عناصر الموضوع
الذل
أولًا: المعنى اللغوي:
تدل مادة (ذلل) على الخضوع والاستكانة واللين1.
والذُل: نقيض العز، يقال: ذَل يَذِل ذُلًا وذِلة وذِلَالة ومَذَلَة، وتذلل له، أي: خضع، والذِل بالكسر: اللين، وهو ضد الصعوبة2.
وقال الراغب: «الذُل: ما كان عن قهر، والذِل بعد تصعب وشماس3 من غير قهر، ذلت الدابة بعد شماس ذِلًا، وهي ذلولٌ، أي: ليست بصعبة»4.
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
قال ابن عاشور: « الذلة: خضوع في النفس واستكانة من جراء العجز عن الدفع»5.
من خلال هذا التعريف، يلاحظ أن ابن عاشور اقتصر على تعريف الذل المذموم، وهو المتبادر إلى الذهن.
وقال العسكري: « الذلة: الضعف عن المقاومة، ونقيضها العزة، وهي القوة على الغلبة، ومنه الذلول وهو المقود من غير صعوبة؛ لأنه ينقاد انقياد الضعيف عن المقاومة، وأما الذليل فإنه ينقاد على مشقة»6.
وردت مادة (ذلل) في القرآن الكريم (٢٤) مرة، يخص موضوع البحث منها (١٨) مرة7.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة |
عدد المرات |
المثال |
الفعل المضارع |
٢ |
(ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ) [طه:١٣٤] |
المصدر |
١٠ |
(ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الإسراء:٢٤] |
اسم التفضيل |
٢ |
(ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ) [المنافقون:٨] |
الاسم |
٤ |
(ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [آل عمران:١٢٣] |
وجاءت كلمة الذل في القرآن على وجهين8:
الأول: القلة، ومنه قوله تعالى: (ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [آل عمران:١٢٣]، أي: قليلًا.
الثاني: التواضع، ومنه قوله تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) [المائدة: ٥٤]، أي: متواضعين على المؤمنين.
الصغار:
الصغار لغة:
الصَغار، بالفتح: الذل والضيم، وكذلك الصغر، بالضم، والمصدر الصغر، بالتحريك، يقال: قم على صغرك وصغرك، الليث: يقال صغر فلانٌ يصغر صغرًا وصغارًا، فهو صاغر، إذا رضي بالضيم وأقر به، قال تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ) [التوبة: ٢٩]9.
الصغار اصطلاحًا:
هو الاعتراف بالذل والإقرار به10.
الصلة بين الذل والصغار:
الصغار زيادة في الإذلال والهوان11.
الخزي:
الخزي لغة:
خزي خزيًا ومخزاة: ذل، وأخزاه الله، وهو من أهل المخازي والمخزيات، ورجل خز، وامرأة خزية. وخزوته: قهرته12، وخزي الرجل لحقه انكسار، إما من نفسه وإما من غيره13.
وفي لسان العرب: «المخزى في اللغة، المذل المحقور بأمرٍ قد لزمه بحجة، وكذلك أخزيته ألزمته حجةً إذا أذللته بها»14.
الخزي اصطلاحًا:
جميع الآيات التي ورد فيها مادة (خزي) تدور حول معنى الذل والهوان والفضيحة.
الصلة بين الذل والخزي:
الخزي ذلٌ مع افتضاح، وقيل: هو الانقماع لقبح الفعل، والخزاية الاستحياء؛ لأنه انقماع عن الشيء لما فيه من العيب، قال ابن درستويه: الخزي الإقامة على السوء، خزي يخزى خزيًا، وإذا استحيا من سوء فعله أو فعل به قيل: خزي يخزى خزاية؛ لأنهما في معنى واحد، وليس ذلك بشيء؛ لأن الإقامة على السوء والاستحياء من السوء ليسا بمعنى واحد15.
الخضوع:
الخضوع لغة:
الانقياد والمطاوعة16.
جاء في كتاب جمهرة اللغة مادة (خ ض ع) «خضع الرجل، يخضع خضوعًا إذا ذل، وكل ذليل خاضع»17.
الخضوع اصطلاحًا:
إظهار الانقياد والطاعة لذي سلطان.
الصلة بين الذل والخضوع:
الذل: الانقياد كرهًا، ونقيضه العز، وهو الإباء والامتناع، والانقياد على كره، وفاعله ذليل، والذل والانقياد طوعًا، وفاعله ذلول18.
أما الخضوع: فهو التطامن، والتطأطؤ، والخاضع المطأطئ رأسه وعنقه19.
ينقسم الذل إلى نوعين من جهة أنه محمود ومذموم، ولقد ذكر القرآن الكريم كلا القسمين، فمن أشرف أنواع الذل المحمود الذي يكون مع الخالق عز وجل ثم مع الوالدين ثم مع المؤمنين، وفي المقابل الذل المذموم الذي يكون مع ما يعبد من دونه عز وجل، أو مع الحكام المستبدين، أو مع الشيطان.
أولًا: ذل محمود:
١. الذل مع الله.
من أشرف أنواع الذل المحمود هذا الذي يكون مع الخالق عز وجل، وهذا الذل عنوان العز والشرف والنصر في الدنيا والآخرة.
إن الحكمة من خلق الإنسان هي: عبادة الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ) [الذاريات:٥٦].
يقول ابن عطية في تفسير هذه الآية: «ما خلقت الإنس والجن إلا معدين ليعبدوني، وكأن الآية تعديد نعمه، أي: خلقت لهم حواسًا وعقولًا وأجسامًا منقادة نحو العبادة، وهذا كما تقول: البقر مخلوقة للحرث، والخيل للحرب، وقد يكون منها ما لا يحارب به أصلًا، فالمعنى أن الإعداد في خلق هؤلاء إنما هو للعبادة، لكن بعضهم تكسب وصرف نفسه عن ذلك»20.
والعبادة هي: إظهار الخضوع والذل للمعبود عز وجل21.
قال ابن القيم في النونية22:
وعبادة الرحمن غاية حبه
مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر
ما دار حتى قامت القطبان
وقال ابن القيم أيضًا: «والعبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع، والعرب تقول: طريق معبد، أي: مذلل، والتعبد: التذلل والخضوع، فمن أحببته ولم تكن خاضعًا له، لم تكن عابدًا له، ومن خضعت له بلا محبة لم تكن عابدًا له حتى تكون محبًا خاضعًا»23.
فتحقيق الذل إذًا يكون بتحقيق العبودية لله تعالى وحده.
قال الذهبي: «من خصائص الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما: غاية الحب مع غاية الذل، هذا تمام العبودية، وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين، فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله فقد شبهه في خالص حقه»24.
يحكى عن بعض العارفين، أنه قال: دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام، فلم أتمكن من الدخول، حتى جئت باب الذل والافتقار، فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه، ولا مزاحم فيه ولا معوق، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته، فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي وأدخلني عليه25.
٢. الذل مع الوالدين.
قال تعالى: (ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) الإسراء:٢٤].
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره: وكن لهما ذليلًا رحمة منك بهما، تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية، ولا تخالفهما فيما أحبا»26.
وقال السعدي: «تواضع لهما ذلًا لهما ورحمة واحتسابًا للأجر؛ لا لأجل الخوف منهما أو الرجاء لما لهما، ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد»27.
جاء في الحديث الذي يرويه عبدالله ابن مسعودٍ قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها. قال: ثم أيٌ؟ قال: بر الوالدين. قال: ثم أيٌ؟ قال: الجهاد في سبيل الله)28.
فقرن الله بر الوالدين بعبادته وحده لا شريك له، وجعله في المنزلة الثانية من أحب الأعمال إليه بعد الصلاة لأكبر دليل على عظم هذا الأمر.
ولا نعمة تصل إلى الإنسان أعظم وأجل من نعمة الخالق عليه، ثم نعمة الوالدين، فمن أعظم الحقوق علينا بعد حق الله عز وجل حق الوالدين، وقد ذكر الله عز وجل بهذا الحق في جملة من آياته، وجعله مقرونًا بعبادته.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ) [النساء:٣٦].
وقال تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ) [البقرة:٨٣].
وذكر الله بر الوالدين مقرونًا بتوحيده، وإخلاص العبادة له، يدل على شدة تأكد وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما إحسانًا تامًا في المعاملة29.
[انظر التواضع: خفض الجناح للوالدين وللمؤمنين]
٢. الذل مع المؤمنين.
وهو بمعنى التراحم والتواضع والعطف، وليس بمعنى التذلل والانكسار على وجه الضعف والخور.
قال تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [المائدة:٥٤]
قال الطبري: «(ﮪ ﮫ ﮬ)، أرقاء عليهم، رحماء بهم، ويعني بقوله: (ﮭ ﮮ ﮯ)، أشداء عليهم، غلظاء بهم»30.
وقال ابن كثير: «قوله تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ) هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه، متعززًا على خصمه وعدوه»31.
وقال سيد قطب: «قوله تعالى:(ﮪ ﮫ ﮬ) هي الصفة مأخوذة من الطواعية واليسر واللين، فالمؤمن ذلول للمؤمن، غير عصي عليه ولا صعب، هين لين، ميسر مستجيب، سمح ودود وهذه هي الذلة للمؤمنين»32.
[انظر: التواضع: تواضع مع الخلق]
ثانيًا: ذل مذموم:
١. مع ما يعبد من دون الله.
ما يعبد من دون الله أشياء كثيرة منها:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ) [الجاثية:٢٣].
أفرأيت من اتخذ دينه بهواه، فلا يهوى شيئًا إلا ركبه، لأنه لا يؤمن بالله، ولا يحرم ما حرم، ولا يحلل ما حلل، إنما دينه ما هويته نفسه يعمل به، فأصبح هواه إله يعبد من دون عز وجل 33.
قال ابن القيم: (لكل عبد بداية ونهاية فمن كانت بدايته اتباع الهوى كانت نهايته الذل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع من هواه، بل يصير له ذلك في نهايته عذابًا يعذب به في قلبه)34.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ)[الفرقان: ٣].
في هذه الآية تقريع للمشركين بعبادتهم ما دون الله والتنبيه لهم على موضع خطأ فعلهم ببيان أن آلهتهم التي يعبدونها لا تخلق شيئًا، بل هي مخلوقة ومع ذلك فهي لا تملك دفع ضر عن نفسها ولا جلب منفعة إليها، ولا تملك إماتة ولا إحياء ولا بعثًا، والعجيب أنك تراهم يتذللون لهذه الآلهة حتى تجلب لهم النفع35.
وقد ذكر الله تعالى هذه الآيات بعد قوله: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [الفرقان:١].
قال ابن جرير: «يقول تعالى ذكره: فأفردوا أيها الناس لربكم الذي نزل الفرقان على عبده محمد نبيه صلى الله عليه وسلم الألوهية، وأخلصوا له العبادة دون كل ما تعبدون من دونه من الآلهة والأصنام والملائكة والجن والإنس، فإن كل ذلك خلقه وفي ملكه، فلا تصلح العبادة إلا لله الذي هو ملك جميع ذلك»36.
٢. مع الحكام المستبدين.
لربما لم تعرف البشرية ذلًا أكثر من ذل الناس لفرعون وجنوده آنذاك، لدرجة أن فرعون قال للناس: أنا ربكم الأعلى.
ففرعون يعتبر نفسه الإله والحقيقة المؤكدة في الدين، ولذلك كان قلقًا من رسالة موسى عليه السلام، وتتضح مخاوفه في الآية القرآنية.
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ) [غافر:٢٦].
فمن مظاهر الذل الذي تعرض له بنو إسرائيل من فرعون يتضح من خلال قوله تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ) [القصص:٤].
بعد أن جعل فرعون أهل مملكته شيعًا وأحزابًا، اختص طائفة منهم بالإذلال والقهر والظلم، فصار يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم، أي: يذبح الذكور من بنى إسرائيل بمجرد ولادتهم، ويترك الإناث أحياء37.
يقول سيد قطب: «إنه حين كان بنو إسرائيل يؤدون ضريبة الذل لفرعون وهو يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم لم تتدخل يد القدرة لإدارة المعركة، فهم لم يكونوا يؤدون هذه الضريبة إلا ذلًا واستكانة وخوفًا، فأما حين استعلن الإيمان، في قلوب الذين آمنوا بموسى واستعدوا لاحتمال التعذيب وهم مرفوعوا الرؤوس يجهرون بكلمة الإيمان في وجه فرعون دون تلجلج و دون تحرج، و دون اتقاء للتعذيب، فأما عند ذلك فقد تدخلت يد القدرة لإدارة المعركة، وإعلان النصر الذي تم قبل ذلك في الأرواح والقلوب»38.
٣. مع الشيطان.
قال تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [آل عمران: ١٥٥].
من أقبح أنواع الذل هذا الذي يكون مع الشيطان، ففي الآية السابقة تجسيد لمشهد من مشاهد غزوة أحد، حيث طاوع بعض المسلمين الشيطان بعد أن وسوس لهم معصية النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت مخالفتهم لرسولهم وقائدهم طاعة للشيطان، فحرمهم الله تأييده وتقوية قلوبهم.
والمراد بالزلة هنا: ما حدث منهم من مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ترتب عليها هزيمتهم39.
قال الراغب: «استزله إذا تحرى زلته، وقوله تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) أي: استجرهم الشيطان حتى زلوا، فإن الخطيئة الصغيرة إذا ترخص الإنسان فيها تصير مسهلة لسبيل الشيطان على نفسه، والزلة في الأصل: استرسال الرجل من غير قصد»40.
نخلص مما سبق أن أشرف أنواع الذل المحمود هذا الذي يكون مع الخالق عز وجل، فهذا النوع من الذل يترتب عليه أجر وثواب عظيم، بل إن عبادة الذل والافتقار إليه عز وجل من العبادات النادرة، ولذلك قال أحدهم: إنه دخل على الله من عبادة الصيام فوجد خلقًا كثيرًا ودخل على الله من عبادة الصلاة فوجد خلقًا كثيرًا، قال: ثم دخلت عليه من عبادة الذل والافتقار فلم أجد إلا القليل، في المقابل فإن من أخطر أنواع الذل المذموم هو الذل يكون مع الشيطان، فهذا النوع من الذل إن لم يحذر منه الإنسان قطعًا سيورده المهالك.
العقاب بالذل في الدنيا والآخرة من أبشع أنواع العقاب التي تلحق بالمشركين والعصاة من المسلمين، فقد تعددت وتنوعت صور إذلال الله لهم في الدنيا والآخرة، هذا ما سنتعرف عليه من خلال النقاط الآتية:
أولًا: العقاب بالذل في الدنيا:
تنوعت صور إذلال الله تعالى للعصاة في الدنيا، ومن تلك الصور:
١. ضنك الحياة والعيش.
قد يعاقب الله بعض عباده بضنك العيش في الدنيا؛ قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [طه:١٢٤].
أي: فإن لهذا المعرض معيشة ضيقة مليئة بالهم والغم والأحزان وسوء العاقبة، حتى ولو ملك المال الوفير، والحطام الكثير.. فإن المعيشة الطيبة لا تكون إلا مع طاعة الله، وامتثال أمره، واجتناب نهيه41.
٢. الأسر والخوف والرعب.
ومن العصاة من أذلهم الله عز وجل بالرعب والقتل والأسر، وهم العصاة من أهل الكتاب.
قال تعالى: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚk ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩz) [الأحزاب٢٦-٢٧].
قوله تعالى: (ﮓ ﮔ ﮕ) أي: الخوف؛ وهو جندي من جنود الله تعالى، وهذا الرعب الذي ألقاه الله عز وجل في قلوب الكافرين هو الذي فرقهم، وأخرجهم من حصونهم المنيعة، ولم يجعل لكثرة عددهم قيمة، فألحق الله بهم الهزيمة والذل على أيدي المؤمنين، قوله: (ﮗ ﮘ) وهم المقاتلون الذين يحملون السلاح، وقوله (ﮙ ﮚ) وهم النساء والذراري، وغيرهم مما لا يحملون السلاح، وأعطاهم أرضهم وديارهم وأموالهم، بعد زوالهم وانهزامهم، ووعدهم الله تعالى بأماكن جديدة، لم يذهبوا إليها إمعانًا في ذل اليهود، وهي خيبر42.
٣. الخسف.
ومما يلحق العصاة من ذلٍ في الدنيا: الخسف.
قال تعالى: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [القصص:٨١].
أمر الله تعالى أن تبتلع قارون وداره وأمواله، انتقامًا منه لكفره ونفاقه، وبغيه وكبريائه، فلم تمنع ثروته ولا جاهه ولا أتباعه عذاب الله عنه، لما أراد الله خذلانه بخسف الأرض به وبداره، ومن فيها من أعوانه الظلمة المجرمين، ولا هو استطاع بجهده وقدرته أن يمنع العذاب عن نفسه43.
ثانيًا: العقاب بالذل في الآخرة:
إن ميزان العدل الإلهي في غاية الوضوح والاعتدال، فأهل النار إنما يعاقبون في الآخرة ويلحق بهم الذل والصغار بسبب فسادهم وإشراكهم بالله وكفرهم بآياته ولقائه واتخاذهم آيات الله هزوًا وسخرية، وقد ذكر الحق عز وجل في غير موضع في كتابه العزيز حال أهل النار من أهل الكفر والعصيان، وما يسومهم من أصناف الذل والهوان، لذا كان من دعاء المؤمنين الصادقين.
قال تعالى: (ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران:١٩٢].
ومن المواقف التي يتعرض فيها العصاة والكفار للذل في الآخرة:
١. عند قبض أرواحهم.
قال تعالى: (ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ¯ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ) [الأنفال: ٥٠-٥١].
والمعنى: لو عاينت وشاهدت أيها العاقل حال الذين كفروا حين يتوفى الله أرواحهم، لعاينت وشاهدت منظرًا مخيفًا، وأمرًا فظيعًا تقشعر من هوله الأبدان، ثم فصل الله سبحانه هذا المنظر المخيف بجملة مستأنفة فقال: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) والمراد بوجوههم: ما أقبل منهم، وبأدبارهم: ما أدبر وهو كل الظهر، وخص سبحانه الضرب للوجوه والأدبار بالذكر، لأن الوجوه أكرم الأعضاء، ولأن الأدبار هي الأماكن التي يكره الناس التحدث عنها فضلًا عن الضرب عليها، أو لأن الخزي والنكال في ضربهما أشد وأعظم44.
وقوله تعالى: (ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ) [محمد: ٢٧].
أي: فكيف حالهم، أو فكيف يعملون ويحتالون حينئذ؟ (ﯡ ﯢ ﯣ) هذا تصوير لتوفيهم، أي: يتوفونهم وهم يضربون وجوههم وظهورهم بمقامع من حديد، وفي هذا تخويف وتهديد، إذ يتعرضون عند التوفي إلى أهوال وفظائع شديدة45.
٢. عند الخروج من القبر.
قال تعالى: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ: ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳDﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾO) [المعارج:٤٢-٤٤].
أي: فاتركهم يخوضوا في باطلهم، ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا يوم القيامة الذي يوعدون فيه بالعذاب، يوم يخرجون من القبور مسرعين، كما كانوا في الدنيا يذهبون إلى آلهتهم التي اختلقوها للعبادة من دون الله، يهرولون ويسرعون، ذليلة أبصارهم منكسرة إلى الأرض، تغشاهم الحقارة والمهانة، ذلك هو اليوم الذي وعدوا به في الدنيا، وكانوا به يكذبون46.
٣. عندما يساقون إلى المحشر.
قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [مريم:٨٦].
أي: ونسوق المجرمين الذين ارتكبوا الجرائم في دنياهم، نسوقهم سوقًا إلى جهنم كما تساق البهائم، حالة كونهم عطاشًا، يبحثون عن الماء فلا يجدونه47.
ومن ألوان العذاب والذل لهؤلاء أنهم يحشرون عميًا.
قال تعالى: (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [طه:١٢٤].
أي: فمن يتكبر عن عبادة الله عز وجل ويعرض عن ذكره فإن له معيشة ضنكًا في الحياة الدنيا، مليئة بالهم والغم والشقاء، حتى ولو ملك كنوز الدنيا؛ لأن المعيشة الطيبة لا تكون إلا مع طاعة، ويحشر يوم القيامة أعمى، قال ابن عباس رضي الله عنه: وذلك حين يخرج من القبر يخرج بصيرًا، فإذا سيق إلى المحشر عمي48.
وقال تعالى: (ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [الفرقان:٣٤]
يبين الله عز وجل حال المكذبين يوم البعث، فهم يحشرون على وجوههم، تسحبهم ملائكة العذاب يجرونهم على وجوههم، وهذه صورة حسية في غاية الفظاعة والشناعة، تجمع بين العذاب الحسي، والتحقير المعنوي وتوحي بالذلة والمهانة49.
وقد بَيَنَ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بحديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه: (أن رجلًا قال: يا نبي الله، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا، قادرًا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة) 50.
كما يحشرون أيضًا زرق العيون من شدة الغم والهم الذي أصابهم من هول هذا الموقف.
قال تعالى: (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ) [طه:١٠٢].
قال الإمام الطبري: «عنى بالزرق في هذا الموضع: ما يظهر في أعينهم من شدة العطش الذي يكون بهم عند الحشر لرأي العين من الزرق»51.
وقيل: وصفوا بذلك لأن الزرقة أسوأ ألوان العين وأبغضها عند العرب، لأن الروم كانوا أعدى أعدائهم، وهم زرق العيون52.
وفي الحديث التالي سيتضح لنا مدى الذل والحقارة التي تلحق بالمتكبرين يوم الحشر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكانٍ، يساقون إلى سجن جهنم، يقال له: بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار: طينة الخبال)53.
وقبل أن يدخلوا النار تراهم ينظرون لها وهم خائفون.
قال الله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)[الشورى:٤٥].
المراد بالخشوع في هذه الآية: ما يظهر عليهم من أثر الذلة والخزي، وهو شامل لسائر البدن بما فيه أصواتهم، وأبصارهم، لذا قال تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) من ذله وصغاره، وذلك من هول ما يرونه من العذاب فهم يسارقون النظر إلى النار مسارقة شزرًا من هيبتها وخوفًا منها وذلةً في أنفسهم54.
٤. عندما يدخلون جهنم.
الذل الأعظم والهوان الأكبر عندما يدخلون إلى النار –عافانا الله منها- فهم منبوذون في النار.
قال تعالى: (ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [الهمزة:٤].
النبذ: هو طرح ما هو خفيف هين، ويستخدم للتحقير والمهانة والذل 55.
ومن الذل الذي يلحق بهم أيضًا أنهم يصفدون في الأغلال والسلاسل.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [إبراهيم:٤٩].
لقد بينت الآية الكريمة ما أعد الله عز وجل لأهل النار جزاء كفرهم بالله وآياته، فهم (ﮰ ﮱ ﯓ) أي: مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى أعناقهم بالوثاق، قد قرن بعضهم مع بعض، أو قرنوا مع شياطينهم56.
وزيادة في التنكيل والعذاب، فهم يسحبون في نار جهنم.
قال الله تعالى: (ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔe ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛl ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢs) [غافر٧٠-٧٢].
وفي وصف السلسلة، قال تعالى: (ﯼ ﯽÐ ﯿ ﰀ ﰁÔ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉÜ) [الحاقة٣٠-٣٢].
فهي سلسلة من سلاسل الجحيم، كل حلقة منها قدر حديد الدنيا، طولها سبعون ذراعًا يسلوكونها57.
ومن شدة الذل التي يلحق بهم ترى وجوههم مسودة تلفحها النار، قال تعالى: (ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ) [المؤمنون:١٠٤].
«تحرقها، واللفح كالنفخ إلا أنه أشد تأثيرًا منه، وتخصيص الوجوه بذلك؛ لأنها أشرف الأعضاء، فبيان حالها أزجر عن المعاصي المؤدية إلى النار، وهو السر في تقديمها على الفاعل»58.
ثم إن وجوههم تغشاها النار، وتسعر أجسامهم المسربلة بالقطران.
قال تعالى: (ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ¤ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ») [إبراهيم:٤٩-٥٠].
نحن أمام مشهد من مشاهد العذاب المذل المخزي لأهل النار، فهم مقرونون في الأغلال والقيود، سرابيلهم وثيابهم من قطران، وتعلو وجوههم وتضربها النار، وخص «القطران» بالذكر؛ لأنه شديد القابلية للاشتعال، مع نتن رائحته، ففيه الذل والتحقير، وفيه الإيحاء بشدة الاشتعال59.
وقال تعالى: (ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) [الأحزاب:٦٦].
قال الزمخشري: «وقوله: تقلب بمعنى تتقلب، ومعنى تقليبها: تصريفها في الجهات، كما ترى البيضة تدور في القدر إذا غلت، فترامى بها الغليان من جهة إلى جهة، أو تغييرها عن أحوالها وتحويلها عن هيئاتها، أو طرحها في النار مقلوبة منكوسة»60.
إن الوقوع في الذل من أعظم المصائب التي يقع بها كثير من الناس، وهذا الوقوع لا يكون عبثًا أو صدفةً، إنما ينتج عن أسباب كثيرة، نتعرف عليها من خلال النقاط الآتية:
أولًا: الشرك بالله تعالى والابتداع في الدين:
يقول الحق تعالى: (ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [النساء: ١١٦].
يبين الحق عز وجل مصير المشرك به بقوله (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) أي: ومن يشرك بالله تعالى بأن يعبد سواه، أو يجعل معه شريكًا في العبادة فقد سار في طريق الشرور والآثام سيرًا بعيدًا ينتهى به إلى الهلاك، ويفضي به إلى الذل والهوان61.
ولقد حاربت الشريعة الإسلامية جميع أنواع الشرك بالله تعالى، وحاربت البدع والمحدثات التي تخرج الناس عن العقيدة السليمة وأحكام الشرع، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌ)62.
فالمبتدع يلقى عليه الذل في الدنيا، والغضب من الله تعالى، والطرد من رحمة الله عز وجل في الدنيا والآخرة.
قال تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) [الأعراف: ١٥٢].
أي: إن الذين كفروا بالله عز وجل واتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم، وسيصيبهم هوان وذلة عقوبة من الله في الدنيا قبل الآخرة63.
وقد ذكر بعض المفسرين أن هذا خاصٌ بافتراء البدع، قال الحسن البصري: «إن ذل البدعة على أكتافهم، وإن هملجت64 بهم البغلات65، وطقطقت66 بهم البراذين67»، وقال سفيان بن عيينة: «كل صاحب بدعةٍ ذليلٌ»68.
فالإيمان بالله تعالى القائم على التوحيد يجعل المؤمن يستمد عزته ومنعته وقوته من ربه عز وجل، ومن فقد الإيمان بالله عز وجل والاعتزاز بعزته، واعتمد على عزةٍ من الناس فهو ذليل؛ لأنه فقد الإذعان لأحكام الله تعالى، فحقت عليه كلمة الذلة»69.
وقال تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة: ٦١].
وقال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١١٢].
أي: أحاطت بهم الذلة كما يحيط السرادق بمن فيه، وكما تحيط القبة بما في داخلها، أو ألصقت بهم، من ضرب الطين على الحائط، فهي محيطة بهم ولازمة لهم وملصقة بهم، فهم في نشاطهم وحركتهم في ذلة، لا ينتقلون من ذل إلا إلى ذل70.
واستحقوا غضبًا من الله، بسبب كفرهم بآيات الله تعالى، وأدلته التي يقيمها عليهم، في كتبه وخلقه على ألسنة رسله، ولا يكتفون بجحود الحق وإنكاره، بل يعتدون على الداعي إليه، فيقتلون رسل الله عز وجل 71.
وكما أن الشرك بالله يودي بصحبه في الذل والمهانة، كذلك الابتداع في الدين، يقول الامام الشاطبي: «كل من ابتدع في دين الله، فهو ذليل حقير بسبب بدعته، وإن ظهر لبادي الرأي عزه وجبروته، فهم في أنفسهم أذلاء. وأيضًا فإن الذلة الحاضرة بين أيدينا موجودة في غالب الأحوال، ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين، وفيما بعد ذلك؟ حتى تلبسوا بالسلاطين، ولاذوا بأهل الدنيا، ومن لم يقدر على ذلك، استخفى ببدعته، وهرب بها عن مخالطة الجمهور، وعمل بأعمالها على التقية»72.
ثانيًا: التكبر عن طاعة الله تعالى:
ورد الكبر في القرآن في أكثر من موضع، وصرحت آيات عديدة بالمنع من التكبر مطلقًا، وبذمه وذم المتخلقين به، وبينت أنه سبب في هلاك الأمم ودمار القرى.
قال تعالى: (ﮪﮫ ﮬ ﮭ) [النحل: ٢٣].
فهذا وعيد من الله عز وجل لكل متكبر، إنه لا يحب المستكبرين، وقد يراد به المستكبرون عن التوحيد، ويجوز أن يعم كل مستكبر ويدخل هؤلاء تحت عمومه 73.
قال ابن القيم: «من تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم والخضوع والرجاء وتعليق القلب به خوفًا ورجاءً والتجاءً واستعانة، فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وألوهيته، وهو حقيق بأن يهينه غاية الهوان، ويذله غاية الهوان، ويذله غاية الذل، ويجعله تحت أقدام خلقه»74.
والكبر يعتبر من أول الذنوب التي عصي الله تعالى بها، قال تعالى مبينًا سبب امتناع إبليس عن السجود لآدم، (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ) [النحل: ٢٣].
قال الإمام الطبري: «وهذا، وإن كان من الله جل ثناؤه خبرًا عن إبليس، فإنه تقريع لضربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله، والانقياد لطاعته فيما أمرهم به، وفيما نهاهم عنه، والتسليم له فيما أوجب لبعضهم على بعض من الحق»75.
فكان مصيره الطرد من الجنة، وأصبح من أهل الصغار من الهوان على الله عز وجل.
قال تعالى: (ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الأعراف: ١٣].
يبين الله عز وجل أن الإذلال والخزي هو مصير كل من يتكبر على أوامر الله تعالى، فعندما استكبر إبليس بإبائه السجود، كان مصيره الطرد من الجنة التي هي مكان المطيعين المتواضعين من الملائكة، لأنها لا تقبل عاصيًا متكبرًا، فدلت هذه الآية على أن التكبر على الله يوجب العقاب الشديد، وهذه المعاملة بعكس ما يريد المتكبر، يريد لنفسه الرفعة والشرف والعظمة والتجبر، فعاقبه الله تعالى بالإذلال والهوان؛ لأنه لما أظهر الاستكبار ألبسه الله عز وجل ثوب الصغار76.
ثالثًا: استمراء المعاصي والإصرار عليها:
إن استمراء المعاصي والتمادي في الباطل يورث في القلوب الجحود بالحق، لأن المعاصي تنكت في القلب نكتًا سوداء، فإذا استمر الشخص عليها وضعت عليه أغلفة من الظلمة تمنع أن يصل الحق إليه، ولذلك قال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ) [الأعراف: ١٣]77.
وقال ابن المبارك78:
رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخيرٌ لنفسك عصيانها
وما حل في بني إسرائيل من ضرب الذلة والمسكنة، واستحقاق الغضب الإلهي؛ كان بسبب ما استمرأته نفوسهم من اقتراف المعاصي والإصرار عليها.
قال تعالى:(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [البقرة: ٦١].
وقال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ) [آل عمران: ١١٢].
رابعًا: محادة الله ورسوله:
إن من أسباب الوقوع في الذل محادة الله ورسوله، ومخالفة أوامره ونواهيه، فالكفار المعاندون الذين يحاربون الحق ويعادون الإسلام هم من أذل خلق الله تعالى، ولا يوجد أحدٌ أذل منهم.
قال تعالى:(ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ) [المجادلة: ٢٠].
أي: أن الكفار المخالفون لأوامر الله عز وجل ونواهيه، المعادون يشاقون الله ورسوله ويجعلون أنفسهم في حد، وشرع الله ورسوله في حد آخر، فأصل المحادة: مخالفة حدود الله تعالى التي حدها لخلقه79.
(ﰏ ﰐ ﰑ) أي: من جملة من أذله الله من الأمم السابقة، فهم أذل خلق الله تعالى، وذلهم في الدنيا بالقتل أو الأسر أو الطرد من الديار، وفي الآخرة بالخزي والعذاب، كما قال تعالى:(ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ) [آل عمران: ١٩٢]80.
فهؤلاء الذين يحادون الله ورسوله ما كانوا ليتجرءوا على فعل ذلك إلا لكثرة أعوانهم وأتباعهم، فيظن من يراهم أنهم الأعزاء، الذين لا يوجد على الأرض من هو أعز منهم.
لذا نعتهم الحق عز وجل بقوله: (ﰐ ﰑ) أي: الذين يعرفون أنهم أذل الخلق، بحيث يوصف كل منهم بأنه الأذل مطلقًا من غير مفضل عليه، وذلك في الدنيا والآخرة، فالجزاء من جنس العمل81.
وهذا المعنى الذي تضمنته الآية الكريمة، من كون الذين يحادون الله ورسوله هم أذل خلق الله عز وجل في الأولين والآخرين، بينه الله عز وجل في غير موضع في القرآن الكريم، كقوله تعالى: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [المجادلة: ٥].
يخبر سبحانه عن المعادين لله ورسوله، الخارجين عن حدوده وفرائضه بأنهم (ﯝ) أي: أخزوا وذلوا وأهينوا ولعنوا، وقيل: صرعوا وكبوا على وجوههم82، وللتأكيد على تحقق وقوع الذل والخزي لهم عبر سبحانه عن المستقبل بلفظ الماضي83.
فالذل والصغار واقع بهم، كما ذل الذين من قبلهم من كفار الأمم الماضية بسبب ما وقع منهم من معاندة ومعاداة لشرع الله عز وجل.
خامسًا: ترك الجهاد:
من أهم أسباب الوقوع في الذلة والمهانة: ترك الجهاد في سبيل الله، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)84.
وسبب هذا الذل: أنهم تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الإسلام وإظهاره على كل دين، وأقبلوا على الزرع ونحوه، تسلط عليهم العدو لعدم تأهبهم له واستعدادهم لنزوله، فأولاهم ذلًا وهوانًا، لا يتخلصون منه حتى يرجعوا إلى ما هو واجب عليهم من جهاد الكفار، والإغلاظ عليهم، وإقامة دين الله، ونصرة الإسلام وأهله، وإعلاء كلمة الله، وإذلال الكفر وأهله85.
إن للذل ضريبة كما أن للكرامة ضريبة، وضريبة الذل أفدح في كثير من الأحيان، ولكن أصحاب النفوس الضعيفة يخيل إليهم أن للكرامة ضريبة باهظة لا يطيقونها، فيختارون الذل والمهانة هربًا من تكاليف الكرامة، فيعيشون عيشة تافهة رخيصة.
قال تعالى(ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ) [البقرة: ٩٦].
يعيشون أذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة، ضريبة الذل والمهانة86.
ففي الجهاد الفوز والسعادة، وفي تركه والتخلف عنه الهلاك والشقاوة في الدنيا والآخرة 87.
والناظر إلى أحوال المسلمين اليوم يرى أنهم قد فرطوا في دينهم تفريطًا عظيمًا، وركنوا إلى الدنيا، وتركوا الجهاد في سبيل الله، فألزمهم الله الذل في أعناقهم، فهم يلجئون إلى الشرق أو الغرب خاضعين ذليلين، يطلبون منهم العزة والنصر، وما عرف أولئك أن الذل لا يرفع عنهم حتى يرجعوا إلى دينهم.
قال تعالى: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [النساء: ١٣٩].
سادسًا: اتباع الهوى:
قال ابن القيم رحمه الله: «أن لكل عبد بداية ونهاية، فمن كانت بدايته اتباع الهوى، كانت نهايته الذل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع من هواه، بل يصير له ذلك في نهايته عذابًا يعذب به في قلبه، لو تأملت حال كل ذي حال سيئة زرية، لرأيت بدايته الذهاب مع هواه، وإيثاره على عقله، ومن كانت بدايته مخالفة هواه وطاعة داعي رشده، كانت نهايته العز والشرف والغنى والجاه عند الله عز وجل، وعند الناس»88.
والعاقل ينهى نفسه عن لذة، يعقبها ألم، وشهوة تورث ذلًا وندمًا، فمخالفة الهوى توجب شرف الدين وشرف الآخرة، وعز الظاهر وعز الباطن89.
قال تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ)[النازعات:٤٠].
أي: أما من تذكر مقامه للحساب بين يدي الله عز وجل، وأدرك مقدار عظمته وقهره، وجبروته وسطوته، وجنب نفسه الوقوع في محارمه، فالجنة مثواه وجزاؤه90 .
وقد ورد ذم الهوى في آيات عديدة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: (ﭑ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) [الفرقان:٤٣].
وقوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ) [الجاثية:٢٣].
«فالتعبير القرآني يرسم نموذجًا عجيبًا للنفس البشرية، حين تترك الأصل الثابت، وتتبع الهوى المتقلب، وحين تعبد هواها وتخضع له، وتقيمه إلهًا آمرًا مستوليًا عليها؛ تتلقى أوامره المتقلبة بالطاعة والتسليم والقبول»91.
وليس هناك أضل وأبعد عن طريق الرشاد ممن اتبع هواه.
قال تعالى:(ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [القصص:٥٠].
«أي: (ومن أضل) عن طريق الرشاد، وسبيل السداد ممن اتبع هوى نفسه بغير بيان من عند الله، وعهد من الله، ويترك عهد الله الذي عهده إلى خلقه في وحيه وتنزيله:(ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) ومعنى الآية: إن الله لا يوفق لإصابة الحق وسبيل الرشد القوم الذين خالفوا أمر الله وتركوا طاعته، وكذبوا رسوله، وبدلوا عهده، واتبعوا أهواء أنفسهم إيثار منهم لطاعة الشيطان على طاعة الرحمن عز وجل92.
وقد نهى الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن طاعة من اتبع هواه.
قال تعالى:(ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ) [الكهف:٢٨].
أي: ولا تطع يا محمد صلى الله عليه وسلم من شغلنا قلبه -من الكفار الذين سألوك طرد المؤمنين الضعفاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي عنك- عن ذكرنا؛ بالكفر وغلبة الشقاء عليه، واتبع هوى نفسه، وترك اتباع أمر الله ونهيه، وآثر هواه على طاعة ربه، وكان أمره ضياعًا، فما كان لمثل هذا الهالك أن يطاع93.
بعدما تعرفنا في المبحث السابق أن الوقوع في الذل لا يكون صدفة، إنما من خلال أسباب يفعلها الانسان توقعه في الذل، كان لا بد أن نتعرف على الأسباب التي ترفع الذل عنه.
ومن تلك الأسباب:
١. الإيمان بالله والمداومة على العمل الصالح.
قال تعالى: (ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ) [يونس:٢٦].
والمقصود بقوله: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) الإخبار عن خلوص نعيمهم من كل ما يكدر الصفو، إثر بيان ما أعطاهم من رضوان، أي: ولا يغطي وجوههم يوم القيامة شيء مما يغطي وجوه الكفار، من السواد والهوان والصغار94.
قال ابن كثير: «(ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ) أي: قتام وسواد في عرصات المحشر، كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من القترة والغبرة، (ﭛ ﭜ) أي: هوان وصغار، أي: لا يحصل لهم إهانة في الباطن ولا في الظاهر، بل هم كما قال تعالى في حقهم: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ) [الإنسان:١١]95.
٢. الاعتزاز بالله، والتمسك بدينه، وتطبيق شريعته.
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله»96.
وقال الحسن بن علي رضي الله عنه: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر -وفيه-: (إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)97.
وقال تعالى:(ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ) [آل عمران:١٠٣].
قال الطبري: «قال قتادة: في هذه الآية، كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلًا، وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالة، وأعراه جلودًا، وأجوعه بطونًا، مكعومين98 على رأس حجر بين الأسدين: فارس، والروم، ولا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيًا، ومن مات ردي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلًا يومئذ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظًا وأدق فيها شأنًا منهم، حتى جاء الله عز وجل بالإسلام، فورثكم به الكتاب، وأحل لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشاكرين، وإن أهل الشكر في مزيد من الله تبارك وتعالى»99.
٣. الدعاء بارتفاع الذل وحصول العز.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم)100.
قال الطيبي: «قوله: (والذلة) أي: من أن أكون ذليلًا في أعين الناس؛ بحيث يستخفونه ويحقرون شأنه، والأظهر أن المراد بها الذلة الحاصلة من المعصية، أو التذلل للأغنياء على وجه المسكنة، والمراد بهذه الأدعية تعليم الأمة»101.
٤. موالاة الله ورسوله وصالح المؤمنين.
قال تعالى: (ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [المنافقون:٨].
أي: يقول هؤلاء المنافقون -على سبيل التبجح وسوء الأدب- لئن رجعنا إلى المدينة بعد انتهاء هذه الغزوة، ليخرجن الفريق الأعز منا الفريق الأذل من المدينة، حتى لا يبقى فيها أحد من هذا الفريق الأذل، بل تصبح خالية الوجه لنا.
وقد رد الله تعالى على مقالتهم الباطلة هذه بما يخرس ألسنتهم فقال: (ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) أي: لقد كذب المنافقون فيما قالوه، فإن لله تعالى وحده العزة المطلقة والقوة التي لا تقهر، فالعزة لله سبحانه ولرسوله وللمؤمنين، ومن والاهم وسار على هداهم ينتفي عنه ذل الدنيا والآخرة، ويحصل له عز الدنيا والآخرة102.
٥. طاعة الله ورسوله.
قال تعالى:(ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) [النساء:٥٩].
جاء في الأدب النبوي: «لو أطاعوه -الرسول- لما أصابهم ما لحقهم من الذل والهوان بالفشل والهزيمة في الحرب تارة؛ والقتل والأسر تارة أخرى، وبالعجز المبين عن أن يقفوا في سبيل دعوته، ويمنعوا انتشارها في أقطار المعمورة، ويحولوا دون دخول الناس في دين الله أفواجًا، وما كان عنادهم ولا مجادلتهم عن يقين يعتقدونه، ولا شبه لم يجل الشك عنها، ولكن تكبرًا وعتوًا؛ مخافة أن تزول عنهم مناصب توارثوها، ومظاهر تخيلوا أن العز والمجد في المحافظة عليها»103.
موضوعات ذات صلة: |
التواضع، الخشوع، العبادة، العزة، الوهن |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٣٤٥.
2 انظر: لسان العرب، ابن منظور ١١/٢٥٧.
3 شماس: شمست الدابة وهي شموس، أي: شردت وجمحت ومنعت ظهرها ولا تكاد تستقر.
انظر: أساس البلاغة، الزمخشري، ص ٤٠١.
4 المفردات، الراغب الأصفهاني، ص٣٣٠.
5 التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٩/١١٩.
6 الفروق اللغوية، العسكري ص٢٥١.
7 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ٢٧٥-٢٧٦.
8 انظر: الوجوه والنظائر، الدامغاني ص ٢٢٠-٢٢١، نزهة الأعين النواظر، ابن الجوزي ص ٣٠٠-٣٠١.
9 لسان العرب، ابن منظور، ٤/ ٤٥٩.
10 انظر: الفروق اللغوية، العسكري، ص ٢٤٩.
11 انظر: المصدر السابق.
12 انظر: أساس البلاغة، الزمخشري، ١/ ٢٤٥، لسان العرب، ابن منظور ١٤/٢٢٦.
13 انظر: غريب القرآن، الأصفهاني، ١/١٤٧.
14 لسان العرب، ابن منظور ١٤/ ٢٢٦.
15 الفروق اللغوية، العسكري، ص٢٤٨.
16 لسان العرب، ابن منظور ٨/٧٣.
17 جمهرة اللغة، ابن دريد ١/ ٦٠٦.
18 الفروق اللغوية، العسكري، ص٢٥٠.
19 انظر: القاموس المحيط، الفيروزآبادي ٣/١٩.
20 المحرر الوجيز، ابن عطية، ٥/١٨٢.
21 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٧/٢٦.
22 شرح نونية ابن القيم، محمد هراس ص٩٩.
23 مدارج السالكين، ابن القيم، ١/ ٩٥.
24 العرش، الذهبي ص١٢١.
25 مدارج السالكين، ابن القيم، ١/ ٤٢٩.
26 جامع البيان ١٧/٤١٨.
27 تيسير الكريم الرحمن ص ٤٥٦.
28 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب البر والصلة، رقم ٥٩٧٠.
29 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي، ٣/٨٥.
30 جامع البيان ١٠/٤٢١.
31 تفسير القرآن العظيم ٣/ ١٣٦.
32 في ظلال القرآن ٢/ ٩١٩.
33 جامع البيان، الطبري، ٢٢/٧٥.
34 روضة المحبين ص ٤٨٣.
35 جامع البيان، الطبري، ١٩/ ٢٣٧.
36 المصدر السابق ١٩/ ٢٣٦.
37 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ١٠/ ٣٧٥.
38 في ظلال القرآن ٤/٢٣٤٥.
39 انظر: التفسير الوسيط، لطنطاوي ٢/٣٠٩.
40 المفردات، الراغب الأصفهاني ص٢١٤.
41 انظر: تفسير السمرقندي، ٢/٤١٦، التفسير الوسيط، طنطاوي ٩/ ١٦٤.
42 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/٤٦١، تفسير الشعراوي، ١٩/ ١٢٠٠٣.
43 انظر: أيسر التفاسير، الجزائري، ٤/١٠٢.
44 انظر: فتح القدير، الشوكاني ٢/٢٦٣، التفسير المنير الزحيلي ١٠/ ٣٥.
45 انظر: التفسير المنير الزحيلي ٢٦/ ١٢١.
46 انظر: التحرير والتنوير، ابن عاشور، ٢٩/١٨١، التفسير الوسيط، طنطاوي، ١٥/١٠٧.
47 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٥/ ٢٨١.
48 تفسير السمرقندي، ٢/٤١٧.
49 انظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٥٨٣.
50 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقائق، باب كيف الحشر، رقم ٦٥٢٣.
51 جامع البيان، الطبري، ١٨/ ٣٦٩.
52 انظر: أنوار التنزيل، البيضاوي، ٤/٣٨.
53 أخرج الترمذي في سننه، أبواب صفة القيامة، رقم ٢٤٩٢، ٤/٦٥٥.
وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٨٠٤٠.
54 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ١٧/٣٤٣، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص٧٦١.
55 انظر: الكشاف، الزمخشري، ٣/٤١٥.
56 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٧/٥٢، الكشاف، الزمخشري، ٢/٥٦٧.
57 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٤١٦.
58 إرشاد العقل السليم، أبو السعود، ٦/١٥١.
59 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٣/١٦٨.
60 الكشاف، ٣/٥٦٢.
61 انظر: التفسير الوسيط، طنطاوي ٣/ ٣١٢.
62 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، رقم ٢٦٩٧، ٣/١٨٤.
63 انظر: جامع البيان، الطبري، ١٣/١٣٤.
64 الهملجة: حسن سير الدابة في سرعة وبخترة.
انظر: العين، الفراهيدي، ص١٠٣١.
65 جمع بغل، وهو الحيوان الشحاج صوت البغل الذي يركب.
انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٢/١٢٠.
66 الطقطقة: صوت قوائم الخيل على الأرض الصلبة.
انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٩/١٢٩.
67 البراذين: جمع البرذون: الدابة من الخيل.
انظر: لسان العرب، ابن منظور، ٢/٥٨.
68 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٣/ ٤٧٨.
69 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة، ٦/٢٩٥٩.
70 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ١/٤٣٢، زهرة التفاسير، أبو زهرة، ٣/١٣٦٣.
71 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة، ٣/١٣٦٥، تفسير المراغي، ١/١٣٢.
72 الاعتصام، الشاطبي ١/ ٢٢١.
73 انظر: الكشاف، الزمخشري، ٢/٦٠١.
74 الداء والدواء، ابن القيم، ص ١٣٧.
75 جامع البيان، الطبري، ١/٥١٠.
76 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ٧/٣٦٦، زهرة التفاسير، أبو زهرة، ٥/٢٧٩٦.
77 انظر: زهرة التفاسير، أبو زهرة، ٣/١٣٦٣.
78 انظر: الداء والدواء، ابن القيم، ص ٥٩.
79 انظر: أضواء البيان، الشنقيطي، ٨/١٦٤.
80 انظر: التفسير المنير، الزحيلي، ٢٨/٥٨، فتح القدير، الشوكاني، ٥/٢٣٠.
81 انظر: نظم الدرر، البقاعي، ٨/٤٢٣.
82 انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/٣٢٢، نظم الدرر، البقاعي، ١٩/٣٥٥.
83 انظر: فتح القدير، الشوكاني، ٥/٢٢٢.
84 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الإجارة، باب النهي عن العينة، رقم ٣٤٦٢، ٣/٢٧٤.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، رقم ٤٢٣.
85 انظر: عون المعبود، العظيم آبادي، ٩/٢٤٢
86 انظر: في ظلال القرآن، سيد قطب، ١٠/٢٣٧.
87 انظر: الأساس، سعيد حوى ٤/٢٣٣.
88 روضة المحبين، ابن القيم، ص ٤٨٣.
89 انظر: غذاء الألباب، السفارييني، ٢/٤٥٩، ذم الهوى، ابن الجوزي، ص١٣.
90 انظر: تفسير المراغي، ٣٠/٣٤، تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٩١٠.
91 في ظلال القرآن، سيد قطب، ٥/٣٢٣٠.
92 جامع البيان، الطبري، ١٩/٥٩٢.
93 المصدر السابق ٢٨/٨.
94 انظر: الوجيز، الواحدي، ص ٤٩٥، الدر المصون، السمين الحلبي، ٦/ ١٨١.
95 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ٤/ ٢٦٢.
96 أخرجه الحاكم في المستدرك، ١/١٣٠، رقم ٢٠٧.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
97 أخرجه الترمذي في سننه، باب ما جاء في القنوت في الوتر، رقم ٤٦٤، ٢/٣٢٨.
وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٢/١٧٢، رقم ٤٢٩.
98 مكعوم: من كعم البعير إذا شد فاه في هياجه؛ لئلا يعض أو يأكل. لسان العرب، ابن منظور، ١٢/ ٥٢٢.
99 جامع البيان، جامع البيان، الطبري، ١٣/ ٤٧٨.
100 أخرجه أحمد في مسنده، مسند أبي هريرة رضي الله عنه، ١٣/ ٤١٨، رقم ٨٠٥٣.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٢٧٦، رقم ١٢٨٧.
101 عون المعبود، العظيم آبادي، ٤/ ٢٨٢.
102 انظر: التفسير الوسيط، الزحيلي، ٣/ ٢٦٦٧، لباب التأويل، الخازن، ٤/ ٣٠٠.
103 الأدب النبوي، محمد الخولي، ١/٢٩١.