عناصر الموضوع

مفهوم الرياح

الرياح في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الرياح آية من آيات الله

صفات الرياح

منافع الرياح

الرياح جند من جنود الله تعالى

الرياح في المثل القرآني

الرياح

مفهوم الرياح

أولًا: المعنى اللغوي:

إن أصل الياء في كلمة الريح واوٌ (روح)، ثم قلبت الواو ياءً لانكسار ما قبلها، وأصل مادة (ر و ح) تدل على سعة وفسحة واطراد1.

والريح: نسيم الهواء، وكذلك نسيم كل شيء2، وهي مؤنثة وتصغيرها رويحة، والريح مفرد، ويجمع تكسيرًا في الكثرة على رياح، وفي القلة على أرواح3.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

لا يختلف معناها الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، الذي يعني: الهواء المتحرك4.

الرياح في الاستعمال القرآني

وردت (الريح) في القرآن الكريم (٢٩) مرة5.

والصيغ التي وردت، هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

مفرد

١٩

( ) [سبأ:١٢]

جمع

١٠

( ) [الأعراف:٥٧]

وجاءت الريح في القرآن على ثلاثة أوجه 6:

أحدها: الشدة والقوة: ومنه قوله تعالى: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الأنفال:٤٦]، يعني: قوتكم وشدتكم.

الثاني: ريح العذاب: ومنه قوله تعالى:(ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [القمر:١٩]، يعني: عذابًا.

الثالث: ريح الخير والرحمة، ومنه قوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ) [يونس:٢٢]، وقوله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الروم:٤٦].

الألفاظ ذات الصلة

الهواء:

الهواء لغة:

هو الجو ما بين السماء والأرض، والجمع الأهوية7.

الهواء اصطلاحًا:

لا يخرج عن معناه اللغوي، ويمكن أن يعرف تعريفًا علميًّا ويقال: غاز يغلف الكرة الأرضية ويتكون من الأزوت والأكسجين وغازات قليلة أخرى والجو8.

الصلة بين الهواء والريح:

الهواء أصل الرياح؛ إلا أنه ساكن في مكانه فمتى ما تحرك صار رياحًا أو ريحًا.

الإعصار:

الإعصار لغة:

قال الزجاج: «الإعصار الرياح التي تهب من الأرض وتثير الغبار فترتفع كالعمود إلى نحو السماء، وهي التي تسميها الناس الزوبعة، وهي ريح شديدة لا يقال لها إعصار حتى تهب كذلك بشدة»9.

الإعصار اصطلاحًا:

لا يخرج عن معناه اللغوي، يقول الزمخشري عن معنی لفظ الإعصار: «هي الريح التي تستدير في الأرض، ثم تسطع نحو السماء کالعمود»10. ويقول الطوسي أيضًا: «الإعصار: غبار يلتف بين السماء والأرض کالتفاف الثوب في العصير»11.

الصلة بين الإعصار والريح:

الإعصار نوع من أنواع الرياح القوية، وليس كل ريح إعصارًا.

الرياح آية من آيات الله

لله عز وجل في هذا الكون آيات كثيرة لا تعد ولا تحصى، تدل دلالةً واضحةً على وحدانيته وقدرته وعظمته وحكمته، ومن هذه الآيات آية الريح، وهي خاضعة لأمر الله وتقديره، فهو المتصرف في أحوالها، ومن تلك الأحوال:

١. إرسال الرياح.

قال عز وجل: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الروم:٤٦].

أي: ومن دلالات بديع قدرته إرسال الرياح مبشرات بالمطر لأنها تتقدمه12.

ويذكر تعالى نعمه على خلقه في إرسال الرياح مبشرات بين يدي رحمته بمجيء الغيث عقبها، ولهذا قال تعالى: (ﮑ ﮒ ﮓ)، أي: المطر الذي ينزّله فيحيي به العباد والبلاد13.

ومن الأدلة الدالة على رحمته وبعثه الموتى وأنه الإله المعبود والملك المحمود، (ﮍ ﮎ ﮏ) أمام المطر () بإثارتها للسحاب ثم جمعها فتبشّر بذلك النفوس قبل نزوله14.

قال الله تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الأعراف:٥٧].

وقال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [الفرقان:٤٨].

وقال تعالى: ( ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) [النمل:٦٣].

٢. إسكان الرياح.

قال عز وجل: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [الشورى:٣٣].

فمن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه، تسخيره البحر؛ لتجري فيه الفلك بأمره وهي: الجواري في البحر كالأعلام، أي: كالجبال، قاله مجاهد والحسن والسدي والضحاك، أي: هذه في البحر كالجبال في البر، (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) أي: التي تسير في البحر بالسفن لو شاء لسكنها حتى لا تتحرك السفن، بل تبقى راكدة لا تجيء ولا تذهب، بل واقفة (ﭞ ﭟ)، أي: على وجه الماء، (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) أي: إن في تسخيره البحر وإجرائه الهوى بقدر ما يحتاجون إليه لسيرهم لدلالات على نعمه تعالى على خلقه، (ﭥ ﭦ) أي: في الشدائد، () في الرخاء15.

وإنها لتركد أحيانا فتهمد هذه الجواري، وتركد كما لو كانت قد فارقتها الحياة! (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) في إجرائهن وفي ركودهن على السواء آيات لكل صبار شكور، والصبر والشكر كثيرًا ما يقترنان في القرآن، الصبر على الابتلاء والشكر على النعماء وهما قوام النفس المؤمنة في الضراء والسراء16.

فما شاء الله كان، وسبحان من جعل في ذلك آيةً، وما يذكر إلا من وفقه الله.

٣. تصريف الرياح.

قال عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) [البقرة:١٦٤]، وقوله عز وجل: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)[الجاثية:٣-٥].

وزعم بعض أهل العربية أنّ معنى قوله: (ﭲ ﭳ)، أنها تأتي مرّة جنوبًا وشمالً وقبولًا ودبورًا، ثم قال: وذلك تصريفها17، وهذه الصفة التي وصف الرياح بها، صفة تصرّفها لا صفة تصريفها، لأن (تصريفها) تصريف الله لها، (وتصرّفها) اختلاف هبوبها.

وقد يجوز أن يكون معنى قوله: (ﭲ ﭳ)، تصريف الله تعالى ذكره هبوب الريح باختلاف مهابّها... فأما معنى قوله:()، فإنه علامات ودلالاتٌ على أن خالق ذلك كلّه ومنشئه، إله واحدٌ لمن عقل مواضع الحجج، وفهم عن الله أدلته على وحدانيته، فأعلم تعالى ذكره عباده، بأنّ الأدلة والحجج إنما وضعت معتبرًا لذوي العقول والتمييز، دون غيرهم من الخلق، إذ كانوا هم المخصوصين بالأمر والنهي، والمكلفين بالطاعة والعبادة، ولهم الثواب، وعليهم العقاب18.

(ﭲ ﭳ) فهذه العبارة الموجزة في كلماتها وراءها حقائق علمية رائعة، فهذه الرياح التى هي الهواء المتحرك فوق غلاف الأرض الجوي إنما تتحرك بتأثير حرارة الشمس التي تجعله يخف ويرتفع ويحل محله هواء بارد ثقيل يندفع نحو منطقة الضغط المنخفض بنظام دقيق، فيه تصريف للرياح وتوجيه لها في هبوبها من مكان إلى مكان معين، وينشأ عن حركة الرياح نتائج لها أهميتها في حياة الناس فهي تسوق السحاب المطرة إلى الأرض المجدبة، وتساعد السفن الشراعية في سيرها، وتحمل اللقاح إلى النباتات النامية وتوزع الحرارة والبرودة في دورات منتظمة على الأرض وغير ذلك من حكمة الله في تصريف الرياح... وقد أثبت العلم الدورة الهوائية على سطح الكرة الأرضية وكيف يكون تصريفها من جهة إلى أخرى19.

ويرشد تعالى خلقه إلى التفكر في آلائه ونعمه، وقدرته العظيمة... وما أنزل الله تبارك وتعالى من السحاب من المطر في وقت الحاجة إليه، وسماه رزقا لأن به يحصل الرزق فأحيا به الأرض بعد موتها أي بعد ما كانت هامدة لا نبات فيها ولا شيء20.

وذكر جل وعلا في هذه الآيات الكريمة، من أول سورة الجاثية ستة براهين، من براهين التوحيد الدالة على عظمته وجلاله، وكمال قدرته:

الأول: منها خلقه السماوات والأرض.

الثاني: خلقه الناس.

الثالث: خلقه الدواب.

الرابع: اختلاف الليل والنهار.

الخامس: إنزال الماء من السماء وإحياء الأرض به.

السادس: تصريف الرياح.

وذكر أن هذه الآيات والبراهين، إنما ينتفع بها المؤمنون، الموقنون الذين يعقلون عن الله حججه، وآياته؛ فكأنهم هم المختصون بها دون غيرهم؛ ولذا قال: (ﭞ ﭟ)، ثم قال: (ﭧ ﭨ )، ثم قال: (ﭼ ﭽ ﭾ).

وهذه البراهين الستة المذكورة في أول هذه السورة الكريمة، جاءت موضحة في آيات كثيرة جدًا كما هو معلوم21.

وهذا يدل دلالةً واضحةً على أن الرياح آية عظيمة وجند قوي من جنود الله تعالى.

وفي الرياح من العبر: هبوبها وسكونها ولينها وشدتها واختلاف طبائعها وصفاتها ومهابّها وتصريفها وتنوع منافعها وشدة الحاجة إليها... وهي مع غاية قوتها ألطف شيء وأقبل المخلوقات لكل كيفية سريعة التأثّر والتأثير، لطيفة المسارق بين السماء والأرض، إذا قطع عن الحيوان الذي على وجه الأرض هلك كبحر الماء الذي إذا فارقه حيوان الماء هلك، يحبسها الله سبحانه إذا شاء ويرسلها إذا شاء، تحمل الأصوات إلى الآذان والرائحة إلى الأنف والسحاب إلى الأرض الجزر، وهي من روح الله تأتي بالرحمة، ومن عقوبته تأتي بالعذاب، وهي أقوى خلق الله كما رواه الترمذي في جامعه من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما خلق الله الأرض جعلت تميد؛ فخلق الجبال فقال بها عليها فاستقرت؛ فعجبت الملائكة من شدة الجبال وقالوا: يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال؟ قال: نعم الحديد، قالوا: يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الحديد؟ قال: نعم النار، قالوا: يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار؟ قال: نعم الماء، قالوا: يا رب فهل من خلقك أشد من الماء؟ قال: نعم الريح، قالوا: يا رب فهل من خلقك أشد من الريح؟ قال: نعم ابن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها عن شماله)22... والمقصود أن الرياح من أعظم آيات الرب الدالة على عظمته وربوبيته وقدرته23.

صفات الرياح

ذكر العلماء كما تقدم معنا حالات للرياح إذا كانت ملازمةً لها سميت باسمها، وقد وردت في ثنايا القرآن الكريم صفات خاصة بعضها للرياح و البعض الآخر للريح، ويمكن أن نتحدث عنها كما يلي:

أولًا: صفات الرياح:

١. المبشرات.

وأصل البشارة الخبر السار والبشور من الرياح التي تبشر بالمطر24، فهو الخبر الصدق السار الذي ليس عند المخبر به علمه، ووجود المبشر به وقت البشارة ليس بلازم25.

وقد مر معنا ذلك كقوله عز وجل: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الروم:٤٦].

وقوله عز وجل: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [النمل:٦٣].

فالبشر جمع البشير؛ لأن الريح تبشر بإتيان المطر بعدها فهي بشير المطر... فإجراء الريح وانتشارها من ههنا وهاهنا أمام المطر مبشرة به من غرائب صنعه وعجائبه، ومن عظائم نعمه على خلقه26.

٢. الذاريات.

وذرّته الريح تذروه وتذريه27، يعني: الرياح تذرو التربة وغيره28.

وقد ورد ذكرها في قوله عز وجل: (ﯤ ﯥ ) [الذاريات:١].

والمراد بالذاريات: هي الرياح التي تذروا، في هبوبها () بلينها، ولطفها، ولطفها وقوتها، وإزعاجها29.

وبيّن أن هذا الذّرو من فعل الرياح فقال عز وجل: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [الكهف:٤٥].

(ﯿ ﰀ) يا محمد للناس (ﰁ ﰂ ﰃ) في زوالها وفنائها وانقضائها، (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ)، أي: ما فيها من الحب، فشبّ وحسن، وعلاه الزهر والنور والنضرة، ثم بعد هذا كله أصبح هشيمًا يابسًا (ﰎ ﰏ)، أي: تفرقه وتطرحه ذات اليمين وذات الشمال30.

ثانيًا: صفات الريح:

١. صرصر.

وريح صرصر شديدة البرد وشديدة الصوت معًا31.

وقد جاء ذكرها في قوله عز وجل: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [فصلت:١٦].

واختلف أهل التأويل في معنى الصرصر، فقال بعضهم: عني بذلك أنها ريح شديدة... وقال آخرون: بل عني بها أنها باردة... وأولى القولين في ذلك بالصواب قول مجاهد، وذلك أن قوله: () إنما هو صوت الريح إذا هبت بشدة، فسمع لها32.

وكذلك قوله عز وجل: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [القمر:١٩]، أي: شديدةً جدًّا33.

وقوله عز وجل: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الحاقة:٦]، أي: شديدة العصوف والبرد عاتية أي: متجاوزة الحد المعروف في الهبوب والبرودة34، فظهر أن أهم معنى لهذه الصفة هو الشدة.

٢. عاصف.

عصفت الريح تعصف عصوفًا وأعصفت وهي عاصف وعاصفة: اشتدت35.

وورد ذكر الريح بهذه الصفة في قوله عز وجل: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [يونس:٢٢].

أخبر تعالى أنه (ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ)، أي: يحفظكم ويكلؤكم بحراسته، (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ )، أي: بسرعة سيرهم رافقين فبينما هم كذلك؛ إذ () أي: تلك السفن، (ﭽ ﭾ)، أي: شديدة، (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)36.

وقوله عز وجل: ( ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [إبراهيم:١٨].

ومشهد الرماد تشتد به الريح في يوم عاصف مشهود معهود، يجسم به السياق معنى ضياع الأعمال سدى، لا يقدر أصحابها على الإمساك بشيء منها، ولا الانتفاع به أصلًا، يجسمه في هذا المشهد العاصف المتحرك، فيبلغ في تحريك المشاعر له ما لا يبلغه التعبير الذهني المجرد عن ضياع الأعمال وذهابها بددًا37.

وكذلك قوله عز وجل: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [الأنبياء:٨١]والمعنى: وسخّرنا لسليمان الريح عاصفةً أي: شديدة الهبوب تجري بأمره يعني: بأمر سليمان إلى الأرض الّتي باركنا فيها وهي أرض الشام... والمعنى: أنها كانت تسير به إلى حيث شاء، ثم تعود به إلى منزله بالشام38.

٣. قاصف.

انقصف الشيء انكسر وبان39، والقاصف الريح الشديدة التي تقصف الشجرة وتكسرها، وكذلك البناء وغيره40.

وقد ورد ذكر هذه الصفة للريح في قوله عز وجل: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الإسراء:٦٨-٦٩].

أي: يقوي دواعيكم لركوب البحر تارة أخرى؛ فيرسل عليكم قاصفا من الريح، أي: ريحا شديدة لا تمر بشيء إلا قصفته؛ فتكسر السفينة وسط البحر فيغرقكم بما كفرتم41.

٤. مصفرًّا.

الصّفرة: لونٌ من الألوان التي بين السّواد والبياض، وهي إلى السّواد أقرب، ولذلك قد يعبّر بها عن السّواد42.

ووردت هذه الصفة للريح في قوله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الروم:٥١].

يقول تعالى: ولئن أرسلنا ريحا يابسة على الزرع الذي زرعوه ونبت وشب واستوى على سوقه، فرأوه مصفرا، أي قد اصفر وشرع في الفساد لظلوا من بعده، أي بعد هذا الحال، يكفرون، أي يجحدون ما تقدم إليهم من النعم43.

٥. عقيم.

العقيم: التي لا يستفاد منها، وهو ضد اللقاح44، والريح العقيم: التي لا يكون معها لقح، أي لا تأتي بمطر، إنما هي ريح الهلاك45، فلا تلقح سحابا ولا شجرا46.

ووردت هذه الصفة للريح في قوله عز وجل: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الذاريات:٤١-٤٢].

وهي وإن ذكرت معرفة، فالمعرّف نكرة؛ لأن تلك الريح منكّرة كأنه يقول: وأرسلنا الريح التي لم تكن من الرياح التي تقع ولا وقع مثلها فهي لشدتها منكرة47، يعني التي لا خير فيها ولا بركة، فلا تلقح شجرًا ولا تحمل مطرًا48.

٦. السكون.

وهو ثبوت الشيء بعد تحرك49، ومنه قوله عز وجل: (ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الشورى:٣٣]، أي: يسكن الريح التي تجري بها السفن، فيظللن أي: السفن، رواكد أي: سواكن ثوابت على ظهر البحر50.

ثالثًا: صفات أخرى:

١. سموم.

والسّموم: الرّيح الحارّة التي تؤثّر تأثير السّمّ51، والسموم بالنهار، وقد تكون بالليل52، وهي: الريح الحارة... تكون غالبًا بالنهار والحر الشديد النافذ في المسام53.

وقد ذكرت كصفة للريح التي تأتي من حر جهنم أعاذنا الله برحمته منها، وذلك في قوله عز وجل: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [الطور:٢٧-٢٨].

وقد تستعمل السموم في لفح البرد، وهي في لفح الحر والشمس أكثر54، أي: العذاب الحار الشديد حرّه55، و أصله: اسم للريح التي تهبّ من جهة حارّة جدًا فتكون جافّة شديدة الحرارة، وهي معروفة في بلاد العرب تهلك من يتنشّقها، وأطلق هنا على ريح جهنم على سبيل التقريب بالأمر المعروف56.

٢. حرور.

الحرور الريح الحارة وهي بالليل كالسموم بالنهار57.

وقد ذكرت هذه الصفة في قوله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [فاطر:١٩-٢١].

والحرور الريح الحارة بالليل، وقد تكون بالنهار58، والقول في ذلك: أن الحرور يكون بالليل والنهار، غير أنه في هذا الموضع... أشبه مع الشمس؛ لأن الظل إنما يكون في يوم شمس، فذلك يدل على أنه أريد بالحرور: الذي يوجد في حال وجود الظل59.

منافع الرياح

جعل الله عز وجل في الريح بعض المنافع للناس، ومن تلك المنافع:

١. الرياح سبب حمل المطر لإحياء الأرض الميتة.

قال عز وجل: ( ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [الأعراف:٥٧].

قرأه أكثر السبعة: (ﯦ ﯧ) بالجمع، وقرأه بعض السبعة: (ﯦ ﯧ) بالإفراد، وعلى قراءة الإفراد فالمراد الجنس، فلا تنافي قراءة الإفراد قراءة الجمع60.

ومعنى هذه القراءات يرجع إلى النّشر، الذي هو خلاف الطي، فكأن الريح مع سكونها كانت مطوية ثم ترسل من طيها فتصير كالمنفتحة61.

أي: إن ربكم المدبّر لأمور الخلق، هو الذي يرسل الرياح بين يدي رحمته، أي: بين الأمطار وأمامها حال كونها مبشرات بها، فينشئ بها سحابًا ثقالًا لكثرة ما فيها من الماء، حتى إذا أقلتها ورفعتها إلى الهواء ساقها لإحياء بلد ميت قد عفت مزارعه، ودرست مشاربه، وأجدب أهله62.

يضاف إلى ذلك قوله عز وجل: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الفرقان:٤٨-٥٠].

وهذا أيضًا من قدرته التامة وسلطانه العظيم، وهو أنه تعالى يرسل الرياح مبشرات، أي : بمجيء السحاب بعدها، والرياح أنواع في صفات كثيرة من التسخير، فمنها ما يثير السحاب، ومنها ما يحمله، ومنها ما يسوقه، ومنها ما يكون بين يدي السحاب مبشراً، ومنها ما يكون قبل ذلك يقم الأرض، ومنها ما يلقح السحاب ليمطر، ولهذا قال تعالى: {ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ}[الفرقان:٤٨] أي : آلة يتطهر بها كالسحور والوقود وما جرى مجراهما، فهذا أصح ما يقال في ذلك63.

وكذلك قوله عز وجل: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [فاطر:٩].

فالإثارة: رفع الشيء المستقر وقلبه بعد استقراره، أي: تسوقه وتدفعه من مكان إلى مكان، وأطلقت الإثارة هنا على قلب تراب الأرض بجعل ما كان باطنًا ظاهرًا وهو الحرث64.

وإذ قد كان القصد من الاستدلال هو وقوع الإحياء وتقرّر وقوعه جيء بفعل الماضي في قوله: ()، وأما تغييره إلى المضارع في قوله: (ﮮ ﮯ) فلحكاية الحال العجيبة التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب، وهي طريقة للبلغاء في الفعل الذي فيه خصوصية بحال تستغرب وتهم السامع65.

وجاء به على جهة المضارعة والاستقبال بين فعلين ماضيين، وهما قوله: () ()، والسر في مثل هذا، هو أن الفعل المستقبل يوضح الحال، ويستحضر تلك الصورة حتى كأن الإنسان يشاهدها، وليس كذلك الفعل الماضي إذا عطف؛ لأنه لا يعطي هذا المعنى ولا يدل عليه، فإذا قال (فَتُثِيرُ)، على جهة الاستقبال بعد ما مضى قوله: (). فإنما يكون دالاً على حكاية الحال التي تقع فيها إثارة الريح للسحاب، واستحضار لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة66.

فكانت الرياح التي تؤثر في هذا المطر معينة له في إحياء الأرض بعد موتها، حيث قال عزوجل: ( ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [الزخرف:١١]، وقال: (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ) [ق:٩-١١].

٢. الرياح سبب لجريان الفلك في البحر وغيره.

من النعم العظيمة التي منّ الله عز وجل بها على عباده نعمة جريان الفلك في المياه بأمره67.

والفلك: السّفينة، ويستعمل ذلك للواحد والجمع68، وجاء عن مجاهد أنها السفن في البحار69.

ومن الآيات التي تحدثت عن ذلك صراحة ، قوله عز وجل: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [يونس:٢٢].

وهذه نعمة عظيمة أن كانت الريح سبباً لجريان الفلك، فإن الإنسان إذا ركب السفينة ووجد الريح الطيبة الموافقة للمقصود، حصل له الفرح التام والمسرة القوية70؛ فالذي أجرى الفلك في البحر لنيل الخير هو الريح الطيب، ولو اشتد بهم لكان به الهلاك.

وكذلك قوله عز وجل: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [الروم:٤٦]، أي: (ﮔ ﮕ ﮖ) بهذه الرياح71.

وقد وردت آيات أخرى امتن الله عز وجل بها على عباده؛ بأن جعل الفلك تجري بهم؛ لينالوا منافعهم في البر والبحر، ويعلم بها أن الفلك لا تجري إلا بمساندة الريح لها وذلك في قوله عز وجل: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [إبراهيم:٣٢]. (ﯠ ﯡ ﯢ) أي: المزن (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ) أي : تعيشون به ، (ﯫ ﯬ ﯭ) أي: السفن (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) أي بإرادته (ﯳ ﯴ ) أي: فتجري حيث تشاؤون من شرب وسقي وسواهما72.

وقوله عز وجل: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النحل:١٤].

() أي: السفن والمراكب (ﯩ ﯪ) أي: تمخر في البحر العجاج الهائل بمقدمها حتى تسلك فيه من قطر إلى آخر، تحمل المسافرين وأرزاقهم وأمتعتهم وتجاراتهم التي يطلبون بها الأرزاق وفضل الله عليهم73.

وقوله عز وجل: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [الإسراء:٦٦].

وقوله عز وجل: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [لقمان:٣١-٣٢].

أي: ليريكم بعض آياته، وهو جري السفن في البحر بالريح74، وقوله عز وجل:(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [فاطر:١٢] ؛ لأن المصلحة تقتضي أن تكون الأنهار عذبةً فراتاً، سائغاً شرابها، لينتفع بها الشاربون والغارسون والزارعون، وأن يكون البحر ملحاً أجاجاً، لئلا يفسد الهواء المحيط بالأرض بروائح ما يموت في البحر من الحيوانات ؛ ولأنه ساكن لا يجري، فملوحته تمنعه من التغير، ولتكون حيواناته أحسن وألذ75.

وقوله عز وجل: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [غافر:٧٩-٨٠].

وعلى الأنعام، وعلى السفن تحملون على هذه في البر، وعلى هذه في البحر76، وقوله عز وجل: (ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الجاثية:١٢].

يذكر تعالى نعمه على عبيده فيما سخر لهم من البحر (ﯺ ﯻ) وهي السفن فيه بأمره تعالى؛ فإنه هو الذي أمر البحر بحملها (ﯾ ﯿ ﰀ) أي: في المتاجر والمكاسب، (ﰁ ﰂ)أي : على حصول المنافع المجلوبة إليكم من الأقاليم النائية والآفاق القاصية77.

وقد ثبت علمياً أن كل المراكب التي تستخدم كافة أنواع الوقود، وتتحرك بالمراجل البخاري، يمكن أن تتوقف تماماً؛ إذا توقفت الريح؛ لأن وسيلة احتراق هذا النوع من الطاقة هي غاز الأوكسجين الموجود في الريح78.

٣. الرياح سبب لتلقيح السحاب والنبات.

من المنافع التي ذكرها القرآن الكريم في حديثه عن الرياح، تلقيح السحاب لإنزال المطر وتلقيح النبات لإخراج الثمر، وذلك كما في قوله عزوجل: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الحجر:٢٢].

واختلف أهل العربية في وجه وصف الرياح باللقح، وإنما هي ملقحة لا لاقحة، وذلك أنها تلقح السحاب والشجر، وإنما توصف باللقح الملقوحة لا الملقح... والصواب من القول في ذلك عندي: أن الرياح لواقح كما وصفها به جلّ ثناؤه من صفتها، وإن كانت قد تلقح السحاب والأشجار، فهي لاقحة ملقحة، ولقحها: حملها الماء ، وإلقاحها السحاب والشجر: عملها فيه79.

ومعنى الإلقاح: أن الرياح تلقح السحاب بالماء بتوجيه عمل الحرارة والبرودة متعاقبين ، فينشأ عن ذلك البخار الذي يصير ماءً في الجو ثم ينزل مطرًا على الأرض؛ وأنها تلقح الشجر ذي الثمرة بأن تنقل إلى نوره غبرة دقيقة من نور الشجر الذكر فتصلح ثمرته أو تثبت، وبدون ذلك لا تثبت أو لا تصلح... ومن بلاغة الآية إيراد هذا الوصف لإفادة كلا العملين اللّذين تعملهما الرياح، وقد فسرت الآية بهما، واقتصر جمهور المفسرين على أنها لواقح السحاب بالمطر80.

وقد أثبت العلم الحديث أن من وسائل تلقيح النبات الرياح؛ لأنها تنقل الملقحات من عضو التذكير النباتي إلى عضو التأنيث النباتي81.

ومن الآيات الدالة على ذلك قوله عز وجل: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [فاطر:٩].

وقوله عز وجل: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الروم:٤٨].

إن الحقائق التي ذكرتها آيات القرآن الكريم عامةً وما يتعلق منه بتأثير الرياح في إنشاء السحب وتلقيحها وتشكيلها، ثم نزول المطر أو البرد منها، هذه الحقائق من أعجب الأمور وأدقها... والأصل في تكوين السحب على اختلاف أنواعها وأشكالها إنما هي الرياح.

وحقيقة أخرى أشارت إليها الآية الكريمة: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الحجر:٢٢].

فقد حملها كثير من المفسرين على أن الرياح اللواقح تلقح النباتات فتحمل الطّلع من الذكر إلى الأنثى فتلقح بويضاتها، والحقيقة أن هذا الأمر مما يتحقق بواسطة الرياح، إلا أن سياق الآية في هذا المقام لا يحتمل ذلك بل يشير إلى حقيقة أخرى أدق وهي تلقيح السحب.

وقد توصل العلم الحديث إلى أن نمو السحب ونزول المطر يتطلب أن تلقّح الرياح هذه السحب... وعلى هذا النحو عرف الناس الآن أن الآية الكريمة إنما تشير إلى تلقيح الرياح للسحب ببخار الماء... لكي تجود بالمطر82.

فتأمل كم سخر للسحاب من ريح حتى أمطر، فسخرت له المثيرة أولاً فتثيره بين السماء والأرض، ثم سخرت له الحاملة التي تحمله على متنها كالجمل الذي يحمل الراوية، ثم سخرت له المؤلفة فتؤلف بين كسفه وقطعه، ثم يجتمع بعضها إلى بعض فيصير طبقاً واحداً، ثم سخرت له اللاقحة بمنزلة الذكر الذي يلقح الأنثى فتلقحه بالماء ولولاها لكان جهاماً لا ماء فيه، ثم سخرت له المزجية التي تزجيه وتسوقه إلى حيث أمر فيفرغ ماءه هنالك، ثم سخرت له بعد إعصاره المفرقة التي تبثه وتفرقه في الجو فلا ينزل مجتمعاً ولو نزل جملةً لأهلك المساكن والحيوان والنبات، بل تفرقه فتجعله قطرًا، وكذلك الرياح التي تلقح الشجر والنبات ولولاها لكانت عقيمًا.

وكذلك الرياح التي تسير السفن ولولاها لوقفت على ظهر البحر، ومن منافعها أنها تبرد الماء وتضرم النار التي يراد إضرامها، وتجفف الأشياء التي يحتاج إلى جفافها، وبالجملة فحياة ما على الأرض من نبات وحيوان بالرياح؛ فإنه لولا تسخير الله لها لعباده لذوي النبات ومات الحيوان وفسدت المطاعم وأنتن العالم وفسد.

ألا ترى إذا ركدت الرياح كيف يحدث الكرب والغم الذي لو دام لأتلف النفوس، وأسقم الحيوان وأمرض الأصحاء وأنهك المرضى وأفسد الثمار وعفن الزرع وأحدث الوباء في الجو؛ فسبحان من جعل هبوب الرياح تأتي بروحه ورحمته ولطفه ونعمته83.

٤. تسخير الرياح لسليمان عليه السلام.

من المنافع المهمة التي ذكرت في القرآن الكريم عن الرياح، المنفعة العظيمة التي كانت لنبي الله سليمان عليه السلام وذلك من تمام النعمة والملك الذي وهبه الله عز وجل إياه.

وسليمان عليه السلام هو: سليمان بن داود... بن يهوذا بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، ورث عن أبيه الملك والنبوة84.

وقد ميّزه الله عز وجل بملك خاص عن سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، يوضح ذلك حديث عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن عفريتاً من الجن تفلت علي البارحة - أو كلمة نحوها - ليقطع علي الصلاة، فأمكنني الله منه، فأردت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي)، قال روح: «فرده خاسئًا»85.

ومن ما جاء في حديث القرآن الكريم عن الريح التي سخرها الله عز وجل لنبيه سليمان عليه السلام قوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ) [الأنبياء:٨١].

أي: وسخرنا لسليمان الريح في حال كونها عاصفةً، أي: شديدة الهبوب... تطيعه وتجري إلى المحل الذي يأمرها به86.

فإذا أراد الإسراع في السير سارت عاصفة وإذا أراد اللين سارت رخاء، والمقام قرينة على أن المراد المواتاة لإرادة سليمان87.

و(ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) يعني: الشام بيت المقدس، وذلك أنها كانت تجري لسليمان وأصحابه حيث شاء سليمان، ثم تعود إلى منزله بالشام88.

وقوله تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ) [سبأ:١٢].

غدوها إلى انتصاف النهار مسيرة شهر، ورواحها من انتصاف النهار إلى الليل مسيرة شهر89، فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين90.

(ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [ص:٣٦]، ليست بالعاصف ولا باللينة بين ذلك، ومطيعة له حيث أراد91.

وسخّر له الريح بدلًا من الأفراس، فلا يحتاج في إمساكها إلى العلف والمؤن92.

تنبيه: اعلم أن في هذه الآيات التي ذكرنا سؤالين معروفين:

الأول: أن يقال: إن الله وصف الريح المذكورة في سورة الأنبياء بأنها عاصفة، أي: شديد الهبوب، ووصفها في سورة (ص) بأنها تجري بأمره رخاء، والعاصفة غير التي تجري رخاء.

والسؤال الثاني: هو أنه في سورة الأنبياء خص جريها به بكونه إلى الأرض التي بارك فيها للعالمين، وفي سورة (ص) قال: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ )، وقوله: (ﯣ ﯤ)، يدل على التعميم في الأمكنة التي يريد الذهاب إليها على الريح، فقوله: (ﯣ ﯤ) أي : حيث أراد.

أما الجواب عن السؤال الأول فمن وجهين:

الوجه الأول: أنها عاصفة في بعض الأوقات، ولينة رخاء في بعضها بحسب الحاجة، كأن تعصف ويشتد هبوبها في أول الأمر حتى ترفع البساط الذي عليه سليمان وجنوده، فإذا ارتفع سارت به رخاءً حيث أصاب.

الوجه الثاني: هو ما ذكره الزمخشري قال: «فإن قلت: وصفت هذه الريح بالعصف تارة بالرخاء أخرى، فما التوفيق بينهما ؟ قلت: كانت في نفسها رخية طيبة كالنسيم، فإذا مرت بكرسيه أبعدت به في مدة يسيرة، على ما قال: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)، فكان جمعها بين الأمرين: أن تكون رخاء في نفسها، وعاصفة في عملها مع طاعتها لسليمان، وهبوبها على حسب ما يريد ويحتكم»93.

وأما الجواب عن السؤال الثاني: فهو أن قوله: (ﯣ ﯤ) يدل على أنها تجري بأمره حيث أراد من أقطار الأرض، وقوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)؛ لأن مسكنه فيها وهي الشام، فترده إلى الشام، وعليه فقوله: (ﯣ ﯤ)في حالة الذهاب، وقوله: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) في حالة الإياب إلى محل السكنى؛ فانفكت الجهة فزال الإشكال94.

والأصل أنها ريح عاصف شديدة؛ ولما كانت مسخرة لسليمان عليه السلام كان زمام أمرها بيده، فلا تراها تسير إلا في أمور الخير.

الرياح جند من جنود الله تعالى

من المعاني التي جاءت في القرآن الكريم مختصة بالريح، معنيان مهمان:

الأول: نصرة عباد الله المؤمنين بمساعدة الرياح لهم.

والثاني: هلاك الكافرين بتسليط الريح عليهم.

وبيان ذلك في النقاط الآتية:

أولًا: الرياح نصرة للمؤمنين:

وذلك في قوله عز وجل: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [الأحزاب:٩].

يقول تعالى ذكره: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) التي أنعمها على جماعتكم ، وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الخندق (ﭵ ﭶ ﭷ): جنود الأحزاب: قريش، وغطفان، ويهود بني النضير ، (ﭸ ﭹ ﭺ) وهي فيما ذكر: ريح الصبا أرسلت على الأحزاب يوم الخندق، حتى كفأت قدورهم على أفواهها؛ فضرب الله وجوه أعدائه بالريح، فهزمهم الله بالريح95.

ثم أرسل الله عز وجل على الأحزاب ريحا شديدة الهبوب قوية حتى لم يبق لهم خيمة ولا شيء، ولا توقد لهم نار ولا يقر لهم قرار، حتى ارتحلوا خائبين خاسرين96.

والريح المذكورة هنا : هي ريح الصّبا ، وكانت باردة وقلعت الأوتاد والأطناب، وسفت التراب في عيونهم ، وماجت الخيل بعضها في بعض وهلك كثير من خيلهم وإبلهم وشائهم97.

وبسبب تلك الريح وتلك الجنود ردّهم الله عز وجل بغيظهم وكفى الله عز وجل المؤمنين القتال98.

ولذا جاء عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور)99.

فالمسلمون إذا استمسكوا بالدين غلبوا الأعداء، وهذا الذي ذكر الله يوم الخندق شيئاً ما كان في حسبانهم، وما كانوا يظنونه، فهو أمر إلهي من الله... فالحاصل: أن القرآن لا يأمر بالتكاسل والتواكل، بل إنما يأمر بالقوة والاستعداد لكل هجوم، والمتمسك به أيضًا لو بوغت قبل أن يستعد، أو في حالة ضعف فإن الله يقوّيه وينصره على عدوه بالطرق التي يعلمها هو وحده، وإن لم تكن في حسبان المسلمين، كما نصر أهل الأحزاب بالريح وبجنود لم يروها، نصرهم بالريح، كلما نصبوا -أي: جنود الكفر- خباءً في البر نسفته الريح، وكلما وضعوا قدرًا ليطبخوا فيه نسفته الريح، فبقوا مثلًا لا قرار لهم، لا كنّ يكنهم، ولا طعام يأكلونه، فاضطروا للفرار، حتى قال رئيسهم أبو سفيان بن حرب: ارتحلوا وأنا أول مرتحل100.

ثانيًا: الرياح عذاب للكافرين:

جاءت الريح في القرآن الكريم تحمل معنى العذاب الذي عذّب الله عز وجل به الكافرين، وذلك كما في قوله عز وجل: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأحقاف:٢٤].

وهذا الحديث في شأن قوم عاد (ﭒ ﭓ ﭔ) يعني هودًا، (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) جمع حقف، وهو الرمل المستطيل المرتفع، كذبوا نبيهم؛ فلما جاءهم عذاب الله الذي استعجلوه، فرأوه عارضًا في ناحية من نواحي السماء، متجها نحو مزارعهم (ﮌ ﮍ ﮎ) أي: سحاب () أي: بغيث نحيا به، (ﮑ ﮒ) أي: قال هود: بل هو (ﮓ ﮔ ﮕ) أي: من العذاب (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)101.

والريح التي عذّبوا بها؛ نشأت من ذلك السحاب الذي رأوه، وخرج هود من بين أظهرهم... قال ابن عباس: أول ما رأوا العارض قاموا فمدوا أيديهم، فأول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح ما بين السماء والأرض مثل الريش، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم، فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم، وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال، فكانوا تحت الرمال سبع ليال وثمانية أيام حسوما، ولهم أنين، ثم أمر الله الريح فكشف عنهم الرمال واحتملتهم فرمتهم في البحر، فهي التي قال الله تعالى فيها: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) أي: كل شيء مرت عليه من رجال عاد وأموالها102.

وقوله عز وجل: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [فصلت:١٦].

( ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ) قال بعضهم: وهي الشديدة الهبوب، وقيل: الباردة، وقيل: هي التي لها صوت، والحق أنها متصفة بجميع ذلك، فإنها كانت ريحا شديدة قوية ؛ لتكون عقوبتهم من جنس ما اغتروا به من قواهم ، وكانت باردة شديدة البرد جدا، ابتدءوا العذاب في يوم نحس عليهم واستمر بهم هذا النحس سبع ليال وثمانية أيام حسوما حتى أبادهم عن آخرهم، واتصل بهم خزي الدنيا بعذاب الآخرة103.

إنها العاصفة الهوجاء المجتاحة الباردة في أيام نحس عليهم، وإنه الخزي في الحياة الدنيا، الخزي اللائق بالمستكبرين المتباهين المختالين على العباد104.

وقوله عز وجل: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) [الذاريات:٤١].

أي: (ﮙ ﮚ) القبيلة المعروفة آية عظيمة، (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) أي: التي لا خير فيها، حين كذبوا نبيهم هودا عليه السلام105.

ووصفت بالعقم؛ لأنها أهلكتهم، وقطعت دابرهم، أو لأنّها لم تتضمن خيرًا ما، من إنشاء مطرٍ أو إلقاح شجرٍ106.

وقوله عز وجل: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ) [الحاقة:٦].

(ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) أي: باردة، قال قتادة والسدي والربيع بن أنس والثوري: عاتية أي: شديدة الهبوب، وقال قتادة: عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم، وقال الضحاك: صرصر باردة عاتية عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة، وقال علي وغيره: عتت على الخزنة فخرجت بغير حساب.

فسخرها عليهم ، أي: سلطها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما أي: كوامل متتابعات مشائيم107.

وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أنهما قالا: إنه لم ينزل من السماء قطرة ماء إلا بمكيال على يد ملك ولا هبت ريح إلا كذلك إلا ما كان من طوفان نوح وريح عاد، فإن الله أذن لهما في الخروج دون إذن الخزان108.

والريح في القرآن الكريم ما ذكرت أنها جاءت كعذاب أليم شديد متتابع إلا على قوم عاد، وذلك -والله أعلم- لأن الله عز وجل ذكر صفتهم في القرآن بأجمع وصف فقال عز وجل: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الفجر:٦-٨].

يعني: مثل عاد، والهاء عائدة على عاد، وجائز أن تكون عائدة على إرم، وهي: بلدة كانت عاد تسكنها ، وإنما عني بقوله : ( ﭰ ﭱ ﭲ ) في العظم والبطش والأيد، وبنحو ذا قال أهل التأويل109.

فلم يصنع مثلها في البلاد؛ لأنها قوية ومحكمة، وهذا هو الذي غرهم وقالوا: من أشد منا قوة؟110.

فكانوا من أشد الناس كفرًا، وأقواهم جحودًا، فأهلكهم الله عز وجل ليعتبر بذلك ويتعظ من كان دونهم.

فاستكبروا، أي: بغوا وعتوا وعصوا، (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) أي: منوا بشدة تركيبهم وقواهم واعتقدوا أنهم يمتنعون بها من بأس الله، (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) أي: أفما يتفكرون فيمن يبارزون بالعداوة فإنه العظيم الذي خلق الأشياء وركب فيها قواها الحاملة لها وإن بطشه شديد؛ فبارزوا الجبار بالعداوة وجحدوا بآياته وعصوا رسوله111.

و أخبر الله تعالى عن عبده ورسوله هود عليه السلام، أنه دعا قومه عاداً، وكان قومه يسكنون الأحقاف، وهي جبال الرمل قريباً من حضرموت، من جهة بلاد اليمن، وكان زمانهم بعد قوم نوح، كما قال عز وجل: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ) [الأعراف:٦٩].

وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب والقوة والبطش الشديد، والطول المديد،والأرزاق الدارة،والأموال والجنات والأنهار، والأبناء والزروع والثمار، وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه، فبعث الله هودا عليه السلام إليهم ، رجلا منهم رسولا وبشيرا ونذيرا، فدعاهم إلى الله وحده، وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته وبطشه... استمروا على تكذيب نبي الله هود ومخالفته وعناده، فأهلكهم الله وقد بين سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن112.

ويكفي في وصفها قوله عز وجل: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [الأحقاف:٢٥].

ولما كانوا مكذبين لرسولهم، صاروا بذلك مكذبين لجميع الرسل؛ واستحقوا هذا النوع من العذاب الأليم.

ضرب الله عز وجل أمثالا كثيرة في القرآن الكريم، بآيات كثيرة ومخلوقات عظيمة، تختلف بحسب سياقها في القرآن الكريم.

والمثل: والمثل عبارة عن قولٍ في شيء يشبه قولًا في شيء آخر بينهما مشابهة، ليبيّن أحدهما الآخر ويصوّره، وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى من الأمثال، فقال:(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الحشر:٢١]113.

وإذا نظرنا وجدنا أن القصد من ضرب الأمثال هي العظة والعبرة، واعتبار الإنسان بما يعرف ويشاهد أبلغ في العظة والخوف114.

وقد جاءت الريح في أمثال القرآن الكريم، كما سنجمله في النقاط الآتية:

أولا: الرياح:

١. ضرب الرياح مثلًا للحياة الدنيا.

وذلك كما ورد في قوله عز وجل: (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) [الكهف:٤٥].

أي: فالتفّ بسببه وتكاثف، حتى خالط بعضه بعضًا، فشبّ وحسن وعلاه الزهر والنور والنضرة () أي : بعد ذلك الزّهو ( ) أي : جافّا يابسا مكسورا ( ﰎ ﰏ) أي : تفرقه وتنسفه ذات اليمين وذات الشمال كأن لم يكن، وهكذا حال الدنيا وحال مجرميها، فإن ما نالهم من شرف الحياة كالذي حصل للنبات من شرف النموّ، ثم يزولون زوال النبات، (ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ) أي: على كل من الإنشاء والإفناء كامل القدرة115.

وعبّر عن هذا المعنى بـ( )، لما في ذرا، يذرو من معنى الارتفاع، والسرعة. يقال: ذرا فلان يذرو: ارتفع، ومرّ مرًّا سريعًا، ومنه سمّيت الرياح بالذاريات. قال تعالى: (ﯤ ﯥ ) [الذاريات:١]، وإنما سميت بذلك؛ لأنها تحمل التراب، أو الهشيم عاليًا، وتفرقه بسرعة في كل جهة؛ بحيث يستحيل إعادته كما كان116.

وتدل الآية على زينة الدنيا الخادعة من الأموال والضياع والجاه والرئاسة والملك وأن الإنسان ينخدع ويغتر بها مع أنها كما يرى دائمًا من نبات الأرض الذي لا يدوم فإما الموت أو الآفات وتنغيص الحياة117.

والنبات لا ينمو ولا ينضج، ولكنه يصبح هشيما تذروه الرياح، وما بين ثلاث جمل قصار، ينتهي شريط الحياة، ولقد استخدم النسق اللفظي في تقصير عرض المشاهد، بالتعقيب الذي تدل عليه الفاء: (ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ) فما أقصرها حياة! وما أهونها حياة!118.

٢. ضرب الرياح مثلًا للبعث بعد الموت.

وذلك كما في قوله عز وجل: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [فاطر:٩].

فيخبر تعالى عن كمال اقتداره، وسعة جوده، وأنه (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ)؛ فأنزله الله عليها (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)؛ فحييت البلاد والعباد، وارتزقت الحيوانات، ورتعت في تلك الخيرات،() الذي أحيا الأرض بعد موتها، ينشر الله الأموات من قبورهم، بعدما مزقهم البلى، فيسوق إليهم مطرا، كما ساقه إلى الأرض الميتة، فينزله عليهم فتحيا الأجساد والأرواح من القبور، ويأتون للقيام بين يدي الله ليحكم بينهم، ويفصل بحكمه العدل119.

فإن قلت: لم جاء فتثير على المضارعة دون ما قبله، وما بعده؟ قلت: ليحكى الحال التي تقع فيها إثارة الرياح السحاب، وتستحضر تلك الصور البديعة الدالة على القدرة الربانية، وكذلك سوق السحاب إلى البلد الميت، وإحياء الأرض بالمطر بعد موتها: لما كانا من الدلائل على القدرة الباهرة قيل: فسقنا، وأحيينا، معدولا بهما عن لفظ الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص وأدلّ عليه120.

ومن الأغراض البلاغية: إخبار عن ماض بمستقبل لإبراز صورة معينة يريدها المتحدث، من ذلك قوله سبحانه وتعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ) [فاطر:٩].

فإنما قال سبحانه وتعالى: () مستقبلًا وما قبله وما بعده ماض () () أفعال ماضية وتثير فعلًا مضارعًا، لذلك المعنى المراد وهو حكاية الحال التي يقع فيها إثارة الريح السحاب، واستحضار تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة121.

وهذه آية احتجاج على الكفرة في إنكار البعث من القبور، فدلهم تعالى على المثال الذي يعاينونه وهو سواء مع إحياء الموتى، و «البلد الميت» هو الذي لا نبت فيه قد اغبر من القحط فإذا أصابه الماء من السحاب اخضر وأنبت فتلك حياته122.

وهبوب الرياح دليل ظاهر على الفاعل المختار وذلك لأن الهواء قد يسكن، وقد يتحرك وعند حركته قد يتحرك إلى اليمين، وقد يتحرك إلى اليسار، وفي حركاته المختلفة قد ينشئ السحاب، وقد لا ينشئ، فهذه الاختلافات دليل على مسخر مدبر ومؤثر مقدر... و وجه التشبيه بقوله: (ﯛ ﯜ) فيه وجوه: أحدها: أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها كذلك الأعضاء تقبل الحياة، وثانيها: كما أن الريح يجمع القطع السحابية كذلك يجمع بين أجزاء الأعضاء وأبعاض الأشياء، وثالثها: كما أنا نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت نسوق الروح والحياة إلى البدن الميت123.

وكثيرا ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها؛ ليعتبر المرتاب في هذا، فإنه من أظهر الآيات وأوضحها124.

ثانيًا: الريح :

١. ضرب الريح مثلًا لإنفاق الكافرين.

وذلك كما في قوله عز وجل: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [آل عمران:١١٧].

يعني بذلك جل ثناؤه: شبه ما ينفق الذين كفروا، أي: شبه ما يتصدق به الكافر من ماله، فيعطيه من يعطيه على وجه القربة إلى ربّه وهو لوحدانية الله جاحد، ولمحمد صلى الله عليه وسلم مكذب، في أن ذلك غير نافعه مع كفره، وأنه مضمحلّ عند حاجته إليه، ذاهبٌ بعد الذي كان يرجو من عائدة نفعه عليه، كشبه ريح فيها برد شديد، أصابت هذه الريح التي فيها البرد الشديد (ﭲ ﭳ)، يعني: زرع قوم قد أمّلوا إدراكه، ورجوا ريعه وعائدة نفعه، (ﭴ ﭵ)، يعني: أصحاب الزرع، عصوا الله، وتعدّوا حدوده ()، يعني: فأهلكت الريح التي فيها الصرّ زرعهم ذلك، بعد الذي كانوا عليه من الأمل ورجاء عائدة نفعه عليهم.

و() فيه حذف مضاف، تقديره : كمثل مهلك ريح ، أي: ما ينفقون هالك، فريح مجرورة بالإضافة أيضًا، للدلالة على أن هذا الإنفاق لا يجدي125.

فكذلك فعل الله بنفقة الكافر وصدقته في حياته، حين يلقاه، يبطل ثوابها ويخيب رجاؤه منها، وخرج المثل للنفقة، والمراد بـ «المثل» صنيع الله بالنفقة، فبيّن ذلك قوله:(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)، فهو كما قد بيّنا في مثله قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)[البقرة:١٧].

فتأويل الكلام،: مثل إبطال الله أجر ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا، كمثل ريح فيها صر؛ وإنما جاز ترك ذكر إبطال الله أجر ذلك، لدلالة آخر الكلام عليه، وهو قوله:(ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)، ولمعرفة السامع ذلك معناه126.

ومعنى الآية: مثل نفقة الكافرين في بطلانها وذهابها وعدم منفعتها، كمثل زرع أصابه ريح باردة أو نار؛ فأحرقته وأهلكته، فلم ينتفع أصحابه بشيء بعد ما كانوا يرجون فائدته ونفعه127.

وما ينفق الكفرة قربة ، أو مفاخرة وسمعة ، أو المنافقون رياء أو خوفًا، (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) برد شديد والشائع إطلاقه للريح الباردة كالصّرصر، فهو في الأصل مصدر نعت به، أو نعت وصف به البرد للمبالغة كقولك برد بارد، (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) بالكفر والمعاصي أهلكته عقوبة لهم لأن الإهلاك عن سخط أشد، والمراد تشبيه ما أنفقوا في ضياعه بحرث كفار ضربته صرٌّ؛ فاستأصلته ولم يبق لهم فيه منفعة ما في الدنيا والآخرة، وهو من التشبيه المركب ولذلك لم يبال بإيلاء كلمة التشبيه للريح دون الحرث، ويجوز أن يقدر كمثل مهلك ريح وهو الحرث128.

٢. ضرب الريح مثلًا لأعمال الكافرين.

وذلك كما في قوله عز وجل: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ) [إبراهيم:١٨].

هذا مثل ضربه الله تعالى لأعمال الكفار الذين عبدوا معه غيره، وكذبوا رسله، وبنوا أعمالهم على غير أساس صحيح، فانهارت وعدموها أحوج ما كانوا إليها، فقال تعالى: (ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ)أي : مثل أعمالهم يوم القيامة إذا طلبوا ثوابها من الله تعالى، لأنهم كانوا يحسبون أنهم كانوا على شيء فلم يجدوا شيئا ، ولا ألفوا حاصلا إلا كما يتحصل من الرماد إذا اشتدت به الريح العاصفة.

(ﯮ ﯯ ﯰ) أي : ذي ريح شديدة عاصفة قوية، فلم يقدروا على شيء من أعمالهم التي كسبوا في الدنيا إلا كما يقدرون على جمع هذا الرماد في هذا اليوم129.

وعبر بالرماد، الذي هو أدق الأشياء وأخفها، إذا اشتدت به الريح في يوم عاصف شديد الهبوب، فإنه لا يبقى منه شيئا ، ولا يقدر منه على شيء يذهب ويضمحل130، وهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار، يريد: أنهم لا ينتفعون بأعمالهم التي عملوها في الدنيا لأنهم أشركوا فيها غير الله كالرماد الذي ذرته الريح لا ينتفع به131.

وقوله تعالى:(ﯫ ﯬ ﯭ) كناية عن سرعة هذه الريح وقوتها، يقال: اشتدّت الريح. أي: أسرعت بقوة. وتعدية الفعل بالباء، دون تعديته بـ (على) يفيد أن هذه الريح حملت الرماد، وأسرعت الذهاب به، وبددته في جهات هبوبها؛ بحيث لا يقدر أحد على الإمساك بشيء منه، بخلاف قولنا: اشتدت عليه؛ فقد تشتد الريح عليه، وهو ثابت في مكانه، لا يتبدد.

ومشهد الرماد تشتد به الريح في يوم عاصف مشهود معهود، يجسم به السياق معنى ضياع الأعمال سدىً، لا يقدر أصحابها على الإمساك بشيء منها، ولا الانتفاع به أصلًا، يجسمه في هذا المشهد العاصف المتحرك، فيبلغ في تحريك المشاعر له ما لا يبلغه التعبير الذهني المجرد عن ضياع الأعمال وذهابها بددًا.فكما تعصف الريح الشديدة بالرماد، وتذهب به في جهات هبوبها؛ كذلك تعصف رياح الكفر والنفاق بالأعمال، التي تكون لغير الله جل وعلا، وعلى غير طاعة الرسل عليهم الصلاة والسلام132.

ومشهد الرماد تشتد به الريح في يوم عاصف مشهود معهود، يجسم به السياق معنى ضياع الأعمال سدىً، لا يقدر أصحابها على الإمساك بشيء منها، ولا الانتفاع به أصلًا... وهكذا يلتقي المشهد المصور مع الحقيقة العميقة، وهو يؤدي المعنى في أسلوب مشوق موح مؤثر، ويلتقي معهما التعقيب: (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ)133.

٣. ضرب الريح مثلًا في بيان حال المشرك بالله تعالى.

وذلك كما في قوله عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الحج:٣١].

بيّن تعالى في هذه الآية الكريمة: أن من أشرك بالله غيره ، أي : ومات ولم يتب من ذلك فقد وقع في هلاك، لا خلاص منه بوجه ولا نجاة معه بحال؛ لأنه شبهه بالذي خر، أي: سقط من السماء إلى الأرض، فتمزقت أوصاله، وصارت الطير تتخطفها وتهوي بها الريح فتلقيها في مكان سحيق: أي محل بعيد لشدة هبوبها بأوصاله المتمزقة، ومن كانت هذه صفته فإنه لا يرجى له خلاص ولا يطمع له في نجاة، فهو هالك لا محالة، لأن من خر من السماء إلى الأرض لا يصل الأرض عادة إلا متمزق الأوصال، فإذا خطفت الطير أوصاله وتفرق في حواصلها، أو ألقته الريح في مكان بعيد فهذا هلاك محقق لا محيد عنه، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من هلاك من أشرك بالله وأنه لا يرجى له خلاص، جاء موضحًا في مواضع أخر134.

فإنه من يشرك بالله شيئًا من دونه، فمثله في بعده من الهدى وإصابة الحقّ وهلاكه وذهابه عن ربه، مثل من خرّ من السماء فتخطفه الطير فهلك، أو هوت به الريح في مكان سحيق، يعني من بعيد... فهكذا مثل المشرك بالله في بعده من ربه ومن إصابة الحقّ، كبعد هذا الواقع من السماء إلى الأرض، أو كهلاك من اختطفته الطير منهم في الهواء135.

وأشارت الآية إلى أن الكافرين قسمان: قسم شركه ذبذبة وشكّ، فهذا مشبّه بمن اختطفته الطير فلا يستولي طائر على مزعة منه إلاّ انتهبها منه آخر، فكذلك المذبذب متى لاح له خيال اتبعه وترك ما كان عليه، وقسم مصمّم على الكفر مستقر فيه، فهو مشبّه بمن ألقته الريح في واد سحيق، وهو إيماء إلى أن من المشركين من شركه لا يرجى منه خلاص كالذي تخطفته الطير، ومنهم من شركه قد يخلص منه بالتوبة إلا أن توبته أمر بعيد عسير الحصول136.


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٤٥٤.

2 لسان العرب، ابن منظور ٢/٤٥٥.

3 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٥/١٣٩.

4 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٢١.

5 المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص ٣٢٦، المعجم المفهرس الشامل، عبد الله جلغوم، ص ٥٩٥.

6 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص ٢٣٢.

7 لسان العرب، ابن منظور ١٥/٣٧٠.

8 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/١٠٠١.

9 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٤/٥٧٨.

10 الكشاف ١/٣٤١.

11 التبيان في تفسير القرآن ٢/٣٤٢.

12 فتح القدير، الشوكاني ٤/٢٦٤، محاسن التأويل، القاسمي ٨/١٩.

13 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٨٩.

14 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٤٣.

15 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٩١، وانظر: محاسن التأويل، القاسمي ٧/٣٧١.

16 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣١٥٩.

17 انظر: ما قاله الفراء في معاني القرآن ١/٩٧.

18 جامع البيان، الطبري ٣/٢٧٦.

19 انظر: القرآن وإعجازه العلمي، محمد إسماعيل إبراهيم ١/٩٥، موسوعة الإعجاز العلمي، النابلسي ٢/٧٠.

20 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٤٣.

21 أضواء البيان، الشنقيطي ٧/١٧٩.

22 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب التفسير، الباب الأخير، ٥/٣١٤، رقم ٣٣٦٩.

وضعفه الألباني في مشكاة المصابيح، رقم ١٩٢٣.

23 التبيان في أقسام القرآن، ابن القيم ص ١٧٣.

24 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٥٨.

25 الكليات، الكفوي ص٣٥٥.

26 العذب النمير، الشنقيطي ٣/٤١٥.

27 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٢٧.

28 الكليات، الكفوي ص٧٣١.

29 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٠٨.

30 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٤٥.

31 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٨٢، الكليات، الكفوي ص٨٩٤.

32 جامع البيان، الطبري ٢١/٤٤٤.

33 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٢٦.

34 محاسن التأويل، القاسمي ٩/٣٠٩.

35 انظر: المخصص، ابن سيده ٢/٤١٥، الكليات، الكفوي ص١٠٤٨.

36 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٢٦.

37 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٠٤٩.

38 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٢٠٤.

39 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ٢/٧٤٠.

40 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٨/٢٩٠، لسان العرب، ابن منظور ٩/٢٨٣.

41 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٣/٢٩١، محاسن التأويل، القاسمي ٦/٤٧٦.

42 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٨٧.

43 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٩٠.

44 لسان العرب، ابن منظور ٢/٥٧٩.

45 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١/١٨٩.

46 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٥٧٦.

47 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٨/١٤٨.

48 انظر: لباب التأويل، الخازن ٤/١٩٦، زاد المسير، ابن الجوزي ٤/١٧٢، معالم التنزيل، البغوي ٤/٣٧٦.

49 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤١٧.

50 فتح القدير، الشوكاني ٤/٦١٦.

51 المفردات، الراغب الأصفهاني ١/٢٤٢.

52 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٢/٢٢٤، لسان العرب، ابن منظور ١٢/٣٠٢.

53 المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية ١/٤٥١.

54 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٧٠.

55 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨١٥.

56 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٧/٥٧.

57 انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ٣/٢٧٥، المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢٢٤، لسان العرب، ابن منظور ٤/١٧٧.

58 محاسن التأويل، القاسمي ٨/١٦٥.

59 جامع البيان، الطبري ٢٠/٤٥٧.

60 العذب النمير، الشنقيطي ١/٢٣.

وانظر: إتحاف فضلاء البشر، الدمياطي ص٢٧٧.

61 فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٧٧.

62 تفسير المراغي ٨/١٨٢.

63 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١٠٤.

64 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٥٧.

65 المصدر السابق ٢٢/٢٦٨.

66 الطرّاز لأسرار البلاغة، يحيى بن حمزة ٢/٧٤.

67 وهذا الأمر: أمر قدري كوني.

انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٤٣.

68 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٦٤٥.

69 انظر: تفسير ابن أبي حاتم ٩/٣٠٩٣.

70 مفاتح الغيب، الرازي ١٧/٢٣٢.

71 معالم التنزيل، البغوي ٦/٢٧٥.

72 محاسن التأويل، القاسمي ٦/٣١٧.

73 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٣٧.

74 فتح القدير، الشوكاني ٤/٢١٨.

75 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٨٦٨.

76 جامع البيان، الطبري ١٩/٢٤.

77 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٤٤.

78 انظر: إيجاز البيان في إعجاز القرآن، فؤاد البنّا ص١١٤.

79 انظر: جامع البيان، الطبري ١٧/٨٥، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٢٦٧.

80 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٣٤.

81 انظر: مباحث في علوم القرآن، القطان ص٢٨١.

82 انظر: مباحث في إعجاز القرآن، مصطفى مسلم ص١٩٥-١٩٦.

83 مفتاح دار السعادة، ابن القيم ١/٢١٧.

84 انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير ٢/٢٨٤.

85 صحيح البخاري ١/٩٩، كتاب الصلاة، باب الأسير أوالغريم يربط في المسجد،رقم ٤٦١.

86 أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٢٣٤.

وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١١/٣٢١.

87 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/١٢٣.

88 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢١٢، معالم التنزيل، البغوي ٥/٣٣٥.

89 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٣٦٢، محاسن التأويل، القاسمي ٨/١٨٣.

90 زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٤٩٢.

91 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٩٣.

92 لطائف الإشارات، القشيري ٣/٢٥٧.

93 الكشاف، ٣/١٣٠.

94 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٤/٢٣٥.

95 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٠/٢١٤، معالم التنزيل، البغوي ٦/٣٢١، الكشاف، الزمخشري ٣/٥٢٦.

96 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٣٤٤.

97 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٢٧٩.

98 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٦/٢٣٥.

99 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الاستسقاء، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالصبا، ٢/٣٤، رقم ١٠٣٥.

100 انظر: العذب النمير، الشنقيطي ٢/٥٥٠.

101 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٨/٤٤٩.

102 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٢٠٦.

103 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٥٤.

104 في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٣١١٨.

105 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١١٨.

106 إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٨/٤٢.

107 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٢٥.

108 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٣٥٧.

109 انظر: جامع البيان، الطبري ٢٤/٤٠٧.

110 انظر: تفسير جزء عم، ابن عثيمين ص ١٧١، تفسير جزء عم، مساعد الطيار ص٨٨.

111 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١٥٤.

112 انظر: المصدر السابق ٦/١٣٨.

113 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٧٥٩.

114 المحرر في أسباب النزول، المزيني ١/٥٤٥.

115 محاسن التأويل، القاسمي ٧/٣٨.

116 الإعجاز اللغوي والبياني، علي الشحوذ ١/٤٧.

117 الفرقان في بيان إعجاز القرآن، عبد الكريم الحميد ١/٣٥.

118 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٢٧٢.

119 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٦٨٥.

120 الكشاف، الزمخشري ٣/٦٠١.

121 الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم، مناهج الجامعة الإسلامية ص٤٦٣.

122 المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٤٣٠.

123 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٢٢٥.

124 محاسن التأويل، القاسمي ٨/١٦١.

125 انظر: التبيان في إعراب القرآن أبو البقاء العكبري ١/١٤٧.

126 جامع البيان، الطبري ٧/١٤٣.

127 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٤/١٧٨.

128 أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/٣٤.

129 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٤١٨.

130 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٤٢٤.

131 معالم التنزيل، البغوي ٤/٣٤٣.

132 الإعجاز اللغوي والبياني في القرآن الكريم، علي الشحوذ ص٤٢.

133 في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٠٩٤.

134 أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٢٥٦.

135 جامع البيان، الطبري ١٨/٦٢٠.

136 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٧/٢٥٥.