عناصر الموضوع

مفهوم الذنب

الذنب في الاستعمال القرآني

الألفاظ ذات الصلة

الله غافر الذنب

مراتب الذنوب

مكفرات الذنوب

آثار الذنوب في الدنيا والآخرة

الذنب

مفهوم الذنب

أولًا: المعنى اللغوي:

الذنب من أذنب يذنب إذنابًا، والذنب هو الاثم والجرم والمعصية، والذنب مفرد، والجمع ذنوب، وجمع الجمع ذنوبات، ويقال: قد أذنب الرجل، أي: صار ذا ذنب، ويطلق الذنب على كل أمر غير مشروع يرتكب1.

ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:

قال الجرجاني: «الذنب ما يحجبك عن الله تعالى»2.

وقال المراغي في تفسيره: «الذنب هو التقصير في المعاملة بين العبد وربه»3.

وقال الشنقيطي: «الذنب هو الجريمة التي يستحق صاحبها النكال»4.

وبالنظر في التعريفات السابقة نجد أنه لا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، ويمكن تعريف الذنب بأنه: كل فعل يستقبح شرعًا، ويستحق صاحبه العقوبة من الله تعالى.

الذنب في الاستعمال القرآني

وردت مادة (ذنب) الدالة على (الذنب) في القرآن الكريم(٣٧) مرة5.

والصيغ التي وردت هي:

الصيغة

عدد المرات

المثال

اسم (مفرد)

١١

( ) [الشعراء:١٤]

اسم (جمع)

٢٦

( ) [آل عمران:١٣٥]

وجاء الذنب في القرآن الكريم بمعناه اللغوي، وهو الإثم والجرم والمعصية6.

قال الله سبحانه وتعالى: ( ) [الملك:١١]، أي: فأقروا بمعصيتهم وجرمهم.

الألفاظ ذات الصلة

الإثم:

الإثم لغة:

من أثم. الهمزة والثاء والميم أصل واحد، يدل على التأخر7

الإثم اصطلاحًا:

عرفه الجرجاني بأنه: «ما يجب التحرز منه شرعًا وطبعًا»8، وهو أيضًا التأخر عن فعل الطاعات9.

الصلة بين الذنب والاثم:

الذنب عبارة عن ارتكاب المحظور، أما الإثم فهو التقصير في عمل مطلوب10.

الجرم:

الجرم لغةً:

هو الكسب، وجمعها أجرام وجروم11.

الجرم اصطلاحًا:

«هو الجناية والذنب العظيم»12.

الصلة بين الذنب والجرم:

الذنب يقال في معرض بيان العقوبة المترتبة على ارتكاب المخالفة، أما الجرم فيقال في معرض الاستقباح والذم للفعل الذي يخالف أمر الله أو يهينه13.

الخطيئة:

الخطيئة لغةً:

هي الذنب، وجمعها خطايا14.

الخطيئة اصطلاحًا:

«هي الذنب المقصود المتعمد»15.

الصلة بين الذنب والخطيئة:

الذنب إما أن يكون خطأ، وإما أن يكون عمدًا16، أما الخطيئة فلا تكون إلا عمدًا17.

السيئة:

السيئة لغةً:

من سوء بمعنى القبح18.

السيئة اصطلاحًا:

«هي التقصير في حقوق العباد ومعاملة الناس بعضهم بعضًا»19.

الصلة بين الذنب والسيئة:

الذنب يكون بالتقصير في حق الله تعالى20، أما السيئة تكون بالتقصير في حق العباد21.

الله غافر الذنب

من رحمة الله تعالى بعباده أنه لم يغلق باب العفو والصفح عمن ضل طريق الحق باتباع أهوائه وشيطانه، فقال تعالى: ( ﮮﮯ ﯕﯖ ) [الزمر: ٥٣].

ولأهمية العفو والمغفرة في حياة المؤمن لزم التعرف على معنى كلًا من العفو والمغفرة، وعلى الفرق بينهما، وعلى مدى عفو ومغفرة الله تعالى لعباده المذنبين.

أولًا: المغفرة في حق الله تعالى:

مغفرة الذنوب قضية خاصة بالله تعالى، فلا أحد يملك غفران الذنوب سواه جل وعلا، وهذا ما أكد عليه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: (سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)22.

كما وردت آيات كثيرة تنسب صفة الغفران لله تعالى، منها قوله تعالى:( > ﭴﭵ ﭹﭺ ) [غافر:٢-٣].

ومنه قوله تعالى:( ) [آل عمران:٨٩].

وقوله تعالى: ( ) [ص: ٦٦].

ومنه قوله تعالى: ( ﯠﯡ ﯬﯭ ﯲﯳ ﯾﯿ ﰄﰅ ) [الأعراف: ١٥٥].

وغيرها من الآيات.

ومن أسماء الله تعالى الحسنى:

الغافر: وهو على وزن (فاعل)، وقد ورد في القرآن مرة واحدة في قوله تعالى: ( ﭴﭵ ﭹﭺ )[غافر: ٣].

ومعناه أنه سبحانه يغفر ما سلف من الذنوب23.

الغفَار: صيغة مبالغة على وزن (فعال)، والمعنى أنه جل وعلا هو الذي يستر ذنوب عباده ويغطيها24.

الغفور: صيغة مبالغة على وزن (فعول)، وهي من غفر بمعنى ستر، والفرق بين الغفور والغفار، أن الغفار مبالغة في المغفرة مع تكرارها، أما الغفور أي: مغفرة عالية الجودة شاملة لكافة الذنوب25.

العفو: وهو المتجاوز عن سيئات العباد26.

والفرق بين العفو والمغفرة: أن العفو هو «ترك العقاب على الذنب، والمغفرة تغطية الذنب بإيجاب المثوبة»27.

لذا كان من أهم الدعاء في ليلة القدر، ما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها ؟ قال: قولي، (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)28.

يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: «العفو هو المتجاوز عن سيئات عباده»29.

وكان من أهم ما أوصى به ربنا عباده فعل الخيرات لأنها تزيل السيئات.

قال تعالى: ( ﮯﮰ ﯕﯖ ) [هود: ١١٤].

ومعنى ( ) أي: يغفر الله بهن تلك المعاصي30.

إن في العفو مبالغة ليست في الغفور، فإن الغفران ينبئ عن الستر، والعفو ينبئ عن المحو، وهو أبلغ من الستر، لأن الستر للشيء قد يحصل مع إبقاء أصله، بخلاف المحو فإنه يزيل الشيء جملة وتفصيلًا31.

مما سبق يمكن القول بأن العفو هو محو أصل الذنب مع إسقاط العقوبة المترتبة عليه، أما المغفرة فهي الإبقاء على الذنب مع إسقاط العقوبة المترتبة على هذا الذنب.

ويؤيد ذلك ما جاء في صحيح البخاري عن صفوان بن محرز المازني، قال: بينما أنا أمشي مع ابن عمر رضي الله عنهما آخذ بيده، إذ عرض رجل، فقال: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وستره، فيقول: نعم، أي رب، حتى إذا قر بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم)32.

ثانيًا: علم الله بذنوب عباده:

يقول الله تعالى: ( ﮩﮪ ) [النساء: ١٢٦].

ويقول الله تعالى: ( ) [الأنفال: ٧٥].

هاتان الآيتان الكريمتان من كتاب الله تعالى، تفيدان بأن الله تعالى:

أولًا: بكل شيءٍ محيط، والمعنى أنه تعالى أحاط بكل شيء علمًا، وقدرة، ورحمة، وتدبيرًا 33.

ثانيًا: عليم بالغيب والشهادة، والظاهر، والباطن، وغير ذلك مما دق أو عظم34.

قال تعالى: ( ` ) [الرعد: ٩-١٠].

وقال تعالى: ( ) [غافر: ١٩].

مما سبق يمكن القول أن ذنوب العباد هي كسائر أعمالهم غير خافية على الله تعالى، سواء أكانت حقيرة أم عظيمة، وهذا ما ذكره القرآن الكريم في مواضع منها:

قوله تعالى: ( ﯿ ﰄﰅ ) [الإسراء: ١٧].

«أي: وكفى بالله خبيرًا بذنوب خلقه مطلعًا عليها، يحصي عليهم أعمالهم ومعاصيهم، فلا يخفى عليه شيء من أفعال المشركين وغيرهم، وهو عالم بجميع أعمالهم خيرها وشرها، لا يخفى عليه منها خافية، والخبير: العليم بهم، والبصير: الذي يبصر أعمالهم، وفي هذا تنبيه على أن الذنوب هي أسباب الدمار والهلاك لا غير، وأن الله عالم بها، ومعاقب عليها»35.

قوله تعالى: ( ﭭﭮ )[الفرقان: ٥٨].

«أي: وحسبك بالحي الذي لا يموت، خبيرًا بذنوب خلقه ما ظهر منها وما بطن، فهو لا يخفى عليه شيء منها، وهو محصيها عليهم ومجازيهم عليها»36.

ومما تجدر الإشارة إليه أن علم الله تعالى بذنوب عباده لا يكون عقب ارتكابها، وإنما يكون قبل ذلك، أي: منذ الأزل، فعلم الله تعالى هو علم أزلي.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن أول ما خلق الله تعالى القلم، فقال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة)37.

كما تجدر الإشارة إلى أن علم الله تعالى الأزلي بأن الذنوب ستقع من العباد لا يؤثر على أفعال العباد، وبالتالي فعلم الله تعالى المسبق بوقوع الذنب لا يحمل صاحب الذنب على اقتراف الذنب، وإنما يكون اقتراف الذنوب باختيار العباد، على الرغم من بيان الله تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم طريق الهداية وحثهم على سلوكه، قال تعالى: ( )[الإنسان: ٣].

يقول سيد سابق في تفسير هذه الآية: «أي: هديناه وأرشدناه إلى طريق الحق والباطل، والخير والشر، والصدق والكذب، فهو إما سلك السبيل الأهدى، فيكون شاكرًا، أو الطريق المعوج، فيكون كفورًا»38.

وهذا يدل على أن الإنسان مخير في أفعاله لا مسير، كما تجدر الإشارة أيضًا إلى أن وقوع الذنوب لا يخرج عن مشيئة الله تعالى: ( )[التكوير: ٢٩].

مراتب الذنوب

مما لا شك فيه أن هنالك تفاوتًا بين المخالفات الشرعية، وهذا الاختلاف يعود إلى تباين الأثر القبيح الذي تتركه تلك الذنوب والمخالفات، ولمزيد المعرفة لهذه المسألة، لابد من التعرف على مراتب ما يرتكبه العباد من الذنوب، وبيان ذلك كما يأتي:

أولًا: الكبائر:

الكبائر: هي الذنوب التي ورد في حقها لعنة أو غضب أو نار أو وعيد شديد39.

يقول تعالى: ( ) [النساء: ٣١].

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)40.

ذكر في هذا الحديث سبعًا من الكبائر، وذكر في أحاديث أخرى غيرها: مثل عقوق الوالدين، قول الزور، اليمين الغموس.

فالكبائر لا تنحصر في عدد معين، فقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن الكبائر أسبع هي ؟ فقال: «هي إلى السبعين أقرب»41.

ومن أمثلة على الكبائر:

١. الشرك بالله.

الشرك بالله من أكبر وأعظم الكبائر.

قال تعالى: ( ) [لقمان:١٣].

وقال تعالى: ( ) [النساء:٤٨].

عن ابن مسعود قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل الله ندًا وهو خلقك) 42.

والشرك بالله ينقسم إلى قسمين:

الأول: الشرك الأكبر: وهو أن يتخذ العبد مع الله شريكًا أو ندًا يعبده كما يعبد الله، ويدعوه كما يدعو الله، ويرجوه كما يرجو الله، ويخافه كما يخاف الله، وهو مخرج من ملة الإسلام، وإن مات صاحبه عليه يكون مخلدًا في نار جهنم، ولا يخفف عنه من عذابها43.

الثاني: الشرك الأصغر: و«هو كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات، والأقوال، والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة»44.

والشرك الأصغر، لا يخرج صاحبه من الملة، وإذا مات عليه ولم يتب منه، فهو تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه، ولو عذبه الله سبحانه، فإنه لا يخلد في النار، وينال الشفاعة بإذن الله تعالى45.

٢. السحر.

السحر: «أمر يمكن تعلم قواعده ومعرفته بالممارسة»46.

قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [البقرة:١٠٢].

ومما سبق يتضح أن السحر من أكبر الكبائر، ومن أعظم المصائب، وهو من الكفر.

٣. قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.

وهو الاعتداء على الإنسان وإزهاق روحه عمدًا دون وجه حق47.

وهذا الفعل حرمه الإسلام، واعتبره من أكبر الكبائر التي توقع صاحبها في الهلاك يوم القيامة.

قال تعالى: ( ) [النساء:٩٣].

٤. أكل الربا.

وهو أخذ زيادة على أصل المال وفائدة دون بيع صحيح مشروع48.

قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [البقرة:٢٧٥].

فلذلك يعتبر الربا من أكبر الكبائر عند الله تعالى، وقد توعد الله صاحبه بالنار، وآذنه بالحرب إن أصر عليه ولم يتب.

قال تعالى: ( £ ¸) [البقرة:٢٧٨-٢٧٩].

٥. أكل مال اليتيم.

قال تعالى: ( ) [النساء:١٠].

حرم الله تعالى أكل مال اليتيم بغير حق، وذلك عن طريق إتلافه، فلا يجوز الاقتراب من مال اليتيم إلا لفائدة أو مصلحة لليتيم، وذلك عن طريق حفظه، واستثماره، وتنميته، والأكل منه حال الفقر والحاجة، حتى يصبح رشيدًا، أي: يبلغ مبلغ الرجال، فبعد ذلك يسلم له المال49.

قال تعالى: ( ﯿ ) [النساء:٦].

٦. التولي يوم الزحف.

أي: الفرار من أرض المعركة، حرم الإسلام الفرار من أرض المعركة، وجعله من المهلكات، والكبائر50.

لذلك فلا يجوز الفرار من أرض المعركة إلا للمكيدة، والخدعة بالأعداء، فالذي يفر من أرض المعركة يستحق الغضب من الله، والعذاب في نار جهنم51.

قال تعالى: ( µ Ì) [الأنفال:١٥-١٦].

٧. قذف المحصنات.

أي: يرمون المسلمات الحرائر العفيفات الطاهرات بالفاحشة، وهن بريئات من ذلك52.

فقد جاء الإسلام ليحفظ أعراض الناس، لذلك حرم الفاحشة، وكل ما يوصل للفاحشة، كما وضع الإسلام عقوبة لمن خاض في أعراض الناس، ولم يأت بأربعة شهود فجزاؤه كما قال تعالى: ( ) [النور:٤].

وقال تعالى: ( ) [النور:٢٣].

ثانيًا: الصغائر:

الصغائر: هي الذنوب اليسيرة التي لم تقترن بوعيد أو بحد مقدر، فالشخص يرتكبها بدون إصرار عليها53.

والذنوب اليسيرة التي يرتكبها الإنسان بدون إصرار عليها أو استهانة بها أو مداومة عليها، إذا أتبعها فاعلها بالتوبة الصادقة النصوح، يذهبها الله تعالى ويغفرها 54.

قال تعالى: ( ) [هود:١١٤].

فالله عز وجل جعل باب التوبة مفتوحًا لعباده.

قال تعالى: ( ﭧ ﭨ ﭰ ﭱ ﭽﭾ ﭿ ﮂ ﮃ) [الفرقان:٦٨-٧٠].

وقد سمى القرآن الكريم الصغائر: لممًا.

قال تعالى: ( ) [النجم:٣٢].

والمقصود بـ(اللمم) في هذه الآية هو ما قل وصغر من الذنوب55.

مكفرات الذنوب

لابد للعبد إذا ما وقع في الذنوب أن يسارع لإزالة أثر تلك الذنوب، لئلا يباغته الموت، فيلقى الله وهو غاضب عنه، فيلقى بذلك ما لا يطيق من العقوبة، وللتمكن من إزالة آثار تلك الذنوب، يجب التعرف على مكفراتها، وفيما يلي الحديث عن أهمها:

أولًا: التوبة والاستغفار:

قال تعالى: ( ) [هود:٣].

في هذه الآية وغيرها من الآيات قدم الله تعالى الاستغفار على التوبة؛ لأن الاستغفار فيه الابتعاد عن الشرك، وما اتصل به من جحود وعناد وإنكار، أما التوبة فهي الرجوع إلى الله تعالى وطاعته فيما أمر والابتعاد عما نهى عنه56.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إلي شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرب إلي ذراعًا، تقربت إليه باعًا، وإذا أقبل إلي يمشي، أقبلت إليه أهرول)57.

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا عل عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: ومن قالها من النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة)58.

والتوبة واجبة على جميع العباد، والدليل على ذلك:

قال تعالى: ( ﯿ ) [النور:٣١].

قوله: () أمر، وكل أمر للوجوب ما لم يصرفه صارف عن الوجوب، لذلك فالتوبة واجبة بإجماع المسلمين من كل ذنب اقترفه الإنسان59.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة)60.

ويشترط لقبول التوبة عدة شروط.

إذا كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى فلها ثلاثة شروط وهي:

  1. أن يقلع العبد عن المعصية.
  2. أن يندم العبد على فعل المعصية.
  3. أن يعزم على عدم العودة إلى المعصية أبدًا.

    أما إذا كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فلها أربعة شروط، الثلاثة السابقة، والشرط الرابع: أن يرد العبد المظالم إلى أصحابها61.

    والتوبة لا تقبل إذا طلعت الشمس من المغرب.

    قال تعالى: ( ﭞﭟ ) [الأنعام:١٥٨].

    عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل جعل بالمغرب بابًا عرضه مسيرة سبعين عامًا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من قبله)62.

    لا تقبل توبة العبد عندما تبلغ روحه الحلقوم ويوقن بالموت.

    قال تعالى: ( J ﭽﭾ ﭿ ) [يونس:٩٠-٩١].

    عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)63.

    والاستغفار يمحو الذنوب ويسترها ويطهر العبد من الخطايا.

    عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع، إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ، إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه)64.

    ثانيًا: الحسنات الماحية:

    قال تعالى: ( ) [هود:١١٤].

    أي: فعل الخيرات والأعمال الصالحة ومن هذه الأعمال الصالحة الصلوات الخمس تكفر الذنوب السالفة65.

    إن فعل الحسنات يقوم على الإيمان، والعمل الصالح.

    ثالثًا: المصائب:

    قد يبتلي الله عز وجل بعض عباده ببعض المصائب، حتى تكون مكفرات لذنوبهم إذا صبروا عليها.

    قال تعالى: ( ﭽﭾ ﭿ ) [التوبة:١٢٠].

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة، أو حط عنه بها خطيئة)66.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)67.

    والمصائب يمكن أن تكفر ذنوب الإنسان، إلا الكفر؛ لأن من لقي الله كافرًا يستحيل أن يتخلف وعيده68.

    قال تعالى: ( ) [النساء:٤٨].

    رابعًا: الدعاء:

    والدعاء بطلب المغفرة وتكفير الذنوب هو من سنن الأنبياء والمرسلين.

    قال نوح عليه السلام:( ) [نوح: ٢٨].

    وقال إبراهيم عليه السلام: ( ) [إبراهيم: ٤١].

    والدعاء بطلب المغفرة من صفات المؤمنين الصالحين.

    قال تعالى: ( ) [الذاريات:١٨].

    وأخبر الله عز وجل أنهم يقولون:( ) [آل عمران:١٩٣].

    آثار الذنوب في الدنيا والآخرة

    الذنوب لها آثار تعود على الفرد فيضل عقله، ويضطرب فؤاده، ويبلى جسده، وأخرى تعود على المجتمع فتتمزق وحدته، ويتشرذم أفراده، وتضيع هيبته، ومن هذه الآثار ما يأتي:

    ١. حرمان العلم.

    العلم نور يقذفه الله تعالى في قلب أهله، والذنوب تطفئ ذلك النور، فيحرم المذنب من العلم69.

    قال تعالى: ( ﯿ ) [الشورى:٣٠].

    ٢. وحشة القلب.

    وهي وحشة يجدها المذنب في قلبه، فلا يشعر بأي لذة حتى ولو اجتمعت له لذات الدنيا كلها، فلم تف بتلك الوحشة، وهي تجعل المذنب يبتعد عن أهل الصلاح ومجالستهم، وبذلك يحرم بركة الانتفاع بهم حتى يقرب من حزب الشيطان، فتقوى هذه الوحشة حتى تقع بينه وبين أقرب المقربين إليه، بل وبينه وبين نفسه70.

    ٣. الذل والندامة.

    إن الذنوب تورث في الإنسان الذل والضعف والإهانة؛ لأن العز لايكون إلا في طاعة الله تعالى71.

    قال تعالى: ( ﭵﭶ ﭽﭾ ﭿ ﮊﮋ ) [الحجرات:٧].

    ٤. انتشار الفساد في الأرض:

    إن الذنوب تسبب أنواعًا من الفساد في الأرض، مثل فساد في الزرع والمياه والهواء والمساكن.

    قال تعالى: ( ﯿ ) [الروم:٤١].

    موضوعات ذات صلة:

    الإسراف، الزنا، الصلاح، العبرة، العذاب، الفواحش، الكفر، النفاق


1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٣٦١، لسان العرب، ابن منظور ١/٣٨٩، تاج العروس من جواهر القاموس، الزبيدي ٢/٤٣٦.

2 التعريفات، الجرجاني ص١٠٧.

3 تفسير المراغي ٤/١٦١.

4 العذب النمير ٥/١٢٠.

5 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبد الباقي ص٢٧٦.

6 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١/ ٣٨٩.

7 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس١/٦٠.

8 التعريفات ص٩.

9 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة٥/٢٦٤٨.

10 انظر: الفروق اللغوية، العسكري١/١٥.

11 انظر: تاج العروس، الزبيدي ٣١/٣٨٦، تفسير لغوي لكلمات القرآن، حسن الجمل ١/٣١٧.

12 التحرير والتنوير، ابن عاشور ١١/٢٤٨.

13 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٢٤٤.

14 انظر: الصحاح، الجوهري ١/٤٨، المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٥/٢٣١.

15 معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن، حسن الجمل ٢/٤٦.

16 انظر: الكليات، الكفوي ص٤٠.

17 انظر: التفسير الوسيط، الواحدي ١/١٤٤.

18 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/١١٣.

19 تفسير المراغي ٤/١٦١.

20 المصدر السابق ٤/١٦١.

21 الفروق اللغوية، العسكري ص٢٢١-٢٢٢.

22 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب أفضل الاستغفار ٨/٦٧، رقم ٦٣٠٦.

23 انظر: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى، محمد التميمي، ص١٨٠.

24 انظر: تفسير أسماء الله الحسنى، الزجاج، ص٣٨.

25 انظر: المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، أبو حامد الغزالي، ص١٠٥.

26 انظر: مذكرة على العقيدة الواسطية، محمد بن صالح العثيمين، ص٣١.

27 الفروق اللغوية، العسكري، ص٣٦٣.

28 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات ٥/٥٣٤، رقم ٣٥١٣.

قال الترمذي: حسن صحيح.

وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، ٧/١٠٠٨، رقم ٣٣٣٧.

29 شرح رياض الصالحين، ابن عثيمين ٥/٢٢٣.

30 انظر: العذب النمير ٣/١٥٢.

31 انظر: الفروق اللغوية، العسكري ص٣٦٣.

32 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم والغضب، باب قول الله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين)، ٣/١٢٨، رقم ٢٤٤١.

33 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٢٠٦.

34 انظر: المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، أبو حامد الغزالي، ص٤٣.

35 التفسير المنير، الزحيلي ١٥/٣٨.

36 تفسير المراغي، ١٩/٣١.

37 أخرجه أحمد في مسنده، حديث عبادة بن الصامت، ٣٧/٣٧٨، رقم ٢٢٧٠٥، والترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة نون، ٥/٤٢٤، رقم ٣٣١٩.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

38 العقائد الإسلامية، ص١٠٢.

39 انظر: الهداية إلى بلوغ النهاية، مكي بن أبي طالب ١٠/٦٦٠٢، اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث، محمد الخميس، ص٧٤.

40 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا)، ٤/١٠، رقم ٢٧٦٦.

41 أخرجه معمر بن راشد، مطبوع ملحقًا بمصنف عبدالرزاق الصنعاني١٠/٤٦٠، رقم ١٩٧٠٢.

42 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده، ١/٩٠، رقم ١٤١.

43 انظر: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن بن حسن، ص٢٨٣، تيسير العزيز الحميد، سليمان بن عبد الله ص٣٣٠.

44 القول السديد شرح كتاب التوحيد، السعدي ص٥٨.

45 انظر: سد الذرائع في مسائل العقيدة على ضوء الكتاب والسنة الصحيحة، عبد الله الجنيدي، ص٢٠٨، عقيدة محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي، صالح بن عبد الله العبود ٢/٦٩٤.

46 انظر: الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، عبد السلام اللوح، ص١٤.

47 انظر: التفسير المنير، وهبة الزحيلي ١٩/١١٥.

48 انظر: الكشف والبيان، الثعلبي ٢/٢٨٠.

49 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص١٦٣، التفسير الوسيط، الزحيلي ٢/١٣٤٦.

50 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٢٦.

51 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب ٣/١٤٨٧.

52 انظر: تفسير يحيى بن سلام ١/٤٢٧، مدارك التأويل، النسفي ٢/٤٨٨، أضواء البيان، الشنقيطي ٥/٤٢٩.

53 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٣/١٣٠، التفسير الوسيط، وهبة الزحيلي ١/٣١٢.

54 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٣/١٣٠.

55 انظر: البحر المديد، ابن عجيبة ٥/٥١١، التفسير الواضح، محمد حجازي ٣/٥٦١.

56 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة، ٧/٣٦٦٢.

57 أخرجه مسلم في صحيحه،كتاب التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها، ٤/٢١٠٢، رقم ٢٦٧٥.

58 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الدعوات، باب أفضل الاستغفار، ٨/٦٧، رقم ٦٣٠٦.

59 انظر: العذب النمير ١/٣٤٧.

60 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، ٤/٢٠٧٥، رقم ٢٧٠٢.

61 انظر: لباب التأويل، الخازن، ٤/٩٩.

62 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب في فضل التوبة والاستغفار، ٥/٤٣٧، رقم ٣٥٣٦.

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٧٧١، رقم ٤١٩١.

63 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الدعوات، باب في فضل التوبة والاستغفار، ٥/٤٣٨، رقم ٣٥٣٧.

قال الترمذي: حديث حسن غريب.

وحسنه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٨٦، رقم ١٩٠٣.

64 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، ٤/١٩٩٤، رقم ٢٥٧٧.

65 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٤/٣٥٥.

66 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البر و الصلة والآداب، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض، ٤/١٩٩١، رقم٢٥٧٢.

67 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، ٧/١١٤، رقم٥٦٤١.

68 انظر: موسوعة الفقه الإسلامي، محمد التويجري ٤/٦٢٠.

69 انظر: مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله ٦/٢٤٢.

70 انظر: الداء والدواء، ابن القيم، ص٥٢.

71 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٥.