عناصر الموضوع
الرؤية
أولًا: المعنى اللغوي:
الرؤية لغة مأخوذة من الفعل رأى، قال ابن فارس: «(رأى) الراء والهمزة والياء أصل يدل على نظر وإبصار بعين أو بصيرة»1، أي: أن الرؤية لغة هي: إدراك المرئي، وذلك أضرب بحسب قوى النفس:
الأول: إدراك المرئي بالحاسة وما يجري مجراها، نحو قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [التكاثر:٦-٧].
والثاني: إدراك المرئي بالوهم والتخيل، نحو قوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الأنفال:٥٠].
والثالث: إدراك المرئي بالتفكر، نحو قوله تعالى: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الأنفال:٤٨].
والرابع: إدراك المرئي بالعقل، وعلى ذلك قوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النجم:١١]2.
ورأى إذا عدي إلى مفعولين اقتضى معنى العلم نحو قوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [سبأ:٦]3.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
هي: المشاهدة بالبصر حيث كان في الدنيا والآخرة4.
ويمكن تعريف الرؤية اصطلاحًا بأنها: عبارة عن الإدراك بالبصر للأشياء الظاهرة والمحسوسة، أو بالبصيرة، وهي نور في القلب يدرك به الحقائق والمعقولات، والأمور المعنوية، حين يكون القلب مشحونًا باليقين والإيمان5.
ورد الجذر (رأي) في القرآن الكريم (٣٢٧) مرة، يخص موضوع (الرؤية) (٣١٦) مرة6.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل الماضي |
٩٣ |
(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الأنعام:٧٦] |
الفعل المضارع |
٢٢٠ |
(ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الروم:٢٤] |
صفة مشبهة |
١ |
(ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ) [مريم:٧٤] |
مصدر سماعي |
٢ |
(ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [آل عمران:١٣] |
وجاءت الرؤية في القرآن على ثلاثة أوجه7:
الأول: النظر والمشاهدة، ومنه قوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [المنافقون:٤]، يعني: نظرت إليهم.
الثاني: العلم، ومنه قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [النساء:١٠٥]، يعني: بما أعلمك الله.
الثالث: الاعتبار، ومنه قوله تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الملك:١٩]، يعني: أولم يعتبروا بها.
النظر:
النظر لغة:
هو تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته8. والنظر يقع على الأجسام والمعاني، فما كان بالأبصار فهو للأجسام، وما كان بالبصائر كان للمعاني9.
النظر اصطلاحًا:
لا يختلف معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي.
الصلة بين الرؤية والنظر:
يشتركان في أنهما: عبارة عن الإدراك بالبصر للأشياء الظاهرة والمحسوسة، أو بالبصيرة في الأمور المعنوية، وقد يكون في كل منهما رؤية مجردة للأشياء أو مع التأمل والفحص.
البصر:
البصر لغة:
الإدراك بالعين التي هي حاسة الرؤية10، ويطلق على العلم، فيقال: بصرت بالشيء: إذا صرت به بصيرًا عالمًا11.
البصر اصطلاحًا:
لا يختلف معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي.
الصلة بين الرؤية والبصر:
أن الرؤية تتم بواسطة حاسة البصر، وعلى قدر سلامة البصر تكون الرؤية.
التأمل:
التأمل لغة:
التثبت، وتأملت الشيء أي: نظرت إليه مستثبتًا له12.
التأمل اصطلاحًا:
تدبر الشيء وإعادة النظر فيه مرة بعد أخرى ليتحققه13، التأمل: هو استعمال الفكر، والتدبر: تصرف القلب بالنظر في الدلائل14.
الصلة بين الرؤية والتأمل:
أن الرؤية والتأمل يشترك كل منهما في إدراك الأشياء بالبصيرة إلا أن الرؤية قد تكون مجردة عن التأمل كما في الإدراك بالبصر.
الرؤيا:
الرؤيا لغة:
ما يرى في المنام، أي: ما رأيته في منامك، وهي الرؤى، ورأيت عنك رؤى حسنة: حلمتها، وأرأى الرجل: إذا كثرت رؤاه، وهي أحلامه، جمع الرؤيا15، ومنه قوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [الفتح:٢٧]16.
الرؤيا اصطلاحًا:
ما يراه النائم في المنام17.
الصلة بين الرؤية والرؤيا:
أن الرؤية هي إدراك الأشياء في اليقظة، والرؤيا إدراك الأشياء في المنام.
تحدث القرآن الكريم عن جانبين يتعلقان برؤية الله تعالى، أحدهما: رؤية الله تعالى لعباده، والثاني: رؤية العباد لله تعالى، وبيانهما في النقاط الآتية:
أولًا: رؤية الله تعالى لعباده:
إن رؤية الله تعالى لعباده تكون لأعمالهم في الحياة الدنيا.
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [يونس:١٤].
قال أبو جعفر الطبري: «يقول تعالى ذكره: ثم جعلناكم، أيها الناس، خلائف من بعد هؤلاء القرون الذين أهلكناهم لما ظلموا، تخلفونهم في الأرض، وتكونون فيها بعدهم(ﯷ ﯸ ﯹ)، يقول: لينظر ربكم أين عملكم من عمل من هلك من قبلكم من الأمم بذنوبهم وكفرهم بربهم، تحتذون مثالهم فيه، فتستحقون من العقاب ما استحقوا، أم تخالفون سبيلهم فتؤمنون بالله ورسوله وتقرون بالبعث بعد الممات، فتستحقون من ربكم الثواب الجزيل»18.
«فقد أخبر تعالى عما أحل بالقرون الماضية في تكذيبهم الرسل فيما جاءوهم به من البينات والحجج الواضحات، ثم استخلف الله هؤلاء القوم من بعدهم وأرسل إليهم رسولًا لينظر طاعتهم له، واتباعهم رسوله، وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)»1920.
وقال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الأعراف:١٢٩].
والمعنى: (ﯰ ﯱ ﯲ) أي: «يرى ذلك بوقوع منكم؛ لأن الله جل وعز لا يجازيهم على ما يعلمه منهم من خطيئاتهم التي يعلم أنهم عاملوها لا محالة، إنما يجازيهم على ما وقع منهم»21.
وفي قول موسى عليه السلام ذلك لقومه أمران: أحدهما: الوعد بالنصر والاستخلاف في الأرض، والثاني: التحذير من الفساد فيها؛ لأن الله تعالى ينظر كيف يعملون22.
وقال تعالى في المنافقين: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [التوبة:٩٤].
قال ابن عباس رضي الله عنه: «نزلت في المنافقين، يعتذرون إليكم إذا رجعتم من غزوة تبوك، فلا تعذروهم فليس لهم عذر، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوه يعتذرون، فقال الله تعالى: قل لا تعتذروا لن نصدقكم، قد أخبرنا الله أنه ليس لكم عذر، وسيرى الله عملكم ورسوله إن عملتم خيرًا وتبتم من تخلفكم، ثم تردون بعد الموت إلى عالم الغيب والشهادة، فيخبركم بما كنتم تعملون في السر والعلانية»23؛ لأنه سبحانه مطلع على سرهم وعلنهم لا يفوت عن علمه شيء من ضمائرهم وأعمالهم24.
وقال تعالى في المتخلفين عن الجهاد من المؤمنين: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التوبة:١٠٥].
والمعنى: «قل يا محمد لهؤلاء الذين اعترفوا لك بذنوبهم من المتخلفين عن الجهاد معك: (ﯠ)، لله بما يرضيه، من طاعته، وأداء فرائضه، فسيرى الله إن عملتم عملكم، ويراه رسوله والمؤمنون، في الدنيا، وستردون يوم القيامة إلى من يعلم سرائركم وعلانيتكم، فلا يخفى عليه شيء من باطن أموركم وظواهرها(ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) أي: فيخبركم بما كنتم تعملون، وما منه خالصًا، وما منه رياء، وما منه طاعة، وما منه لله معصية، فيجازيكم على ذلك كله، المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته»25.
ورؤية الله تعالى لأعمال العباد كما تكون في الدنيا تكون كذلك في الآخرة.
قال تعالى: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ) [النجم:٤٠].
أي: وإن عمل كل عامل سوف يراه الله يوم القيامة، فيجازيه عليه الجزاء الأوفى من خير أو شر، وهو المجازي جميع عباده بأعمالهم صالحهم وطالحهم26.
وبهذا يتبين أن محل نظر الله تعالى هو القلوب والأعمال، وليس الصور والأموال؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)27.
والمعنى: إن الله لا ينظر نظر اعتبار إلى(صوركم)؛ إذ لا اعتبار بحسنها وقبحها (وأموالكم)؛ إذ لا اعتبار بكثرتها وقلتها، ولكن ينظر إلى قلوبكم، وإلى ما فيها من اليقين والصدق، والإخلاص، وقصد الرياء، والسمعة، وسائر الأخلاق الرضية، (وأعمالكم) من صلاحها وفسادها، فيجازيكم على وفقها28.
قال النووي: «ومعنى نظر الله هنا مجازاته ومحاسبته، أي: إنما يكون ذلك على مافي القلب دون الصور الظاهرة، ونظر الله رؤيته محيط بكل شيء، ومقصود الحديث أن الاعتبار في هذا كله بالقلب»29.
ورؤية الله تعالى لعباده هي رؤية شاملة وليست محصورة برؤية الأعمال والقلوب، بل تشمل الأجساد وخفايا النفوس، ولكن الرؤية التي يترتب عليها الثواب والعقاب تكون لأعمالهم في الحياة الدنيا، وأن محل نظر الله تعالى هو القلوب والأعمال، وليس الصور والأموال.
ثانيًا: رؤية العباد لله تعالى:
ثبتت رؤية العباد لله تعالى في الآخرة بالكتاب والسنة والإجماع:
أولًا: من القرآن الكريم:
قوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [القيامة:٢٢-٢٤].
قال ابن عباس وأكثر المفسرين: «تنظر إلى ربها عيانًا بلا حجاب، قال الحسن: حق لها أن تنظر إلى الخالق سبحانه وتعالى، وروي عن مجاهد وأبي صالح أنهما فسرا النظر في هذه الآية: بالانتظار، قال مجاهد تنتظر من ربها ما أمر لها به، وقال أبو صالح: تنتظر الثواب من ربها»30.
قال ابن جرير الطبري: «وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب القول الذي ذكرناه عن الحسن وعكرمة، من أن معنى ذلك تنظر إلى خالقها، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم»31.
وقال ابن كثير: « قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ) من النضارة، أي: حسنة بهية مشرقة مسرورة إلى ربها ناظرة، أي: تراه عيانًا، كما رواه البخاري في صحيحه: (إنكم سترون ربكم عيانًا)32، وقد ثبتت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها»33.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [يونس:٢٦].
قال الماوردي: «(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) قوله عز وجل: (ﭒ ﭓ) يعني: عبادة ربهم (ﭔ ﭕ) فيه خمسة تأويلات:
أحدها: أن الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى، وهذا قول أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وأبي موسى الأشعري.
والثاني: أن الحسنى واحدة من الحسنات، والزيادة مضاعفتها إلى عشر أمثالها، قاله ابن عباس.
الثالث: أن الحسنى حسنة مثل حسنة، والزيادة مغفرة ورضوان، قاله مجاهد.
والرابع: أن الحسنى الجزاء في الآخرة والزيادة ما أعطوا في الدنيا، قاله ابن زيد.
والخامس: أن الحسنى الثواب، والزيادة الدوام، قاله ابن بحر.
ويحتمل سادسًا: أن الحسنى ما يتمنونه، والزيادة ما يشتهونه»34.
قال أبو جعفر الطبري: «يعني: جل ثناؤه بقوله: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)، لا يغشى وجوههم كآبة، ولا كسوف، حتى تصير من الحزن كأنما علاها قتر. والقتر: الغبار، (ﭛ ﭜ)، ولا هوان (ﭞ ﭟ ﭠ)، يقول: هؤلاء الذين وصفت صفتهم، هم أهل الجنة وسكانها ومن هو فيها (ﭢ ﭣ ﭤ)، يقول: هم فيها ماكثون أبدًا، لا تبيد، فيخافوا زوال نعيمهم، ولا هم بمخرجين فتتنغص عليهم لذتهم»35.
وقوله تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ) [يونس:٢٦].
قال ابن عباس: للذين قالوا: لا إله إلا الله، الجنة وزيادة، وهي النظر إلى وجه الله في قول أبي بكر الصديق، وأبي موسى الأشعري، وحذيفة، وابن عباس، وقتادة، والضحاك، والسدي، ونحو ذلك فسرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه صهيب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل)، ثم تلا هذه الآية: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) [يونس:٢٦]) 3637.
وقال ابن كثير: «يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح: الحسنى في الدار الآخرة، كقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الرحمن:٦٠].
وقوله: (ﭕ) هي تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف وزيادة على ذلك أيضًا، ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القصور والحور والرضا عنهم، وما أخفاه لهم من قرة أعين، وأفضل من ذلك وأعلاه النظر إلى وجهه الكريم، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه لا يستحقونها بعملهم، بل بفضله ورحمته، وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجهه الكريم عن أبي بكر الصديق وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الرحمن بن سابط ومجاهد وعكرمة وعامر بن سعد وعطاء والضحاك والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم من السلف والخلف38»..
ثانيًا: من السنة النبوية الشريفة:
وردت فيه أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك:
ما رواه صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) وقال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل موازيننا؟ ألم يبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب، فينظرون إليه، فو الله ما أعطاهم الله شيئًا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم)3940.
وما رواه جرير بن عبد الله رضي الله عنه، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة -يعني: البدر- فقال: (إنكم سترون ربكم، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا)، ثم قرأ: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [ق:٣٩]41.
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: أن الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: (هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟)، قالوا: لا يا رسول الله قال: (فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟)، قالوا: لا، قال: (فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئًا فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل)42.
ثالثًا: الإجماع:
قال ابن كثير بعد أن ساق تفسير الآيات السابقة: «وهذا بحمد الله مجمع عليه بين الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة، كما هو متفق عليه بين أئمة الإسلام، وهداة الأنام، ومن تأول ذلك بأن المراد بـ(إلى) مفرد الآلاء، وهي النعم، كما قال الثوري عن منصور عن مجاهد (ﭝ ﭞ ﭟ) قال: تنتظر الثواب من ربها، رواه ابن جرير من غير وجه عن مجاهد، وكذا قال أبو صالح أيضًا، فقد أبعد هذا القائل النجعة وأبطل فيما ذهب إليه، وأين هو من قوله تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ) [المطففين:١٥].
قال الشافعي: ما حجب الكفار إلا وقد علم أن الأبرار يرونه عز وجل، ثم قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما دل عليه سياق الآية الكريمة»43.
إن أنواع الرؤية في القرآن ثلاثة هي: الرؤية البصرية، والرؤية العلمية، والرؤية المنامية، وسيتم توضيح ذلك في المطالب الآتية:
أولًا: الرؤية البصرية:
وردت الرؤية البصرية في القرآن الكريم بثلاثة ألفاظ، وهي:
١. لفظ (رأى) ومشتقاتها.
وقد وردت هذه الرؤية بمعنى الرؤية البصرية للتأمل والاعتبار، ومنها:
قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [سبأ:٩].
أي: ألم يتأملوا ويعلموا أن الذي خلق السماء والأرض قادر على أن يبعثهم، وقادر أن يخسف بهم الأرض أو يسقط السماء عليهم كسفًا44؛ لأن رؤية مخلوقات الله في السماء والأرض من شأنها أن تهديهم لو تأملوا حق التأمل، والاستفهام للإنكار على انتفاء تأملهم فيما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض، أي: من المخلوقات العظيمة الدالة على أن الذي قدر على خلق تلك المخلوقات من عدم هو قادر على تجديد خلق الإنسان بعد العدم45.
وقوله تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الأنعام:٧٥-٧٨].
فالمراد من الرؤية في الآيات الرؤية البصرية بالعين، والمعنى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) أي: نبين له وجه الدلالة في نظره إلى خلقهما، على وحدانية الله عز وجل في ملكه وخلقه، وإنه لا إله غيره ولا رب سواه، كقوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [يونس:١٠١] وقوله تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [الأعراف:١٨٥]46.
قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الحج:٦٣].
والمراد هو الرؤية الحقيقية، لأن الماء النازل من السماء يرى بالعين، واخضرار النبات على الأرض مرئي، وإذا أمكن حمل الكلام على حقيقته فهو أولى47.
٢. لفظ (بصر) ومشتقاتها.
وردت الرؤية البصرية بلفظ (البصر) ومشتقاتها في قوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الملك:٣-٤].
قال الماوردي: «(ﭶ ﭷ) قال قتادة: معناه: فانظر إلى السماء، (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ) فيه أربعة أوجه:
أحدها: من شقوق، قاله مجاهد والضحاك.
الثاني: من خلل، قاله قتادة.
الثالث: من خروق، قاله السدي.
الرابع: من وهن، قاله ابن عباس.
(ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) أي: انظر إلى السماء مرة بعد أخرى، ويحتمل أمره بالنظر مرتين وجهين:
أحدهما: لأنه في الثانية أقوى نظرًا وأحد بصرًا.
الثاني: لأنه يرى في الثانية من سير كواكبها واختلاف بروجها ما لا يراه من الأولى، فيتحقق أنه لا فطور فيها.
وتأول قوم بوجه ثالث: أنه عنى بالمرتين قلبًا وبصرًا»48.
وقوله تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ) [القلم:٥].
والمعنى: فسترى يا محمد، ويرى مشركو قومك الذين يدعونك مجنونًا49.
(ﮣ ﮤ ﮥ) أي: ستبصر يا محمد ويبصر الكفار إذا تبين الحق وانكشف الغطاء، وذلك يوم القيامة، (ﮣ ﮤ ﮥ)، أي: أيكم المفتون بالجنون50.
والخلاصة: ستبصر ويبصرون غلبة الإسلام، واستيلاءك عليهم بالقتل والأسر، وهيبتك في أعين الناس أجمعين، وصيرورتهم أذلاء صاغرين51.
٣. لفظ (نظر) ومشتقاتها.
وقد وردت في الآيات الآتية:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الحجر:١٦].
أي: وزينا السماء بالكواكب لمن نظر إليها وأبصرها52.
والمعنى: أي ولقد خلقنا فى السماء نجومًا كبارًا، ثوابت وسيارات، وجعلناها وكواكبها بهجة لمن تأمل وكرر النظر فيما يرى من عجائبها الظاهرة، وآياتها الباهرة التي يحار الفكر فى دقائق صنعتها، وقدرة مبدعها53.
قال تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الشعراء:٣٣].
والمراد: الرؤية البصرية54.
والمعنى: أخرج يده من درعه بعد ما أدخلها فيه فإذا هي بيضاء تتلألأ من غير برص ولا مرض، كما قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [النمل:١٢].
قال ابن عباس: (ﯵ ﯶ ﯷ) يعني: من غير برص، ثم أعادها إلى كمه فعادت إلى لونها الأول، وكذا قال مجاهد وغير واحد55.
قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [محمد:٢٠].
أي: أن المنافقين يشخصون نحوك بأبصارهم، وينظرون نظرًا شديدًا، كما ينظر الشاخص بصره عند الموت، وإنما ذلك لأنهم منافقون، يكرهون القتال56.
وكذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [الشورى:٤٥].
ومعنى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) أي: لا يرفعون أبصارهم للنظر رفعًا تامًا؛ لأنهم ناكسو الرؤوس، والعرب تصف الذليل بغض الطرف، كما يستعملون في ضده حديد النظر إذا لم يتهم بريبة، فيكون عليه منها غضاضة، وقال قتادة والسدي والقرظي وسعيد بن جبير: يسارقون النظر من شدة الخوف، وقيل: المعنى ينظرون من عين ضعيفة النظر، وقال يونس:(ﭘ) بمعنى الباء، أي: ينظرون بطرف خفي، أي: ضعيف من الذل والخوف، ونحوه عن الأخفش، وقال ابن عباس رضي الله عنه: بطرف ذابل ذليل، وقيل: أي: يفزعون أن ينظروا إليها بجميع أبصارهم لما يرون من أصناف العذاب57.
ثانيًا: الرؤية العلمية:
إن الرؤية العلمية في القرآن وردت في العديد من الآيات منها:
قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [البقرة:١٢٨].
(ﭪ) أي: علمنا وبصرنا مناسكنا، أي: شرائع ديننا وأعلام حجنا58.
وقوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [النساء:١٠٥].
قوله: (ﯮ ﯯ ﯰ) معناه: بما أعلمك الله، وسمي ذلك العلم بالرؤية؛ لأن العلم اليقيني المبرأ عن جهات الريب يكون جاريًا مجرى الرؤية في القوة والظهور59.
وقال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [فصلت:٥٣].
وقال سبحانه: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) [النمل:٩٣].
وهذه الإراءة في الآيتين المراد بها الإراة العلمية60.
قال ابن جرير: «إن الله عز وجل وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يري هؤلاء المشركين الذين كانوا به مكذبين آيات في الآفاق، وغير معقول أن يكون تهددهم بأن يريهم ما هم راءوه، بل الواجب أن يكون ذلك وعدًا منه لهم أن يريهم ما لم يكونوا رأوه قبل من ظهور نبي الله صلى الله عليه وسلم على أطراف بلدهم وعلى بلدهم، فأما النجوم والشمس والقمر، فقد كانوا يرونها كثيرًا قبل وبعد، ولا وجه لتهددهم بأنه يريهم ذلك.
وقوله:(ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) يقول جل ثناؤه: أري هؤلاء المشركين وقائعنا بأطرافهم وبهم حتى يعلموا حقيقة ما أنزلنا إلى محمد، وأوحينا إليه من الوعد له بأنا مظهرو ما بعثناه به من الدين على الأديان كلها، ولو كره المشركون، وقوله:(ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ) يقول تعالى ذكره: أولم يكف بربك يا محمد أنه شاهد على كل شيء مما يفعله خلقه، لا يعزب عنه علم شيء منه، وهو مجازيهم على أعمالهم، المحسن بالإحسان، والمسيء جزاءه»61.
بين القرآن الكريم أن في الوجود أشياء لا تدركها أبصارنا، ولا نستطيع أن نراها بأعيننا، ومن ذلك:
أولًا: الملائكة:
إن الملائكة أجسام لطيفة هوائية تقدر على التشكل بأشكال مختلفة مسكنها السموات، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون62.
قال ابن عاشور عن الملائكة: «أجسام لطيفة نورانية أخيار ذوو قوة عظيمة، ومن خصائصهم القدرة على التشكل بأشكال مختلفة، والعلم بما تتوقف عليه أعمالهم، ومقرهم السماوات، ما لم يرسلوا إلى جهة من الأرض»63.
«ومن الأصول المعتبرة في القرآن: الإيمان بالملائكة، كما قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [البقرة:٢٨٥].
والقرآن يشتمل على شرح صفاتهم تارة على سبيل الإجمال، وأخرى على طريق التفصيل، أما بالإجمال فقوله: (ﮣ)، أما بالتفصيل فمنها: ما يدل على كونهم رسل الله، قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ) [فاطر:١].
ومنها: أنها مدبرات لهذا العالم، قال تعالى: (ﯭ ﯮ ﯯﮮ ﮯ ﮰ) [النازعات:٤-٥].
وقال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ) [الصافات:١].
ومنها: حملة العرش، قال: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ) [الحاقة:١٧].
ومنها: الحافون حول العرش، قال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) [الزمر:٧٥].
ومنها: خزنة النار، قال تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [التحريم:٦].
ومنها: الكرام الكاتبون، قال تعالى: (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الانفطار:١٠-١١].
ومنها: المعقبات، قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الرعد:١١].
وقد يتصل بأحوال الملائكة أحوال الجن والشياطين»64.
والقوة البشرية لا تقوى على رؤية الملك في صورته، قال عز وجل: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الأنعام:٩].
أي: لو أرسلنا إليهم ملكًا لم نرسله إلا في صورة إنسان؛ لأن الملك فيما قيل لو نظر إليه ناظر على هيئته لصعق، وكانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الإنس65.
فقدكان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي رضي الله عنه، فعن أبي هريرة، وأبي ذر رضي الله عنه، قالا: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهراني أصحابه، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل... ثم قال: (لا والذي بعث محمدًا بالحق هدًى وبشيرًا، ما كنت بأعلم به من رجل منكم، وإنه لجبريل عليه السلام نزل في صورة دحية الكلبي)66.
وجاء الملكان إلى داود عليه السلام في صورة رجلين على قول في تفسير قوله عز وجل: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [ص:٢١]؛ لأنهما وردا على داود، وهما ملكان في صورة رجلين يختصمان إليه، ومنه أن الملائكة أتت إبراهيم في صورة الضيفان: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الذاريات:٢٤-٢٥].
وكذلك أتت لوطًا عليه السلام (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [الحجر:٦١-٦٢].
فلذلك قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الأنعام:٩]67.
ولم تر الملائكة على حقيقتها التي خلقها الله عليها إلا جبريل عليه السلام، فقد رآه النبي عليه السلام على حقيقته.
قال تعالى: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [النجم:١٣-١٤].
يعني: رأى جبريل في صورته التي خلق عليه نازلًا من السماء نزلة أخرى، وذلك أنه رآه في صورته مرتين، مرة في الأرض، ومرة في السماء68.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين)69.
وعن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [النجم:١٨]. قال: (رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح)70.
أما في الآخرة فإن المؤمنين يرون الملائكة، قال سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [الزمر:٧٥].
والمعنى: أن الرائي يراهم بهذه الصفة في ذلك اليوم، حال كونهم مسبحين لله متلبسين بحمده، وقيل: معنى يسبحون: يصلون حول العرش شكرًا لربهم، والحافين: أي: محدقين حول العرش، (ﭛ ﭜ ﭝ) أي: بين العباد بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار71، (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) أي: وترى أيها الرائي الملائكة محيطين بجوانب العرش، قائمين بجميع ما يطلب منهم، فيسمع لحفوفهم صوت التسبيح والتقديس، ويصلون حول العرش، شكرًا لربهم وتنزيهًا له عن كل نقص72.
وهذه الآية كقوله سبحانه: (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الرعد:٢٣-٢٤].
كما قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الأنبياء:١٠٣].
وكذلك قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [فصلت:٣٠-٣١].
وأما عن رؤية المجرمين للملائكة، فقد قال تعالى: (ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الفرقان:٢٢].
«يقول تعالى ذكره: يوم يرى هؤلاء الذين قالوا: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) بتصديق محمد الملائكة، فلا بشرى لهم يومئذ بخير (ﭮ ﭯ ﭰ) يعني: أن الملائكة يقولون للمجرمين: حجرًا محجورًا، حرامًا محرمًا عليكم اليوم البشرى أن تكون لكم من الله»73.
«وأعلم الله عز وجل أن الوقت الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة، وأن الله قد حرمهم البشرى في ذلك الوقت»74.
المعنى في هذه الآية: أن الكفار لما قالوا (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الفرقان:٢١-٢٢].
أخبر الله تعالى أنهم يوم يرون الملائكة إنما هو يوم القيامة، وقد كان أول الآية يحتمل أن يريد يوم تفيض أرواحهم، لكن آخرها يقتضي أن الإشارة إلى يوم القيامة، ومعنى هذه الآية أن هؤلاء الذين تمنوا نزول الملائكة لا يعرفون ما قدر الله في ذلك، فإنهم يوم يرون الملائكة هو شر لهم، ولا بشرى لهم، بل لهم الخسار ولقاء المكروه يومئذ75.
ثانيًا: الجن:
الجن مخلوقات نارية لا ترى، أصل خلقهم من النار76، من شأنها التشكل بأشكال مختلفة77.
وقد بين الله تعالى أن الجن لا ترى في قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [الأعراف:٢٧].
فقوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) جنوده، قال مجاهد: يعني: الجن والشياطين، ابن زيد: (قبيله) نسله، وقيل: جيله، من حيث لا ترونهم، قال بعض العلماء: في هذا دليل على أن الجن لا يرون، لقوله(ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) وقيل: جائز أن يروا؛ لأن الله تعالى إذا أراد أن يريهم كشف أجسامهم حتى ترى78.
قال النحاس: «في قوله: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [الأعراف:٢٧].
يدل على أن الجن لا يرون إلا في وقت نبي ليكون ذلك دلالة على نبوته؛ لأن الله جل وعز خلقهم خلقًا لا يرون فيه، وإنما يرون إذا نقلوا عن صورهم، وذلك من المعجزات التي لا تكون إلا في وقت الأنبياء صلى الله عليهم وسلم»79؛ لأن الله تعالى خلق في عيون الجن إدراكًا، فهم به يرون الإنس؛ والإنس لا يرونهم؛ لأنه تعالى لم يخلق هذا الإدراك في عيون الإنس80.
كما تدل الآية على أن الإنس لا يرون الجن على العموم في ذلك؛ لأن قوله: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيص81.
ويؤيد ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن عفريتًا من الجن جعل يفتك علي البارحة، ليقطع علي الصلاة، وإن الله أمكنني منه فذعته، فلقد هممت أن أربطه إلى جنب سارية من سواري المسجد، حتى تصبحوا تنظرون إليه أجمعون-أو كلكم- ثم ذكرت قول أخي سليمان: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [ص:٣٥]، فرده الله خاسئًا)82.
ووجود الجن معلوم من هذه الشريعة، كما أن الملائكة أيضًا معلوم وجودهم من هذه الشريعة، وقد قام البرهان العقلي القاطع على وجوده وقد صح تصورهم في الأجسام الكثيفة ورؤية بني آدم لهم في تلك الأجسام، كالشيطان الذي رآه أبو هريرة رضي الله عنه حين جعل يحفظ تمر الصدقة83، والعفريت الذي رآه الرسول وقال فيه: (لولا دعوة أخي سليمان لربطته إلى سارية من سواري المسجد)84، وكحديث خالد بن الوليد حين سير لكسر ذي الخلصة، وكحديث سواد بن قارب مع رئيه من الجن85 إلا أن رؤيتهم في الصور الكثيفة نادرة، كما أن الملائكة قد تبدو في الصور الكثيفة كحديث جبريل، وحديث الملك الذي أتى الأعمى والأقرع والأبرص86، وهذا أمر قد استفاض في الشريعة، فلا يمكن رد تصورهم في بعض الأحيان في الصور الكثيفة87.
وعالم الجن، أو الشيطان، وإن يكن غير منظور لنا، فإن علينا الإيمان به، وأنه يعيش معنا على هذه الأرض، ويرانا من حيث لا تراه، كما يقول تعالى عن الشيطان: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الأعراف:٢٧].
«وهذا العالم غير المرئي، هو عدو لنا، متربص بنا، أشبه بجراثيم الأمراض التي لا ترى بالعين المجردة، وإن كان يمكن رؤيتها بأجهزة خاصة، كما يمكن أن يرى الشيطان لكثير من المؤمنين بعين البصيرة لا الإبصار، فلنحذر هذا العدو الراصد، كما نحذر الوباء، كما يقول سبحانه: (ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ) [فاطر:٦].
وإنه ليس علينا أن نبحث عن كنه الشيطان، ولا عن حياته الخاصة في عالمه، ولا عن طعامه، شرابه، وتزاوجه، وتوالده، وإنما الذي علينا أن نعلمه، هو أنه عدو غير مرئى لنا، وأنه يتدسس إلى مشاعرنا، ومدركاتنا، وعواطفنا، ويحاول جاهدًا أن يؤثر فيها، وأن يخرج بها عن جادة الحق والخير، إلى طريق الغواية والضلال، فيزين لنا الشر، فنراه خيرًا، والضلال، فتراه هدى! والشيطان، ليس هو النفس الأمارة بالسوء، كما يرى ذلك بعض الناس، وإنما هو كائن له وجوده المستقل خارج العالم الإنسانى، وله حياته الخاصة، شأنه في هذا شأن الكائنات والعوالم غير المرئية التي تعيش معنا، كالجراثيم، والهواء، بل والإنسان الذي يلبس ثوب الوسواس، فإنه شيطان غير مرئي»88.
أشار القرآن الكريم إلى هناك رؤية موهومة، يرى الرائي شيئًا، والحقيقة تختلف عما يراه.
ومن تلك النماذج التي أشار إليها القرآن الكريم:
أولًا: رؤية الجبال:
قال تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ) [النمل:٨٨].
وقد اختلف المفسرون في الرؤية الواردة في الآية هل هي في الدنيا أو في الآخرة؟ على قولين:
القول الأول: ذهب جمهور المفسرين: إن الآية حكت حادثًا يحصل يوم ينفخ في الصور فجعلوا قوله:(ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) عطفا على (ﯭ ﯮ ﯯ) [النمل:٨٧].
أي: ويوم ترى الجبال تحسبها جامدة إلخ.. وجعلوا الرؤية بصرية، ومر السحاب تشبيهًا لتنقلها بمر السحاب في السرعة89.
قال ابن كثير: «وقوله تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [النمل:٨٨] أي: تراها كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه، وهي تمر مر السحاب، أي: تزول عن أماكنها، كما قال تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [الطور:٩-١٠].
وقال تعالى: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [طه:١٠٥-١٠٧].
وقال تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ) [الكهف:٤٧].
وقوله تعالى: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) أي: يفعل ذلك بقدرته العظيمة الذي أتقن كل شيء، أي: أتقن كل ما خلق، وأودع فيه من الحكمة ما أودع، (ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) أي: هو عليم بما يفعل عباده من خير وشر، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء»90.
القول الثاني: إن هذه الرؤية في الدنيا.
قال ابن جرير: «(ﰀ ﰁ) يا محمد (ﰂ) قائمة (ﰄ ﰅ) قاله ابن عباس، قوله: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) يقول: قائمة، وإنما قيل:(ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) لأنها تجمع ثم تسير، فيحسب رائيها لكثرتها أنها واقفة، وهي تسير سيرًا حثيثًا، قوله: (ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) أوثق خلقه»91.
وقال الزمخشري:«(ﰃ) من جمد في مكانه إذا لم يبرح، تجمع الجبال فتسير كما تسير الريح السحاب، فإذا نظر إليها الناظر حسبها واقفه ثابتة في مكان واحد، وهي تمر مرًا حثيثًا كما يمر السحاب، وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد: إذا تحركت لا تكاد تتبين حركتها»92.
(ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ) وهذا تمجيد لهذا النظام العجيب إذ تتحرك الأجسام العظيمة مسافات شاسعة والناس يحسبونها قارة ثابتة، وهي تتحرك بهم، ولا يشعرون93.
لذلك قال تعالى: (ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ) [النمل:٨٨].
فليس غريبًا الآن أن نعرف أن للجبال حركة، وأن كنا لا نراها؛ لأنها ثابتة بالنسبة لموقعك منها؛ لأنك تسير بنفس حركة سيرها، كما لو أنك وصاحبك في مركب، والمركب تسير بكما، فأنت لا تدرك حركة صاحبك لأنك تتحرك بنفس حركته.
وقد شبه الله حركة الجبال بمر السحاب، فالسحاب لا يمر بحركة ذاتية فيه، إنما يمر بدفع الرياح، كذلك الجبال لا تمر بحركة ذاتية إنما بحركة الأرض كلها، وهذا دليل واضح على حركة الأرض94.
فللجبال حركة مرتبطة بحركة الأرض، وهذه الحركة لا ترى؛ لأنه لا يمكن لمن على الأرض أن يشعر بحركتها؛ لأنه يتحرك معها، وما دامت الجبال أوتادًا في الأرض وهي -أي: الجبال- تمر مر السحاب، فلا بد أن الأرض كذلك تمر، وتتحرك بنفس الحركة، وحركة الجبال ليست ذاتية، إنما هي تابعة لحركة الأرض، والحق سبحانه شبه حركة الجبال بحركة السحاب، والسحاب حركته غير ذاتية، إنما هي تابعة لحركة الرياح95.
ثانيًا: رؤية السراب:
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [النور:٣٩].
وقال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [النبأ:٢٠]96.
السراب: ما يرى في نصف النهار من اشتداد الحر؛ كالماء في المفاوز يلصق بالأرض، وهو غير الآل97 الذي يرى في طرفي النهار، ويرتفع عن الأرض حتى يصير كأنه بين الأرض والسماء98.
وهذا مثل ضربه الله لأعمال أهل الكفر به، فقال: والذين جحدوا توحيد ربهم وكذبوا بهذا القرآن، وبمن جاء به مثل أعمالهم التي عملوها (كسراب) يقول: مثل سراب، والقاع: ما انبسط من الأرض واتسع، وفيه يكون السراب.
والمعنى: حتى إذا جاء الظمآن السراب ملتمسًا ماءً، يستغيث به من عطشه (ﮁ ﮂ ﮃ) يقول: لم يجد السراب شيئًا، فكذلك الكافرون بالله من أعمالهم التي عملوها في غرور، يحسبون أنها منجيتهم عند الله من عذابه، كما حسب الظمآن الذي رأى السراب، فظنه ماء يرويه من ظمئه، حتى إذا هلك وصار إلى الحاجة إلى عمله الذي كان يرى أنه نافعه عند الله، لم يجده ينفعه شيئًا؛ لأنه كان عمله على كفر بالله، ووجد الله، هذا الكافر عند هلاكه بالمرصاد، فوفاه يوم القيامة حساب أعماله التي عملها في الدنيا، وجازاه بها جزاءه الذي يستحقه عليه منه99.
والسراب: هي ظاهرة ضوئية تلاحظ في ظروف مناخية وجغرافية متعددة، وأكثرها شيوعًا ما يلاحظه المسافر في المناطق الصحراوية خلال فترة الظهيرة، من وجود رقعة مائية أمامه، وكلما تقدم، تقدمت تلك الرقعة المائية أمامه، وما هي في الحقيقة بماء، وهو لن يدركها أبدًا، وقد ضرب الله في قرآنه المحكم مثلًا بهذه الظاهرة الطبيعية التي يراها الناس بأعينهم ويعرفون مدلولها: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [النور:٣٩].
فقد شبه الله أعمال الكافرين بالسراب، وما هو بماء حقيقي، ولكنه وهم وخداع نظر، فهي أعمال يحسبها الكافرون تنفعهم بدون إيمان، حتى إذا جاءوا يوم القيامة وجدوا أعمالهم هباءً منثورًا100.
لقد منَ الله عز وجل على بني آدم بنعم كثيرة، لا تعد ولا تحصى، يرونها في جميع تفاصيل حياتهم، لا يختلف في ذلك غنيهم عن فقيرهم، فالكل منعم عليه.
ولكن نظرة الناس إلى تلك النعم تختلف، وهذا ما سنناقشه في النقاط الآتية:
أولًا: رؤية الشاكر:
إن الشاكر يرى أن النعم من الله تعالى، ولهذا فهو يطلب من الله تعالى أن يلهمه شكر هذه النعم.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ) [الأحقاف:١٥].
والمعنى: أغرني بشكر نعمتك التي أنعمت علي101، يعني: ألهمني ما أؤدي به شكر نعمتك، وما أوزعت به نفسي، أن أكفها عن كفران نعمتك، وأصله من وزعته، أي: دفعته، يعني: ادفعني أن أؤدي شكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي بالإسلام، (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) يعني: تقبله (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) يعني: أكرمهم بالتوحيد102.
كما أن الشاكر يرى أن الله سخر له ما في السموات والأرض وتم تلك النعم عليه الظاهرة والباطنة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [لقمان:٢٠].
يقول تعالى منبهًا خلقه على نعمه عليهم في الدنيا والآخرة بأنه سخر لهم ما في السموات من نجوم يستضيئون بها في ليلهم ونهارهم، وما يخلق فيها من سحاب وأمطار وثلج وبرد، وجعله إياها لهم سقفًا محفوظًا، وما خلق لهم في الأرض من قرار وأنهار وأشجار وزروع وثمار، وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة من إرسال الرسل وإنزال الكتب وإزاحة الشبه والعلل، ثم مع هذا كله ما آمن الناس كلهم، بل منهم من يجادل في الله، أي: في توحيده وإرساله الرسل ومجادلته في ذلك بغير علم، ولا مستند من حجة صحيحة، ولا كتاب مأثور صحيح، ولهذا قال تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [لقمان:٢٠]. أي: مبين مضيء103.
وكذلك يرى الشاكر أن من شكر النعم أن يحدث بها، ويذكرها ويعمل بمقتضاها104.
قال تعالى: (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الضحى:١١].
أي: انشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء، والتحدث بنعم الله، والاعتراف بها شكر105.
والتحدث بنعمة والإخبار بها، وقول العبد: أنعم الله علي بكذا وكذا شكر.. عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر: (من لم يشكر القليل، لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس، لم يشكر الله، التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب)106.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله تعالى جميل، يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر النعمة على عبده)107.
يعني: يشكر بما أنعم الله تعالى عليه، ويحدث به، فيظهر على نفسه أثر النعمة 108.
وفي حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أعطي عطاء، فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبي زور): ومعنى قوله: (ومن كتم فقد كفر) يقول: قد كفر تلك النعمة109.
فذكر أقسام الخلق الثلاثة، شاكر النعمة المثني بها، والجاحد لها، والكاتم لها، والمظهر أنه من أهلها وليس من أهلها، فهو متحل بما لم يفعله110.
والشكر ثلاثة أشياء:
الأول: معرفة النعمة بمعنى إحضارها في الخاطر بحيث يتميز عندك أنها نعمة، فرب جاهل يحسن إليه وينعم عليه، وهو لا يدري، فلا جرم أنه لا يصح منه الشكر.
والثاني: قبول النعمة بتلقيها من المنعم بإظهار الفقر والفاقة، فإن ذلك شاهد بقبولها حقيقة.
والثالث: الثناء بها بأن تصف المنعم بالجود والكرم ونحوه مما يدل على حسن تلقيك لها واعترافك بنزول مقامك في الرتبة عن مقامه، فإن اليد العليا خير من اليد السفلى111.
وشكر الله تعالى مبنى على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، والثناء عليه بها، وألا يستعملها فيما يكره، هذه الخمسة هي أساس الشكر، وبناؤه عليها، فمتى عدم منها واحدة اختلت قاعدة من قواعد الشكر112.
والشاكر في الحقيقة: من يرى عجزه عن شكره، ويرى شكره من الله عز وجل، لتحققه أنه هو الذي خلقه، وهو الذي وفقه لشكره، وهو الذي رزقه الشكر، وهو الذي اجتباه حتى كان بالكلية له سبحانه113.
والخلاصة أن: رؤية الشاكر للنعم هو القيام بالشكر اعتقادًا وقولًا وفعلًا، كما قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [سبأ:١٣].
وبهذا يتبين أن رؤية الشاكر للنعم تتمثل في الاعتراف بها والإقرار بوجوب الشكر، اعتقادًا بأن النعم من الله وحده لا شريك له، وقولًا بالتحدث بالنعم وإظهارها، وعملًا ببذلها لمن يحتاجها؛ لما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عبادًا اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم)114.
ثانيًا: رؤية الجاحد:
إن الله تعالى إذا أنعم على الجاحد فإنه يرى أن هذه النعم هي بسسب فضله وعلمه ومكانته بين الناس، كما قال تعالى عن قارون: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [القصص:٧٦-٧٨].
قال عطاء: فكفر قارون لما رأى أن المال حصل له بعلمه، ولم يعتبره من عطاء الله، فكأنه أراد بعلمه في التصرف وأنواع المكاسب، وقال آخرون: معناه: إنما أوتيته على خير علمه الله عندي، فكنت أهلًا لما أعطيته لفضل علمي، وقال الكلبي: على علم عندي بصنعة الذهب115.
وقال ابن زيد: أي: إنما أوتيته لعلمه بفضلي ورضاه عني، أي: أن الله تعالى آتاني هذه الكنوز على علم منه باستحقاقي إياها لفضل في، وقيل: أوتيته على علم من عندي بوجوه التجارة والمكاسب116.
ومثل هذه الآية قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [الفجر:١٥-١٦].
«يقول تعالى ذكره: فأما الإنسان إذا ما امتحنه ربه بالنعم والغنى فأكرمه بالمال، وأفضل عليه، ونعمه بما أوسع عليه من فضله فيقول: ربي أكرمن، فيفرح بذلك ويسر به ويقول: ربي أكرمني بهذه الكرامة.
وأما إذا ما امتحنه ربه بالفقر فقدر عليه رزقه يقول: فضيق عليه رزقه وقتره، فلم يكثر ماله، ولم يوسع عليه فيقول: ربي أهانن، يقول: فيقول ذلك الإنسان: ربي أهانني، يقول: أذلني بالفقر، ولم يشكر الله على ما وهب له من سلامة جوارحه، ورزقه من العافية في جسمه»117.
والمعنى: إذا ما اختبره ربه وأوسع عليه فيقول: ربي أكرمن، وإذا جعل رزقه مقدرًا، فيقول: ربي أهانن، أي: ليس الأمر كما يظن الإنسان، وهذا يعنى به الكافر الذي لا يؤمن بالبعث، وإنما الكرامة عنده والهوان بكثرة الحظ في الدنيا، وصفة المؤمن أن الإكرام عنده توفيق الله إياه، أي: ما يؤديه إلى حظ الآخرة118.
وبهذا يتبين أن الجاحد لا يرى أن النعمة من الله تعالى، بل وينسبها لغير الله تعالى، وهو بهذا يقع في الشرك وكفران النعم، ويدل على ذلك ما رواه زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر السماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)119.
قال النووي:«اختلف العلماء في كفر من قال: مطرنا بنوء كذا، على قولين: أحدهما هو: كفر بالله سبحانه وتعالى، سالب لأصل الإيمان، مخرج من ملة الإسلام، قالوا: وهذا فيمن قال ذلك معتقدًا أن الكوكب فاعل مدبر منشئ للمطر،كما كان بعض أهل الجاهلية يزعم، ومن اعتقد هذا، فلا شك في كفره، وهذا القول هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء والشافعي منهم، وهو ظاهر الحديث، قالوا: وعلى هذا لو قال: مطرنا بنوء كذا، معتقدًا أنه من الله تعالى وبرحمته، وأن النوء ميقات له وعلامة اعتبارًا بالعادة، فكأنه قال: مطرنا في وقت كذا، فهذا لا يكفر، واختلفوا في كراهته، والأظهر كراهته، لكنها كراهة تنزيه لا إثم فيها، وسبب الكراهة أنها كلمة مترددة بين الكفر وغيره، فيساء الظن بصاحبها؛ ولأنها شعار الجاهلية، ومن سلك مسلكهم، والقول الثاني: في أصل تأويل الحديث أن المراد: كفر نعمة الله تعالى؛ لاقتصاره على إضافة الغيث إلى الكوكب، وهذا فيمن لا يعتقد تدبير الكوكب»120.
والجاحد هو الذي لا يعرف نعمة الله تعالى ولا يقوم بشكرها، وهذا بفعل الشيطان به، قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الأعراف:١٧].
والمعنى: ولا تجد أكثر بني آدم شاكرين لك نعمتك التي أنعمت عليهم، وشكرهم إياه، طاعتهم له بالإقرار بتوحيده، واتباع أمره ونهيه121.
سيكون هذا المبحث في بيان رؤية الأدلة العلمية، والجنائية في القرآن الكريم، وذلك في النقاط الآتية:
أولًا: رؤية الأدلة العلمية:
تتمثل رؤية الأدلة العلمية في المعجزات التي أقامها الأنبياء عليهم السلام على صدق نبوتهم، وكذلك في الأدلة العلمية للمعجزة الخالدة (القرآن الكريم) في العصر الحاضر، وسيتم بيان ذلك في الفقرات الآتية:
١. رؤية معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
لقد رأى الصحابة الكرام رضي الله عنه المعجزات التي أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم على صدق نبوته، وهي كثيرة، ومنها: رؤية انشقاق القمر المذكورة في القرآن.
قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [القمر:١-٢].
«قال مجاهد: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار فرقتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: (اشهد يا أبا بكر)، فقال المشركون: سحر القمر حتى انشق»122.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين، فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اشهدوا)123.
وقوله تعالى: (ﮱ ﯓ ﯔ) أي: دليلًا وحجة وبرهانًا (ﯕ) أي: لا ينقادون له، بل يعرضون عنه ويتركونه وراء ظهورهم (ﯖ ﯗ ﯘ) أي: ويقولون: هذا الذي شاهدناه من الحجج سحر، ومعنى مستمر: ذاهب، أي: باطل مضمحل لا دوام له، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما(ﯚ ﯛ ﯜ) أي: كذبوا بالحق إذ جاءهم، واتبعوا ما أمرتهم به آراؤهم وأهواؤهم من جهلهم وسخافة عقلهم124.
٢. رؤية معجزات موسى عليه السلام.
لقد ذكر القرآن الكريم رؤية فرعون وقومه لمعجزات سيدنا موسى عليه السلام في كثير من الآيات.
منها قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الأعراف:١٠٥-١٠٨].
وقوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [الشعراء:٣١-٣٣].
والمعنى: أنه أخرج يده من جيبه أو من تحت جناحه (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) قال ابن عباس رضي الله عنه وغيره: أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء، يعني: من غير برص، وقيل: إن موسى عليه عليه السلام أدخل يده تحت جيبه ثم نزعها منه، وقيل: أخرج يده من تحت إبطه، فإذا هي بيضاء لها شعاع غلب نور الشمس، وكان موسى عليه السلام آدم اللون، ثم ردها إلى جيبه فأخرجها، فإذا هي كما كانت، ولما كان البياض المفرط عيبًا في الجسد، وهو البرص قال الله تعالى في آية أخرى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [طه:٢٢].
يعني: من غير برص، والمعنى: فإذا هي بيضاء للنظارة ولا تكون بيضاء للنظارة إلا إذا كان بياضها بياضًا عجيبًا خارجًا عن العادة يتعجب منه125.
ومعنى: (ﯡ) أن بياضها مما يقصده الناظرون لأعجوبته، وكان لون جلد موسى عليه السلام السمرة، والتعريف في (ﯡ) للاستغراق العرفي، أي: لجميع الناظرين في ذلك المجلس، وهذا يفيد أن بياضها كان واضحًا بينًا مخالفًا لون جلده بصورة بعيدة عن لون البرص126.
٣. رؤية أدلة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
أمر الله تعالى بالنظر في السموات والأرض لرؤية أدلة الإعجاز العلمية.
قال تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [يونس:١٠١].
والمعنى كما قال أبو جعفر الطبري: «يقول تعالى ذكره: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين من قومك، السائليك الآيات على صحة ما تدعوهم إليه من توحيد الله، وخلع الأنداد والأوثان: انظروا، أيها القوم، ماذا في السموات من الآيات الدالة على حقيقة ما أدعوكم إليه من توحيد الله، من شمسها وقمرها، واختلاف ليلها ونهارها، ونزول الغيث بأرزاق العباد من سحابها، وفي الأرض من جبالها، وتصدعها بنباتها، وأقوات أهلها وسائر صنوف عجائبها، فإن في ذلك لكم إن عقلتم وتدبرتم موعظة ومعتبرًا، ودلالة على أن ذلك من فعل من لا يجوز أن يكون له في ملكه شريك، ولا له على تدبيره وحفظه ظهير يغنيكم عما سواه من الآيات.
(ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ) أي: وما تغني الحجج والعبر والرسل المنذرة عباد الله عقابه، عن قوم قد سبق لهم من الله الشقاء، وقضى لهم في أم الكتاب أنهم من أهل النار، لا يؤمنون بشيء من ذلك ولا يصدقون به؟»127.
وقد أخبر تعالى بأنه هو الذي يري عباده الأدلة العلمية.
قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [غافر:١٣].
والمعنى: هو الذي يريكم أيها الناس حججه وأدلته على وحدانيته وربوبيته، وينزل لكم من أرزاقكم من السماء بإدرار الغيث الذي يخرج به أقواتكم من الأرض، وغذاء أنعامكم عليكم، وما يتذكر حجج الله التي جعلها أدلة على وحدانيته، فيعتبر بها ويتعظ ويعلم حقيقة ما تدل عليه، إلا من ينيب، يقول: إلا من يرجع إلى توحيده، ويقبل على طاعته128.
وآيات الله: تعم آيات قدرته، وآيات قرآنه، والمعجزات الظاهرة على أيدي رسله129.
قال ابن كثير: «هو الذي يريكم آياته، أي: يظهر قدرته لخلقه بما يشاهدونه في خلقه العلوي والسفلي من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ)، وهو المطر الذي يخرج به من الزروع والثمار ما هو مشاهد بالحس من اختلاف ألوانه وطعومه وروائحه وأشكاله وألوانه، وهو ماء واحد فبالقدرة العظيمة فاوت بين هذه الأشياء، (ﮬ ﮭ)، أي: يعتبر ويتفكر في هذه الأشياء ويستدل بها على عظمة خالقها (ﮮ ﮯ ﮰ) أي: من هو بصير منيب إلى الله تبارك وتعالى»130.
ورؤية أدلة الإعجاز العلمي ليست محددة بوقت، بل تشمل جميع الأزمان قال تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [فصلت:٥٣].
(ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) يعني: أقطار الأرض والسماء من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والأنهار والبحار والأمطار، (ﯲ ﯳ) من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، وسبيل الغائط والبول، حتى إن الرجل ليأكل ويشرب من مكان واحد، ويخرج ما يأكل ويشرب من مكانين.
(ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ) يعني: إن ما نريهم ونفعل من ذلك هو الحق، وقيل: إنه يعني: الإسلام، وقيل: محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: القرآن131.
ومثل الآية قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الأنبياء:٣٧].
(ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ): معناه أن بنيته وخلقته من العجلة وعليها طبع، كما قال الله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ) [الإسراء:١١]132.
(ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) والمعنى: يا أيها المستعجلون ربهم بالآيات القائلون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم: بل هو شاعر، فليأتنا بآية كما أرسل الأولون، (ﭨ ﭩ)، كما أريتها من قبلكم من الأمم التي أهلكناها بتكذيبها الرسل، إذا أتتها الآيات، (ﭪ ﭫ)، يقول: فلا تستعجلوا ربكم، فإنا سنأتيكم بها ونريكموها133.
ونتيجة رؤية الأدلة العلمية هي الإيمان والتصديق بالنسبة للمؤمنين، أما الكافرين فقد أخبر الله تعالى عنهم بقوله: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) [الصافات:١٤].
أي: إذا رأوا حجة من حجج الله عليهم، ودلالة على نبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم يسخرون ويستهزءون بها134.
٤. رؤية الأدلة العلمية على ثبوت الوقائع.
ويدل على ذلك قوله تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [يوسف:٣٥].
والمعنى: ظهر للعزيز وأهل مشورته أدلة وعلامات براءة يوسف عليه السلام من قد القميص من دبر، وشهادة الشاهد، وحز الأيدي، وقلة صبرهن عن لقاء يوسف عليه السلام أن يسجنوه كتمانًا للقصة ألا تشيع في العامة، وللحيلولة بينه وبينها، فالقميص من الآيات، وشهادة الشاهد من الآيات، وقطع الأيدي من الآيات، وإعظام النساء إياه من الآيات135، والأدلة على صدقه في عفته ونزاهته136.
ويدخل في رؤية الأدلة العلمية ما يهبه الله تعالى للعلماء من ملكة فقهية لرؤية الأدلة العلمية في الكتاب والسنة على الأحكام، ومن ثم بناء الأحكام الفقهية عليها.
ثانيًا: رؤية الأدلة الجنائية:
ورد في القرآن ما يختص برؤية الأدلة الجنائية، وهي قوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [يوسف:٢٨].
استدل العلماء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل من الفقه كالقسامة وغيرها، كما استدل يعقوب عليه عليه السلام على كذبهم بصحة القميص، فيجب على الناظر أن يلحظ الآيات، والعلامات إذا تعارضت، فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح، وهي قوة التهمة، ولا خلاف بين العلماء في الحكم بها137.
فيحتج بالآية من يرى الحكم بالأمارات والعلامات، فيما لا تحضره البينات، كاللقطة والسرقة والوديعة ومعاقد الحيطان والسقوف وشبهها138.
فمن ذلك قول المالكية وغيرهم: إن القرينة الجازمة ربما قامت مقام البينة، مستدلين على ذلك بجعل شاهد يوسف شق قميصه من دبر قرينة على صدقه، وكذب المرأة139.
وسمي قوله شهادة؛ لأنه يؤول إلى إظهار الحق في إثبات اعتداء يوسف عليه السلام على سيدته أو دحضه، وهذا من القضاء بالقرينة البينة؛ لأنها لو كانت أمسكت ثوبه لأجل القبض عليه لعقابه لكان ذلك في حال استقباله له إياها، فإذا أراد الانفلات منها تخرق قميصه من قبل، وبالعكس إن كان إمساكه في حال فرار وإعراض، ولا شك أن الاستدلال بكيفية تمزيق القميص نشأ عن ذكر امرأة العزيز وقوع تمزيق القميص تحاول أن تجعله حجة على أنها أمسكته لتعاقبه، ولولا ذلك ما خطر ببال الشاهد أن تمزيقًا وقع وإلا فمن أين علم الشاهد تمزيق القميص، والظاهر أن الشاهد كان يظن صدقها، فأراد أن يقيم دليلًا على صدقها، فوقع عكس ذلك كرامة ليوسف عليه السلام140.
ويفهم من هذه الآية لزوم الحكم بالقرينة الواضحة الدالة على صدق أحد الخصمين وكذب الآخر؛ لأن ذكر الله لهذه القصة في معرض تسليم الاستدلال بتلك القرينة على براءة يوسف عليه السلام يدل على أن الحكم بمثل ذلك حق وصواب؛ لأن كون القميص مشقوقًا من جهة دبره دليل واضح على أنه هارب عنها، وهي تنوشه من خلفه، ولكنه تعالى بين في موضع آخر أن محل العمل بالقرينة ما لم تعارضها قرينة أقوى منها، فإن عارضتها قرينة أقوى منها أبطلتها، وذلك في قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [يوسف:١٨].
وهذه الآيات المذكورة أصل في الحكم بالقرائن141.
وكذلك قوله تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [يوسف:١٨].
قال بعض العلماء: لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم؛ قرن الله بهذه العلامة علامة تعارضها، وهي سلامة القميص من التخريق، إذ لا يمكن افتراس الذئب ليوسف، وهو لابس القميص، ويسلم القميص من التخريق، ولما تأمل يعقوب عليه السلام القميص لم يجد فيه خرقًا، ولا أثرًا، استدل بذلك على كذبهم، وقال لهم: تزعمون أن الذئب أكله، ولو أكله لشق قميصه142.
وبهذا يكون النظر في الأدلة الجنائية وأدوات الجريمة مما يساعد في كشف الجريمة وملابستها ومعرفة الجاني.
إن الرؤية والاعتبار في القرآن الكريم يكون في التفكر والاعتبار في الآيات الكونية، وفي الاعتبار والعظة بهلاك الأمم السابقة، وبيان ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: الآيات الكونية:
الآيات الكونية هي: الآيات المنسوبة إلى الكون الذي هو الخلق الذي كونه الله تعالى فكان، وذلك السموات والأرض والجبال والسهول والأنهار والشمس والقمر والنبات والحيوان والجماد، وخلق الإنسان، وآيات الله عز وجل في الآفاق، وما فيهما وما بينهما من سائر المخلوقات143.
جاء الأمر الصريح في القرآن على الحث على التفكر في الكون، ومن ذلك قوله تعالى: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) [يونس:١٠١].
قال أبو جعفر الطبري: «يقول تعالى ذكره: قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين من قومك، السائليك الآيات على صحة ما تدعوهم إليه من توحيد الله وخلع الأنداد والأوثان: انظروا، أيها القوم، ماذا في السموات من الآيات الدالة على حقيقة ما أدعوكم إليه من توحيد الله، من شمسها وقمرها، واختلاف ليلها ونهارها، ونزول الغيث بأرزاق العباد من سحابها وفي الأرض من جبالها، وتصدعها بنباتها، وأقوات أهلها، وسائر صنوف عجائبها، فإن في ذلك لكم إن عقلتم وتدبرتم موعظة ومعتبرًا، ودلالة على أن ذلك من فعل من لا يجوز أن يكون له في ملكه شريك، ولا له على تدبيره وحفظه ظهير يغنيكم عما سواه من الآيات»144.
وهذه الآية أمر للكفار بالاعتبار والنظر في المصنوعات الدالة على الصانع، وغير ذلك من آيات السماوات وأفلاكها وكواكبها وسحابها ونحو ذلك، والأرض ونباتها ومعادنها وغير ذلك145.
أي: انظروا بالتفكر والاعتبار ماذا في السماوات والأرض من الآيات والعبر التي تدل على وحدانيته ونفاذ قدرته كالشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والشجر، وكل هذا يقتضي خالقًا مدبرًا سبحانه146.
قال الإمام الرازي: «ولو أن الإنسان أخذ يتفكر في كيفية حكمة الله سبحانه في تخليق جناح بعوضة لانقطع عقله قبل أن يصل إلى أقل مرتبة من مراتب تلك الحكم والفوائد، ولا شك أن الله سبحانه أكثر من ذكر هذه الدلائل في القرآن المجيد، فلهذا السبب ذكر قوله: (ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) ولم يذكر التفصيل، فكأنه تعالى نبه على القاعدة الكلية، حتى إن العاقل يتنبه لأقسامها، وحينئذ يشرع في تفصيل حكمة كل واحد منها بقدر القوة العقلية والبشرية، ثم إنه تعالى لما أمر بهذا التفكر والتأمل، بين بعد ذلك أن هذا التفكر والتدبر في هذه الآيات لا ينفع في حق من حكم الله تعالى عليه في الأزل بالشقاء والضلال»147.
وقوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [العنكبوت:٢٠].
أرشد الله تعالى في الآية إلى الاعتبار بما في الآفاق من الآيات المشاهدة من خلق الله الأشياء: السموات وما فيها من الكواكب النيرة الثوابت والسيارات، والأرضين وما فيها من مهاد وجبال، وأودية وبراري وقفار، وأشجار وأنهار، وثمار وبحار، كل ذلك دال على حدوثها في أنفسها، وعلى وجود صانعها الفاعل المختار، الذي يقول للشيء: كن، فيكون148.
والمعنى: سيروا في الأرض وشاهدوا السموات وما فيها من الكواكب النيرة، ثوابتها وسياراتها، والأرض وما فيها من جبال ومهاد، وبراري وقفار، وأشجار وثمار، وأنهار وبحار، فكل ذلك شاهد على حدوثها في أنفسها، وعلى جود صانعها الذي يقول للشيء: كن، فيكون 149.
وإنما أمر بالسير في الأرض؛ لأن السير يدني إلى الرائي مشاهدات جمة من مختلف الأرضين بجبالها وأنهارها ومحوياتها، ويمر به على منازل الأمم حاضرها وبائدها، فيرى كثيرًا من أشياء وأحوال لم يعتد رؤية أمثالها، فإذا شاهد ذلك جال نظر فكره في تكوينها بعد العدم جولانًا لم يكن يخطر له ببال، حينما كان يشاهد أمثال تلك المخلوقات في ديار قومه؛ لأنه لما نشأ فيها من زمن الطفولة فما بعده قبل حدوث التفكير في عقله اعتاد أن يمر ببصره عليها دون استنتاج من دلائلها حتى إذا شاهد أمثالها مما كان غائبًا عن بصره جالت في نفسه فكرة الاستدلال، فالسير في الأرض وسيلة جامعة لمختلف الدلائل، فلذلك كان الأمر به لهذا الغرض من جوامع الحكمة وجيء في جانب بدء الخلق بالفعل الماضي؛ لأن السائر ليس له من قرار في طريقه، فندر أن يشهد حدوث بدء مخلوقات، ولكنه يشهد مخلوقات مبدوءة من قبل فيفطن إلى أن الذي أوجدها إنما أوجدها بعد أن لم تكن، وأنه قادر على إيجاد أمثالها، فهو بالأحرى قادر على إعادتها بعد عدمها150.
قال محمد إسماعيل إبراهيم: «وها هو القرآن يدعونا إلى التفكر في بدء الخلق منذ أن تصلبت قشرة الأرض الخارجية، وتكونت عليها القارات والمحيطات، لذلك اجتهد علماء الجيولوجيا أن يقرأوا تاريخ الأرض من طبقات الصخور الرسوبية التى تراكمت عليها، وفي طياتها الكثير من بقايا الكائنات الحية التى عاشت عليها، سواء كانت لحيوان أو نبات، وهذه البقايا المتحجرة هي ما نسميه اليوم بالحفريات، وهي في واقعها سجل حافل بتاريخ الخليقة منذ بدايتها، وقد استطاع العلم بوسائله المتقدمة أن يقرأ كثيرًا من صفحات هذا السجل، ويعرف حقائق كثيرة عن نشأة الأرض وتطوراتها خلال الأزمنة الجيولوجية»151.
وقوله عز وجل: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الإسراء:٩٩].
«يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أولم ينظر هؤلاء القائلون من المشركين: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [الإسراء:٩٨] بعيون قلوبهم، فيعلمون أن الله الذي خلق السماوات والأرض، فابتدعها من غير شيء، وأقامها بقدرته، قادر بتلك القدرة على أن يخلق مثلهم أشكالهم، وأمثالهم من الخلق بعد فنائهم، وقبل ذلك، وأن من قدر على ذلك فلا يمتنع عليه إعادتهم خلقًا جديدًا، بعد أن يصيروا عظامًا ورفاتًا»152.
وقد أمر الله تعالى بالنظر إلى آية المطر للاستدلال على قدرته سبحانه.
قال تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ) [الروم:٥٠].
والمعنى: انظروا نظر استبصار واستدلال، أي: استدلوا بذلك على أن من قدر على ذلك قادر على إحياء الموتى153.
وقد نعى الله تعالى على تاركي التفكر في الآيات الكونية، ووصفهم بأنهم لا يفكرون في ما حولهم، وشنع عليهم تركهم التفكر154.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الروم:٨-١١].
والمعنى: «أولم يثبتوا التفكر في أنفسهم، أي: في قلوبهم الفارغة، فيتفكروا بها في مصنوعات الله، حتى يعلموا أنها ما خلقت عبثًا، والتفكر لا يكون إلا في القلوب، ولكن زيادة تصوير لحال المتفكرين، كقوله: اعتقده في قلبك، (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ)، التي هي أقرب إليهم من غيرها، وهم أعلم بأحوالها، فيتدبروا ما أودعها الله تعالى، ظاهرًا وباطنًا، من غرائب الحكمة الدالة على التدبير من الحكيم القديم، وأنه لا بد لها من الانتهاء إلى وقت تجازي فيه، على الإحسان إحسانًا، وعلى الإساءة مثلها، حتى يعلموا، عند ذلك أن سائر الخلائق مثلها، وأنه لا بد لهم من الانتهاء إلى ذلك الوقت، فيعلموا أن ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى أي: ما خلقها باطلًا وعبثًا من غير حكمة ولا لتبقى خالدة، وإنما خلقها مقرونة بالحق مصحوبة بالحكمة البالغة، وتنتهي إلى أجل مسمى وهو قيام الساعة، ووقت الحساب بالثواب والعقاب، فيخرب هذا العالم، ويقوم عالم آخر، لا انتهاء لوجوده»155.
وقد وصف الله تعالى تاركي التفكر والاعتبار بأنهم مكذبون وكافرون بهذه الآيات ووبخهم وتهكم عليهم156، فقال سبحانه: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ) [الأنبياء:٣٠-٣٢].
وهذه الآية كقوله تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [يوسف:١٠٥].
قال أبو جعفر الطبري: «يقول جل وعز: وكم من آية في السموات والأرض لله، وعبرة وحجة، وذلك كالشمس والقمر والنجوم ونحو ذلك من آيات السموات، وكالجبال والبحار والنبات والأشجار وغير ذلك من آيات الأرض (ﭣ ﭤ)، يقول: يعاينونها فيمرون بها معرضين عنها، لا يعتبرون بها، ولا يفكرون فيها وفيما دلت عليه من توحيد ربها، وأن الألوهة لا تنبغي إلا للواحد القهار الذي خلقها وخلق كل شيء، فدبرها»157.
[انظر: الآيات الكونية، مجالات استدلال القرآن بالآيات الكونية]
ثانيًا: هلاك الأمم السابقة:
أمر الله تعالى بالسير في الأرض للاعتبار بهلاك الأمم السابقة، قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) [الأنعام:١١].
والمعنى: سيروا في الأرض لتعرفوا أحوال أولئك الأمم، وتفكروا في أنهم كيف أهلكوا لما كذبوا الرسل وعاندوا، فتعرفوا صحة ما توعظون به، وفي السير في الأرض، والسفر في البلاد، ومشاهدة تلك الآثار الخاوية على عروشها تكملة للاعتبار، وتقوية للاستبصار158.
كما حض الله سبحانه على رؤية ما حل بالأمم السابقة وأخذ العبرة من ذلك، فقال سبحانه: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) [الأنعام:٦]159.
قال أبو جعفر الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتي، الجاحدون نبوتك، كثرة من أهلكت من قبلهم من القرون، وهم الأمم الذين وطأت لهم البلاد والأرض توطئة لم أوطئها لهم، وأعطيتهم فيها ما لم أعطهم؟»160.
والقرن الأمة من الناس، والجمع القرون161، وقيل: القرن مدة أغلب أعمار الناس وهي سبعون سنة، وقيل: ثمانون، (ﯓ ﯔ) أي: لم يغن ذلك عنهم شيئًا، وأحدثنا من بعدهم قرنًا آخرين بدلًا منهم، والمعنى: أنه سبحانه وتعالى كما قدر على أن يهلك من قبلكم كعاد وثمود، وينشئ مكانهم أقوامًا يعمر بهم بلاده، يقدر أن يفعل ذلك بكم162.
وقد بين الله تعالى أن قوة وشدة الأمم السابقة لم تمنع عنهم الهلاك، ولم تكن قوتهم وعمارتهم للأرض وقاية لهم من ذلك.
قال تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ) [الروم:٩].
وقوله تعالى: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [غافر:٢١].
وقوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [غافر:٨٢].
والمعنى: أولم يسر هؤلاء المكذبون بالله، الغافلون عن الآخرة في البلاد التي يسلكونها للتجارة ونحوها، فينظروا إلى آثار الله فيمن كان قبلهم من الأمم المكذبة، كيف كان عاقبة أمرها في تكذيبها رسلها، فقد كانوا أشد منهم قوة.
(ﮒ ﮓ) أي: استخرجوا الأرض، وحرثوها وعمروها أكثر مما عمرها هؤلاء، فأهلكهم الله بكفرهم وتكذيبهم رسلهم، فلم يقدروا على الامتناع، مع شدة قواهم مما نزل بهم من عقاب الله، ولا نفعتهم عمارتهم ما عمروا من الأرض، فأحل الله بهم بأسه، وعلل ذلك الهلاك بقوله: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ) بعقابه إياهم على تكذيبهم رسله، وجحودهم آياته، (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) بمعصيتهم ربهم163.
وفي الآيات تقرير لسيرهم في البلاد، ونظرهم إلى آثار المدمرين من عاد وثمود وغيرهم من الأمم العاتية ثم وصف حالهم فقال: (ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) وحرثوها (ﮔ) أي: المدمرون (ﮕ ﮖ ﮗ) أي: من عمارة أهل مكة وغيرهم164.
ومع السير في الأرض للاعتبار بهلاك الأمم السابقة بين تعالى أن الآخرة خير للمتقين.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [يوسف:١٠٩].
والمعنى: أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم من المكذبين بالرسل والآيات فيحذروا تكذيبك، أو من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها، فيقلعوا عن حبها، ولدار الآخرة أي: الحياة الآخرة، (ﮮ ﮯ ﮰ) الشرك والمعاصي، (ﯓ ﯔ) أي: يستعملون عقولهم ليعرفوا أنها خير165.
وقد بين الله تعالى أن للكافرين مثل ذلك الهلاك الذي حل بالأمم السابقة: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [محمد:١٠].
يقول: وللكافرين من قريش المكذبي رسول الله صلى الله عليه وسلم من العذاب العاجل، أمثال عاقبة تكذيب الأمم الذين كانوا من قبلهم رسلهم على تكذيبهم رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم166.
والمعنى: فينظروا كيف كان عاقبة الكافرين الذين من قبلهم (ﯼ ﯽ ﯾ) أي: أهلكهم الله (ﰀ ﰁ) أي: أمثال تلك العاقبة، فأهلك الله عز وجل بالسيف من أهلك ممن صد عن النبي صلى الله عليه وسلم167.
ومن الاعتبار في هلاك الأمم السابقة أنهم لا يرجعون إلى الدنيا.
قال تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [يس:٣١-٣٢].
قال السعدي: «يقول تعالى: ألم ير هؤلاء ويعتبروا بمن قبلهم من القرون المكذبة، التي أهلكها الله تعالى وأوقع بها عقابها، وأن جميعهم قد باد وهلك، فلم يرجع إلى الدنيا، ولن يرجع إليها، وسيعيد الله الجميع خلقًا جديدًا، ويبعثهم بعد موتهم، ويحضرون بين يديه تعالى، ليحكم بينهم بحكمه العدل الذي لا يظلم مثقال ذرة»168.
وبعد أن ذكر أنه أهلكهم وبين طريق ذلك، أعقب هذا بأن لهم حسابًا وعقابًا فقال: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) أي: وإن جميع الأمم ماضيها وحاضرها وآتيها ستحضر يوم القيامة بين يدى الله، فيجازيهم بأعمالهم خيرها وشرها، ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحة له، والخلاصة: إن الناس يجمعون للحساب والجزاء، ويوفى كل عامل جزاء عمله من خير أو شر169.
في الآخرة يعرف العباد مصيرهم، ويرون ثواب أعمالهم، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.
وسيكون حديثنا في هذا المبحث في النقاط الآتية:
أولًا: رؤية ثواب الأعمال الصالحة:
بين الله تعالى رؤية ثواب الأعمال الصالحة في قوله: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [الزلزلة:٦].
يقول: يومئذ يصدر الناس أشتاتًا متفرقين، عن اليمين وعن الشمال، ليروا أعمالهم، فيرى المحسن في الدنيا المطيع لله عمله، وما أعد الله له يومئذ من الكرامة على طاعته إياه كانت في الدنيا، ويرى المسيء العاصي لله عمله وجزاء عمله، وما أعد الله له من الهوان والخزي في جهنم على معصيته إياه كانت في الدنيا، وكفره به170.
وقوله: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الزلزلة:٧].
يقول: فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير، يرى ثوابه هنالك 171.
قال ابن عباس رضي الله عنه:«من يعمل من الكفار مثقال ذرة خيرًا يره في الدنيا، ولا يثاب عليه في الآخرة، ومن يعمل مثقال ذرة من شر عوقب عليه في الآخرة مع عقاب الشرك، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من المؤمنين يره في الدنيا، ولا يعاقب عليه في الآخرة إذا مات، ويتجاوز عنه، وإن عمل مثقال ذرة من خير يقبل منه، ويضاعف له في الآخرة»172.
وهذه الآية كقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ) [آل عمران:٣٠].
والمعنى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) في الدنيا من خير (ﭙ) يعني: تجد ثوابه حاضرًا، ولا ينقص من ثواب عمله شيء، (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) يعني: من شر في الدنيا (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) يعني: تتمنى النفس أن تكون بينها، وبين ذلك العمل أجلًا بعيدًا، كما بين المشرق والمغرب، ولم تعمل ذلك العمل قط، ثم قال: (ﭦ ﭧ ﭨ) أي: عقوبته في عمل السوء، (ﭪ ﭫ ﭬ) قال ابن عباس: يعني: بالمؤمنين خاصة، وهو رحيم بهم»173.
والخير: اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله من الأعمال الصالحة صغيرها وكبيرها، كما أن السوء اسم جامع لكل ما يسخط الله من الأعمال السيئة صغيرها وكبيرها(ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) أي: مسافة بعيدة، لعظم أسفها وشدة حزنها، فليحذر العبد من أعمال السوء التي لا بد أن يحزن عليها أشد الحزن174.
وأسند الإحضار إلى النفوس لأنها الفاعلة للأعمال التي يظهر جزاؤها يومئذ، فهذا الإسناد من إسناد فعل الشيء إلى سبب فعله، فحصل هنا مجازان: مجاز لغوي ومجاز عقلي، وحقيقتهما في قوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) وجعلت معرفة النفوس لجزاء أعمالها حاصلة عند حصول مجموع الشروط التي ذكرت في الجمل الثنتي عشرة، لأن بعض الأحوال التي تضمنتها الشروط مقارن لحصول علم النفوس بأعمالها، وهي الأحوال الستة المذكورة أخيرًا، وبعض الأحوال حاصل من قبل بقليل، وهي الأحوال الستة المذكورة أولًا175.
ثانيًا: رؤية جزاء الأعمال السيئة:
إن ثواب الأعمال السيئة هي الجحيم، وقد أخبر سبحانه أنها تبرز لمن يرى.
قال تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النازعات:٣٦].
قال مقاتل: يكشف عنها الغطاء، فينظر إليها الخلق176، والحكمة في إظهار الجحيم هو مشاهدة الكفار مكان عقوبتهم، وليعلم المؤمنون من أي عذاب نجوا177.
ومثلها قوله تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [التكاثر:٥-٧].
هذا تفسير الوعيد المتقدم في قوله: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [التكاثر:٣-٤].
توعدهم بهذا الحال، وهي رؤية أهل النار إذا زفرت زفرة واحدة خر كل ملك مقرب ونبي مرسل على ركبتيه من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال178.
أي: إن دار العذاب التي أعدت لمن يلهو عن الحق لا ريب فيها ولترونها بأعينكم، فاجعلوا صورة عذابها حاضرة فى أذهانكم، لتنبهكم إلى ما هو خير لكم مما تلهون به.
والمراد برؤية الجحيم: ذوق عذابها، وهذا استعمال شائع في الكتاب الكريم، ثم كرر ذلك للتأكيد فقال: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [التكاثر:٧] أي: لترونها رؤية هي اليقين نفسه، إلى أي دين أو إلى أي شخص كانت نسبتكم، فلتتقوا الله ربكم، ولتنتهوا عما يقذف بكم فيها، ولتنظروا إلى ما أنتم فيه من نعمة، ولترعوا حق الله فيها، فاستعملوها فيما أمر أن تستعمل فيه، ولا تجترحوا السيئات وتقترفوا المنكرات، إنكم لتمنون أنفسكم بأنكم ممن يعفو الله عنهم، ويزحزحهم من النار بمجرد نسبتكم إلى الدين الإسلامي وتلقيبكم بألقابه، مع مخالفتكم أحكام القرآن، وعملكم عمل أعداء الإسلام179.
قال الرازي: «في تكرار الرؤية وجوه: أحدها: أنه لتأكيد الوعيد أيضًا، لعل القوم كانوا يكرهون سماع الوعيد، فكرر لذلك، ونون التأكيد تقتضي كون تلك الرؤية اضطرارية، يعني: لو خليتم ورأيكم ما رأيتموها، لكنكم تحملون على رؤيتها شئتم أم أبيتم، وثانيها: أن أولهما الرؤية من البعيد: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الفرقان:١٢].
وقوله: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [النازعات:٣٦].
والرؤية الثانية إذا صاروا إلى شفير النار، وثالثها: أن الرؤية الأولى عند الورود، والثانية عند الدخول فيها، قيل: هذا التفسير ليس بحسن؛ لأنه قال: (ﮩ ﮪ) والسؤال يكون قبل الدخول، ورابعها: الرؤية الأولى للوعد، والثانية المشاهدة، وخامسها: أن يكون المراد (ﮡ ﮢ) غير مرة، فيكون ذكر الرؤية مرتين عبارة عن تتابع الرؤية واتصالها؛ لأنهم مخلدون في الجحيم، فكأنه قيل لهم: على جهة الوعيد، لئن كنتم اليوم شاكين فيها غير مصدقين بها فسترونها رؤية دائمة متصلة، فتزول عنكم الشكوك، فإن قيل: ما فائدة تخصيص الرؤية الثانية باليقين؟ قلنا: لأنهم في المرة الأولى رأوا لهبًا لا غير، وفي المرة الثانية رأوا نفس الحفرة وكيفية السقوط فيها وما فيها من الحيوانات المؤذية، ولا شك أن هذه الرؤية أجلى، والحكمة في النقل من العلم الأخفى إلى الأجلى التفريع على ترك النظر؛ لأنهم كانوا يقتصرون على الظن، ولا يطلبون الزيادة»180.
ورؤية ثواب الأعمال في الآخرة قد سبقه الإنذار بذلك.
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النبأ:٤٠].
فقوله: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) يعني: العذاب في الآخرة، وكل ما هو آت قريب.
(ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) يعني: أن كل أحد يرى عمله في ذلك اليوم، ما قدم من خير وشر مثبتًا عليه في صحيفته، فيرجو ثواب الله على صالح عمله، ويخاف العقاب على سوء عمله، وأما الكافر فإنه يقول: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ).
قال الحسن: إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة، فقضى بين الثقلين الجن والإنس، وأنزلهم منازلهم، قال لسائر الخلق: كونوا ترابًا، فكانوا ترابًا، فحينئذ يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابًا181.
ورؤية ثواب الأعمال الصالحة، وثواب الأعمال السيئة يكون بعد رؤية ما كسبه الإنسان في الدنيا.
قال تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [النجم:٣٩-٤١].
كما قال تعالى في بدو سيئات ما كسب الكافرون: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [الزمر:٤٨].
أي: أنه ظهر للكافرين ما كانوا يعملون من سيئات، وانكشف لهم وجهها القبيح الذي ينادى عليهم بالويل والثبور(ﭖ ﭗ) أي: حل وأحاط بهم، هذا اليوم الذي كانوا يستهزئون به، وينكرون أن يكون واقعًا أبدًا182.
ورؤية ثواب الأعمال يقوم على ميزان العدل الإلهي، وقد أوضح هذا المعنى في قوله: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [يونس:٤٤].
وقوله تعالى: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النساء:٤٠].
وقوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [الأنبياء:٤٧].
والآيات بمثل ذلك كثيرة183.
يترتب على السعي في الحياة الدنيا رؤية العمل وثوابه، كما يترتب على ذلك رؤية النعيم، ورؤية العذاب، وبيان ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: رؤية النعيم:
ذكر الله تعالى رؤية النعيم في قوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الإنسان:١٩-٢١].
والنعيم: سائر ما يتنعم به184، والملك الكبير هو كما قال ابن كثير: «وإذا رأيت يا محمد الجنة ونعيمها وسعتها وارتفاعها وما فيها من الحبرة والسرور رأيت نعيمًا وملكًا كبيرًا، أي: مملكة لله هناك عظيمة وسلطانًا باهرًا، وثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لآخر أهل النار خروجًا منها، وآخر أهل الجنة دخولًا إليها: (إن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها)185.
فإذا كان هذا عطاءه تعالى لأدنى من يكون في الجنة، فما ظنك بما هو أعلى منزلة وأحظى عنده تعالى؟»186.
وقال المراغي: «(ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) أي: وإذا نظرت فى الجنة رأيت نعيمًا عظيمًا وملكًا كبيرًا لا يحيط به الوصف.
وقد اختلفوا في المراد من هذا الملك الكبير، فقيل: إن أدناهم منزلة من ينظر ملكه في مسيرة ألف عام يرى أقصاه، كما يرى أدناه، وقيل: هو استئذان الملائكة عليهم، فلا يدخلون إلا بإذنهم، وقيل: هو الملك الدائم الذي لا زوال له، ولم يجئ في الأخبار الصحيحة ما يفسر هذا الملك الكبير، فأولى بنا أن نؤمن به ونترك تفصيله إلى علام الغيوب»187.
ومن رؤية النعيم رؤية الولدان المخلدون في قوله تعالى: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الإنسان:١٩].
والمعنى: «إذا رأيت يا محمد هؤلاء الولدان مجتمعين أو مفترقين، تحسبهم في حسنهم، ونقاء بياض وجوههم وكثرتهم، لؤلؤًا مبددًا، أو مجتمعًا مصبوبًا»188.
ثانيًا: رؤية العذاب:
أخبر تعالى أن الظالمين يرون العذاب يوم القيامة في آيات من كتابه الكريم، منها قوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [البقرة:١٦٥-١٦٦].
تقدير الكلام في الآية: لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذ أن القوة لله جميعًا، أي: إن الحكم له وحده لا شريك له، وأن جميع الأشياء تحت قهره وغلبته وسلطانه189.
والمعنى: ولو يشاهد الذين ظلموا أنفسهم بتدنيسها بالشرك، وظلم الناس وغشهم، بحملهم على أن يحذو حذوهم، ويتخذوا الأنداد مثلهم، حين يرون العذاب في الآخرة، فتقطع بهم الأسباب، ولا تغني عنهم الأنداد والأرباب، أن القوة لله وحده، بها يتصرف في كل موجود، لعلموا أن هذه القوة التي تدبر عالم الآخرة هي عين القوة التي تدبر عالم الدنيا، وأنهم كانوا ضالين حين لجئوا إلى سواها، وأشركوا معها غيرها، وكان ذلك منشأ عقابهم وعذابهم190.
كما أخبر تعالى أن الظالمين يسرون الندامة حين يرون العذاب، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [يونس:٥٤].
قال أبو جعفر الطبري: «ولو أن لكل نفس كفرت بالله، وظلمها في هذا الموضع عبادتها غير من يستحق عبادته، وتركها طاعة من يجب عليها طاعته (ﭖ ﭗ ﭘ) من قليل أو كثير (ﭙ ﭚ) يقول: لافتدت بذلك كله من عذاب الله إذا عاينته، وقوله: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) يقول: وأخفت رؤساء هؤلاء المشركين من وضعائهم وسفلتهم الندامة حين أبصروا عذاب الله قد أحاط بهم، وأيقنوا أنه واقع بهم (ﭢ ﭣ ﭤ) يقول: وقضى الله يومئذ بين الأتباع والرؤساء منهم بالعدل (ﭦ ﭧ ﭨ) وذلك أنه لا يعاقب أحدًا منهم إلا بجريرته، ولا يأخذه بذنب أحد، ولا يعذب إلا من قد أعذر إليه في الدنيا وأنذر وتابع عليه الحجج»191.
ومن المفسرين من قال بأن الإسرار في الآية المراد به الإظهار، أي: إظهار الندامة؛ لأن الإسرار من الأضداد الذي يتناول الإخفاء والإظهار؛ لأنهم إنما أخفوا الندامة على الكفر والفسق في الدنيا لأجل حفظ الرياسة، وفي القيامة بطل هذا الغرض فوجب الإظهار192.
وقوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفرقان:٤٢].
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن هؤلاء المشركين الذين كانوا يهزءون برسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم يقولون إذا رأوه: قد كاد هذا يضلنا عن آلهتنا التي نعبدها، فيصدنا عن عبادتها لولا صبرنا عليها، وثبوتنا على عبادتها.
(ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) يقول جل ثناؤه: سيبين لهم حين يعاينون عذاب الله قد حل بهم على عبادتهم الآلهة (ﯪ ﯫ ﯬ) يقول: من الراكب غير طريق الهدى، والسالك سبيل الردى أنت أو هم؟193.
كما أن الله تعالى يأمر المشركين أن يدعوا شركاءهم حين يروا العذاب، قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [القصص:٦٤].
والمعنى: وقيل للمشركين بالله في الدنيا: (ﮔ ﮕ) الذين كنتم تدعون من دون الله من الآلهة والأنداد (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) يقول: فلم يجيبوهم (ﮚ ﮛ) يقول: وعاينوا العذاب(ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) يقول: فودوا حين رأوا العذاب لو أنهم كانوا في الدنيا مهتدين للحق194.
وحين يرى الظالمون العذاب يوم القيامة يطلبون الرجوع إلى الدنيا.
قال تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ) [الشورى:٤٤]195.
أي: وترى الكافرين بالله حين يعاينون العذاب يوم القيامة يتمنون الرجعة إلى الدنيا ويقولون: هل من رجعة لنا إليها؟
ونحو الآية قوله تعالى: (ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الأنعام:٢٧-٢٨]196.
والمراد: أنهم يطلبون الرجوع إلى الدنيا لعظم ما يشاهدون من العذاب، ثم ذكر حالهم عند عرض النار عليهم فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [الشورى:٤٥].
أي: حال كونهم خاشعين حقيرين مهانين بسبب ما لحقهم من الذل197.
وقد أخبر تعالى بأن الكافرين لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم في الآخرة.
قال تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ) [يونس:٨٨].
ومعناه: فلا يصدقوا بتوحيد الله ويقروا بوحدانيته، حتى يروا العذاب الموجع198، قيل: هذا بمعنى الدعاء(كأنه) قال: فلا آمنوا حتى يروا العذاب الأليم، وقيل: معناه معنى الخبر199.
في القرآن الكريم آثار للرؤية كثيرة على النفس، أهمها ما يأتي:
أولًا: الإيمان والتقوى:
وهذا الأثر ناتج عن النظر فيما يقدم الإنسان لليوم الآخر.
قال تعالى: (ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الحشر:١٨].
أي: لينظر أحدكم إلى شيء قدم لنفسه من الأعمال عملًا صالحًا ينجيه أم سيئًا يوبقه، والمراد بالغد يوم القيامة، وقربه على الناس كأن يوم القيامة يأتي غدًا، وكل ما هو آتٍ فهو قريب (ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) وكرر الأمر بالتقوى تأكيدًا، وقيل: معنى الأول: اتقوا الله في أداء الواجبات، ومعنى الثاني: واتقوا الله فلا تأتوا المنهيات (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) أي: تركوا أمر الله فأنساهم أنفسهم، أي: أنساهم حظوظ أنفسهم حتى لم يقدموا لها خيرًا ينفعها وعنده (ﭹ ﭺ ﭻ)200.
ثانيًا: العمل لليوم الآخر:
وهذا الأثر يأتي من خلال معرفة أن يوم القيامة هو اليوم الحق الذي ينظر المرء ما قدم له، قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [النبأ:٣٩-٤٠].
(ﮇ ﮈ) يعني: يوم القيامة، وهو يوم يقوم الروح والملائكة صفًا (ﮉﮊ) يقول: إنه حق كائن لا شك فيه، وقوله: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) يقول: فمن شاء من عباده اتخذ بالتصديق بهذا اليوم الحق، والاستعداد له، والعمل بما فيه النجاة له من أهواله (ﮐ)، يعني: مرجعًا، وهو مفعل من قولهم: آب فلان من سفره.
(ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) «يقول: إنا حذرناكم أيها الناس عذابًا قد دنا منكم وقرب، وذلك (ﮖ ﮗ ﮘ) المؤمن (ﮙ ﮚ ﮛ) من خير اكتسبه في الدنيا، أو شر سلفه، فيرجو ثواب الله على صالح أعماله، ويخاف عقابه على سيئها»201.
ثالثًا: العظة والعبرة:
وهذا الأثر يحصل لصاحب النفس الذي يسير في الأرض فينظر كيف عاقبة المكذبين.
قال تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) [يوسف:١٠٩].
فإن معرفة هلاك الأمم السابقة تدفع المؤمن للعمل بما يخالف أعمال أمم الذين من قبلهم من المكذبين بالرسل والآيات، أو من من المشغوفين بالدنيا المتهالكين عليها، فيقلعوا عن حبها، ويعملوا للحياة الآخرة، (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ) [يوسف:١٠٩].
أي: يستعملون عقولهم ليعرفوا أنها خير202.
وقال تعالى: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) [آل عمران:١٣٧].
أي: مضت من قبلكم سنن، أي: وقائع من أنواع المؤاخذات والبلايا للأمم المكذبين، فسيروا في الأرض التي فيها ديارهم الخربة وآثار إهلاكهم، فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين، أي: وقيسوا بهم عاقبة اللاحقين بهم في الهلاك والاستئصال، والأمر بالسير والنظر؛ لما أن لمشاهدة آثار المتقدمين أثرًا في الاعتبار والروعة، أقوى من أثر السماع203.
والسير في الأرض والبحث عن أحوال الماضين وتعرف ما حل بهم هو الذي يوصل إلى معرفة تلك السنن والاعتبار بها كما ينبغي، كما أن النظر في التاريخ الذي يشرح ما عرفه الذين ساروا في الأرض ورأوا آثار الذين خلوا يعطي الإنسان من المعرفة ما يهديه إلى تلك السنن ويفيده عظة واعتبارًا، فتحصل العظة والعبرة، ولكنها تكون دون اعتبار الذين يسيرون في الأرض بأنفسهم، ويرون الآثار بأعينهم204.
رابعًا: الإحسان والإخلاص في القول والعمل:
من آثار موضوع الرؤية في القرآن الإحسان والإخلاص في القول والعمل؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يومًا بارزًا للناس، إذ أتاه رجل يمشي، فقال: (يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، ولقائه، وتؤمن بالبعث الآخر)، قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: (الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان)، قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك)205.
قال الإمام النووي في شرح الحديث: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم؛ لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئًا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به، فقال صلى الله عليه وسلم: اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان، فإن التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه، فلا يقدم العبد على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد، فينبغي أن يعمل بمقتضاه، فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في إتمام الخشوع والخضوع وغير ذلك»206.
خامسًا: التفقه في الدين:
وهذا الأثر يحصل من خلال أن النظر والرؤية، هي وسيلة الحصول على العلم، فقد أخبر تعالى بأنه هو الذي يري عباده الأدلة العلمية، قال تعالى: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) [غافر:١٣].
والمعنى: هو الذي يريكم أيها الناس حججه وأدلته على وحدانيته وربوبيته 207.
وآيات الله: تعم آيات قدرته وآيات قرآنه والمعجزات الظاهرة على أيدي رسله208.
ومثل الآية قوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ) [الأنبياء:٣٧].
فرؤية الآيات هي العلم الذي جعله الله209.
وعلى الرؤية والنظر بنى الفقهاء والعلماء الكثير من الأحكام والاجتهادات الفقهية، وعلى الرؤية والاختلاف فيها ظهرت المدارس والمذاهب الفقهية.
موضوعات ذات صلة: |
الآيات الكونية، البصر، التفكر، الرؤيا، السير، العبرة، العقل، العين |
1 مقاييس اللغة٢/٤٧٢.
2 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٧٥.
3 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٧٣.
4 التعريفات، الجرجاني ص١٠٩.
5 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٣٢٧، تفسير الشعراوي ٨/٤٥٤١.
6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي، ص ٢٨٠-٢٨٥.
7 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني، ص٢٤٤-٢٤٥.
8 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٨١٢.
9 النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير٥/٧٧.
10 انظر: تاج العروس، الزبيدي١٠/١٩٦.
11 مقاييس اللغة١/٢٥٣.
12 انظر: لسان العرب، ابن منظور١١/٢٧.
13 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٨٩.
14 انظر: الكليات، الكفوي ص٢٨٧.
15 انظر: لسان العرب، ابن منظور١٤/٢٩٧.
16 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٣٧٥.
17 انظر: الكليات، الكفوي ص٤٠٤، معجم لغة الفقهاء، محمد رواس وحامد قنيبي ص ٢٢٨.
18 جامع البيان١٥/٣٨.
19 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء، رقم٢٧٤٢، ٤/٢٠٩٨.
20 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/٢٢١.
21 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٢/٣٦٧.
22 انظر: النكت والعيون، الماوردي٢/٢٥٠.
23 زاد المسير، ابن الجوزي٢/٢٨٩.
24 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي٣/٩٤.
25 جامع البيان، الطبري١٤/٤٦٢.
26 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١١/٧١٧٢، الجواهر الحسان، الثعالبي٥/٣٣١.
27 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم، وخذله، واحتقاره ودمه، وعرضه، وماله، رقم ٢٥٦٤، ٤/١٩٨٧.
28 مرقاة المفاتيح، علي ملا قاري ٨/٣٣٣١.
29 شرح النووي على صحيح مسلم ١٦/١٢١.
30 لباب التأويل، الخازن ٤/٣٧٢.
وانظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/٢٥٣، الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/١٠٧.
31 جامع البيان ٢٤/٧٣.
32 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ)، رقم ٧٤٣٥، ٩/١٢٧، من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
33 تفسير القرآن العظيم٨/٢٨٧.
34 النكت والعيون٢/٤٣٢.
35 انظر: جامع البيان، الطبري١٥/٧٢، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٣/١٥.
36 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى، رقم ١٨١، ١/١٦٣.
37 انظر: الوسيط، الواحدي٢/ ٥٤٤.
38 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/٢٢٩.
39 سبق تخريجه قريبًا.
40 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/٢٢٩.
41 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، رقم٥٥٤، ١/١١٥.
42 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب فضل السجود، رقم٨٠٦، ١/١٦٠، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، رقم ١٨٢، ١/١٦٣.
43 تفسير القرآن العظيم٨/٢٨٧.
44 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٤/٢٤٢.
45 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢٢/١٥٢.
46 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٣/٢٥٩، وانظر: تفسير القرآن، السمعاني٢/١١٨.
47 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٣/٢٤٦.
48 النكت والعيون ٦/٥١.
49 انظر: جامع البيان، الطبري٢٣/٥٣٠.
50 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٩/٢٧٢، فتح القدير، الشوكاني٥/٣١٩.
51 انظر: تفسير المراغي٢٩/٢٩.
52 انظر: جامع البيان، الطبري١٧/٧٧.
53 انظر: تفسير المراغي١٤/١٣.
54 انظر: الكشاف، الزمخشري٣/٣١٠.
55 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٣/٤٠٩.
56 انظر: الوسيط، الواحدي٤/١٢٦.
57 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٦/٤٥.
58 لباب التأويل، الخازن١/٨١.
وانظر: معالم التنزيل، البغوي١/١٦٧.
59 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١١/٢١١.
60 انظر: معالم التنزيل، البغوي٣/٥٢٠، في ظلال القرآن، سيد قطب٥/٢٦٢٥.
61 جامع البيان ٢١/٤٩٣.
62 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢/٣٨٤.
63 التحرير والتنوير٢٢/٢٥٠.
64 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٤٤٥.
65 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٢/٢٣١.
66 أخرجه النسائي في سننه، كتاب الإيمان وشرائعه، باب صفة الإيمان والإسلام، رقم٤٩٩١، ٨/١٠١.
وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم ١١١١، ٣/١٠٤.
67 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٢/٢٣١.
وانظر: الوجيز، الواحدي ص ٣٤٦، معالم التزيل، البغوي ٢/١١١، أنوار التنزيل، البيضاوي٢/١٥٥.
68 معالم التنزيل، البغوي٤/٣٠٥.
وانظر: جامع البيان، الطبري٢٢/٥١١.
69 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق باب إذا قال أحدكم: آمين، والملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه، رقم٤٨٥٥، ٦/١٤٠.
70 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم: آمين، والملائكة في السماء: آمين، فوافقت إحداهما الأخرى، غفر له ما تقدم من ذنبه، رقم٣٢٣٢، ٤/١١٥، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب: (ولقد رآه نزلة أخرى)، رقم١٧٤، ١/١٥٨.
71 انظر: فتح القدير، الشوكاني٤/٥٤٩.
72 انظر: تفسير المراغي٢٤/٣٩.
73 جامع البيان، الطبري١٩/٢٥٤.
74 معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٤/٦٣.
75 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية٤/٢٠٦.
76 انظر: معجم لغة الفقهاء، محمد رواس قلعجي وحامد قنيبي ص١٦٦.
77 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ١٣١.
78 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٧/١٨٦.
وانظر: تفسير القرآن، السمعاني٢/١٧٦.
79 إعراب القرآن، النحاس٢/٥٠.
80 مفاتيح الغيب، الرازي ١/٩٤.
81 المصدر السابق ١٤/٢٢٣.
82 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلاة، باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد، رقم٤٦١، ١/٩٩، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة، رقم٥٤١، ١/٣٨٤.
83 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوكالة، باب إذا وكل رجلًا، رقم٢٣١١، ٣/١٠١.
84 سبق تخريجه.
85 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المناقب، باب إسلام عمر رضي الله عنه، رقم٣٨٦٦، ٥/٤٨.
86 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، رقم٣٤٦٤، ٤/١٧١.
87 انظر: البحر المحيط، أبو حيان٥/٣٢.
88 التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب ١٦/١٧٥١.
89 التحرير والتنوير، ابن عاشور٢٠/٤٧.
90 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/١٩٥.
وانظر: معالم التنزيل، البغوي٣/٥١٩، المحرر الوجيز، ابن عطية٤/٢٧٣، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٤/٥٧٤.
91 جامع البيان ١٩/٥٠٥.
92 الكشاف ٣/٣٨٧.
93 انظر: التحرير والتنوير٢٠/٥٠.
94 انظر: تفسير الشعراوي ١٥/٩٥٢٧.
95 المصدر السابق ١٩/١١٦٠٠.
96 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٤٠٥.
97 الآل: والسراب واحد، وقيل: الآل من الضحى إلى زوال الشمس، والسراب بعد الزوال إلى صلاة العصر.
انظر: تهذيب اللغة، الأزهري ١٥/٣١٥، لسان العرب، ابن منظور ١١/٣٦، تاج العروس، الزبيدي ٣/٥٢.
98 الكليات، الكفوي ص٥١٤.
99 جامع البيان، الطبري١٩/١٩٥.
100 القرآن وعلوم الأرض، محمد سميح عافية ص٤٧.
101 انظر: جامع البيان، الطبري٢٢/١١٤.
102 انظر: تفسير السمرقندي٣/٢٨٨.
103 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/٣١٠.
وانظر: مدارك التنزيل، النسفي ٢/٧١٧.
104 جامع البيان، الطبري٢٤/٤٨٩.
105 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي٢٠/١٠٢.
106 أخرجه أحمد في مسنده، رقم١٨٤٤٩، ٣٠/٣٩٠.
وحسنه الألباني في الجامع الصغير، رقم ٣٠١٤، ١/ ٥٧٨.
107 أخرجه أحمد في مسنده رقم ٨١٠٧، ١٣/٤٦٨ ، والترمذي في سننه، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في المتشبع بما لم يعطه، رقم٢٨١٩، ٥/١٢٣.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم١٧٤٢، ١/٣٥٩.
108 انظر: تفسير السمرقندي٣/٥٩٢.
109 أخرجه أحمد في مسنده رقم ٢٤٥٩٣، ٤١/١٤٢، والترمذي في سننه، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في المتشبع بما لم يعطه، رقم٢٠٣٤، ٤/٣٧٩.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٦٠٥٦ ، ٢/١٠٤٦.
110 انظر: التفسير القيم، ابن القيم ص٥٧٣.
111 انظر: نظم الدرر، البقاعي ١٤/١٤٥.
112 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٣/٣٣٧.
113 انظر: لطائف الإشارات، القشيري٢/٣٢٧.
114 أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، رقم٥١٦٢، ٥/٢٢٨، والبيهقي في شعب الإيمان، رقم٧٢٥٦، ١٠/١١٧.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٢١٦٤، ١/٤٣٢.
115 انظر: الوسيط، الواحدي٣/٤٠٨.
116 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٣/٣١٥.
117 انظر: جامع البيان، الطبري٢٤/٤١٢.
118 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج٥/٣٢٢.
119 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب قول الله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ)، رقم١٠٣٨، ٢/٣٣، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال: مطرنا بالنوء، رقم٧١، ١/٨٣.
120 شرح النووي على صحيح مسلم٢/٦٠.
121 انظر: جامع البيان، الطبري١٢/٣٤٢.
122 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٧/٤٤٠.
وانظر: جامع البيان، الطبري ٢٢/٥٧٠، معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/٨٥، الوسيط، الواحدي ٤/٢٠٧.
123 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله تعالى: (ﮮ ﮯ)، رقم٤٨٦٤، ٦/١٤٢.
124 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٧/٤٤٠.
وانظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/٨٥، الوسيط، الواحدي ٤/٢٠٧.
125 لباب التأويل، الخازن٢/٢٣٣.
وانظر: تفسير القرآن، السمعاني ٢/٢٠٢، مفاتيح الغيب، الرازي ٢٢/٥١.
126 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور١٩/١٢٤.
127 جامع البيان ١٥/٢١٤.
128 جامع البيان، الطبري ٢١/٣٦٢.
وانظر: تفسير القرآن، السمعاني٥/١٠.
129 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٥٠.
130 تفسير القرآن العظيم٧/١٢١.
131 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي٨/٣٠٠.
132 انظر: معالم التنزيل، البغوي٣/٢٨٨.
133 انظر: جامع البيان، الطبري١٨/٤٤٤.
134 انظر: المصدر السابق٢١/٢٤.
135 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٩/١٨٦.
136 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٤/٣٣١.
137 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١١/٤١.
138 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٦/١٧٠.
139 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي١/٣٨٠.
140 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور١٢/٢٥٧.
141 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي٢/٢١٥.
142 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١١/٤١.
143 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري١/١٤١.
144 جامع البيان ١٥/٢١٤.
145 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/١٤٥.
146 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٢/٣٥٣.
147 مفاتيح الغيب، الرازي١٧/٣٠٦.
148 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٦/٢٤٤.
149 انظر: تفسير المراغي٢٠/١٢٧.
150 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٢٠/٢٣٠.
151 القرآن وإعجازه العلمي، محمد إسماعيل إبراهيم ص ٦٨.
152 جامع البيان، الطبري١٧/٥٦٢.
153 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٤/٤٥.
154 انظر: غرائب القرآن، النيسابوري٣/٢٥٣.
155 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٣٢٦.
156 انظر: تفسير المراغي٢١/٣١.
157 جامع البيان ١٦/٢٨٥.
وانظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٣/١٣١.
158 انظر: محاسن التأويل، القاسمي٤/٣٢١.
159 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية٢/٢٦٨.
160 جامع البيان١١/٢٦٣.
161 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٣٩١.
162 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي٢/١٥٤.
163 انظر: جامع البيان، الطبري٢٠/٧٨.
164 انظر: مدارك التنزيل، النسفي٢/٦٩٢.
165 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي٣/١٧٩.
166 انظر: جامع البيان، الطبري٢٢/١٦٢.
167 انظر: معاني القرآن وإعرابه، الزجاج ٥/٨.
168 انظر: تيسير الكريم الرحمن ص٦٩٥.
169 انظر: تفسير المراغي ٢٣/٥.
170 انظر: جامع البيان، الطبري٢٤/٥٤٩.
171 المصدر السابق٢٤/٥٤٩.
172 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ٢٠/٤٥٠.
173 انظر: تفسير السمرقندي ١/٢٠٦.
174 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص١٢٨.
175 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور٣٠/١٥١.
176 انظر: الوسيط، الواحدي٤/٤٢١.
177 انظر: تفسير القرآن، السمعاني٦/١٥٢.
178 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٨/٤٥٢.
179 تفسير المراغي٣٠/٢٣٢.
180 مفاتيح الغيب ٣٢/٢٧٣.
181 الوسيط، الواحدي٤/٤١٧.
182 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم الخطيب١٣/٢٥٥.
183 أضواء البيان، الشنقيطي٣/٢٨٩.
184 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٩/١٤٤.
185 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، رقم٦٥٧١، ٨/١١٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجًا، رقم١٨٦، ١/١٧٣، عن عبد الله بن مسعود.
186 تفسير القرآن العظيم ٨/٢٩٩.
187 تفسير المراغي ٢٩/١٧٠.
188 جامع البيان، الطبري ٢٤/١١١.
189 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير١/٣٤٦.
190 تفسير المراغي٢/٤٠.
191 جامع البيان ١٥/١٠٣.
192 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ١٧/٢٦٥.
193 انظر: جامع البيان، الطبري١٩/٢٧٤.
194 انظر: المصدر السابق١٩/٦٠٦.
195 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير٧/١٩٦.
196 انظر: تفسير المراغي٢٥/٥٨.
197 انظر: مفاتيح الغيب، الرازي ٢٧/٦٠٨.
198 انظر: جامع البيان، الطبري١٥/١٨٢.
199 انظر: تفسير القرآن، السمعاني٢/٤٠١.
200 انظر: لباب التأويل، الخازن٤/٢٧٦.
201 جامع البيان، الطبري٢٤/١٧٩.
202 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي٣/١٧٩.
203 انظر: محاسن التأويل، القاسمي٢/٤١٦.
204 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد رضا ٤/١١٧، تفسير المراغي ٤/٧٧.
205 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، رقم٥٠، ١/١٩، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان، والإسلام، والقدر وعلامة الساعة، رقم٨، ١/٣٦.
206 شرح النووي على صحيح مسلم١/١٥٧.
207 جامع البيان، الطبري ٢١/٣٦٢.
وانظر: تفسير القرآن، السمعاني٥ /١٠.
208 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٥٠.
209 جامع البيان، الطبري ١٨/٤٤٤.