عناصر الموضوع
الذم
أولًا: المعنى اللغوي:
أصل مادة (ذم م) تدل على خلاف الحمد1.
يقال: ذممته أذمه ذمًا خلاف مدحته، فهو ذميم ومذموم، أي: غير محمود2.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
خلاف المدح، وهو الانتقاد واللوم، والوصف بالمعايب التي في الموصوف3.
فالمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغوي.
وردت مادة (ذ م م) في القرآن الكريم (٥)، والذي يخص موضوع البحث (٣) مرات4.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
اسم المفعول |
٣ |
(ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) [الإسراء:٢٢] |
وجاء الدفع في الاستعمال القرآني بمعناه اللغوي الذي هو خلاف المدح.
الشتم:
الشتم لغة:
السب، والاسم الشتيمة، والشتم: الكلام القبيح وليس فيه قذف5.
الشتم اصطلاحًا:
وصف الغير بما فيه نقص وإزراء6.
الصلة بين الذم والشتم:
والصلة بين الذم والشتم: أن كلًا منهما يقال لأجل الانتقاص والاستخفاف.
السب:
السَّبُّ لغة:
هو الشتم، ومنه قوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأنعام:١٠٨]7.
السَّبُّ اصطلاحًا:
الشتم الوجيع، والسُّبَّة: ما يسب به، وكني بها عن الدبر، وتسميته بذلك كتسميته بالسوءة8.
الصلة بين الذم والسب:
والصلة بين الذم والسب: أن كلًا منهما يقصد به الانتقاص والاستخفاف.
المدح:
المدح لغة:
نقيض الهجاء وهو حسن الثناء على الغير لما فيه من الصفات، سواء أكانت تلك الصفات خلقية أم اختيارية، وهو أعم من الحمد9.
المدح الاصطلاح:
الثناء باللسان على الجميل الاختياري قصدًا10.
الصلة بين الذم والمدح:
العلاقة بين الذم والمدح علاقة ضدية، فكل واحد منها ضد الآخر.
من أسباب الذم في القرآن الكريم: الأعمال السيئة، والصفات الخلقية القبيحة، والصفات الخلقية، وسوء العاقبة، وبيان ذلك من خلال النقاط الآتية:
أولًا: الأعمال السيئة:
ذم القرآن الكريم الأعمال السيئة من عبادة غير الله وتطفيف الميزان والتخلف عن الجهاد وموالاة الكافرين وبيان ذلك كما يأتي:
١. عبادة غير الله.
من أسباب الذم التي ذكرها القرآن الكريم: عبادة غير الله تعالى من الأصنام وغيرها.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [الأنفال:٣٤-٣٥].
ذم الله تعالى الكفار بأفعالهم القبيحة وسوء العاقبة واستحقاقهم العذاب، ونفي الولاية عنهم، وأنهم ليسوا بأولياء البيت الحرام، وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)، «أي: وأي شيء يمنع من عذاب مشركي قريش بعد خروجك -يا محمد- وخروج المؤمنين المستضعفين من بين أظهرهم؟ إنه لا مانع أبدًا من وقع العذاب عليهم، وقد وجد مقتضية منهم، حيث اجترحوا من المنكرات والسيئات ما يجعلهم مستحقين للعقاب الشديد»11.
ثم بين صفاتهم الذميمة، فقال تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)، جملة حالية مبينة لجريمة من جرائمهم الشنيعة، أي: لا مانع يمنع من تعذيبهم: وكيف لا يعذبون وحالهم أنهم يمنعون المؤمنين عن الطواف بالمسجد الحرام، ومن زيارته، ومن مباشرة عباداتهم عنده..؟ إنهم لا بد أن يعذبوا على هذه الجرائم12.
ثم ذمهم بنفي الولاية عنهم، والمقصود إظهار اعتدائهم في صدهم عن المسجد الحرام، (ﭛ ﭜ ﭝ)، أي: وما كانوا مستحقين للولاية عليه لشركهم وعمل المفاسد فيه كطوافهم فيه عراة رجالًا ونساء، وهذا رد لقولهم: نحن ولاة البيت الحرام، نصد من نشاء وندخل من نشاء، (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)، أي: إنه لا يلي أمره إلا من كان برًا تقيًا، لا من كان كافرًا عابدًا للصنم 13، إنهم ليسوا أولياء هذا البيت ولا أصحابه، إنهم أعداء هذا البيت وغاصبوه! إن بيت الله الحرام ليس تركة يرثها الخلف عن السلف، إنه بيت الله يرثه أولياء الله المتقون لله.. ومثله دعواهم أنهم ورثة إبراهيم -عليه السلام-، فوراثة إبراهيم ليست وراثة دم ونسب إنما هي وراثة دين وعقيدة14.
وقوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)، تعيين لأوليائه الحق، وتقرير لمضمون (ﭛ ﭜ ﭝ) مع زيادة ما أفاده القصر من تعيين أوليائه، فهي بمنزلة الدليل على نفي ولاية المشركين، ولذلك فصلت، وإنما لم يكتف بجملة القصر مع اقتضائه أن غير المتقين ليسوا أولياء المسجد الحرام، لقصد التصريح بظلم المشركين في صدهم المسلمين عن المسجد الحرام بأنهم لا ولاية لهم عليه، فكانت جملة: (ﭛ ﭜ ﭝ)، أشد تعلقًا بجملة: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)، من جملة: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)، وكانت جملة: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ)، كالدليل، فانتظم الاستدلال أبدع انتظام، ولما في إناطة ولاية المسجد الحرام بالمتقين من الإشارة إلى أن المشركين الذين سلبت عنهم ولايته ليسوا من المتقين، فهو مذمة لهم وتحقيق للنفي بحجة15.
وقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)، أنهم ليسوا أولياء الله، ولا أن أولياءه ليسوا إلا المتقين، فهم الآمنون من عذابه بمقتضى عدله في خلقه والجديرون بولاية بيته16.
ثم ذم أفعالهم القبيحة عند البيت الحرام، فقال سبحانه: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ)، المكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، وكان أحدهم يضع يده على الأخرى ويصفر.
قال ابن عباس: «كانت قريش تطوف بالبيت عراة تصفر وتصفق، وروي عنه أن الرجال والنساء منهم كانوا يطوفون عراة مشبكين بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون»17.
فعلى قول ابن عباس كان المكاء والتصدية نوع عبادة لهم، وهو صحيح، لأن الله سبحانه وتعالى سمى ذلك صلاة، فإن قيل: كيف سماها صلاة وليس ذلك من جنس الصلاة؟ الجواب: إنهم كانوا يعتقدون ذلك المكاء والتصدية صلاة، فخرج ذلك على حسب معتقدهم18.
ثم ذمهم بقوله تعالى: (ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)، ودل فعل الأمر في قوله: (ﭱ ﭲ)، على عذاب واقع بهم، إذ الأمر هنا للتوبيخ والتغليظ، وذلك هو العذاب الذي حل بهم يوم بدر، من قتل وأسر وحرب، (ﭳ ﭴ ﭵ)، أي: بكفركم فـ (ما) مصدرية، وكان إذا جعل خبرها جملة مضارعية أفادت الاستمرار والعادة، وعبر هنا بــ(ﭵ) لأن العذاب المتحدث عنه لأجل الكفر والإضلال وما يجره الإضلال من الكبرياء والرئاسة19.
٢. التطفيف في الميزان.
من أسباب الذم في القرآن الكريم: التطفيف والخيانة في الكيل والوزن، قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ) [المطففين:١-٣].
في الآيات ذم التطفيف والخيانة في الكيل والوزن، وهو أخس ما يقع من المعصية، وهو التطفيف الذي لا يكاد يجدي شيئًا في تثمير المال وتنميته20.
وقوله: (ﯖ ﯗ)، قيل: الويل شدة الشر، وقيل: الحزن والهلاك، وقيل: العذاب الأليم، وقيل: جبل في جهنم21.
والتطفيف: البخس والنقص في الكيل والوزن ولما أن ما يبخس في كيل أو وزن واحد شيء طفيف، أي: نزر حقير22.
وحسبهم أن التطفيف يجمع ظلمًا واختلاسًا ولؤمًا، والعرب كانوا يتعيرون بكل واحد من هذه الخلال متفرقة ويتبرؤون منها، ثم يأتونها مجتمعة، وناهيك بذلك أفنًا23.
وقوله تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)، أي: إذا أخذوا من الناس ما أخذوا بحكم الشراء ونحوه كيلًا يأخذونه وافيًا وافرًا، وتبديل كلمة (ﯜ)، هنا بمن قيل: لتضمين (الاكتيال) معنى الاستيلاء، أو للإشارة إلى أنه اكتيال مضر للناس24، وللإشارة إلى ما فيه عملهم المنكر من الاستعلاء والقهر، شأن المتغلب المتحامل المتسلط، الذي لا يستبرئ لدينه وذمته25.
وجملة (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)، إدماج، مسوقة لكشف عادة ذميمة فيهم هي الحرص على توفير مقدار ما يبتاعونه بدون حق لهم فيه، والمقصود الجملة المعطوفة عليها، وهي جملة: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)، فهم مذمومون بمجموع ضمن الجملتين26.
وقوله تعالى: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)، للناس وما تقدم في الأخذ من الناس وهذا في الإعطاء، فالمعنى وإذا كالوا لهم أو وزنوا لهم للبيع ينقصون27.
ومدار الذم ما تضمنه مجموع المتعاطفين، والكلام كقولك: فلان يأخذ حقه من الناس تامًا ويعطيهم حقهم ناقصًا، وهي عبارة شائعة في الذم بل الذم بها أشد من الذم بنحو: يأخذ ناقصًا ويعطي ناقصًا، وكونه دون الذم بنحو قولك: يأخذ زائدًا ويعطي ناقصًا، لا يضر كما لا يخفى28.
قال الألوسي: «ولعل الاقتصار على الاكتيال في صورة الاستيفاء وذكر الكيل والوزن في صورة الإخسار أن المطففين كانوا لا يأخذون ما يكال ويوزن إلا بالمكاييل دون الموازين لتمكنهم بالاكتيال من الاستيفاء والسرقة، وإذا أعطوا كالوا ووزنوا لتمكنهم من البخس في النوعين جميعًا، والحاصل أنه إنما جاء النظم الجليل هكذا ليطابق من نزل فيهم، فالصفة تنعى عليهم ما كانوا عليه من زيادة البخس والظلم، وهذا صحيح، جعلت الصفة مخصصة لهؤلاء المطففين كما هو الأظهر أو كاشفة لحالهم فقد أريد بالأول معهود ذهني»29.
وقوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) استئنافٌ واردٌ لتهويل ما ارتكبوه من التطفيف، والهمزة للإنكار والتعجيب، وأدخل همزة الاستفهام على النافية توبيخًا وليست (ألا) هذه للتنبيه30.
وقال سبحانه: (ﯦ ﯧ ﯨ)، ولم يقل: ألا يظنون، لقصد تمييزهم والتشهير بهم، زيادة في ذمهم، وفي تقبيح أفعالهم31.
وللإشعار بأنهم ممتازون بذلك الوصف القبيح عن سائر الناس أكمل امتياز، نازلون منزلة الأمور المشار إليها إشارة حسية، وما فيه من معنى البعد للإشعار ببعد درجتهم في الشرارة والفساد.
والمعنى: أبلغت الجرأة بهؤلاء المطففين، أنهم صاروا من بلادة الحس، ومن فقدان الشعور، لا يخشون الحساب يوم القيامة، ولا يخافون العذاب الشديد الذي سينزل بهم، يوم يقوم الناس من قبورهم استجابة لأمر رب العالمين، حيث يتلقون جزاءه العادل، وحكمه النافذ32.
(ﯬ ﯭ)، يعني: يوم القيامة، أي: لا يظن أولئك الموصوفون بذلك الوصف الشنيع الهائل أنهم مبعوثون ليومٍ عظيمٍ لا يقادر قدر عظمه، فإن من يظن ذلك وإن كان ظنًا ضعيفًا لا يكاد يتجاسر على أمثال هذه القبائح، فكيف بمن يتيقنه، ووصف اليوم بالعظيم لعظم ما فيه كما أن جعله علة للبعث باعتبار ما فيه وقدر بعضهم مضافًا، أي: لحساب يوم، وقيل: الظن هنا بمعنى اليقين، والأول أولى وأبلغ33.
وقوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)، أي: لحكمه تعالى وقضائه عز وجل، ووصفه تعالى بربوبية العالمين من البيان البليغ لعظم الذنب وتفاقم الإثم في التطفيف ما لا يخفى، وليس ذلك نظرًا إلى التطفيف من حيث هو تطفيف، بل من حيث إن الميزان قانون العدل الذي قامت به السماوات والأرض، فيعم الحكم التطفيف على الوجه الواقع من أولئك المطففين وغيره34.
قال القرطبي: «وفي هذا الإنكار، والتعجيب، وكلمة الظن، ووصف اليوم بالعظيم، وقيام الناس فيه الله خاضعين، ووصف ذاته بـ(رب العالمين)، بيان بليغ لعظيم الذنب وتفاقم الإثم في التطفيف وفيما كان مثل حاله من الحيف وترك القيام بالقسط والعمل على السوية»35.
وفي الآيات بيان تحريم التطفيف في المكيال والميزان، وإنذار من يفعل ذلك، بأنه مبعوث لحساب لا تساهل فيه بتطفيف أو نحوه، ومثل التطفيف في الكيل والوزن النقص في الذرع وجر السلعة حالة الذرع، ويوشك أن لا يكاد في هذا الزمن كيال أو وزان أو ذراع يسلم من نقص إلا من عصمه الله تعالى، أجارنا الله من النقص المادي والمعنوي بمنه وكرمه36.
وقد جاء الأمر بإيفاء الكيل والميزان، والنهي عن تطفيفهما، في آيات كثيرة، منها:
قوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [هود:٨٤].
وقوله سبحانه: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ) [الإسراء:٣٥].
وقوله جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الأنعام:١٥٢].
٣. التخلف عن الجهاد.
من أسباب الذم التي ذكرها القرآن الكريم: التخلف عن الجهاد.
قال تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [التوبة:٨٦-٨٧].
يذم تعالى المتخلفين عن رسوله، في الجهاد في سبيله، والناكلين عنه مع القدرة عليه، ووجود السعة والطول، واستأذنوا الرسول في القعود، (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ)، يؤمرون فيها بالإيمان بالله والجهاد في سبيل الله، (ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) يعني: أولي الغنى والأموال، الذين لا عذر لهم، وقد أمدهم الله بأموال وبنين37.
والاقتصار على الطول يدل على أن أولي الطول مراد بهم من له قدرة على الجهاد بصحة البدن، فبوجود الطول انتفى عذرهم إذ من لم يكن قادرًا ببدنه لا ينظر إلى كونه ذا طول38.
(ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ)، ورضوا لأنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النساء، وهن الخوالف، بعد خروج الجيش، فإذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس، وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلامًا.
كما قال الله تعالى، عنهم في الآية الأخرى: (ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ) [الأحزاب:١٩] أي: علت ألسنتهم بالكلام الحاد القوي في الأمن، وفي الحرب أجبن شيء39.
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ) استئنافٌ قصد منه التعجيب من دناءة نفوسهم وقلة رجولتهم بأنهم رضوا لأنفسهم بأن يكونوا تبعًا للنساء، وفي اختيار فعل (رضوا) إشعار بأن ما تلبسوا به من الحال من شأنه أن يتردد العاقل في قبوله، والخوالف: جمع خالفة وهي المرأة التي تتخلف في البيت بعد سفر زوجها، فإن سافرت معه فهي الظعينة، أي: رضوا بالبقاء مع النساء40.
وذلك أبلغ في الذم، فكونهم رضوا بأن يكونوا قاعدين مع النساء في المدينة أبلغ ذم لهم وتهجين، لأنهم نزلوا أنفسهم منزلة النساء العجزة اللواتي لا مدافعة عند هن ولا غنى41.
وقوله تعالى: (ﭖ ﭗ ﭘ)، والطبع تمثيل لحال قلوبهم في عدم قبول الهدى بالإناء أو الكتاب المختوم، والطبع مرادف الختم، وأسند الطبع إلى المجهول إما للعلم بفاعله وهو الله، وإما للإشارة إلى أنهم خلقوا كذلك وجبلوا عليه، (ﭙ ﭚ ﭛ)، أي: فلأجل الطبع لا يفقهون ولا يتدبرون ولا يتفهمون ما في الجهاد من الفوز والسعادة، وما في التخلف من الشقاء والضلال، فآثروا نعمة الدعة على سمعة الشجاعة، وعلى ثواب الجهاد إذ لم يدركوا إلا المحسوسات، فلذلك لم يكونوا فاقهين، وذلك أصل جميع المضار في الدارين42.
٤. موالاة الكافرين.
من أسباب الذم التي ذكرها القرآن الكريم: موالاة الكافرين.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الممتحنة:١].
نهى الله تبارك وتعالى، عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين الذين هم محاربون لله ولرسوله وللمؤمنين، الذين شرع الله عداوتهم ومصارمتهم، وأن يتخذوهم أولياء وأصدقاء وأخلاء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين43.
(ﭑ ﭒ ﭓ)، نداء من ربهم للذين آمنوا به، يدعوهم باسم الإيمان الذي ينسبهم إليه، يدعوهم ليبصرهم بحقائق موقفهم، ويحذرهم حبائل أعدائهم، ويذكرهم بالمهمة الملقاة على عاتقهم، وفي مودة يجعل عدوهم عدوه، وعدوه عدوهم: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ)، فيشعر المؤمنين بأنهم منه وإليه، يعاديهم من يعاديه، فهم رجاله المنتسبون إليه الذين يحملون شارته في هذه الأرض، وهم أوداؤه وأحباؤه، فلا يجوز أن يلقوا بالمودة إلى أعدائهم وأعدائه44.
ثم فسر هذه الموالاة فقال: (ﭙ ﭚ ﭛ)، بدأه هنا بـ (ﭙ)، وبعده بـ (ﭳ)، تنبيهًا بالأول على ذم مودة الأعداء، جهرًا وسرًا، وبالثاني على تأكيد ذمها سرًا، وخص الأول بالعموم لتقدمه، وباء (ﭵ)، زائدةٌ، وقيل: سببيةٌ، والمفعول محذوفٌ والتقدير: يلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، بسبب المودة التي بينكم وبينهم45.
ثم ذكر أن مما يمنع هذا الاتخاذ أمرين: الأول: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)، أي: وقد كفروا بالله ورسوله وكتابه الذي أنزله عليكم! فكيف بكم بعد هذا تجعلونهم أنصارًا وتسرون إليهم بما ينفعهم ويضر رسولكم، ويعوق نشر دينكم، والثاني: (ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ)، أي: يخرجون الرسول وأصحابه من بين أظهرهم كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ولم يكن لهم جريرة ولا جرم سوى ذلك46.
وفي التعبير عن إخراج المشركين للنبي والمؤمنين، بالفعل المضارع الذي يفيد تجدد الزمن حالًا بعد حال، للإشارة إلى أن المشركين ما زالوا على موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وأنه لو عاد النبي والمؤمنون إلى ديارهم بمكة لأخرجهم المشركون منها، بما يلاحقونهم به من أذى وضر، كما أن المشركين لم يزل هذا موقفهم من المؤمنين الذين كانوا في مكة، ولم تتح لهم فرصة الهجرة لسبب أو لآخر47.
وقوله تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)، أي: إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي، باغين مرضاتي عنكم، فلا توالوا أعدائي وأعداءكم وقد أخرجوكم من دياركم حنقًا عليكم وسخطًا لدينكم.
وقوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ)، هو استفهام إنكاري، أي: أبعد هذا الذي علمتم أو تعلمون من أمر القوم، أبعد هذا تسرون إليهم بالمودة؟ أي: تبادلونهم المودة في ستر وخفاء، (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ)، فإنه لا يخفى على الله خافية في الأرض ولا في السماء48.
ثم توعد الله من يفعل ذلك وشدد النكير عليه وذكر ما فيه أعظم الزجر له، فقال تعالى: (ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)، أي: ومن يفعل هذه الموالاة ويبلغ أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم لأعدائه فقد جار عن قصد الطريق التي توصل إلى الجنة ورضوان الله تعالى49.
قالوا: «والموالاة الممنوعة هي التي يكون فيها خذلان للدين أو إيذاء لأهله أو إضافة لمصالحهم، وأما ما عدا ذلك كالتجارة وغيرها من ضروب المعاملات الدنيوية فلا تدخل في ذلك النهى، لأنها ليست معاملة فيها أذى للإسلام والمسلمين»50.
ثانيًا: الصفات الخلقية المذمومة في القرآن:
ذم القرآن الكريم الصفات الخلقية الذميمة، كالظلم والاعتداء والإثم والخيانة والكذب والعناد والغرور والاستكبار وبيان ذلك كما يأتي:
١. الظلم.
من الأخلاق الموجبة لذم الله تعالى لها: الظلم.
قال تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأنعام:٢١].
الظلم وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة، وإما بعدول عن وقته أو مكانه، والظلم يقال في مجاوزة الحد الذي يجرى مجرى النقطة في الدائرة، ويقال فيما يكثر ويقل من التجاوز، ولذا يستعمل في الذنب الصغير والكبير51.
وقوله تعالى: (ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ)، أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبًا بأن جعل لله شريكًا أو ولدًا، أو كذب بآياته المنزلة كالقرآن المجيد، أو آياته الكونية الدالة على وحدانيته أو التي يؤيد بها رسله، وإذا كان كل من هذا التكذيب وذلك الكذب والافتراء يعد وحده غاية في الظلم ويطلق على صاحبه اسم التفضيل فيه، فكيف يكون حال من جمع بينهما، فكذب على الله وكذب بآياته المثبتة للتوحيد والمثبتة للرسالة؟ 52.
وعبر عن الشرك هنا بالظلم، وهو كثير ليعلم السامع أن جنس الظلم قبيح مذموم، ناهيك أن الشرك من أنواعه53.
ثم ذم الظلم بسوء العاقبة فقال: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)، أي: الحال والشأن أن الظالمين عامة لا يفوزون في عاقبة أمرهم يوم الحساب والجزاء بالنجاة من عذاب الله تعالى، ولا بنعيم الجنة مهما يكن نوع ظلمهم، فكيف تكون عاقبة من وصف بأنه لا أحد أظلم منه لافترائه على الله تعالى أو لتكذيبه بآياته أو عاقبة من جمع بين الأمرين فكان أظلم الظالمين؟54.
وقد ذم الله الظلم والظالمين في آيات كثيرة.
قال تعالى: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [الصافات:٢٢].
وقال سبحانه: (ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [إبراهيم:٤٢].
وقال في عاقبة الظلم: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)، [النمل:٥٢].
ذم الظلم بسوء العاقبة، وفي ذلك إشارة إلى أن للظلم أثرًا في خراب البلدان55.
٢. الاعتداء.
من الأخلاق الموجبة لذم الله تعالى لها: الاعتداء.
قال تعالى: (ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ) [البقرة:٦١].
يذم الله تعالى بني إسرائيل بأنهم أهل عدوان، والاعتداء والتعدي والعدوان خروج عما حد ورسم56.
وكان العدوان سببًا لأن تضرب عليهم الذلة والمسكنة، وأن يبوءوا بغضب من الله، وكان سببًا على جحود النعم، وسوء الأدب وحمق التفكير، وهوان النفس، وبلادة الطبع، وبطر الحق، والبغي على أنفسهم وعلى غيرهم، ودناءة نفوسهم.
(ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)، واذكروا -أيها اليهود المعاصرون- إذ قال آباؤكم: يا موسى لا يمكننا أن نستمر على طعام واحد مثل المن والسلوى، وذلك أنهم سئموا من المن والسلوى وملوه، فاشتهوا عليه غيره؛ لأن المواظبة على الطعام الواحد تكون سببًا لنقصان الشهوة، وإنما قالوا على طعام واحد وهما طعامان؛ لأنهم أرادوا بالواحد ما لا يتبدل، ولو كان على مائدة الرجل ألوان عدة يداوم عليها كل يوم لا يبدلها، يقال: لا يأكل فلان إلا طعامًا واحدًا، ويراد بالوحدة نفي التبدل والاختلاف أو أرادوا أنهما ضرب واحد؛ لأنهما معًا من طعام أهل التلذد والتترف، وكانوا من أهل الزراعات، فأرادوا ما ألفوا من البقول والحبوب وغير ذلك.
(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)، الفوم: الخبز، وقيل: هو الحنطة، وقيل: هو الثوم، (ﮯ ﮰ)، إنما طلبوا هذه الأنواع لأنها تعين على تقوية الشهوة أو لأنهم ملوا من البقاء في التيه، فسألوا هذه الأطعمة التي لا توجد إلا في البلاد، وكان غرضهم الوصول إلى البلاد لا تلك الأطعمة57.
وقوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)، أي: الذي هو أخس وأردأ وهو الذي طلبوه، (ﯘ ﯙ ﯚ)، يعني: بالذي هو أشرف وأفضل وهو ما هم فيه، (ﯜ ﯝ)، يعني: إن أبيتم إلا ذلك، فأتوا مصرًا من الأمصار، وقيل: بل هو مصر البلد الذي كانوا فيه، (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)، يعني: من نبات الأرض58.
وقوله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ)، أي: جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم وألزموا الذل والهوان، (ﯦ)، أي: الفقر والفاقة، وسمي الفقير مسكينًا؛ لأن الفقر أسكنه وأقعده عن الحركة، فترى اليهود وإن كانوا أغنياء مياسير كأنهم فقراء، فلا ترى أحدًا من أهل الملل أذل ولا أحرص على المال من اليهود، (ﯧ)، أي: رجعوا ولا يقال: باء، إلا بشر، (ﯨ ﯩ ﯪ)، وغضب الله إرادة الانتقام ممن عصاه (ﯬ)، أي: الغضب، (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ)، أي: بصفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرجم التي في التوراة ويكفرون بالإنجيل والقرآن، (ﯲ ﯳ)، النبي: معناه المخبر من أنبأ ينبئ، وقيل: هو بمعنى الرفيع مأخوذ من النبوة، وهو المكان المرتفع، (ﯴ ﯵ)، أي: بغير جرم59.
ثم قال تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)، أي: إن كفرهم بآيات الله وجرأتهم على النبيين بالقتل، إنما كانا بسبب عصيانهم وتعديهم حدود دينهم، فإن للدين هيبة في النفس تجعل المتدين به يحذر مخالفة أمره، حتى إذا تعدى حدوده مرة ضعف ذلك السلطان الديني في نفسه، وكلما عاد إلى المخالفة كان ضعفه أشد، إلى أن تصير المخالفة طبعًا وعادة، وكأنه ينسى حدود الدين ورسومه، ولا يصبح للدين ذلك الأثر العميق الذي كان متغلغلًا في قرارة نفسه60.
وعبر سبحانه عن عصيانهم بالماضي فقال: (ﯷ ﯸ ﯹ)، للإشارة إلى استقرار العصيان في طبائعهم، وثباته في نفوسهم وجوارحهم.
وعبر عن عدوانهم بالمضارع، للإيذان بأنه مستمر قائم، فهم لم يتركوا نبيًا إلا وآذوه، ولم يتركوا مصلحًا إلا واعتدوا عليه، فاعتداؤهم على المصلحين مستمر في كل زمان ومكان61.
قال محمد رشيد رضا: «قال الأستاذ: ذلك الذل وتلك الخلاقة بالغضب إنما لزماهم؛ لأنهم عصوا الله فيما أمرهم أن يأخذوا به من الأحكام؛ ولأنهم اعتدوا تلك الحدود التي حدها الله لهم في شرائع أنبيائهم، وقد كانت تلك الأحكام والحدود هي الوسيلة لإخراجهم من الذل وتمكين العز والسلطان لهم في الأرض الموعودة؛ لأنها كانت الكافلة بنظامهم، الحافظة لبناء جماعتهم، فإذا أهملوها فسدت ألفتهم، وانهدم بناؤهم، وأسرعت إليهم الذلة التي لم تكن فارقتهم إلا منهزمة من يدي سلطان الشريعة، ولم يكن يصدها عنهم إلا معاقل النظام تحت رعايته، ولزمتهم الذلة والمسكنة بعد هذا لزوم الطابع للمطبوع»62.
٣. الإثم.
من الأخلاق الموجبة لذم الله تعالى لها: الإثم.
قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [المائدة:٦٢-٦٣].
ذم الله تعالى في الآيات اليهود بأنهم يسارعون في الإثم والعدوان، وقوله: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ)، أي: وترى -أيها الرسول الكريم أو أيها السامع- كثيرًا من هؤلاء اليهود، يسارعون في ارتكاب الآثام وفي التعدي والظلم وأكل المال الحرام بدون تردد أو تريث، والتعبير بقوله: (ﮤ)، يفيد أن ارتكابهم لهذه المنكرات لم يكن خافيًا أو مستورًا، وإنما هم يرتكبونها مجاهرة وعلانية، لأن فضيلة الحياء قد نضبت من وجوههم، والمسارعة في الشيء: المبادرة إليه بسرعة وخفة ونشاط، وأكثر استعمالها في الخير، قال تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [المؤمنون:٦١].
وقد استعملت هنا في مسارعتهم في الإثم والعدوان وأكلهم السحت، للإشارة إلى أنهم كانوا يقدمون على هذه المنكرات وكأنهم محقون فيها، والتعدية بحرف في تؤذن بأنهم مغمورون في الآثام، وأنهم يتنقلون فيها من حال إلى حال أخرى شر منها، حتى لكأن السير في طريق الحق والصدق والفضيلة صار غير مألوف عندهم63.
وإسناد هذه الجريمة المزرية إلى الكثيرين منهم دون جميعهم من دقائق تحري الحق في عبارات الكتاب العزيز، فهو لا يحكم على الأمة الكبيرة بفساد جميع أفرادها أو فسقهم أو ظلمهم، بل يسند ذلك إلى الكثير أو الأكثر64.
ولم يكتف بمجرد الإخبار أنهم يفعلون ذلك، حتى أخبر أنهم يسارعون فيه، وهذا يدل على خبثهم وشرهم، وأن أنفسهم مجبولة على حب المعاصي والظلم65.
والإثم: هو كل قول أو عمل لا يرضاه الله تعالى، والعدوان: مجاوزة الحد في الظلم والتعدي. والسحت: هو المال الحرام كالرشوة وغيرها.
ثم بالغ في ذم هذه الأعمال فقال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)، أي: والله ما أقبح هذا العمل الذي يعمله هؤلاء من مسارعتهم في كل ما يفسد الأخلاق، ويدنس النفوس، ويقوض نظم المجتمع، وويل للأمة التي يعيش فيها أمثال هؤلاء66.
وهذه الجملة هي حكم من الله تعالى عليهم بذم أعمالهم، وقد جمع سبحانه في حكمه بين صيغة الماضي (ﮰ)، وصيغة المضارع (ﮱ)، للإشارة إلى أن هذا العمل القبيح كان منهم في الماضي، وأنهم قد استمروا عليه في حاضرهم ومستقبلهم بدون توبة أو ندم، وقد أكد سبحانه هذا الحكم بالقسم، وباللام الموطئة للقسم، وبكلمة (بئس) الدالة على شدة الذم، أي: أقسم لبئس العمل الذي كان هؤلاء يعملونه من مسارعتهم في الإثم والعدوان وأكلهم السحت67.
قال سيد قطب عند تفسير قوله تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [المائدة:٦٢]: «والمسارعة مفاعلة تصور القوم كأنما يتسابقون تسابقًا في الإثم والعدوان، وأكل الحرام. وهي صورة ترسم للتبشيع والتشنيع، ولكنها تصور حالة من حالات النفوس والجماعات حين يستشري فيها الفساد وتسقط القيم ويسيطر الشر.. وإن الإنسان لينظر إلى المجتمعات التي انتهت إلى مثل هذه الحال، فيرى كأنما كل من فيها يتسابقون إلى الشر، إلى الإثم والعدوان، قويهم وضعيفهم سواء، فالإثم والعدوان -في المجتمعات الهابطة الفاسدة- لا يقتصران على الأقوياء، بل يرتكبهما كذلك الضعفاء، فحتى هؤلاء ينساقون في تيار الإثم. وحتى هؤلاء يملكون الاعتداء، إنهم لا يملكون الاعتداء على الأقوياء طبعًا. ولكن يعتدي بعضهم على بعض، ويعتدون على حرمات الله؛ لأنها هي التي تكون في المجتمعات الفاسدة الحمى المستباح الذي لا حارس له من حاكم ولا محكوم، فالإثم والعدوان طابع المجتمع حين يفسد، والمسارعة فيهما عمل هذه المجتمعات! وكذلك كان مجتمع يهود في تلك الأيام، وكذلك أكلهم للحرام، فأكل الحرام كذلك سمة يهود في كل آن!»68.
وقوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)، تحضيض لعلمائهم على النهي عن ذلك، فإن (لولا) إذا دخل على الماضي أفاد التوبيخ وإذا دخل على المستقبل أفاد التحضيض، (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)، أبلغ من قوله: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)، من حيث إن الصنع عمل الإنسان بعد تدرب فيه وتروٍ وتحري إجادة، ولذلك ذم به خواصهم، ولأن ترك الحسبة أقبح من مواقعة المعصية؛ لأن النفس تلتذ بها وتميل إليها، وليس ترك الإنكار عليها كذلك، فكان جديرًا بأبلغ الذم69.
٤. الخيانة.
من الأخلاق الموجبة لذم الله تعالى لها: الخيانة.
قال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ) [النساء:١٠٧-١٠٨].
الخيانة: لغة تدل على الإخلاف والخيبة بنقص ما كان يرجى ويؤمل من الخائن، فقد قالوا: خانه سيفه، إذا نبا عن الضربية، وخانته رجلاه، إذا لم يقدر على المشي70.
وقوله: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ)، لفظ عام يندرج تحته أصحاب النازلة، ويتقرر به توبيخهم71، أي: ولا تخاصم وتدافع عن هؤلاء الذين (ﭞ ﭟ)، أي: يخونونها بشدة وإصرار، إن الله تعالى لا يحب ولا يرضى عمن كانت الخيانة وصفًا من أوصافه، وخلقًا من أخلاقه، وكذلك لا يحب ولا يرضى عمن كان الانهماك في الإثم والمعصية عادة من عاداته72.
وجاء سبحانه بلفظ (ﭞ)، بمعنى يخونون، لقصد وصفهم بالمبالغة في الخيانة؛ لأن مادة الافتعال تدل على التكلف والمحاولة، وجعلت خيانة هؤلاء لغيرهم خيانة لأنفسهم، لأن سوء عاقبة هذه الخيانة سيعود عليهم، ولأن المسلمين جميعًا كالجسد الواحد، فمن تظاهر بأنه منهم ثم خان أحدهم فكأنما خان نفسه، وأوردها موارد البوار والتهلكة باعتدائه على حقوق الجماعة الإسلامية، وزعزعة أمنها واستقرارها73.
وهم خانوا غيرهم في الظاهر، ولكنهم في الحقيقة خانوا أنفسهم، فقد خانوا الجماعة ومنهجها، ومبادئها التي تميزها وتفردها، وخانوا الأمانة الملقاة على الجماعة كلها، وهم منها.. ثم هم يختانون أنفسهم في صورة أخرى، صورة تعريض أنفسهم للإثم الذي يجازون عليه شر الجزاء، حيث يكرههم الله، ويعاقبهم بما أثموا. وهي خيانة للنفس من غير شك.. وصورة ثالثة لخيانتهم لأنفسهم، هي تلويث هذه الأنفس وتدنيسها بالمؤامرة والكذب والخيانة74.
وقوله سبحانه: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)، بصيغة المبالغة لإفادة أن الخيانة والإثم صارا وصفًا ملازمًا لهؤلاء الخائنين الآثمين، أي: أن صيغة المبالغة هنا ليست للتخصيص حتى لا يتوهم متوهم أن الله تعالى يحب من عنده أصل الخيانة والإثم75.
قال سيد قطب عند تفسير قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [النساء:١٠٧].
«وهذه عقوبة أكبر من كل عقوبة.. وهي تلقي إلى جانبها إيحاء آخر. فالذين لا يحبهم الله لا يجوز أن يجادل عنهم أحد، ولا أن يحامي عنهم أحد. وقد كرههم الله للإثم والخيانة! ويعقب الوصف بالإثم والخيانة تصوير منفر لسلوك هؤلاء الخونة الآثمين: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) وهي صورة زرية داعية إلى الاحتقار والسخرية، زرية بما فيها من ضعف والتواء، وهم يبيتون ما يبيتون من الكيد والمؤامرة والخيانة ويستخفون بها عن الناس. والناس لا يملكون لهم نفعًا ولا ضرًا. بينما الذي يملك النفع والضر معهم وهم يبيتون ما يبيتون مطلع عليهم وهم يخفون نياتهم ويستخفون. وهم يزورون من القول ما لا يرضاه! فأي موقف يدعو إلى الزراية والاستهزاء أكثر من هذا الموقف؟ »76.
٥. الكذب.
من الأخلاق الموجبة لذم الله تعالى لها: الكذب.
قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ) [المجادلة:١٤-١٥].
يذم الله تعالى هؤلاء المنافقين بجملة من الصفات القبيحة، التي على رأسها تعمدهم الكذب، وإصرارهم عليه، والكذب: هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه سواء فيه العمد والخطأ، والكذب: الخبر المخالف لما هو حاصل في نفس الأمر من غير نظر إلى كون الخبر موافقًا لاعتقاد المخبر أو هو على خلاف ما يعتقده، ولكنه إذا اجتمع في الخبر المخالفة للواقع والمخالفة لاعتقاد المخبر كان ذلك مذمومًا ومسبة، وإن كان معتقدًا وقوعه لشبهة أو سوء تأمل فهو مذموم، ولكنه لا يحقر المخبر به.
والأكثر في كلام العرب أن يعني بالكذب ما هو مذموم، والكذب خلاف الصدق، وهو جامع لكل الصفات الرديئة77.
وقوله تعالى: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)، استفهام للتعجيب من حال هؤلاء المنافقين، حيث اتخذوا اليهود حلفاء لهم، ينقلون إليهم أسرار المؤمنين، والمراد إنكار الله على المنافقين توليهم القوم الذين غضب الله عليهم، وهم اليهود والكفار، وهذا الإنكار يدل على شدة منع ذلك التولي، والمراد بالقوم الذين غضب الله عليهم: اليهود، ووصفهم بذلك للتنفير منهم، ولبيان أن المنافقين قد بلغوا النهاية في القبح والسوء، حيث والوا وناصروا من غضب الله عليهم، لا من رضي الله عنهم78.
وقوله تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ)، أي: فلا هم بالمؤمنين حقًا بل هم مؤمنون من طرف اللسان مداراة للمؤمنين وخوفًا من بطشهم، ولا هم مع اليهود، لأنهم لا يعتقدون أنهم على الدين الحق، ولكنهم يريدون أن ينتفعوا بما عندهم من عرض الدنيا، وأن يحتفظوا بمودتهم إذا احتاجوا إليها79.
وقوله: (ﮒ ﮓ)، احتراسًا وتتميمًا لحكاية حالهم، وعلى هذا الاحتمال يكون ذم المنافقين أشد؛ لأنه يدل على حماقتهم، إذ جعلوا لهم أولياء من ليسوا على دينهم، فهم لا يوثق بولايتهم وأضمروا بغض المسلمين فلم يصادفوا الدين الحق80.
وقوله تعالى: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ)، أي: أنهم ينقلون إلى اليهود أسرار المؤمنين، مع أنهم لا تربطهم باليهود أية رابطة، لا من دين ولا من نسب، وفضلًا عن كل ذلك، فإن هؤلاء المنافقين يواظبون ويستمرون على الحلف الكاذب المخالف للواقع، والحال أنهم يعلمون أنهم كاذبون علمًا لا يخالطه شك أو ريب81.
وجملة: (ﮔ ﮕ ﮖ)، عطف على (ﮊ)، وجيء به مضارعًا للدلالة على تجدده ولاستحضار الحالة العجيبة في حين حلفهم على الكذب للتنصل مما فعلوه، والكذب الخبر المخالف للواقع، وهي الأخبار التي يخبرون بها عن أنفسهم في نفي ما يصدر منهم في جانب المسلمين82.
وقوله تعالى: (ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)، أي: أرصد الله لهم نكالًا وعذابًا أليمًا جزاء صنيعهم بغش المسلمين واطلاع أعدائهم على أسرارهم ونصحهم لهم83.
وقوله تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [يونس:١٧]، أي: لا أحد أشد ظلمًا عند الله، وأجدر بعقابه وغضبه، ممن افترى عليه الكذب، بأن نسب إليه سبحانه ما هو بريء منه، أو كذب بآياته وحججه التي أنزلها لتأييد رسله84، فأظلم الظالمين من يجرؤ على ركوب هذا المركب المهلك فيتقول على الله، ويفتري الأحاديث عليه.
وأظلم الظالمين من يرى آيات الله، ويستمع إليها، ثم يكذب بها، ويصم أذنيه عنها، ويغلق عقله وقلبه دونها85.
والاستفهام إنكاري، والظلم: هنا بمعنى الاعتداء، وإنما كان أحد الأمرين أشد الظلم؛ لأنه اعتداء على الخالق بالكذب عليه وبتكذيب آياته86.
وإنما كانوا أشد الظالمين ظلمًا؛ لأن الظلم الاعتداء على أحد بمنعه من حقه وأشد من المنع أن يمنعه مستحقه ويعطيه من لا يستحقه، وأن يلصق بأحد ما هو بريء منه، وتقييد الافتراء بالحال الموكدة في قوله كذبًا لزيادة تفظيع الافتراء؛ لأن اسم الكذب مشتهر القبح في عرف الناس، وإنما اختير الافتراء للدلالة على أنهم يتعمدون الاختلاق تعمدًا لا تخالطه شبهة. وتقييد تكذيبهم بالحق بقوله لما جاءه لإدماج ذم المكذبين بنكران نعمة إرسال الحق إليهم التي لم يقدروها قدرها، وكان شأن العقلاء أن يتطلبوا الحق ويرحلوا في طلبه، وهؤلاء جاءهم الحق بين أيديهم فكذبوا به، وأيضًا فإن (لما) التوقيتية تؤذن بأن تكذيبهم حصل بدارًا عند مجيء الحق، أي: دون أن يتركوا لأنفسهم مهلة النظر87.
وقوله تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ)، تذييل قصد به التهديد والوعيد، أي: إن حال وشأن هؤلاء المجرمين، أنهم لا يفلحون، ولا يصلون إلى ما يبغون ويريدون88.
٦. العناد.
من الأخلاق الموجبة لذم الله تعالى لها: العناد.
قال تعالى: (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الأعراف:١٣٢-١٣٣].
ذم الله تعالى قوم فرعون بسبب عنادهم وعتوهم، للحق وإصرارهم على الباطل، (ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)، أي: إنك إن جئتنا بكل نوع من أنواع الآيات التي يستدل بها على أنك محق في دعوتك، لأجل أن تسحرنا بها وتصرفنا بها بدقة ولطف عما نحن فيه من ديننا ومن تسخيرنا لقومك في خدمتنا، فما نحن بمصدقين لك ولا بمتبعين رسالتك89.
وجملة: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)، مفيدة المبالغة في القطع بانتفاء إيمانهم بموسى؛ لأنهم جاءوا في كلامهم بما حوته الجملة الاسمية التي حكته من الدلالة على ثبوت هذا الانتفاء ودوامه، وبما تفيده الباء من توكيد النفي، وما يفيده تقديم متعلق (مؤمنين) من اهتمامهم بموسى في تعليق الإيمان به المنفي باسمه، ومنطقهم هذا يدل على منتهى العناد والجحود، فهم قد صاروا في حالة نفسية لا يجدي معها دليل ولا ينفع فيها إقناع، لأنهم قد أعلنوا الإصرار على التكذيب حتى ولو أتاهم نبيهم بألف دليل ودليل، وهكذا شأن الجبارين الذين قست قلوبهم، ومسخت نفوسهم90.
ثم أخبر تعالى ما حل بهؤلاء الفجرة من عقوبات جزاء عتوهم وعنادهم فقال: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)، والفاء في قوله: (ﭷ)، لتفريع إصابتهم بهذه المصائب على عتوهم وعنادهم91، أي: فأرسلنا عليهم عقوبة على جرائمهم تلك المصايب والنكبات، وهي آيات بينات على صدق رسالة موسى، إذ قد توعدهم بوقوع كل واحدة منها على وجه التفصيل، لتكون دلالتها على صدقه واضحة لا تحتمل تأويلًا بأنها وقعت لأسباب لا ارتباط لها برسالته، فاستكبروا عن الإيمان بها لرسوخهم في الإجرام والإصرار على الذنوب وإن كانوا يعتقدون صدق دعوته وصحة رسالته92.
ثم بين صنوف العذاب، ومنها الطوفان: وهو ما طاف بهم وغشى أماكنهم وحروثهم من مطر أو سيل، فهو اسم جنس من الطواف.
وقيل: إنه في الأصل مصدر، وهو اسم لكل شيء حادث يحيط بالجهات ويعم؛ كالماء الكثير، والقتل الذريع، والموت الجارف، وقد اشتهر في طوفان الماء.
وقيل: الموت، وقيل: هو الطاعون.
ثم أرسل عليهم الجراد، وهو جند من جنود الله تعالى يسلطه على من يشاء من عباده، فأكل زرعهم وثمارهم وثيابهم وسقوف دورهم، ولم يدخل دور بني إسرائيل.
فضجوا إلى موسى وفزعوا لشدة ما حل بهم، وأعطوه العهود والمواثيق بأنه إذا كشف عنهم هذا الضر يؤمنون به ويرسلون معه بني إسرائيل، فدعا ربه فكشفه بعد أن دام سبعة أيام، وقبل أن يقضي على البقية الباقية من مواشيهم.
فلما كشف عنهم، قالوا: بقي لدينا ما يكفينا، ما نحن بتاركي ديننا من أجلك، ونكثوا عهودهم، فدعا عليهم فأرسل الله عذابًا سابعًا ذكره بقوله: (ﭻ).
فملأ طعامهم وشرابهم وآلمهم بقرحة وأكل منهم شعور رؤسهم وأهدابهم وحواجبهم، ولم يصب بني إسرائيل شيء منه، فاشتد عليهم البلاء أكثر من ذي قبل، فعجوا إلى موسى واستغاثوا به ووثقوا إليه العهود وعظموا له الايمان بأنه إذا كشف عنهم هذه المرة يؤمنون ولا يعودون إلى الكفر ويرسلون معه بني إسرائيل، وذلك بعد أن دام عليهم سبعة أيام أيضًا، فرق لهم موسى ورحمهم ودعا ربه، فكشف عنهم، فلم يبق منه واحدة، فقالوا: ما كنا نوقن أنه ساحر مثل اليوم!
كيف ذهب ما كنا نراه بكلمة واحدة، ونكثوا عهدهم، ونقضوا أيمانهم، فدعا عليهم، فأرسل عذابًا ثامنًا بينه بقوله: (ﭼ).
وهكذا توالت الآيات حتى بلغت تسعًا، وكلما كشف عنهم عادوا إلى سابق عهدهم من الكفر والضلال، وسمى الله تعالى هذا العذاب الذي أرسله على بني إسرائيل آيات؛ لأنها دلائل على صدق موسى؛ لاقترانها بالتحدي، ولأنها دلائل على غضب الله عليهم لتظافرها عليهم حين صمموا على الكفر والعناد، و(ﭿ) وصف لآيات.
فيكون مرادًا منه معنى الفصل المجازي وهو إزالة اللبس؛ لأن ذلك هو الأنسب بالآيات والدلائل، أي: هي آيات لا شبهة في كونها كذلك لمن نظر نظر اعتبار.
وقيل: المراد أنها مفصول بعضها عن بعض في الزمان، أي: لم تحدث كلها في وقت واحد، بل حدث بعضها بعد بعض.
وعلى هذا فصيغة التفعيل للدلالة على تراخي المدة بين الواحدة والأخرى.
ويجيء على هذا أن العذاب كان أشد وأطول زمنًا، كما دل عليه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [الزخرف:٤٨].
وعلى هذا الوجه فالأنسب أن يجعل (ﭿ) حالًا ثانية من الطوفان والجراد، وأن لا يجعل صفة لآيات، ثم أخبر الله تعالى أن هذه الآيات لم تنفع فيهم وأنها لم تزدهم إلا كبرًا وعتوًا وبعدًا عن الحق.
والفاء في قوله تعالى: (ﮀ)، للتفريع والترتيب، أي: فتفرع على إرسال الطوفان وما بعده استكبارهم، كما تفرع على أخذهم بالسنين غرورهم بأن ذلك من شؤم موسى ومن معه، فعلم أن من طبع تفكيرهم فساد الوضع، وهو انتزاع المدلولات من أضداد أدلتها، وذلك دليل على انغماسهم في الضلالة والخذلان، وبعدهم عن السعادة والتوفيق، فلا يزالون مورطين في وحل الشقاوة، فالاستكبار: شدة التكبر كما دلت عليه السين والتاء، أي: عد أنفسهم كبراء، أي: تعاظمهم عن التصديق بموسى وإبطال دينهم إذ أعرضوا عن التصديق بتلك الآيات المفصلات.
وقوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ) [الأعراف:١٣٣]، معطوفة على جملة (ﮀ)، فالمعنى: فاستكبروا عن الاعتراف بدلالة تلك الآيات وأجرموا، وإنما صيغ الخبر عن إجرامهم بصيغة الجملة الاسمية للدلالة على ثبات وصف الإجرام فيهم، وتمكنه منهم، ورسوخه فيهم من قبل حدوث الاستكبار، وفي ذلك تنبيه على أن وصف الإجرام الراسخ فيهم هو علة للاستكبار الصادر منهم، فـ (كان) دالة على استمرار الخبر وهو وصف الإجرام.
وهذه الآيات التي أرسلها الله تعالى على فرعون وقومه كانت متعلقة بالزرع وآفاته، وهم أهل زرع وضرع من أقدم العصور93.
ومن صفات الذم عنادهم وتكبرهم عن اتباع الحق والرضى بالكفر، كقوله تعالى: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ) [النساء:٤٦].
قال القرطبي: «وذمهم الله تعالى بذلك لانهم يفعلونه متعمدين»94.
٧. الغرور.
من الأخلاق الموجبة لذم الله تعالى لها: الغرور.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [آل عمران:٢٣-٢٤].
يخبر تعالى عن حال أهل الكتاب الذين أنعم الله عليهم بكتابه، فكان يجب أن يكونوا أقوم الناس به وأسرعهم انقيادًا لأحكامه، فأخبر الله عنهم أنهم إذا دعوا إلى حكم الكتاب تولى فريق منهم وهم يعرضون، تولوا بأبدانهم، وأعرضوا بقلوبهم، وهذا غاية الذم، وفي ضمنها التحذير لنا أن نفعل كفعلهم، فيصيبنا من الذم والعقاب ما أصابهم، بل الواجب على كل أحد إذا دعي إلى كتاب الله أن يسمع ويطيع وينقاد95.
ثم ذكر السبب الذي غر أهل الكتاب بتجرئهم على معاصي الله، وهو قولهم: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ)، افتروا هذا القول فظنوه حقيقة، فعملوا على ذلك ولم ينزجروا عن المحارم، لأن أنفسهم منتهم وغرتهم أن مآلهم إلى الجنة، وكذبوا في ذلك، فإن هذا مجرد كذب وافتراء، وإنما مآلهم شر مآل، وعاقبتهم عاقبة وخيمة96.
والغرور: هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى، ويميل إليه الطبع، والغرور: هو كل ما يغر الإنسان ويخدعه من مال أو جاه أو شهوة أو غير ذلك من الأشياء التي تغر الإنسان وتخدعه وتجعله غافلًا عن اتباع الحق97.
وذم الله تعالى الغرور في الدين والجنس.
قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [النساء:٤٩-٥٠].
ويذم الله تعالى الغرور، كما قال تعالى: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ)، أي: انظر واعجب من الذين يدعون أنهم أزكياء بررة عند الله، مع ما هم عليه من الكفر وعظيم الذنب، زعمًا منهم أن الله يكفر لهم ذنوبهم التي عملوها، والله لا يغفر لكافر شيئًا من كفره ومعاصيه98.
وقد رد الله عليهم دعواهم الزكاة والطهارة فقال: (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ)، أي: لا عبرة بتزكيتكم أنفسكم بأن تقولوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وبأنكم لا تعذبون في النار، لأنكم شعب الله المختار، وتتفاخروا بنسبكم وبدينكم، بل الله يزكى من يشاء من عباده، من أي شعب كان، ومن أي قبيلة كانت، فيهديهم إلى صحيح العقائد، وفاضل الآداب، وصالح الأعمال.
وقوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ)، أي: ولا ينقص الله هؤلاء الذين يزكون أنفسهم شيئًا من الجزاء على أعمالهم99.
وقوله تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)، أي: انظر كيف يكذبون على الله بتزكية أنفسهم وزعمهم أن الله يعاملهم معاملة خاصة بهم، لا كما يعامل سائر عباده.
وقوله تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)، أي: إن تزكية النفس، والغرور بالدين والجنس، مما يبطئ عن نافع العمل الذي يثاب عليه الناس، وكفى بهذا إثمًا ظاهرًا، لأنه لا أثر له من حق، ولا سمة عليه من صواب، فالله لا يعامل شعبًا معاملة خاصة تغاير سننه التي وضعها في الخليقة، وما مصدر هذه الدعوى إلا الغرور والجهل، وكفى بذلك شرًا مستطيرًا100.
٨. الاستكبار.
من الأخلاق الموجبة لذم الله تعالى لها: الاستكبار.
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [الزمر:٧٢].
ذم الله تعالى المتكبرين بسوء العاقبة، والاستكبار: طلب العبد كبر الشأن بتصغير غيره، وهي صفة ذم101.
وقوله: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ)، أي: كل من رآهم وعلم حالهم يشهد عليهم بأنهم مستحقون للعذاب؛ ولهذا لم يسند هذا القول إلى قائل معين، بل أطلقه ليدل على أن الكون شاهد عليهم بأنهم مستحقون ما هم فيه بما حكم العدل الخبير عليهم به، (ﮬ ﮭ )، أي: ماكثين فيها لا خروج لكم منها، ولا زوال لكم عنها، (ﮯ ﮰ ﮱ)، أي: فبئس المصير وبئس المقيل لكم، بسبب تكبركم في الدنيا، وإبائكم عن اتباع الحق، فهو الذي صيركم إلى ما أنتم فيه، فبئس الحال وبئس المآل102.
وقال سبحانه: (ﮯ ﮰ ﮱ)، ولم يقل: فبئس مدخل المتكبرين، للإشارة إلى خلودهم في جهنم، إذ الثواء معناه: الإقامة الدائمة، مأخوذ من ثوى فلان بالمكان إذا أقام به إقامة دائمة103.
وجاء ذم التكبر في آيات أخر، قال تعالى: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [النحل:٢٩].
وقال جل وعلا: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الزمر:٦٠].
وأخبر سبحانه: أن أهل الكبر والتجبر هم الذين طبع الله على قلوبهم، فقال جل في علاه: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) [غافر:٣٥]104.
ثالثًا: الصفات الخلقية المذمومة في القرآن:
من أسباب الذم عند الناس في القرآن الكريم الصفات الخلقية.
قال تعالى: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ) [الزخرف:٥٢-٥٣].
يقول تعالى مخبرًا عن فرعون وتمرده وعتوه وكفره وعناده: أنه جمع قومه، فنادى فيهم متبجحًا مفتخرًا بملك مصر وتصرفه فيها: (ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ)، وأم هنا للإضراب على تلك المشاعر التي يراها فرعون تتحرك في صدور قومه، من استخفاف به، وإكبار لموسى.
فهو يقول لهم: لا تظنوا هذه الظنون بموسى، ولا تجعلوه معي على كفة ميزان، إنه ليس مثلي، ولا خيرا مني، بل أنا خير من هذا الذي هو مهين، لا ملك معه، ولا سلطان له، ولا منطق مستقيم على لسانه105.
والمعنى: بل أنا ولا شك خير -بما لي من السعة في المال والجاه والملك العريض- من هذا المهين الحقير الذي لا يكاد يفصح عما يريد، إذ كان في لسانه حبسة في صغره فعابه بها، وهو لا يعلم أن الله استجاب سؤله حين قال: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [طه:٢٧-٢٨].
فحل عقدة لسانه كما جاء في قوله: (ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ) [طه:٣٦]106.
ومقصوده: تصغير شأن موسى في نفوسهم بأشياء هي عوارض ليست مؤثرة، انتقل من تعظيم شأن نفسه إلى إظهار البون بينه وبين موسى الذي جاء يحقر دينه وعبادة قومه إياه، والمهين: الذليل الضعيف، أراد أنه غريب ليس من أهل بيوت الشرف في مصر وليس له أهل يعتز بهم، ولعل فرعون قال ذلك لما يعلم من حال موسى قبل أن يرسله الله حين كان في بيت فرعون، فذكر ذلك من حاله ليذكر الناس بأمر قديم107.
قال ابن كثير: «وهذا الذي قاله فرعون لعنه الله كذب واختلاق، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد، وهو ينظر إلى موسى، عليه السلام، بعين كافرة شقية، وقد كان موسى عليه السلام، من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة تبهر أبصار ذوي الأبصار والألباب، وقوله: (ﮎ)، كذب، بل هو المهين الحقير خلقة وخلقًا ودينًا، وموسى عليه السلام هو الشريف الرئيس الصادق البار»108.
رابعًا: سوء العاقبة:
من أسباب الذم في القرآن الكريم: سوء العاقبة.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ) [التوبة:٧٣].
وقال سبحانه: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ)[إبراهيم:٢٨-٢٩].
ذم الله تعالى الكفار والمنافقين بسوء العاقبة، وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ) أي: ابذل أيها النبي جهدك في مقاومة هاتين الطائفتين اللتين تعيشان بين ظهرانيك بمثل ما يبذلان من جهد في عداوتك، وعاملهما بالغلظة والشدة التي توافق سوء حالهما109.
وقرن المنافقون هنا بالكفار: تنبيهًا على أن سبب الأمر بجهاد الكفار قد تحقق في المنافقين، فجهادهم كجهاد الكفار، وإلقاء الرعب في قلوبهم، فإن كل واحد منهم يخشى أن يظهر أمره فيعامل معاملة الكفار المحاربين فيكون ذلك خاضدًا شوكتهم110.
وقوله تعالى: (ﭖ ﭗ )، من الغلظة التي هي نقيض الرقة والرأفة، يقال: أغلظ فلان في الأمر إذا اشتد فيه ولم يترفق111.
وإنما وجه هذا الأمر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لأنه جبل على الرحمة، فأمر بأن يتخلى عن جبلته في حق الكفار والمنافقين وأن لا يغضي عنهم كما كان شأنه من قبل112.
وقوله تعالى: (ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ)، تذييل قصد به بيان سوء مصيرهم في الآخرة بعد بيان ما يجب على المؤمنين نحوهم في الدنيا، أي: عليك -أيها النبي- أن تجاهدهم وأن تغلظ عليهم في الدنيا، أما في الآخرة فإن جهنم هي دارهم وقرارهم، والمخصوص بالذم محذوف، والتقدير: وبئس المصير مصيرهم، فانه لا مصير أسوأ من الخلود في جهنم.
ومن هذه الآية الكريمة نرى أن على المؤمنين -في كل زمان ومكان- أن يجاهدوا أعداءهم من الكفار والمنافقين بالسلاح الذي يرونه كفيلًا بأن يجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى113.
وقوله سبحانه: (ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)، الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للخطاب، والاستفهام للتعجيب من أحوالهم الذميمة، و(بدلوا) من التبديل بمعنى التغيير والتحويل، والمراد به: وضع الشيء في غير وضعه ومقابلة نعم الله بالجحود وعدم الشكر، ونعمة الله التي بدلوها، تشمل كفرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله تعالى لإخراجهم من الظلمات إلى النور، كما تشمل إكرام الله لهم -أي: أهل مكة- بأن جعلهم في حرم آمن، وجعلهم سدنة بيته، ولكنهم لم يشكروا الله على هذه النعم، بل أشركوا معه في العبادة آلهة أخرى.
ثم بين رذيلة أخرى من رذائلهم، فقال: (ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)، والمراد بقومهم: أتباعهم وشركاؤهم في الكفر والعناد حتى ماتوا على ذلك، والبوار: الهلاك والخسران، ويطلق أيضًا على الكساد، يقال: بار المتاع بوارًا، إذا كسد، إذ الكاسد في حكم الهالك114.
(ﮐ ﮑ)، أي: جهنم يصلون حرها وسعيرها، (ﮓ ﮔ)قرارهم فيها، والمخصوص بالذم محذوف، أي: بئس القرار هي، أي: جهنم. وفيه إشارة إلى أن حلولهم فيها كائن على وجه الدوام والاستمرار115.
لقد ذم القرآن الكريم الذين خالفوا ما شرعه الله من أمور دينهم ودنياهم سواءً كانوا أفردًا أو أممًا أو مللًا، وبيان ذلك في النقاط الآتية:
أولًا: أفراد ذمها الله تعالى:
ذم القرآن الكريم أفرادًا؛ كالشيطان والنمرود وفرعون وهامان وقارون ويأجوج ومأجوج وامرأة لوط وامرأة نوح، وبيان ذلك كما يأتي:
١. الشيطان.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ) [النور:٢١].
ذم القرآن الكريم الشيطان في مواضع كثيرة، وورد لفظ (الشيطان) في (ثمانٍ وستين) آيةً116.
وحذرت الآية المؤمنين من الشيطان وخطر اتباعه، وأن يستجيبوا له فيما يدعوهم إليه، فإن دعوته لا تكون إلا إلى شر.
(ﭒ ﭓ ﭔ)، بدء الخطاب بالنداء المؤكد للمؤمنين بـ (أيها) لتنبيه المخاطبين على أنما بعده أمر خطير، يستدعي مزيد العناية والاهتمام بشأنه، ووصفهم بالإيمان لتنشيطهم والإيذان بأنه داع للمحافظة عليه، ووازع عن الإخلال به117.
وإنها لصورة مستنكرة أن يخطو الشيطان فيتبع المؤمنون خطاه، وهم أجدر الناس أن ينفروا من الشيطان وأن يسلكوا طريقًا غير طريقة المشئوم! صورة مستنكرة ينفر منها طبع المؤمن، ويرتجف لها وجدانه، ويقشعر لها خياله! ورسم هذه الصورة ومواجهة المؤمنين بها يثير في نفوسهم اليقظة والحذر والحساسية118.
وقوله تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ)، أي: لا تسلكوا مسالكه في كل ما تأتون وتذرون من الأفاعيل، والتي من جملتها: منع الإحسان إلى من أساء إليكم غضبًا وحميةً، وخطوات جمع خطوة، وهي ما بين القدمين في المشي، فكأن المعنى: لا تمشوا في سبله وطرقه من الأفعال الخبيثة، فشبه حال فاعلها في كونه متلبسًا بوسوسة الشيطان، بهيئة الشيطان يمشي، والعامل بأمره يتبع خطى ذلك الشيطان.
وقوله تعالى: (ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)، تمثيلٌ مبني على تشبيه حالة محسوسة بحالة معقولة، إذ لا يعرف السامعون للشيطان خطوات حتى ينهوا على اتباعها119.
والشيطان النون فيه أصلية، وهو من: شطن أي: تباعد، وقيل: بل النون فيه زائدة، من: شاط يشيط: احترق غضبًا، فالشيطان مخلوق من النار، كما دل عليه قوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الرحمن:١٥].
ولكونه من ذلك اختص بفرط القوة الغضبية والحمية الذميمة، وامتنع من السجود لآدم، وقيل: الشيطان اسم لكل عارم من الجن والإنس والحيوانات120.
وقوله تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)، وضع الظاهر موضع المضمر، حيث لم يقل: ومن يتبعها، أو: ومن يتبع خطواته؛ لزيادة التقرير والمبالغة في الذم والتنفير من خطوات الشيطان وأساليبه، وهذا من أبلغ الذم121.
(ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ)، والفحشاء: ما أفرط قبحه، والمنكر: ما تنكره النفوس فتنفر عنه ولا ترتضيه122.
وقوله تعالى: (ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ)، أي: لولا فضله بأن هداكم إلى الخير ورحمته بالمغفرة عند التوبة ما كان أحد من الناس زاكيًا؛ لأن فتنة الشيطان فتنة عظيمة لا يكاد يسلم منها الناس لولا إرشاد الدين، قال تعالى حكاية عن الشيطان، (ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ) [ص:٨٢]123.
وقوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ)، ممن سبقت له السعادة وكان عمله الصالح أمارة على سبق السعادة له، (ﭴ ﭵ)، لجميع أقوالهم وكلامهم من قذف وغيره، (ﭶ)، بحق ذلك من باطله، لا يجوز عليه في ذلك وهم ولا غلط124.
٢. النمرود.
ذم القرآن الكريم النمرود بن كنعان الذي غره ملكه وسلطانه.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ) [البقرة:٢٥٨].
بينت الآية الصفات الذميمة التي حملت هذا الذي جادل إبراهيم عليه السلام في ربه، وجرأته على الإقدام على هذا الغلط العظيم في الجدال والذي سهله له كبره وإعجابه بنفسه، (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)، ألف (ﭭ)، استفهام، وفيها معنى التعجب والتنبيه على ما يتعجب منه125.
و(ﭯ)، جاءت هنا لتدل على أنه أمر بلغ من العجب غاية بعيدة، وهو بالفعل قد بلغ من العجب غاية بعيدة، والحق سبحانه وتعالى لم يقل لنا من هو ذلك الإنسان الذي حاج إبراهيم في ربه، لأنه لا يعنينا التشخيص سواءً كان النمروذ أو غيره126.
وذمه بأن سبب هذا الجدال: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)، أي: أبطره إيتاء الملك وحمله على المحاجة وأورثه الكبر، فحاج لذلك، أو حاجه لأجله، وضعًا للمحاجة التي هي أقبح وجوه الكفر موضع ما يجب عليه الشكر، وهي من الصفات الذميمة127.
فقال إبراهيم عليه السلام: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)، وهذه هي براعة القرآن في أن يترك الشيء ثقة بأن السامع يرد كل شيء إلى أصله، فقوله الحق: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)، فكأن الذي حاج إبراهيم سأله: من ربك؟ فقال إبراهيم: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) 128.
وعبر بالمضارع في قوله: (ﭾ ﭿ)، لإفادة معنى التجدد والحدوث الذي يرى ويحس بين وقت وآخر، أي: ربي هو الذي يحيى الناس ويميتهم، كما ترى ذلك مشاهدًا في كثير من الأوقات، فمن الواجب عليك أن تخصه بالعبادة والخضوع وأن تقلع عما أنت فيه من كفر وطغيان وضلال129.
ثم ذكر جواب النمرود، (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ)، أي: أنا أحيي من حكم عليه بالإعدام بالعفو عنه، وأميت من شئت إماتته بالأمر بقتله، وهذا الإنكار من ذلك الملك الجبار يدل على أنه لم يفهم قول إبراهيم عليه السلام، فإن الحياة في جوابه بمعنى إنشاء الحياة في جميع العوالم الحية من نبات وحيوان وغيرها، وإزالة الحياة بالموت، وفي جواب نمروذ بمعنى أنه يكون سببًا في الإحياء والإماتة، من أجل هذا أوضح إبراهيم جوابه كما حكى سبحانه عنه130.
وقوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)، أعرض إبراهيم عليه السلام عن الاعتراض على معارضته الفاسدة إلى الاحتجاج بما لا يقدر فيه على نحو هذا التمويه دفعًا للمشاغبة، وهو في الحقيقة عدول عن مثال خفي إلى مثال جلي من مقدوراته التي يعجز عن الإتيان بها غيره، لا عن حجة إلى أخرى، ولعل نمروذ زعم أنه يقدر أن يفعل كل جنس يفعله الله فنقضه إبراهيم بذلك، وإنما حمله عليه بطر الملك وحماقته، أو اعتقاد الحلول.
وقيل: لما كسر إبراهيم عليه السلام الأصنام سجنه أيامًا ثم أخرجه ليحرقه، فقال له: من ربك الذي تدعو إليه؟ وحاجه فيه، (ﮑ ﮒ ﮓ)، فصار مبهوتًا، وقرئ (ﮑ)، أي: فغلب إبراهيم عليه السلام الكافر، (ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ)، الذين ظلموا أنفسهم بالامتناع عن قبول الهداية.
وقيل: لا يهديهم محجة الاحتجاج أو سبيل النجاة، أو طريق الجنة يوم القيامة131.
٣. فرعون.
ذم القرآن الكريم فرعون عن إضلاله قومه عن دين الهدى.
قال تعالى: (ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [طه:٧٩].
بينت الآية الصفات الذميمة لفرعون، وأنه كان سببًا في ضلال قومه، (ﭭ ﭮ ﭯ)، والإضلال: الإيقاع في الضلال، وهو خطأ الطريق الموصل، ويستعمل بكثرة في معنى الجهالة وعمل ما فيه ضر، وهو المراد هنا، والمعنى: أن فرعون أوقع قومه في الجهالة وسوء العاقبة بما بث فيهم من قلب الحقائق والجهل المركب، فلم يصادفوا السداد في أعمالهم حتى كانت خاتمتها وقوعهم غرقى في البحر بعناده في تكذيب دعوة موسى عليه السلام132.
وقوله تعالى: (ﭰ ﭱ )، أي: ما أرشدهم قط إلى طريق موصلٍ إلى مطلب من المطالب الدينية والدنيوية تقريرٌ لإضلاله وتأكيدٌ له إذ رب مضلٍ قد يرشد من يضله إلى بعض مطالبه، وفيه نوع تهكمٍ به، وتكذيب له في قوله: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [غافر:٢٩].
فإن نفي الهداية عن شخص مشعرٌ بكونه ممن يتصور منه الهداية في الجملة، وذلك إنما يتصور في حقه بطريق التهكم، وحمل الإضلال والهداية على ما يختص بالديني منهما يأباه مقام بيان سوقه بجنوده إلى مساق الهلاك الدنيوي، وجعلهما عبارةً عن الإضلال في البحر والإنجاء منه مما لا يقبله العقل السليم133.
وذم الله تعالى فرعون بسوء العاقبة.
قال تعالى: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [هود:٩٦-٩٩].
٤. هامان.
قال تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [القصص:٨].
ذمت الآية هامان في الاقتران الجماعي، حيث اقترن ذكره مع شخصيات مذمومة، وخص تعالى هامان بالذكر تنبيهًا على مكانه من الكفر، ولكونه أشهر رجال فرعون، وكان وزيره المدبر لمكائده، المعين له على ظلمه وبطشه 134.
وقوله تعالى: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ)، تعليل لالتقاطهم موسى عليه السلام بما هو عاقبته ومؤداه تشبيهًا له بالغرض الحامل عليه، (ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ)، في كل شيء، فليس ببدع منهم أن قتلوا ألوفًا لأجله، ثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون، أو مذنبين فعاقبهم الله تعالى بأن ربى عدوهم على أيديهم، فالجملة اعتراض لتأكيد خطئهم أو لبيان الموجب لما ابتلوا به135.
وجاء ذم هامان مقترنًا بشخصيات مذمومة في قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [العنكبوت:٣٩]، وقوله سبحانه: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [غافر:٢٣-٢٤].
في الآيات ذم لهامان باقترانه بشخصيات مذمومة، وبسوء عاقبته، وتكبره.
وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ)، أي: وأهلكنا أيضًا قارون صاحب الأموال الطائلة والكنوز الكثيرة، وفرعون ملك الملوك في عصره ومصره ووزيره هامان، ولقد جاءهم موسى بآيات بينات تدل على صدق رسالته، فاستكبروا في الأرض وأبوا أن يصدقوه وأن يؤمنوا به، وما كانوا فائتين الله ولا هاربين من عقابه، بل هو قادر عليهم وآخذهم أخذ عزيز مقتدر136.
وقوله تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ)، ذم لهم لأنهم كفروا عن عناد وكبرياء لا عن جهل وغلواء، والاستكبار: شدة الكبر، واستكبر: يعني افتعل الكبر، فلم يقل: تكبر، إنما استكبر كأنه في ذاته ما كان ينبغي له أن يستكبر؛ لأن الذي يتكبر بشيء ذاتي فيه، إنما بشيء موهوب؟ لأنه قد يسلب منه فكيف يتكبر به؟137.
وتعليق قوله: (ﭚ ﭛ)، بـ(ﭙ)، للإشعار بأن استكبار كل منهم كان في جميع البلاد التي هو منها، فيومئ ذلك أن كل واحد من هؤلاء كان سيدًا مطاعًا في الأرض فالتعريف في الأرض للعهد، فيصح أن يكون المعهود هو أرض كل منهم، أو أن يكون المعهود الكرة الأرضية، مبالغة في انتشار استكبار كل منهم في البلاد حتى كأنه يعم الدنيا كلها، ومعنى السبق في قوله: (ﭜ ﭝ ﭞ)، الانفلات من تصريف الحكم فيهم138.
٥. قارون.
ذم القرآن الكريم قارون، بطغيان المال والتكبر، والتمرد على أمر الله.
قال تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [القصص:٧٦].
بينت الآية الصفات الذميمة لقارون وسوء عاقبته، وقوله: (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ)، أي: من بني إسرائيل، وكان ابن عم موسى عليه السلام، وكان ممن آمن به، (ﮭ ﮮ)، أي: تجاوز الحد في احتقارهم، والقرابة كثيرًا ما تدعو إلى البغي139.
والبغي: الاعتداء، والاعتداء على الأمة الاستخفاف بحقوقها، وأول ذلك خرق شريعتها140.
ولم يذكر فيم كان البغي، ليدعه مجهلًا يشمل شتى الصور، فربما بغى عليهم بظلمهم وغصبهم أرضهم وأشياءهم -كما يصنع طغاة المال في كثير من الأحيان- وربما بغى عليهم بحرمانهم حقهم في ذلك المال، حق الفقراء في أموال الأغنياء، فتفسد القلوب، وتفسد الحياة، وربما بغى عليهم بهذه وبغيرها من الأسباب141.
وذكر سبب هذا البغي وهو الثراء، (ﮰ ﮱ ﯓ)، من الأموال المدخرة، (ﯔ ﯕ ﯖ)، مفاتيح صناديقه، جمع مفتح بالكسر، وهو ما يفتح به.
وقيل: خزائنه، وقياس واحدها المفتاح.
(ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)، خبر إن والجملة صلة ما وهو ثاني مفعولي آتى، وناء به الحمل إذا أثقله حتى أماله، والعصبة والعصابة الجماعة الكثيرة، (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ)، لا تبطر، والفرح بالدنيا مذموم مطلقًا؛ لأنه نتيجة حبها والرضا بها والذهول عن ذهابها، فإن العلم بأن ما فيها من اللذة مفارقه لا محالة يوجب الترح142.
(ﯟ ﯠ )، فرح الزهو المنبعث من الاعتزاز بالمال، والاحتفال بالثراء، والتعلق بالكنوز، والابتهاج بالملك والاستحواذ، لا تفرح فرح البطر الذي ينسي المنعم بالمال وينسي نعمته، وما يجب لها من الحمد والشكران، لا تفرح فرح الذي يستخفه المال، فيشغل به قلبه، ويطير له لبه، ويتطاول به على العباد.
وعلل النهي ها هنا بكونه مانعًا من محبة الله تعالى فقال: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)، أي: بزخارف الدنيا، (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)، بصرفه فيما يوجبها لك فإن المقصود منه أن يكون وصلة إليها، (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ)، وهو أن تحصل بها آخرتك وتأخذ منها ما يكفيك، وفي هذا يتمثل اعتدال المنهج الإلهي القويم، المنهج الذي يعلق قلب واجد المال بالآخرة، ولا يحرمه أن يأخذ بقسط من المتاع في هذه الحياة، بل يحضه على هذا ويكلفه إياه تكليفًا، كي لا يتزهد الزهد الذي يهمل الحياة ويضعفها143.
(ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ)، فيما أنعم الله عليك، وقيل: أحسن بالشكر والطاعة كما أحسن إليك بالإنعام، (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ)، بأمر يكون علة للظلم والبغي، نهي له عما كان عليه من الظلم والبغي، (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) لسوء أفعالهم.
٦. امرأة لوط.
ذم القرآن الكريم امرأة لوط عليه السلام.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [الصافات:١٣٣-١٣٥].
بينت الآية الصفات الذميمة لامرأة لوط عليه السلام بسوء عاقبتها القبيحة.
وقوله تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ)، أي: وإن لوطًا عليه السلام (ﭰ ﭱ)، الذين أرسلناهم لهداية الناس، وقد أرسل الله تعالى لوطًا إلى قرية سدوم -من قرى الشام- وكان أهلها يعبدون الأصنام ويرتكبون الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من العالمين144.
وقوله تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)، الظرف «إذ» هو قيد لنجاة لوط وأهله بسبب أنه كان من المرسلين، الذين اختارهم الله لحمل رسالته إلى عباده145.
وقوله تعالى: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ)، إشارة إلى امرأة لوط، التي كانت من الضالين، الذين لم يستجيبوا لدعوته، وكانت تفشي أسرار زوجها، فأهلكها الله فيمن أهلك من قوم لوط، وقد ضربها الله سبحانه وتعالى مثلًا لنبتة السوء تنبت في الأرض الطيبة.
فقال تعالى فيها وفي امرأة نوح: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التحريم:١٠].
فبين أنها خائنة، وأنها من أهل النار، وأنها واقعة فيما أصاب قومها من الهلاك146.
٧. امرأة نوح.
ذم القرآن الكريم امرأة نوح عليه السلام.
قال تعالى: (ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ) [التحريم:١٠].
بينت الآية الصفات الذميمة لامرأة نوح عليه السلام، فبين أنها خائنة، وأنها من أهل النار، وأنها واقعة فيما أصاب قومها من الهلاك، واقترانها بشخصية مذمومة مثلها، وسوء عاقبتها.
(ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)، وضربها مثلًا لبيان قبحها، وضرب المثل في مثل هذا الموقع عبارة عن إيراد حالة غريبة لتعرف بها حالة أخرى مشاكلة لها في الغرابة، أي: جعل الله تعالى مثلًا لحال الكفرة حالًا ومآلًا147.
ومن لطائف التقييد بقوله تعالى: (ﮒ ﮓ)، أن المقصد الأصلي هو ضرب المثل للذين كفروا، وذلك من الاحتراس من أن يحمل التمثيل على المشابهة من جميع الوجوه والاحتراس بكثرة التشبيهات، ومنه تجريد الاستعارة، ومناسبة ضرب المثل بامرأة نوح وامرأة لوط تعريض لطيف بالتحذير من خطر الاعتزاز بغناء الصلة الشريفة عنهما في الوفاء بحق ما يجب من الإخلاص للنبي صلى الله عليه وسلم ليكون الشبه في التمثيل أقوى148.
وقوله تعالى: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ)، وهما نوح ولوط عليهما السلام، ووصفهما بالصلاح، مع أنهما نبيان والنبوة أعظم هبة من الله لعبد من عباده تنويهًا بوصف الصلاح، وإيماء إلى أن النبوة صلاح ليعظم بذلك شأن الصالحين، ولتكون الموعظة سارية إلى نساء المسلمين في معاملتهن أزواجهن، فإن وصف النبوءة قد انتهى بالنسبة للأمة الإسلامية، مع ما في ذلك من تهويل الأذى لعباد الله الصالحين وعناية ربهم بهم ومدافعته عنهم149.
وقوله تعالى: (ﮟ)، أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة، وليس المراد بقوله: (ﮟ)، في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة، والخيانة والخون ضد الأمانة وضد الوفاء، وذلك تفريط المرء ما اؤتمن عليه وما عهد به، (ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)، وتنكير (ﮥ) للتحقير، أي: أقل غنى وأجحفه بله الغنى المهم، وزيادة مع الداخلين لإفادة مساواتهما في العذاب لغيرهما من الكفرة الخونة150.
(ﮦ)، لهما عند موتهما أو يوم القيامة، وعبر بالماضي لتحقق الوقوع، (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ)، أي: مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء عليهم السلام151.
ثانيًا: الأمم المذمومة في القرآن الكريم:
ذم القرآن الكريم أممًا كعاد وثمود وقوم فرعون وقوم نوح وقوم لوط، وبيان ذلك كما يأتي:
١. عاد.
ذم القرآن الكريم قوم عاد.
قال تعالى: (ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [هود:٥٩-٦٠].
بينت الآية الصفات الذميمة لقوم عاد عليه السلام، فبينت أنهم جحدوا آيات ربهم، وعصوا رسله، واتبعوا أمر رؤسائهم الطغاة، (ﮨ ﮩ)، أي: وتلك هي قصة قبيلة عاد مع نبيها هود عليه السلام وتلك هي عاقبتها، وكانت الإشارة للبعيد تحقيرًا لهم، وتهوينًا من شأنهم بعد أن انتهوا، وبعدوا عن الأنظار والأفكار، وقد كانوا يقولون: من أشد منا قوة152.
والجحد: الإنكار الشديد، مثل إنكار الواقعات والمشاهدات، وهذا يدل على أن هودًا أتاهم بآيات فأنكروا دلالتها153.
وجمع الرسل في قوله: (ﮮ ﮯ )، وإنما عصوا رسولًا واحدًا، وهو هود عليه السلام؛ لأن المراد ذكر إجرامهم، فناسب أن يناط الجرم بعصيان جنس الرسل؛ لأن تكذيبهم هودًا لم يكن خاصًا بشخصه لأنهم قالوا له: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ) [هود:٥٣].
فكل رسول جاء بأمر ترك عبادة الأصنام فهم مكذبون به154.
وقوله تعالى: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ)، أي: أطاعوا في الشرك أمر كل جبار عنيد لا يستدل بدليل، ولا يقبله من غيره، يريد رؤساءهم وكبراءهم، ودعاتهم إلى تكذيب الرسل، والجبار: المتكبر، والعنيد: مبالغة في المعاندة، يقال: عند، إذا طغى، ومن كان خلقه التجبر، والعنود لا يأمر بخير ولا يدعو إلا إلى باطل، فدل اتباعهم أمر الجبابرة المعاندين على أنهم أطاعوا دعاة الكفر والضلال والظلم155.
وقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ)، أي: جعلت تابعة لهم في الدارين، أي: لازمة، والتعبير عن ذلك بالتبعية للمبالغة، فكأنها لا تفارقهم، وإن ذهبوا كل مذهب، بل تدور معهم، حيث ما داروا156.
وقوله تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)، دعا عليهم بالهلاك أو باللعنة، وفيه من الإشعار بالسخط عليهم، والمقت، ما لا يخفى فظاعته، وتشهير بالقوم، وإذاعة لجريمتهم في الناس، واستدعاء لكل ذي سمع ونظر، أن يشهد هؤلاء القوم، وينظر إليهم وهم متلبسون بهذا الجرم الغليظ، فلا يقول فيهم إلا ما يسوءهم ويخزيهم، وتكرير حرف التنبيه، وإعادة (عاد) للمبالغة في تهويل حالهم، والحث على الاعتبار بنبئهم 157.
٢. ثمود.
ذم القرآن الكريم قوم ثمود.
قال تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [فصلت:١٧].
في الآية الكريمة ذم قوم ثمود عليه السلام بسوء العاقبة وصفاتهم الذميمة، (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)، أي: وأما ثمود فبينا لهم الحق على لسان نبيهم صالح، ودللناهم على سبل النجاة بنصب الأدلة التكوينية، وإنزال الآيات التشريعية، فكذبوه واستحبوا العمى على الهدى، والكفر على الإيمان158.
واستحبوا العمى معناه: أحبوا، فالسين والتاء للمبالغة، أي: كان العمى محبوبًا لهم، والعمى: هنا مستعار للضلال في الرأي، أي: اختاروا الضلال بكسبهم. وضمن (استحبوا) معنى: فضلوا، وهيأ لهذا التضمين اقترانه بالسين والتاء للمبالغة؛ لأن المبالغة في المحبة تستلزم التفضيل على بقية المحبوبات، فلذلك عدي (استحبوا) بحرف على، أي: رجحوا باختيارهم، وتعليق على الهدى بفعل (استحبوا) لتضمينه معنى: فضلوا وآثروا159.
ثم ذكر جزاءهم على ما اختاروه لأنفسهم فقال: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ )، أي: فأرسلنا عليهم صيحة ورجفة وذلًا وهوانًا، بما كانوا يكسبون من الآثام بكفرهم بالله وتكذيبهم رسله160.
وكان العقاب مناسبًا للجرم؛ لأنهم استحبوا الضلال الذي هو مثل العمى، فمن يستحبه فشأنه أن يحب العمى، فكان جزاؤهم بالصاعقة؛ لأنها تعمي أبصارهم في حين تهلكهم161.
٣. قوم فرعون.
ذم القرآن الكريم قوم فرعون.
قال تعالى: (ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [المؤمنون:٤٥-٤٨].
يخبر تعالى أنه بعث رسوله موسى، عليه السلام، وأخاه هارون إلى فرعون وملئه، بالآيات والحجج الدامغات، والبراهين القاطعات، وأن فرعون وقومه استكبروا عن اتباعهما، والانقياد لأمرهما، لكونهما بشرين، كما أنكرت الأمم الماضية بعثة الرسل من البشر، تشابهت قلوبهم، فأهلك الله فرعون وملأه، وأغرقهم في يوم واحد أجمعين162.
ثم ذمهم بأوصافهم القبيحة فقال: (ﭼ) جميعًا عن الاستماع إلى دعوة موسى وهارون عليهما السلام، (ﭽ ﭾ ﭿ) أي: مغرورين متكبرين، مسرفين في البغي والعدوان163.
ثم ذكر ما استتبعه هذا العتو والجبروت: (ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)، أي: فقال فرعون وملؤه كيف ندين لموسى وأخيه، وبنو إسرائيل وقومهما خدمنا وعبيدنا يخضعون لنا ويتلقون أوامرنا؟ وما قصدوا بهذا إلا الزراية بهما والحط من قدرهما، وبيان أن مثلهما غير جدير بمنصب الرسالة، وقد قاسوا الشرف الديني والإمامة في تبليغ الوحى عن الله بالرياسة الدنيوية المبنية على نيل الجاه والمال164.
وقوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ)، أي: فكذب فرعون وأتباعه موسى وهارون عليهما السلام فيما جاءا به من عند ربهما عز وجل، فكانت نتيجة هذا التكذيب أن أغرقنا فرعون ومن معه جميعًا165.
وقد جاء ذم قوم فرعون في آيات أخر، منها قوله تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [النمل:١٢].
وقوله سبحانه: (ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [هود:٩٦-٩٩].
٤. قوم نوح.
ذم القرآن الكريم قوم نوح عليه السلام.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [الفرقان:٣٧].
ذم الله تعالى قوم نوح عليه السلام بسوء عاقبتهم في الدنيا والآخرة، ووصفهم بالتكذيب، وقوله: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ)، والمراد بالرسل: نوح ومن قبله، أو نوح وحده، وعبر عنه بالرسل، لأن تكذيبهم له يعتبر تكذيبًا لجميع الرسل؛ لأن رسالتهم واحدة في أصولها.
وقوله سبحانه: (ﮀ ﮁ ﮂ)، أي: بعد أن أغرقناهم بسبب كفرهم، جعلنا إغراقهم أو قصتهم عبرة وعظة للناس الذين يعتبرون ويتعظون، والتعبير بـ(ﮂ) بصيغة التنكير، يشير إلى عظم هذه الآية وشهرتها، ولا شك أن الطوفان الذي أغرق الله تعالى به قوم نوح من الآيات التي لا تنسى.
وقوله سبحانه: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)، بيان لسوء مصير كل ظالم يضع الأمور في غير مواضعها، أي: وهيأنا وأعددنا للظالمين عذابًا أليمًا موجعًا، بسبب ظلمهم وكفرهم، وعلى رأس هؤلاء الظالمين قوم نوح، الذين كفروا به وسخروا منه166.
وقد جاء ذم قوم نوح عليه السلام في آيات أخر منها: قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الذاريات:٤٦]، خارجين عن الاستقامة بالكفر والعصيان167.
وقوله سبحانه: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النجم:٥٢].
ذمهم الله تعالى بالظلم والطغيان لطول دعوة نوح إياهم وعتوهم على الله بالمعصية والتكذيب، وهم الباقون بالظلم والمتقدمون فيه، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، والبادىء أظلم، وأما أطغى فلأنهم سمعوا المواعظ وطال عليهم الأمد ولم يرتدعوا حتى دعا عليهم نبيهم، ولا يدعو نبي على قومه إلا بعد الإصرار العظيم والظالم168.
٥. قوم لوط.
ذم القرآن الكريم قوم لوط عليه السلام.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [الأعراف:٨٠-٨٥].
ذم الله تعالى قوم لوط عليه السلام بأفعالهم القبيحة التي تخالف الفطرة، وسوء العاقبة، فيخبر تعالى عن عبده لوط عليه السلام، أنه أنذر قومه نقمة الله بهم، في فعلهم الفاحشة التي لم يسبقهم إليها أحد من بني آدم، وهي إتيان الذكور دون الإناث، وذلك فاحشة عظيمة، استغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء169.
وقوله: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)، أي: واذكر لوطًا حين قال لقومه موبخًا لهم: أتفعلون تلك الفعلة التي بلغت الغاية في القبح والفحش170.
وابتداء قصة لوط وقومه بذكر (لوطًا) لأنه لم يكن لقوم لوط اسم يعرفون به، وقوم لوط كانوا خليطًا من الكنعانيين وممن نزل حولهم، ولذلك لم يوصف بأنه أخوهم؛ إذ لم يكن من قبائلهم، وإنما نزل فيهم واستوطن ديارهم، ولوط عليه السلام هو ابن أخي إبراهيم عليه السلام، وكان لوط عليه السلام قد نزل ببلاد (سدوم) ولم يكن بينهم وبينه قرابة171.
(ﯙ ﯚ)، أي: أتفعلون تلك الفعلة التي بلغت نهاية القبح والفحش، والتي ما فعلها أحد قبلكم في زمن من الأزمان، والاستفهام في (ﯙ) للإنكار والتوبيخ، والإتيان المستفهم عنه مجاز في التلبس والعمل، أي: أتعملون الفاحشة، وكني بالإتيان على العمل المخصوص وهي كناية مشهورة، والفاحشة: الفعل الدنيء الذميم172.
ثم ذمهم بأنهم أول من عملها: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ)، أي: ما عملها أحد قبلكم في أي زمان، بل هي من مبتدعاتكم في الفساد، فأنتم فيها أسوة وقدوة، فتبوءون بإثمها وإثم من اتبعكم فيها إلى يوم القيامة173.
والجملة مستأنفة مسوقة لتأكيد النكير وتشديد التوبيخ والتقريع، فإن مباشرة القبح قبيح واختراعه أقبح، فأنكر عليهم أولًا إتيان الفاحشة174.
ثم بين الأفعال الذميمة التي يعملونها فقال: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ)، أي: إنكم أيها القوم لممسوخون في طبائعكم حيث تأتون الرجال الذين خلقهم الله ليأتوا النساء، ولا حامل لكم على ذلك إلا مجرد الشهوة الخبيثة القذرة، ولا ذم أعظم منه، لأنه وصف لهم بالبهيمية، وأنه لا داعي لهم من جهة العقل ألبتة كطلب النسل ونحوه175.
والإتيان: كناية عن الاستمتاع والجماع، من أتى المرأة إذا غشيها، والتأكيد -بإن واللام- كناية عن التوبيخ؛ لأنه مبني على تنزيلهم منزلة من ينكر ذلك، لكونهم مسترسلين عليه غير سامعين لنهي الناهي. والإتيان كناية عن عمل الفاحشة176.
وفي إيراد لفظ الرجال دون الغلمان والمردان ونحوهما، مبالغة في التوبيخ والتقريع177.
ثم انتقل من غرض الإنكار إلى غرض الذم والتحقير والتنبيه إلى حقيقة حالهم بقوله: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)، أي: إنكم لا تأتون هذه الفاحشة ثم تندمون على ما فعلتم، بل أنتم قوم مسرفون فيها وفي سائر أعمالكم ولا تقفون فيها عند حد الاعتدال178.
والإسراف مجاوزة العمل مقدار أمثاله في نوعه، أي: المسرفون في الباطل والجرم، ووصفهم بالإسراف بطريق الجملة الاسمية الدالة على الثبات، أي: أنتم قوم تمكن منهم الإسراف في الشهوات، فلذلك اشتهوا شهوة غريبة لما سئموا الشهوات المعتادة179.
ثم أخبر القرآن عن جوابهم القبيح على نصائح نبيهم لهم، فقال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ)، أي: وما كان جواب قومه عن هذا الإنكار وتلك النصيحة شيئًا من الحجج المقنعة أو الأعذار المسكنة لثورة الغضب، بل كان جوابهم الأمر بإخراجه هو ومن آمن معه من قريتهم، وما حجتهم على تبرير ما عزموا عليه إلا أن قالوا: إن هؤلاء أناس يتطهرون ويتنزهون عن مشاركتهم في فسوقهم ورجسهم، فلا سبيل إلى معاشرتهم ولا مساكنتهم، لما بينهم من الفوارق في الصفات والأخلاق، وهذا الجواب منهم يدل على منتهى السخرية والتهكم، والافتخار بما كانوا فيه من القذارة، وقد بلغ من وقاحتهم وفجورهم أن يفعلوا الفاحشة ويفخروا بها ويحتقروا من يتنزه عنها، وهذا أسفل الدركات، ولا يهبط إليه إلا من لا يؤمن بالله واليوم الآخر180.
والتطهر: تكلف الطهارة، وحقيقتها النظافة، وتطلق الطهارة -مجازًا- على تزكية النفس والحذر من الرذائل وهي المراد هنا، وتلك صفة كمال، وقولهم: (ﭜ ﭝ ﭞ)، قصدوا به ذمهم، وهم قد علموا هذا التطهر من خلق لوط عليه السلام وأهله لأنهم عاشروهم، ورأوا سيرتهم، ولذلك جيء بالخبر جملة فعلية مضارعية لدلالتها على أن التطهر متكرر منهم، ومتجدد، وذلك أدعى لمنافرتهم طباعهم والغضب عليهم وتوجه إنكار لوط عليه السلام عليهم181.
وقوله تعالى: (ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)، أي: فأنجيناه وأهل بيته الذين آمنوا معه إلا امرأته، فإنها لم تؤمن به، بل خانته بولاية قومه الكافرين، فكانت من جماعة الهالكين أو الباقين الذين نزل بهم العذاب في الدنيا، وبعده عذاب الآخرة182.
وقوله تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ)، أي: وأرسلنا عليهم مطرًا عجيبًا أمره، وهو الحجارة التي رجموا بها، (ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ)، أي: فانظر أيها المعتبر هذا القصص وتأمله حق التأمل، لتعلم عقاب الأمم على ذنوبها في الدنيا قبل الآخرة، وهذا العقاب أثر طبيعي لذلك، فإنك ترى الترف والفسق يفسدان أخلاق الأمم ويذهبان ببأسها ويفرقان كلمتها ويجعلانها شيعًا وأحزابًا متعادية، فيسلط الله عليها من يستذلها ويسلبها استقلالها، ويسخرها لمنافعه، ولا يزال بها هكذا حتى تنقرض وتكون من الهالكين183.
وقد ذم القرآن قوم لوط عليه السلام في آيات أخر.
قال تعالى: (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [العنكبوت:٢٨-٢٩].
وقال سبحانه: (ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ) [الشعراء:١٦٥-١٦٦].
أي: متجاوزون لحدود الفطرة وحدود الشريعة، وقال جل وعلا: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [النمل:٥٥].
وهو يشمل الجهل الذي هو ضد العلم، والجهل الذي هو بمعنى السفه والطيش، ومجموع الآيات يدل على أنهم كانوا مصابين بفساد العقل، وانحطاط الخلق، وإيثار الغي والعدوان على الرشاد والتدبر184.
٦. يأجوج ومأجوج.
ذم الله تعالى يأجوج ومأجوج بأفعالهم القبيحة.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ) [الكهف:٩٣-٩٧].
يقول تعالى مخبرًا عن ذي القرنين: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)، وهما جبلان متناوحان بينهما ثغرة يخرج منها يأجوج ومأجوج على بلاد الترك، فيعيثون فيهم فسادًا، ويهلكون الحرث والنسل، ويأجوج ومأجوج من سلالة آدم، عليه السلام185.
(ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)، أي: قال مترجموهم: إن يأجوج ومأجوج يفسدون أرضنا بالقتل والتخريب وأخذ الأقوات وسائر ضروب الإفساد.
(ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)، أي: فهل تحب أن نجعل لك جعلًا من أموالنا، فتجعل بيننا وبينهم حاجزًا يمنعهم من الوصول إلينا؟
(ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ)، أي: قال ذو القرنين: إن ما مكننى فيه ربي من بسطة الملك والسلطان ووفرة المال، خير مما تبذلونه لي من الخراج، فلا حاجة بي إليه، والدول القوية يجب أن تحافظ على الدول الضعيفة، ولا تأخذ منها مالًا مادامت قادرة على إغاثتها186.
وقوله تعالى: (ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ)، أي: ولكن ساعدونى بفعلة وصناع يحسنون العمل والبناء، أجعل بينكم وبين يأجوج ومأجوج سدًا منيعًا، وحاجزًا حصينًا أمنع مما تريدون.
ثم بين تلك القوة التي طلبها فقال: (ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ)، أي: جيئوني بقطع الحديد، فلما جاءوه بها أخذ يبني شيئًا فشيئًا حتى إذا جعل ما بين جانبي الجبلين من البنيان مساويًا لهما في العلو، قال للعملة: انفخوا بالكيران في زبر الحديد التي وضعت بين الصدفين ففعلوا، ومازالوا كذلك حتى صارت كالنار اشتعالًا وتوهجًا، فصب النحاس المذاب على الحديد المحمي فالتصق بعضه ببعض، وسد الفجوات التي بين الحديد وصار جبلًا صلدًا، (ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ )، أي: إن يأجوج ومأجوج ما قدروا أن يصعدوا من فوق السد لارتفاعه وملاسته، ولا استطاعوا نقبه لصلابته وثخانته 187.
ثالثًا: الملل المذمومة في القرآن الكريم:
ذم القرآن الكريم مللًا كالكفر والشرك والنفاق وأهل الكتاب، وبيان ذلك كما يأتي:
١. الكافر.
ذم القرآن الكريم الكفر.
قال تعالى: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) [البقرة:١٧١].
الكفر في اللغة: ستر الشيء، ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص، والزراع لستره البذر في الأرض، وكفر النعمة وكفرانها: سترها بترك أداء شكرها.
قال تعالى: (ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [الأنبياء:٩٤].
وأعظم الكفر: جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة، والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالًا، والكفر في الدين أكثر، والكفور فيهما جميعًا.
قال سبحانه: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الإسراء:٩٩].
ولما كان الكفران يقتضي جحود النعمة صار يستعمل في الجحود، قال: (ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [البقرة:٤١].
أي: جاحد له وساتر، والكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية، أو النبوة، أو الشريعة، أو ثلاثتها، وقد يقال: كفر لمن أخل بالشريعة، وترك ما لزمه من شكر لله عليه188.
ذم الله تعالى الكافرين بأنهم لا يسمعون الحق ولا يعقلونه وأنهم كالأنعام، ولما جعل كل فعل محمود من الإيمان جعل كل فعل مذموم من الكفر.
وقوله: (ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ)، أي: إن مثل الكافرين في تقليدهم لآبائهم ورؤسائهم، وإخلادهم إلى ما هم عليه من الضلال، وعدم تأملهم فيما يلقى إليهم من الأدلة، مثل البهائم التي ينعق عليها الراعي، ويسوقها إلى المرعى، ويدعوها إلى الماء، ويزجرها عن الحمى، فتستجيب دعوته وتنزجر بزجره، وهي لا تعقل مما يقول شيئًا، ولا تفهم له معنى، وإنما تسمع أصواتًا تقبل لسماع بعضها وتدبر لسماع بعض آخر بالتعود، ولا تعقل سببًا للإقبال والإدبار، ثم بالغ في ذمهم وتقريعهم فقال: (ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ)، أي: إنهم يتصامون عن سماع الحق، فكأنهم صم، ولا يستجيبون لما يدعون إليه، فكأنهم خرس، ولا ينظرون في آياته تعالى في الآفاق وفي أنفسهم، فكأنهم عمي، لا يعقلون لعملهم مبدأ ولا غاية، بل ينقادون لغيرهم كما هو شأن الحيوان، ومن ثم اتبعوا من لا يعقلون ولا يهتدون189.
وذم القرآن الكريم الكافرين بأنهم شر ما دب على الأرض.
قال تعالى: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الأنفال:٥٥].
أي: إن شر ما يدب على وجه الأرض في حكم الله وعدله هم الكافرون الذين أصروا على الكفر ولجوا فيه بحيث لا يرجى إيمان جملتهم أو إيمان جمهورهم190.
وقد لقبهم الله بالدواب وهو اللفظ الذي غلب استعماله في ذوات الأربع، لإفادة أنهم ليسوا من شرار البشر فقط، بل هم أضل من العجماوات؛ لأن لها منافع، وهؤلاء لا خير فيهم ولا نفع لغيرهم منهم، كما قال تعالى في أمثالهم: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ) [الفرقان:٤٤].
كما ذمهم بأنهم شر الدواب لا شر الناس، للإشعار بأنهم بمعزل عما يتحلى به الناس من تعقل وتدبر للأمور؛ لأن لفظ الدواب وإن كان يطلق على الناس، إلا أنه عند إطلاقه عليهم يلقى ظلًا خاصًا يجعل العقول تتجه إلى أن هؤلاء الذين أطلق عليهم اللفظ هم إلى الدواب التي لا تعقل أقرب منهم إلى الآدميين العقلاء، وفي وصفه سبحانه لهم بأنهم شر الدواب زيادة توبيخ لهم، لأنهم ليسوا دواب فحسب، بل هم شرها وأخسها191.
وقوله تعالى: (ﮁ ﮂ ﮃ)، أي: إنهم -بسبب إصرارهم على الكفر- صار الإيمان بعيدًا عنهم، وأنهم سواء أنذروا أو لم ينذروا مستمرون في الضلال والعناد192.
وذم سلوكهم وتصرفاتهم، قال تعالى: (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [محمد:١٢].
وهو تصوير زري، يذهب بكل سمات الإنسان ومعالمه، ويلقي ظلال الأكل الحيواني الشره، والمتاع الحيواني الغليظ، بلا تذوق، وبلا تعفف عن جميل أو قبيح، إنه المتاع الذي لا ضابط له من إرادة، ولا من اختيار، ولا حارس عليه من تقوى، ولا رادع عنه من ضمير، وهذا غاية الذم لهم في بلاغة التشبيه193.
٢. المشركون.
ذم القرآن الكريم الشرك.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ) [الحج:٣١].
في الآية ذم وتقبيح الشرك والمشركين بسوء العاقبة، وأن الوقوع في الشرك يؤدي إلى الهلاك الذي لا نجاة معه بحال، وقوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ)، أي: تمسكوا بهذه الأمور على وجه العبادة لله وحده دون إشراك أحد سواه معه194.
وقوله: (ﭑ) جمع حنيف، وهو المائل عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق195.
ثم صور سبحانه حال من يشرك بالله تصويرًا تنخلع له القلوب، ويحمل كل عاقل على اجتناب هذا الرجس، فقال: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ )، أي: ومن يشرك بالله تعالى في عبادته، ومات على ذلك، فكأنما سقط من السماء إلى الأرض، فاختطفته جوارح الطير بسرعة فمزقت أوصاله، أو تسقطه الريح في مكان بعيد أشد البعد بحيث لا يعثر له على أثر، والمقصود من هذه الجملة تقبيح حال الشرك والمشركين، وبيان أن الوقوع في الشرك يؤدى إلى الهلاك الذي لا نجاة معه بحال، لأن من يسقط من السماء فتتمزق أوصاله، وتتخطفه الطير أو تلقي به الريح في مكان بعيد لا يطمع له في نجاة، بل هو هالك لا محالة، فالجملة الكريمة مقررة لوجوب اجتناب الشرك بأبلغ صورة196.
وذم الله تعالى الشرك بأنه ظلم عظيم، قال تعالى: (ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [لقمان:١٣].
أي: واذكر أيها الرسول الكريم موعظة لقمان لابنه، وهو أشفق الناس عليه، وأحبهم لديه حين أمره أن يعبد الله وحده، ونهاه عن الشرك، وبين له أنه ظلم عظيم أما كونه ظلمًا، فلما فيه من وضع الشيء في غير موضعه، وأما أنه عظيم، فلما فيه من التسوية بين من لا نعمة إلا منه، وهو سبحانه وتعالى، ومن لا نعمة لها، وهي الأصنام والأوثان197.
وذم الله تعالى المشركين في القرآن على اتباع ما شرع لهم شركاؤهم من الدين ما لم يأذن به الله من عبادة غيره وفعل ما لم يشرعه من الدين.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الشورى:٢١].
كما ذمهم على أنهم حرموا ما لم يحرمه الله، والدين الحق أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ولا دين إلا ما شرعه198.
٣. المنافقون.
ذم القرآن الكريم المنافقين، قال تعالى: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [التوبة:٦٧-٦٨].
يذم الله تعالى المنافقين بصفاتهم القبيحة، وسوء عاقبتهم في الدنيا والآخرة، واقترانهم مع الكافرين، (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ)، أي: إن أهل النفاق رجالًا ونساء يتشابهون في صفاتهم وأخلاقهم وأعمالهم199.
المنافقون والمنافقات من طينة واحدة، وطبيعة واحدة، المنافقون في كل زمان وفي كل مكان، تختلف أفعالهم وأقوالهم، ولكنها ترجع إلى طبع واحد، وتنبع من معين واحد، سوء الطوية ولؤم السريرة، والغمز والدس، والضعف عن المواجهة، والجبن عن المصارحة، تلك سماتهم الأصيلة200.
ثم ذم سلوكهم وأخلاقهم القبيحة: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ)، أي: يأمرون غيرهم بكل ما تستنكره الشرائع، وتستقبحه العقول، وينهونهم عن كل أمر دعت إليه الأديان، وأحبته القلوب السليمة، وقوله: (ﮯ ﮰ)، أي: إن من صفات هؤلاء المنافقين أنهم بخلاء أشحاء عن بذل المال في وجوهه المشروعة201.
واقتصر من منكراتهم الفعلية على الامتناع عن البذل، لأنه شرها وأضرها وأقواها دلالة على النفاق كما أن الإنفاق في سبيل الله أقوى دلائل الإيمان202.
وقوله تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ)، كناية عن رسوخهم في الكفر، وانغماسهم في كل ما يبعدهم عن الله تعالى203، أي: نسوا أن يتقربوا إليه بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ولم يعد يخطر ببالهم أن له عليهم حق الطاعة والشكر، واتبعوا أهواءهم ووساوس الشيطان، فجازاهم على ما فعلوا بحرمانهم من لطفه وتوفيقه في الدنيا، ومن الثواب في الآخرة204.
إنهم (ﯓ ﯔ)، فلا يحسبون إلا حساب الناس وحساب المصلحة، ولا يخشون إلا الأقوياء من الناس يذلون لهم ويدارونهم، (ﯕ)، الله فلا وزن لهم ولا اعتبار، وإنهم لكذلك في الدنيا بين الناس، وإنهم لكذلك في الآخرة عند الله. وما يحسب الناس حسابًا إلا للرجال الأقوياء الصرحاء، الذين يجهرون بآرائهم، ويقفون خلف عقائدهم، ويواجهون الدنيا بأفكارهم، ويحاربون أو يسالمون في وضح النهار205.
وقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ)، تذييل قصد به المبالغة في ذمهم. أي: إن المنافقين هم الكاملون في الخروج عن طاعة الله، وفي الانسلاخ عن فضائل الإيمان، ومكارم الأخلاق206.
وقوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ)، بيان لسوء مصيرهم، بعد بيان جانب من صفاتهم الذميمة، أي: وعد الله تعالى المنافقين والمنافقات والكفار المجاهرين بكفرهم (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) خلودًا أبديًا207.
وزيادة ذكر الكفار هنا للدلالة على أن المنافقين ليسوا بأهون حالًا من المشركين إذ قد جمع الكفر الفريقين208.
وقوله جل جلاله: (ﯦ ﯧ) أي: إن تلك العقوبة الشديدة كافية لإهانتهم وإذلالهم بسبب فسوقهم عن أمر ربهم، (ﯩ ﯪ)، أي: طردهم وأبعدهم من رحمته ولطفه، (ﯬ ﯭ ﯮ)، أي: ولهم عذاب دائم لا ينقطع، فهم في الدنيا يعيشون في عذاب القلق والحذر من أن يطلع المسلمون على نفاقهم، وفي الآخرة يذوقون العذاب الذي هو أشد وأبقى، بسبب إصرارهم على الكفر والفسوق والعصيان، وبذلك نرى الآيتين الكريمتين قد بينتا جانبًا من قبائح المنافقين، ومن سوء مصيرهم في عاجلتهم وآجلتهم209.
ومن صفات المنافقين الذميمة الجامعة للخصال الرذيلة (الكذب والخداع).
قال تعالى: (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ) [المنافقون:١].
وقال سبحانه: (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ) [النساء:١٤٢].
وأما قوله جل وعلا: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [النساء:١٤١].
فإن التربص صفة للمنافقين وحدهم بدليل قوله (ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [النساء:١٤١]، والتربص حقيقة في المكث بالمكان، ومن بديع النظم القرآني آية جمعت ذم المنافقين لما في دواخلهم وذم أفعالهم وذم نيتهم.
كما في قوله تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [الممتحنة:٢].
وغيرها من الصفات التي وردت في الآيات القرآنية210.
٤. أهل الكتاب.
ذم القرآن الكريم أهل الكتاب الكفرة، قال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البينة:٦].
يذم الله تعالى الكفرة من أهل الكتاب المخالفين لكتب الله، بسوء العاقبة، واقترانهم بالمشركين، وأنهم شرار الخلق، (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)، أي: إن هؤلاء الذين دسوا أنفسهم بقبيح الشرك واجتراح المعاصي، وإنكار الحق الواضح بعد أن عرفوه كما يعرفون أبناءهم، يجازيهم ربهم بالعقاب الذي لا يخلصون منه أبدًا، فيدخلهم نارًا تلظى جزاء ما كسبت أيديهم، وجزاء إعراضهم عما دعا إليه الداعي، وهدت إليه الفطرة211.
ثم ذمهم الله تعالى فقال: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)، أي: هم شر الخليقة على الإطلاق، لإصرارهم على الكفر والإشراك مع علمهم بالحق212، وتوسيط ضمير الفصل لإفادة اختصاصهم بكونهم شر البريئة، لا يشاركهم في ذلك غيرهم من فرق أهل الكفر213.
وذمهم الله تعالى على كفرهم وتضليل المؤمنين وصدهم عن دينهم.
قال تعالى: (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ) [آل عمران:٩٨-٩٩].
وغير ذلك من الآيات.
نقل القرآن الكريم ذم الكفار للملائكة والأنبياء والمرسلين والكتب السماوية والمؤمنين، وبيان ذلك من خلال النقاط الآتية:
أولًا: ذم المشركين للملائكة:
يخبر تعالى عن ذم المشركين للملائكة، قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الزخرف:١٩].
يخبر الله تعالى أن الكفار افتروا على الملائكة أنهم إناث، زاعمين أنهم بنات الله، ثم توعدهم سبحانه بسوء المصير بسبب افترائهم الكذب، فقال: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ)، والجعل هنا بمعنى القول والحكم على الشيء، كما تقول: جعلت زيدًا أفضل الناس، أي: حكمت عليه بذلك، أي: أن هؤلاء المشركين زعموا وحكموا بأن الملائكة الذين هم عباد الرحمن، وصفوة خلقه، وأهل طاعته، زعموا أنهم إناث، فهل كانوا حاضرين وقت أن خلقناهم حتى حكموا عليهم بهذا الحكم الباطل؟214.
ثم وبخهم على ذلك توبيخًا شديدًا، وأنكر عليهم ذلك في قوله: (ﯘ ﯙ )، أي: أحضروا خلق الله لهم، فشاهدوهم بنات حتى يحكموا بأنوثتهم؟
وفي هذا تجهيل شديد لهم، ورمي لهم بالسفه والحمق، ثم توعدهم على مقالهم فقال: (ﯛ ﯜ ﯝ)، أي: ستكتب هذه الشهادة التي شهدوا بها في الدنيا في ديوان أعمالهم، ويسألون عنها يوم القيامة ليأتوا ببرهان على صحتها، ولن يجدوا لذلك سبيلًا215.
وقد حكى القرآن ذلك في آيات أخر، قال تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [الإسراء:٤٠].
وهي كونهم اعتقدوا الملائكة إناثًا، فقد ذكرها، وقوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) [النجم:٢٧].
وقوله جل وعلا: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الصافات:١٤٩].
ثانيًا: ذم المشركين للأنبياء والمرسلين:
يخبر تعالى أن الكفار ذموا الأنبياء والمرسلين.
قال تعالى: (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [الفرقان:٧-٨].
يقول تعالى مسليًا لرسوله الله صلى الله عليه وسلم، عما كان يتعنت به المشركون، فيما كانوا يقولونه عن الرسول، (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ)، أي: إن مشركي قريش لم يكتفوا بقولهم: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد افترى القرآن، وإن القرآن أساطير الأولين.
بل أضافوا إلى ذلك أنهم قالوا على سبيل السخرية والتهكم والإنكار لرسالته: كيف يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا، وشأنه الذي نشاهده بأعيننا، أنه (ﮖ ﮗ)، كما يأكل سائر الناس، (ﮘ ﮙ ﮚ )، أي: ويتردد فيها كما نتردد طلبًا للرزق. (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)، أي: هلا أنزل إليه ملك يعضده ويساعده ويشهد له بالرسالة ويكون هذا الملك، (ﮡ ﮢ)، أي: منذرًا من يخالفه بسوء المصير، (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ)، أي: مال عظيم يغنيه عن التماس الرزق بالأسواق كسائر الناس، (ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ )، أي: حديقة مليئة بالأشجار المثمرة، لكي يأكل منها ونأكل معه من خيرها.
وقوله تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ)، أي: ما تتبعون إلا رجلًا مسحورًا مغلوبًا على عقله، ومصابًا بمرض قد أثر في تصرفاته216.
وقوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الفرقان:٤١-٤٢].
يخبر تعالى عن استهزاء المشركين بالرسول، صلوات الله وسلامه عليه، إذا رأوه، وقولهم ساخرين: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)، أي: على سبيل الذم والتنقص والازدراء، قبحهم الله217.
وهذا صنف من الأذى تبعثهم إليه مشاهدة الرسول في غير زي الكبراء والمترفين، لا يجر المطارف ولا يركب النجائب، ولا يمشي مرحًا ولا ينظر خيلاء، ويجالس الصالحين ويعرض عن المشركين، ويرفق بالضعفاء ويواصل الفقراء، وأولئك يستخفون بالخلق الحسن، لما غلب على آرائهم من أفن، لذلك لم يخل حاله عندهم من الاستهزاء به إذا رأوه بأن حاله ليست حال من يختاره الله لرسالته دونهم، ولا هو أهل لقيادتهم وسياستهم، وهذا الكلام صدر من أبي جهل وأهل ناديه، وإسناد يتخذونك إلى ضمير الجمع للدلالة على أن جماعاتهم يستهزئون به إذا رأوه، وهم في مجالسهم ومنتدياتهم، وصيغة الحصر للتشنيع عليهم بأنهم انحصر اتخاذهم إياه في الاستهزاء به يلازمونه ويدأبون عليه، ولا يخلطون معه شيئًا من تذكر أقواله ودعوته، فالاستثناء من عموم الأحوال المنفية، أي: لا يتخذونك في حالة إلا في حالة الاستهزاء218.
وقوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)، مقول لقول محذوف وعائد الموصول محذوف أيضًا، أي: كلما وقعت أبصار أعدائك عليك -أيها الرسول الكريم- سخروا منك، واستنكروا نبوتك، وقالوا على سبيل الاستبعاد والتهكم: أهذا هو الإنسان الذي بعثه الله تعالى ليكون رسولًا إلينا، وقولهم هذا الذي حكاه القرآن عنهم، يدل على أنهم بلغوا أقصى درجات الجهالة وسوء الأدب219.
ثم يشير القرآن إلى كذبهم فيما قالوه، لأنهم مع إظهارهم للسخرية منه صلى الله عليه وسلم كانوا في واقع أمرهم، وحقيقة حالهم يعترفون له بقوة الحجة، وهذا ما حكاه القرآن عنهم في قوله تعالى: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ)، يعنون: أنه كاد يثنيهم عن عبادة أصنامهم، لولا أن صبروا وتجلدوا واستمروا على عبادتها220.
فهم يسمون الهداية إضلالًا لسوء تقديرهم للحقائق وتقويمهم للقيم221.
وقوله تعالى: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)، تهديد لهم على سوء أدبهم، وعلى جحودهم للحق بعد أن تبين لهم، أي: وسوف يعلم هؤلاء الكافرون حين يرون العذاب ماثلًا أمام أعينهم، من أبعد طريقًا عن الحق، أهم أم المؤمنون222.
ثالثًا: ذم المشركين للكتب السماوية:
يخبر تعالى أن الكفار ذموا الكتب السماوية.
قال تعالى: (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) [الفرقان:٤-٦].
يخبر تعالى عن سخافة عقول الجهلة من الكفار، في قولهم عن القرآن: إنه إفك، وإنه أساطير، (ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ)، أي: وقال الكافرون: إن هذا القرآن ليس من عند الله، بل اختلقه محمد، وأعانه على ذلك جماعة من أهل الكتاب ممن أسلموا، وكان يتعهدهم ويختلف إليهم فيلقون إليه أخبار الأمم الغابرة، وهو يصوغها بلغته وأسلوبه الخاص223، وإسناد هذا القول إلى جميع الكفار لأنه واقع بين ظهرانيهم وكلهم يتناقلونه224.
فرد الله عليهم مقالهم فقال: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ)، أي: فقد وضعوا الأشياء في غير مواضعها، وكذبوا على ربهم، إذ جعلوا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إفكًا مفترى من قبل البشر، وكيف يتقولون ذلك على الرسول، وقد تحداهم أن يأتوا بمثله، وهم ذوو اللسن والفصاحة والغاية في البلاغة، فعجزوا أن يأتوا بمثله، ولو كان ذلك في مكنتهم ما ادخروا وسعًا في معارضته، وقد ركبوا الصعب والذلول ليدحضوا حجته، ويبطلوا دعوته، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم قد استعان في ذلك بغيره لأمكنهم أيضًا أن يستعينوا هم بغيرهم225.
ثم حكى الله تعالى عنهم مقولة أخرى من مقولاتهم الفاسدة: (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ)، أي: ما هذا إلا أحاديث الأولين الذين كانوا يسطرونها في كتبهم من نحو أحاديث رستم وإسفنديار، اكتتبها من اليهود فهي تستنسخ منهم وتقرأ عليه، ليحفظها غدوة وعشيًا، أي: قبل انتشار الناس وحين يأتون إلى مساكنهم، وقد عنوا بذلك أنها تملى عليه خفية لئلا يقف الناس على حقيقة الحال، وهذه جرأة عظيمة منهم، قاتلهم الله أنى يؤفكون، وقد يكون مرادهم أنها تملى عليه دائمًا226.
ثم أمره الله تعالى بإجابتهم عما قالوا بقوله: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ)، أي: قل لهم ردًا وتحقيقًا للحق: ليس ذلك كما تزعمون، بل هو أمر سماوي أنزله الذي لا يعزب عن علمه شيء، وأودع فيه فنون الحكم والأسرار على وجه بديع لا تحوم حوله الأفكار، ومن ثم أعجزكم بفصاحته وبلاغته، كما أخبركم فيه بمغيبات مستقبلة، وأمور مكنونة، لا يوقف عليها إلا بتوفيق العليم الخبير، (ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ)، أي: إنكم استوجبتم العذاب بمكايدتكم لرسوله، لكنه لم يعجله لكم رحمة بكم، رجاء توبتكم وغفران ذنوبكم، ولولا ذلك لصب عليكم العذاب صبًا227.
قال ابن كثير: «وهذا الكلام لسخافته وكذبه وبهته منهم كل أحد يعلم بطلانه، فإنه قد علم بالتواتر وبالضرورة: أن محمدًا رسول الله لم يكن يعاني شيئًا من الكتابة، لا في أول عمره ولا في آخره، وقد نشأ بين أظهرهم من أول مولده إلى أن بعثه الله نحوًا من أربعين سنة، وهم يعرفون مدخله ومخرجه، وصدقه، وبره وأمانته ونزاهته من الكذب والفجور وسائر الأخلاق الرذيلة، حتى إنهم لم يكونوا يسمونه في صغره إلى أن بعث إلا الأمين، لما يعلمون من صدقه وبره.
فلما أكرمه الله بما أكرمه به، نصبوا له العداوة، ورموه بهذه الأقوال التي يعلم كل عاقل براءته منها، وحاروا ماذا يقذفونه به، فتارة من إفكهم يقولون: ساحر، وتارة يقولون: شاعر، وتارة يقولون: مجنون، وتارة يقولون: كذاب.
قال الله تعالى: (ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ) [الإسراء:٤٨]» 228.
رابعًا: ذم المشركين للمؤمنين:
يخبر تعالى أن الكفار ذموا المؤمنين.
قال تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) [هود:٢٧].
يخبر تعالى أن قوم نوح عليه السلام كان ردهم له على دعوته ذم أتباعه واستنقاصهم، (ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)، أي: سفلتنا، والرذل الدون من كل شيء، قيل: هم الحاكة والأساكفة وأصحاب الصنائع الخسيسة.
وإنما قالوا ذلك جهلًا منهم أيضًا؛ لأن الرفعة في الدين ومتابعة الرسول لا تكون بالشرف ولا بالمال والمناصب العالية، بل للفقراء الخاملين وهم أتباع الرسل، ولا يضرهم خسة صنائعهم إذا حسنت سيرتهم في الدين.
(ﯧ ﯨ)، أي: أنهم اتبعوك في أول الرأي من غير تثبت وتفكر في أمرك، ولو تفكروا ما اتبعوك، وقيل: معناه: ظاهر الرأي، يعني: أنهم اتبعوك ظاهرًا من غير أن تفكروا باطنًا.
(ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ)، يعني: بالمال والشرف والجاه.
وهذا القول أيضًا جهل منهم؛ لأن الفضيلة المعتبرة عند الله بالإيمان والطاعة لا بالشرف والرياسة، (ﯯ ﯰ ﯱ).
قيل: الخطاب لنوح ومن آمن معه من قومه، وقيل: هو لنوح وحده، فعلى هذا يكون الخطاب بلفظ الجمع للواحد على سبيل التعظيم 229.
قال ابن كثير: «هذا اعتراض الكافرين على نوح، عليه السلام، وأتباعه، وذلك دليل على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم، فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه، فإن الحق في نفسه صحيح، وسواء اتبعه الأشراف أو الأراذل، بل الحق الذي لا شك فيه أن أتباع الحق هم الأشراف، ولو كانوا فقراء، والذين يأبونه هم الأراذل، ولو كانوا أغنياء.
ثم الواقع غالبًا أن ما يتبع الحق ضعفاء الناس، والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته، كما قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ) [الزخرف:٢٣].
ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم، قال له فيما قال: أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم؟ قال: بل ضعفاؤهم. فقال هرقل: هم أتباع الرسل230.
وقوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [الأحقاف:١١].
أي: وقال الذين كفروا للذين آمنوا -على سبيل الذم والسخرية والاستخفاف بهم-، لو كان هذا الذي أنتم عليه من الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حقًا وخيرًا، لما سبقتمونا إليه، ولما سبقنا إليه غيركم من المؤمنين لأننا نحن العظماء الأغنياء، وأنتم الضعفاء الفقراء231.
إن مقاصد الذم في القرآن الكريم هو الحرص على الحفاظ على الكليات الخمس الضرورية: (الدين والعقل والنفس والمال والنسل)، وصيانتها من كل ما يفسدها ويدمرها، وبيان ذلك كما يأتي:
أولًا: الذم لحفظ الدين:
ومن مقاصد الذم في القرآن الكريم هو تطهير المجتمع الإسلامي من العقائد الفاسدة الموروثة، والحفاظ على العقيدة الصحيحة، والتي هي سبب الفوز والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.
وهي السبب في الحفاظ على الفرد والأسرة والمجتمع، وهي التي تحفظ الفرد من البدع والضلالات والشبهات، ولذلك ذم الله تعالى كل العقائد الفاسدة والسبل المؤدية إلى الضلال من الشرك والكفر، واليهودية، والنصرانية، والمجوسية، وعباد القبور، وسائر أهل الملل والأوثان، والشذوذ والأهواء والطوائف، كما بين العاقبة السيئة التي انتهى إليها كل هؤلاء بسبب كفرهم وإعراضهم عن الحق، وأشير إلى ذلك في آيات كثيرة، كما سبق في البحث232.
وكما ذم القرآن الكريم كل العقائد الفاسدة وتوضيحها وتطهير المجتمع منها، فقد ذم أيضًا كل ما يفسد الدين من الأخلاق القبيحة والفاسدة، وعالج عناصر الضعف البشري مع علاج رواسب الجاهلية والعصبية، في كل صورها وإقامة هذا المجتمع الجديد، الفريد في تاريخ البشرية، على القاعدة الطيبة النظيفة الصلبة المتينة التي لا تدنسها شوائب الهوى والمصلحة والعصبية، والتي لا تترجرج مع الأهواء والميول والشهوات!233.
وعامة ما ذم الله به المشركين في القرآن من الدين المنهي عنه إنما هو الشرك والتحريم، كما حكي عنهم في قوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ) [الأنعام:١٤٨]، وأما من ترك المأمور به فقد ذمهم الله كما ذمهم على ترك الإيمان به وبأسمائه وآياته وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت والجنة والنار وترك الصلاة والزكاة والجهاد وغير ذلك من الأعمال234.
ولأهمية الدين في حياة البشر فقد ذم القرآن الكريم الكفار والمنافقين، وبين حقيقة حالهم وقبح أعمالهم، وما يعقبها من الفساد والضرر بهم وسخط الله تعالى عليهم، واستحقاقهم لعقابه، وبعدهم من رحمته وثوابه؛ بقصد الإنذار والوعظ، لأجل التنفير والزجر، ولذلك تراها موجهة إليهم بوصفهم أو إلى وصفهم العام: المشركين، الكافرين، المنافقين، الفاسقين، الظالمين، المجرمين، المفسدين، أو الخاص بطائفة منهم، كبعض الأحبار والرهبان لا كلهم دون الأشخاص المعينين بأسمائهم وألقابهم، مهما يكن من شدة كفرهم وإيذائهم للنبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين، كعبد الله بن أبي ابن سلول رئيس المنافقين الذي كان شرهم وأجرأهم على الضرر، فقد كان ضرره في المدينة أشد من ضرر أئمة الكفر والشرك في مكة؛ كأبي جهل235.
ثانيًا: الذم للحفاظ على العقل:
ومن مقاصد الذم في القرآن الكريم: الحفاظ على العقل، فقد ذم القرآن الكريم كل ما كان ضارًا بالأفراد في عقولهم، وإنما أتى على ذم من قدم ذكره من الشخصيات والأمم المكذبة لعدولهم عن النظر السديد، اعتمادًا على الأهواء والتقليد، ونبذًا للعقل والإنصاف، ولو عقل أولئك الأمم لأدركوا بعقولهم صدق الرسل في دعوتهم، ولنبذوا معبوداتهم من دونه جل وعلا، وأجابوا الرسل، فلم يهلكوا، ولكنهم انحرفوا عن ميدان الإنصاف والعقل، فكذبوا فهلكوا.
ثالثًا: الذم للحفاظ على النفس:
ومن مقاصد الذم: الحفاظ على النفس وصيانتها من الاعتداء عليها، وشمل الذم في القرآن الكريم كل ما كان يعمله أهل الجاهلية، فكانت الجاهلية تقتل أولادها خشية كثرة العيلة، ودخول الفقر عليهم إذا كثروا، فأنزل الله تبارك وتعالى: (ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [الأنعام:١٥١].
وقوله سبحانه: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ) [الأنعام:١٥١].
أي: حرم قتلها بأن عصمها بالإسلام أو بالعهد، فيخرج الحربي ويدخل الذمي، فما روي عن ابن جبير من كون المراد بالنفس المذكورة النفس المؤمنة ليس في محله، (ﯻ ﯼ)، استثناء مفرغ من أعم الأحوال، أي: لا تقتلوها في حال من الأحوال إلا حال ملابستكم بالحق الذي هو أمر الشرع بقتلها.
وذلك كما جاء من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق الجماعة)236.
أو من أعم الأسباب، أي: لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسبب الحق وهو ما في الخبر، أو من أعم المصادر، أي: لا تقتلوها قتلًا إلا قتلًا كائنًا وهو القتل بأحد المذكورات237.
والحفاظ على النفس يشيع في المجتمع الأمن والسلام ويقضي على كل مظاهر العنف، ويحفظ التعايش مع جميع المجتمعات والأمم والشعوب، فالإسلام دين السلام والتعايش والقبول بالآخر، ويرفض كل أشكال العنف والتطرف بجميع أشكاله وأنواعه وصوره.
رابعًا: الذم للحفاظ على المال:
ومن مقاصد الذم: الحفاظ على الأموال، فقد ذم القرآن الكريم كل ما كان ضارًا بالأفراد في أموالهم، وقد نهى الإسلام عن المعاملات، التي قامت على أكل المال بالباطل، كالربا والميسر والغش وبيع الغرر، وستر العيب، وغيرها مما ينطوي على الظلم، وتحريم تطفيف المكيال والميزان، ووجوب الصدق والبيان، وتحريم الكذب والخيانة.
وهذا المنهج الإسلامي في بناء الأخلاق يقتضي أيضًا الفضائل والقضاء على الرذائل، بأن تقوم المعاملات على تزكية الإنسان بالآداب الكريمة والأخلاق الفاضلة، وعلى المحافظة على الشعائر والقيم الإسلامية النبيلة، وإلا اهتز نظام المجتمع، وتدمرت حياة الفرد، لفقدان الثقة، وغروب الأمن والطمأنينة، فتستعر المعاملات بالرشوة، والاختلاس والغش.
ولذلك وصف الله عباده المؤمنين في تجارتهم وبيعهم ومعاملاتهم بقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [النور:٣٧-٣٨].
فحفظ القرآن الكريم أموال الناس من الضياع، وحذر أصحاب النفوس الضعيفة من المساس بها، وحفظ الموازين في التجارة لتستقيم المعاملات، وعمل على حفظ مال الفرد والجماعة والأمة، وأشير لذلك في قوله تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ) [المطففين:١-٦].
خامسًا: الذم للحفاظ على النسل:
ومن مقاصد الذم في القرآن الكريم: الحفاظ على النسل والعرض، فقد ذم القرآن الكريم كل ما كان ضارًا بالأفراد في أنفسهم وأعراضهم.
وأشير إلى ذلك في قوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [الأعراف:٨٠-٨١].
والإسراف الذي يدمغهم به لوط هو الإسراف في تجاوز منهج الله الممثل في الفطرة السوية، والإسراف في الطاقة التي وهبهم الله إياها، لأداء دورهم في امتداد البشرية ونمو الحياة، فإذا هم يريقونها ويبعثرونها في غير موضع الإخصاب، فهي مجرد «شهوة» شاذة؛ لأن الله جعل لذة الفطرة الصادقة في تحقيق سنة الله الطبيعية، فإذا وجدت نفس لذتها في نقيض هذه السنة، فهو الشذوذ إذن والانحراف والفساد الفطري، قبل أن يكون فساد الأخلاق، ولا فرق في الحقيقة. فالأخلاق الإسلامية هي الأخلاق الفطرية، بلا انحراف ولا فساد238.
وإنما ذمهم وعيرهم ووبخهم بهذا الفعل الخبيث، لأن الله تعالى خلق الإنسان وركب فيه شهوة النكاح لبقاء النسل وعمران الدنيا، وجعل النساء محلًا للشهوة وموضعًا للنسل، فإذا تركهن الإنسان وعدل عنهن إلى غيرهن من الرجال فقد أسرف وجاوز واعتدى، لأنه وضع الشيء في غير محله وموضعه الذي خلق له، لأن أدبار الرجال ليست محلًا للولادة التي هي مقصودة بتلك الشهوة للإنسان239.
والقاعدة الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، وهي قاعدة النظافة والطهارة والعفة والأخلاق، فنهاهم عن الفواحش ظاهرها وخافيها؛ لأنه لا يمكن قيام أمة، ولا استقامة مجتمع، ولا أسرة في وحل الفواحش ما ظهر منها وما بطن، إنه لا بد من طهارة ونظافة وعفة لتقوم الأسرة وليقوم المجتمع، والذين يحبون أن تشيع الفاحشة هم الذين يحبون أن تتزعزع قوائم الأسرة وأن ينهار المجتمع، والجماعة التي تشيع فيها الفاحشة جماعة ميتة، منتهية حتمًا إلى الدمار، والحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية والحضارة الفارسية، شواهد من التاريخ، ومقدمات الدمار والانهيار في الحضارة الغربية تنبئ بالمصير المرتقب لأمم ينخر فيها كل هذا الفساد، والمجتمع الذي تشيع فيه المقاتل والثارات، مجتمع مهدد بالدمار.
ومن ثم يجعل الإسلام عقوبة هذه الجرائم هي أقسى العقوبات، لأنه يريد حماية مجتمعه من عوامل الدمار، وأشير إلى ذلك في قوله تعالى: (ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [الإسراء:٣٢].
وقوله سبحانه: (ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [الأنعام:١٥١]240.
والخلاصة: أن الذم في القرآن الكريم من أجل الحفاظ على الكليات الضرورية للفرد والمجتمع، وهي: الدين والنفس والعرض والمال والعقل، وكل ما فيه صلاح المجتمع وسلامته، والحفاظ على أمنه ووحدته واستقراره بما يكفل له سبل الحياة الكريمة، فإذا هم اجتنبوا ذلك كثر في الأمة الخير، وندر فيها وقوع الشر، وائتلفت قلوب أهليها، وسعدوا في دنياهم وآخرتهم، وإصلاح الله تعالى لحال البشر كان بهداية الدين وإرسال الرسل، وتمم ذلك ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين الذي كان رحمة للعالمين، فبه أصلحت عقائد البشر، وهذبت أخلاقهم وآدابهم بما جمع لهم فيها من مصالح الروح والجسد، وما شرع لهم من التعاون والتراحم، وبما حفظ لهم من العدل والمساواة، وبما شرع لهم من الشورى المقيدة بقاعدة درء المفاسد وحفظ المصالح، وبذا امتاز به دينهم عن بقية الأديان 241.
موضوعات ذات صلة: |
الحمد، المدح |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٣٤٥.
2 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٢٢٠، المصباح المنير، الفيومي ١/٢١٠.
3 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٥/٦٠، معجم لغة الفقهاء، محمد رواس ص ٢١٤.
4 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ٢٦٠.
5 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١٢/٣١٨، المصباح المنير، الفيومي ١/٣٠٤.
6 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ٢٠٢.
7 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/٤٥٥.
8 انظر: التوقيف على مهمات التعاريف، المناوي ص ١٩٠.
9 انظر: لسان العرب، ابن منظور ٢/٥٨٩، المصباح المنير، الفيومي ٢/٥٦٦، الكليات، الكفوي ص ٨٥٧.
10 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ٢٠٧.
11 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٦/٩٢.
12 انظر: المصدر السابق.
13 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٣٣٦.
14 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٥٠٦.
15 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٣٣٧.
16 انظر: تفسير المراغي ٩/٢٠٣.
17 أخرجه الطبري في تفسيره ١٣/٥٢٣.
18 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٣١٠، غرائب القرآن، النيسابوري ٣/٣٩٦.
19 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٣٣٩.
20 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٥/٢٧٣.
21 انظر: تفسير السمرقندي ٣/٥٥٦، روح المعاني، الألوسي ١٥/٢٧٣.
22 انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٤٦٠، روح المعاني، الألوسي ١٥/٢٧٣.
23 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/١٩٢.
24 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٥/٢٧٤.
25 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٩/٤٢٨.
26 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/١٩٠.
27 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٥/٢٧٥.
28 انظر: المصدر السابق.
29 المصدر السابق ١٥/٢٧٦.
30 انظر: مدارك التنزيل، النسفي ٣/٦١٤.
31 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٥/٣١٩.
32 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٥/٢٧٧.
33 انظر: المصدر السابق.
34 انظر: المصدر السابق.
35 الجامع لأحكام القرآن ١٩/٢٥٥.
36 انظر: بيان المعاني، عبد القادر ملا ٢/٤٩٣.
37 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٩٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٤٧.
38 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢٨٨.
39 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/١٩٦، تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٣٤٧.
40 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢٨٩.
41 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥/٤٨٠.
42 انظر: البحر المحيط، أبو حيان ٥/٤٨٠، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢٨٩.
43 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٨٥.
44 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٥٤٠.
45 انظر: فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن، زكريا الأنصاري ١/٥٦٠.
46 انظر: تفسير المراغي ٢٨/٦٢.
47 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس ١٤/٨٩٢.
48 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبدالكريم يونس ١٤/٨٩٢.
49 انظر: تفسير المراغي ٢٨/٦٣.
50 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٢/٧٥.
51 انظر: روح البيان، إسماعيل حقي ٧/٢٥٤.
52 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد ٧/٢٨٧.
53 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٢٨٦.
54 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد ٧/٢٨٧.
55 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٢٨٦.
56 انظر: تفسير الراغب الأصفهاني ٥/٤١٦.
57 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١/٤٢٢، مدارك التنزيل، النسفي ١/٩٣، لباب التأويل، الخازن ١/٤٩.
58 انظر: لباب التأويل، الخازن ١/٤٩.
59 انظر: المصدر السابق.
60 انظر: تفسير المراغي ١/١٣٣.
61 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٤/٢٤٩.
62 تفسير المنار ١/٢٧٦.
63 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٤/٢١١.
64 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد ١٠/٣٤٤.
65 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ٢٣٧.
66 انظر: تفسير المراغي ٦/١٥٠.
67 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٤/٢١١.
68 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٩٢٨.
69 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٢/١٣٤.
70 انظر: تفسير المراغي ٩/١٩٢.
71 انظر: الجواهر الحسان، الثعالبي ٢/٢٩٨.
72 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٣/٢٩٩.
73 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٣/٢٩٩.
74 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٧٥٤.
75 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٣/٢٩٩.
76 في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٧٥٤.
77 انظر: المصباح المنير، الفيومي ٢/٥٢٨، التعريفات، الجرجاني ص ١٨٣، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٤/١٠.
78 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي ٧/٥٥٣، التفسير الوسيط، طنطاوي ١٤/٢٦٧.
79 انظر: تفسير المراغي ٢٨/٢٢.
80 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/٤٨.
81 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٤/٢٦٨.
82 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/٤٨.
83 انظر: المصدر السابق.
84 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٧/٤٢.
85 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس ٦/٩٧٤.
86 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/١٢٤.
87 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢١/٣٥.
88 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٧/٤٢.
89 انظر: تفسير المراغي ٩/٤٢.
90 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٦٩، التفسير الوسيط، طنطاوي ٥/٣٥٨.
91 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٦٩.
92 انظر: تفسير المراغي ٩/٤٣.
93 انظر: النكت والعيون، الماوردي ٢/٢٥٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ٩/٦٩.
94 الجامع لأحكام القرآن ٥/٢٤٣.
95 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص ١٢٦.
96 انظر: المصدر السابق.
97 انظر: التعريفات، الجرجاني ص ١٦١.
98 انظر: تفسير المراغي ٥/٥٩.
99 انظر: تفسير المراغي ٥/٦٠.
100 انظر: المصدر السابق ٥/٦١.
101 انظر: تفسير ابن فورك ٢/٢١٨.
102 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/١١٩.
103 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٢/٣١٢.
104 انظر: مدارج السالكين، ابن القيم ٢/٣١٦.
105 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس ١٣/١٤٤.
106 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٣١، تفسير المراغي ٢٥/٩٩.
107 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٢٣٠.
108 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٧/٢٣١.
109 انظر: تفسير المراغي ١٠/١٦٣.
110 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢٦٥.
111 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٦/٣٥١.
112 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢٦٧.
113 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٦/٣٥٢.
114 انظر: المصدر السابق ٧/٥٥٥.
115 انظر: المصدر السابق ٧/٥٥٦.
116 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد ١/٤٦٩.
117 انظر: روائع البيان تفسير آيات الأحكام، الصابوني ٢/٤٧٨.
118 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٤/٢٥٠٤.
119 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٧٢، التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/١٨٦.
120 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤٥٤.
121 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٤/٢٢.
122 انظر: الكشاف، الزمخشري ٣/٢٢١.
123 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/١٨٧.
124 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/١٧٢.
125 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١/٨٥٦.
126 انظر: تفسير الشعراوي ٢/١١٢٣.
127 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٥٥، محاسن التأويل، القاسمي ٢/١٩٦.
128 انظر: تفسير الشعراوي ٢/١١٢٦.
129 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١/٥٩٣.
130 انظر: تفسير المراغي ٣/٢١.
131 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ١/١٥٥.
132 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٦/٢٧٢.
133 انظر: إرشاد العقل السليم، أبو السعود ٦/٣٢.
134 انظر: المحرر الوجيز، ابن عطية ٤/٥٥٤.
135 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٧٢.
136 انظر: تفسير المراغي ٢٠/١٤٠.
137 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/٢٥٠، تفسير الشعراوي ١٨/١١١٦٤.
138 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/٢٥٠.
139 انظر: تفسير المراغي ٢٠/٩٣.
140 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٠/١٧٦.
141 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٧١١.
142 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٤/١٨٥.
143 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٧١١.
144 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٢/١١٠.
145 انظر: التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس ١٢/١٠٢٦.
146 انظر: المصدر السابق، أضواء البيان، الشنقيطي ٢/٣٥.
147 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٤/٣٥٦.
148 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٨/٣٧٤.
149 انظر: المصدر السابق ٢٨/٣٧٥.
150 انظر: المصدر السابق ٢٨/٣٧٦.
151 انظر: روح المعاني، الألوسي ١٤/٣٥٧.
152 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٦/١١٠.
153 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٧/٢٢٨.
154 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٢/١٠٥.
155 انظر: المصدر السابق ١٢/١٠٦.
156 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٦/١١١.
157 انظر: محاسن التأويل، القاسمي ٦/١١١، التفسير القرآني للقرآن، عبد الكريم يونس ٦/١١٦٠.
158 انظر: تفسير المراغي ٢٤/١١٧.
159 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/٢٦٢.
160 انظر: تفسير المراغي ٢٤/١١٨.
161 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٤/٢٦٢.
162 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/٤٧٥.
163 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٠/٣٧.
164 انظر: تفسير المراغي ١٨/٢٦.
165 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٠/٣٨.
166 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٠/١٩٦.
167 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/١٥٠.
168 انظر: اللباب في علوم الكتاب، ابن عادل ١٨/٢٢١.
169 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٢٠٠.
170 انظر: تفسير المراغي ٨/٢٠٤.
171 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٢٢٩.
172 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٢٣٠، التفسير الوسيط، طنطاوي ٥/٣١٥.
173 انظر: تفسير المراغي ٨/٢٠٤.
174 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٥/٣١٥.
175 انظر: تفسير المراغي ٨/٢٠٤، التفسير الوسيط، طنطاوي ٥/٣١٥.
176 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٢٣١.
177 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٥/٣١٥.
178 انظر: تفسير المراغي ٨/٢٠٥.
179 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٢٣٢.
180 انظر: تفسير المراغي ٨/٢٠٥.
181 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٨/٢٣٥.
182 انظر: تفسير المراغي ٨/٢٠٦.
183 انظر: المصدر السابق.
184 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٥/٣١٦.
185 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٥/١٩٥.
186 انظر: تفسير المراغي ١٦/١٨.
187 انظر: تفسير المراغي ١٦/١٩.
188 انظر: المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٧١٤.
189 انظر: تفسير المراغي ٢/٤٦.
190 انظر: المصدر السابق ١٠/٢٠.
191 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٦/١٣٣.
192 انظر: المصدر السابق.
193 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٦/٣٢٩٠.
194 انظر: تفسير المراغي ١٧/١١٠.
195 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٩/٣٠٦.
196 انظر: المصدر السابق ٩/٣٠٧.
197 انظر: تفسير المراغي ٢١/٨١.
198 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٣/١٢٤.
199 انظر: تفسير المراغي ١٠/١٥٥.
200 انظر: في ظلال القرآن ٣/١٦٧٣.
201 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٦/٣٤٣.
202 انظر: تفسير المراغي ١٠/١٥٦.
203 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٦/٣٤٣.
204 انظر: تفسير المراغي ١٠/١٥٦.
205 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٦٧٣.
206 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٦/٣٤٤.
207 انظر: المصدر السابق.
208 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٠/٢٥٦.
209 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٦/٣٤٤.
210 انظر: الذم والمدح في القرآن الكريم، معن الحيالي ١/٢٦٦.
211 انظر: تفسير المراغي ٣٠/٢١٦.
212 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٥/٤٧٢.
213 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ٣٠/٤٨٤.
214 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٣/٧٠.
215 انظر: تفسير المراغي ٢٥/٧٨.
216 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٠/١٧٥.
217 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١١٣.
218 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٩/٣٢.
219 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٠/٢٠٠.
220 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/١١٣، التفسير الوسيط، طنطاوي ١٠/٢٠٠.
221 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٥/٢٥٦٥.
222 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٠/٢٠٠.
223 انظر: تفسير المراغي ١٨/١٥٠.
224 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور ١٨/٣٢٢.
225 انظر: تفسير المراغي ١٨/١٥٠.
226 انظر: المصدر السابق ١٨/١٥١.
227 انظر: تفسير المراغي ١٨/١٥٠.
228 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٦/٩٤.
229 انظر: لباب التأويل، الخازن ٢/٤٨١.
230 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣١٦.
231 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٣/١٨٧.
232 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٧/١٣٨، تفسير القرآن الكريم، ابن القيم ص ١٨، تفسير المراغي ٢٥/٢٥، في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢١٧.
233 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٢/٧٥٢.
234 انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٠/١١٣.
235 انظر: تفسير المنار، محمد رشيد ١١/١٠٦.
236 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب قول الله تعالى: (أن النفس بالنفس..)، رقم ٦٨٧٨، ٩/٥، ومسلم في صحيحه، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب ما يباح به دم المسلم، رقم ١٦٧٦، ٣/١٣٠٢.
237 انظر: روح المعاني، الألوسي ٤/٢٩٨.
238 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٣١٥.
239 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٥/٣١٦.
240 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٢٣٠.
241 انظر: تفسير المراغي ٨/١٧٨.