عناصر الموضوع

مفهوم الزكاة

الزكاة في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

مشروعية الزكاة ومقاصدها

أنواع الصدقة وفضلها

مصارف الزكاة

الزكاة

مفهوم الزكاة

أولًا: المعنى اللغوي:

الزكاة والزكاء في اللغة مصدران من الفعل الثلاثي المضعف بالتشديد (زكّى)، ومن الثلاثي المخفف (زكا)، فأما الأول وهو (الزكاة) يقال: زكّى يزكّي تزكيةً إذا أدّى عن ماله زكاته، ويقال أيضًا: زكّاه إذا أخذ زكاته، وتزكّى ، أي : تصدّق، وأما الثاني وهو (الزّكاء) بالمد فمعناه النّماء والرّيع، مأخوذ من قولهم: زكا يزكو زكاءً وزكوًّا، والزكاء أيضًا يطلق على ما أخرجه الله تعالى من الثمر1.

وللزكاة معان عدة مدارها على النمو، والبركة، وزيادة الخير، والطهارة، يقال: زكا الزرع إذا نما وزكت النفقة إذا بورك فيها، وفلان زاكٍ ، أي : كثير الخير، وتطلق الزكاة أيضًا على التطهير المعنوي للنفس والمال.

وأصل الزكاة النمو الحاصل عن بركة الله تعالى، ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية2.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

يختلف الفقهاء في تعريف الزكاة اختلافًا يسيرًا، مع اتفاقهم على المعاني العامة فيها.

فعند الحنفية هي: تمليك جزء مالٍ، عيّنه الشارع، من مسلمٍ فقيرٍ، غير هاشمي ولا مولاه، مع قطع المنفعة عن الملك من كل وجه لله تعالى 3.

وعند المالكية: جزء من المال، شرط وجوبه لمستحقه بلوغ المال نصابًا 4.

وعند الشافعية: اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص 5.

وعند الحنابلة: حق واجب في مال مخصوص، لطائفة مخصوصة، في وقت مخصوص6.

الزكاة في الاستعمال القرآني

وردت مادة (زكا) في القرآن الكريم (٣٧) مرة7.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

الفعل الماضي

١

( ) [النور:٢١]

مصدر

٣٢

( ) [البقرة:٤٣]

اسم تفضيل

٤

( ) [الكهف:١٩]

وجاءت (الزكاة)في القرآن على خمسة أوجه8:

الأول: النقاء والطهارة: ومنه قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [النور: ٢١] يعني: ما طهر منكم من أحد.

الثاني: الزكاة المفروضة: ومنه قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [البقرة: ٤٣] يعني: زكاة المال المفروضة.

الثالث: الحلال: ومنه قوله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الكهف: ١٩] أي: أحل طعامًا.

الرابع: الصدقة: ومنه قوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [مريم: ١٣] أي: صدقة تصدّق بها على أبويه.

الخامس: الصلاح: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الكهف: ٨١] أي: صلاحًا.

الألفاظ ذات الصلة

الصدقة:

الصدقة لغة:

الصدقة (بالتحريك) مصدر الفعل الرباعي تصدّق يتصدق فهو متصدقٌ، والمراد بها ما أعطيته في ذات الله تعالى للفقراء، أو: ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، كالزكاة، لكن الصدقة في الأصل تقال: للمتطوع به، والزكاة تقال للواجب. وقيل: يسمى الواجب صدقة إذا تحرى صاحبه الصدق بفعله 9.

الصدقة اصطلاحًا:

قال الراغب الأصفهاني: (( الصدقة ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة، كالزكاة، لكن الصدقة في الأصل تقال للمتطوّع به، والزكاة للواجب، وقد يسمّى الواجب صدقةً إذا تحرّى صاحبها الصدق في فعله ))10.

وقال التّهانويّ: (( الصّدقة: عطيّة يراد بها المثوبة لا التّكرمة؛ لأنّ بها يظهر الصّدق في العبوديّة، وهي أعمّ من الزّكاة، وقد تطلق عليها أيضًا ))11.

الصلة بين الصدقة والزكاة:

بينهما عموم وخصوص مطلق، أي : أن أحدهما أعم وأشمل من الآخر، وهذا الأعم هو الصدقة والزكاة أخص منها، فكل زكاة صدقة وليس كل صدقة زكاة.

النفقة:

النفقة لغة:

جاء في لسان العرب: نفق الزاد ينفق نفقًا ، أي : نفد، وقد أنفقت الدراهم من النّفقة، ورجل منفاقٌ أي كثير النّفقة، والنّفقة ما أنفقت واستنفقت على العيال، ويطلق عليها (نفقة) (وإنفاق) وهو صرف المال إلى الحاجة 12.

النفقة اصطلاحًا:

عند الشافعية: النفقة مأخوذة من الإنفاق وهو الإخراج، ولا يستعمل إلا في الخير13.

وعند الحنابلة هي: كفاية من يمونه طعامًا وكسوة ومسكنًا وتوابعها14.

الصلة بين النفقة والزكاة:

الزكاة والنفقة تشتركان في وجوب إخراج الأموال، إلا أن النفقة واجبة على الشخص لمن يلزمه الإنفاق عليهم من زوجة وأولاد وأقارب وغيرهم، وتكون في كل ما يحتاجه المنفق عليه من طعام وشراب وكسوة وغير ذلك ولا تختص بجانب من ذلك معين، وليس لها قدر معين بل بقدر الكفاية.

العطية:

العطية لغة:

بمعنى العطاء، والمراد بهما: اسمٌ لما يعطى، والجمع عطايا وأعطية، وجمع الجمع (أعطياتٌ)، ويقال: رجلٌ معطاءٌ كثير العطاء، وامرأة معطاءٌ كذلك ومفعالٌ يستوي فيه المذكّر والمؤنّث 15.

وفرّق بعض اللغويين بين العطية والصدقة بأن الصدقة هي ما يرجى به الثواب، بخلاف العطية 16.

العطية اصطلاحًا:

ما يعطى بغير عوض، هبة كان، أو صدقة، أو هدية 17.

الصلة بين العطية والزكاة:

العطية أعم من الصدقة، ومن الزكاة، فالعطية تشمل ما يراد به وجه الله وما يراد به التودد إلى الخلق.

مشروعية الزكاة ومقاصدها

أولًا: مشروعية الزكاة:

الزكاة مشروعة على نحو ما تقدم ذكره؛ حيث ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، وبناء على ذلك فإن هذه المشروعية تشتمل على جوانب إعجاز تشريعية قديمة وحديثة.

فالزكاة على جهة الإجمال فرض من فرائض الإسلام ، أو ركن من أركانه الخمسة الواردة في حديث (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة) 18.

فيها من الأسرار ما فيها، ولها مكانة عظمى في الإسلام، فهي عبادة من العبادات الأربع، ومن هذا الوجه تقرن في القرآن والحديث بالصلاة، وتأتي بعدها عادة في كتب الفقه في قسم العبادات.

وهي مورد أساس من الموارد المالية في الدولة الإسلامية، وهذا يخرجها عن أن تكون عبادة محضة، فهي جزء من النظام المالي والاقتصادي في الإسلام؛ ولهذا عنيت بها كتب الفقه المالي في الإسلام19. ونشير هنا إلى أبرز خصاص الزكاة، ثم أهم جوانب حكمة تشريعها، واقترانها بالصلاة.

المسألة الأولى: خصائص الزكاة.

من خلال تتبع مشروعية العبادات الأربعة (الصلاة والزكاة والصيام والحج) يستنتج أن الزكاة تتسم بالخصائص التالية:

  1. الزكاة عبادة جمعت بين المالية والزمانية.

    المعروف أن العبادات تنقسم من حيث البدن والمال إلى ثلاثة أقسام: عبادات بدنية محضة، وهي الصلاة والصوم، وعبادات مالية محضة، وهي الزكاة، وعبادات تجمع بين المالية والبدنية وهي الحج.

    وتنقسم من حيث الزمان والمكان إلى قسمين: عبادات زمانية محضة وهي الصلاة والصوم والزكاة، وعبادات تجمع بين الزمانية والمكانية وهي الحج.

    وبهذا ندرك قيمة الزكاة ومكانتها بين أركان الإسلام، فمن حيث كونها مالية محضة، نجد أن المرء لا يتعب بدنه في إخراجها، ولا أثر للأعذار البدنية في إسقاطها، فالعبرة بوجود المال بشروطه المعروفة، ولا عبرة بكون المزكي مريضًا أو ذا عاهة، أو لم يخرجها بنفسه، بل وكّل غيره في إخراجها... الخ.

    ومن حيث الزمان فهي ترتبط بمرور الحول في كل أنواع الزكاة عدا الزروع والثمار والركاز والمعدن. ومن حيث المكان لا تجد الشريعة الإسلامية تفرض على المزكي موضعًا معينا لتوزيع الزكاة، بل تركت هذا الباب مفتوحًا لآراء الفقهاء، وحالة المزكي، ومستحقي الزكاة.

  2. الزكاة عبادة تقبل النيابة بخلاف الصلاة والصيام.

    أيضًامن حكمة تشريع الزكاة أنه يجوز فيها النيابة أو الوكالة، فلا يشترط أن يخرجها المزكي بنفسه، بل يوكل من يخرجها عنه لسبب أو بدون سبب، أو يوكل الحاكم من يجمع الزكاة من أربابها (العاملين عليها) وهم صنف من أصناف الزكاة كما سبق ذكره في آية المصارف.

    وهذا فيه من مظاهر التيسير ورفع الحرج ما فيه، حيث لو كلّف كل إنسان أن يخرج زكاة ماله بنفسه ويعطيها للمستحق لوجد الناس في ذلك حرجًا ومشقة كبيرين.

    ولذلك نجد حكمة جليلة في تنوع الخطاب القرآني الخاص بالزكاة، على نحو ما سبق في آيات الزكاة، فأكثر آيات وجوب الزكاة وردت بلفظ الإيتاء بمشتقاته، والإيتاء لا يقتضي الدفع بالنفس، بل يمكن أن تدفعها بنفسك أو توكّل من يدفعها عنك.

    ونجد آيات أخرى يخاطب بها الحاكم (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ١٠٣].

    وهذا إشارة إلى عملية قبض الحاكم أو أعوانه للزكاة من أربابها.

    ونجد في آية مصارف الزكاة (ﮥ ﮦ ) وذلك إشارة إلى وجود طرف ثالث في الزكاة يأخذ من المزكي، ويجمع ليعطي للفقير.

  3. الأسس العامة للزكاة لا تخضع للاجتهاد البشري، بل هي مقدرة من الشرع.

    وبيان ذلك أن الله تعالى قد جعل الزكاة دين متعبّد به ، ووضع إلهي مستقر لا يتغير ولا يتبدل، غير خاضع للأهواء البشرية، تنتقل آثاره إلى الحياة الآخرة.

    قال تعالى: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الليل: ٥-١١].

    ووضع الإسلام في الزكاة أسسًا عامة ، وأحكامًا فرعية ، أو بالأحرى ثوابت ومتغيرات، فجعل الأسس أو الثوابت خاضعة لنصوص الشرع لا تقبل التغيير ولا الاجتهاد، فحدد المصارف والأنصبة والمقادير.

    وترك باب الاجتهاد مفتوحًا في أمور مثل: كيفيات التوزيع من حيث الطريقة والمكان، وتقديم الزكاة أو تأخيرها حسب الحاجة والحالة، واستحداث مصارف جديدة تدور في إطار المصارف الأصلية الواردة في القرآن الكريم، وإيجاب الزكاة في أصناف معينة من الأموال والزروع والثمار والحيوان ، أو عدم إيجابها حسبما يترجح لدى الفقهاء في كل رأي، ودفع القيمة في بعض أنواع الزكوات، واستيعاب كل المصارف الواردة في الآية أو الاكتفاء ببعضها. وغير ذلك من المسائل الخلافية.

    المسألة الثانية: حكمة تشريع الزكاة.

    من أبرز حكم تشريع الزكاة ما يلي:

  1. خطاب الأمر بالزكاة فيه حثٌ للغني، وإعزاز للفقير، ورفع للحرج عنه.

    وبيان ذلك أننا حين نتدبر أوامر القرآن والسنة المتعلقة بالزكاة نجد أن الخطاب فيها موجّهٌ إلى الغني بالدفع والإيتاء، ولم يوجّه فيها للفقير بالطلب والاستعطاء، فالشرع لم يكلّف الفقير بالسعي لطلب الزكاة، بل كلّف الغني بالسعي للبحث عن مستحق للزكاة ليعطيه إياها.

    فقال تعالى: (ﮝ ﮞ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (أغنوهم عن طواف هذا اليوم) 20.

    ولهذا لا تبرأ ذمة الغني أو تسقط عنه الزكاة إذا عدم مستحق الزكاة ببلده أو محلته، بل هو مكلّف بالسعي خارج محلته حتى يجد مستحق الزكاة، ولا تخلو محلة أو يخلو بلد صغيرًا كان أو كبيرًا من مصرف أو أكثر من مصارفها.

    يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله مبيّنًا تقسيم مصارف الزكاة على البلاد ومدى توافر بعضها وانقراض الآخر: «وقد عدم من الثمانية صنفان في أكثر البلاد، وهم المؤلّفة قلوبهم، والعاملون عليها، ويوجد في جميع البلاد أربعة أصناف: الفقراء ، والمساكين، والغارمون، والمسافرون -أعني أبناء السبيل-، وصنفان يوجدان في بعض البلاد دون بعض، وهم الغزاة والمكاتبون» 21.

  2. الزكاة تحقق التنمية الاقتصادية الفردية والجماعية.

    تعدّ الزكاة عاملًا مهمًّا في تنمية المجتمع المسلم على المستوى الفردي والجماعي، بما تقدّمه من حلول، وما تسهم به من موارد، وما تعالجه من مشكلات اجتماعية، والتي يقع على رأسها معالجة مشكلة الفقر، التي سعى الإسلام للقضاء عليها بشتى الوسائل من خلال الكفّارات، والزكوات، والصدقات؛ وذلك لأنّ محاربة الفقر، أو القضاء عليه تنقذ المجتمع من براثنه، وتهيئ للإنسان حياة كريمة، ومستوىً من المعيشة يليق بكرامته 22.

    والناظر إلى دور الزكاة في تنمية المجتمع المسلم من الناحية الاقتصادية يجد هذه الملامح:

    • أنّ تخصيص جزء من حصيلة الزكاة للفقراء والمساكين جعل منها أداة لتحقيق مجتمع إسلامي متضامن ومتعاون.
    • أنّ إيجاب الزكاة في الذهب والفضة، وهما المالان الأساسان لعملية التنمية- حتى ولو كانا غير موضوعين بطريق الاستثمار- يعدّ نوعًا من أنواع التنمية الاقتصادية؛ حيث إن من حكمة الزكاة مهاجمة الأموال المكتنزة، وبعثها من مرقدها؛ لتسهم في عملية التنمية 23.
    • أنّ الزكاة من حيث أسعارها (مقدار الزكاة) ومن حيث وعائها (الأموال التي تجب فيها الزكاة) فريضة مالية تشمل الثروات النامية جميعها من ناحية، ومن ناحية أخرى تمثّل نسبةً فعّالةً ومجديةً،؛ فهي تصل في بعض الثروات إلى ٢٠٪ أي الخمس (مثل زكاة الركاز والمعدن)، و٢.٥ ٪ في الثروة النقدية وعروض التجارة، وهذا من شأنه أن يجعل جميع أموال الزكاة وسائل للتنمية، كل بحسب مكانته 24.
    • يكفل الإسلام عن طريق الزكاة حدّ الكفاية، أو حدّ الغنى لكل فرد، بمعنى أنه إذا عجز فردٌ ما عن توفير المستوى المناسب للمعيشة لسببٍ خارج عن إرادته، فإن نفقته تكون واجبة في بيت مال المسلمين 25، ولا شك أن الزكاة تحقّق له ذلك.
    • أنّ نتيجة إخراج الأموال المكنوزة ودفع الزكاة عنها يمثّل استثمارًا وتشغيلًا في صورة دخول أموالٍ نقدية جديدة وعديدة إلى مجالات التشغيل والتوظيف، بعد أن كانت هذه الأموال والثروات عاطلة ومكتنزة 26.
    • أنّ الزكاة تعمل على سرعة دوران رأس المال؛ إذ أنها تشجّع صاحب المال بطريق غير مباشر على استثمار أمواله؛ حتى يتحقق فائض يؤدي منه الزكاة، ومن ثمّ فقد استفاد صاحب المال من استثماره بالربح، وأفاد المجتمع بأداء حق المستحقين بالزكاة، وهذا ما يؤدي إلى دوران رأس المال وتحريكه، فالزكاة دافع للأموال نحو الاستثمار27.
  3. الزكاة تحقّق الأخوة الإيمانية وتكافل المجتمع.

    من حكمة تشريع الزكاة إسهامها الواضح في تحقيق الأخوة الإيمانية بين المسلمين، ونشر التكافل الاجتماعي بينهم؛ وذلك لأن الشارع الحكيم أراد أن يكون مجتمع المسلمين مجتمعًا متكافلًا متآزرًا متعاونًا، يأمن فيه العاجز والضعيف والقاصر، ويشعرون أنهم يعيشون بين قلوب ووجوه ونفوس، لا بين أظفار ومخالب ونيوب.

    ولن تتحقق هذه الصورة البهية لمجتمع المسلمين لو ترك الناس لضمائرهم ومشاعرهم وقلوبهم، فأوجب الإيتاء وندب إلى الإعطاء؛ فقال تعالى موجبًا التعاون المطلق في كل ما هو بر وتقوى: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ) [المائدة: ٢].

    وقال تعالى منبّهًا إلى حق المحرومين والطالبين لحاجة : (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الذاريات: ١٩].

    وقال تعالى حاضًا على حق المساكين والمحتاجين : ( ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الروم: ٣٨].

    وقال تعالى آمرًا بالدفع لأهل الحاجة حتى لو كانوا أرقاء : (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ) [النور: ٣٣].

    وقال تعالى مرغّبًا للعطاء وتقديم يد العون لدفع الحاجة والعوز، ورفع المسكنة المالية والعيلة في أفراد المسلمين :( ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النور: ٢٢].

    فجاء تشريع الزكاة دالًا على بهاء المظهر والجوهر لشرعة الإسلام، ودعوتها لإقامة مجتمع المتكافلين، وجماعة المتعاونين، ممارسةً للتضامن والتناصر، وإقامةً للعدل الاجتماعي، وسبيل ذلك مدّ يد المعونة للمحتاج، وإغاثة الملهوف، وتفريج الكروب، وتأمين الخائف، وإشباع الجائع، قصدًا إلى ترسيخ معاني التعاطف والتراحم والولاء بين المسلمين.

  4. الزكاة تقضي على البطالة.

    البطالة مشكلة كبيرة تواجه جميع الدول، ويترتب عليها عواقب وخيمة، وأضرار جسيمة على المجتمع كله، مثل: الانحراف الأخلاقي، والديني، وانتشار الجريمة، وتعاطي المخدرات، وانتشار السرقة والغصب، ونحوها، ويلاحظ دور الزكاة الواضح في القضاء على البطالة من خلال أمرين بارزين هما:

    الأمر الأول: وجود مصرف (العاملين عليها) ضمن مصارف الزكاة المنصوص عليها في الآية، وهذا المصرف قد يظن البعض للوهلة الأولى أنّه مجرد وظيفة واحدة، وهي جباية الزكاة أو جمعها، ولكنّه في الحقيقة عدة وظائف، أو بالأحرى مسمى وظيفي عام يشمل عدة أشخاص، كما يفهم من تفسير الفقهاء له.

    فالعاملون على الزكاة يشمل: الجباة وهم جامعو الزكاة (الذين يعيّنهم الحاكم لأخذ الزكاة بأنواعها من أربابها)، ويشمل الموزّعين لها على المستحقين، وهؤلاء تجد فيهم الكاتب، والحاشر، والمعاون، والموزّع، والقائم بالكيل أو الوزن، وتجد فيهم القائمين بتجهيز وحصر أسماء المستحقين، والباحثين في بيانات المستحقين، والقائمين بالحراسة، ونحو ذلك.

    وعليه فإن عمل هؤلاء جميعًا في مؤسسات الزكاة يعدّ نوعًا من التخلص من البطالة بشكل شرعي، وهو وإن كان يأخذ من الزكاة كمصرف من مصارفها، إلا أن أخذه حينئذٍ يعدّ أجرًا في مقابل عمل.

    ومن ثمّ فلا غرو أن تجد كثيرًا من الفقهاء يعطون للعامل الفقير من الزكاة مرتين، مرة لكونه فقيرًا، ومرة لكونه عاملًا، كما قال الشيخ أحمد الدردير في شرحه على مختصر خليل: «(وأخذ) العامل (الفقير بوصفيه) أي :وصف الفقر والعمل إن لم يغنه حظ العمل»28.

    الأمر الثاني: إيجاد فرص عمل عن طريق إنشاء مؤسسات خيرية تقوم على أموال الزكاة، كما يحدث في الكثير من البلاد الإسلامية، حيث ينشأ مشروع خيري يتم فيه جلب الفقراء والمساكين للعمل فيه، فيكتسبوا من الزكاة بطريقين: مرة بكونهم فقراء أو مساكين، وهذا كسب مباشر مسماه الزكاة، ومرة أخرى باعتباره صانعًا أو حرفيًا أو مهنيًا في مؤسسةٍ تابعة لأموال الزكاة، فيكون الأول نصيبه في الزكاة، ويكون الثاني أجرة في نظير عمل.

    ولهذا نظائر كثيرة في الدول الإسلامية، حيث تستقدم الفتيات اليتيمات، والأرامل للعمل في مشروعات إنتاجية، تنتج ملابس وأطعمة ونحوها تابعة لمؤسسات الزكاة، ويتقاضين رواتب ثابتة، أو رواتب بنسب معينة حسب ما يقمن بإنتاجه من صناعات.

    وما سبق ذكره مجرد أمثلة من جوانب تشريع الزكاة، وإلا ففيها من الحكم والأسرار، وجوانب الإعجاز ما فيها مما يعجز عنه الوصف، ولا تكفيه الصفحات، وحسبنا أنها فريضة من فرائض الإسلام وعمود من أعمدته، شرعت لتكون عبادة، ووسيلة لحل العديد من المشاكل والأزمات الاقتصادية التي تعتري الأمة عبر العصور.

    المسألة الثالثة: اقتران الزكاة بالصلاة في القرآن.

    بتتبع آيات القرآن الكريم نجد أن لفظة «الزكاة» المعرفة فقط هي التي اقترنت بالصلاة، وذلك في أربعة وعشرين موضعًا في القرآن الكريم، أما بقية المشتقات فلم تقترن بالصلاة إلا في موطن واحد وهو (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [الأعلى: ١٤-١٥].

    وتقدم الكلام عليه.

    وقد ورد في فعل الصحابة ما يشير صراحةً إلى أن التفريق بين الصلاة والزكاة أمر لا يرضاه الشرع، ففي واقعة منع الزكاة بعد لحوق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى كان موقف سيدنا أبي بكر واضحًا حيث قال: (واللّه لأقاتلنّ من فرّق بين الصّلاة والزّكاة؛ فإنّ الزّكاة حقّ المال، واللّه لو منعوني عقالًا كانوا يؤدّونه إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه) 29.

    وإذا أراد المرء تتبع حكمة ودلالة اقتران الزكاة بالصلاة لما استطاع إلى ذلك سبيلًا، ولكن حسبه أن يتلمس طرفًا من ذلك مما ذكره العلماء أو يستنبطه على هذا النحو:

    • أن في الصلاة إصلاح حال الفرد، وفي الزكاة إصلاح حال المجتمع، فالمال شقيق الروح، فمن جاد به ابتغاء مرضاة اللّه سهل عليه بذل نفسه في سبيل اللّه؛ تأييدًا لدينه وإعلاء لكلمته، فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة سبب من أسباب النصر والتمكين 30.
    • أن الصلاة هى التي تصلح النفوس وتنقّيها من أدران الرذائل، وتحلّيها بأنواع الفضائل، وروحها هو الإخلاص للّه والخشوع لعظمته وسلطانه، فإن فقدته كانت صورًا ورسومًا لا تغني فتيلًا، أما الزكاة ففيها إصلاح لشئون المجتمع 31.
    • أن الحكمة هي بسبب كون الصلاة زكاة أيضًا، فهي تزكي النفس عن الكبر والعجب وتجنب الإنسان الغفلة، وتذكّره بواجبه تجاه ربه؛ ولذلك اقترنت بزكاة الأموال، والتي هي بذل نفسي في الأساس يجعل الإنسان يمد يد العون لأخيه الإنسان ويشعر بمعاناته، فكلاهما زكاة، وكلاهما بذل في سبيل الله.
    • أن الله تعالى لم يشأ أن يذكر حقه على الناس بواجب الطاعة المتمثلة بالصلاة، بل قرنها بحاجة الناس للنفقة والعون، فحق الله تعالى مقرون بحق الناس .
    • أن الصلاة أفضل وسيلة للتقرب من الله، وهي تخصيص جزء من الوقت للتعبد والوصال مع الخالق، أي : أننا نقطع بعضًا من حياتنا اليومية لنثني ونشكر ربنا، ونطلب منه أن يهدينا للصراط المستقيم، أي : الأعمال الصالحة؛ وبذلك يحقق الإنسان طهارة نفسية؛ ليصل لمرتبة الروحانية التي هي المغزى الحقيقي. والزكاة لزكاء النفس وتعني الطهارة أيضًا ، ولكي لا يتعلق الإنسان بالأمور الدنيوية وينسى خالقه فرض الله عليه أن يقطع من ماله وكدّ يومه، ويدفعه في سبيل الله؛ حتى يطهّر نفسه وماله؛ لأن لله حق في أموالنا، فهنا نجد أن الزكاة والصلاة مرتبطين بالطهارة.
    • وجود علاقة قوية بين الصلاة والزكاة، فالزكاة تضحية بجزء من المال، والمال في الحقيقة نتيجة العمل، والعمل فرع الوقت، أما الصلاة فهي تضحية بالوقت نفسه، فالصلاة زكاة الوقت، وحق الله الراتب يوميًا، فالمؤمن يقتطع من وقته الذي هو رأس مال الحياة فيجعله خالصًا لله، ويقتطع جزءًا من ماله فيجعله خالصًا لله والصلاة والزكاة أصل ورأس العبادات البدنية والمالية؛ فلذلك تسمى الصلاة عماد الدين، والزكاة قنطرة الإسلام، ومن أتى بهما يسهل عليه أن يأتي بغيرهما، فإذا سهل عليه إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة سهل عليه أن يصوم ويحج ويأتي بالأفعال الأخرى من باب أولى، فإنه ذكر ما هو أهم وما هو أولى من غيره، وأن من أتى به فإنه يأتي بغيره من باب أولى.
    • أنه لما أمر بالعفو والصفح يعني في آية البقرة (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [البقرة: ١٠٩-١١٠]. أمر بالمواظبة على عمودي الإسلام: العبادة البدنية، والعبادة المالية ؛ إذ الصلاة فيها مناجاة الله تعالى والتلذذ بالوقوف بين يديه، والزكاة فيها الإحسان إلى الخلق بالإيثار على النفس ، فأمروا بالوقوف بين يدي الحق و بالإحسان إلى الخلق 32.
    • أن المقصود بالأمر بالصلاة والزكاة الثبات على الإسلام؛ فإن الصلاة والزكاة ركناه، فالأمر بهما يستلزم الأمر بالدوام على بقية التعاليم 33.

      ثانيًا: مقاصد الزكاة:

      مقاصد الشريعة الإسلامية عامة وخاصة، فالعامة هي: المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها؛ بحيث لا تختص ملاحظاتها في الكون في نوع خاص من أحكام الشريعة34.

      والخاصة هي: الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس النافعة أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة؛ كي لا يعود سعيهم في مصالحهم الخاصة بإبطال ما أسس لهم من تحصيل مصالحهم العامة إبطالًا عن غفلة أو استنزال هوى أو شهوة 35.

      ولها تقسيمات متعددة، فإذا نظرنا إليها من حيث الحاجة إليها: فهي تشمل الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات، ومن حيث المحل قسمان: مقاصد الشارع، ومقاصد المكلف، ومن حيث تعلقها بعموم الأمة وخصوصها ثلاثة أقسام: عامة، وهي التي تلاحظ في أغلب أبواب الشريعة، وخاصة، وهي التي تتعلق بباب معين، وتشمل مقاصد العائلة ، والتصرفات المالية، والعمل والعمال ، والقضاء والشهادات و العقوبات ، وعقود التبرعات ....الخ ، وجزئيةوالمرادبهاعلل الأحكام وأسرارها36.

      والناظر إلى مقاصد الزكاة على جهة الإجمال يجد أن من بينها التكثير من باب الهبات والتبرعات؛ لما فيها من المصالح العامة والخاصة، ولما يترتب عليها من الثواب الأخروي 37. ولهذا فلا غرو أن يرجع في تقييم بعض أمور الزكاة في العصر الحاضر إلى ما يتفق مع مقاصد الشريعة، ومراعاة مصالح المكلفين.

      وبناء على الفهم السابق للمقاصد وتقسيماتها المعتبرة، فإن مقاصد الزكاة كثيرة ومتشعبة الجوانب، وهي ذات شقين: تحقيق الزكاة لمقاصد الشريعة العامة، والثاني: تحقيقها لمقاصد خاصة بها تعود على المزكي وآخذ الزكاة، وهو ما نشير إليه في مسألتين:

      المسألة الأولى: تحقيق الزكاة للمقاصد العامة للشريعة.

      اتفقت جميع الشرائع السماوية على حفظ الكليات الخمس (الدين والنفس والعقل والعرض والمال).

    1. حفظ الدين.

      حفظ الدين كما هو معلوم من الكليات الخمس المعروفة، والزكاة راعت ذلك، ففيها مصرف خاص، وهو مصرف (في سبيل الله)، ويصرف على تجهيز الغزاة والمجاهدين والإنفاق عليهم لنشر الدعوة إلى الله، والتمكين لدين الله في الأرض؛ امتثالا لأمر الله تعالى الوارد في قوله: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ) [البقرة: ١٩٣].

      كما أن فيها أيضًا مصرفًا خاصًا يصرف على تأليف القلوب على الإسلام وهو المؤلّفة قلوبهم، يعطى لمن دخلوا في الإسلام حديثًا؛ تثبيتًا لهم على الإسلام وعونًا لهم على مواجهة التحديات التي تواجههم، وهذا فيه ما فيه من الحفاظ على الدين.

      وفي العصر الحاضر نجد الحاجة ما زالت ماسةٌ إلى تأليف القلوب على الإسلام، ونشر علومه والتعريف بأحكامه خاصة في الدول الأسيوية، والأفريقية وفي البلاد التي بها أقليات إسلامية كالمسلمين في بلاد البلقان، والجمهوريات الإسلامية التابعة التي كانت تابعة للإتحاد السوفيتي القديم، هذه الدول الإسلامية تظل في أشد الحاجة إلى أموال الزكاة؛ للحفاظ على بقاء الإسلام واستمراره في تلك البلاد 38.

      كما أن للزكاة دورًا كبيرًا في مواجهة الأفكار والفلسفات الهدامة، والحملات التبشيرية التنصرية، وذلك من خلال الصرف من مصرف فى سبيل الله على الدعاة، والمعاهد الإسلامية التي تعمل في المجال الدعوي، والتي تقوم بالتصدي لمثل هذه الأفكار الهدامة كما تعمل على الوقوف في مجابهة الحملات التنصيرية، وفي ذلك أيضًا حفاظ على الدين 39.

    2. حفظ النفس.

      من مقاصد تشريع الزكاة حفظ النفس، وهو من أهم مقاصدها؛ حيث يقوم على مساعدة الفقراء والفئات العاجزة عن الكسب في العلاج من الأمراض الخطيرة التي يبتلون بها، فيكون في مال الزكاة إحياء لنفوسهم وإنقاذهم من الهلاك، وفي نفس الوقت يمكن دفعها إلى المصابين من الأوبئة والمتضررين من السيول والفيضانات والحروب والكوارث؛ لأجل استبقاء أرواحهم، وإنقاذهم من الهلاك.

      فتقوم الزكاة بدور فعّال في الإسهام في إنشاء مراكز علاجية كالمستشفيات ونحوها، لاسيما فيما يتعلق ببعض الأمراض الخطيرة أو المنتشرة بكثرة (كالسرطان، والفشل الكلوي وغيرها)، كنوع من التخفيف عن كاهل الدولة في هذا الصدد.

      وقد أفتى بعض كبار العلماء بجواز الإسهام في هذه المشروعات من الزكاة المفروضة، إذا عرف أنها تعالج الفقراء خاصةً، ومن فتوى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق بشأن دفع الزكاة لإنشاء معهد الكبد في مصر، وفتوى دار الإفتاء المصرية بخصوص دفع الزكاة لإنشاء مستشفى سرطان الأطفال 40.

    3. حفظ العقل.

      من مقاصد تشريع الزكاة حفظ العقل، وذلك يظهر عندما نرى بعض الفقهاء يقررون أن طالب العلم الذي يتأتى منه التحصيل له الحق في الأخذ من الزكاة من مصرف في سبيل الله 41.

    4. حفظ المال.

      اهتم القرآن والسنة بحفظ المال بشتى الطرق والوسائل، ومن المقاصد العامة التي تحققها الزكاة حفظ المال جملة وتفصيلًا، حفظًا معنويًا وماديًا.

      ومن جوانب تحقيق الزكاة لحفظ المال ما يلي:

      • أن تعلق الزكاة بالمال يمنع من اكتنازه، فالإسلام منع من اكتناز النقود ونهى عن تجميدها؛ ذلك أن حبس المال عن التداول، والامتناع عن الإنفاق في سبيل الله، وإخراج زكاته من شأنه أن يفسد التوازن المالي والتجاري والاقتصاد عامة ؛ وهذا يؤدي بدوره إلى اختلال التوازن الاجتماعي؛ وهذا يفضي إلى محظورات ومحرمات، هذه المحظورات يجب منعها عملًا بقاعدة سد الذرائع، وبناء عليه فمسألة كنز المال ليست مسألة شخصية يترك أمرها للأفراد، أو جريمة ذاتية يترك حسابها إلى الله في الآخرة، إنما تصبح مسألة تشريعية ترتبط بمصالح الجماعة فيجب على الدولة التدخل لمنع عدم تداول المال واكتنازه 42.
      • أن الزكاة تعدّ أداة رئيسة لتشجيع الاستثمار وإيجاد فرص للعاطلين، إضافة إلى توسيع القاعدة الإنتاجية بالنسبة لذوي المهن والحرف والصناعات، خصوصًا الذين يفتقرون إلى رؤوس أموال تمكّنهم من امتلاك أدوات العمل؛ ولذلك يرى بعض الفقهاء أن من يحسن حرفة ولا يملك آلات حرفته يعطى من الزكاة ثمن آلات حرفته وإن كثرت 43. يقول الرملي: «أما من حسن حرفة لائقة تكفيه، فيعطى آلات حرفته وإن كثرت، ومن يحسن تجارة يعطى رأس مال يكفيه ربحه منه غالبًا باعتبار عادة بلده» 44.
      • أن الزكاة تحد من ارتكاب الجرائم المالية، ولا شك أن الجرائم المالية تؤثر على المجتمع تأثيرًا سيئًا؛ لما فيها من ضياع للحقوق، وسلب للأموال التي رزق الله تعالى بها عباده، والزكاة تؤدي إلى إطفاء نار الحقد والحسد بين الغني والفقير، كما تقضي على الفقر الذي يؤدي بدوره إلى زيادة معدلات الجريمة من السرقة وتجارة المخدرات، وتؤدي إلى انكفاف الفقير عن التطلع لمال الغني بالحسد أو النهب أو السرقة. والغني إذا واسى الفقير بماله، وسعى لانتشاله من براثن الفاقة، صلح حال الفقير، وصلحت أحوال أبنائه، فلم تكن ثمة حاجة لضخ الأموال وتضييع الجهود لحراسة المال من السرقة، ولن يوجد القلق النفسي القاتل الذي يصاحب نفس أصحاب الأموال خوفًا من السطو عليها 45.
    5. حفظ النسل.

      كذلك من مقاصد الزكاة حفظ النسل من الانقراض، وذلك بتطمين الفقراء وإزالة الخوف من نفوسهم، إذا خافوا من إكثار النسل مخافة العوز والفقر، فإذا تأكد أحدهم بأنه معانٌ بالزكاة فلا يخطر بباله مثل هذا التفكير، ومن أجل ذلك أوجب الله الزكاة على الأغنياء لتردّ على الفقراء 46.

      المسألة الثانية: تحقيق الزكاة لمقاصد أخرى تعود على المزكي وآخذ الزكاة.

      فمما يعود على المزكي ما يلي:

      • الامتثال لأوامر الله عز وجل بإخراج الزكاة: وبذلك يتحقق للمزكي صفتا الإسلام والإيمان، الإسلام لتنفيذه ركنًا من الأركان الخمسة، والإيمان لإدراكه أهمية الزكاة في الدين ودورها في المجتمع، وسعي المزكي لتحقيق ذلك.
      • شكر النعمة والمحافظة عليها: من مقاصد تشريع الزكاة شكر النعمة من أجل الحفاظ على النعمة ودوامها، فالعبادات مشروعة لإظهار شكر المنعم بها في الدنيا، ونيل الثواب في الآخرة، والنعم الدنيوية، نعمتان: نعمة البدن، ونعمة المال، وكل نعمة يجب شكر المنعم عليها، فكما أن العبادات البدنية كالصلاة شكر على نعمة البدن، فالزكاة شكر عملي لنعمة المال التي أنعم الله بها على بعض عباده 47. وشكر نعمة المال بإخراج الزكاة منه يستلزم بقاءه وتنميته قال تعالى ( ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [إبراهيم: ٧].
      • طهرة لنفوس الأغنياء والفقراء: من مقاصد تشريع الزكاة تطهير نفوس الأغنياء من البخل والشح والحرص والطمع؛ وكلها صفات مذمومة تودي بمن يتصف بها إلى البوار والخسران؛ فأداء الزكاة تخلّص صاحبها من كل هذه الصفات، ويفوز المزكي بالرضا والفلاح. قال الله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) [الحشر: ٣]. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ مهلكاتٌ: شحٌ مطاعٌ، وهوىً متّبعٌ، وإعجاب المرء بنفسه)48، وأما بالنسبة للفقراء فتطهّر قلوبهم من الحقد والغل والحسد تجاه الأغنياء الذي يتولد بسبب الحرمان وشدة الحاجة بسبب منع الأغنياء فضل أموالهم، فبالزكاة تنتزع الإسلام الغل من قلوب المؤمنين وباعد بينهم وبين تلك الأمراض النفسية التي تفعل فعلها في خلق الأحقاد والضغائن بين أفراد المجتمعات المعاصرة التي لا تأخذ بهذه الفريضة، وهذا أمر مشاهد ملموس 49.

        ثالثًا: عقوبة مانعي الزكاة:

        لما كانت الزكاة ركنًا من أركان الإسلام الخمسة، فقد حث القرآن الكريم في آيات عديدة على إخراجها على نحو ما تقدم بيانه، ورتّب على منعها عقوبات دنيوية وأخروية، وقد ورد طرف من هذه العقوبات في آيات من كتاب الله عز وجل وأحاديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونشير إلى طرف من ذلك على هذا النحو:

        العقوبة الأولى: كي الجباه والجنوب والظهور.

        قال تعالى في كتابه العزيز: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [التوبة: ٣٤ - ٣٥].

        وبالنظر إلى هاتين الآيتين الكريمتين نجد أن العقاب الذي ورد فيهما فيه من المناسبة للحال ما فيه، وفيه من الإجمال والتفصيل في أنواع العذاب ما فيه.

        فالتبشير بالعذاب الأليم على جهة العموم فيه تهكم على أصحاب الأموال الذين يكنزونها ويمنعون حق الله تعالى فيها، ثم إن تصوير هذا العذاب بهذا الوصف فيه من وجوه الإعجاز والبلاغة ما فيه.

        قال بعض العلماء: «إنما خص هذه الأعضاء بالكي من بين سائر الأعضاء، لأن الغني صاحب المال إذا أتاه السائل فطلب منه شيئًا تبدو منه آثار الكراهة والمنع، فعند ذلك يقطّب وجهه، ويكلح وتجتمع أسارير وجهه فيتجعد جبينه، ثم إن كرّر السائل الطلب نأى بجانبه عنه ومال عن جهته وتركه جانبًا، ثم إن كرّر الطلب وألحّ في السؤال ولاه ظهره وأعرض عنه، واستقبل جهة أخرى، وهي النهاية في الرد، والغاية في المنع الدال على كراهية الإعطاء والبذل، وهذا دأب مانعي البر والإحسان وعادة البخلاء؛ فلذلك خص هذه الأعضاء الثلاثة بالكي يوم القيامة» 50.

        ومن لطائف الآيتين أن العلماء اختلفوا في أمرين فيهما:

        الأمر الأول: ضابط الكنز المذموم في هذه الآية:

        اختلف العلماء في المال الذي أديت منه الزكاة هل يسمى كنزًا أم لا؟ على أقوال مردها إلى معنى الكنز في اللغة والشرع، وما ورد في شأنه من الأحاديث والآثار:

        القول الأول: لأكثر الصحابة وهو أن المراد به المال الذي لم تؤدّ زكاته، فقد روي عن عمر بن الخطاب وابن عمر، وابن عباس وجابر بن عبد الله وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين.

        ودليله: (ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحًا51 من ذهب فسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: أكنز هو؟ فقال: (إذا أديت زكاته فليس بكنز)52.

        وما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل ما أدّيت زكاته فليس بكنز، وإن كان تحت سبع أرضين، وكل مال لم تؤدّ زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرض) 53.

        وذكر بعض العلماء أن الإنفاق هنا يندرج فيه سائر الحقوق من الكفارات، والديون، ونفقة الحج، والجهاد والإنفاق على الأهل والعيال، وضمان المتلفات، وأروش الجنايات.

        القول الثاني: أن كل مال كثير فهو مذموم سواء أدّيت زكاته أو لم تؤدّ 54. وممن ذهب إلى هذا علي رضي الله عنه حيث روي عنه قوله: «أربعة آلاف فما دونها نفقة، وما كثر فهو كنز وإن أدّيت زكاته» 55.

        ويروى عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن كل ما زاد عن حاجة المرء فهو كنز، حيث ذكر القرطبي أن هذا مذهب أبي ذر رضي الله عنه ومن مفرداته وشدائده، وعلّله القرطبي بقوله: «يحتمل أن يكون مجمل ما روي عن أبي ذر في هذا، ما روي أن الآية نزلت في وقت شدة الحاجة وضعف المهاجرين وقصر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كفايتهم، ولم يكن في بيت المال ما يسعهم، وكانت السنون الجوائح هاجمة عليهم، فنهوا عن إمساك شيء من المال إلا على قدر الحاجة، ولا يجوز ادخار الذهب والفضة في مثل ذلك الوقت فلما فتح الله على المسلمين ووسّع عليهم أوجب صلى الله عليه وسلم في مائتي درهم خمسة دراهم، وفي عشرين دينارًا نصف دينار، ولم يوجب الكل، واعتبر مدة الاستنماء، فكان ذلك منه بيانًا صلى الله عليه وسلم» 56. ولكل قول من القولين حججه وأدلته مما لا يتسع المقام لذكره.

        الأمر الثاني: المقصود بالذم في الآية:

        روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الذم في هذه الآية مقصود به أهل الكتاب، وإليه ذهب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه 57.

        وروي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وتبعه في هذا القول غيره أنها عامة في أهل الكتاب وفي المسلمين، ووقع بينه وبين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه خلاف في ذلك 58.

        العقوبة الثانية: توعّدهم بالويل، وتشبيههم بالمشركين.

        وهذا ما جاء في إحدى السور التي نزلت بمكة، حيث لم تكن الزكاة فرضت بعد، فقد جاء في سورة فصلت قول الله تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [فصلت: ٦ - ٧].

        وفي الآية لطائف تفسيرية عند القائلين بأن المراد بها زكاة المال، وهم الحسن وقتادة، وغيرهم، منها:

      • أنها واردة على سبيل الإخبار بما سيقع من الذين لا يؤمنون بفرضية الزكاة ولا يؤدونها؛ وذلك لأن الزكاة لم تكن فرضت وقت نزول الآية.... وإنما جعل منع الزكاة مقرونًا بالكفر بالآخرة لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على استقامته، وصدق نيته، وخلوص طويته، وما ارتدت العرب إلا بمنعها 59.
      • أن المقصود بالزكاة فيها الصدقة، وليس زكاة النصب المعينة في الأموال، وإطلاق الزكاة على الصدقة مشهور في القرآن الكريم 60.
      • ومن لطائف استلزام الويل على منع الزكاة ما قاله بعضهم: «.... فأما كون الشرك وإنكار البعث موجبين للويل فظاهر، وأما كون عدم إيتاء الزكاة موجبًا للويل فذلك لأنه حمّل عليهم ما قارن الإشراك وإنكار البعث من عدم الانتفاع بالأعمال التي جاء بها الإسلام، فذكر ذلك هنا لتشويه كفرهم وتفظيع شركهم وكفرانهم بالبعث، بأنهما يدعوانهم إلى منع الزكاة، أي إلى القسوة على الفقراء الضعفاء وإلى الشحّ بالمال، وكفى بذلك تشويهًا في حكم الأخلاق وحكم العرف فيهم؛ لأنهم يتعيرون باللؤم، ولكنهم يبذلون المال في غير وجهه، ويحرمون منه مستحقيه، وهناك من قال: بأن المقصود بالزكاة في الآية زكاة النفس بالتوحيد والدخول في الإسلام، وهو قول ابن عباس وغيره 61.

        العقوبة الثالثة: التطويق بالشجاع الأقرع يوم القيامة.

        من عقوبات منع الزكاة ما جاء في قول الله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [آل عمران: ١٨٠].

        هذا وقد أخرج الشيخان بسندهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (من آتاه اللّه مالًا فلم يؤدّ زكاته مثّل له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع، له زبيبتان، يطوّقه يوم القيامة، ثمّ يأخذ بلهزمتيه يعني بشدقيه، ثمّ يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثمّ تلا: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [آل عمران: ١٨٠ ]) 62.

        وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) قال: ((من كان له مال لم يؤد زكاته طوّقه الله يوم القيامة شجاعًا أقرع، بفيه زبيبتان، ينقر رأسه حتى يخلص إلى دماغه، ولفظ الحاكم ينهسه في قبره فيقول: ما لي ولك؟! فيقول: أنا مالك الذي بخلت بي63.

        ومعنى كلمة ()، يحتمل أنه مشتق من الطاقة وهي تحمل ما فوق القدرة، أي : سيحملون ما بخلوا به ، أي : يكون عليهم وزرًا يوم القيامة، أو أنه مشتق من الوق وهو ما يلبس تحت الرقبة فوق الصدر، أي : تجعل أموالهم أطواقًا يوم القيامة فيعذّبون بحملها64.

        أنواع الصدقة وفضلها

        أولًا: أنواع الصدقة:

        الصدقة إما واجبة، وإما تطوع، فالواجبة هي الزكاة المفروضة بشروطها وأحكامها، والتي هي أحد أركان الإسلام الخمسة، والتطوع هي ما يتقرّب به المرء على سبيل التطوع بلا وجوب، وكل منهما أنواع، وفي ذلك مسألتان بيانهما على النحو الآتي:

        ١. الصدقة الواجبة (الزكاة).

        الصدقة الواجبة أو الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة، ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة والإجماع على نحو ما تقدم ذكره، وهي أنواع متعددة، تتعلق بما يملكه المسلم من مال بكسب أو إرث أو غير ذلك، وتخرج جميع أنواع الزكاة وفقًا لشروط عامة وشروط خاصة، وقد ورد في القرآن الكريم الأمر بالزكاة على جهة الإجمال، وجاءت السنة النبوية بالتفصيل، وبعض أنواع الزكاة متفق عليها، وبعضها مختلف فيه.

        وقد أحسن ابن رشد الحفيد صنعًا بتقسيمه لأنواع الزكاة من حيث المتفق عليه والمختلف فيه، ونورد طرفًا من كلامه على هذا النحو:

        قال ابن رشد: «وأما ما تجب فيه الزكاة من الأموال فإنهم اتفقوا منها على أشياء واختلفوا في أشياء، أما ما اتفقوا عليه فصنفان من المعدن الذهب والفضة اللتين ليستا بحلي، وثلاثة أصناف من الحيوان الإبل والبقر والغنم، وصنفان من الحبوب الحنطة والشعير، وصنفان من الثمر التمر والزبيب، وفي الزيت خلاف شاذ. والذي اختلفوا فيه من الذهب هو الحلي فقط».

        ثم قال: «وأما ما اختلفوا فيه من الحيوان: فمنه ما اختلفوا في نوعه، ومنه ما اختلفوا في صنفه؛ أما ما اختلفوا في نوعه فالخيل.....، وأما ما اختلفوا في صنفه فهي السائمة من الإبل والبقر والغنم من غير السائمة منها، فإن قومًا أوجبوا الزكاة في هذه الأصناف الثلاثة سائمة كانت أو غير سائمة.. وقال سائر فقهاء الأمصار: لا زكاة في غير السائمة من هذه الأنواع الثلاثة».

        ثم قال: «وأما ما اختلفوا فيه من النبات بعد اتفاقهم على الأصناف الأربعة التي ذكرناها فهو جنس النبات الذي تجب فيه الزكاة، فمنهم من لم ير الزكاة إلا في تلك الأربع فقط.... ومنهم من قال: الزكاة في جميع المدّخر المقتات من النبات....، ومنهم من قال: الزكاة في كل ما تخرجه الأرض ما عدا الحشيش والحطب والقصب» 65.

        ونورد هنا ذكر أصناف الزكاة، ودليل كل صنف منها من القرآن الكريم بإيجاز على النحو الآتي:

      1. زكاة المال (النقدين).

        وهو ما يملكه المسلم من مال، أو نقد ذهب أو فضة، ونصابها من الذهب عشرون مثقالًا، وهو ما يساوي ٨٥ جرامًا من الذهب، ومن الفضة مائتي درهم، وهو ما يساوي ستمائة جرام، ومقدار المخرج منه (ربع العشر) أي ٢.٥ ٪، ويشترط فيها كونها فائضة عن الحاجة، ومرور الحول، وتمام النصاب.

        ودليلها من القرآن قول الله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ) [التوبة: ١٠٣].

        ودليلها كذلك قول الله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ) [التوبة: ٣٤-٣٥].

        ودليلها كذلك قول الله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ٢٦٧].

        وروي عن علي رضي الله عنه في قوله: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) قال: «من الذهب والفضة؛ (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) قال: يعني من الحب والتمر وكل شيء عليه زكاة» 66.

      2. زكاة الزروع والثمار.

        وهي تشمل أصنافًا معينة مما تنتجه الأرض من زروع وثمار على تفصيل معروف عند الفقهاء، ونصابها خمسة أوسق، والوسق ستون صاعا، والصاع قدح وثلث بالكيل المصري، والمقدار المخرج منها العشر إن كانت الأرض تسقى بالراحة، ونصف العشر إن كانت تسقى بالآلة ونحوها، ولا يشترط فيها مرور الحول، بل الحصاد، وبلوغ النصاب فقط على تفصيل معروف في بابه.

        ودليلها من القرآن قول الله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنعام: ١٤١].

        ويدل عليها كذلك قوله جل شأنه: ( ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ٢٦٧].

      3. زكاة عروض التجارة.

        وهي الأشياء التي يعدّها المرء ليتجر فيها مثل: العقارات والأثاث والسيارات والمواشي، وغيرها.

        وزكاة التجارة مثل زكاة المال نصابًا ومقدارًا، ودليلها من القرآن قول الله تعالى: ( ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ٢٦٧].

      4. زكاة الأنعام.

        ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات الكريمة التي تبيّن نعمة الأنعام وأصنافها وفوائدها للإنسان، وتأمره بشكر الله تعالى على تلك النعم، ومن معالم هذا الشكر ما ورد في السنة من وجوب الزكاة في الأنعام، وتحديد أنصبتها ومقاديرها، وتولية الرسول صلى الله عليه وسلم للسعاة ليجمعوها من أربابها.

        واتفق فقهاء الأمة على الأنعام التي تجب فيها الزكاة هي (الإبل والبقر والغنم، وأن البقر يدخل فيها الجاموس، والغنم يدخل فيها الماعز)، وهناك خلاف في أصناف أخرى من الحيوانات حول وجوب الزكاة فيها من عدمه. ولزكاة الأنعام شروط عامة وشروط خاصة بكل نوع منها، وأنصبة لكل نوع، لا مجال هنا لذكرها هنا.

      5. زكاة الركاز أو المعدن.

        الركاز اختلف في تعريفه، فقيل: إنه اسم للمعدن حقيقة، أو المال الذي خلقه الله تعالى في الأرض 67.

        وقيل: إنه المال المدفون قبل العصر الإسلامي، وسمي ركازًا كأنه ركز في الأرض، أي: أثبت فيها 68.

        ويشمل الركاز عند بعض المالكية كل ما وجد من ذهب أو فضة في باطن الأرض مخلصًا، سواء دفن فيها أو كان خاليًا عن الدفن 69.

        ومقدار زكاته الخمس لما روي عن أبى هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (في الرّكاز الخمس) 70.

        واستدل لوجوبها من القرآن بعموم قول الله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) [البقرة: ٢٦٧]71.

      6. زكاة الفطر.

        زكاة الفطر أو صدقة الفطر قيل: إنها مأخوذة من الفطر الذي هو مقابل الصوم، فهي اسم مصدر من قولك: أفطر الصائم إفطارًا، وأضيفت إلى الفطر؛ لأنه سبب وجوبها، من إضافة الشيء إلى سببه، وقيل: إنها مأخوذة من الفطرة بمعنى الخلقة، وهذه يراد بها الصدقة عن البدن 72.

        وهي ما يدفعه المسلم عن نفسه وعمن يعوله، وتجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان حتى انتهاء صلاة عيد الفطر.

        ودليل مشروعيتها محل خلاف بين الفقهاء على قولين: أولهما- أنها وجبت بالسنة النبوية، والثاني: أنها وجبت بالقرآن في قول الله تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الأعلى: ١٤].

        وكذلك قوله جل شأنه: (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [البينة: ٥]73.

        وتفصيل شروطها ومقدارها وما تخرج منه، ومن تخرج عنها، ومصارفها مبسوط في موضعه من كتب الفقه.

        ٢. صدقة التطوع.

        ورد في العديد من آيات القرآن الحث على صدقة التطوع، وبيان فضلها وثوابها عند الله تعالى، وقد سبق ذكر طرف من الآيات التي تتكلم عن الصدقة، وسيأتي بيان فضل الصدقة وثوابها.

        وليس لصدقة التطوع حد معين أو نصاب مقدر، فباستطاعة المرء أن يتصدّق بما شاء قل أو كثر، وليس لها مصارف محددة، بل تشمل مصارف الزكاة الثمانية، وما سواها مما هو قريب منها أو شبيه بها، بل تشمل الأصناف الذين لا يحل دفع الزكاة المفروضة لهم، كغير المسلمين والأغنياء.

        ومن هنا كان مجال صدقة التطوع أوسع، حيث يمكن لكل مسلم أن يتصدق صدقة تطوع، بخلاف الزكاة المفروضة على الغني بشروط معينة، وتدفع وفق أنصبة ومقادير ومصارف معينة.

        أنواع صدقة التطوع:

        صدقة التطوع نوعان أساسان:

        النوع الأول: الصدقة بالمال على حسب أنواعه، والحاجة إليه، وما يحتسبه الإنسان من النفقات، والهبات يرجو ثوابها عند الله تعالى، وهذا باب كبير حثت عليه آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية الشريفة؛ لما فيه من الفضل العظيم والخير الكبير والثواب الجزيل، ولما يقدمه من نفع للفرد والأمة.

        والنوع الثاني: ما سوى المال، وهذا يشمل صنوفًا كثيرة من أعمال البر والخير لو ذهبنا نستقصيه لما استطعنا إلى ذلك سبيلًا، وأكتفي بالإشارة إلى طرف منه على هذا النحو:

        • جميع أنواع المعروف صدقة؛ لحديث حذيفة رضي الله عنه، قال: قال نبيكم صلى الله عليه وسلم (كل معروف صدقة) 74.
        • ذكر الله عز وجل تسبيحًا وتحميدًا وتهليلًا وتكبيرًا ضرب من ضروب الصدقة.
        • الإمساك عن الشر، وكف الأذى عن الطريق، ونحو ذلك من صنوف صدقة التطوع.
        • الدلالة على فعل الصدقات، أو التوجيه إلى فعل الخيرات ضرب من ضروب صدقة التطوع.
        • الكلمة الطيبة صدقة، وتبسم المسلم في وجه أخيه صدقة... الخ.

          وهكذا نرى تنوعًا واضحًا في صدقات التطوع، مما وردت الإشارة إليه في آيات قرآنية وأحاديث نبوية، وأكتفي هنا ببعض الآيات التي تحث على التصدق، وتبيّن فضله، وحملها المفسرون على صدقة التطوع.

          أولًا: قوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) [الأحزاب: ٣٥].

          والمراد بهم المنفقين أموالهم في طاعة الله تعالى من الرجال والنساء، سواء كانت صدقة واجبة أو تطوع 75.

          ثانيًا: قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الحديد: ٧].

          حيث ذكر المفسرون أن مقصود النفقة فيها هو التصدق في سبيل الله 76.

          ثانيًا: فضل الصدقة:

          يترتب على الصدقات بأنواعها فريضة كانت أو تطوعًا الثواب الكبير والفضل العظيم في الدنيا والآخرة، وقد أشارت بعض آيات القرآن الكريم إلى ذلك، وتواترت أحاديث السنة النبوية التي تحث على الصدقة وبذل المال وتبين فضل ذلك، وبيان ذلك على النحو الآتي:

          ١. تكفير الذنوب والآثام.

          لم يختلف العلماء في أن الصدقة تكفّر عن المرء شيئًا من ذنوبه وآثامه وتمحو خطاياه، التي تتعلق بحقوق الله تعالى، بل وذهب بعض منهم إلى أنها تكفّر بعض الذنوب التي بين المخلوقين استدلالًا ببعض الآيات والأحاديث، بل إن الإمام البخاري رحمه الله قد بوّب بابًا في صحيحه بعنوان: (باب الصدقة تكفّر الخطيئة) 77. ونشير هنا إلى طرف من هذه الآيات الكريمة والأحاديث النبوية.

          أولًا: قال الله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [البقرة: ٢٧١].

          قال القرطبي: «ذهب الجمهور إلى أن الآية في صدقة التطوع؛ لأن الإخفاء فيها أفضل من الإظهار، وكذلك سائر العبادات الإخفاء أفضل في تطوعها لانتفاء الرياء عنها، وليس كذلك الواجبات» 78. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ: «وتكفّر عنكم من سيئاتكم» وقال: «الصدقة هي التي تكفّر» 79.

          ثانيًا: حديث (يا معشر النّساء تصدّقن فإنّي أريتكنّ أكثر أهل النّار) 80.

          قال ابن بطال: «وفيه: دليل أن الصدقة تكفّر الذنوب التي بين المخلوقين» 81.

          ومما ورد في تكفير الذنوب ما يلي:

          أولًا: ما روي عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه: أيّكم يحفظ حديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الفتنة؟ قال: قلت: أنا أحفظه كما قال. قال: إنّك عليه لجريءٌ! فكيف قال؟ قلت: (فتنة الرّجل في أهله وولده وجاره تكفّرها الصّلاة والصّدقة والمعروف). قال سليمان: قد كان يقول :( الصّلاة والصّدقة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر.... ) 82.

          ثانيًا: ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: (والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار) 83.

          ٢. تطهير النفس وتزكيتها.

          تقوم الصدقة بدور كبير في تطهير النفس البشرية من أدران المعاصي، وتزكيها، وتسمو بها فوق الشهوات واتباع خطوات الشيطان، حيث يخرج المرء ماله في سبيل الله قاصدًا به ابتغاء وجه الله تعالى.

          يقول الغزالي في بيان دقائق الآداب الباطنة في الزكاة: «اعلم أن على مريد طريق الآخرة بزكاته وظائف، الوظيفة الأولى: فهم وجوب الزكاة ومعناها ووجه الامتحان فيها، وأنها لم جعلت من مباني الإسلام، مع أنها تصرّفٌ مالي، وليست من عبادة الأبدان»84.

          قال تعالى في شأن الصدقة: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التوبة: ١٠٣].

          والجمهورعلى أن المقصود بها الزكاة المفروضة.

          وقد فسرها بعضهم بأنها صدقة التطوع على سبيل الكفارة لذنوب المتصدقين، وجعلوها خاصة بهذه الطائفة المعترفة بذنوبها؛ لأنهم بعد التوبة عليهم عرضوا أموالهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية. وفسّرها الإمام مالك في رواية عنه بأنها زكاة الفطر 85.

          ٣. مضاعفة الثواب.

          ورد في مضاعفة الصدقة للثواب ما يلي:

          أولًا: قول الله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [البقرة: ٢٧٦].

          ومعنى (ﮇ ﮈ) أي: يضاعف ثوابها، ويبارك في المال الذي أخرجت منه86.

          ثانيًا: ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديدٍ من ثديّهما إلى تراقيهما، فأمّا المنفق فلا ينفق إلّا سبغت أو وفرت على جلده حتّى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأمّا البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلّا لزقت كلّ حلقةٍ مكانها فهو يوسّعها ولا تتّسع) 87.

          ثالثًا: ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يومٍ يصبح العباد فيه إلّا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللّهمّ أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللّهمّ أعط ممسكًا تلفًا) 88.

          رابعًا: ما روي عن أبى هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلاّ من ثلاثٍ صدقةٌ جاريةٌ، وعلمٌ ينتفع به، وولدٌ صالحٌ يدعو له) 89.

          هذا وقد ورد في الصدقة آيات وأحاديث تشير إلى دورها في الفوز بالجنة والنجاة من النار، ومن ذلك:

          أولًا: قول الله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [النساء: ١١٤ ].

          ففي الآية إخبار من الله تعالى أنه لا خير في كثير من أولئك المتناجين ولا في نجواهم لنفاقهم وسوء طواياهم اللهم إلا في نجوى أمر أصحابها بصدقة تعطى لمحتاج إليها من المسلمين، أو معروف استحبه الشارع أو أوجبه من البر والإحسان أو إصلاح بين الناس؛ للإبقاء على الألفة والمودة بين المسلمين. ثم أخبر تعالى أن من يفعل ذلك المذكور من الصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس طلبًا لمرضاة الله تعالى فسوف يثيبه بأحسن الثواب، ألا وهو الجنة دار السلام؛ إذ لا أجر أعظم من أجر يكون الجنة90.

          ثانيًا: ما روي عن عديّ بن حاتمٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: (اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرةٍ) 91.

          ثالثًا: ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج النّبىّ صلى الله عليه وسلم، يوم عيدٍ فصلّى ركعتين، لم يصلّ قبل ولا بعد، ثمّ مال على النّساء، وبلالٌ معه، فوعظهنّ، وأمرهنّ أن يتصدّقن، فجعلت المرأة تلقي القلب والخرص 92.

          قال ابن بطال: «دلّ هذا الحديث أنّ الصدقة قد تنمي المال، وتكون سببًا إلى البركة والزيادة فيه، وأن من شح ولم يتصدق، فإن الله يوكى عليه، ويمنعه من البركة في ماله والنماء فيه» 93.

          مصارف الزكاة

          من حكمة الله عز وجل في تشريع الزكاة أن حدد لها مصارف، موجودة كلها أو أكثرها في كل البلاد والعصور، كما قال الإمام الغزالي رحمه الله: «وقد عدم من الثمانية صنفان في أكثر البلاد، وهم المؤلفة قلوبهم، والعاملون عليها، ويوجد في جميع البلاد أربعة أصناف: الفقراء والمساكين، والغارمون، والمسافرون - أعني أبناء السبيل-، وصنفان يوجدان في بعض البلاد دون بعض، وهم الغزاة والمكاتبون» 94.

          وهذه المصارف مذكورة في كتاب الله تعالى في قوله جل شأنه: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [التوبة: ٦٠].

          وقد فسّرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زياد بن الحارث الصدائي رضي الله عنه: قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته - فذكر حديثًا طويلًا - فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى لم يرض بحكم نبيٍ، ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها هو فجزّأها ثمانية أجزاء، فإن كنت منهم أعطيتك حقّك)95.

          هذا وقد لاحظ بعض العلماء فرقًا دقيقًا بين الأصناف الأربعة الأولى والثانية، بأن الأربعة الأولى (الفقير والمسكين، والعامل على الزكاة، والمؤلفة قلوبهم) يأخذون منها أخذًا مستقرًا، لا يجب عليهم رد ما أخذوه بأي حال حتى لو استغنوا، والأربعة الثانية (في الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل) يأخذوا من الزكاة لينفقوا في تلك الاحتياجات، فإن لم ينفقوا المال فيها، وجب عليهم رده 96.

          وقد اتفق الفقهاء على أنّ هذه الآية تفيد الحصر، أي : حصر مصارف الزكاة في هذه الثمانية، كما قال الكمال ابن الهمام: «فمن كان من هؤلاء الأصناف كان مصرفًا، ومن لا فلا؛ لأن «إنما» تفيد الحصر فيثبت النفي عن غيرهم» 97.

          وقد ادعى بعض العلماء أن هذا من الإجماع، إلا أنّ دعوى الإجماع غير مستقيمة؛ لما روي عن أنس بن مالك والحسن من جواز دفعها لغير هؤلاء الثمانية98.

          وما ذهب إليه بعض الحنفية والشيخ تقي الدين بن تيمية من جواز صرف الزكاة لشراء كتب العلم إذا احتاج إليها طالب العلم، غير أن بعض فقهاء الحنابلة قد اعتبروه غير خارج عن الأصناف الثمانية 99.

          ونتناول بيان تلك المصارف في السطور الآتية:

          ١. الفقراء.

          الفقراء جمع فقير، وقد جرى خلاف كبير في تعريفه، في اللغة و اصطلاح الفقهاء والمتصوفة، والذي يعنينا من ذلك هو الفقير في ضوء القرآن الكريم، والذي يستحق الزكاة.

          فأما عن تعريف الفقير في اللغة: فقيل: إنه مشتق من فقر الظهر، وهو الذي نزعت فقرة ظهره فانقطع صلبه، وفقير، بمعنى مفعول أي : مفقور،، ورجل فقيرٌ من المال وقد فقر فهو فقير ، والجمع فقراء 100.

          وقيل: إنه فعيل بمعنى فاعل يقال: فقر، يفقر، من باب تعب إذا قلّ ماله، وقيل: الفقير الذي له بلغةٌ من العيش، قال الراعي يمدح عبد الملك بن مروان ويشكو إليه سعاته:

          أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد 101.

          وأما عن تعريفه لدى الفقهاء، فقيل: إنه والمسكين بمعنى واحد، وقيل: له تعريفات أخرى هي:

        • أن الفقير هو الذي له بعض ما يكفيه ويقيمه 102.
        • أنه الذي لا يسأل الناس، كما قال الله تعالى في صفة الفقراء: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ) 103.
        • أنه الذي يسأل ويظهر افتقاره وحاجته إلى الناس، استدلالًا بقوله عز وجل: (ﯳ ﯴ) 104.
        • أنه الذي له بلغة لا تكفيه لعيش عامه105.
        • أنه الذي لا يقدر على ما يقع موقعًا من كفايته لا بمال ولا بكسب 106.
        • أنه الذي لا يجد شيئا ألبتة، أي : قطعًا، أو يجد شيئًا يسيرًا من الكفاية دون نصفها من كسب أو غيره مما لا يقع موقعا من كفايته 107.

          وأما عن ورود ذكره في القرآن فعلى النحو الآتي :

          ورد لفظ الفقير مفردًا بالتعريف والتنكير في المواضع الآتية:

          في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [آل عمران: ١٨١].

          والمشهور في سبب نزولها ما ذكره اليهودي فنحاص بن عازوراء لعنه الله، حينما دعاه سيدنا أبو بكر الصديق للإسلام وأن يصدّق بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ويقرض الله قرضًا حسنًا، فقال فنحاص: تزعم أن الله يستقرضنا أموالنا، ولا يستقرض إلا الفقير، ثم جحد مقالته بعد ذلك أمام النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنزلت الآية 108.

          وفي قوله تعالى: (ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) [النساء: ٦].

          وفي قوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [النساء: ١٣٥].

          وفي قوله تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الحج: ٢٨].

          وقوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [القصص: ٢٤].

          والمراد هنا الفقر إلى الله المشار إليه في قول بعض الصالحين: «اللهم أغنني بالافتقار إليك».

          وورد لفظ الفقراء بالجمع (معرفًا ومنكرًا) في المواضع الآتية:

          في قوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [ البقرة: ٢٧١].

          وفي قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [البقرة: ٢٧٣].

          والمراد بهم هنا خواص الفقراء، أي : فقراء المهاجرين ،وكانوا نحو أربعمائة لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر، وكانوا قد حبسوا أنفسهم على الجهاد، وكانوا وقفًا على كل سرية يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أهل الصفة. هذا أحد الأقوال في إحصارهم في سبيل الله. وقيل: هو حبسهم أنفسهم في طاعة الله. وقيل: حبسهم الفقر والعدم عن الجهاد. وقيل: لما عادوا أعداء الله وجاهدوهم أحصروا عن الضرب في الأرض لطلب المعاش، فلا يستطيعون ضربًا فى الأرض. والصحيح أنه لفقرهم وعجزهم وضعفهم لا يستطيعون ضربًا فى الأرض، ولكمال عفتهم وصيانتهم يحسبهم من لم يعرف حالهم أغنياء، وهؤلاء يقابلهم أصحاب الجدة، ومن ليس محصرًا في سبيل الله، ومن لم يكتم فقرًا وضعفًا 109.

          وفي قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [التوبة: ٦٠].

          والمراد بهم فقراء المسلمين من الخاصة والعامة المستحقون للزكاة، وهؤلاء يقابلهم أصحاب الجدة (أي: الغني)، ومن ليس محصرًا في سبيل الله، ومن لم يكتم فقرًا وضعفًا، وهذا الصنف يقابل أصحاب الجدة، ويدخل فيهم المتعفف وغيره، والمحصر وغيره 110.

          وفي قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [النور: ٣٢].

          وفي قوله تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ)[فاطر: ١٥].

          والمراد هنا الفقر العام لأهل الأرض كلهم غنيهم وفقيرهم، مؤمنهم وكافرهم، وهؤلاء لا مقابل لهم، بل الله وحده الغنى وكل ما سواه فقير إليه 111.

          وقوله تعالى: (ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [محمد: ٣٨].

          والمعنى هنا مثل سابقه.

          وقوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الحشر: ٨].

          وورد لفظ الفقر في المواضع الآتية:

          في قوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [البقرة:٢٦٨] [البقرة: ٢٦٨].

          والمعنى أن الشيطان يعدكم في الإنفاق الفقر، ويأمركم بالبخل ومنع التصدق، فالمراد بالفحشاء هنا كما ذكره كثير من المفسرين: البخل وعدم التصدق 112. (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [البقرة: ٢٦٨]. فإنه منع الزكاة113.

          ٢. المساكين.

          جاء في لسان العرب في مادة (سكن): المسكين الذي لا شيء له، وقيل: الذي لا شيء له يكفي عياله قال أبو إسحاق: المسكين الذي أسكنه الفقر ، أي : قلّل حركته وهذا بعيد؛ لأن مسكينًا في معنى فاعل، وقوله: الذي أسكنه الفقر يخرجه إلى معنى مفعول، والاسم منه المسكنة، قال الليث: المسكنة مصدر فعل المسكين وإذا اشتقوا منه فعلًا قالوا: تمسكن الرجل، أي: صار مسكينًا، ويقال: أسكنه الله وأسكن جوفه أي : جعله مسكينًا، وقد يكون بمعنى الذّلّة والضعف يقال تسكّن الرجل وتمسكن 114.

          واختلف في تعريف المسكين على أقوال، منها:

        • أن المسكين هو الذي به زمانة لا يسأل ولا يعطى له، كما قال الله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البلد: ١٦ ]. أي لاصقًا بالتراب من الجوع والعرى 115.
        • أنه الذي يسأل الناس، كما قال الله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الإنسان: ٨]. وقد جاء يسأل 116.
        • أن المسكين هو من ليس لديه شيء بالكلية 117.
        • أنه الذي يقدر على ما يقع موقعًا من كفايته إلا إنه لا يكفيه 118.
        • أنه الذي يجد معظم الكفاية أو نصفها، من كسب أو غيره 119.

          قلت: ومما تقدم يمكن استخلاص تعريف أو وصف للمسكين بأنه: من ليس لديه ما يكفيه بسبب عجز، بدني أو قلة في الكسب، مع تعففه عن سؤال الناس.

          الفرق بين الفقير والمسكين:

          للعلماء في التفرقة بين الفقير والمسكين أو التشابه بينهما أقوال أوجزها في ثلاثة:

          القول الأول: أن الفقير أحسن حالًا من المسكين، قال ابن السكيت: سألت أعرابيًا: أفقير أنت؟ فقال: لا والله بل مسكينٌ.

          القول الثاني: أنّ المسكين أحسن حالًا من الفقير؛ لأن الله تعالى قال: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) وكانت تساوي جملة، وقال في حقّ الفقراء: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ).

          القول الثالث: أنهما صنف واحد، وهو الذي لا شيء له فجعلهما سواء 120.

          لفظ المسكنة ومشتقاته في القرآن الكريم:

          ورد لفظ المسكنة في القرآن الكريم في موضعين:

          في قوله تعالى في شأن بني إسرائيل: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ) [البقرة: ٦١].

          وفي قوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١١٢].

          والمسكنة التي ضربها الله تعالى على بني إسرائيل فسّرت بتفسيرات عدة.

          ففسّرها بعض العلماء بالفقر والمهانة بسبب إساءتهم في حق الله، وما اقترفوه في حق الأنبياء والرسل 121.

          وفسّرها بعض آخر بأن المراد بها فقر النفوس حتى ولو كان صاحبها غنيّا 122.

          وفسّرها آخرون بأنها العبودية، فبعد أن كانوا في عزة وتمكين تعرّضوا للعبودية والذلة، والتشريد في البلاد، وضياع الأموال والثروات، والمراد بضرب المسكنة عليهم تقديرها لهم، وهذا إخبار بمغيّب؛ لأن اليهود المخبر عنهم قد أصابهم الفقر حين أخذت منازلهم في خيبر، والنّضير، وقينقاع، وقريظة، ثمّ بإجلائهم بعد ذلك في زمن عمر رضي الله عنه 123.

          وورد لفظ «المسكين» مفردًا منكّرًا في ثلاثة مواضع:

          في قوله تعالى في كفارة الظهار: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ) [المجادلة: ٤].

          وقوله تعالى في شأن التصدق بالطعام: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) الإنسان: ٨].

          وقوله تعالى في شأن الإطعام: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [البلد: ١٦].

          والمراد به مسكينًا ذا لصوق بالأرض؛ لحاجته وشدة فقره، يقال: ترب فلان: إذا افتقر والتصق بالتراب، ويقال أيضًا: ترب بمعنى افتقر، وأترب، أي: استغنى، كأنّ الهمزة للسّلب 124.

          وورد لفظ المسكين مفردًا معرفًا في موضعين:

          في قوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الإسراء: ٢٦].

          وقوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الروم: ٣٨].

          وورد لفظ «مساكين» منكرًا بالجمع في ثلاثة مواضع:

          في قوله تعالى في كفارة اليمين: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ) [المائدة: ٨٩].

          وقوله تعالى في جزاء الصيد: (ﯵ ﯶ ﯷ) [المائدة: ٩٥].

          والمسكين في كل ما سبق ذكره هو المسكين الوارد في مصارف الزكاة المستحق لها.

          وقوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [الكهف: ٧٩].

          وبسبب لفظ المساكين الوارد هنا اختلف العلماء في تعريف المسكين والفرق بينه وبين الفقير على نحو ما تقدم، وخلاصة ما في ذلك على أوجه:

          أولها: أنهم سموا مساكين باعتبار الغاصب الذي كان يريد غصب سفينتهم، فهم مساكين بسبب ذلك حتى ولو كانوا أغنياء، كما يقال في جماعة تتعرض للظلم: مساكين لا حيلة لهم 125.

          ثانيًا: أنهم سموا مساكين لزمانتهم؛ فإن السفينة كانت مملوكة لعشرة، منهم خمسة زمنى 126.

          ثالثًا: أن مسكنتهم بسبب ضعفهم البدني أو ضعف كسبهم منها 127.

          هذا... وليس بالضرورة أن تكون السفينة مملوكة لهم، بل ذهب بعض المفسرين إلى أنهم كانوا يعملون أجراء عليها128.

          وورد لفظ «المساكين» بالجمع والتعريف في تسعة مواضع:

          في قوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [البقرة: ٨٣].

          وقوله تعالى في خصال البر: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [البقرة: ١٧٧].

          وقوله تعالى: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ) [البقرة: ٢١٥].

          وقوله تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [النساء: ٨].

          وقوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [النساء: ٣٦].

          وقوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الأنفال: ٤١].

          وقوله تعالى في مصارف الزكاة: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [التوبة: ٦٠].

          وقوله تعالى: ( ﭿ ﮉﮊ ) [النور:٢٢].

          وقوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الحشر: ٧].

          ويلاحظ في ثمانية مواضع من التسعة السابقة أن المسكين مرتبط بذي القربى واليتامى وأبناء السبيل.

          هذا وبنظرة إجمالية لما تقدم ذكره من مواضع لفظ المسكنة ومشتقاته في القرآن الكريم نجد أن حقيقة المسكين تدور على معانٍ عدة بعضها مشترك مع الفقير وبعضها مختلف، وأن المسكين ليس بالضرورة مستحق لهذا الوصف بسبب المال، بل قد يستحقه بسبب الضعف البدني والمرض ونحو ذلك، أو بسبب ما يلحقه من مذلة ومهانة تزري من قدره أمام الناس، حتى ولو كان في كل هذه الحالات غنيًا.

          ٣. العاملون عليها.

          العاملون على الزكاة، هم الساعون في تحصيل الزكاة وجمعها من أربابها، ويدخل فيهم الحاشر والكاتب والمفرق، وهناك خلاف في دخول الحارس والخازن ونحوهما 129.

          ويأخذ عامل الزكاة نصيبه منها على قدر عمالته، ويشترط فيه الإسلام والأمانة والتكليف، وإن كان العامل فقيرًا أخذ من الزكاة نظرا لفقره بلا خلاف.

          ولكن وقع خلاف في مسائل:

          الأولى: هل يأخذ العامل الغني من الزكاة أم لا؟.

          الثانية: هل يجوز استعمال أحد بني هاشم على الزكاة أم لا؟.

          الثالثة: في حالة جواز استعمال أحد بني هاشم على الزكاة، هل يأخذ من الزكاة أم لا؟ 130.

          وهذه المسائل بسط الفقهاء فيها الكلام في مواضعها من كتاب الزكاة، مما لا يتسع المقام لذكره، ونشير هنا إلى مسألة معاصرة تتعلق بعامل الزكاة على النحو الآتي:

          العاملون في مؤسسات الزكاة المعاصرة:

          إذا نظرنا اليوم إلى العاملين في مؤسسات الزكاة نجدهم أصنافًا شتى؛ حيث لم يعد الأمر مقصورًا على شخص، أو عدة أشخاص يقومون بالجمع والتوزيع، بل يشمل مؤسسات وجمعيات متعددة، وهي تشتمل على عشرات الموظفين ذوي الرتب المختلفة.

          ومهنة العامل تحتاج إلى مؤنة وعمل شاق، وجهد متواصل، ومتابعة دؤوبة، ووقت طويل، فهي تشبه وظيفة المحاسب في الشركات والمؤسسات الذي يقوم بالمتابعة، والتسجيل والقيد وبيان الوارد، والصادر، وصرف المرتبات، والتأكد من شخصية مستحقيها، ولا فرق بينهما سوى أن المحاسب يصرف الأجور لكل المسجلين عنده بصرف النظر عن وضعهم الاجتماعي من حيث الفقر والغني، بينما العامل يقوم بجمع للزكاة بإذن الإمام أو نائبه، والتوزيع على المستحقين لها من الأصناف الثمانية المحددة في آية الصدقة.

          ومن ثمّ كان من العدل جعل نصيب لهذا العامل من الزكاة مادام متفرغًا لهذا العمل الجليل، وليس هذا مقصورًا على العاملين على الصدقات فقط، بل كل من أوقف نفسه لعمل من فروض الكفايات التي يجوز النيابة فيها فله أجرة مثله.

          وعليه فلم يختلف أحد أنّ عامل الزكاة إذا كان فقيرًا أنه يأخذ منها، أما إذا كان غنيًا، ففي المسألة خلاف فقهي معروف.

          وفي تقديرنا أنه يمكن أخذ العاملين في مؤسسات الزكاة نصيبًا من الزكاة في حالتين:

          الأولى: إذا كانوا فقراء لا تكفيهم رواتبهم التي يتقاضونها من هذه المؤسسات.

          الثانية: إذا كانوا متفرغين للقيام بأعمال جمع الزكاة وتوزيعها، بحيث توكل إليهم تلك المهمة، ولا يمارسون وظيفة أخرى غيرها.

          ٤. المؤلفة قلوبهم.

          المؤلفة قلوبهم اختلف في تعريفهم على أقوال هي:

          القول الأول: أنهم كفار ظهر ميلهم للإسلام، فيعطوا من الزكاة ترغيبًا في الإسلام، قاله مالك وغيره 131.

          القول الثاني: أنهم قوم أسلموا ونيتهم ضعيفة، فيعطوا؛ ليتمكن الإسلام في قلبهم، وحكمهم باق 132.

          القول الثالث: أنهم أشراف يترقب بإعطائهم إسلام نظائرهم، أو هم قوم من وجوه العرب، يقدمون عليه، فينفق عليهم منها ما داموا حتى يسلموا أو يرجعوا 133.

          قال القرافي: «هم عظماء من ملوك الكفار أسلموا فيعطون ليتألفوا أتباعهم؛ لأن الجهاد يكون تارة بالنسيان وتارة بالبيان، وتارة بالإحسان، يفعل مع كل صنف ما يليق به» 134.

          وروي عن ابن عباس أنهم قوم كانوا يأتون رسول الله قد أسلموا وكان يرضخ لهم من الصدقات، فإذا أعطاهم من الصدقة فأصابوا منها خيرًا قالوا: هذا دين صالح، وإن كان غير ذلك عابوه وتركوه 135.

          خلاصة أنواع المؤلفة قلوبهم:

        1. نوع يرجى إسلامه أو إسلام قومه أو عشيرته كصفوان بن أمية، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه مائة من الإبل فقال صفوان: والله لقد أعطاني النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الناس إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي) 136.
        2. نوع يرجى بإعطائه كفّ شره، وشر غيره عن المسلمين، ومن ذلك ما روي عن ابن عباس أنه قال: إن قومًا كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أعطاهم من الصدقات مدحوا الإسلام، وقالوا: هذا دين حسن، وإن منعهم ذموا وعابوا الإسلام والمسلمين 137.
        3. نوع دخلوا في الإسلام حديثًا، فيعطون لتثبيت قلوبهم على الإسلام، كما أعطى صلى الله عليه وسلم يوم حنين جماعة من صناديد الطلقاء وأشرافهم مائة من الإبل 138، وقال صلى الله عليه وسلم (... إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه؛ مخافة أن يكبّه الله على وجهه في النار)139، وأيضًا لما يتعرض له هؤلاء من التضييق عليهم في معاشهم وأرزاقهم من ذويهم، وكثيرًا ما يحاربون من أهل دينهم وعشيرتهم، فهؤلاء أولى بالعطاء تشجيعًا لهم، وتثبيتًا لهم على الإسلام 140.
        4. نوع من سادات المسلمين أقوياء الإيمان، لا يحتاجون في أنفسهم للتأليف، ولكن لهم نظراء من الكفار، فإن أعطى هؤلاء السادة المسلمون رجي إسلام نظرائهم، ويستدل لهذا بإعطاء أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- الزبرقان بن بدر، وعدي بن حاتم الطائي مع حسن إسلامهم 141.
        5. نوع من السادة والزعماء ضعاف الإيمان، فهؤلاء يعطون لتقوية إيمانهم وتثبيتهم على الإسلام، ومن هؤلاء النوع كبار كفار قريش الذين أسلموا في فتح مكة، واشتركوا مع المسلمين في غزوة حنين، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم هوازن وثقيف مما كان سببًا في تقوية إسلامهم 142.

          هل سهم المؤلفة قلوبهم باقٍ أم سقط؟

          اختلف الفقهاء هل سقط سهمهم بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم أم أنه باق حتى يومنا هذا؟ على قولين:

          القول الأول: أن سهمهم قد سقط بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم واعتزاز الإسلام، ولا حاجة في تأليفهم. وهو قول الحنفية، والمالكية، والشافعي في أحد قوليه، وهو مروي عن الشعبي.

          القول الثاني: أن سهمهم باق ولم يسقط. قاله الزهري، والشافعي في قول، والحنابلة، والحسن البصري 143.

          والذي تطمئن إليه النفس في العصر الحاضر أن سهم هؤلاء باق، حيث وجدت احتياجات عصرية تدخل تحت هذا الصنف بيانها بإيجاز على النحو الآتي:

          أولًا: مساعدة الهيئات والجمعيات التي تهتم بالمسلمين الجدد: من المعروف أن الذين يدخلون في الإسلام حديثًا يلاقون تضييقًا من عشيرتهم وذويهم، ومحاربتهم بكل الوسائل لإجبارهم على ترك الإسلام، والرجوع إلى دينهم الأصلي، هؤلاء المسلمون الجدد في أمس الحاجة إلى من يقف بجانبهم، ويأخذ بأيديهم؛ ليثبتوا على الإسلام، ولا يستجيبوا للضغوطات التي تمارس عليهم، لا سيما في البلاد الواقعة في جنوب شرق آسيا كماليزيا، وأندونيسا، وتايلاند، حيث تحتدم الحرب بين الإرساليات التبشيرية بكل ما تملكه من إمكانيات جبارة، والجمعيات الخيرية الإسلامية التي ينقصها الدعم الكافي من جانب الحكومات الإسلامية، والتي تهتم بهؤلاء المسلمين الجدد.

          وقد جاء في قرار الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة: «إيجاد المؤسسات العلمية والاجتماعية لرعاية من دخل في دين الله، وتثبيت قلبه على الإسلام، وكل ما يمكنه من إيجاد المناخ المناسب معنويًا وماديًا لحياته الجديدة» 144.

          ثانيًا: مساعدة رؤساء الدول الفقيرة غير الإسلامية: يجوز دفع سهم المؤلفة قلوبهم لرؤساء الدول الفقيرة؛ لأن إسلامهم يؤدي لإسلام كثير من رعاياهم بما لهم من نفوذ، والدلائل التاريخية تؤكد صدق هذا، فالإسلام قد دخل في بعض الدول عن طريق إسلام ملوكها ورؤسائها وأهل النفوذ فيها، مثل :ماليزيا وإندونيسا وغيرهما، وجاء في قرار الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة: «تأليف من يرجى إسلامه، وبخاصة أهل الرأي والنفوذ، ممن يظن أن له دورًا كبيرًا في تحقيق ما فيه صلاح المسلمين» 145.

          ثالثًا: الصرف في مواجهة الحملات الدعائية التي تعمل على تشويه الإسلام: ذهب بعض المعاصرين إلى جواز صرف سهم المؤلفة قلوبهم في رد طغيان الدول المسيحية الطامحة في هدم الإسلام والمسلمين عن طريق ذمم بعض الكتاب المسلمين للنيل من الإسلام 146.

          ٥. الرقاب.

          الرقاب، هم الصنف الخامس من المستحقين للزكاة، وللعلماء في المقصود بهذا الصنف أقوال:

          القول الأول: أن المراد به شراء العبيد وإعتاقهم من مال الزكاة، وهذا رأي كثير من العلماء والمفسرين 147.

          القول الثاني: أنه ليس المراد به العبد الكامل، بل المراد المكاتب يعطى من مال الزكاة ليستكمل حريته 148.

          هذا وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه والزهري القولان: حيث قالا: سهم الرقاب نصفان، نصف لكل مكاتب ممن يدعي الإسلام، والنصف الباقي يشترى به رقاب ممن صلى وصام وقدم إسلامه من ذكر أو أنثى يعتقون لله 149.

          القول الثالث: أن المراد به فكاك الأسرى، وهو مذهب أبي حنيفة وبعض المالكية 150.

          من لطائف التفسير في الآية:

          من بلاغة القرآن في الآية الكريمة أن الله تعالى ذكر الأصناف الأربعة الأولى بحرف الجر (اللام)، وبعد ذلك عدل عن حرف اللام إلى حرف (في)، وقد استنبط المفسرون من ذلك نكتًا وفوائد بلاغية منها:

          أولًا: ما قاله ابن عادل الدمشقي: «إن الأصناف الأربعة يدفع إليهم نصيبهم. وأما الباقون فيصرف نصيبهم في المصالح المتعلقة بهم لا إليهم» 151.

          ثانيًا: ما قاله الزمخشري: «فإن قلت: لم عدل عن اللاّم إلى «في» في الأربعة الأخيرة؟ قلت: للإيذان بأنّهم أرسخ في استحقاق التصدّق عليهم ممّن سبق ذكره؛ لأنّ «في» للوعاء، فنبّه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات، وجعله مظنّة لها ومصبًّا» 152.

          ثالثًا: ما قاله القرافي: «اجتمع فيه (أي: في الرقاب) العرف الشرعي واللغة، أما العرف فلأنه تعالى أطلق الرقبة في الظهار والقتل، ولم يرد بها إلا الرقيق الكامل الرق والذات، وأما اللغة فإن الرقبة تصدق لغة على الأحرار والعبيد ومن كمل ومن نقص، فالمشهور تقديم العرف الشرعي، وهو المشهور في أصول الفقه بأنه ناسخ للغة، ومن لاحظ اللغة لكونها الحقيقة وغيرها مجاز أجاز المكاتب والمدبر والمعيب والأسير، وإن كان الولاء له دون المسلمين، فلأن مقصود الزكاة شكر النعمة وسدّ الخلة؛ وهذا حاصل» 153.

          صنف الرقاب ومواضعه في القرآن الكريم:

          اهتم الإسلام اهتمامًا كبيرًا بتحرير العبد من رقّ العبودية، سواء كانت عبودية كاملة، أو ناقصة كالمكاتب ونحوه؛ ولهذا وردت آيات كثيرة تحض على فك الرقاب في الكفّارات وغيرها، وهذا ما نورده إجمالا على النحو الآتي:

          في كفارة القتل الخطأ، قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [النساء: ٩٢].

          وفي كفارة اليمين، قال الله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ) [المائدة: ٨٩].

          وفي كفارة الظهار، قال الله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) [المجادلة: ٣].

          وفي التصدق والعطاء، قال الله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [البقرة: ١٧٧].

          وفي التصدق والعطاء أيضًا قال الله تعالى: (ﮬ ﮭ) [البلد: ١٣].

          وهذه المواطن السابق ذكرها تبيّن مدى حرص الإسلام على هذا الصنف من أصناف الاحتياجات.

          ٦. الغارمون.

          الغرم في اللغة معناه لزوم ما يشق على النفس، والغارم هو: الذي عليه دين يعجز عن سداده، ويشمل أصنافًا شتى استنادًا لما روي عن السلف.

          فقد روي عن مجاهد في قوله: () قال: «ثلاثةٌ من الغارمين: رجلٌ ذهب السّيل بماله، ورجلٌ أصابه حريقٌ فذهب بماله، ورجلٌ له عيالٌ وليس له مالٌ، فهو يدّان وينفق على عياله» 154.

          وروي عن مقاتل في قوله: () قال: «هو الذي يسأل في دم أو جائحة تصيبه» 155.

          ونحوه قاله الشافعي رحمه الله: «من تحمّل غرامة في إصلاح ذات البين وإطفاء الثائرة بين القبيلتين».

          ويشترط فيه أن يكون مسلمًا، استدان في غير سرف ولا فساد أو معصية، ولا يستطيع قضاء دينه 156.

          قال ابن عادل الدمشقي: «الدّين إن حصل بسبب معصيةٍ لا يدخل في الآية؛ لأنّ المقصود من صرف المال إليه الإعانة، والمعصية لا تستوجب الإعانة، وإن حصل لا بسبب معصية فهو قسمان: دينٌ حصل بسبب نفقات ضرورية أو في مصلحة، ودين بسبب حمالات وإصلاح ذات بين، فيدخل في الآية» 157.

          روى مسلم عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: (أصيب رجلٌ في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في ثمارٍ ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (تصدّقوا عليه). فتصدّق النّاس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لغرمائه: (خذوا ما وجدتم وليس لكم إلاّ ذلك) 158.

          وذكر الماوردى أن الغارمين صنفان، صنف منهم استدانوا فى مصالح أنفسهم فيدفع إليهم مع الفقر دون الغنى ما يقضون به ديونهم، وصنف منهم استدانوا فى مصالح المسلمين فيدفع إليهم مع الفقر والغنى قدر ديونهم من غير فضل 159.

          وفي الآية لمحة بيانية رائعة، وهي أن الله تعالى قال: () فكأنه قال: (الصدقات في الغارمين) ولم يقل: «للغارمين»، وعليه فالغارم لا يشترط تمليكه ويجوز الوفاء عنه، وهذا ما اختاره وأفتى به الإمام ابن تيمية 160.

          هذا وللفقهاء تفصيل في مسائل تتعلق بالغارمين مبسوطة في مواضعها، لا يتسع المقام لذكرها، مثل: هل يرجع المدين ما أخذه من الزكاة إذا استغنى بعد ذلك؟ وهل يسدد منها دين الميت أم لا؟.

          ٧. في سبيل الله.

          مصرف «في سبيل الله» أحد مصارف الزكاة التي توسع الفقهاء في معناها، وما يشتمل عليه من أعمال الجهاد وغيرها، وما يشترط فيه مثل اشتراط كونه فقيرًا ليأخذ سهمًا من الزكاة من عدمه الخ... الأحكام المتعلقة به. ولكن الذي يعنينا من هذه المسائل ثلاثة أمور:

          الأمر الأول: التوسع في مفهوم مصرف «في سبيل الله» باعتبار الأشخاص:

          أكثر العلماء على أن «في سبيل الله» يقصد به الغزاة والمرابطون، فيعطوا من الزكاة حتى ولو كانوا أغنياء، ويشترى منها آلات الجهاد 161.

          وهناك رأي ثانٍ لبعض الصحابة والتابعين والفقهاء أدخلوا فيه الحجّاج بناء على تعدد سبل الخير وشموليتها لأكثر من جهة، ومن هؤلاء : ابن عمر رضي الله عنهما ، ومحمد بن الحسن من الحنفية، وأحمد بن حنبل في رواية، وإسحاق بن راهويه، والرازي وغيرهم 162.

          وبناء على الرأي الثاني، فيمكن أن يتسع نطاق هذا المصرف ليشمل الجهاد وغيره من أعمال الخير، العائد نفعها على الأمة أو الفرد.

          الأمر الثاني: التوسع في مفهومه المقتصر على المجاهدين، بحيث يشمل أمورًا كثيرةً من أمور الجهاد:

          أدخل بعض العلماء كثيرًا من أعمال الجهاد تحت مصرف «في سبيل الله» مثل: شراء السلاح، وإقامة المنشآت العسكرية163.

          فذكر الكاساني أن الغازي يعطى من الزكاة إذا كان فقيرًا، وكذا إذا كان غنيًا ثم عرضت له حاجة، وخرج للغزو، فيعطى منها ما يشتري به آلات الحرب ومركب الحرب، بل وخادم يعينه في الحرب 164.

          قلت: وعلى الرغم من وجود الخلاف في هذه المسألة واختيار أكثر العلماء لتفسيره بالغزاة والمرابطين، وما يتعلق بشئون الجهاد، فإن هذا المصرف يمكن أن يشمل هذه الفئات باعتبارهم من المجاهدين:

          أولًا: المجندين في الجيوش النظامية في بعض البلاد الفقيرة، التي يعاني المجندون فيها من نقص في الموارد والإمكانيات.

          ثانيًا: الجيوش الحرة (الأفراد والمجموعات) التي تتشكّل في بعض الدول التي تعاني اضطهادًا أو قمعًا من حكّامها الطغاة، فهذه الجيوش في أمسّ الحاجة للمعونة المالية، والزكاة وسيلة مثلى من وسائل الإعانة لهم تحت بند (في سبيل الله).

          ثالثًا: الشعوب المضطهدة من الاحتلال كالشعب الفلسطيني، سواء كان في مرحلة جهاد مفاجيء كما في حالات الغارات الإسرائيلية عليهم، أو جهاد دائم بوقوعهم تحت نير الاحتلال الغاشم.

          رابعًا: الأقليات المسلمة التي تعاني اضطهادًا في دول معينة من قبل كفار تلك الدولة، ولا توفّر لهم حكوماتهم حماية ولا مساندة ، كما هو الحال في مسلمي بورما، وكشمير، وبنجلاديش، والبوسنة ، والهرسك وغيرها من المناطق.

          خامسًا: المرابطين في الثغور إذا كانت حالتهم المادية فقيرة ، فيشمل ذلك قوات حرس الحدود والموانيء ونحوها من المنافذ البرية والبحرية للدولة، لاسيما التي في اتجاه عدو ظاهر أو مشهور بعدائه للمسلمين.

          ويمكن أن يشمل من أمور الجهاد ما يلي:

          • الإنفاق على التسليح لفئات الجهاد المختلفة، فيشمل شراء الأسلحة وتطويرها وإصلاحها.
          • الإنفاق على الأعمال المعاونة للجهاد، كالأعمال الاستخباراتية من مراقبة العدو، ورصد تحركاته.
          • عمل المنشآت العسكرية من حفر الخنادق، وإنشاء النقاط الحصينة، وبناء المساكن.
          • دفع أموال لصد العدوان عن ديار المسلمين، سواء كان الدفع لمن يخذّل العدو عن المسلمين أو يعرقل سيرهم نحو ديار المسلمين، أو كان الدفع لصنف من الأعداء لا ينكّف إلا بذلك165.

            ويؤيد هذا ما ذكره شراح متن (خليل) من المالكية من أن الزكاة يعطى منها المجاهد والمرابط وما يلزمهما من آلة الجهاد، بأن يشتري منها سلاحًا أو خيلًا لينازل عليها، ويأخذ المجاهد من الزكاة ولو كان غنيًا؛ لأن أخذه بوصف الجهاد لا بوصف الفقر، ويعطى منها جاسوس يرسل للاطلاع على عورات العدو ويعلمنا بها، ولو كان كافرًا166.

            الأمر الثالث: التوسع في مفهومه باعتبار الأفعال والقربات:

            توسع بعض العلماء في مفهوم «في سبيل الله» كثيرًا؛ فأدخل تحته كل أنواع القربات، كما فعله الكاساني الحنفي، حيث قال: «ويدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وفي سبيل الخيرات إذا كان محتاجًا» 167.

            وبناء على هذا التوسع في المفهوم؛ فإنه ينبغي إدخال أسر المجاهدين وذويهم، باعتبار ذلك ذا صلة مباشرة بأعمال الجهاد من ناحية، فلا يخرج عن إطار «في سبيل الله».

            ويمكن الاستناد في هذا إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من جهّز غازيًا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازيًا في أهله بخيرٍ فقد غزا)168. ومن ناحية أخرى إذا وجد فيهم وصف الفقر أو المسكنة فقد دخلوا في أصناف أخرى من مصارف الزكاة.

            ٨. ابن السبيل.

            اختلف في المقصود بابن السبيل في مصارف الزكاة، على أقوال:

            أولًا: أنه المسافر الغريب أو عابر الطريق، الذي انقطعت به النفقة، وسمي بذلك كأن الطريق ولدته169.

            ثانيًا: أن المراد به الضيف، أو المسافر الذي يمر بحي من الأحياء، حيث يجب إكرامه 170.

            ورود ذكر ابن السبيل في القرآن:

            ورد ذكر ابن السبيل على اختلاف تفسيره في المواضع الآتية من كتاب الله تعالى:

            في آية خصال البر، قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [البقرة: ١٧٧ ].

            وفي آية النفقة: (ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ) [البقرة: ٢١٥].

            وفي الوصية بذوي الحاجات والقربى والجيران في سورة النساء، قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [النساء: ٣٦].

            وفي توزيع الغنائم في سورة الأنفال، -قال تعالى-: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [الأنفال: ٤١].

            وفي آية مصارف الزكاة التي نحن بصددها في سورة التوبة.

            وفي الوصية بإعطاء الحقوق لأصحابها في سورة الإسراء، قال تعالى: ( ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الإسراء: ٢٦].

            وفي الوصية بإعطاء الحقوق لأصحابها لا سيما ذوي الحاجات من هم في سورة الروم، قال الله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الروم: ٣٨].

            وفي تقسيم الفيء، في سورة الحشر، قال تعالى: ( ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [الحشر: ٧].

            ومن مجمل هذه الآيات يتبيّن لنا مدى حرص القرآن الكريم على ابن السبيل، وضرورة تحقيق النفع له بوجوه شتى، هي:

          • إعطاؤه من الزكاة بالبلد التي مر بها على التفصيل المعروف في الفقه.
          • إيفاؤه حقه من الضيافة ونحوها، كتقديم العون والمساعدة له، ودفع الضرر عنه.
          • استحقاقه من الغنيمة والفيء.
          • ضرروة النفقة عليه والتصدق.
          • الإحسان إليه بكل وجوه الإحسان؛ لما في ذلك من البر.

            وبعد... فقد رأينا خلال هذه الصفحات القليلة كيف اهتم القرآن الكريم بشأن الزكاة وأعلى قدرها، وحث عليها، وبيّن منزلتها، ومنزلة من يؤديها ويحافظ عليها، وبيّن عاقبة وسوء خاتمة من يمنعها أو يبخل بها، وبسط الكلام عن فضائلها وأحكامها.

            وما ذلك إلا ترغيبًا في الزكاة، وترهيبًا من إهمالها والضنّ بها، وصدق الله العظيم حيث يقول في كتابه العزيز مبيّنًا أن الزكاة من أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [المؤمنون: ١-٤].


1 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٤/٣٥٨.

2 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢١٣.

3 انظر: الدر المختار، الحصكفي ٢/٢٥٧-٢٥٨، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، شيخي زاده ص٢٨٤-٢٨٥.

4 شرح حدود ابن عرفة، الرصاع ص٥٣٩.

5 نهاية المحتاج، الرملي ٣/٤٣.

6 الإقناع في فقه الإمام أحمد، الحجاوي ١/٢٤٢.

7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ٣٣١-٣٣٢.

8 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ٢٤٩، ٢٥١، بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/١٣٤.

9 تاج العروس، الزبيدي ١/٦٤٢١.

10 المفردات، ص ٢٧٨.

11 كشاف اصطلاحات الفنون، ٤/٢٦٠.

12 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٠/٣٧٥، التعريفات، الجرجاني ص٥٧.

13 انظر: مغني المحتاج، الشربيني ٣/٤٢٥.

14 انظر: كشاف القناع، البهوتي ١٣/١١٣.

15 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٥/٦٨، تاج العروس، الزبيدي ١٠/١٤٧.

16 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص١٠٧.

17 معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي ص٣٧٨.

18 سبق تخريجه.

19 فقه الزكاة، القرضاوي ١/٣.

20 أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب زكاة الفطر، ٢/١٥٢ ، رقم٦٧.

وضعفه الألباني في الإرواء، ٣/٣٣٢، رقم ٨٤٤.

21 أسرار الزكاة، الغزالي ص٦١.

22 انظر: الإسلام والاقتصاد، عبد الهادي النجار ص ١٣٤-١٣٥.

23 مناقشة بحوث زكاة الديون، د مصطفى الزرقا، مجلة مجمع الفقه الإسلامي ٢/٦٥.

24 الآثار الاقتصادية للزكاة، محمد سميران، وراكان الدغمي ص ٥.

25 انظر: الإسلام والاقتصاد، عبدالهادي النجار ص١٣٩.

26 الآثار الاقتصادية للزكاة، سميران والدغمي ص١٣.

27 انظر: الاقتصاد الإسلامي، منذر قحف ص١١٩.

28 الشرح الكبير، الدردير ١/٤٥٩.

29 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، رقم ١٣٣٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، رقم ١٣٣.

30 انظر: تفسير المراغي ١/١٩١-١٩٢.

31 انظر: المصدر السابق ١/١٥٩.

32 تفسير البحر المحيط ١/٥١٩.

33 التحرير والتنوير ،ابن عاشور ١/٦٧٢.

34 مقاصد الشريعة، ابن عاشور ص٥١.

35 المصدر السابق ص٥١، ١٤٦.

36 انظر: مقاصد الشريعة، ابن عاشور ص ٥١، مقاصد التشريع الإسلامي، مفهومها ضرورتها و ضوابطها، نور الدين الخادمي بحث كامل٢٧ صفحة مجلة العدل، عدد ٦ ربيع الآخر ١٤٢١هـ.

37 مقاصد الشريعة، ابن عاشور ص١٨٩.

38 الزكاة الضمان الاجتماعي الإسلامي، عبد الله حسين ص٢٥.

39 مؤسسة الزكاة في ولاية قدح دار الأمان ودورها في تحقيق مقاصد تشريع الزكاة، سعد جمعة زغلول ص١٧١.

40 الفتاوى الإسلامية، الصادرة عن دار الإفتاء المصرية ١/١٧٠، الفتوى بتاريخ٣ ذو الحجة ١٤٠٠ هـ، ١٢ أكتوبر ١٩٨٠ م، والفتوى رقم ٢٠١١ لسنة ٢٠٠٣م، بشأن دفع الزكاة لمستشفى سرطان الأطفال.

41 إعانة الطالبين، البكري ٢/٣٣٨.

42 المقاصد العامة للشريعة، يوسف العالم ص٤٩٨.

43 انظر: المجموع، النووي ٦/٢٠٢، الأحكام السلطانية، الماوردي ص١٢٢.

44 نهاية المحتاج ٦/١٥٩.

45 انظر: الآثار الاقتصادية لتفعيل فريضة الزكاة على الفرد والمجتمع، الجهضمي، جريدة الرؤية، ٣٠/٧/٢٠١٢م.

46 مؤسسة الزكاة في ولاية قدح دار الأمان ص١٧٣.

47 المقاصد العامة للشريعة، يوسف لعالم ص٢٤٢.

48 أخرجه الطبراني فى الأوسط ٥/٣٢٨، رقم ٥٤٥٢، والبيهقي في شعب الإيمان، ١/٤٧١، رقم ٧٤٥.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٤/٤١٢، رقم ١٨٠٢.

49 المقاصد العامة للشريعة، يوسف العالم ص٢٤٣.

50 لباب التأويل، الخازن ٣/٨٨-٨٩.

51 الأوضاح جمع «وضح» وهي نوع من الحلي يعمل من الفضة، وقد سمي بذلك لبياضه.

انظر: لسان العرب، ابن منظور ٢/٦٣٤.

52 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو وزكاة الحلي، رقم ١٥٤٦.

وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٢/١٠٠، رقم ٥٥٩.

53 أخرجه البيهقي في الكبرى، كتاب الزكاة، باب تفسير الكنز الذي ورد الوعيد فيه، رقم ٧٤٨٤٤، وقال: «ليس هذا بمحفوظ، وإنما المشهور عن سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفًا».

54 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري ٣/٤٦٠، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٢٥.

55 أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الزكاة، باب كم الكنز ولمن الزكاة، رقم ٧١٥٠، وابن أبي حاتم في تفسيره، ٦/١٧٨٨.

56 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٢٥-١٢٦.

57 فتح القدير، الشوكاني ٢/٥١٩.

58 المصدر السابق.

59 البحر المديد، ابن عجيبة ٦/٤٩٧.

60 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٢١٩.

61 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٧/١٠٢، فتح القدير، الشوكاني ٤/٧٢٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/٢٣٩.

62 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، رقم ١٣٣٨، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب إثم مانع الزكاة، رقم ٢٣٤٤.

63 أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب التفسير، باب تفسير سورة آل عمران، رقم ٣١٦٩، والطبراني في الكبير، رقم ٩١٤٥، ٩/٢٣٠.

64 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/١٨٢.

65 بداية المجتهد ١/٢٥١-٢٥٤ بتصرف.

66 الدر المنثور، السيوطي ٢/٤٩.

67 بدائع الصنائع، الكاساني ٢/٦٧، البحر الرائق، ابن نجيم ٢/٢٥١.

68 انظر: شرح منتهى الإرادات، البهوتي ١/٤٢٦.

69 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ١/٤٨٩.

70 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة باب في الركاز الخمس، رقم ١٤٤٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، رقم ٤٥٦٢.

71 الذخيرة، القرافي ٣/٥٩.

72 انظر: حاشية الدسوقي ١/٥٠٤، كشاف القناع، البهوتي ٢/٢٤٥-٢٤٦.

73 الحاوي الكبير، الماوردي ٣/٣٥١.

74 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من أنواع المعروف، رقم ١٠٠٥.

75 تفسير السمرقندي ٣/٥٧.

76 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٢٩٧، أيسر التفاسير، الجزائري ٥/٢٦١.

77 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٣٣٦، البحر المحيط، أبو حيان ٢/٣٣٩.

78 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٣٣٢.

79 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن أبي حاتم ٢/٥٣٧، رقم ٢٨٥١.

80 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الزكاة على الأقارب، رقم ١٤٦٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب نقصان الإيمان بنقصان الطاعات، رقم ٢٥٠.

81 شرح البخاري، ابن بطال ١/٤١٩.

82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب مواقيت الصلاة، رقم ٥٢٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الفتن، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا، رقم ٣٨٦.

83 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب، باب ما ذكر في فضل الصلاة، ٢/٥١٢، رقم ٦١٤.

وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩١٣، رقم ٥١٣٦.

84 أسرار الزكاة، الغزالي ص٦٣.

85 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/١٠٨، فتح القدير، الشوكاني ٢/٥٨٠.

86 البحر المديد، ابن عجيبة ١/٣٦٠.

87 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب مثل المتصدق والبخيل، رقم ١٤٤٣.

88 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى ( ﮨ ﮩ ﮪ ) ، رقم ١٤٤٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب المنفق والممسك، رقم ٢٣٨٣.

89 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب، رقم ١٦٣١.

90 أيسر التفاسير، الجزائري ١/٥٤١.

91 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، رقم ١٤١٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة، رقم ٢٣٩٤.

92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها، رقم ١٤٣١.

93 شرح البخاري، ابن بطال ٣/٤٣٤.

94 أسرار الزكاة، الغزالي ص٦١.

95 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الزكاة، باب من يعطى الصدقة، رقم ١٦٣٠ .

وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود.

96 كشاف القناع، البهوتي ٢/٢٨٥.

97 شرح فتح القدير، ابن الهمام ٢/٢٥٩.

98 منار السبيل، ابن ضويان ١/٢٠٧.

99 انظر: المحيط البرهاني ابي مازة البخاري ٢/٤٩٨، كشاف القناع ،البهوتي ٢/٢٧١، مطالب أولي النهى ، السيوطي الرحيباني ٢/١٣٤.

100 لسان العرب، ابن منظور ٥/٦٠.

101 انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/٤٧٨.

102 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٦٩.

103 وهو رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة، كما في المبسوط ،للسرخسي٣/١٤.

104 وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، كما في المبسوط ٣/١٤.

105 وهو مشهور عن ابن عرفة المالكي، كما في شرح خليل للخرشي ٢/٢١٢.

106 وهو مروي عن الشافعي وبعض أصحابه، كما في المجموع،للنووي ٦/١٩٠.

107 كشاف القناع ، للبهوتي ٢/٢٧٢.

108 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/٢٩٤.

109 انظر: بصائر ذوي التمييز ، الفيروزآبادي ٤/٢٠٥.

110 انظر: المصدر السابق.

111 انظر: المصدر السابق.

112 انظر: تفسير السمرقندي ١/٢٠٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢١٠.

113 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٢/٢١٠.

114 لسان العرب، ابن منظور ١٣/٢١١.

115 وهو رواية الحسن بن زياد عن أبي حنيفة، كما في المبسوط ،للسرخسي٣/١٤.

116 وهي رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة، كما في المبسوط ،للسرخسي٣/١٤.

117 وهو مشهور عن ابن عرفة المالكي، كما في شرح خليل للخرشي ٢/٢١٢.

118 وهو مروي عن بعض الشافعية كما في المجموع، للنووي ٦/١٩٥.

119 كشاف القناع ،البهوتي ٢/٢٧٢.

120 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٥/٦٠، ١٣/٢١١، المصباح المنير، الفيومي ١/٢٨٣.

وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٦٩، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/١٣١.

وانظر: المبسوط، السرخسي ٣/١٤، شرح خليل، الخرشي ٢/٢١٢، المجموع، النووي ٦/١٩٥، كشاف القناع، البهوتي ٢/٢٧٢.

121 انظر: تفسير السمرقندي ١/١٨٥، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٤٣٠.

122 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ١/٩٩.

123 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١/٥٢٦.

124 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٤/٣٨٩.

125 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٥٢.

126 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١/٥١٥، مدارك التنزيل، النسفي ٣/٢٧.

127 زاد المسير، ابن الجوزي ٥/١٧٨.

128 انظر: تفسير السمرقندي ٢/٣٥٧.

129 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٣/١٢١.

130 انظر: المبسوط، السرخسي ٣/١٥، الذخيرة، القرافي ٣/١٦٤، الأم، الشافعي ٢/٧١-٧٢، كشاف القناع، البهوتي ٢/٢٧٥.

131 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٧٩، البحر المديد، ابن عجيبة ٣/١٢١.

132 البحر المديد ٣/١٢١.

133 انظر: المصدر السابق.

134 انظر: الذخيرة، القرافي ٣/١٤٦.

135 شرح فتح القدير، ابن الهمام ٢/٢٥٩.

136 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط فقال : لا، رقم ٦١٦٢.

137 جامع البيان، الطبري ١٤/٣١٣.

138 انظر:سبل الهدى والرشاد، الصالحي ٥/١٧٩.

139 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ، رقم ١٤٧٨.

140 فقه الزكاة، القرضاوي ٢/٦٦.

141 جامع البيان، الطبري ١٤/١١٤.

142 المجموع، النووي ٦/١٨٠.

143 انظر: معاني القرآن، النحاس ٣/٢٤، بدائع الصنائع، الكاساني ٢/٤٥.

144 انظر: فقه الزكاة، القرضاوي ٢/٦١، تأليف القلوب على الإسلام، الأشقر ص٨٠.

145 الندوة الثانية، ندوات قضايا الزكاة المعاصرة، الكويت، ١٩٨٩م.

146 انظر: المنار، محمد رشيد رضا ١٠/٥٧٤.

147 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٥٥، الكشاف، الزمخشري ٢/٢٧٠.

148 انظر: الكشاف ٢/٢٧٠.

149 انظر: المحرر الوجيز،ابن عطية ٣/٥٥، الكشاف ،الزمخشري٢/٢٧٠، البحر المحيط ٥/٦١.

150 انظر: البحر المحيط ، ابو حيان ٥/٦١، المبسوط،السرخسي ٢/٢٩٥.

151 اللباب في علوم الكتاب ١٠/١٢٦.

152 الكشاف ٢/٢٧٠.

153 الذخيرة ٣/١٤٧.

154 أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الزكاة، باب ما قالوا في الغارمين، ٣/٢٠٧، رقم ١٠٧٦٣.

155 الدر المنثور ،السيوطي٤/٢٢٥.

156 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٨١، البحر المديد، ابن عجيبة ٣/١٢١.

وانظر: المبسوط، السرخسي ٣/١٦، الذخيرة، القرافي ٣/١٤٧-١٤٨، المغني، ابن قدامة ٧/٣٢٤.

157 اللباب في علوم الكتاب ١٠/١٢٦.

158 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب استحاب الوضع من الدين، رقم ١٥٥٦.

159 الأحكام السلطانية، الماوردي ص١٣٢.

160 مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٥/٨٠.

161 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٨٥، أحكام القرآن، الجصاص ٤/٣٢٩.

162 انظر: الكشاف، الزمخشري ٢/٢٧١، زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٤٥٨، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٨٥، أحكام القرآن، الجصاص ٤/٣٢٩.

163 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٨/١٨٥.

164 انظر: بدائع الصنائع، الكاساني ٢/٤٥.

165 انظر: الذخيرة، القرافي ٣/١٤٨، الشرح الكبير، الدردير ١/٤٩٧.

166 الشرح الكبير، الدردير ١/٤٩٧، ويرى ابن بشير المالكي عدم صرف الزكاة في بناء الأسوار والسفن التي تستخدم في أعمال الجهاد.

167 بدائع الصنائع ٢/٤٥.

168 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، رقم ١٨٩٥.

169 انظر: الكشاف، الزمخشري ١/٢٤٤، البحر المديد ١/٢١٩، ٣/١٢١.

170 انظر: المصادر السابقة.