عناصر الموضوع
الخمر
أولًا: المعنى اللغوي:
أصل مادة (خمر) تدل على التغطية والمخالطة في ستر1.
والخَمْرُ: مَا أسكر من عصير العنب أو غيره؛ لأنها خامرت العقل2.
سمِّيت الخَمْرُ خَمْرًا؛ لأنَّها تُرِكَتْ فاختمرت، واختِمارها: تغيُّر ريحِها. ويقال: سُمِّيَتْ بذلك لمخامرتها العقل3.
والتَّخْمِير: التّغطِيَةُ 4.
وهذه المعاني الثلاث: التخمر والمخالطة والستر، كلها موجودة في الخمر:
ثانيًا: المعنى الاصطلاحي:
الخمر اصطلاحًا: كل شراب مسكر، من أي أصل، سواء كان من الثمار كالعنب والرطب والتين، أو الحبوب كالحنطة والشعير، أو الطلول كالعسل أو الحيوان كألبان الخيل5.
وردت مادة (خمر) في القرآن الكريم (٧) مرات6.
والصيغ التي وردت هي:
الصيغة | عدد المرات | المثال |
الاسم | ٦ | (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [المائدة:٩٠] |
جمع خمار | ١ | (ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) [النور:٣١] |
ولم تخرج (الخمر) في الاستعمال القرآني عن معناها اللغوي وهو: كل شراب مسكر. والخمر سميت بذلك؛ لأنها تستر العقل7.
الكأس:
الكأس لغة:
الزجاجة ما دام فيها شراب، ولا تسمى الكأس كأسًا إلا وفيها الشراب، وقيل: الكأس: الشراب بعينه، وقيل: هو اسم للخمر نفسها8.
الكأس اصطلاحًا:
لا يختلف معنى الكأس اصطلاحًا عن معناه اللغوي.
الصلة بين الكأس والخمر:
الكأس هو القدح الذي يشرب به الخمر إذا كان فيه الخمر، ويطلق على الشراب بعينه.
وقد جاء في القرآن الكريم إطلاق الكأس على الخمر في قوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ) [الصافات:٤٥] بمعنى الخمر9.
الشراب:
الشراب لغة:
يقال: شربت الماء أشربه شربًا، والشّرب الاسم، والشّراب: ما يشرب10.
الشراب اصطلاحًا:
الشراب كل مائع يشرب؛ سواء كان ماءًا أو غير الماء.
الصلة بين الشراب والخمر:
أما الشراب فهو عام في كل ما يشرب، وقد جاء في القرآن الكريم إطلاقه على الخمر في قوله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الإنسان:٢١] أي: خمر الجنة11.
السكر:
السّكر لغة:
أصل مادة (سكر) تدل على حيرة، من ذلك السُّكر من الشراب12.
والسَّكْران: خلاف الصاحي، والجمع سَكْرى وَسَكارى 13.
السّكر اصطلاحًا:
وأما السكر: فهو «حالة تعترض بين المرء وعقله. وأكثر ما يستعمل ذلك في شراب المسكر، وقد يعتري من الغضب والعشق»14.
الصلة بين السّكر والخمر:
كل ما يؤدي إلى السكر فهو خمر، وقد جاء في صحيح مسلم: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (كلّ مسكرٍ خمرٌ، وكلّ مسكرٍ حرامٌ).
والحديث يفيد أن كل ما أسكر يسمى خمرًا، وأن كل مسكرمحرم، سواء أطلق عليه اسم الخمر، أم أطلق عليه اسم آخر؛ لأن علة التحريم هي الإسكار، فحيثما وجد وجدت الحرمة.
أولًا: كل مسكر خمر:
اختلف في حقيقة الخمر «فقيل هي من عصير العنب خاصة، وهو مذهب أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- والكوفيين، مراعاة لفقه اللغة: أو عام، أي: ما أسكر من عصير كل شيء؛ لأن المدار على السكر وغيبوة العقل، وهو الذي اختاره الجماهير»15.
وقد تقدم اشتقاقها، ولكن الخلاف في كونها اسمًا لكل مسكر أو للنّيّ المتخذ من العنب والتمر، قال الفيروزآبادي: «والخمر سمّيت لكونها خامرة لمقرّ العقل، وهو عند بعض الناس اسم لكلّ مسكر، وعند بعضهم اسم للمتخذ من العنب والتمر، لما روي عنه صلّى الله عليه وسلم: (الخمر من هاتين الشّجرتين: النّخلة والعنبة)، ومنهم من جعلها اسمًا لغير المطبوخ، ثم كميّة الطّبخ التي تسقط عنه اسم الخمر مختلف فيها»16.
وينبني على هذا الخلاف اللغوي مسألة فقهية وهي حكم ما أسكر كثيره ولم يسكر قليله: فإن كان ما يسكر يسمى خمرًا لزم كون القليل منه محرمًا ولو لم يسكر لانطباق اسم الخمر عليه، وإن لم يسم خمرًا لم يحرم قليله؛ لعدم تحقق العلة التي يقاس بسببها على الخمر فيه، قال الجصاص: «وقد اختلف فيما يتناوله اسم الخمر من الأشربة: فقال الجمهور الأعظم من الفقهاء: اسم الخمر في الحقيقة يتناول النّيّ المشتد من ماء العنب، وزعم فريق من أهل المدينة ومالك والشافعي أن كل ما أسكر كثيره من الأشربة فهو خمر» ثم شرع يحتج لقول الحنفية وينتصر له17.
وقد خرج القرطبي من هذا الخلاف اللغوي باستدلال ذكي فقال: «والخمر: ماء العنب الذي غلى أو طبخ، وما خامر العقل من غيره فهو في حكمه؛ لأن إجماع العلماء أن القمار كله حرام. وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسًا على الميسر، والميسر إنما كان قمارًا في الجزر خاصة، فكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها»18. ومفهوم قوله أن إجماع الناس على تحريم جميع أنواع القمار مع دلالة الميسر على نوع خاص منها فقط، يستلزم إجماعهم على تحريم كل المسكرات وأن حكم جميعها واحد ولو دل اسم الخمر على نوع خاص منها فقط. قال: «والجمهور من الأمة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فمحرم قليله وكثيره، والحد في ذلك واجب. وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وجماعة من فقهاء الكوفة: ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فهو حلال، وإذا سكر منه أحد دون أن يتعمد الوصول إلى حد السكر فلا حد عليه، وهذا ضعيف يرده النظر والخبر»19.
والخبر الذي ذكره القرطبي جملة أحاديث منها ما روى البخاري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أن عائشة، قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع، فقال: (كل شراب أسكر فهو حرام)20.
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب، لم يشربها في الآخرة)21.
وفي صحيح البخاري أيضًا عن أنس قال: (حرمت علينا الخمر حين حرمت، وما نجد -يعني: بالمدينة- خمر الأعناب إلا قليلًا، وعامة خمرنا البسر والتمر)22.
وعن ابن عمر قال: سمعت عمر رضي الله عنه على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أما بعد، أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة من: العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل)23.
قال ابن حجر: «هذا الحديث أورده أصحاب المسانيد والأبواب في الأحاديث المرفوعة؛ لأن له عندهم حكم الرفع؛ لأنه خبر صحابي شهد التنزيل أخبر عن سبب نزولها، وقد خطب به عمر على المنبر بحضرة كبار الصحابة وغيرهم فلم ينقل عن أحد منهم إنكاره، وأراد عمر بنزول تحريم الخمر آية المائدة: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ) إلى آخرها، فأراد عمر التنبيه على أن المراد بالخمر في هذه الآية ليس خاصًّا بالمتخذ من العنب بل يتناول المتخذ من غيرها، ويوافقه حديث أنس الماضي فإنه يدل على أن الصحابة فهموا من تحريم الخمر تحريم كل مسكر، سواء كان من العنب أم من غيرها، وقد جاء هذا الذي قاله عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحًا.
فأخرج أصحاب السنن الأربعة24 وصححه ابن حبان من وجهين عن الشعبي أن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة وإني أنهاكم عن كل مسكر). ولأبي داود من وجه آخر عن الشعبي عن النعمان بلفظ: (إن من العنب خمرًا وإن من التمر خمرًا وإن من العسل خمرًا وإن من البر خمرًا وإن من الشعير خمرًا)... ولأحمد من حديث أنس بسند صحيح عنه قال: (الخمر من العنب والتمر والعسل)، ولأحمد من حديث أنس بسند صحيح عنه قال: (الخمر من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة)»25.
وللبخاري أيضًا عن أنس قال: (كنت قائمًا على الحي أسقيهم، عمومتي وأنا أصغرهم، الفضيخ، فقيل: حرمت الخمر، فقالوا: أكفئها، فكفأتها) قلت لأنس: ما شرابهم؟ قال: (رطب وبسر) فقال أبو بكر بن أنس: وكانت خمرهم، فلم ينكر أنس وحدثني بعض أصحابي: أنه سمع أنس بن مالك يقول: (كانت خمرهم يومئذ)26.
ومن وجه آخر عنه قال: (كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مناديًا فنادى، فقال أبو طلحة: اخرج فانظر ما هذا الصوت، قال: فخرجت فقلت: هذا مناد ينادي: (ألا إن الخمر قد حرمت)، فقال لي: اذهب فأهرقها، قال: فجرت في سكك المدينة، قال: وكانت خمرهم يومئذ الفضيخ، فقال بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم، قال: فأنزل الله: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ)[المائدة:٩٣])27.
قال القرطبي: «هذا الحديث في نزول الآية فيه دليل واضح على أن نبيذ التمر إذا أسكر خمر، وهو نص ولا يجوز الاعتراض عليه؛ لأن الصحابة رحمهم الله هم أهل اللسان، وقد عقلوا أن شرابهم ذلك خمر؛ إذ لم يكن لهم شراب ذلك الوقت بالمدينة غيره.
ومن الدليل الواضح على ذلك ما رواه النسائي: أخبرنا القاسم بن زكريا، أخبرنا عبيد الله عن شيبان عن الأعمش عن محارب بن دثار عن جابر عن النبي صلى اله عليه وسلم قال:(الزبيب والتمر هو الخمر). وثبت بالنقل الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه -وحسبك به عالمًا باللسان والشرع- خطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا أيها الناس، ألا إنه قد نزل تحريم الخمر يوم نزل، وهي من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل). وهذا أبين ما يكون في معنى الخمر، يخطب به عمر بالمدينة على المنبر بمحضر جماعة الصحابة، وهم أهل اللسان ولم يفهموا من الخمر إلا ما ذكرناه. وإذا ثبت هذا بطل مذهب أبي حنيفة والكوفيين القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب، وما كان من غيره لا يسمى خمرًا ولا يتناوله اسم الخمر، وإنما يسمى نبيذًا»28.
وقال ابن العربي: «والصحيح ما روى الأئمة أن أنسًا قال: (حرمت الخمر يوم حرمت وما بالمدينة خمر الأعناب إلا قليل، وعامة خمرها البسر والتمر). خرجه البخاري، واتفق الأئمة على رواية أن الصحابة إذ حرمت الخمر لم يكن عندهم يومئذ خمر عنب؛ وإنما كانوا يشربون خمر النبيذ، فكسروا دنانهم، وبادروا الامتثال لاعتقادهم أن ذلك كله خمر. وصح عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر: (إن تحريم الخمر نزل، وهي من خمسة: العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير). والخمر ما خامر العقل»29.
قال: «وتعلق أبو حنيفة بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة ذكرناها في شرح الحديث، ومسائل الخلاف فلا يلتفت إليها»30.
وقد رويت أحاديث صريحة في تحريم قليل ما يسكر كثيره: فعن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره، فقليله حرام)31.
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مسكر حرام، وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام)32، وفي رواية للترمذي: (الحسوة منه حرام)33.
ثانيًا: نجاسة الخمر:
نصت آية سورة المائدة على أن الخمر رجس: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ).
و«الرجس هو الذي يلزم اجتنابه إما لنجاسته وإما لقبح ما يفعل به عبادة أو تعظيم، لأنه يقال: رجس نجس، فيراد بالرجس: النجس ويتبع أحدهما الآخر كقولهم: حسن بسن وعطشان نطشان وما جرى مجرى ذلك»34.
والرجس: هو «النجس، وقد روي في صحيح حديث الاستنجاء (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين وألقى الروثة، وقال: إنها ركس)35، أي: نجس. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، الرجس النجس، الخبيث المخبث)»36.
وأخذ من إطلاق الرجس عليها الحكم بنجاستها عند جمهور الفقهاء، قال الخازن: «الخمر وما يلحق بها نجسة العين، ويدل على نجاستها قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [المائدة:٩٠].
والرجس في اللغة: النجس والشيء المستقذر، وقوله تعالى: (ﭝ) فأمر باجتنابها فكانت نجسة العين»37.
والقول بنجاستها هو الذي عليه عامة الفقهاء إجراء لظاهر الآية «ولا خلاف في ذلك بين الناس إلا ما يؤثر عن ربيعة أنه قال: إنها محرمة، وهي طاهرة، كالحرير عند مالك محرم، مع أنه طاهر. ويعضد ذلك من طريق المعنى أن تمام تحريمها وكمال الردع عنها الحكم بنجاستها حتى يتقذرها العبد، فيكف عنها، قربانًا بالنجاسة وشربًا بالتحريم، فالحكم بنجاستها يوجب التحريم»38.
وقد ذهبت طائفة من الفقهاء إلى طهارة عينها مع كونها محرمة مستدلين على ذلك بإراقتها في طرقات المدينة كما نص على ذلك القرطبي، قال: «فهم الجمهور من تحريم الخمر، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرجس عليها، والأمر باجتنابها، الحكم بنجاستها. وخالفهم في ذلك ربيعة والليث بن سعد والمزني صاحب الشافعي، وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين فرأوا أنها طاهرة، وأن المحرم إنما هو شربها. وقد استدل سعيد بن الحداد القروي على طهارتها بسفكها في طرق المدينة، قال: ولو كانت نجسة لما فعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم، ولنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه كما نهى عن التخلي في الطرق»39.
وأجاب القرطبي عن ذلك بأن الطرقات كانت واسعة وأنه كان يمكن التحرز منها، قال: «والجواب: أن الصحابة فعلت ذلك؛ لأنه لم يكن لهم سروب ولا آبار يريقونها فيها، إذ الغالب من أحوالهم أنهم لم يكن لهم كنف في بيوتهم. وقالت عائشة رضي الله عنها إنهم كانوا يتقذرون من اتخاذ الكنف في البيوت، ونقلها إلى خارج المدينة فيه كلفة ومشقة، ويلزم منه تأخير ما وجب على الفور. وأيضًا فإنه يمكن التحرز منها، فإن طرق المدينة كانت واسعة، ولم تكن الخمر من الكثرة بحيث تصير نهرًا يعم الطريق كلها، بل إنما جرت في مواضع يسيرة يمكن التحرز عنها، هذا مع ما يحصل في ذلك من فائدة شهرة إراقتها في طرق المدينة، ليشيع العمل على مقتضى تحريمها من إتلافها، وأنه لا ينتفع بها، وتتابع الناس وتوافقوا على ذلك. والله أعلم»40.
ثالثًا: حكمة اقتران الخمر بأعمال الجاهلية:
قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة:٩٠-٩١].
فقرنت الآية بين الخمر والميسر وبين الأنصاب والأزلام وجعلت جميعها رجسًا من عمل الشيطان.
وقد ذكرت الأنصاب والأزلام في مطلع السورة نفسها في قوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ) [المائدة:٣].
والنصب جمع نصب: وهو «حجر كان ينصب فيعبد، ويقال: هو النصب، وهو حجر ينصب بين يدي الصنم تصب عليه دماء الذبائح للأصنام»41.
وقيل: جمعٌ «واحده نصاب كحمار وحمر. وقيل: هو اسم مفرد والجمع أنصاب، وكانت ثلاثمائة وستين حجرًا»42.
وهذه الأنصاب غير الأصنام؛ لأنها حجارة غير مصورة، «قال ابن جريج: النصب ليست بأصنام، الصنم يصوّر وينقش، وهذه حجارة تنصب، ثلاثمائة وستون حجرًا، منهم من يقول: ثلاثمائة منها لخزاعة، فكانوا إذا ذبحوا نضحوا الدم على ما أقبل من البيت وشرّحوا اللحم وجعلوه على الحجارة. فقال المسلمون: يا رسول الله، كان أهل الجاهلية يعظمون البيت بالدم، فنحن أحقّ أن نعظمه! فكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكره ذلك، فأنزل الله: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ) [الحج:٣٧]»43.
ويرى القرطبي أن النهي متوجه إلى تعظيمها لا إلى الذبح عليها، قال: «المعنى: والنية فيها تعظيم النصب لا أن الذبح عليها غير جائز»44.
ويرى ابن كثير أن صورة الذبح عليها نفسها تجعل الذبيحة محرمة، قال: «فنهى الله المؤمنين عن هذا الصنيع، وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله. وينبغي أن يحمل هذا على هذا؛ لأنه قد تقدم تحريم ما أهل به لغير الله»45.
وليس هذا موضع بسط هذه المسألة، ولكن المقصود معرفة أن هذه الأنصاب قد ارتبطت بعمل من أعمال الشرك كان في الجاهلية، ثم قرنها القرآن الكريم بالخمر والميسر.
وأما الاستقسام بالأزلام المنصوص عليه في قوله سبحانه: (ﭪ ﭫ ﭬ) فمعناه أن «تطلبوا علم ما قسم لكم من الخير والشر بالأزلام، قال المفسرون: كان أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم سفرًا، أو غزوًا، أو تجارةً، أو غير ذلك طلب من الأزلام، وهي قداح كانت في الكعبة عند سدنة البيت مكتوب على بعضها: أمرني ربي، وعلى بعضها: نهاني ربي، فإن خرج السهم الآمر مضى لحاجته، وإن خرج السهم الناهي لم يمض، وواحد الأزلام: زلم وزلم»46.
والمتأمل للآية التي استقر بعد نزولها الحكم على تحريم الخمر يلاحظ أنها لم تكتف بالأمر باجتنابها الدال على تحريمها، ولكنها عددت مفاسدها فقرنتها بأمور من الجاهلية قريبة من الشرك، ونصت على أنها من عمل الشيطان، وقررت أن في اجتنابها الفلاح، وذكرت أنها توقع العداوة والبغضاء، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
وعليه ففي اقترانها بأعمال الجاهلية التي هي من مظاهر الشرك تخويف للمؤمن من الشرك ومن مظاهر الجاهلية، فتحريم الخمر والميسر هو المقصود الأساس في الآية، وذكر الأنصاب والأزلام التي تقدم النص عليها معها تأكيد لهذه الحرمة «والمقصود نهيهم عن الخمر والميسر وإظهار أن هذه الأربعة متقاربة في القبح والمفسدة، فلما كان المقصود من هذه الآية النهي عن الخمر والميسر وإنما ضم الأنصاب والأزلام إلى الخمر والميسر تأكيدًا لقبح الخمر والميسر، لا جرم أفردهما في آخر الآية بالذكر»47.
وفي ذلك زيادة تأكيد لهذه الحرمة، قال ابن عاشور: «ذكر الأنصاب والأزلام مع الخمر والميسر مقصود منه تأكيد التحريم للخمر والميسر»48.
ويرى البقاعي أن الآية قد جمعت بين أسباب الضرر في الدين والدنيا، قال: «ونبههم على ما يريد العدو بهم من الشر بقوله تعالى: (ﭔ ﭕ) وهي كل ما أسكر سواء فيه قليله وكثيره، وأضاف إليها ما واخاها في الضرر دينًا ودنيا وفي كونه سببًا للخصام وكثرة اللغط المقتضي للحلف والإقسام تأكيدًا لتحريم الخمر بالتنبيه على أن الكل من أفعال الجاهلية، فلا فرق بين شاربها والذابح على النصب والمعتمد على الأزلام»49.
كما يرى أن في ترتيبها في الآية ترق من المفسدة الأدنى إلى المفسدة الأعلى، قال: «وحكمة ترتيبها هكذا أنه لما كانت الخمر غاية في الحمل على إتلاف المال، قرن بها ما يليها في ذلك وهو القمار، ولما كان الميسر مفسدة المال، قرن به مفسدة الدين وهي الأنصاب، ولما كان تعظيم الأنصاب شركًا جليًّا إن عبدت، وخفيًّا إن ذبح عليها دون عبادة، قرن بها نوعًا من الشرك الخفي وهو الاستقسام بالأزلام: ثم أمر باجتناب الكل إشارة وعبارة على أتم وجه»50.
وقد يلحظ وجه آخر: وهو أن واقع الناس يشهد باقتران الخمر بالميسر كما تقدم، وقد كانت الأزلام أدوات للميسر: «قال مجاهد في قوله: (ﭪ ﭫ ﭬ) قال: هي سهام العرب، وكعاب فارس والروم، كانوا يتقامرون بها»51.
وهذه الأزلام كانت موضوعة في الكعبة حيث الأصنام والأنصاب. غير أن ابن كثير استشكل قول مجاهد، ثم افترض له تأويلًا، فقال: «وهذا الذي ذكر عن مجاهد في الأزلام أنها موضوعة للقمار، فيه نظر، اللهم إلا أن يقال: إنهم كانوا يستعملونها في الاستخارة تارة، وفي القمار أخرى، والله أعلم. فإن الله سبحانه وتعالى قد فرق بين هذه وبين القمار وهو الميسر، فقال في آخر السورة: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ)، وهكذا قال هاهنا: (ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ) أي: تعاطيه فسق وغي وضلال وجهالة وشرك»52.
مع أن حكم الخمر قد استقر على التحريم إلا أن الحكم لم يشرع في فترة مبكرة، ولا نزل الحكم مرة واحدة، « قال بعض المفسرين: إن الله تعالى لم يدع شيئًا من الكرامة والبر إلا أعطاه هذه الأمة، ومن كرامته وإحسانه أنه لم يوجب عليهم الشرائع دفعة واحدة، ولكن أوجب عليهم مرة بعد مرة، فكذلك تحريم الخمر.
وهذه الآية -آية البقرة- أول ما نزل في أمر الخمر، ثم بعده: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النساء:٤٣]، ثم قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) ثم قوله: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ)»53.
ويسند ذلك ما روى البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا)54.
وإذا تأملنا جملة الآيات التي نصت على حكم الخمر أو أشارت إليه في القرآن الكريم وجدناها خمس آيات:
هذا ترتيبها في المصحف، أما ترتيبها في النزول: فإن كانت آية النحل:(ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) متضمنة لحكم الخمر فهي أول الآيات نزولًا، وإلا فآية البقرة: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ)، ثم آية النساء (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النساء:٤٣]، ثم آيتا المائدة: نزلتا معًا، أو نزلت الثانية (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) ، ثم الأولى (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ).
هل آية النحل أول آية نزلت في حكم الخمر؟
روى ابن جرير بسنده «عن إبراهيم والشعبيّ وأبي رزين، قالوا: هي منسوخة في هذه الآية (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل:٦٧]»56، وهو رأي طائفة من المفسرين منهم ابن العربي57.
وعلى هذا القول فهي أول آية نزلت في حكم الخمر.
وترى طائفة أخرى أن الآية غير منسوخة؛ لأن السكر في الآية غير الخمر؛ ولأن ما تضمنته الآية خبر والخبر لا يدخله النسخ.
قال ابن عطية: «والسكر أيضًا في كلام العرب ما يطعم، ورجح الطبري هذا القول، ولا مدخل للخمر فيه ولا نسخ من الآية شيء. وقال بعض الفرقة التي رأت السكر الخمر: إن هذه الآية منسوخة بتحريم الخمر، وفي هذه المقالة درك، لأن النسخ إنما يكون في حكم مستقر مشروع»58.
وقال الخازن: «القول بالنسخ فيه نظر؛ لأن قوله:(ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ) [النحل:٦٧] خبر، والأخبار لا يدخلها النسخ، ومن زعم أنها منسوخة رأى أن هذه الآية نزلت بمكة في وقت إباحة الخمر ثم إن الله تبارك وتعالى حرمها بالمدينة فحكم على هذه الآية بأنها منسوخة»59.
ورد ذلك ابن العربي فقال: إن الخبر إن كان عن شيء له وجود في الحقيقة أو عن الثواب ونحوه فهو الذي لا يدخله النسخ، أما الخبر عن الحكم فليس كذلك، قال: «فإن قيل: كيف يحرم ما أحل الله ههنا، وينسخ هذا الحكم، وهو خبر، والأخبار لا يدخلها النسخ.
قلنا: هذا كلام من لم يتحقق الشريعة، وقد بينا حقيقته قبل، وأوضحنا أن الخبر إذا كان عن الوجود الحقيقي فذلك الذي لا يدخله نسخ، أو كان عن الفضل المعطى ثوابًا فهو أيضًا لا يدخله نسخ؛ فأما إن كان خبرًا عن حكم الشرع فالأحكام تتبدل وتنسخ جاءت بخبر أو بأمر، ولا يرجع ذلك إلى تكذيب في الخبر أو الشرع الذي كان مخبرًا عنه قد زال بغيره.
وإذا فهمتم هذا خرجتم عن الصنف الغبي الذي أخبر الله عن الكفار فيه بقوله تعالى: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النحل:١٠١].
يعني أنهم جهلوا أن الرب يأمر بما يشاء، ويكلف ما يشاء، ويرفع من ذلك بعدله ما يشاء، ويثبت ما يشاء، وعنده أم الكتاب»60.
ولئن اختلف في كون آية النحل أول آية نزلت فإنه لم يختلف في أن آية البقرة: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ) [البقرة:٢١٩]، سبقت آية النساء (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النساء:٤٣]، وبعدهما آيتا المائدة، ومرد ذلك إلى الروايات الكثيرة في أسباب نزولها.
فمن ذلك ما روى أبو داود عن أبي إسحاق، عن عمرو، عن عمر بن الخطاب، قال: (لما نزل تحريم الخمر قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء، فنزلت الآية التي في البقرة (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [البقرة:٢١٩]، قال: فدعي عمر فقرئت عليه، قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شفاء، فنزلت الآية التي في النساء:(ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النساء:٤٣]. فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي: (ألا لا يقربن الصلاة سكران)، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شفاء، فنزلت هذه الآية (ﭳ ﭴ ﭵ)، قال عمر: انتهينا)61.
وروى أحمد عن أبي هريرة، قال: حرمت الخمر ثلاث مرات، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم:(ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [البقرة:٢١٩] إلى آخر الآية، فقال الناس: ما حرم علينا، إنما قال: (ﯩ ﯪ ﯫ)، وكانوا يشربون الخمر. حتى إذا كان يوم من الأيام، صلى رجل من المهاجرين، أم أصحابه في المغرب، خلط في قراءته، فأنزل الله فيها آية أغلظ منها: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء:٤٣]، وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق. ثم أنزلت آية أغلظ من ذلك: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) [المائدة:٩٠]، فقالوا: انتهينا ربنا، فقال الناس: يا رسول الله، ناس قتلوا في سبيل الله، وماتوا على فرشهم كانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجسًا، من عمل الشيطان، فأنزل الله: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) إلى آخر الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو حرمت عليهم لتركوها كما تركتم)62.
ففي هذين الأثرين ترتيب نزول الآيات الثلاث وأن ذلك وقع إجابة عن أسئلة من الصحابة رضوان الله عليهم، ووقع في روايات أخرى أنها نزلت إثر حوادث:
فمن ذلك ما روى أبو داود عن علي بن أبي طالب: (أن رجلًا من الأنصار دعاه وعبد الرحمن بن عوف فسقاهما قبل أن تحرم الخمر، فأمهم علي في المغرب فقرأ (ﭑ ﭒ ﭓ) فخلط فيها، فنزلت (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء:٤٣])63.
وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: (وأتيت على نفر من الأنصار والمهاجرين، فقالوا: تعال نطعمك ونسقك خمرًا، وذلك قبل أن تحرم الخمر، قال: فأتيتهم في حش -والحش البستان- فإذا رأس جزور مشوي عندهم، وزق من خمر. قال: فأكلت وشربت معهم، قال: فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم. فقلت: المهاجرون خير من الأنصار. قال: فأخذ رجل أحد لحيي الرأس فضربني به فجرح أنفي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته فأنزل الله عز وجل في -يعني نفسه- شأن الخمر: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) [المائدة:٩٠]»64.
وقال الواحدي: «وكانت تحدث أشياء لرسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب شرب الخمر قبل تحريمها، منها قصة علي بن أبي طالب مع حمزة رضي الله عنهما»65.
ثم ساق ما روى البخاري في صحيحه عن علي قال: (كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني مما أفاء الله عليه من الخمس يومئذ، فلما أردت أن أبتني بفاطمة عليها السلام، بنت النبي صلى الله عليه وسلم، واعدت رجلًا صواغًا في بني قينقاع أن يرتحل معي، فنأتي بإذخر، فأردت أن أبيعه من الصواغين، فنستعين به في وليمة عرسي، فبينا أنا أجمع لشارفي من الأقتاب والغرائر والحبال، وشارفاي مناخان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، حتى جمعت ما جمعت، فإذا أنا بشارفي قد أجبت أسنمتها، وبقرت خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، فلم أملك عيني حين رأيت المنظر، قلت: من فعل هذا؟ قالوا فعله حمزة بن عبد المطلب، وهو في هذا البيت، في شرب من الأنصار، عنده قينة وأصحابه، فقالت في غنائها: ألا يا حمز للشرف النواء.
فوثب حمزة إلى السيف، فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما، وأخذ من أكبادهما، قال علي: فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده زيد بن حارثة، وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الذي لقيت، فقال: (ما لك)؟ قلت: يا رسول الله، ما رأيت كاليوم، عدا حمزة على ناقتي، فأجب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وها هو ذا في بيت معه شرب، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى، ثم انطلق يمشي، واتبعته أنا وزيد بن حارثة، حتى جاء البيت الذي فيه حمزة، فاستأذن عليه، فأذن له، فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة ثمل، محمرة عيناه، فنظر حمزة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبته، ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟! فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ثمل فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقري فخرج وخرجنا معه)66. وليس في هذه الرواية تصريح بسبب النزول.
ودل عموم الروايات السابقة على أن آيتا المائدة نزلتا معًا، ونص القرطبي على أن الثانية منهما نزلت قبل الأولى فقال:«وهذه الآية -آية البقرة- أول ما نزل في أمر الخمر، ثم بعده: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النساء:٤٣]، ثم قوله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة:٩١]، ثم قوله: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ) [المائدة:٩٠]»67.
غير أنه لم يذكر على ذلك رواية أو يستدل عليه بدليل إلا أنه قال عند تفسيره لآية المائدة: «روي أن قبيلتين من الأنصار شربوا الخمر وانتشوا، فعبث بعضهم ببعض، فلما صحوا رأى بعضهم في وجه بعض آثار ما فعلوا، وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، فجعل بعضهم يقول: لو كان أخي بي رحيما ما فعل بي هذا، فحدثت بينهم الضغائن، فأنزل الله: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ) [المائدة:٩١] الآية»68.
وفيها أيضًا أن حرمة الخمر لم تستقر إلا بعد نزول آية المائدة، وأنه حرم بصفة متدرجة ولم تنزل آية التحريم إلا في المدينة، وأن من الصحابة من توفي وهو يشرب الخمر لما تنسخ إباحتها.
وقد ذكر الجصاص كلامًا لا يجرى على ظاهره فقال: «قال الله تعالى: (ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [البقرة:٢١٩]: هذه الآية قد اقتضت تحريم الخمر ولو لم يرد غيرها في تحريمها لكانت كافية مغنية وذلك لقوله: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) والإثم كله محرم بقوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ)[الأعراف:٣٣].
فأخبر أن الإثم محرم، ولم يقتصر على إخباره بأن فيها إثمًا حتى وصفه بأنه كبير تأكيدًا لحظرها. وقوله: (ﯬ ﯭ) لا دلالة فيه على إباحتها؛ لأن المراد منافع الدنيا وأن في سائر الحرمات منافع لمرتكبيها في دنياهم إلا أن تلك المنافع لا تفي بضررها من العقاب المستحق بارتكابها، فذكره لمنافعها غير دال على إباحتها لا سيما وقد أكد حظرها مع ذكر منافعها بقوله في سياق الآية: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) يعني أن ما يستحق بهما من العقاب أعظم من النفع العاجل الذي ينبغي منهما.
ومما نزل في شأن الخمر قوله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ) [النساء:٤٣]. وليس في هذه الآية دلالة على تحريم ما لم يسكر منها، وفيها الدلالة على تحريم ما يسكر منها؛ لأنه إذا كانت الصلاة فرضًا نحن مأمورون بفعلها في أوقاتها، فكل ما أدى إلى المنع منها فهو محظور، فإذا كانت الصلاة ممنوعة في حال السكر وكان شربها مؤديًا إلى ترك الصلاة كان محظورًا؛ لأن فعل ما يمنع من الفرض محظور.
ومما نزل في شأن الخمر مما لا مساغ للتأويل فيه قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة:٩٠-٩١].
فتضمنت هذه الآيات ذكر تحريمها من وجوه: أحدها قوله: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ) وذلك لا يصح إطلاقه إلا فيما كان محظورًا محرمًا، ثم أكده بقوله: (ﭝ) وذلك أمر يقتضي لزوم اجتنابه، ثم قال تعالى: (ﭳ ﭴ ﭵ) ومعناه فانتهوا»69.
وهذا الذي ذكره لو قصد منه أن الآيات التي نزلت أولًا أشارت إلى أن مآل الخمر التحريم، وأن الأمر سيستقر على تحريمها فصحيح، وأما لو قصد أن آية البقرة ثم آية النساء نصتا على التحريم فغير صحيح؛ لأن الصحابة رضوان الله عليهم لم يفهموا ذلك، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القرطبي: «هذه الأحاديث تدل على أن شرب الخمر كان إذ ذاك مباحًا معمولًا به معروفًا عندهم بحيث لا ينكر ولا يغير، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عليه، وهذا ما لا خلاف فيه، يدل عليه آية النساء (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ) [النساء:٤٣] على ما تقدم. وهل كان يباح لهم شرب القدر الذي يسكر؟
حديث حمزة ظاهر فيه حين بقر خواصر ناقتي علي رضي الله عنهما وجب أسنمتهما، فأخبر علي بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء إلى حمزة فصدر عن حمزة للنبي صلى الله عليه وسلم من القول الجافي المخالف لما يجب عليه من احترام النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتعزيره، ما يدل على أن حمزة كان قد ذهب عقله بما يسكر، ولذلك قال الراوي: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ثمل، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على حمزة ولا عنفه، لا في حال سكره ولا بعد ذلك، بل رجع لما قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟! على عقبيه القهقرى وخرج عنه»70.
حرم الله الخمر ولعن عاصرها ومعتصرها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها... وفرض على من شربها عقوبة شديدة في الحياة الدنيا، وتوعده بعذاب أليم يوم القيامة.
وقد شاع على ألسنة الناس أن المقصد من تحريم الخمر هو حفظ العقل، وذلك أن الإنسان إذا شرب الخمر ذهب عقله، فحرمت حفظًا للعقل من جهة العدم بدفع ما يضر به ويؤدي إلى إذهابه وتعطيله.
غير أننا بعد قليل من التأمل نجزم بأن الخمر قد حرمت مراعاة للمقاصد الشرعية الخمسة: الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
فأما الدين: فقد أشار إلى حفظه بتحريمها قوله تعالى:(ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ) [المائدة:٩١]: فصد الخمر عن الصلاة فساد للدين.
قال الرازي: «أما أن شرب الخمر يمنع عن ذكر الله فظاهر؛ لأن شرب الخمور يورث الطرب واللذة الجسمانية، والنفس إذا استغرقت في اللذات الجسمانية غفلت عن ذكر الله تعالى، وأما أن الميسر مانع عن ذكر الله وعن الصلاة فكذلك؛ لأنه إن كان غالبًا صار استغراقه في لذة الغلبة مانعًا من أن يخطر بباله شيء سواه، ولا شك أن هذه الحالة مما تصد عن ذكر الله وعن الصلاة»71.
ومن فساد الدين ما ينشأ من الفرقة والعداوة بين المؤمنين بسبب الخمر والذي نص عليه قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ) [المائدة:٩١].
وأما حفظ النفس: فمعلوم أن الخمر سبب لسفك الدماء واستسهال العدوان على الناس وإزهاق أرواحهم وإتلاف جوارحهم وأبدانهم، وواقع الناس على اختلاف زمانهم وبلدانهم يشهد أن عموم الجنايات والجرائم لا تقع إلا تحت تأثير الخمور والمسكرات، وكل ذلك من الإثم الذي أشار إليه قوله تعالى: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [البقرة:٢١٩].
وقد يكون كذلك أثرًا للعداوة والبغضاء الحاصلة من الخمر والميسر، قال الرازي: «أما الخمر فاعلم أن الظاهر فيمن يشرب الخمر أنه يشربها مع جماعة ويكون غرضه من ذلك الشرب أن يستأنس برفقائه ويفرح بمحادثتهم ومكالمتهم، فكان غرضه من ذلك الاجتماع تأكيد الألفة والمحبة إلا أن ذلك في الأغلب ينقلب إلى الضد؛ لأن الخمر يزيل العقل، وإذا زال العقل استولت الشهوة والغضب من غير مدافعة العقل، وعند استيلائهما تحصل المنازعة بين أولئك الأصحاب، وتلك المنازعة ربما أدت إلى الضرب والقتل والمشافهة بالفحش، وذلك يورث أشد العداوة والبغضاء، فالشيطان يسول أن الاجتماع على الشرب يوجب تأكيد الألفة والمحبة، وبالآخرة انقلب الأمر وحصلت نهاية العداوة والبغضاء.
وأما الميسر ففيه بإزاء التوسعة على المحتاجين الإجحاف بأرباب الأموال؛ لأن من صار مغلوبًا في القمار مرة دعاه ذلك إلى اللجاج فيه عن رجاء أنه ربما صار غالبًا فيه، وقد يتفق أن لا يحصل له ذلك إلى أن لا يبقى له شيء من المال، وإلى أن يقامر على لحيته وأهله وولده، ولا شك أنه بعد ذلك يبقى فقيرًا مسكينًا ويصير من أعدى الأعداء لأولئك الذين كانوا غالبين له، فظهر من هذا الوجه أن الخمر والميسر سببان عظيمان في إثارة العداوة والبغضاء بين الناس، ولا شك أن شدة العداوة والبغضاء تفضي إلى أحوال مذمومة من الهرج والمرج والفتن، وكل ذلك مضاد لمصالح العالم»72.
وأما حفظ العقل: فواضح معلوم.
وأما حفظ النسل: وإن لم يبد جليًّا فإننا بعد التأمل نجد أن كثيرًا من المفاسد الاجتماعية من الزنا والطلاق والتفريط في حقوق الأهل والذرية والأقارب مرده إلى الخمر وآثارها، وهو أيضًا من الإثم الكبير الذي نصت عليه الآية.
وأما حفظ المال: فإن شارب الخمر يفسد ماله في ما يضره ولا ينفعه، بل في ما فيه هلاك نفسه وبدنه فضلًا عن ذهاب ماله وعقله. ورغم أن الخمر تجلب لمن يعصرها ويبيعها ويحملها مالًا (ﯬ ﯭ) إلا أن الشرع أبطل هذه المصلحة لأن ما يقابلها من المفاسد أعظم منها بكثير: (ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ) [البقرة:٢١٩].
ولذلك أصبحت هذه المصلحة في حكم المعدومة، وذلك أن مصالح الدنيا ومفاسدها ليست مصالح ومفاسد خالصة، بل ما من مصلحة إلا تشوبها مفسدة: فإن كانت المصلحة غالبة روعيت وكانت المفسدة في حكم المعدومة كما في القصاص، وإن كانت المفسدة غالبة روعيت وكانت المصلحة في حكم المعدومة كما في الخمر، وإن تساوتا فدرأ المفاسد أولى من جلب المصالح كما تقرر ذلك عند علماء الأصول والمقاصد.
ويشهد لما سبق ما روى البيهقي عن عثمان بن عفان، رضي الله عنه قال: (اجتنبوا الخمر، فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس، فعلقته امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت: إنا ندعوك لشهادة، فدخل معها فطفقت كلما دخل بابًا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي، أو تقتل هذا الغلام، أو تشرب الخمر، فسقته كأسًا، فقال: زيدوني، فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر، فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدًا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه)73.
فقد جمعت الخمر جميع المفاسد ولذلك كانت أم الخبائث: من عاقرها استسهل كل فاحشة ووقع في كل إثم.
لما جمعت الخمر المفاسد كلها، فقد حرم الإسلام شربها ووضع لشاربها عقوبة رادعة، وحرم كل وسيلة إليها.
أولًا: بيع الخمر:
للنصوص الصريحة الواردة في تحريم بيع الخمر، اتفق العلماء على تحريم بيعها وشرائها بل وما اتصل بذلك من عصرها ونقلها وسقايتها ونحوها.
قال الخازن: «أجمعت الأمة على تحريم بيع الخمر والانتفاع بها وتحريم ثمنها»74.
ومن النصوص الواردة في ذلك ما روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول عام الفتح وهو بمكة: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة والخنزير والأصنام)، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: (لا، هو حرام)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: (قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه)75.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة والخنزير والأصنام) صريح في تحريم بيع الخمر وشرائها.
وعند مسلم عن ابن عباس: (أن رجلًا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل علمت أن الله قد حرمها؟) قال: لا، فسار إنسانًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بم ساررته؟)، فقال: أمرته ببيعها، فقال: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، قال: ففتح المزادة حتى ذهب ما فيها)76.
والحديث أيضًا نص على تحريم بيعها وشرائها، ولحقت الهدية بالبيع والشراء ولولا ذلك لقبلها النبي صلى الله عليه وسلم: ففيه دليل أيضًا على تحريم إهدائها وأخذها.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقترأهن على الناس، ثم نهى عن التجارة في الخمر)77.
وقد وردت النصوص بتحريم حملها وسقيها وأكل ثمنها وسوى ذلك مما اتصل بها: أخرج أبو داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه)78.
ورواه ابن ماجه بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعنت الخمر على عشرة أوجه: بعينها، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها، وشاربها، وساقيها)79.
وقد تضمن الحديث تحريم كل فعل ساهم في نشر الخمر وقربها ممن يشربها ولو لم يباشر فاعله شربها، حتى لعن آكل ثمنها سدًّا لكل ذريعة وحيلة تفضي إلى الانتفاع بها.
ثانيًا: شرب الخمر:
وأما تحريم شرب الخمر فشيء يعلمه عموم المسلمين، وقد دلت عليه نصوص كثيرة منها قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة:٩٠-٩١].
ففي قوله سبحانه:(ﭝ) نص على الحرمة كما فهم ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: انتهينا. «وقد اجتمعت أنواع من التأكيد «على الحكم» في الآية منها التصدير بإنما، وقران الخمر والميسر بالأصنام إذا فسرنا الأنصاب بها، وفي الحديث (مدمن الخمر كعابد وثن)80، والإخبار عنها بقوله:(ﭙ)، وقال تعالى: (ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ)[الحج:٣٠].
ووصفه بأنه من عمل الشيطان والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت، والأمر بالاجتناب، وترجية الفلاح -وهو الفوز- باجتنابه فالخيبة في ارتكابه، وبدئ بالخمر؛ لأن سبب النزول إنما وقع بها من الفساد؛ ولأنها جماع الإثم»81.
وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الذي حرم شربها حرم بيعها)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه).
وورد الوعيد الشديد لمدمن الخمر:
فمن ذلك ما روى أبو داود عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل مخمر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب مسكرًا بخست صلاته أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقًّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال)، قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: (صديد أهل النار، ومن سقاه صغيرًا لا يعرف حلاله من حرامه، كان حقًّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال)82.
وفي حديث أسماء بنت يزيد عند الإمام أحمد الخوف عليه أن يموت كافرًا، ولفظه: عن أسماء بنت يزيد، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من شرب الخمر، لم يرض الله عنه أربعين ليلة، فإن مات، مات كافرًا، وإن تاب، تاب الله عليه، وإن عاد، كان حقًّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال) قالت: قلت: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: (صديد أهل النار).83
وفي المستدرك عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر وقاطع الرحم ومصدق بالسحر، ومن مات مدمن الخمر سقاه الله من نهر الغوطة)، قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: (نهر يخرج من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهم)84.
ولكون هذه النصوص وغيرها صحيحة صريحة، فقد انعقد الإجماع على تحريم شرب الخمر وصار معلومًا من الدين بالضرورة، قال في البحر: «وقد أجمع المسلمون على تحريم القليل والكثير من خمر العنب التي لم تمسها نار ولا خالطها شيء، والأكثر من الأمة على أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، والخلاف فيما لا يسكر قليله ويسكر كثيره من غير خمر العنب مذكور في كتب الفقه»85.
ثالثًا: حد الخمر:
اتفق الفقهاء على أن من شرب الخمر متعمدًا مختارًا -سكر أم لم يسكر- وجب عليه الحد.
قال ابن رشد: «فأما الموجب فاتفقوا على أنه شرب الخمر دون إكراه قليلها وكثيرها. واختلفوا في المسكرات من غيرها، فقال أهل الحجاز: حكمها حكم الخمر في تحريمها وإيجاب الحد على من شربها قليلًا كان أو كثيرًا، أسكر أو لم يسكر. وقال أهل العراق: المحرم منها هو السكر، وهو الذي يوجب الحد»86.
وروى مالك عن السائب بن يزيد: (أن عمر بن الخطاب، خرج عليهم فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب. فزعم أنه شراب الطلاء87 وأنا سائل عما شرب. فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تامًّا)88.
قال ابن عبد البر: «وفي هذا الحديث من الفقه وجوب الحد على من شرب مسكرًا أسكر أو لم يسكر، خمرًا كان من خمر العنب أو نبيذًا، لأنه ليس في الحديث ذكر الخمر ولا أنه كان سكران، وإنما فيه من قول عمر: أن الشراب الذي شرب منه إن كان يسكر جلده الحد، وهذا يدل على أنه كان شرابًا لا يعلم أنه الخمر المحرم قليلها وكثيرها ولو كان ذلك ما سأل عنه.
وقد أجمعوا على أن قليل الخمر من العنب فيه من الحد مثل ما في كثيرها ولا يراعى السكر فيها وإنما اختلفوا في ما سواها من الأنبذة المسكرة»89.
ومع الحد يحكم بفسق الشارب أيضًا، قال في بداية المجتهد: «وأما الواجب فهو الحد والتفسيق إلا أن تكون التوبة، والتفسيق في شارب الخمر باتفاق وإن لم يبلغ حد السكر، وفيمن بلغ حد السكر فيما سوى الخمر. واختلف الذين رأوا تحريم قليل الأنبذة في وجوب الحد، وأكثر هؤلاء على وجوبه»90.
ومبنى هذه المسألة على تعيين الخمر ما هي؟ هل هي ما كان من العنب خاصة ويقاس عليها بعلة الإسكار كل مسكر، فلا يكون للقليل غير المسكر حكم الكثير، أم هي حقيقة في كل مسكر، فيكون حينئذ للقليل حكم الكثير كما تقدم.
وقد ثبت حد الخمر بالسنة، وكان الخلفاء الراشدون الأربعة يفعلونه بحضور الصحابة وجمهور الناس فلم ينكر عليهم أحد، بل تشاوروا حتى في تغليظه حين استهتر الناس به، وكان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر أربعين جلدة فجعلوها بعد مشاورة ثمانين قياسًا على حد القذف: روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين)91.
وعن السائب بن يزيد، قال: (كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين)92.
ففي هذين الخبرين أن الحد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر أربعين، وشاور عمر الصحابة رضوان الله عليهم فأشاروا عليه بأن يزيدها، كما روى مسلم عن أنس بن مالك: (أن نبي الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد، والنعال)، ثم جلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر، ودنا الناس من الريف والقرى، قال: (ما ترون في جلد الخمر؟) فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعلها كأخف الحدود، قال: (فجلد عمر ثمانين)»93.
وهذا الذي فعله عمر أمضاه علي بحضرة عثمان وابنه الحسن وابن أخيه عبد الله بن جعفر رضي الله عنهم ثم قال: (جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي)94.
ولذلك قال الجمهور بأن الحد في الخمر ثمانون جلدة، قال ابن رشد: «اختلفوا في مقدار الحد الواجب، فقال الجمهور: الحد في ذلك ثمانون، وقال الشافعي، وأبو ثور، وداود: الحد في ذلك أربعون.
فعمدة الجمهور تشاور عمر والصحابة لما كثر في زمانه شرب الخمر، وإشارة علي عليه بأن يجعل الحد ثمانين قياسًا على حد الفرية؛ فإنه كما قيل عنه رضي الله عنه: «إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى».
وعمدة الفريق الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد في ذلك حدًّا، وإنما كان يضرب فيها بين يديه بالنعال ضربًا غير محدود95.
وأن أبا بكر رضي الله عنه شاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم «كم بلغ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لشراب الخمر؟ فقدروه بأربعين»96.
وروي عن أبي سعيد الخدري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين)، فجعل عمر مكان كل نعل سوطًا97.
وروي من طريق آخر عن أبي سعيد الخدري ما هو أثبت من هذا، وهو (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر أربعين)98.
وروي هذا عن علي عن النبي عليه الصلاة والسلام من طريق أثبت99، وبه قال الشافعي»100.
ويرى القرطبي أنه لا زيادة على الثمانين لاتفاق الصحابة رضوان الله عليهم عليها، إلا أن يقع الاستهتار بحدود الله فيجوز عند ذلك التشديد والزيادة في العقوبة، قال:«نص الله تعالى على عدد الجلد في الزنى والقذف، وثبت التوقيف في الخمر على ثمانين من فعل عمر في جميع الصحابة... فلا يجوز أن يتعدى الحد في ذلك كله. قال ابن العربي101: وهذا ما لم يتتابع الناس في الشر، ولا احلولت لهم المعاصي، حتى يتخذوها ضراوة، ويعطف الناس عليهم بالهوادة، فلا يتناهوا عن منكر فعلوه؛ فحينئذ تتعين الشدة، ويزيد الحد؛ لأجل زيادة الذنب.
وقد أتي عمر بسكران في رمضان، فضربه مائة: ثمانين حد الخمر، وعشرين لهتك حرمة الشهر؛ فهكذا يجب أن تتركب العقوبات على تغليظ الجنايات، وهتك الحرمات.
وقد لعب رجل بصبي، فضربه الوالي ثلاثمائة سوط، فلم يغير ذلك مالك حين بلغه، فكيف لو رأى زماننا هذا بهتك الحرمات والاستهتار بالمعاصي، والتظاهر بالمناكر، وبيع الحدود، واستيفاء العبيد لها في منصب القضاة؛ لمات كمدًا، ولم يجالس أحدًا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
قلت: ولهذا المعنى -والله أعلم- زيد في حد الخمر حتى انتهى إلى ثمانين»102.
نص القرآن الكريم على أن في الجنة أنهارًا جارية من ماء ولبن وخمر وعسل: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ) [محمد:١٥].
«أي: مثل الجنة التي أعدها الله لعباده، الذين اتقوا سخطه، واتبعوا رضوانه، أي: نعتها وصفتها الجميلة.(ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ) أي: غير متغير، لا بوخم ولا بريح منتنة، ولا بمرارة، ولا بكدورة، بل هو أعذب المياه وأصفاها، وأطيبها ريحًا، وألذها شربًا. (ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ) بحموضة ولا غيرها، (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ) أي: يلتذ به شاربه لذة عظيمة، لا كخمر الدنيا الذي يكره مذاقه ويصدع الرأس، ويغول العقل. (ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ) من شمعه، وسائر أوساخه. (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ) من نخيل، وعنب، وتفاح، ورمان، وأترج، وتين، وغير ذلك مما لا نظير له في الدنيا، فهذا المحبوب المطلوب قد حصل لهم. ثم قال: (ﮧ ﮨ ﮩ) يزول بها عنهم المرهوب، فأي هؤلاء خير أم من هو خالد في النار التي اشتد حرها، وتضاعف عذابها، (ﮰ) فيها (ﮱ ﯓ) أي: حارًّا جدًّا، (ﯔ ﯕ) فسبحان من فاوت بين الدارين والجزاءين، والعاملين والعملين»103.
وكون خمر الجنة جارية في أنهار يدل على كثرتها ووفرتها، واطمئنان الـمنعّم بها إلى عدم زوالها وانقطاعها، كما قيل في الفاكهة: (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الواقعة:٣٢-٣٣].
وقد وصفت هذه الخمر مع كثرتها ووفرتها بأنها «لذة للشاربين»، وتكرر هذا الوصف مع أوصاف أخرى في قوله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الصافات:٤٥-٤٧].
ومعنى «لذّةٍ»: لذيذة، يقال: شراب لذاذ: إذا كان طيّبًا. أو ذات لذّة104. ومن تمام لذتها أنها تمزج بالكافور وتختم بالمسك.
قال تعالى: (ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ) [الإنسان:٥-٦]: «أي: تمزج الخمر بالكافور وقيل: المعنى أنه كافور في طيب رائحته كما تمدح طعامًا فتقول: هذا مسك»105.
وقال تعالى: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [المطففين:٢٢-٢٨].
و«الرحيق: الخمر الصافية، والمختوم فسره الله بأن ختامه مسك»106.
وقوله سبحانه (ﯝ): «يحتمل أن يختم على كؤوسه التي يشرب بها تهممًا وتنظيفًا، والأظهر أنه مختوم شرابه بالرائحة المسكية حسبما فسر قوله تعالى:(ﯟ ﯠ)، واختلف المتأولون في قوله: (ﯟ ﯠ) فقال علقمة وابن مسعود معناه: خلطه ومزاجه، وقال ابن عباس والحسن وابن جبير معناه: خاتمته أن يجد الرائحة عند خاتمته الشرب رائحة المسك، وقال أبو علي: المراد لذاذة المقطع وذكاء الرائحة مع طيب الطعم، وكذلك قوله: (ﰇ ﰈ ﰉ)، وقوله تعالى: (ﲢ) أي: يحذي اللسان، وقد قال ابن مقبل:
مما يفتق في الحانوت ناطقها
بالفلفل الجوز والرمان مختوم
قال مجاهد معناه: طينه الذي يختم به مسك بدل الطين الذي في الدنيا، وهذا إنما يكون في الكؤوس؛ لأن خمر الآخرة ليست في دنان إنما هي في أنهار»107.
وفي بعض التفسيرات أن (ﰉ) اسم عين تمزج بها الكأس من الخمر لمن سمتهم الآية «(ﭔ ﭕ): وصفهم بالعبودية، وفيه معنى التشريف والاختصاص، كقوله: (ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) [الفرقان:٦٣].
(ﭖ ﭗ) أي: يفجرونها حيث شاؤوا من منازلهم تفجيرًا سهلًا لا يصعب عليهم، وفي الأثر أن في قصر النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة عينًا تفجر إلى قصور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمؤمنين»108، روي أن «معهم قضبان ذهب يفجرون بها تتبع قضبانهم»109.
وعلى كونها تجري في أنهار، فإن «عباد الله» المنسوبين إليه تشريفًا يفجرونها حيث شاؤوا تفجيرًا، ويطاف عليهم بها في آنية كما نصت على ذلك الآية السابقة:(ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ): أي «يدار عليهم وهم في مجالسهم. والكأس (بهمزة بعد الكاف): إناء الخمر، مؤنث، وهي إناء بلا عروة ولا أنبوب واسعة الفم، أي: محل الصب منها، تكون من فضة ومن ذهب ومن خزف ومن زجاج، وتسمى قدحًا وهو مذكر. وجمع كأس: كاسات وكؤوس وأكؤس. وكانت خاصة بسقي الخمر حتى كانت الكأس من أسماء الخمر تسمية باسم المحل، وقد قيل: لا يسمى ذلك الإناء كأسًا إلا إذا كانت فيه الخمر وإلا فهو قدح.
والمعني بها في الآية الخمر؛ لأنه أفرد الكأس مع أن المطوف عليهم كثيرون، ولأنها وصفت بأنها من معين»110.
وهي مع الطواف عليهم بها جارية في الأنهار، ظاهرة تراها العيون111، فلذلك قيل فيها: كأس «(ﯱ ﯲ) أي: من شراب معين أو نهر معين: أي ظاهر للعيون، أو خارج من العيون: وهو صفة للماء، من عان الماء: إذا نبع. وصف به خمر الجنة؛ لأنها تجري كالماء، أو للإشعار بأن ما يكون لهم بمنزلة الشراب جامع لما يطلب من أنواع الأشربة لكمال اللذة»112.
وقد أبهم الطائف عليهم في الآية، ووقع بيانه في سورة الواقعة في قوله سبحانه: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الواقعة:١٧-٢١].
و«الولدان المخلدون»: هم الذين لا يتغيّرون، وهم على سنٍّ واحد، وقيل: هم المقرطون أو المسورون113.
وقوله عز وجل أيضًا: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الإنسان:١٩]: «شبههم باللؤلؤ في الحسن والبياض، وبالمنثور منه في كثرتهم وانتشارهم في القصور114.
فمع لذة ما يطاف عليهم به، فإن شربه لا يعقبه صداع ولا وجع: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ)، والطائفون عليهم حسان الصور: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ)، والمطوف عليهم به جميل المنظر: (ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ)، تشتهيه النفس وتلذه العين: (ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الواقعة:٢٠-٢١].
وهذه الخمر على لذتها، ليس فيها مساوئ خمر الدنيا من الإسكار والصداع ووجع البطن وما يعقبه من قيء ونحوها، قال ابن كثير: «فنزه الله خمر الآخرة عن الآفات التي في خمر الدنيا، من صداع الرأس ووجع البطن -وهو الغول- وذهابها بالعقل جملة، فقال تعالى هاهنا: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ) أي: بخمر من أنهار جارية، لا يخافون انقطاعها ولا فراغها. قال مالك، عن زيد بن أسلم: خمر جارية بيضاء، أي: لونها مشرق حسن بهي لا كخمر الدنيا في منظرها البشع الرديء، من حمرة أو سواد أو اصفرار أو كدورة، إلى غير ذلك مما ينفر الطبع السليم.
وقوله عز وجل: (ﯵ ﯶ) أي طعمها طيب كلونها، وطيب الطعم دليل على طيب الريح، بخلاف خمر الدنيا في جميع ذلك.
وقوله: (ﯸ ﯹ ﯺ) يعني: لا تؤثر فيهم غولًا -وهو وجع البطن. قاله مجاهد، وقتادة، وابن زيد- كما تفعله خمر الدنيا من القولنج ونحوه؛ لكثرة مائيتها. وقيل: المراد بالغول هاهنا: صداع الرأس. وروي هكذا عن ابن عباس. وقال قتادة: هو صداع الرأس، ووجع البطن. وعنه، وعن السدي: لا تغتال عقولهم، كما قال الشاعر:
فما زالت الكأس تغتالنا
وتذهب بالأول الأول
وقال سعيد بن جبير: لا مكروه فيها ولا أذى. والصحيح قول مجاهد: إنه وجع البطن.
وقوله: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ) قال مجاهد: لا تذهب عقولهم، وكذا قال ابن عباس، ومحمد بن كعب، والحسن، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني، والسدي، وغيرهم.
وقد قال بعض أهل التفسير إن في قول الله تعالى: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ) [الإنسان:٢١].
تعريضًا بنجاسة خمر الدنيا؛ «لأن خمر الجنة طاهرةٌ، وليست بنجسةٍ كخمر الدنيا»115، وقد جعل فيه الشنقيطي شاهدًا لقول جمهور الفقهاء بأن الخمر نجسة العين فقال: «قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [المائدة:٩٠] الآية.
يفهم من هذه الآية الكريمة أن الخمر نجسة العين؛ لأن الله تعالى قال إنها: رجس، والرجس في كلام العرب كل مستقذر تعافه النفس. وقيل: إن أصله من الركس، وهو العذرة والنتن.
قال بعض العلماء: ويدل لهذا مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شراب أهل الجنة: (ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ)؛ لأن وصفه لشراب أهل الجنة بأنه طهور يفهم منه أن خمر الدنيا ليست كذلك، ومما يؤيد هذا أن كل الأوصاف التي مدح بها تعالى خمر الآخرة منفية عن خمر الدنيا، كقوله:(ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ)، وكقوله:(ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ)، بخلاف خمر الدنيا ففيها غول يغتال العقول وأهلها يصدعون، أي: يصيبهم الصداع الذي هو وجع الرأس بسببها»116.
و«المعنى ليس فيها قط نوع من أنواع الفساد التي تكون في شرب الخمر من صداع أو خمار أو عربدة ولا هم يسكرون أيضا»117.
جرت عادة الناس في الحياة الدنيا أنهم يعدون للخمر مجالس، يطوف عليهم فيها الخدم، ويتخيرون فيها المكان، ويدعون إليها الأصحاب والأقران، وقد يتجملون لها ويلبسون أحسن الثياب، ويجتمعون لها في مجالس لهو وسمر.
وقد نص القرآن الكريم على أن لأهل الجنة فيها مجالس خير من هذه المجالس، في جنة مفتحة الأبواب، قال تعالى: (ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [ص:٤٩-٥٢].
«وتفتيح الأبواب كناية عن التمكين من الانتفاع بنعيمها؛ لأن تفتيح الأبواب يستلزم الإذن بالدخول وهو يستلزم التخلية بين الداخل وبين الانتفاع بما وراء الأبواب»118.
ونصت الآية على أنهم يجلسون فيها مجلس المطمئن المرتاح المنعم والذي دلت عليه هيئة الاتكاء: (ﮛ ﮜ)، وهم مع ذلك سالمون من كل ما ينغص عليهم مهما كان قليلًا مما يؤذي أبدانهم أو أسماعهم كخشونة في اللباس أو الأفرشة، أو برد أو حر، أو لغو أو إثم، قال تعالى: (ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الإنسان:١٢-١٤].
وقال سبحانه: (ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ) [الواقعة:٢٥-٢٦] أي: لا يسمعون باطلًا ولا كذبًا119.
والحرير: الرقيق الناعم من الثياب -كما هو معلوم-، والأرائك: «السرر، أو ما يتكأ عليه من سرير أو فراش ونحوه. (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) أي: لا يرون فيها شمسًا شديدة الحرارة بحيث تؤذيهم أو تضرهم، ولا يرون فيها كذلك (ﮕ) أي: بردًا مفرطًا، يقال: زمهر اليوم، إذا اشتد برده.
والمقصود من الآية الكريمة أنهم لا يرون في الجنة إلا جوًّا معتدلًا، لا هو بالحار ولا هو بالبارد.
وقوله سبحانه: (ﮗ ﮘ ﮙ) معطوف على قوله قبل ذلك:(ﮛ). و(ﮙ) فاعل (ﮗ) والضمير في (ﮙ) يعود إلى الجنة.
أي: أن الأبرار جالسون في الجنة جلسة الناعم البال، المنشرح الصدر. وظلال أشجار الجنة قريبة منهم، ومحيطة بهم، زيادة في إكرامهم»120.
وهم على سرر منسوجة من الذهب والجوهر، أو مصفوفة، متقابلون لا ينظر بعضهم في قفا بعض121: ( ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)[الواقعة:١٥-١٦].
«وسرر: جمع سرير وهو ككرسي واسع يمكن الاضطجاع عليه، وكان الجلوس على السرير من شعار الملوك وأضرابهم، وذلك جلوس أهل النعيم؛ لأن الجالس على السرير لا يجد مللًا؛ لأنه يغير جلسته كيف تتيسر له.
و(ﯮ): كل واحد قبالة الآخر. وهذا أتم للأنس؛ لأن فيه أنس الاجتماع وأنس نظر بعضهم إلى بعض فإن رؤية الحبيب والصديق تؤنس النفس.
والظاهر: أن معنى كونهم متقابلين تقابل أفراد كل جماعة مع أصحابهم، وأنهم جماعات على حسب تراتيبهم في طبقات الجنة، وأن أهل كل طبقة يقسمون جماعات على حسب قرابتهم في الجنة كما قال تعالى: (ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ) [يس:٥٦].
وكثرة كل جماعة لا تنافي تقابلهم على السرر والأرائك وتحادثهم؛ لأن شؤون ذلك العالم غير جارية على المتعارف في الدنيا»122.
تعلو النضارة وجوههم، قال تعالى: (ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ) [الإنسان:١١].
«أي: آمنهم مما خافوا منه، (ﮁ ﮂ) أي: في وجوههم، (ﮃ) أي: في قلوبهم. قاله الحسن البصري، وقتادة، وأبو العالية، والربيع بن أنس. وهذه كقوله تعالى: (ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ) [عبس:٣٨-٣٩]. وذلك أن القلب إذا سر استنار الوجه»123.
وقال سبحانه أيضًا: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [المطففين:٢٤]: «يعني أنك إذا رأيتهم تعرف أنهم من أهل النعمة لما ترى على وجوههم من النّور والحسن والبياض، قيل: النضرة في الوجه والسرور في القلب»124.
وتزينت أبدانهم ومعاصمهم بالحرير والحلي: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [الإنسان:٢١]: «أي: قد جللتهم ثياب السندس والإستبرق الأخضران، اللذان هما أجل أنواع الحرير، فالسندس: ما غلظ من الديباج والإستبرق: ما رق منه. (ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ) أي: حلوا في أيديهم أساور الفضة، ذكورهم وإناثهم»125.
وهم في غمرة ذلك يطلبون ما شاؤوا من فاكهة وشراب، مع ما يقابلون به من الإكرام والحفاوة، كما قال عز وجل: (ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ) [ص:٤٩-٥٢].
وقال أيضًا: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ) [الصافات:٤١-٤٤].
«والرزق: الطعام، قال تعالى: (ﯿ ﰀ ﰁ) [آل عمران:٣٧].
وقال: (ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ) [يوسف:٣٧].
والمعلوم: الذي لا يتخلف عن ميعاده ولا ينتظره أهله.
و(ﯡ) عطف بيان من رزق. والمعنى: أن طعامهم كله من الأطعمة التي يتفكه بها لا مما يؤكل لأجل الشبع. والفواكه: الثمار والبقول اللذيذة.
و(ﯣ ﯤ) عطف على (ﯝ ﯞ ﯟ)، أي: يعاملون بالحفاوة والبهجة، فإنه وسط في أثناء وصف ما أعد لهم من النعيم الجسماني أن لهم نعيم الكرامة وهو أهم؛ لأن به انتعاش النفس مع ما في ذلك من خلوص النعمة ممن يكدرها؛ ذلك لأن الإحسان قد يكون غير مقترن بمدح وتعظيم ولا بأذى وهو الغالب، وقد يكون مقترنًا بأذى وذلك يكدر من صفوه، قال تعالى: (ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ) [البقرة:٢٦٤].
فإذا كان الإحسان مع عبارات الكرامة وحسن التلقي فذلك الثواب»126.
وقربت ثمار الجنة منهم لتنالها أيديهم في سهولة ويسر: (ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ) [الإنسان:١٤].
ويطوف عليهم الولدان المخلدون في أجمل صورة وأحسن منظر: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ) [الإنسان:١٩].
قال ابن عطية: «و (ﯞ) قال جمهور الناس: معناه باقون من الخلود، وجعلهم ولدانًا؛ لأنهم في هيئة الولدان في السن لا يتغيرون عن تلك الحال، وقال أبو عبيدة وغيره مخلّدون معناه مقرطون، والخلدات حلي يعلق في الآذان... وشبههم بـ «اللؤلؤ المنثور» في بياضهم وانتشارهم في المساكن يجيئون ويذهبون وفي جمالهم، ومنه سميت المرأة درة وجوهرة»127.
وفي أيديهم الصحاف والأكواب والأباريق والقوارير مقدرة تقديرًا، قال تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ) [الواقعة:١٧-٢١].
أكواب جمع كوب، وهي الآنية التي لا عرى لها ولا خراطيم، والأباريق التي لها عرى وخراطيم واحدها إبريق، سمي بذلك لأنه يبرق لونه من صفائه.
وقال جل وعلا: (ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الزخرف:٧١].
«والصحاف: جمع صحفة، وهي: إناء مستدير واسع الفم ينتهي أسفله بما يقارب التكوير. والصحفة: إناء لوضع الطعام أو الفاكهة، مثل: صحاف الفغفوري الصيني تسع شبع خمسة، وهي دون القصعة التي تسع شبع عشرة. وقد ورد أن عمر بن الخطاب اتخذ صحافًا على عدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلا يؤتى إليه بفاكهة أو طرفة إلا أرسل إليهن منها في تلك الصحاف»128.
وقال جل وعلا: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ) [الإنسان:١٥-١٦].
فهي أكواب «مادتها من فضة، وهي على صفاء القوارير، وهذا من أعجب الأشياء، أن تكون الفضة الكثيفة من صفاء جوهرها وطيب معدنها على صفاء القوارير»129.
وفي التقدير: «قولان: أحدهما: قدّروها في أنفسهم، فجاءت على ما قدّروا، قاله الحسن. وقال الزجاج: جعل الإناء على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه على تقديرهم. والثاني: قدّروها على مقدارٍ لا يزيد ولا ينقص، قاله مجاهد. وقال غيره: قدروا الكأس على قدر ريّهم، لا يزيد عن ريّهم فيثقل الكفّ، ولا ينقص منه فيطلب الزيادة، وهذا ألذّ الشراب. فعلى هذا القول يكون الضمير في «قدّروا» للسقاة والخدم، وعلى الأول للشاربين»130.
فمن أبصرهم رآهم في نعمة وملك عظيم: (ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ) [الإنسان:٢٠].
«كرر ذكر الرؤية مبالغة، و(ﯧ) ظرف والعامل فيه رأيت أو معناه، وقال الفراء التقدير: (ﯨ) ما ثمّ وحذفت ما، وقرأ حميد الأعرج «ثم» بضم الثاء، و«النعيم»: ما هم فيه من حسن عيش، و«الملك الكبير»: قال سفيان: هو استئذان الملائكة وتسليمهم عليهم وتعظيمهم لهم، فهم في ذلك كالملوك، وقال أكثر المفسرين: «الملك الكبير» اتساع مواضعهم، فروي عن عبد الله بن عمر أنه قال: ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف غلام كلهم مختلف شغله من شغل أصحابه، وأدنى أهل الجنة منزلة من ينظر من ملكه في مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه»131.
الإعجاز التشريعي في تحريم الخمر
شرب الخمر بلاء ابتلي به البشر قديمًا وحديثًا، وشاع بينهم شيوع النار في الهشيم. ولم يكن العرب الذين بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم ليشذوا عن هذه القاعدة، بل إن الأحاديث التي رويت في إراقتهم لقرب الخمر في طرقات المدينة بعد نزول تحريمها تشهد أنهم كانوا يشربون منها الشيء الكثير، وما وقع لهم من حوادث قبل نزول التحريم يدل على أنه كان لها مكان كبير في مجالسهم واجتماعاتهم ونواديهم. قال في التحرير والتنوير: «وشيوع شرب الخمر في الجاهلية معلوم لمن علم أدبهم وتاريخهم فقد كانت الخمر قوام أود حياتهم، وقصارى لذاتهم ومسرة زمانهم وملهى أوقاتهم، قال طرفة:
ولولا ثلاث هن من عيشة الفتى
وجدك لم أحفل متى قام عودي
فمنهن سبقي العاذلات بشربـــة
كميت متى ما تعل بالماء تزبــد
وعن أنس بن مالك: (حرمت الخمر ولم يكن يومئذ للعرب عيش أعجب منها، وما حرم عليهم شيء أشد عليهم من الخمر). فلا جرم أن جاء الإسلام في تحريمها بطريقة التدريج فأقر حقبة إباحة شربها. واتفق أهل الأثر على أن تحريم الخمر وقع في المدينة بعد غزوة الأحزاب بأيام، أي: في آخر سنة أربع أو سنة خمس على الخلاف في عام غزوة الأحزاب»132.
ولقد استطاع التشريع القرآني أن يستأصل هذا المرض الخبيث فيهم بخطة حكيمة، وتدرج متأن رشيد سبق بيانه، و «في تحريم الخمر بهذا الترتيب حكمة بليغة، وذلك أن القوم ألفوا شرب الخمر، وأصبحت جزءًا من حياتهم، فلو حرّمت عليهم دفعة واحدة؛ لشق ذلك على نفوسهم وربما لم يستجيبوا لذلك النهي، كما تقول السيدة عائشة رضي اللّه عنها: (أول ما نزل من القرآن سورة من المفصّل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول ما نزل: لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندع الخمرة أبدًا).
وذلك من الخطة الحكيمة التي انتهجها الإسلام في معالجة الأمراض الاجتماعية، فقد سلك بالناس طريق (التدريج في تشريع الأحكام) فبدأ بالتنفير منه بطريق غير مباشر كما في الآية الأولى، ثم بالتنفير المباشر عن طريق المقارنة بين شيئين: شيء فيه نفع ضئيل، وشيء فيه ضرر وخطر جسيم، كما في الآية الثانية، ثم بالتحريم الجزئي في أوقات الصلاة كما في الآية الثالثة، ثم بالتحريم الكلي في جميع الأوقات كما في الآية الرابعة، فللّه ما أدق هذا التشريع»133.
وتبدو هذه ميزة انفردت بها الشريعة الخاتمة من دون سائر الشرائع الأرضية، ويرى ابن عاشور أنها انفردت بها أيضًا عن سائر الشرائع السماوية السابقة، قال: «وشرب الخمر عمل متأصل في البشر قديمًا لم تحرمه شريعة من الشرائع لا القدر المسكر بله ما دونه، وأما ما يذكره علماء الإسلام إن الإسكار حرام في الشرائع كلها فكلام لا شاهد لهم عليه بل الشواهد على ضده متوافرة، وإنما جرأهم على هذا القول ما قعدوه في أصول الفقه من أن الكليات التشريعية وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسب والمال والعرض هي مما اتفقت عليه الشرائع، وهذا القول وإن كنا نساعد عليه فإن معناه عندي أن الشرائع كلها نظرت إلى حفظ هاته الأمور في تشريعاتها، وأما أن تكون مراعاة باطراد في غير شريعة الإسلام فلا أحسب ذلك يتم، على أن مراعاتها درجات، ولا حاجة إلى البحث في هذا»134.
ثم يستدل على رأيه هذا بما يتلى في كتب أهل الكتاب فيقول: «بيد أن كتب أهل الكتاب ليس فيها تحريم الخمر ولا التنزيه عن شربها، وفي التوراة التي بيد اليهود أن نوحًا شرب الخمر حتى سكر، وأن لوطًا شرب الخمر حتى سكر سكرًا أفضى بزعمهم إلى أمر شنيع، والأخير من الأكاذيب؛ لأن النبوءة تستلزم العصمة، والشرائع وإن اختلفت في إباحة أشياء فهنالك ما يستحيل على الأنبياء مما يؤدي إلى نقصهم في أنظار العقلاء، والذي يجب اعتقاده: أن شرب الخمر لا يأتيه الأنبياء؛ لأنه لا يشربها شاربوها إلا للطرب واللهو والسكر، وكل ذلك مما يتنزه عنه الأنبياء؛ ولأنها يشربونها لقصد التقوي لقلة هذا القصد من شربها. وفي سفر اللاويين من التوراة «وكلم الله هارون قائلًا: خمرًا ومسكرًا لا تشرب أنت وبنوك معك عند دخولكم إلى خيمة الاجتماع لكي لا تموتوا. فرضا دهريا في أجيالكم وللتمييز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر»135.
ومن عظمة هذا الدين أنه لم يستأصل الخمر بقانون يجرمها، قد يقوم على تطبيقه من يشربها، ولكنه زرع محبة الناهي عنها وخوفه والحياء منه ورجاء رحمته وحذر عقابه في قلوب الناس قبل أن ينهاهم عنها، كما روى البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندع الزنا أبدًا)136.
فأم المؤمنين رضي الله عنها «أشارت إلى الحكمة الإلهية في ترتيب التنزيل وأن أول ما نزل من القرآن الدعاء إلى التوحيد والتبشير للمؤمن والمطيع بالجنة وللكافر والعاصي بالنار، فلما اطمأنت النفوس على ذلك أنزلت الأحكام، ولهذا «قالت: ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا: لا ندعها»، وذلك لما طبعت عليه النفوس من النفرة عن ترك المألوف»137.
ومن عظمة هذا الدين أيضًا أنه فرق بين الفواحش، فسارع إلى استئصال ما كان يمجه الطبع منها، وأخر ما لم يكن كذلك إلى حين كما في حديث عبادة الذي رواه البخاري من طريق الزهري، قال: أخبرني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله، أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان شهد بدرًا وهو أحد النقباء ليلة العقبة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وحوله عصابة من أصحابه-: (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا ثم ستره الله فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه) فبايعناه على ذلك)138، ولفظه عند مسلم: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: (تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة له، ومن أصاب شيئًا من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه)139.
فهذه الفواحش: الزنا، والسرقة، وقتل الولد، أو قتل النفس التي حرم الله، والبهتان، لم تؤخر ولكن وقع النهي عنها مع الشرك في صدر الإسلام، خلافًا للخمر، وذلك أن البيئة الجاهلية على ما فيها، كانت تمج هذه الفواحش، فكان التعجيل بمنعها واستئصالها موافقًا لما غرس في طباع الناس، بل مجاريًا لمنطق العقلاء وأهل الشرف والأنفة. يشهد لذلك ما روى ابن جرير في تفسير قوله تعالى: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) [الممتحنة:١٢].
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بايع النساء، «فقال: (ﭟ ﭠ) فقالت هند: يا رسول الله وهل تزني الحرة؟ قال: لا والله ما تزني الحرة»140.
أما الخمر، فإن الناس ما زالوا يشربونها إلى ما بعد الهجرة بسنين، لكونها كانت مغروسة فيهم متأصلة في عاداتهم وطباعهم، ولكن التشريع الإلهي كان إذ ذاك يقطع المدد عن شجرة الهوى في النفوس فإذا هي تذبل يومًا بعد يوم، حتى إذا جاء الأمر الإلهي انكشفت معجزة الإسلام العظيمة وتربيته الحكيمة، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه الفضيخ، فإني لقائم أسقي أبا طلحة، وفلانًا وفلانًا، إذ جاء رجل فقال: وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال: حرمت الخمر، قالوا: أهرق هذه القلال يا أنس، قال: فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل)141.
فأين هذا من تشريعات أمم رصدت لمنع الخمر المليارات، وانتدبت لذلك جيوشًا، وأنزلت أحكامًا قاسية، ثم اضطرت في الأخير للترخيص لها والتخلية بين الناس وبينها على ما تعلم من آثارها من حوادث مميتة، وأضرار صحية بالغة الكلفة، بل وكونها حارس كل عدوان أو جريمة؟ أين هذا من كلمة واحدة «حرمت الخمر، فقالوا: أهرق هذه القلال يا أنس، فما سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل».
ومن دلائل الإعجاز التشريعي في تحريم الخمر ما تكشفت حكمته مماظهر ويظهر كل يوم من أضرارها على الناس جماعة وأفرادًا.
نص القرآن الكريم على بعض آثار الخمر في قوله سبحانه: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ) [المائدة:٩١].
فهي تنشر العداوة والبغضاء وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة. قال في روائع البيان: «لم يذكر في القرآن الكريم تعليل الأحكام إلاّ بالإيجاز، أمّا هنا فقد ذكر بالإطناب والتفصيل، وذكرت فيه الأسباب لتحريم الخمر والميسر بالإسهاب، منها: إلقاء العداوة والبغضاء بين المؤمنين، والصدّ عن ذكر الله، وشغل المؤمنين عن الصلاة، كما وصفت الخمر والميسر بأنها رجس، وأنها من عمل الشيطان إلخ، وكل ذلك ليشير إلى الضرر العظيم، والخطر الجسيم، من جراء اقتراف هاتين الرذيلتين (جريمة القمار) و(جريمة تناول المسكرات) استمع إلى قوله تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ) [المائدة:٩١]»142.
«فللخمر مضار كثيرة: شخصية وصحية، واجتماعية بزرع العداوة والبغضاء، ودينية بالصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ومالية بتبديد الأموال في الضار غير النافع. وكذا للقمار أضرار نفسية عصبية بإحداث توتر في الأعصاب وقلق واضطراب، واجتماعية ودينية ومالية كالخمر تمامًا»143.
وقد جمعت الآية أصول ما في الخمر من أضرار فردية واجتماعية:
فكونها رجس: يقتضي نجاستها العينية المفضية إلى شتى أنواع الأمراض وفساد الأبدان، ونجاستها المعنوية المفضية إلى الانحراف الأخلاقي ومقارفة كل أنواع المنكرات والفواحش، «فالخمر إذا أذهبت العقل، هانت كرامة الإنسان على غيره، وفقد القدرة على إدراك الخير والبعد عن الشر، هذا فضلًا عن أضرار الخمر الصحية في كل أعضاء جهاز الهضم والأعصاب، بل قد يمتد الضرر إلى الأولاد، فينشأ الواحد منهم معتوهًا ضعيف المدارك، وكثيرًا ما أدت الخمر إلى الطلاق وتدمير الأسرة»144.
وكونها توقع العداوة والبغضاء: يعني أنها سبب الانهيار الاجتماعي والأسري بما تكسر من روابط الأخوة والجوار ونحوها في المجتمع، وما تفضي إليه من تضييع الحقوق، «أي: إن الشيطان لا يريد لكم من تعاطي الخمر والميسر إلا الإيقاع في العداوة بأن يعادي بعضكم بعضًا بسبب الشراب، والبغضاء بأن يزرع الكراهية والحقد والنفرة من بعضكم، فيتحقق هدفه من التفريق والتشتيت بعد التأليف بالإيمان والجمع بأخوة الإسلام»145.
وكونها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة: يجعلها صادة عن كل مكرمة من المكارم، «ويريد أيضًا صرفكم بالسكر المذهب للعقل والاشتغال بالقمار عن ذكر الله الذي تطمئن به القلوب وتسعد به النفوس في الدنيا والآخرة، وعن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والتي تزكو بها النفوس، وتتطهر القلوب»146.
وقد تهوي بصاحبها إلى ما دون درجة البهيمة. قال في روائع البيان: «أثمن وأغلى شيء في الإنسان عقله، فإذا فقد الإنسان العقل أصبح كالحيوان؛ ولهذا حرم الله الخمر وسميت بـ (أم الخبائث)؛ لأنها سبب في كل قبيح.
قال القرطبي: «وإن الشارب يصير ضحكة للعقلاء، فيلعب ببوله وعذرته وربما يمسح وجهه، حتى رؤي بعضهم يمسح وجهه ببوله، ويقول: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، ورؤي بعضهم والكلب يلحس وجهه وهو يقول له: أكرمك الله كما أكرمتني»147.
وما في الخمر من أضرار نفسية وبدنية وخلقية وما يترتب عليها من آثار سيئة في الفرد والجماعة شيء يجمع عليه جميع العقلاء والعلماء سواء علماء الدين، أو الطب، أو الأخلاق، أو الاجتماع، أو الاقتصاد، ولو أننا أخذنا رأيهم في تعاطي المسكرات لكان جواب جميعهم واحدًا: منع تعاطيها منعًا باتًّا؛ لأنها مضرة ضررًا فادحًا.
فعلماء الدين يقولون: إنها محرمة، وما حرمت إلا لأنها أم الخبائث.
وعلماء الطب يقولون: إنها من أعظم الأخطار التي تهدد نوع البشر148، لا بما تورثه مباشرة من الأضرار السامة فحسب، بل بعواقبها الوخيمة أيضًا، إذ أنها تمهد السبيل لخطر لا يقل ضررًا عنها. والخمر توهن البدن وتجعله أقل مقاومة وجلدًا في كثير من الأمراض مطلقًا، وهي تؤثر في جميع أجهزة البدن، وخاصة في الكبد، وهي شديدة الفتك بالمجموعة العصبية.
لذلك لا يستغرب أن تكون من أهم الأسباب الموجبة لكثير من الأمراض العصبية ومن أعظم دواعي الجنون والشقاوة والإجرام، لا لمستعملها وحده، بل وفي أعقابه من بعده.
فهي إذن علة الشقاء والعوز والبؤس، وهي جرثومة الإفلاس والمسكنة والذل، وما نزلت بقوم إلا أودت بهم: مادة ومعنى، بدنًا وروحًا، جسمًا وعقلًا.
وعلماء الأخلاق يقولون: لكي يكون الإنسان محافظًا على الرزانة والعفة والشرف والنخوة والمروءة، يلزم عدم تناوله شيئًا يضيع به هذه الصفات الحميدة149.
وبالجملة فقد جمعت الخمر جميع المفاسد الدنيوية، فضلًا عن مفاسدها الدينية، ولذلك كانت أم الخبائث، وقد سميت بذلك في الأثر المروي عن عثمان رضي الله عنه قال: (اجتنبوا الخمر، فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس، فعلقته امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها فقالت: إنا ندعوك لشهادة، فدخل معها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي، أو تقتل هذا الغلام، أو تشرب الخمر، فسقته كأسًا، فقال: زيدوني، فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر، فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدًا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه)150.
موضوعات ذات صلة: |
الحرام، السؤال، الشرب، الميسر |
1 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٢/٢١٥.
2 انظر: المحكم والمحيط الأعظم، ابن سيده ٥/١٨٥.
3 الصحاح، الجوهري ٢/٦٤٩.
4 تهذيب اللغة، الأزهري ٧/١٦٢.
5 السياسة الشرعية ص٥٠.
6 انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، محمد فؤاد عبدالباقي ص ٢٤٥.
7 انظر: بصائر ذوي التمييز، الفيروزآبادي ٢/٥٧١، عمدة الحفاظ، السمين الحلبي ٢/ ٥٣٣-٥٣٤.
8 لسان العرب، ابن منظور ٦/١٨٩.
9 انظر: جامع البيان، الطبري ٢١/٣٦، زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٥٤٠.
10 انظر: مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٢٦٧.
11 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٣٨٠.
12 مقاييس اللغة، ابن فارس ٣/٨٩.
13 الصحاح، الجوهري ٢/٦٨٧.
14 المفردات، الراغب الأصفهاني ص ٤١٦.
15 تاج العروس، الزبيدي ١١/٢٠٨.
16 المفردات، الراغب ص٢٩٩.
17 أحكام القرآن، الجصاص ٢/٥.
18 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٥٢.
19 المصدر السابق.
20 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأشربة، باب الخمر من العنب، ٧/١٠٥، رقم ٥٥٨٥.
21 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام، ٣/١٥٨٧، رقم ٢٠٠٣.
22 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأشربة، باب الخمر من العنب، ٧/١٠٥، رقم ٥٥٨٠.
23 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ)، ٦/٥٣، رقم ٤٦١٩.
24 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأشربة، باب الخمر مما هو، ٣/ ٣٢٦، رقم ٣٦٧٧، والنسائي في سننه، كتاب الأشربة، باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح السكر، ٨/٣٢٠، رقم ٥٦٨٢.
25 فتح الباري، ابن حجر ١٠/٤٦.
26 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأشربة، باب نزل تحريم الخمر وهي من البسر والتمر، ٧/١٠٥، رقم ٥٥٨٣.
27 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا، ٦/٥٤، رقم ٤٦٢٠.
28 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٢٩٤.
29 أحكام القرآن، ابن العربي ١/٢٠٩.
30 المصدر السابق
31 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأشربة، باب النهي عن المسكر، ٣/٣٢٧، رقم ٣٦٨١، والترمذي في سننه، أبواب الأشربة، باب ما جاء ما أسكر كثيره فقليله حرامٌ، ٤/٢٩٢، رقم ١٨٦٥.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٩٧٠، رقم ٥٥٣٠.
32 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأشربة باب النهي عن المسكر، ٣/٣٢٩ ، رقم ٣٦٨٧ .
33 أخرجه الترمذي في سننه، أبواب الأشربة، باب ما أسكر كثيره فقليله حرام، ٤/٢٩٣، رقم ١٨٦٦.
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وصححه الألباني في إرواء الغليل، ٨/٤٤، رقم ٢٣٧٦.
34 أحكام القرآن، الجصاص ٤/١٢٨.
35 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب لا يستنجى بروث، ١/ ٤٣، رقم ١٥٦.
36 أحكام القرآن، ابن العربي ٢/١٦٤.
37 لباب التأويل، الخازن ١/١٥٠.
38 أحكام القرآن، ابن العربي ٢/١٦٥.
39 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٢٨٨.
40 المصدر السابق.
41 مقاييس اللغة، ابن فارس ٥/٤٣٤.
42 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٥٧.
43 جامع البيان، الطبري ٩/٥٠٨.
44 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٥٧.
45 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٣.
46 التفسير الوسيط، الواحدي ٢/١٥٢.
47 مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٢٤.
48 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٧/٢٣.
49 نظم الدرر، البقاعي ٦/٢٩١
50 المصدر السابق.
51 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/٢٤.
52 المصدر السابق.
53 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٥٢.
54 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن ٦/١٨٥، رقم ٤٩٩٣.
55 قد نص القرطبي في النص السابق على أنهما نزلتا منفصلتين، وأن الثانية منهما نزلت قبل الأولى.
56 جامع البيان، الطبري ١٧/٢٤٣.
57 أحكام القرآن، ابن العربي ٣/١٣٥.ونص الخازن على أنها أول آية نزلت فقال: «وجملة القول في تحريم الخمر أن الله عز وجل أنزل في الخمر أربع آيات نزلت بمكة: ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرًا فكان المسلمون يشربونها في أول الإسلام، وهي لهم حلال» لباب التأويل، الخازن ١/١٤٨، لكنه أنكر نسخها بعد كما سيأتي.
58 المحرر الوجيز، ابن عطية ٣/٤٠٥.
59 لباب التأويل، الخازن ٣/٨٥.
60 أحكام القرآن، ابن العربي ٣/١٣٥.
61 أخرجه أبو داود، كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر، ٣/٣٢٥، رقم ٣٦٧٠ .
قال علي بن المديني: هذا إسناد صالح. انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ١/٥٧٨.
62 أخرجه أحمد في مسنده، ١٤/٢٦٨.
قال المحقق: حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي معشر، وهو نجيح بن عبد الرحمن السندي، ولجهالة أبي وهب مولى أبي هريرة، فقد روى عنه اثنان: أبو معشر وهو ضعيف، وجميل بن بشر أورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٢/٥١٩ وجهله، وأبو وهب ذكره ابن سعد في الطبقات ٥٦، وقال: كان قليل الحديث.
63 أخرجه أبو داود، كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر، ٣/٣٢٥، رقم ٣٦٧١. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ٢/٤١٦، رقم ٣٦٧١.
64 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل سعد بن أبي وقاص، ٤/١٨٧٧، رقم ١٧٤٨.
65 أسباب النزول، الواحدي ص١٠٨.
66 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، ٥/٨٢، رقم ٤٠٠٣.
67 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٥٢.
68 المصدر السابق ٦/٢٩٢.
69 أحكام القرآن، الجصاص ٢/٢.
70 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٦/٢٨٧.
71 مفاتيح الغيب، الرازي ١٢/٤٢٤.
72 المصدر السابق.
73 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الأشربة والحد فيها، باب ما جاء في تحريم الخمر، ٨/٥٠٠، رقم ١٧٣٣٩.
قال ابن كثير: رواه البيهقي وهذا إسناد صحيح. وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه ذم المسكر عن محمد بن عبد الله ابن بزيع، عن الفضيل بن سليمان النميري، عن عمر بن سعيد، عن الزهري، به مرفوعًا، والموقوف أصح، والله أعلم.
انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٣/١٨٩.
74 لباب التأويل، الخازن ١/١٥٠.
75 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام، ٣/٨٤، رقم ٢٢٣٦، ومسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير، ٣/١٢٠٧، ١٥٨١.
76 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر، ٣/١٢٠٦، رقم ١٥٧٩.
77 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب المساقاة، باب تحريم بيع الخمر، ٣/١٢٠٦، رقم ١٥٨٠.
78 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأشربة، باب العنب يعصر للخمر، ٣/٣٢٦، رقم ٣٦٧٤.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ١/٣٧٠، رقم ١٨٠٢.
79 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الأشربة، باب لعنت الخمر على عشرة أوجه، ٢/١١٢١، رقم ٣٣٨٠.
80 أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الأشربة، باب مدمن الخمر، ٢/ ١١٢٠، رقم ٣٣٧٥.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/١٠٢٠، رقم ٥٨٦١.
81 البحر المحيط، أبو حيان ٤/٣٥٧.
82 أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الأشربة، باب النهي عن المسكر، ٣/٣٢٧، رقم ٣٦٨٠.
وصححه الألباني في صحيح الجامع، ٢/٨٣٥، رقم ٤٥٤٨.
83 أخرجه أحمد في مسنده، ٤٥/٥٧٨، رقم ٢٧٦٠٣.
قال المحقق: حديث صحيح لغيره دون قوله: «فإن مات مات كافرًا»، وهذا إسناد ضعيف لضعف شهر بن حوشب، وابن خثيم، وهو عبد الله بن عثمان، مختلف فيه.
84 أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الأشربة، ٤/١٦٣ ، رقم ٧٢٣٤.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ولم يتعقبه الذهبي.
85 البحر المحيط، أبو حيان ٤/٣٥٧.
86 بداية المجتهد، ابن رشد ٤/٢٢٧.
87 الطلاء: هو أن يطبخ العصير حتى يصير مثل طلاء الإبل.
انظر: فتح الباري، ابن حجر ١٠/٦٣.
88 أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الأشربة، باب الحد في الخمر، ٢/٨٤٢. قال ابن عبد البر: هذا الإسناد أصح ما يروى من أخبار الآحاد.
انظر: الاستذكار ٨/٣.
89 الاستذكار، ابن عبد البر ٨/٣.
90 بداية المجتهد، ابن رشد ٤/٢٢٧.
91 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب ما جاء في ضرب شارب الخمر، ٨/١٥٧، رقم ح٦٧٧٣.
92 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحدود، باب الضرب بالجريد والنعال، ٨/١٥٨، رقم ٦٧٧٩.
93 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب حد الخمر، ٣/١٣٣١، رقم ١٧٠٦.
94 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب حد الخمر، ٣/١٣٣١، رقم ١٧٠٧.
95 أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الحدود والديات، ٤/١٩٧، رقم ٣٣٢٥، عن عبد الرحمن بن أزهر: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشارب خمر وهو بحنين فحثى في وجهه التراب، ثم أمر أصحابه فضربوه بنعالهم وبما كان في أيديهم، فقال لهم: «ارفعوه» فرفعوه، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلك السنة.ثم جلد أبو بكر في الخمر أربعين، ثم جلد عمر أربعين صدرًا من إمارته، ثم جلد ثمانين في آخر ولايته، ثم جلد عثمان الحدين جميعًا ثمانين وأربعين، ثم أثبت معاوية الجلد ثمانين».
96 أخرجه الدارقطني أيضًا في سننه، كتاب الحدود والديات، ٤/١٩٥، رقم ٣٣٢٠، عن عبد الرحمن بن أزهر، قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو يتخلل الناس يسأل عن منزل خالد بن الوليد، فأتي بسكران، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن عنده، فضربوه بما في أيديهم، قال: «وحثى رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب».قال: ثم أتي أبو بكر بسكران، قال: فتوخى الذي كان من ضربهم يومئذ فضرب أربعين سنن». وقال أيضا: «قال الزهري: ثم أخبرني حميد بن عبد الرحمن، عن ابن وبرة الكلبي، قال: أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر، فأتيته ومعه عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي، وطلحة، والزبير، وهم معه متكئون في المسجد، فقلت: إن خالد بن الوليد أرسلني إليك وهو يقرأ عليك السلام، ويقول: إن الناس قد انهمكوا في الخمر، وتحاقوا العقوبة فيه، فقال عمر: هم هؤلاء عندك فسلهم، فقال علي: «نراه إذا سكر هذي، وإن هذي افترى، وعلى المفتري ثمانين»، فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قال، قال: فجلد خالد ثمانين جلدة، وجلد عمر ثمانين، قال: وكان عمر إذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت به الذلة ضربه أربعين، قال: وجلد عثمان أيضًا ثمانين وأربعين».كتاب الحدود والديات، ٤/١٩٦، رقم ٣٣٢١.
97 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الحدود، باب في حد الخمر كم هو وكم يضرب شاربه، ٥/٥٠٤، رقم ٢٨٤١٣.
98 أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الحدود، باب في حد الخمر كم هو وكم يضرب شاربه، ٥/٥٠٣، رقم ٢٨٤١١.
99 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب حد الخمر، ٣/١٣٣١، رقم ١٧٠٧.
100 بداية المجتهد، ابن رشد ٤/٢٢٧.
101 أحكام القرآن، ابن العربي ٣/٣٣٥.
102 الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٢/١٦٥.
103 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٧٨٦.
104 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٣/٥٤٠.
105 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٤٣٧.
106 المصدر السابق ٢/٤٦٢.
107 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٤٥٣.
108 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٤٣٧.
109 الدر المنثور، السيوطي ٨/٣٦٩.
110 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/١١٢.
111 لباب التأويل، الخازن ٤/١٨.
112 أنوار التنزيل، البيضاوي ٥/١٠.
113 انظر: زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٢٢٠.
114 التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي ٢/٤٣٩.
115 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٣٨٠.
116 أضواء البيان، لشنقيطي ١/٤٢٦.
117 مفاتيح الغيب، الرازي ٢٦/٣٣٣.
118 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/٢٨٢.
119 انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ١٧/٢٠٦.
120 التفسير الوسيط، طنطاوي ١٥/٢٢١.
121 انظر: لباب التأويل، الخازن ٤/٢٣٥.
122 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/١١١.
123 تفسير القرآن العظيم، ابن كثير ٨/٢٨٩.
124 لباب التأويل، الخازن ٤/٤٠٥.
125 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٠٢.
126 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٣/١١١.
127 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٤١٣.
128 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢٥/٢٥٤.
129 تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص٩٠١.
130 زاد المسير، ابن الجوزي ٤/٣٧٩.
131 المحرر الوجيز، ابن عطية ٥/٤١٣.
132 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٣٣٨.
133 روائع البيان، الصابوني ١/٢٧٣.
134 التحرير والتنوير، ابن عاشور ٢/٣٣٨.
135 المصدر السابق ٢/٣٣٩.
136 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب فضائل القرآن، باب تأليف القرآن، ٦/١٨٥، رقم ٤٩٩٣.
137 فتح الباري، ابن حجر ٩/٤٠.
138 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب علامة الإيمان حب الأنصار، ١/١٢، رقم ١٨.
139 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها، ٣/١٣٣٣، رقم ١٧٠٩.
140 جامع البيان، الطبري ٢٣/٣٤٢. قال ابن كثير في تفسيره ٨/٩٩: «وهذا أثر غريب، وفي بعضه نكارة، والله أعلم».
141 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: (إنما الخمر والميسر والأنصاب...)، ٦/٥٣، رقم ٤٦١٧، ومسلم في صحيحه، كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر، وبيان أنها تكون من عصير العنب، ومن التمر والبسر والزبيب، وغيرها مما يسكر، ٣/١٥٧١، رقم ١٩٨٠.
142 روائع البيان، الصابوني ١/٥٦٢.
143 التفسير المنير، الزحيلي ٧/٣٩.
144 المصدر السابق.
145 المصدر السابق.
146 المصدر السابق.
147 المصدر السابق ١/٢٧٤.
وانظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي ٣/٥٧.
148 من آثار الخمر الإصابة بالتهاب القصبات الرئوية والرئة وبطانة الأنف، ويؤثر على الدماغ والخلايا العصبية ويثبط التنفس وقد يؤدي إلى الموت، ويؤثر على الأجنة في بطون الحوامل، ويؤدي إلى التهاب وتشقق اللسان وتأثر الذوق، والإصابة بسرطان اللسان، وسيلان لعابي مقرف، ويسبب قرحة المعدة وسرطان المريء والمعدة، وعسر الامتصاص، وغازات كريهة، ويؤثر على الكبد ويؤدي إلى تشحمه وتشمعه وهو أحد أكبر أسباب الوفيات، وويصيب باعتلال العضلة القلبية، وارتفاع الضغط، والقصور الجنسي، ويؤدي إلى ضعف الجهاز المناعي، وتعد الخمر وآثارها القاتل الأول في بعض الدول كفرنسا وألمانيا. انظر: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، يوسف الحاج أحمد ص٦٠٧-٦٣٧.
149 انظر: فقه السنة، السيد سابق ٢/٣٧٣.
150 أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الأشربة والحد فيها، باب ما جاء في تحريم الخمر، ٨/٥٠٠، رقم ١٧٣٣٩.
قال ابن كثير في تفسيره ٣/١٨٩: «رواه البيهقي وهذا إسناد صحيح.وقد رواه أبو بكر ابن أبي الدنيا في كتابه ذم المسكر عن محمد ابن عبد الله بن بزيع، عن الفضيل بن سليمان النميري، عن عمر بن سعيد، عن الزهري، به مرفوعًا، والموقوف أصح، والله أعلم».