبغضونه ثم توضع له البغضاء في الأرض) 27.
دعاء زكريا في سورة الأنبياء ، قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الأنبياء:٨٩].
وهذا هو الموضع الثالث الذي يتحدث فيه القرآن الكريم عن دعاء زكريا عليه السلام، وسياق الآيات هنا في بيان رحمة الله بأنبيائه واستجابته لدعواتهم، ونلاحظ أن مضمون الدعاء في السور الثلاث واحد والهدف منه واحد، وإن تنوعت الأساليب، فإن تنوعها يكشف عن حقائق هذا الدعاء ومقاصده، ومن المرجّح أن الدعاء تكرر من زكريا عليه السلام.
وفي موضع سورة الأنبياء يخبر الله تعالى في سياق إنعامه على أنبيائه واستجابته لدعائهم، كيف يطلب زكريا عليه السلام من المولى عز وجل أن لا يتركه وحيدا لا ولد له؛ يقوم بوراثة الصلاح والنبوة من بعده، قال تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الأنبياء:٨٩]
فالوارث الحقيقي هو الله سبحانه وهو الباقي بعد فناء خلقه. قال ابن كثيرفي قوله (ﯙ ﯚ ﯛ): «دعاء وثناء مناسب للمسألة» 28.
وقال الألوسي في معنى (ﯙ ﯚ ﯛ): «وفيه مدح له تعالى بالبقاء وإشارة إلى فناء من سواه من الأحياء، وفي ذلك استمطار لسحائب لطفه عز وجل» 29.
استجابة الله تعالى لدعاء زكريا عليه السلام:
قال تعالى في سورة آل عمران : (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [آل عمران: ٣٩]
وقال عز وجل في سورة مريم: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [مريم: ٧].
وقال سبحانه في سورة الأنبياء : (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأنبياء:٩٠]
في الموضع الأول من سورة آل عمران يذكر المولى عز وجل أن الملائكة نادت على زكريا عليه السلام وهو يصلي في المحراب ذاك المكان الطاهر المبارك، وبشرته ببشارة عظيمة ، بشرته بغلام يدعى يحيى يكون سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين.
قال ابن كثير: «خاطبته الملائكة مشافهة خطابا أسمعته، وهو قائم يصلي في محراب عبادته ومحل خلوته ومجلس مناجاته وصلاته» 30. والتعبير بالفاء هنا يدل على التعقيب، المفيد لسرعة الجواب، كما قال تعالى في سورة الأنبياء : (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ).
ولقد اختلف المفسرون في المراد بالملائكة هنا: هل هم جمع منهم أم أن المراد جبريل عليه السلام ؟
وظاهر النص: يفيد أن المنادي جمع من الملائكة، وقيل إن المنادي جبريل، ذكر ذلك ابن جرير في تفسيره عن ابن مسعود رضي الله عنه 31 ، وقال الألوسي معلقا على هذا الرأي: «فالجمع هنا مجاز عن الواحد للتعظيم، أو يكون هذا من إسناد فعل البعض للكل، وقيل : الجمع فيه مثل قولك: فلان يركب الخيل ويلبس الديباج، واعترض بأن هذا إنما يصح إذا أريد واحد لا بعينه، وهاهنا أريد المعين فلعل ما تقدم أولى بالإرادة ، وقيل : الجمع على حاله ، والمنادي كان جملة من الملائكة» 32.
والذي أراه في هذه المسألة أن المنادي جمع من الملائكة كما يفيد ظاهر النص؛ لأن الأصل هو الأخذ بظاهر النصوص واستعماله الحقيقي دون اللجوء إلى صرف الكلام عن الحقيقة إلى المجاز. وفي نداء جمع من الملائكة مزيد اعتناء وتكريم لزكريا، وتعظيم لتلك البشارة وللواهب جل وعلا.
(ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) ذكر المبشر به وهو يحيى عليه السلام يدل على أنه ذكر وعلى أن المولى عز وجل قد اختار له هذا الاسم الطيب المبارك.
وفي سورة مريم (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [مريم: ٧]
وفي هذه الآية إشارة إلى أن المبشر به وهو يحيى عليه السلام سوف يولد ويكبر حتى يصير غلاما، وفي قوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) ما يفيد أن هذا الاسم لم يسم به أحد قبل يحيى عليه السلام، فهو اسم بكر، وللاسم البكر الجميل وقعه في النفوس، وصداه في الآذان، واختيار هذا الاسم ليحيى نعمة وهبة من الله (ﯟ ﯠ ﯡ) فالمسمى والاسم هبة ونعمة من الله عز وجل.
أما عن سر التسمية بهذا الاسم، فيقول مقاتل: ((لم يكن أحد من الناس فيما خلا يسمى يحيى، وإنما سماه يحيى لأنه أحياه من بين شيخ كبير وعجوز عاقر ))33. وعن قتادة قال: ((أحياه اللّه بالإيمان))34.
(ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ): مؤمنا بعيسى عليه السلام، قيل إن يحيى عليه السلام هو أول من صدّق بعيسى عليه السلام، وقيل (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ): أي : مؤمنا بكتاب منه تعالى35.
لقد كانت ولادة يحيى عليه السلام من شيخ كبير وأم عجوز عاقر تمهيدا لآية أعجب وهي ولادة عيسى عليه السلام من غير أب، مع القرب الزمني بين الحدثين المتعاقبين، حيث ولد يحيى وبعده عيسى عليهما السلام.
(ﭲ): كريما، شريفا، يسود الناس بفقهه وعلمه وحلمه، وحكمته وهمّته، وزهده وقوته في الحق 36، ساد نفسه بأن حملها على طاعة الله وصرفها عن معصيته، وساد قومه بما تحلى به من مكارم الأخلاق، ومن ساد نفسه ساد غيره.
(ﭳ): حصر نفسه أي: حبسها ومنعها من الهمم الدنية 37، وقيل : هو الذي لا يأتي النساء لا لعجزه عن ذلك، وإنما لزهده وانشغاله بالطاعات والقربات 38.
ولا تعارض بين المعنيين، وإن كان الأول أولى، لأن الزواج سنة الأنبياء عليهم السلام.
وسياق الكلام يدل على البشارات التي ساقتها الملائكة لزكريا عليه السلام لتدخل على قلبه السرور، والحصور صفة مدح وكمال لا صفة ذم ونقصان.
( ﭴ ﭵ ﭶ): جمع عليه السلام بين النبوة والصلاح، فالأنبياء هم أشد الناس صلاحا واستقامة على منهج الله39، والصلاح صفة ملازمة لهم قبل النبوة، لكن النبوة تزيدهم صلاحا على صلاح.
وفي الموضع الثاني من سورة مريم يأتي الجواب من قبل الله عز وجل: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [مريم: ٧].
لم نجعل له شبيها من أهل عصره في أحواله وصفاته، أو لم نجعل له من قبل من يشاركه في هذا الاسم.
قال الزمخشري: «لم يسم أحد بيحيى قبله... وقيل: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) مثيلا وشبيها كقوله في نفس السورة :(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ).
وإنما قيل للمثل: سميّ؛ لأن كل متشاكلين يسمى كل واحد منهما باسم المثيل والشبيه والنظير، فكل واحد منهما سميّ لصاحبه... قالوا :لم يكن له مثل في أنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط، وأنه ولد بين شيخ فان وعجوز عاقر، وأنه كان حصورًا))40.
وفي الموضع الثالث في سورة الأنبياء: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأنبياء:٩٠].
فقد استجاب المولى عز وجل لزكريا عليه السلام وأصلح زوجته للحمل والولادة، وأثنى سبحانه على زكريا ويحيى وامرأة زكريا بأنهم (ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) أي : يبادرون إلى فعل الطاعات، (ﯫ ﯬ ﯭ) يجمعون بين الرغبة والرهبة، بين الخوف والرجاء، وهذه حال المؤمن (ﯯ ﯰ ﯱ) بقلوبهم وأبدانهم خاشعين لربهم، ضارعين له.
موقف زكريا عليه السلام من هذه البشارة:
قال تعالى في سورة آل عمران: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [آل عمران: ٤٠].
وقال تعالى في سورة مريم: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [مريم: ٨ - ١١].
دعا زكريا عليه السلام ربه أن يرزقه الولد فاستجاب المولى عز وجل لدعائه، وجاءته الملائكة تبشره بغلام يرث النبوة والصلاح عنه، ولقد كانت الاستجابة مفاجأة لزكريا عليه السلام، فقال عليه السلام مقالته متعجبا من هذه البشارة، ومتسائلا عن كيفية تحققها ووقوعها وقد بلغ من الكبر مبلغا ؟
وتساؤل زكريا عليه السلام عن كيفية وقوع هذه البشارة هل سيعود إلى شبابه هو وزوجته ؟ أم سيعود له شبابه ويتزوج بامرأة أخرى تكون ولودا، أم كيف تتمّ هذه البشارة العجيبة.
قال الماوردي: «ولم يقل ذلك عن شكٍّ بعد الوحي ولكن على وجه الاستخبار: أتعيدنا شابين ؟ أو ترزقنا الولد شيخين؟»41.
وفي سورة مريم: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) وقوله تعالى: (ﮠ): العتي هو النهاية في الكبر واليبس، (ﮞ ﮟ ﮠ) السن الذي تعتو فيه العظام والمفاصل، أي : تيبس وتجف وهو حال لا سبيل إلى إصلاحها ومداواتها.
فاجتمع لديه ثلاثة موانع: كون امرأته عاقرا منذ شبابها، وكونه قد بلغ من الكبر عتيا، وكذلك زوجته، فلا سبيل لمداواة الشيخوخة.
جواب الحق جل وعلا عن تساؤل زكريا:
قال تعالى في سورة آل عمران :(ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [آل عمران: ٤٠].
وقال عز وجل في سورة مريم : (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [مريم: ٩].
جاء الجواب الإلهي شافيا كافيا، فهذا العطاء العجيب وهذه الآية الخارقة مندرجة ضمن مشيئته جل وعلا، وهي أمرٌ هيّنٌ يسيرٌ أمام المولى القدير الذي نقلك من العدم إلى الوجود.
قال الألوسي في تفسيره :(ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)، أي: يفعل الله ما يشاء أن يفعله من الأفعال العجيبة الخارقة للعادة فعلا مثل ذلك الفعل العجيب، والصنع البديع الذي هو خلق الولد مع الحالة التي يستبعد معها الخلق بحسب العادة» 42.
وفي التعبير باسم الجلالة ما يفيد الهيبة والعظمة والروعة والإجلال.
وفي التعبير بوصف الربوبية في موضع سورة مريم دلالة بالغة - الإظهار في موضوع الإضمار، وهو ما يسمى عند البلاغيين خلاف مقتضى الظاهر - لما في ذلك من إبراز جلال الربوبية في هذا المقام: فالرب هو الخالق المدبر المصرف لشئون خلقه، وكما خلق عز وجل عبده زكريا عليه السلام من العدم فهو سبحانه قادر على أن يرزقه الولد مع كبر السن وعقم الزوجة، والرب هو القدير الذي لا يعجزه شيء ولا يمتنع عليه شيء، وقدرة المولى عز وجل قدرة مطلقة لا تحدها حدود، ولا تقيدها قيود، وهذا الأمر يقع بتدبير الله تعالى لزكريا، فلا يحتاج لطبيب أو لدواء، والرب هو الرحيم اللطيف والاستجابة لدعاء زكريا من لطف الله تعالى به ورحمته له، والربوبية من التربية والرعاية وهذا المعنى في هذا السياق واضحٌ جليٌّ.
وهذا الأمر الذي يتعجب منه زكريا عليه السلام ويقف أمامه مشدوها ومبهورا، هو أمر هيّن يسير على الله عز وجل.
قال الإمام القرطبي «... أي : كما خلقك الله تعالى بعد العدم ولم تك شيئا موجودا فهو القادر على خلق يحيى وإيجاده» 43.
زكريا يطلب آية من الله عز وجل:
قال تعالى في سورة آل عمران: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [آل عمران:٤١].
وقال عز وجل في سورة مريم: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [مريم: ١٠ - ١١].
طلب زكريا عليه السلام آية من المولى عز وجل، علامة تدل على وقت حدوث الحمل، ليس شكًّا في هذه البشارة وإنما شغفا ولهفة على معرفة وقت حدوث الحمل، فتلك أعظم لحظات الفرح والبهجة لمن طال انتظاره للولد، كذلك ليبادر إلى شكر الواهب جل وعلا.
قال الماوردي: «قوله عز وجل: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) ، أي : علامة لوقت الحمل ليتعجل السرور به» 44.
وفي روح البيان «أي: علامة تدل على تحقق المسئول أو وقوع الحبل، وإنما سألها لأن العلوق أمر خفي لا يوقف عليه، فأراد أن يطلعه الله عليه ليتلقى تلك النعمة الجليلة منه حين حصولها بالشكر ولا يؤخره إلى أن يظهره ظهورًا معتادًا» 45.
قال تعالى في سورة آل عمران: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ)[آل عمران:٤١].
وفي سورة مريم يقول: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [مريم: ١٠].
أجاب المولى عز وجل زكريا عليه السلام فيما طلبه، فأعطاه الآية الدالة على وقوع الحمل وهذه الآية هي امتناعه عن الكلام لمدة ثلاثة أيام بلياليهن، فلا يتكلم إلا بالإشارة والإيماء.
قال الزمخشرى: «قال: علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه وأنت سليم الجوارح سويّ الخلق، ما بك خرس ولا بكم»46.
ومنع زكريا عليه السلام من الكلام لحكمة بليغة فللصمت فوائده العديدة، ففيه راحة النفس، وهدوء البال، وسكينة القلب، وانطلاق الفكر، وصفاء العقل، ومن هنا فمنع زكريا عليه السلام من الكلام من تمام نعمة الله عليه ورعايته له، كذلك إذا كان الكلام نعمة عظيمة تدل على قدرة الله تعالى كما قال: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الذاريات: ٢٣].
كذلك امتناع السليم من الكلام آية عجيبة.
قال السعدي: (( ينحبس لسانك عن كلامهم من غير آفة ولا سوء، فلا تقدر إلا على الإشارة والرمز، وهذا آية عظيمة أن لا تقدر على الكلام، وفيه مناسبة عجيبة، وهي أنه كما يمنع نفوذ الأسباب مع وجودها، فإنه يوجدها بدون أسبابها ليدل ذلك أن الأسباب كلها مندرجة في قضائه وقدره، فامتنع من الكلام ثلاثة أيام، وأمره الله أن يشكره ويكثر من ذكره بالعشي والإبكار، حتى إذا خرج على قومه من المحراب (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) ، أي: أول النهار وآخره47.
ولصاحب الظلال في هذا المقام كلام طيب ، حيث يقول رحمه الله بعد أن وضح أن القدرة الإلهية لا تفرق بين هين وعسير، أو بين مألوف وغريب فقدرته عز وجل مطلقة من كل قيد، ومنطلقة بلا حدّ: «ولكن زكريا لشدة لهفته على تحقق البشرى، ولدهشة المفاجأة في نفسه راح يطلب إلى ربه أن يجعل له علامة يسكن إليها: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ).. وهنا يوجهه الله سبحانه إلى طريق الاطمئنان الحقيقي، فيخرجه من مألوفه في ذات نفسه... إن آيته أن يحتبس لسانه ثلاثة أيام إذا هو توجه إلى الناس، وأن ينطلق إذا توجه إلى ربه وحده يذكره ويسبحه (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)... ويسكت السياق هنا، ونعرف أن هذا قد كان فعلا، فإذا زكريا عليه السلام يجد في ذات نفسه غير المألوف في حياته وحياة غيره...، لسانه هذا هو لسانه ولكنه يحتبس عن كلام الناس، وينطلق لمناجاة ربه... أي قانون يحكم هذه الظاهرة ؟ إنه قانون الطلاقة الكاملة للمشيئة العلوية... فبدونه لا يمكن تفسير هذه الغريبة.. كذلك رزقه بيحيى وقد بلغه الكبر وامرأته عاقر !!!» 48.
ماذا فعل زكريا في هذه الأيام الثلاث ؟
قال تعالى في سورة آل عمران: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [آل عمران: ٤١].
وفي سورة مريم يقول عز وجل :(ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [مريم: ١١].
رغم منع زكريا عليه السلام من الكلام إلا أنه يواصل ذكر الله عز وجل ويأمر الناس به حيث يشير إليهم بما يفهم منه دوام الذكر، وزكريا عليه السلام أنعم الله عليه بالصمت، وفي الصمت فكرة وعبرة كما أنعم الله عليه بتوفيقه إلى الذكر فاجتمع له الذكر مع الفكر، والذكر من أسنى المقامات ومن أجل القربات ومن أفضل الأعمال ومن أسمى الأحوال. والذكر مطلوب في كل حال حتى يصير المؤمن على صلة بالله عز وجل، وزكريا عليه السلام يواصل ذكر الله حتى وهو ممنوع عن الكلام، حيث يحتبس لسانه عن سائر الكلام إلا الذكر، وتلك آية عجيبة، كما يواصل دعوة قومه إلى ذكر الله عز وجل وحين يمتنع عن الكلام فإن الإشارة توصل إلى المطلوب، أشار إليهم أن يداوموا على التسبيح في جميع الأوقات.
زكريا عليه السلام هو زوج أخت مريم، وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل ، يرجع نسبه إلى سليمان بن داوود ، ومنه إلى إبراهيم عليه السلام، فهو من نسل طاهر ومن أصل كريم.
وامرأته زوجة صالحة صابرة، ابتلاها المولى عز وجل بالعقم، فأسلمت أمرها لله ورضيت بقضاء الله، وعاشت مع زوجها حياة حافلةً بالإقبال على الطاعات والمسارعة للخيرات، ولقد أثنى المولى عز وجل في كتابه الكريم على زكريا وزوجته وولده يحيى.
فقال سبحانه: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الأنبياء: ٨٩ - ٩٠].
ولقد استجاب الله دعاء زكريا عليه السلام، وأصلح له زوجه، بأن جعلها صالحة للحمل والولادة بعد أن كانت عقيما، وبأن زادها صلاحا على صلاح ، ورزقهما بيحيى عليه السلام، الذي ورث النبوة والصلاح عن أبويه، وكان بارًّا بهما محسنًا إليهما.
ومن الناس من يقول بأنه كانت سيئة الخلق بذيئةً فأصلحها الله تعالى ، وهذا يتعارض مع الآية السابقة التي وصفت زكريا وابنه يحيى وزوجه بالمسارعة للخيرات والمداومة على الدعاء راغبين راهبين، وملازمة الخشوع.
قال الرازي: «وفي تفسير قوله: (ﯢ ﯣ ﯤ): ثلاثة أقوال: أحدها: أصلحها للولادة بأن أزال عنها المانع بالعادة، وهذا أليق بالقصة. والثاني: أنه أصلحها في أخلاقها وقد كانت على طريقة من سوء الخلق وسلاطة اللسان تؤذيه وجعل ذلك من نعمه عليه. والثالث: أنه سبحانه جعلها مصلحة في الدين، فإن صلاحها في الدين من أكبر أعوانه في كونه داعيًا إلى الله تعالى فكأنه عليه السلام سأل ربه المعونة على الدين والدنيا بالولد والأهل جميعًا. وهذا كأنه أقرب إلى الظاهر لأنه إذا قيل: أصلح الله فلانًا فالأظهر فيه ما يتصل بالدين» 49.
وابنه نبي الله يحيى عليه السلام وهبه الله إياه على الكبر، ونشأ في بيت صلاح وطاعة، وقرأ التوراة وأخذ بأحكامها، وآتاه الله الحكم والنبوة، ودعا إلى ربّه حتى قتله اليهود.
وقد وصفه الله تعالى بأوصاف تدل على فضله ومكانته.
وصفه بأنه سيد وحصور ووهبه النبوة والصلاح قال تعالى عنه: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [آل عمران: ٣٩].
وقال تعالى في سورة مريم عنه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [مريم:١٢-١٥].
أمر إلهي ليحيى عليه السلام أن يأخذ التوراة مأخذ الجد في العلم بها، وفي فهمها وفي العمل بها ودعوة الناس إلى الأخذ بها.
قال ابن كثير: «أي :تعلم الكتاب بقوة أي: بجد واجتهاد وحرص» 50.
(ﭖ ﭗ ﭘ): قال ابن جرير: «أعطاه الله الفهم لكتابه في حال صباه قبل بلوغه سن الرجال» 51.
وقال ابن كثير: «أي :الفهم والعلم والجد والعزم والإقبال على الخير... والاجتهاد فيه وهو صغير حدث» 52.
فالحكم: هو العلم والفهم والجد والعزم، والمعرفة بالأحكام، وفهم التوراة والحكمة.
(ﭚ) عطف على الحكم ، أي:وآتيناه الحكم وحنانا، والتنوين للتعظيم والتفخيم، والحنان: الرفق واللين والشوق والعطف، ولقد ملأ الله قلب يحيى بالحنان لأبويه ولغيرهما، فكان برا بأبويه ورحيما بالناس.
(ﭝ): «وآتاه الطهارة والعفة ونظافة القلب والطبع، يواجه بها أدران القلوب ودنس النفوس فيطهرها ويزكيها»53.
(ﭟ ﭠ) مطيعًا لله عز وجل، يمتثل ما أمره به ويجتنب ما نهى عنه، (ﭢ ﭣ): محافظا على البر لهما والإحسان إليهما، (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ): «ولم يكن متكبرًا متعاليًا عن قبول الحق والإذعان له، أو متطاولًا على الخلق، وقيل: الجبار هو الذي لا يرى لأحد عليه حقًّا» 54.
(ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ): «سلم الله تعالى على يحيى وحياه في المواطن التي يكون الإنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر إلى الله تعالى عظيم الحول» 55.
الدروس المستفادة من قصته عليه السلام
حرص الأحبار من بني إسرائيل على كفالة مريم وتنافسوا على ذلك تنافسا شريفا وصل بهم إلى حد الاقتراع لحرص كل واحد منهم على الأجر والثواب، فمريم بنت إمامهم ومعلمهم، وهي طفلة يتيمة تحتاج إلى يد حانية وإلى قلب عطوف، يقودها إلى بر الأمان، ولقد حثنا الإسلام على كفالة اليتيم، وأمر بإصلاح شأنه والمحافظة على ماله، وتنميته، حتى يبلغ سن الرشد.
فهذا الرزق الذي ساقه المولى عز وجل لمريم بغير حساب وبهذا الأمر العجاب كرامة لها. والكرامة هي أمر خارق للعادة يظهره الله على يد عبد صالح غير مدع للرسالة.
وهي مأخوذة من (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ) [آل عمران: ٣٧].
وعقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بها، والتسليم لها إذا وقعت أوصلت للسامع عن طريق الرواة الثقات. قال الإمام القاسمي: (( وفي الآية ،(ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) دليل على وقوع الكرامة لأولياء الله تعالى كما وقعت لخبيب بن عدي الأنصاري رضي الله عنه56 حين أسر بمكة وحبس بها فخرجوا به من مكة ليقتلوه في الحل، وقد وجد عنده وهو في محبسه قطف من العنب، جاء إليه من عند الله عز وجل كرامة له وتثبيتا لقلبه والقصة في صحيح البخاري 57.
وقال الإمام الطحاوي رحمه الله: «ونؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات في رواياتهم » 58.
من الأحكام المستفادة من القصة: مشروعية القرعة.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [آل عمران:٤٤].
قال الإمام القرطبي رحمه الله: ((استدل بعض علمائنا بهذه الآية على إثبات القرعة، وهي أصل في شرعنا لكل من أراد العدل في القسمة، وهي سنة عند جمهور الفقهاء في المستويين في الحجة ليعدل بينهم وتطمئن قلوبهم ، وترتفع الظنة عمن يتولى قسمتهم، ولا يفضل أحد منهم على صاحبه إذا كان المقسوم من جنس واحد؛ إتباعا للكتاب والسنة)) 59.
تتجلى لنا معاني الربوبية في هذه القصة العظيمة، إذ لا يكاد تخلو كلّ جملة من جمل الدعاء الذي رفعه زكريا عليه السلام من ندائه وخطابه لربه (ربّ)، ففي سورة آل عمران تكررت ثلاث مرات (قال ربّ)، وفي سورة مريم خمس مرات (ربّ)، وفي سورة الأنبياء مرة واحدة، وهذا يعني أنه ينطق بها في كل جملة ومع كل دعوة، وهذا يعني استحضاره لمعاني الربوبية حين يلهج لسانه بكلمة ربّ، الخلق والرزق والإمداد والعطاء واللطف والرحمة والعناية والرعاية، والقدرة والعظمة، واستشعاره حين ينطقها بعظمة الله ومحبته وقربه من عباده.
جبلت النفوس على حب الولد، فالولد هو قرة العيون، وثمرة الفؤاد، وفلذة الأكباد، وبهجة النفوس وزينة الحياة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الكهف: ٤٦].
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الشورى: ٤٩ - ٥٠].
وقال تعالى في سورة النحل (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [النحل: ٧٢].
فالولد هبة وإنعام من الله، وحب الولد فطرة إنسانية. ولقد جاء الإسلام بما يلائم هذه الفطرة، ويدعمها، فهذا أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام يدعو المولى عز وجل فيقول (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الصافات: ١٠٠].
ويستجيب المولى عز وجل لدعوته ويصلح له في ذريته قال تعالى: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) [الصافات: ١٠١]، وهو إسماعيل عليه السلام.
ويقول سبحانه أيضًا: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الصافات:١١٢].
ولقد دعا صلى الله عليه وسلم لأنس إبن مالك بكثرة الولد فقال :(اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته) 60.
وقد استجاب الله دعوة نبيه وأكثر لأنس المال والولد وبارك له فيما أعطاه.
ومن هنا: «فإن طلب الولد الصالح أمر مرغوب، فالولد الصالح رحمة من الله ونعمة، وبه يصلح البيت ويصلح المجتمع وتستقيم الحياة.
حوى دعاء زكريا عليه السلام آدابا كثيرة ومعاني سامية ففي قوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) ما يدل على أن أفضل الدعاء ما كان في الخفاء فإنه أقرب إلى الإخلاص ، وأدعى للخشوع ، وأرجى للقبول ونتعلم من دعاء زكريا عليه السلام: تحري الأوقات الشريفة الفاضلة المباركة ، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ) فإنه عليه السلام لما رأى كرامة مريم ازداد إيمانا على إيمان، ويقينا على يقين، فتوجه بالدعاء وهو في هذا المقام الأسنى والمكان الأسمى، في بيت الله عز وجل حيث تتنزل الخيرات والبركات والرحمات؛ ومن هنا فإن بركة الوقت مع سمو المكان مع علو الحال والمقام الذي يكون عليه الداعي كل هذه العوامل تكون أدعى إلى قبول الدعاء.
قال ابن القيم: «وأما قول زكريا (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) فقد قيل : إنه دعاء المسألة، والمعنى إنك عودتني إجابتك وإسعافك ولم تشقني بالرد والحرمان، فهو توسل إليه تعالى بما سلف من إجابته وإحسانه ، كما حكي أن رجلا سأل رجلا وقال: أنا الذي أحسنت إليّ وقت كذا وكذا، فقال : مرحبا بمن توسل إلينا بنا وقضى حاجته، وهذا ظاهر هنا ، ويدل عليه أنه قدم ذلك أمام طلبه الولد وجعله وسيلة إلى ربه فطلب منه أن يجاريه على عادته التي عوده من قضاء حوائجه إلى ما سأله61.
وذكر ابن القيم في فضل إخفاء الدعاء فوائد جمة: «أحدها: أنه أعظم إيمانا لأن صاحبه يعلم أن الله تعالى يسمع دعاءه الخفي ، وليس كالذي قال : إن الله يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا.
ثانيها: أنه أعظم في الأدب والتعظيم، ولهذا لا تخاطب الملوك ولا تسأل برفع الأصوات، وإنما تخفض عندهم الأصوات ويخف عندهم الكلام بمقدار ما يسمعونه، ومن رفع صوته لديهم مقتوه ، ولله المثل الأعلى ، فإذا كان يسمع الدعاء الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به.
ثالثها: أنه أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو روح الدعاء ولبه ومقصوده ، فإن الخاشع الذليل الضارع إنما يسأل مسألة مسكين ذليل قد انكسر قلبه ، وذلت جوارحه ،وخشع صوته ، حتى إنه ليكاد تبلغ به ذلته ومسكنته وكسره وضراعته إلى أن ينكسر لسانه ، فلا يطاوله بالنطق فقلبه سائل طالب مبتهل ولسانه لشدة ذله وضراعته ومسكنته ساكت ، وهذه الحالة لا يتأتى معها رفع الصوت بالدعاء أصلًا.
رابعها: أنه أبلغ في الإخلاص.
خامسها: أنه أبلغ في جمعه القلب على الله تعالى في الدعاء ، فإن رفع الصوت يفرقه ويشتته ، فكلما خفض صوته كان أبلغ في تجريد همته وقصده للمدعو سبحانه وتعالى.
سادسها: أنه دال على قرب صاحبه من الله ، وأنه لاقترابه منه وشدة حضوره يسأله مسألة أقرب شيء إليه، فيسأله مسألة مناجاة للقريب ، لا مسألة نداء البعيد للبعيد. ولهذا أثنى سبحانه على عبده زكريا بقوله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)))62.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن حكيم قال: ((خطبنا أبو بكر رضي الله عنه ثم قال: أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله، وتثنوا عليه بما هو له أهل، وتخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)))63.
والذكر من أفضل الأعمال ومن أجل القربات، ولقد جمعت هذه الآية بين فضيلة الذكر والتفكر والدعاء.
وزكريا عليه السلام رغم احتباس لسانه عن كلام الناس إلا أن المولى عز وجل قد أمره بالذكر: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [آل عمران: ٤١].
قال القرطبي: «أمره الله تعالى بألا يترك الذكر في نفسه مع اعتقال لسانه، وقال محمد بن كعب القرظي: لو رخّص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا عليه السلام لما حبس لسانه عن كلام الناس، ولرخص للمجاهد في سبيل الله حين ينشغل بقتال الأعداء ،ولكن الله عز وجل أمر زكريا مع منعه من كلام الناس بمداومة الذكر، وأمر المجاهدين بكثرة الذكر.
قال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) [الأنفال: ٤٥]»64.
ويعلمنا زكريا عليه السلام درسًا هامًّا في الدعوة إلى الله عز وجل، وهو أن لا يتخلى الدعاة عن دعوتهم أبدًا، وأن يعيشوا بها ويتعايشوا معها في كل زمان ومكان، وفي كل الظروف والأحوال، وأن لا يقصروا فيها مهما كانت العوائق والمثبطات، وأن يجندوا لها كل ما يملكون من قدرات وطاقات وأوقات وملكات وإمكانيات، وأن لا يستقلوا أي عمل أو جهد دعويٍّ مهما كان يسيرًا؛ فزكريا عليه السلام وهو ممنوع عن الكلام لكنه يعتمد في دعوته على الإشارة، وهي بديل الكلام ووسيلة من وسائل التعبير.
قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [مريم: ١١].
فإذا حرم الدعاة من وسيلة دعوية فليلجئوا إلى غيرها، وإذا أغلق أمامهم باب فليطرقوا بابا آخر، فمن داوم قرع الأبواب ولج. فعلى الدعاة إلى الله أن يتزودوا بالعزم واليقين.
كما يعلمنا الاهتمام والاشتغال بأمر الدعوة ومستقبلها، فقد همّ زكريا أن لا يجد من يراه أهلا لحمل أمانة الدعوة والاضطلاع بمهامها، فخاف من تقصير محتمل ممن سيخلفونه.
قوله تعالى في وصف يحيى: (ﭲ): السيادة الحقيقية في طاعة الله وفي تقواه وفي العلم والعمل.
قوله تعالى: (ﭳ) نستفيد من هذه الصفة التي وصف الله بها يحيى عليه السلام: أن حبس النفس عن الشهوات أمر محبوب ومطلب مرغوب، قال الإمام ابن تيمية :(( المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه. ))65.
قوله في وصف يحيى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ) [مريم: ١٢].
حثٌّ على الهمة العالية والعزيمة القوية في طلب العلم والعمل به.
(ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ): أهمية التربية الراشدة، منذ الصّبا، ويحيى عليه السلام في صباه نموذجٌ يحتذى وأسوة ترتجى.
(ﭚ ﭛ ﭜ) تربية القلوب على الرحمة والعطف والحنان، والحنان والرقة والرحمة عطاء من الله تعالى، ومن مكارم الأخلاق التي مدحها القرآن.
(ﭝﭞ) الزكاة: الطهارة والنماء، وتزكية الأنفس تطهيرها والنهوض بها، وهذا من مقاصد التربية الراشدة.
(ﭟ ﭠ) غرس التقوى والمراقبة في نفوس الأبناء والتلاميذ.
(ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) بر الوالدين من أجلّ وأعظم مكارم الأخلاق ، فهما أحق الناس بحسن الصحبة.
وينبغي على الداعي أن يكون موقنًا بالإجابة، وحسن الظن بالله عز وجل وواثقًا بما عند الله، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : (إن الله يقول أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني) 66.
وفي الحديث: (ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله عز وجل لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه) 67.
العلم الحديث مع التقدم الهائل والإمكانات العظيمة في مجال الطب فإنهم إلى الآن لم يكتشف ولن يكتشف علاج لمرض الشيخوخة ، وما يعتري الطاعنين في السن من ضعف ووهن.
والله عز وجل هو القادر وهو الفعال لما يريد، وفي هذا ما يزيد المؤمن إيمانًا وتسليمًا ويقينًا.
موضوعات ذات صلة: |
بنو إسرائيل، التبني، عيسى عليه السلام، مريم عليها السلام |
1 انظر: تاريخ دمشق، ابن عساكر ١٩/٤٨، قصص الأنبياء، ابن كثير ٢/٣٤٨.
2 انظر: البدء والتاريخ ، ابن طاهر المقدسي ٣/١١٦، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ابن الجوزي ٢/٥.
3 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب في فضائل زكريا عليه السلام، رقم ٢٣٧٩.
4 أخرج البخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج، ٥/٥٣، رقم ٣٨٨٧ حديث أنس ابن مالك في الإسراء والمعراج، وفيه: (فلمّا خلصت إذا يحيى وعيسى، وهما ابنا الخالة).
5 البداية والنهاية، ٢/٦٥.
6 انظر: تاريخ دمشق، ابن عساكر ١٩/٥٦.
وقد جاء في إنجيل متى ٢٣/٣٥ وفي إنجيل لوقا ١./٤٩ ذمٌّ ووعيدٌ لقاتليه.
7 أخرجه البخاري في صحيحه معلقًا، كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات، ٣/١٨١.
8 فتح الباري ٥/٣٤٧ باختصار.
9 بالتخفيف قراءة: نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وأبي جعفر ويعقوب، والباقون بالتشديد.
انظر: النشر في القراءات العشر، ابن الجزري ٢/٢٣٩.
10 تفسير القرآن العظيم، ٣/١١.
11 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف، ٢/٦٩٠، رقم ٩٩٣، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وعبر النبي صلى الله عليه وسلم عن توالىي النعم بسح اليمين، سح الماء سحا: سال من فوق إلى أسفل وسححته إذا أسلته..والسح هو الصب الكثير.
انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/١٢٢.
12 انظر: لطائف الإشارات، ١/٢٥١.
13 روح المعاني، الألوسي ٣/١٤٤.
14 مفاتيح الغيب، ٨/٣٣.
15 انظر: الميزان، الطباطبائي ٣/١٧٥.
16 أورد الفيروزآبادي هذه الأبيات في بصائر ذوي التمييز ٦/٩٣، ولم يذكر قائلها.
17 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١.
18 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب استحباب خفض الصوت بالذكر إلا في المواضع التي ورد الشرع فيها برفعه كالتلبية وغيرها، .٤/٢٠٨٦، رقم ٢٧٠٤، عن أبي موسى الأشعري.
19 روح المعاني، الألوسي ١٦/٥٩.
20 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١١١.
21 انظر: روح البيان ، إسماعيل حقي ٥/٣١٤.
22 محاسن التأويل، ١١/١١١.
23 مفاتيح الغيب، الرازي ٢١/١٨٣.
24 المفردات، ص ٥١٩.
25 تفسير القرآن العظيم ٣/١١١.
26 النكت والعيون، ٢/٦.
27 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدا وضع له القبول في الأرض، ٤/٢٠٣٠، رقم ٢٦٣٧.
28 تفسير القرآن العظيم، ٣/١٩٣.
29 روح المعاني ١٧/٨٧.
30 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٦٠.
31 جامع البيان، الطبري ٦/٣٦١.
32 روح المعاني، ٣/١٤٥.
33 تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٦٢١.
34 انظر: جامع البيان، الطبري ١٨/١٤٧.
35 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٣٦، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٧٦، تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٢/٣٦١.
36 انظر: النكت والعيون، الماوردي ١/٣١٣، الكشاف، الزمخشري ١/٣٦.، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٧٦، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٣٦، روح المعاني، الألوسي ٣/١٤٧.
37 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٦١، روح البيان، إسماعيل حقي ٢/٣١.
38 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٣٦١، مفاتيح الغيب، الرازي ٨/٣٦، روح المعاني، الألوسي ٣/١٤٨، محاسن التأويل، القاسمي ٤/٩٥.
39 الكشاف، الزمخشري ١/٣٦.
40 المصدر السابق ٣/٥.
41 النكت والعيون، ٢/٥٨.
42 روح المعاني، ٣/١٥.
43 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٨٤.
44 النكت والعيون، ١/٣١٤.
45 روح البيان، إسماعيل حقي ٢/٣١.
46 الكشاف، ٣/٧.
47 تيسير الكريم الرحمن ص ١٣.
48 في ظلال القرآن، سيد قطب ١/٣٩٥.
49 مفاتيح الغيب، ٢٢/١٨٣.
50 تفسير القرآن العظيم ٣/١١٣.
51 جامع البيان ١٨/١٥٥.
52 تفسير القرآن العظيم، ٣/١١٣ بتصرف.
53 في ظلال القرآن ، سيد قطب ٤/٢٣.
54 روح المعاني، الألوسي ١٦/٧٣.
55 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٨٨.
56 أخرج القصة البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب هل يستأسر الرجل، ٤/٦٧، رقم ٣٠٤٥، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي الحديث: تحكي بنت الحارث بن عامر، وكان خبيب قد قتل أباها في غزوة بدر، تحكي بنت الحارث فتقول: والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر..وإنه لرزق من الله رزقه خبيبًا.
57 أخرج القصة البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب هل يستأسر الرجل، ٤/٦٧، رقم ٣٠٤٥، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي الحديث: تحكي بنت الحارث ابن عامر، وكان خبيب قد قتل أباها في غزوة بدر، تحكى بنت الحارث فتقول: والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر..وإنه لرزق من الله رزقه خبيبًا.
58 شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز ص ٤٩٥.
59 الجامع لأحكام القرآن ٤/٨٦ .
60 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب الدعاء بكثرة المال مع البركة، رقم ٦٣٧٨، ٦٣٧٩، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أنس بن مالك، ٤/١٩٢٨، رقم ٢٤٨٠.
61 التفسير القيم، ابن القيم ص٣٧٩.
62 بدائع الفوائد ٣/٧.
63 تفسير القرآن العظيم ، ابن كثير ٥/٣٦٥.
64 الجامع لأحكام القرآن ٤/٨٢ بتصرف.
65 الوابل الصيب، ابن القيم ص ٤٤ .
66 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الذكر والدعاء وحسن الظن بالله تعالى، ٤/٢٠٦٧، رقم ٢٦٧٥.
67 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، ٥/٤٨٣، رقم ٣٤٧٩.
وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم ٢٧٦٦، ٣/١٦٤.